![]() |
السبيل إلى دراسة فقه إسلامي صحيح
السبيل إلى دراسة فقه إسلامي صحيح بسم الله الرحمن الرحيم تقديــــــم إن الحمـد لله ، نحمـده ونسـتعينه ونسـتغفره ، ونعـوذ بالله من شـرور أنفسـنا ومـن سـيئات أعمالنـا ، مـن يهـده الله فـلا مضـل لـه ، ومـن يضلـل فـلا هــادي لـه ، وأشـهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شـريك لـه ، وأشـهد أن محمـدًا عبـده ورسـوله . { يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ اتَّقُـواْ اللهَ حَـقَّ تُقَاتِـهِ وَلاَ تَمُوتُـنَّ إِلاَّ وَأَنتُـم مُّسْـلِمُونَ } . سورة آل عمران / آية : 102 . { يَـا أَيُّهَـا النَّـاسُ اتَّقُـواْ رَبَّكُـمُ الّـَذِي خَلَقَكُـم مِّـن نَّفْـسٍ وَاحِـدَةٍ وَخَلَـقَ مِنْهَـا زَوْجَهَـا وَبَـثَّ مِنْهُمَـا رِجَـالًا كَثِيرًا وَنِسَـاء وَاتَّقُـواْ اللهَ الَّـذِي تَسَـاءلُونَ بِـهِ وَالأَرْحَـامَ إِنَّ اللهَ كَـانَ عَلَيْكُـمْ رَقِيبـًا } . سورة النساء / آية : 1 . { يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنـُوا اتَّقُـوا اللهَ وَقُولُـوا قَـوْلًا سَـدِيدًا * يُصْلِـحْ لَكُـمْ أَعْمَالَكُـمْ وَيَغْفِـرْ لَكُـمْ ذُنُوبَكُـمْ وَمَـن يُطِـعْ اللهَ وَرَسُـولَهُ فَقَـدْ فَـازَ فَـوْزًا عَظِيمـًا } . سورة الأحزاب / آية : ( 70 ، 71 ) . أمــا بعـــد : فـإن أصـدقَ الحديـثِ كتـابُ اللهِ ، وخيـرَ الهـدي هــديُ محمـدٍ ـ صلى الله عليه وعلى آلهوسلم ـ ، وشـرَّ الأمـورِ محدثاتُهَـا ، وكـلَّ محدثـةٍ بدعـةٌ ، وكـلَّ بدعـةٍ ضلالـةٌ ، وكـلَّ ضلالـةٍ فـي النـار . ثــم أمــا بعـــد : إن من أشـرف العلـوم وأعظمهـا خيـرًا ونفعـًا : " علـم أحكـام أفعـال العبيـد " ، المشـتهر بعـد باسـم : " الفقـه الإسـلامي " . المشـمول فـي عمـوم قـول النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " مـن يـردِ اللهُ بـه خيـرًا يفقهـه فـي الديـن ، وإنمـا أنـا قاسـم والله يعطـي ..... " . متفق عليه من حديث معاوية .صحيح البخاري . متون / ( 3 ) ـ كتاب : العلم / ( 13 ) ـ باب : من يرد الله به ... / حديث رقم : 71 / ص : 20 . والفقـــه لغـــة : الفهـم . ومنـه قولـه تعالـى : { وَاحْلُـلْ عُقْـدَةً مِّـن لِّسَـانِي * يَفْقَهُـوا قَوْلِـي }.سورة طه / آية : 27 ، 28 . الفقـــه اصطلاحــًا : " معرفـة الأحكـام الشـرعية العلميـة بأدلتهـا التفصيليـة " . والمـراد بقولنـا : " معرفـــة " : العلــم ، والظـن . لأن إدراك الأحكـام الفقهيـة ، قـد يكـون يقينـًا ، وقـد يكـون ظنـًا كمـا فـي كثيـر مـن مسـائل الفقـه . ولهـذا فـإن مسـائل الاجتهـاد التـي يختلـف فيهـا أهـل العلـم غالبهـا ظنـــي ، وليسـت بعلميـة . ولـو كانـت علميـة لمَـا اختلفـوا فيهـا . المقصـــود بالظــن : هـو الظـن المحمـود المبنـي علـى أسـس واجتهـاد . فالظـن ظنـان : 1 ـ ظـن جائـز محمـود : وهـو المبنـي علـى اجتهـاد ، فهـذا هـو مـا يسـتطيعه الإنسـان . قـال تعالـى : { لاَ يُكَلِّـفُ اللهُ نَفْسـاً إِلاَّ وُسْـعَهَا ... } سورة البقرة / آية : 286 . * وعـن عمـرو بـن العـاص ـ رضي الله عنه ـ أنـه سـمع رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول : " إذا حكـم الحاكـم فاجتهـد ثـم أصـاب فلـه أجـران ، وإذا حكـم فاجتهـد ثـم أخطـأ فلـه أجـر " . صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب : الاعتصام بالكتاب والسنة / ( 21 ) ـ باب : أجر الحاكم ... / حديث رقم : 7352 / ص : 853 . ومعلـوم أنـه لـو كـان حُكْـم الحاكـم يقينـًا لمـا أخطـأ ، ولكـن الحكـم المقصـود هـو الحكـم الظنـي المبنـي علـى أسـاس واجتهـاد . 2 ـ ظـن غيـر جائـز ، مذمـوم : وهـو لا يُبنـى علـى أسـاس . مثــال : إذا جـاء رجـل لعامـي يسـأله علـى شـيء هـل هـو جائـز أم حـرام ؟ فقـال العامـي : أظنـه حرامـًا . هـذا غيـر جائـز ، لأنـه لـم يبـن جوابـه علـى أسـاس علمـي واجتهـاد ، وهـو غيـر أهـل للاجتهـاد أصـلاً . لكـن لـو كـان هنـاك رجــل ـ عالـم ـ مجتهـد تأمـل الأدلـة فغلـب علـى ظنـه أن هـذا القــول هـو الراجـح ، فهـذا ظـن جائـز ، لأن هـذا منتهـى اسـتطاعته . شرح الأصول من علم الأصول / للشيخ العثيمين / ص : 23 / بتصرف . وأحكـام هـذا العلـم تسـاير المسـلم وتلازمـه فـي عمـوم مسـالك حياتـه فيمـا بينـه وبيـن ربـه ، وفيمـا بينـه وبيـن عبـاده . ولجـلال هـذا العلـم ونفعـه ؛ تَسَـابق العلمـاء فـي تدويـن " الفقـه الإسـلامي " ، فقعَّـدوا القواعـد ، وأصَّلُـوا الأصـول ، واسـتنبطوا الألـوف المؤلفـة مـن الفـروع فـي آلاف المجلـدات . وهـؤلاء الأجلـة مـن العلمـاء علـى تنـوع مؤلفاتهـم الفقهيـة وتزاحـم هممهـم العَلِيَّـة ، تختلـف مدوناتهـم باختـلاف مشـاربهم واتجـاه فقههـم . فمنهـم مـن ألَّـفَ فـي دائـرة مذهبـه ومـا زاد . ومنهـم مـن ألَّـف فـي دائـرة المذاهـب الفقهيـة المنتشـرة فـي الأمصـار . ومنهـم مـن كـان كذلـك مبينـًا أدلـة الخـلاف ووجـوه الاسـتدلال .ومنهـم رعيـل ألَّـف علـى سـبيل الاجتهـاد والتحقيـق ، والنظـر العميـق ، ... . ومـن خـلال مؤلفـات هـؤلاء العلمـاء الأجـلاء ، عُقِـدَ العـزم علـى تصنيـف " بحـث " لتيسـير فهـم الأحكـام الفقهيـة مـع محاولـة الاسـتدلال لكـل مسـألة بكتـاب الله أو سـنة رسـول الله ـ صلى اللهعليه وعلى آله وسلم ـ ، حسـب قواعـد الاسـتدلال واجتهـاد علمـاء هـذا الفـن مـن العلـوم الشـرعية . وإن كانـت المسـألة خلافيـة ـ وهـو الغالـب علـى مسـائل الفقـه ـ حاولنـا إيـراد الخـلاف ورأي العلمـاء فيـه . وقـد يـؤدي بنـا هـذا الخـلاف إلـى ذكـر رأي محـدد مُرَجِّـح لهـذا الخـلاف . وقـد يـؤدي بنـا إلـى الامتنـاع عـن الترجيــح والتوقـف وتــرك هـذا للـدارس عـن طريـق أهـل الذكـر . ولكـن قبـل ذلـك لابـد مـن معرفـة السـبيل لفهـم ودراسـة المسـائل الفقهيـة وهـذا لا يتأتـى إلا بدراسـة مصطلحـات معينـة ومعرفـة مدلولاتهـا . ومعرفـة بعـض الضوابـط للدراسـات الفقهيـة . نسـأل الله التوفيـق فـي الدلالـة إلـى هـذا السـبيل المـؤدي إلـى النبـع الصَّافـي المتمثـل فـي الاتبـاع واقتفـاء أثـر الرسـول راجيــن لقـاءه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم عنـد حوضـه الشـريف آمنيـن فائزيـن . والله المسـتعان وعليـه التكـلان . وعملنـا فـي البحـث الموسـوم بـ : " الســـبيل إلـى دراســة فقــه إســلامي صحيــح " ينقسـم إلـى قسـمين : القسم الأول : دراسة بعـض المصطلحات والأســس والمفاهيم الهامة القسـم الثاني : دراسـة الأبـواب والمسائل الفقهية . |
القسم الأول دراسة بعض المصطلحات والأسس والمفاهيم الهامة المبحـــث الأول العمـــل بالكتـــاب والســـنة المطلـــب الأول : وجــوب العمــل بالكتــاب والســنة اعلـم أن نصـوص الكتـاب والسـنة التـي لا تُحْصَـى ، قـد تضافـرت بإلـزام جميـع المكلفيـن بالعمـل بكتـاب الله وسـنة رسـوله صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم . قـال تعالـى : { اتَّبِعُـواْ مَـا أُنـزِلَ إِلَيْكُـم مِّـن رَّبِّكُـمْ وَلاَ تَتَّبِعُـواْ مِـن دُونِـهِ أَوْلِيَاء قَلِيـلًا مَّا تَذَكَّـرُونَ } .سورة الأعراف / آية : 3 . والمـراد بمـا أُنـزل إليكـم : هـو القـرآن والسـنة المُبَيِّنَـة لـه ، لا آراء الرجـال . وقـال تعالـى : { فَـلاَ وَرَبِّـكَ لاَ يُؤْمِنُـونَ حَتَّـىَ يُحَكِّمُـوكَ فِيمَـا شَـجَرَ بَيْنَهُـمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِـهِمْ حَرَجـًا مِّمَّـا قَضَيْـتَ وَيُسَـلِّمُواْ تَسْـلِيمًا } . سورة النساء / آية : 65 . وقـال تعالـى : { قُـلْ إِن كُنتُـمْ تُحِبُّـونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِـي يُحْبِبْكُـمُ اللهُ ... } .سورة آل عمران : آية : 31 . وقـال تعالـى : { فَـإِن لَّمْ يَسْـتَجِيبُوا لَـكَ فَاعْلَـمْ أَنَّمَـا يَتَّبِعُـونَ أَهْوَاءهُـمْ وَمَـنْ أَضَـلُّ مِمَّـنِ اتَّبَـعَ هَـوَاهُ بِغَيْـرِ هُـدًى مِّـنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْـدِي الْقَـوْمَ الظَّالِمِيـنَ } .سورة القصص / آية : 50 . والاسـتجابة لـه صلـى الله عليـه وعلـى آلـه وسـلم بعـد وفاتـه هـي الرجـوع إلـى سـنته صلـى الله عليـه وعلـى آلـه وسـلم ، وهـي مُبَيِّنَـة لكتـاب الله . قـال تعالـى : { مَّـنْ يُطِـعِ الرَّسُـولَ فَقَـدْ أَطَـاعَ اللهَ ... } . سورة النساء / آية : 80 . وقـال تعالـى : { إِنَّمَـا كَـانَ قَـوْلَ الْمُؤْمِنِيـنَ إِذَا دُعُـوا إِلَـى اللهِ وَرَسُـولِهِ لِيَحْكُـمَ بَيْنَهُـمْ أَن يَقُولُـوا سَـمِعْنَا وَأَطَعْنَـا وَأُوْلَئِـكَ هُـمُ الْمُفْلِحُـونَ * وَمَـن يُطِـعِ اللهَ وَرَسُـولَهُ وَيَخْـشَ اللهَ وَيَتَّقْـهِ فَأُوْلَئِـكَ هُـمُ الْفَائِـزُونَ }سورة النور / آية : 51 ، 52 . ولاشـك عنـد كـل أحـد مـن أهـل العلـم أن طاعـة الله ورسـوله المذكـورة فـي هـذه الآيـات ونحوهـا مـن نصـوص الوحـي ، محصـورة فـي العمـل بكتـاب الله وسـنة رسـوله صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم . فنصـوص القـرآن والسـنة كلهـا دالـة علـى لـزوم تدبـر الوحـي ، وتفهمـه وتعلمـه والعمـل بـه . صحيح فقه السنة / ج : 1 / ص : 34 . * * * * * المطلـــب الثانــي : التمســـك بالكتــاب والســنة إن قـوة الأمـة فـي ولائهـا لربهـا .وترابطهـا فـي ارتباطهـا بدينـه . وعزتهـا فـي إعزازهـا لكلماتـه .وشـرفها فـي دعوتهـا إليـه . ورخاءهـا فـي طاعتـه .وعافيتهـا وأمنهـا فـي اعتصامهـا بـه . والخيـر جميعًـا فـي إيمانهـا وعملهـا بكتـاب الله وسـنة رسـوله صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم . وقـد آمنـت أمـة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي عهدهـا الأول بذلـك كلـه ، فعضـت بنواجذهـا علـى كتـاب ربهـا وسـنة نبيهـا ، وقبضـت علـى دينهـا قبضـة المؤمـن الموقـن بجمـال وكمـال دينـه ، وصلاحـه لقيـادة الحيـاة وهدايـة النـاس ، فعـاش الكتـاب والسـنة حينـذاك فـي القلـوب إيمانًـا وعقيـدة ، وفـي العقـول فكـرًا وثقافـة ، وفـي النفـوس واعظًــا ومربيًـا ، وبيـن النـاس حاكمًـا وقاضيًـا ، وبالجملـة فقـد كانـا - أي الكتاب والسنة كانا- فـي حيـاة المسـلمين روحًـا وغايـة وفـي جماعتهـم بِنْيَــةً وقوامًـا وشـريعة ونظامًـا . ولمـا كـان ذلـك هـو حـال أمـة الإسـلام أعزهـا الله بعـزه وحماهـا بحمايتـه وأيدهـا بجنـود مـن عنـده وحقـق فيهـا وعـده ، كمـا قـال تعالـى :{ يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـوا إِن تَنصُـرُوا اللهَ يَنصُرْكُـمْ وَيُثَبِّـتْ أَقْدَامَكُـمْ } .سورة محمد / آية : 7 . فلمـا وهنـت عضدتهـا علـى دينهـا ، وتداعـت قبضتهـا علـى الكتـاب والسـنة ، وراحـت تهتـدي بغيـر هـدي محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وتحتكـم إلـى غيـر حكمـه ، وتركـت الدعـوة إلـى الله ، قَـلَّ عزهـا وغـرب مجدهـا . مقدمة جامع الأحاديث القدسية / عصام ... الصبابطي / ج : 1 / ص : 9 . * * * * * المطلـــب الثالــث : الموقــف مــن الأئمــة المتبوعيــن " اعلـم أن موقفنـا مـن الأئمـة ـ رحمهم الله ـ الأربعـة وغيرهـم ، هـو موقـف سـائر المسـلمين المنصفيـن منهـم ، وهـو موالاتهـم ومحبتهـم وتعظيمهـم وإجلالهـم والثنـاء عليهـم بمـا هـم عليـه مـن العلـم والتقـوى واتباعهـم فـي العمـل بالكتـاب والسـنة الصحيحـة ، وتقديمهـا علـى رأيهـم ، وتعلُّـم أقوالهـم للاسـتعانة بهـا علـى الحـق وتـرك مـا خالـف الكتـاب والسـنة الصحيحـة منهـا . وأمـا المسـائل التـي لا نـص فيهـا ، فالصـواب النظـر فـي اجتهادهـم فيهـا ، وقد يكـون اتبـاع اجتهادهـم أصـوب مـن اجتهادنـا لأنفسـنا ، لأنهـم أكثـر علمًـا وتقـوى منـا ، ولكـن علينـا أن ننظـر ونحتـاط لأنفسـنا فـي أقـرب الأقـوال إلـى رضـا الله وأحوطهـا وأبعدهـا مـن الاشـتباه " . ا . هـ . ( أضواء البيان / 7 / 555 ) . حاشية صحيح فقه السنة / ج : 1 / ص : 35 . · ولتمـــام الفائــدة نــورد : أ : أقــوال الأئمــةِ فـي اتِّبــاع الســنة وتــرك أقوالِهــم المُخالِفَــة لهــا : أولًا : أبـو حنيفـة ـ رحمه الله ـ : فأولهـم الإمـام أبـو حنيفـة النعمـان بـن ثابـت ـ رحمه الله ـ ، وقـد روى عنـه أصحابـه أقـوالاً شـتى وعبـارات متنوعـة ؛ كلهـا تـؤدي إلـى شـيءٍ واحـد وهـو : وجـوب الأخـذ بالحديـث ، وتـرك تقليـد آراء الأئمـة المخالفـة لـه ، منهـا قولـه ـ رحمه الله ـ : " إذا صـح الحديـث فهـو مذهبـي " . ثانيًــا : مالــك بـن أنـسٍ ـ رحمه الله ـ : قـال : " إنمـا أنـا بشـر أخطـئ وأصيـب ، فانْظـروا في رأيـي ؛ فكـل مـا وافـق الكتـاب والسـنة فخـذوه ، وكـل مـا لـم يوافـق الكتـاب والسـنة فاتركـوه " . ثالثًــا : الشــافعي ـ رحمه الله ـ : قـال : " مـا مـن أحـد إلا وتذهـب عليـه سـنة لرسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وتَعْـزُب عنـه . فمهمـا قلـتُ مـن قــول ، أو أصَّـلْتُ مـن أصــل فيـه عـن رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ خـلاف مـا قلـتُ ؛ فالقـول مـا قـال رسـولُ الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وهـو قولـي " . ا . هـ . رابعًــا : أحمـد بـن حنبـل ـ رحمه الله ـ : قـال : " لا تقلدنـي ، ولا تقلـد مالكًــا ولا الشـافعي ، ولا الأوزاعـي ولا الثـوري ، وخـذ مـن حيـث أخـذوا " ا . هـ . مقدمة صفة صلاة النبي / للشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ص : 49 ، ... . ولمـن أراد التوسـع فـي أقـوال الأئمـة فليرجـع إلـى كتـاب " صفـة صـلاة النبـي " للشـيخ محمـد ناصـر الديـن الألبانـي ـ رحمه الله ـ . ب : تَــرْكُ الأتْبَــاعِ بعــضَ أقْــوالِ أئِمَّتِهِــمُ اتِّبَاعًــا للسُّــنَّةِ : كـان أتبـاع الأئمـة لا يأخـذون بأقـوال أئمتهـم كلهـا ، بـل قـد تركـوا كثيـرًا منهـا لمَّـا ظهـر لهـم مخالفتهـا للسـنة ، حتـى أن الإماميـن : " محمـد بـن الحسـن " و " أبـا يوسـف " رحمهمـا الله قـد خالفـا شـيخهما أبـا حنيفـة فـي نحـو ثلـث المذهـب ، وكُتـب الفـروع -أي كتب الفقه .-كفيلـة ببيـان ذلـك . ونحـو هـذا يُقـال فـي " الإمـام المزنـي " وغيـره مـن أتبـاع الشـافعي وغيـره . ولـو ذهبنـا نضـرب علـى ذلـك الأمثلـة لطـال بنـا الكـلام . وخلاصـــة القـــول : ..... ، فإنمـا أخذنـا هـذا المنهـج - المقصود به اتباع الكتاب والسنة الصحيحة -منهـم ـ أي مـن الأئمـة الأربعـة وغيرهـم ـ كمـا سـبق بيانـه . فَمَـنْ أعـرض عـن الاهتـداء بهـم فـي هـذا السـبيل ؛ فهـو علـى خطـر عظيـم ؛ لأنـه يسـتلزم الإعـراض عـن السـنة ، وقـد أُمِرْنَـا عنـد الاختـلاف بالرجــوع إليهـا والاعتمـاد عليهـا ؛ كمـا قـال تعالـى : { فَـلاَوَرَبِّـكَ لاَ يُؤْمِنُـونَ حَتَّـىَ يُحَكِّمُـوكَ فِيمَـا شَـجَرَ بَيْنَهُـمْ ثُـمَّ لاَ يَجِـدُواْ فِـي أَنفُسِـهِمْ حَرَجـاً مِّمَّـا قَضَيْـتَ وَيُسَـلِّمُواْ تَسْـلِيمًا } . سورة النساء / آية : 65 . أسـأل الله تعالـى أن يجعلنـا ممـن قـال فيهـم : { إِنَّمَـا كَـانَ قَـوْلَ الْمُؤْمِنِيـنَ إِذَا دُعُـوا إِلَـى اللهِ وَرَسُـولِهِ لِيَحْكُـمَ بَيْنَهُـمْ أَن يَقُولُـوا سَـمِعْنَا وَأَطَعْنَـا وَأُوْلَئِـكَ هُـمُ الْمُفْلِحُـونَ * وَمَـن يُطِــعِ اللهَ وَرَسُـولَهُ وَيَخْـشَ اللهَ وَيَتَّقْـهِ فَأُوْلَئِــكَ هُـمُ الْفَائِـزُونَ }سورة النور / آية : 51 ، 52 . مقدمة صفة صلاة النبي / للشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / ص : 55 . * * * * * |
المبحـــث الثانـــي الخـــــلاف المطلـــب الأول : فقـــه الخـــلاف قبـل البـدء فـي دراسـة " الفقـه " ، لابـد مـن تعلـم فقـه الخـلاف ، لأن الفقـه بـه خلافـات كثيـرة . فكيـف نواجـه هـذا الخـلاف دون أن تحـدث الفُرْقَـة والتشـاحن ... . نتذكـر مقولـة للشـيخ العثيميـن ـ رحمه الله ـ ، ومفادهـا : " إذا اختلفنــا بمقتضـى الدليـــل فقـد اتفقنــا " . أي اتفقنـا على منهـج اسـتقاء المعلومـة ، أمـا اختلافنـا فـي المسـألة فهـذا حـدث مـع أفضـل القـرون ، مـع الصحابـة الكـرام . " ولْنَعْلَـم أن عقـل كـل عالـم ليـس حُجَّـة علـى عقـل الآخـر . ولا حـرج إذا اتبعـت مـا تظـن أنـه الهـدي ولـو خالفـت غيـرك . ولنمثـل لذلـك بحديـث ابـن عمـر : * عـن ابـن عمـر ـ رضي الله عنهما ـ قـال : قـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يـوم الأحـزاب : " لا يصليـنَّ أحـدٌ العصـر إلا فـي بنـي قريظـة " فـأدرك بعضهـم العصـر فـي الطريـق ، فقـال بعضهـم : لا نصلـي حتـى نأتيهـم .وقـال بعضهـم : بـل نصلـي ، لـم يُـرَدْ مِنَّـا ذلـك . فذُكِـرَ ذلـك للنبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فلـم يُعَنِّـف واحـدًا منهـم ."فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 7 / ( 64 ) ـ كتاب : المغازي / ( 30 ) ـ باب : مرجع النبي من ... / حديث رقم : 4119 / ص : 471 . وحاصـل مـا وقـع فـي القصـة : أن بعـض الصحابـة : حملـوا النهـي علـى حقيقتـه ، ولـم يبالـوا بخـروج الوقـت ، ترجيحًـا للنهـي الثانــي ـ وهـو : " لا يصليــن أحـدٌ العصــر إلا فـي بنـي قريظــة " ـ علـى النهـي الأول ـ وهـو : [ النهـي عـن تأخيـر الصـلاة عـن وقتهـا وخاصـة صـلاة العصـر ] .عن أبي المليح قال : كنا مع بُريدة في غزوة في يوم ذي غَيْمٍ فقال : بكَّروا بصلاة العصر فإن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال : " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " .صحيح البخاري . متون / ( 9 ) ـ كتاب : مواقيت الصلاة / ( 15 ) ـ باب : من ترك العصر / حديث رقم : 553 / ص : 69 . واسـتدلوا بجـواز التأخيـر لمـن اشـتغل بأمـر الحـرب بنظيـر مـا وقـع فـي تلـك الأيـام بالخنـدق : * عـن جابـر بـن عبـد الله : " أن عمـر بـن الخطـاب ـ رضي الله عنه ـ جـاء يـومَ الخنـدق بعـد مـا غربـتِ الشـمسُ يسـبُّ كفـار قريـش ، وقـال : يـا رسـول الله ، مـا كـدت أن أصلِّـيَ حتـى كـادتِ الشـمسُ أن تغـربَ .قـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : والله مـا صليتهـا . فنزلنـا مع النبـيِّ بُطْحَـانَ ، فتوضأنـا لهـا ، فصلـى العصـرَ بعـد مـا غربـت الشـمس ، ثـم : صلـى بعدهـا المغـربَ " . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 7 / ( 64 ) ـ كتاب : المغازي / ( 29 ) ـ باب : غزوة الخندق / حديث رقم : 4112 / ص : 468 . فجـوزوا أن يكـون ذلـك عامـًّا في كـل شـغل يتعلـق بأمر الحـرب ولا سـيما والزمـان زمـان التشـريع . والبعـض الآخـر : حملـوا النهـي علـى غيـر الحقيقـة، وأنـه كنايـة عـن الحـث والاسـتعجال والإسـراع إلـى بنـي قريظـة . وقـد اسـتدل بـه الجمهـور علـى عـدم تأثيـم مـن اجتهـد لأن الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لـم يعنـف أحـدًا مـن الطائفتيـن ، فلـو كـان هنـاك إثـم لعنـف مـن أثـم . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 7 / ... / ص : 473 / بتصرف . فائـــدة مســتخلصة ممــا ســبق : الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، لـم يُعَنِّـف أحـد الفريقيـن ، لأن كـل فريـق أخلـص ، وفعـل الـذي يظـن أن فيـه الاتبـاع والامتثـال لأمـر الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . فالعمـدة فـي الأمـر هـو الامتثـال لمـا يُظَـن أنـه الهـدي ، وأنـه الاتبـاع . * فمـن صلـى " العصـر " فـي بنـي قريظـة ، رغـم خـروج الوقـت لاعتقـاده أن هـذا مَقْصـد النبـي مـن قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " لا تصليـن العصــر إلا فـي بنـي قريظـة " لأن هـذا ظاهــر النـص . فهـو مأجـور . ومـن صلـى " العصــر " فـي وقتـه وقبـل الوصــول إلـى بنـي قريظـة لاعتقـاده أن هـذا هـو الاتبــاع " للنـص العـام " : { ... إِنَّ الصَّـلاَةَ كَانَـتْ عَلَـى الْمُؤْمِنِيـنَ كِتَابـًا مَّوْقُوتـًا } . سورة النساء / آية : 103 . وفهـم أمـر الرســول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " لا تصليـن العصــر إلا فـي بنـي قريظـة " ـ فهِـمَ هـذا ـ علـى أنـه كنايـة عـن الإسـراع إلـى بنـي قريظـة وفَتْحَهَـا حتـى يدركــوا صـلاة العصـر لوقتهـا فـي بنـي قريظـة . فهـو مأجـور . * هـذا مأجـور ، وذاك مأجـور ، لأن كُـلاًّ منهمـا امتثــل لمـا يظـن فيـه الاتبـاع . فاتبـع مـا تَرَجَّـحَ عنـده أنـه الحـق . ـ أمـا إذا صلـى أحدهـم مـع الفريـق الأول ( وهـم الذيـن قالـوا : " لا نصلـي حتـى نأتيهـم " ) ، إذا صلـى العصـر معهـم فـي بنـي قريظـة بعـد خـروج الوقـت ، وكـان يعتقـد أن الاتبـاع فـي الصـلاة لوقتهـا ، ورغـم هـذا تابعهـم وصلـى معهـم . فهــذا آثــم ، رغـم اتفاقهمـا فـي الفعـل . ـ وأمـا إذا صلـى أحدهـم مـع الفريـق الثانـي ( وهـم الذيـن قالـوا : " بـل نصلـي ، ولـم يُــرَدْ منَّـا ذلـك " ) ، إذا صلـى العصـر معهـم علـى وقتـه وقبـل الوصـول إلـى بنـي قريظـة ، وكـان يعتقـد أن الاتبـاع فـي الصـلاة ببنـي قريظـة حتـى لـو خــرج الوقـت ، ورغـم هـذا تابعهـم وصلـى معهـم العصـر لوقتـه وقبـل الوصـول إلـى بنـي قريظـة . فهـذا آثــم ، رغـم اتفاقهمـافـي الفعـل . * * * * * ومضـــة مـا سـبق هـو الاختـلاف فـي المسـائل الفقهيـة . ولكـن قـد يكـون هنـاك خـلاف فـي وجهـات النظـر ـ وليسـت خلافـات فقهيـة بيـن العلمـاء . ويترتـب علـى هـذه الخلافـات فـي وجهـات النظـر فُرْقَـة وهجـر وتجريـح ، وهـذا خـلاف مـا حـض عليـه الإسـلام ، فالإسـلام يدعـو إلـى : التضامـن ، والتماسـك ، والتعـاون . مثالـــه : قـد نختلـف فـي موقـف يترتـب علـى فعلـه طاعـة ، فـإذا كانـت هـذه الطاعـة نافلـة والإمـام يمنـع هـذا لمـا يـراه مـن مفاسـد تترتـب علـى هـذا الفعـل وأن الأولـى والاتبـاع تـرك هـذا الفعـل الـذي هـو فـي نفسـه نافلـة وعمــل مسـتحب ولكـن المصلحـة كمـا يراهـا الإمـام تـرك المسـتحب هـذا تَعبُّـدًا . تطبيقـًا للقاعـدة الفقهيـة : فَـإِنْ تَزَاحَــمْ عَــدَدُ المَصَالِــحِ يُقـــدَّمُ الأَعلــى مِـنَ المَصَالِــحِ وَضِـــدُّهُ تَزَاحُـــمُ المَفَاسِـــدِ يُرتَكَــبُ الأَدْنَــى مِــنَ المَفَاسِــدِ فعلـى المأمـوم التطـاوع للإمـام وعـدم الخـلاف وعـدم الفُرقـة وهـذه كانـت وصيـة الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لمعـاذ بـن جبـل وأبـي موسـى الأشـعري عندمـا بعثهمـا لليمـن للدعـوة ، فقـال لهمـا " تطاوعـا ولا تختلفـا " . قـال البخـاري فـي صحيحـه : حدثنـا يحيـى ، قـال : حدثنـا وكيـع عـن شـعبة عـن سـعيد بـن أبـي بُـرْدةَ عـن أبيـه عـن جـده أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بعـث معـاذًا وأبـا موسـى إلـى اليمـن قـال : " يسِّـرا ولا تُعسـرَا وبشـرَا ولا تنفِّـرا ، وتطاوعـا ولا تختلفـا " .صحيح البخاري . متون / ( 56 ) ـ كتاب : الجهاد والسِّيَرِ / ( 164 ) ـ باب : ما يُكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه / حديث رقم : 3038 / ص : 356 . |
المطلــب الثانـــي موقــف طالـــب العلــم مــن اختــلاف العلمــاء إن طالـب العلـم ينبغـي ألا يَضِيـق بالخـلاف ذرعـًا ، بـل إن كثيـرًا مـن الخـلاف بيـن أهـل العلـم فـي القديـم والحديـث لا محيـد عنـه ولا مفـر ، وهـو أمـر مـن طبيعـة اختـلاف البشـر واجتهاداتهـم وتبايـن آرائهـم وأنظارهـم ، ولكـن علـى الطالـب أن ينتبـه لأمـور : قَـلَّ أن تجـد مسـألة فقهيـة بـل وغيـر فقهيـة ؛ حاشـا " مسـائل العقيـدة الأسـاسـية " إلا وتجـد فيهـا اختلافًـا ، وقَـلَّ أن تجـد حديثًـا ؛ حاشـا مـا فـي " الصحيحيـن " ؛ إلا وتجـد خلافـًا فـي الحكـم عليـه . الخـلاف فـي الترجيـح بيـن الأقـوال فـي المسـائل أو فـي الحكـم علـى الأحاديـث ليـس علـىدرجـة واحـدة ، فمنـه الخـلاف القـوي الـذي تكـاد تتقابـل فيـه الأدلـة ـ قـوة ـ . ومنـه الخـلاف الضعيـف الـذي فيـه قـول ظاهـر القـوة ومـا عـداه دون ذلـك ـ أي رأي راجـح وآخـر مرجـوح ـ ، ومنـه مـا بيـن هـذا وذاك . وعليـه فترجيـح مجتهـد لقـول مـا فـي مسـألة أو حكـم علـى حديـث لا يعنـي اطِّـراح القـول المقابـل لـه حتـى لا يُنظـر إليـه ألْبَتَّـة ، أو يَظُـنّ الطالـبُ أن الحكـمَ فـي المسـألةِ أو علـى الحديـث قـد فُـرِغَ منـه ، لا سـيما فـي ما كـان الخـلاف فيـه قويًّـا ، ما لـم يكـن ذلـك القـول المطَّـرح ظاهـر الضعـف . ـ وتَعْجـب ممـن يقولـون لا نقلـد أحـد المذاهـب ، لكنهـم فـي الحقيقـة يقعـون فـي تقليـد آخريـن مـن سـابقين أومعاصريـن . فالعبـرة بالاتبـاع وليـس بالتقليـد ، والعبـرة باتبـاع الدليـل بمعنـى أن تأخـذ بهـذا القـول لأن دليلـه أو تعليلـه أقـوى مـن دليـل أو تعليـل الآخـر فيمـا يتبيـن لـك ، لا لأن فلانـًا قـال بـه فحسـب . وهـذا بالنسـبة لطالـب العلـم أمـا العامـي - الذي لا يستطيع الدراسة والترجيح ... ، فله أن يبحث ويسأل عن أحد العلماء العاملين بكتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فيقلده ويرجع إليه فيما يعرض له من مسائل شرعية . - لـه فـي هـذا بيـان آخـر . ـ والعجـب مـن البعـض أنهـم إذا وجـدوا فتـوى تخالـف مـا اعتـادوه فـي بلدهـم بنــاءً علـى فتـوى علمائهـم ، إذا رأوا ذلـك طـاروا بـه كـل مَطْيـر وكأنهـم ظفـروا بمـا لـم يظفـر بـه السـابقون ، ولـم يعلمـوا أن الاجتهـاد لا يُعَـارض بمثلـه ، فعـلامَ يعارضـون فتـوى فـلان بفتـوى فـلان ؟ ! ربمـا لـو قلـتَ لـه إن مـا تخالفـه هـو فتـوى فـلان مـن الصحابـة ، أو جُـل الصحابـة ، لتعجـب لأنـه كـان يظـن أن مـا ظفـر بـه مـن الفتـوى قاطـعٌ قـولَ كـل خطيـب . ـ والأمـر أيسـر مـن ذلـك بكثيـر ، فهـذا أدَّاه اجتهـاده إلـى كـذا ، وهـذا أدَّاه اجتهـاده إلـى كـذا ، وكلهـم يعلـم أن المسـألة ليسـت مقطوعًـا بهـا ، ولا مُجْمَعًـا عليهـا ، ولـو اجتمعـا فـي مجلـس لـم ينكـر أحدهمـا على الآخـر ولم يعنِّفـه ، ولكـن الخَطْـب غالبًـا ما يأتـي مـن النَّقَلَـة والـرواة والأتبـاع . ـ وإذا كـان هـذا فـي الترجيـح فـي المسـائل ، فمثلـه يقـال فـي الحكـم علـى الأحاديـث ، والاختـلاف فيهـا ، فإنـك قـد تجـد مَـنْ إذا ظفـر بمـن يضعـف حديثًـا قـد اشـتهر عنـد النـاس العمـل بـه ، لتصحيـح بعـض علمائهـم لـه مـن السـابقين والمعاصريـن ممـن شـهد لـه النـاس بالمعرفـة فـي هـذا الفـن ، إذا ظفـر بذلـك ظـن أن تصحيحـه غيـر معتبـر ألْبتـة ، وراح يحـذر النـاس منـه وكأنـه حديـث موضـوع اتفـق العلمـاء علـى تركـه ، فهـو وإن ضعفـه فـلان ـ مـن أهـل هـذا العلـم ـ فقـد صححـه فـلان أيضـًا ممـن هـو من أهـل هـذا الشـأن وربمـا يكـون له سـلف أيضـًا فـي تصحيحـه . ـ وعلـى طالـب العلـم أن يكـون صـدره متسـعًا لهـذا وذاك ، وإذا ضَعَّـفَ الحديـث متبعـًا قـول فـلان ، فـلا ينبغـي أن يكـون علـى وجـه الاسـتهانة بمـن صححـه أو عـدم الاعتبـار لـه ، ولا ينبغـي أيضـًا أن يحمـل النـاس علـى ذلـك . ـ ورحـم الله " الإمـام مالكـًا " لما صَنَّـفَ الموطـأ فـأراد المنصـور أن يحمـل الأمصـار على العمـل بـه ، فأبـى ذلـك " الإمـام مالـك " . [ فقـد روى ابـن عسـاكر أن أبـا جعفـر المنصـور سـأل الإمـام مالـك ـ رحمه الله ـ أن يحمـل النـاس علـى كتابـه الموطـأ ، فقـال " الإمـام مالـك " لـه : لا تفعـل هـذا ، فـإن النـاس قـد سـبقت إليهـم أقاويـل ، وسـمعوا أحاديـث وروايـات ، وأخـذ كـل قـوم منهـم بمـا سـبق إليهـم وعملـوا بـه ودانـوا بـه مـن اختـلاف النـاس وغيرهـم ، وإنَّ ردَّهـم عمـا اعتقـدوا شـديد ، فـدع النـاس ومـا هـم عليـه ومـا اختـار أهـل كـل بلـد لأنفسـهم ] . التوحيد / جمادى الأولى 1425 / ص : 71 / بتصرف . " الأثر " من كتاب : فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي/ ص : 28 . قـال الشـيخ الألبانـي فـي صفـة صـلاة النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ص : 64 / تحـت موضـوع شـبهات والـرد عليهـا : أحسـن مـا وقعـت عليـه مـن الروايـة ، مـا ذكـره الحافـظ ابـن كثيـر فـي " شـرح اختصـار علـوم الحديـث " ص : 42 ، وهـو أن الإمـام مالـك قـال ( أي قـال للمنصـور عندمـا أراد أن يحمـل النـاس علـى كتـاب الموطـأ ـ فأبـى الإمـام مالـك وقـال [ إن النـاس قـد جمعـوا واطلعـوا علـى أشـياء لـم نطلـع عليهـا ] . ا . هـ . بتصرف . ـ ولا ينبغـي أن تـؤدي هـذه المسـائل ـ الخلافيـة ـ إلـى التدابـر والتباغـض والـولاء والبـراء . قـال الذهبـي فـي " سِـير أعـلام النُّبَـلاء ( 14 / 376 ) " ـ بعـد ذِكْـر مسـألةٍ يـرى فيهـا أن أحـد الأئمـة الأعـلام قـد أخطـأ فـي اجتهـاده ـ : " ولـو أنَّ كـلَّ مـن أخطـأ فـي اجتهـاده ـ مـع صحـة إيمانـه ، وتوخِّيـه لاتبـاع الحـق ـ أهدرنـاه وبدَّعْنـاه ، لَقَـلَّ مَـن يَسْـلَم مـن الأئمـة معنـا ، رحـم الله الجميـع بمنـه وكرمـه " . الموسوعة الفقهية الميسرة / ج : 3 / ص : 242 . وورد بنفـس المرجـع : ومهمـا يكـن مـن أمـر ؛ فإنـه لا ينبغـي أن نختلـف ، أو نتفـرق ، أو نُوالـي ، أو نعـادي فـي هـذه المسـائل ـ الخلافيـة ـ . وليـس لأحـدٍ أن يُلـزم الآخـر برأيـه ، والمهـم ألاَّ يتبـع المـرء هـواه ، فمـا دام قـد اعتمـد علـى أقـوال العلمـاء ، مـع بـذل الأسـباب فـي معرفـة الحـق والصـواب ، والتجـرّد مـن الهـوى والتعصـب ، فقـد سـدَّد وقـارب ونجـا بإذن الله تعالـى . الموسوعة الفقهية الميسرة / ج : 3 / ص : 318 / بتصرف . فـائـــدة : ينبغـي عنـد الخـلاف أن يكـون معتقـدي كمـا قـال العلمـاء : رأيـي هـو الصـواب ويحتمـل الخطـأ . ورأي غيـري هـو الخطـأ ويحتمـل الصـواب . * * * * * |
المطلـــب الثالـــث : أنـــواع الخـــلاف النـــوع الأول : اختــلاف التنــوع : وهـو مـا لايكـون فيـه أحـد الأقـوال مناقضًـا للأقـوال الأخـرى ، بـل كـل الأقـوال صحيحـة .وهـذا مثـل : وجـوه القـراءات ، وأنـواع التشـهدات والأذكـار .انظر أنواعًا من صيغ التشهد في : صفة صلاة النبي ... / للألباني / تحت عنوان : صيغ التشهد / ص : 161 . فمـن قـرأ مثـلاً فـي الفاتحـة " مَالـِكِ يـومِ الديـنِ " وهـو يعلـم صحـة مـن قــرأ " مَلْـِك يَـومِ الديـنِ " ، فـلا يكـون هـذا مناقضًـا لهـذا ، فالكـل يعلـم أن القـرآن نـزل علـى سـبعة أحـرف كلهـا شـاف كـاف . ومـن يقــرأ فـي التشـهد بتشـهد ابـن مسـعود لا يــرى مانعًــا مـن تشـهد ابـن عبـاس ـ رضي اللهعنهما ـ ، أو تشـهد عمـر ـ رضي الله عنه ـ . ومـن هـذا البـاب : الواجـب المخيـر مثـل " كفـارة اليميـن " : قـال تعالـى { لاَ يُؤَاخِذُكُـمُ اللهَ بِاللَّغْــوِ فِـي أَيْمَانِكُـمْ وَلَكِـن يُؤَاخِذُكُـم بِمَـا عَقَّدتُّــمُ الأَيْمَـانَ فَكَفَّارَتُـهُ إِطْعَـامُ عَشَـرَةِ مَسَـاكِينَ مِـنْ أَوْسَـطِ مَـا تُطْعِمُـونَ أَهْلِيكُـمْ أَوْ كِسْـوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيـرُ رَقَبَـةٍ فَمَـن لَّـمْ يَجِـدْ فَصِيَـامُ ثَلاَثَـةِ أَيَّـامٍ ذَلِـكَ كَفَّـارَةُ أَيْمَانِكُـمْ ... } .سورة المائدة / آية : 89 . فـأي واحـد مـن الثلاثـة فعـل ، مـن الإطعـام أو الكسـوة أو العتـق ، أجـزأه وهـو يفعـل واحـدًا منهـا مـع اعتقـاده أن غيـره مـن الثلاثـة صحيـح ، أمـا الصيــام فـلا يجـوز الانتقـال إليـه إلا إذا عدمـت الثلاثـة . ومـن هـذا البـاب : تنـوع الأعمـال الصالحـة . مثال تنوع الأعمال الصالحة يُرجع إلى : صحيح البخاري . متون / ( 30 ) ـ كتاب : الصوم / ( 4 ) ـ باب : الريان للصائمين / حديث رقم : 1897 / ص : 214 . وخلاصـة القـول فـي اختـلاف التنـوع أنـه مـن مقتضيـات الرحمـة ومظاهرهـا ، وأنـه لابـد مـن اسـتثماره لتحقيـق التكامـل بيـن المسـلمين والترابـط . النـــوع الثانــي : اختــلاف التضــاد : وهـو أن يكـون كـل قـول مـن أقـوال المختلفيـن يضـاد الآخـر ويُحكـم بخطئـه أو بطلانـه ، وهـو يكـون فـي الشـيء الواحـد ، يقـول البعـض بحرمتـه والبعـض بحلـه . وهـذا النـوع مـن الخـلاف ينقسـم إلـى نوعيـن : النـــوع الأول : خـلاف سـائغ غيـر مذمـوم . النـــوع الثانـــي : خـلاف غيـر سـائغ مذمـوم . أولًا : النــوع الأول : الخــلاف الســائغ غيــر المذمــوم : ـ تعريفـه : وهـو الخـلاف الـذي لا يخالـف نصـًّا ، مـن كتـاب ، أو سـنة صحيحـة ، أو إجماعـًا ، أو قياسـًا جليـًّا . ومعنـى " النـص " هنـا ، مـا لا يحتمــل إلا معنـى واحـدًا لا اجتهـاد فـي فهمـه علـى وجـوه متعـددة ، وليـس مجـرد وجـود حديـث أو أحاديـث فـي البـاب ـ فقـد توجـد ـ لكـن تكـون دلالاتهـا مُحْتَمَلَـة ، ووجـوه الجمـع مختلفـة ، والتصحيـح والتضعيـف محـل نظـر . فـلا يكـون فـي المسـألة نـص . قـال شـيخ الإسـلام ابـن تيميـة : " والصــواب الـذي عليـه الأئمـة ، أن مسـائل الاجتهـاد مـا لـم يكـن فيـه دليـل يجـب العمـل بـه وجوبـًا ظاهـرًا مثـل حديـث صحيـح لا معـارض لـه مـن جنسـه " .فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي / ص : 26 . * أســباب هـذا الخـــلاف الســائغ : 1ـ مـن هـذه الأسْـبَاب أن الشـرع لـم ينصـب دليـلاً قاطعـًا علـى كـل المسـائل ، بـل جعـل دليـلاً ظنيـًّا يحتـاج لبحـث واجتهـاد ونظـر ، يقـوم بـه مـن حَصَّـلَ مقومـات الاجتهـاد والنظـر . 2 ـ ومنهـا أن أفهـام العبـاد مختلفـة متفاوتـة ، قـد فضـل الله بعضهـم علـى بعـض فيهـا ، فمـا يدركـه هـذا لا يفهمـه هـذا ، ومـا يـراه الواحــد قـد يغيـب عـن الآخريـن ، وقـد أشـار القــرآن إلـى ذلـك بقولـه تعالـى { فَفَهَّمْنَاهَـا سُـلَيْمَانَ وَكُـلاًّ آتَيْنَـا حُكْمـًا وَعِلْمـًا ... } . سورة الأنبياء / آية : 79 .فخـص سـليمان بالتفهيـم . وذلك عندما حكم سليمان بين المرأتين ، وجعل الطفل للصغرى . فعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال " بينمـا امرأتـان معهمـا ابناهمـا ، جـاء الذئـب فذهـب بابـن إحداهمـا .فقالـت هـذه لصاحبتهـا : إنمـا ذهـب بابنـكِ أنـتِ .وقالـت الأخـرى : إنمـا ذهـب بابنـكِ .فتحاكمتـا إلـى داود . فقضـى به للكبـرى . فخرجتـا علـى سـليمان بـن داود عليهمـا السـلام فأخبرتـاه . فقـال : ائتونـي بالسـكين أشـقُّه بينكمـا . فقالـت الصغـرى : لا ، يرحمـك الله ! هـو ابنهـا . فقضـى بـه للصغـرى " . قـال : قـال أبـو هريـرة : والله ! إن سـمعتُ بالسـكين قـط إلا يومئـذٍ . مـا كنـا نقـولُ إلا المُدْيَـةَ . صحيح مسلم . متون / ( 30 ) ـ كتاب : الأقضية / ( 10 ) ـ باب :بيان اختلاف المجتهدين / حديث رقم : 1720 / ص : 448 . 3 ـ ومنهـا أن قـدرة العبــاد علـى البحـث والاجتهـاد مختلفـة أيضـًا ، فمـا يقــدر عليـه البعـض يعجـز عنـه البعـض ، وكـلٌّ مكلـف بمـا يقـدر عليـه . قـال تعالـى "لاَ يُكَلِّـفُ اللهُ نَفْسـًا إِلاَّ وُسْـعَهَا ... " . سورة البقرة / آية : 286 . 4ـ ومنهـا اختـلاف طريقـة التعلـم والتعليـم بيـن علمـاء المسـلمين فـي بلادهـم المختلفـة ، وقـد فطـر الله العبـاد علـى التأثـر بمـا تعلمـوه أولًا . مثـلاً : هنـاك بعـض البــلاد تـدرس الفقـه علـى مذهـب الإمـام أحمـد أي علـى المذهـب الحنبلـي ، فنجـد كـل العلمـاء في هـذا القطـر متأثـرون إلى حـد كبيـر بهـذا المذهـب ، ويظهـر هـذا فـي كتبهـم ، واجتهادهـم . ـ ومعرفـة هـذه الأسـباب ضـرورة فـي إدراك التعامـل الصحيـح مـع هـذا الاختـلاف . فـإذا علمنـا أن هـذه الأسـباب لا يمكـن إزالتهـا ، عرفنـا أن الاجتهــاد فـي معرفـة الصحيـح مـن مسـائل الاختـلاف ، وما يرجحـه البعـض مـن أهــل العلــم فيهـا بمـا وصـل إلـى فهمـه وعلمـه مـن أدلـة ، وبحسـب قدرتـه علـى النظــر والبحـث والاجتهـاد ، لـن يلغـي اجتهــاد غيـره ، ولـن يُخْــرِج المسـألة عـن كَوْنِهَـا مـن مسـائل الاجتهـاد ، وبالتالـي لا تضيـق الصـدور بوجـود هـذا الاختــلاف بيـن أهـل العلـم ، خاصـة بيـن أهـل السـنة وأتْبَــاع السـلف ، كمـا يحـدث لـدى كثيــر ممـن تعـوَّد السـؤال عـن الراجـح مـن الأقـوال ، وظــن أن كـل مسـألة فيهـا قـول راجــح مطلقـًا ، ولـم يتفطــن أنـه راجـح عنـد فـلان ومرجــوح عنـد غيـره ، ولاشـك أن السـؤال عـن الراجـح مـن الأقـوال والأدلـة أمــر محمـودمـن طالـبالعلــم ، ودليـل علـى ورعـه وعـدم حرصــه علـى تعـدد الأقـوال لينتقـي بشـهوته أطيبهــا وأقربهـا إلـى رغبتـه كمـا يفعــل ـ البعـض ـ ، ولكـن لابـد مـن تعميــق فقـه مسـائل الاختـلاف السـائغ ، حتـى لا تدخـل عنـده فـي قضيـة البغـض في الله ، والمعـاداة فـي الله رغـم اتفـاق السـلف علـى خـلاف ظنـه . فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي / ص : 27 / بتصرف . وليكـن الحـوار الهـادئ الـذي نلتـزم فيـه بمـا أدبنـا بـه العلمـاء ، وكمـا نعرفـه مـن طرقهـم فـي البحـث والمناظـرة والـرد الرفيـق علـى المُخَالِـف ، ليكـن هـذا الحـوار هـو الأسـلوب الـذي ينتهجــه المسـلمون فـي خلافاتهـم حـول المسـائل التـي يسـوغ فيهـا الاختــلاف والاجتهــاد ، وليبــذل كـل منـا جهـده فـي معرفــة الحـق والعمــل بـه ، وليعـذر الآخريـن داعيـًا للجميـع بالهدايـة والتوفيـق لمـا يحبـه الله ويرضـاه والقبـول عنـده سـبحانه . فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي / ص : 38 . * ثمــرة معرفــة أســباب الخــلاف الســائغ : عنـد معرفـة أسـباب الخــلاف وأنـه لا سـبيل لإزالتهـا يجعلنـا لا نحـاول السـير فـي طريـق يتمنـاه البعـض لقلـة فهمـه لهـذه المسـائل ، ولقراءتـه لواحـد مـن أهـل العلـم ، أو تلقيـه منـه دون غيـره ،ألا وهـو محاولـة توحيـد الأمـة فـي كـل المسـائل علـى قـولٍ واحـدٍ ، وقـد يتعمـق هـذا لـدى بعـض المبتدئيـن مـن طـلاب العلـم حيـن يَجـد كثيــرًا مـن العلمــاء خاصـة المعاصريـن ينتصـر لقــول مُضَعفـًا ما سـواه ، بـل ربمـا لا يشـير إلـى الخـلاف أصـلاً فضـلاً عـن الإشـارة إلـى درجتـه ، وهـل هـو سـائغ أم غيــر سـائغ ، ولاشـك أن هـذا مسـلك مـا سـلكه أحــدٌ مـن أئمــة العلـم ، بــل المشـهور عنهـم رده علـى مَـنْ طلبـه منهـم . روى ابـنُ عسـاكر أن أبـا جعفــر المنصـور سـأل الإمـام مالـك ـ رحمه الله ـ أن يحمــل النـاس علـى كتابِـهِ " الموطــأ " . فقـال لـه " الإمـام مالـك " : لا تفعــل هـذا ، فـإن النــاس قـد سـبقت إليهـم أقاويـل وسـمعوا أحاديـث وروايـات ، وأخـذ كـل قـوم منهـم بمـا سـبق إليهـم وعملـوا بـه ودانـوا بـه مـن اختـلاف النـاس وغيرهـم ، وإن ردَّهـم عمـا اعتقـدوا شـديد ، فـدع النـاس ومـا هـم عليـه ومـا اختـار أهـل كـل بلـدٍ منهـم لأنفسـهم . فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي / ص : 28 . |
* أمثلـــة للاختــلاف الســائغ : 1 ـ فـي الأمـور الاعتقاديـة والعلميـة : ينـدر فـي أصـول الأمـور الاعتقاديـة والعلميـة هـذا النـوع مـن الخـلاف ، بـل أصولهـا الكبـرى مـن الإيمــان بالله وأسـمائه وصفاتــه وربوبيتـه وألوهيتـه ، والإيمـان بملائكتـه وكتبـه ورسـله ، واليـوم الآخـر والقـدر ، كلهـا إما مـن المعلـوم مـن الديـن بالضـرورة ، أو المُجْمَـع عليـه بيـن أهـل العلـم . والمقصـود بالمعلـوم مـن الديـن بالضـرورة : مـا انتشـر بيـن المسـلمين حتـى علمـه الخـاص والعـام والعالـم والجاهـل . وأمـا المجمـع عليـه بيـن أهـل العلــم : فهـو الـذي يعـرف العلمــاء الإجمـاع فيـه ، وإن لـم يكـن منتشـرًا بيـن عـوام المسـلمين . لكـن توجـد فـي بعـض تفاصيـل ذلـك - أي في بعض تفاصيل الأمور الاعتقادية والعلمية .بعـض الاختلافـات السـائغة أشـار إليهـا العلمـاء ، كمـا ذكـر ابـن تيميـة ، مـن ذلـك : الخـلاف فـي رؤيـة النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ربـه . ومنهـا الخـلاف فـي تسـمية أفعـال الـرب حـوادث- يرجع لتفصيل ذلك إلى بحث عقيدة التوحيد . -مـع الإجمـاع علـى أنهـا ليسـت مخلوقـة ، وأن حدثـه لا يشـبه حـدث المخلوقيـن عند من أجـاز ذلـك كالإمـام البخـاري وابـن تيميـة وابن القيـم ـ رحمهم الله ـ . فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي / ص : 29 . 2 ـ فـي الأمـور العلميـة والفقهيـة وهـي أكثـر مـن أن تُحصـى . مثالـه : الاختـلاف فـي كثيـر مـن أمـور الوضـوء والصــلاة ، كوجـوب المضمضـة والاسـتنشـاق أم اسـتحبابهما ، ووجـوب الترتيـب فـي الوضــوء أم اسـتحبابه ، ووضــع اليمنـى علـى اليسـرى علـى الصـدر بعـد ـ القيـام ـ مـن الركـوع أم إرسـالهما ، والنـزول علـى الركبتيـن أم علـى اليديـن ... . فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي/ ص : 32 . تنبيــه هــام : ليـس معنـى أن الخـلاف فـي المسـألة خـلاف سـائغ ، أنـه يجـوز لكـل واحـد أن ينتقـي بالتشـهي أيًّـا مـن القوليـن دون اجتهـاد . قـال أبـو عمـر بـن عبـد البَـر فـي جامـع بيـان العلـم وفضلـه / ص : 360 . " أجمـع العلمـاء ـ علـى ـ أنـه لا يجـوز تتبـع رخـص العلمـاء ، فضـلاً عـن الـزلات والسـقطات " .ا . هـ . فالواجـب علـى الإنسـان علـى حسـب مرتبتـه فـي العلـم الآتـي : 1ـ " العالـم المجتهـد " : يلزمـه البحـث والاجتهـاد ، وجمـع الأدلـة ، والنظـر فـي الراجـح منهـا ، فمـا ترجـح عنـده قـال بـه وعمـل بـه وأفتـى .ومـا أحـراه فـي المسـائل التـي تعـم بهـا البلـوى أن يشـير إلـى الخـلاف فيهـا مـع بيـان مـا يـراه صوابـًا . 2ـ " طالـب العلـم المميِّـز القـادر علـى الترجيـح " : عليـه أن يعمـل بمـا ظهـر لـه دليلـه مـن أقـوال العلمـاء . 3ـ " العامـي- العامي : مشتقة من العمى . -المقلـد العاجـز عـن معرفـة الراجـح بنفسـه " : عليـه أن يسـتفتي الأوثـق الأعلـم مـن أهـل العلـم عنـده ، ويسـأله عـن الراجـح ، فيعمـل بـه فـي نفسـه ، ويجـوز نقلـه لغيـره مـن غيـر إلـزام لهـم بـه ، ومـن غيـر إنكـار علـى مـن خالفـه بـأيٍّ مـن درجـات الإنكـار . أمـا مـا يفعلـه كثيـر مـن أهـل زماننـا فـي مسـائل الخـلاف السـائغ أو غيـر السـائغ ، بأخـذ مـا يشـتهي ، بـل يفعلـه كثيــر مـن المنتسـبين إلـى العلــم ، ويفتـي البعـضُ بجـواز التلفيــق بيـن المذاهـب ، لا بحسـب الأدلـة والاجتهـاد ، بـل بمجـرد موافقتـه مـا يظنونـه مصلحـة أو تيسـيرًا علـى النـاس ، أو أن الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لـم يُخَيَّـر بيـن أمريـن إلا اختـار أيسـرهما ، فهـذا مـن الخطـأ العظيـم المخالـف للإجمـاع القديـم كمـا نقلـه " أبـو عُمَـر بـن عبـد البـر " ، فإنمـا اختيـار الأيســر هـو فـي الأمـور الاختياريـة . أما مـا كـان فيه إثـم وحــلال وحــرام وواجـب ومنـدوب ، فلابـد مـن الترجيــح والاجتهـاد علـى حسـب درجـة كـل واحـد كمـا سـبق بيانـه ، وهـذا فـي الخـلاف السـائغ ، فمـا بالـك فـي الخـلاف غيـر السـائغ كمـا يأتـي تفصيلـه إن شـاء الله . فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي. / ص : 34 . هــل الخـــلاف رحمـــة : قـال غيـر واحـد مـن العلمـاء أن الخـلاف رحمـة ، وقـد ذكـروا فيـه حديثًـا عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " اختـلاف أمتـي رحمـة " قال عنه الشيخ الألباني في صفة صلاة النبي / تحت عنوان شبهات وجوابها / ص : 59 : لم أقف له ـ أي الحديث ـ على سند صحيح ، ولا ضعيف ، ولا موضوع. ا . هـ . وهـو لا يصـح سـندًا ولا متنًـا ، بـل هـو منكـر ضعيـف ، وإنمـا هـو كـلام بعـض العلمـاء ، وليـس معنـى ذلـك عندهـم أن الاختـلاف نفسـه رحمـة ، بـل الكتـاب والسـنة يذمـان الاختـلاف .قـال تعالـى { ... وَلاَ يَزَالُـونَ مُخْتَلِفِيـنَ * إِلاَّ مَـن رَّحِـمَ رَبُّـكَ وَلِذَلِـكَ خَلَقَهُـمْ ... } .سورة هود / آية : 118 ، 119 . * عـن العربـاض بـن سـارية ، قـال : وعظنـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يومًـا بعـد صـلاة الغـداة موعظـةً بليغـةً ذرفـت منهـا العيـون ووجلـت منهـا القلـوب ، فقـال رجـل : إن هـذه موعظـة مـودع فمـاذا تعهـد إلينـا يـا رسـول الله ؟قـال " أوصيكـم بتقـوى الله والسـمع والطاعـة ، وإنْ عبـدٌ حبشـي ، فإنـه مـن يعـش منكـم يـرى اختلافـًا كثيـرًا ، وإياكـم ومحدثـات الأمـور فإنهـا ضلالـة فمـن أدرك ذلـك منكـم فعليـه بسـنتي وسـنة الخلفـاء الراشـدين المهدييـن ، عَضُّـوا عليهـا بالنَّوَاجِـذ " .سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 39 ) ـ كتاب : العلم عن رسول الله / ( 16 ) ـ باب :ماجاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع / حديث رقم : 2676 / ص : 603 . صحيح . وقـال ابـن مسـعود : " الخــلاف شــر " . * قـال أبـو داود : حدثنـا مُسَـدَّد ، أن أبا معاويـة وحفـص بـن غِيَـاثٍ حدَّثاهـم [ حدَّثـاه ]في نسخة : حدثاه . ـ وحديـث أبـي معاويـة أتـّم ـ عـن الأعمـش ، عن إبراهيـم ، عـن عبـد الرحمـن بـن يزيـد ، قـال : صلـى عثمـان بمنـى أربعـًا ، فقـال عبـد الله - أي عبد الله بن مسعود- : صليـتُ مع النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ركعتيـن ، ومـع أبـي بكـر ركعتيـن ، ومـع عمـر ركعتيـن ـ زاد عـن حفـص : ومـع عثمـان صـدرًا مـن إمارتـه ، ثـم أتمهـا ـ زاد مِـنْ هاهنـا عـن أبـي معاويـة : ثـم تفرقـت بكـم الطـرق ، فلـوَدِدتُ أنَّ لـي مـن أربـع ركعـات ركعتيـن متقبلتيـن . قـال الأعمـش : فحدثنـي معاويـة بـن قُـرةَ عـن أشـياخه أن عبـد الله -أي عبد الله بن مسعود -صلـى أربعـًا ، قـال : فقيـل لـه : عِبـتَ علـى عثمـان ثـم صليـت أربعـًا ؟ ! قـال : الخـلاف شــر .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 5 ) ـ أول كتاب المناسك / ( 76 ) ـ باب : الصلاة بمنى / حديث رقم : 1960 / ص 341 / صحيح . * وعـن الزهـري ، قـال : أن عثمـان َ بـنَ عفــانَ أتـمَّ الصـلاةَ بمنـىً مـن أجـل الأعـراب ، لأنهـم كثُـرُوا عامَئِـذٍ ، فصلـى بالنـاس أربعـًا ليعلمهـم أن الصـلاة أربـع ٌ . المصدر السابق -سنن أبي داود/ حديث رقم : 1964 / ص : 342 / حسن . ورد فـي عـون المعبـود / ج : 5 / كتـاب المناسـك / ( 76 ) بـاب : الصـلاة بمنـى/ ص : 306 : ( وحديـث أبـي معاويـة أتـم ) ---> هـذه مقولـة أبـي داود ( عـن الأعمـش ) ---> أي يـروي أبـو معاويـة وحفـص عـن الأعمـش . ( زاد ) ---> أي مُسَـدّد . ( مـن هـا هنـا ) ---> أي مـن قولـه الآتـي " ثـم تفرقـت " إلـى آخـره . ( ثـم تفرقـت بكـم الطـرق ) ---> أي اختلفتـم ، فمنكـم مـن يُقْصِـر ، ومنكـم مـن لا يُقْصِـر . ( فلـوددت ) ---> أي فلتمنيـت ، غرضـه ووددت أن عثمـان صلـى ركعتيـن بـدل الأربـع كمـا كـان النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وصاحبـاه يفعلونـه . وفيـه كراهـة مخالفـة مـا كانـوا عليـه . كـذا فـي عمـدة القـارئ . وقـال الحافـظ فـي فتـح البـاري : قـال الـداوادي : خشـي ابـن مسـعود أن لا يجـزي الأربـع فاعلهـا وتبـع عثمـان كراهيـة لخلافـه ، وأخبـر بمـا يعتقـده . ا . هـ . فالخـلاف شـر ، ولكـن مقصـود هـؤلاء العلمـاء الذيـن قالـوا الاختـلاف رحمـة . فليـس المقصـود أن الاختــلاف (1) نفسـه رحمـة أو أنـه مطلــوب شـرعًا كمـا يظـن مـن لا يفهـم كـلام أهـل العلـم ، وإنمـا المعنـى أن أصحـاب هـذا الاختـلاف لا يعذبـون طالمـا بذلـوا وسْـعَهم فـي معرفـة الحـق ، كـل حسـب علمـه وقدرتـه ، والحـق فيـه واحـد لا يتعـدد . فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي ... / ص : 36 / بتصرف . ( 1 ) من أراد المزيد من التفاصيل في هذا الموضوع ، فليرجع إلى صفة صلاة النبي للشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ / تحت عنوان : شبهات وجوابها / ص : 58 . * فعـن عمـرو بـن العـاص أنـه سـمع رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول : " إذا حكـم الحاكـم فاجتهـد ثـم أصـاب فلـه أجـران ، وإذا حكـم فاجتهـد ثـم أخطـأ فلـه أجـر" . صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب : الاعتصام بالكتاب والسنة / ( 21 ) ـ باب : أجر الحاكم إذاأصاب أو أخطأ / حديث رقم : 7352 / ص : 853 . وكمـا دل عليـه القـرآن الكريـم بالثنـاء علـى داود وسـليمان مـع تصويـب سـليمان ـ عليهما السلام ـ قـال تعالـى { ... فَفَهَّمْنَاهَـا سُـلَيْمَانَ وَكُـلاًّ آتَيْنَـا حُكْمـًا وَعِلْمـًا ... }. سورة الأنبياء / آية : 79 . * * * * * |
ثانيًــا : النــوع الثانـي : الخــلاف غيــر الســائغ المذمــوم : تعريفــه : هـو مـا خالـف نصًـا مـن كتـاب أو سـنة أو إجمـاع أو قيـاس جلـي لا يُخْتلـف فيـه . * أســباب الخــلاف غيــر الســائغ المذمــوم : 1ـ البغـي والتنافـس علـى الدنيـا ورئاسـتها . التنافـس علـى الدنيـا سـبب البغـي ، والبغـي سـبب الاختـلاف والفُرْقـة : قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " ... فوالله لا الفقــر أخشـى عليكـم ولكـن أخشــى عليكـم أن تُبسـطَ عليكـم الدنيـا كمـا بُسِـطَتْ علـى مـن كـان قبلكُـم فتنافسـوها كمـا تنافسـوها وتهلككـم كمـا أهلكتهـم " . صحيح البخاري . متون / ( 58 ) ـ كتاب : الجزية / ( 1 ) ـ باب : الجزية و ... / حديث رقم : 3158 / ص : 372 . وتأمـل فـي التاريـخ كيـف كـان قتـل عثمــان ـ رضي الله عنه ـ ظلمًـا وبغيًـا ومنافسـة ممـن قتلــوه علـى رياسـة أرادوهـاوليسـوا لهـا أهـلاً ، ومـا جــرَّه ذلـك علـى الأمـة مـن الفتنــة التـي لـم تُصِـب الذيـن ظلمـوا خاصـة ، بـل عمـت الصالحيـن وغيرهـم العـــلاج : ولا عـلاج لذلـك إلا بإخـلاص النيـة لله سـبحانه وتعالـى والتنافـس على الآخـرة كمـا أمرنـا الله تعالـى : { لِمِثْـلِ هَـذَا فَلْيَعْمَـلْ الْعَامِلُـونَ }سورة الصافات / آية : 61 . وقـال تعالـى : { خِتَامُـهُ مِسْـكٌ وَفِـي ذَلِـكَ فَلْيَتَنَافَـسِ المُتَنَافِسُـونَ } . سورة المطففين / آية : 26 . فالتنافـس علـى الآخـرة لا يجلـب حسـدًا ولا حقـدًا ولا ضغائـن ولا بغيـًا ، وإنمـا يثمــر حبًّـا صادقـًا وتآلفًـا وإخـاءً . ومـن أعظـم وأهـم أسـباب العـلاج أن نعلـم حرمـة المسـلم وحرمـة البغـي والاسـتطالة عليـه أيًّـا مـن كـان ، فنتعامـل بشـرع الله مـع مـن عاملنـا بـه ومـع مـن لـم يعاملنـا ، فمـا عاقبـتَ مَـنْ لـم يتـق الله فيـك بمثـل أن تتقـي الله فيـه . والحـذر واجـب فـي تنـاول أحــوال المخالفيــن مـن الوقـوع فـي الغيبــة باسـم النصيحـة ، ومِـن تَلَمُّـس العثـرات والفــرح بالسـقطات تحـت شـعار بيـان الحــق ، ومـن خديعــة الشـيطان بالتنافـس علـى المنـازل والرياسـات الدنيويـة تحـت شـعار الحـرص علـى الأمـر بالمعـروف . فقه الخلاف ... / ص : 47 / بتصرف . 2ـ الجهـل ونقـص العلـم وظهـور البـدع واختـلاف المناهـج . مـن أعظـم أسـباب الخـلاف المذمـوم انتشـار الجهـل ونقـص العلـم .ولقـد كـان أول شـرك وقـع علـى ظهـر الأرض بسـبب نقـص العلـم بمـوت العلمـاء ، فبـدأت البـدع فـي الظهـور . * فعـن ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ ، صــارت الأوثـان التـي كانـت فـي قــوم نـوح فـي العــرب بعـدُ ، أمَّـا وَدٌّ كانـت لِكَلْـبٍ بدومـةِ الجنـدل ، وأمـا سُـوَاعٌ كانـت لهُذَيْـلٍ ، وأمـا يغـوثُ فكانـت لِمُـرَادٍ ثـم لبنـي غُطَيْـفٍبالجـرفِ عنـد سـبأٍ (1) ، وأمـا يعـوقُ فكانـت لِهَمْـدَانَ ، وأمـا نَسْـرٌ فكانـت لِحِمْيَـرَ لآل ذي الكَـلاع أسـماءُ رجـالٍ صالحيـن مـن قـوم نـوحٍ ، فلمـا هلكـوا أوحَـى الشـيطان إلـى قومهـم أن انصِبُـوا إلـى مجالسـهم التـي كانـوا يجلِسـون أنصابـًا وسـمُّوها بأسـمائهم ، ففعلـوا فلـم تُعبـدْ حتـى إذا هلـك أولئـك وتَنَسَّـخَ العلـمُ عُبـدَتْ . صحيح البخاري . متون / ( 65 ) كتاب : تفسير القرآن / ( 71 ) سورة نوح / حديث رقم : 4920 / ص : 596 . ( 1 ) بالجرف عند سبأٍ ---> وردت هكذا في فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 8 / ( 65 ) كتاب التفسير / ( 71 ) سورة نوح / حديث رقم : 4920 / ص : 535 .وهذا هو الصواب . والخطأ ما ورد بطبعة دار ابن الهيثم [ متون ] وهو ( بالجوف عند سبإٍ ) . تعقيـــب : إن مـن السـهل علـى مـن يختلـس درهمـًا أن يسـرق آلاف الدراهـم ، فـإن فـي السـرقة تعديًّـا لحـدود الله ، وكذلـك شـأن المبتـدع تهـون عليـه كبـار البـدع ـ وربمـا الشـرك بالله ـ إذ مبـدأ التنكّـب عـن السـنة والرضـا بالبدعـة ؛ سـبيل إلـى قبــول كـل ضـلال وزيـغ ، كمـا وقـع الشـرك فـي قـوم نـوح ، مـن اتخـاذ أصنـام لبعـض الرجـال الصالحيـن بعـد موتهـم ، وزيـن لهـم الشـيطان ذلـك ليذكُروهـم ويقتـدوا بأعمالهـم الطيبـة ، ثـم أوحـى لمـن بعدَهـم أن يعبدوهـم مـن دون الله سـبحانه موهمًـا إياهـم أن آباءهـم كانـوا يفعلـون ذلـك مـن قبـل . وصية مودِّع / العوايشة / ص : 45 . العـــلاج : الانتصـار للسـنة ومحاربـة البدعـة وقمعهـا ، ولـن يتحقـق ذلـك إلا بنشـر العلـم بالكتـاب والسـنة علـى نهـج أهـل السـنة والسـلف رضـوان الله عليهـم . وإليـك قاعــدة نبويـة ذهبيـة فـي مواجهـة الخــلاف : * فعـن العربـاض بـن سـارية ، قـال : وعظنـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يومـًا بعـد صـلاة الغـداة موعظـةً بليغـةً ذرفـت منهـا العيـون ووجلـت منهـا القلـوب ، فقـال رجـل : إن هـذه موعظـة مـودع فمـاذا تعهـد إلينـا يـا رسـول الله ؟ قـال : " أوصيكـم بتقـوى الله والسـمع والطاعـة ، وإنْ عبـد حبشـي ، فإنـه مـن يعـش منكـم يـرى اختلافـًا كثيـرًا ، وإياكـم ومحدثـات الأمـور فإنهـا ضلالـة فمـن أدرك ذلـك منكـم فعليـه بسـنتي وسـنة الخلفـاء الراشـدين المهدييـن ، عَضُّـوا عليهـا بالنَّوَاجِـذ " .سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 39 ) ـ كتاب : العلم عن رسول الله / ( 16 ) ـ باب : ما جاء في الأخذ بالسنة ... / حديث رقم : 2676 / ص : 603 . صحيح . تأمـل كيـف قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " عَضـوا عليهـا بالنواجـذ " فـإن السـنة سـوف تحـارب ويحـاول أهـل البـدع نزعهـا مـن المتمسـكين بهـا ، والواجـب فـي عـلاج هـذه الفُرْقَـة شـدة التمسـك بالسـنة ، والحـذر مـن البـدع . وهـذه هـي القاعـدة النبويـة الذهبيـة فـي مواجهـة الاختـلاف ، وهـي عقيـدة أهـل السـنة فـي التمسـك بالسـنة علـى طريقـة السـلف رضـوان الله عليهـم .فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي / ص : 49 / بتصرف . 3ـ ظهــور رؤوس الضــلال الدعـاة علـى أبـواب جهنـم . وهـم الذيـن يدعـون إلـى بدعـة أو ضـلال آخـر كالخـوارج والقرامطـة وأصحـاب المحنـة . * قـال ابـن ماجـه فـي سـننه : حدثنـا علـي بـن محمـد ، قـال : حدثنـا الوليـد بـن مسـلم ، قـال : حدثنـي عبـد الرحمـن بـن يزيـد بـن جابـر ، قـال : حدثنـي بُسْـرُ بـن عُبيـد الله ، قـال : حدثنـي أبـو إدريـس الخولانـي ؛ أنـه سـمع حذيفـة بـن اليمـان يقـول : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم" يكـون دعـاة على أبـواب جهنـمَ مـن أجابهـم إليهـا قذفـوه فيهـا " ، قلـتُ : يـا رسـول الله !صِفهـم لنـا . قـال " هم قـوم مـن جِلْدَتِنَـا ، يتكلمـون بألسـنتنا " . قلـتُ : فمـا تأمُرُنـي إن أدركنـي ذلـك ؟ . قـال : " فالـزم جماعـة المسـلمين وإمامَهُـم ، فـإن لـم يكـن لهـم جماعـة ولا إمـام ، فاعتـزل تلـك الفِـرَقَ كلَّهـا ، ولـو أن تَعَـضَّ بأصـل شـجرة حتـى يدركَـك المـوتُ وأنـت كذلـك " . سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 36 ) ـ كتاب : الفتن / ( 13 ) باب : العُزْلَة / حديث رقم : 3979 / ص : 657 / صحيح . العـــلاج : نشـر العلـم والمنهـج الصحيـح ، للتمييـز بيـن الحـق والباطـل . 4ـ التعصــب المذمــوم للأســماء والأشـخاص وضعـف الـولاء علـى الكتـاب والسـنة . كثيـر مـن المسـلمين اليـوم يتعصـب لعالـم معيـن أو بلـد معيـن ... ينصـر علـى ذلـك ، ويغضـب علـى ذلـك ، يتغاضـى عـن المخالفـات التـي تصـدر مـن هـذا العالـم أو مـن هـذا البلـد .وقـد حذرنـا الرســول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـن دعــوى الجاهليـة ـ أي التحــزب والتعصـب لفئــة مسـلمة دون أخـرى بالباطـل ـ ، لمـا تنـادَى المهاجريـن يا للمهاجريـن ، وتنـادى الأنصـار يا للأنصـار ، قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : مـا بـال دعـوى الجاهليـة . دعوهـا فإنهــا منتنـة " . ..... قـال : سَـمِعَ عمـرٌو جابـرَ بـنَ عبـدِ الله يقـول : كنـا مـع النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي غَـزَاة . فكسـع رجـلٌ مـن المهاجريـن رجـلاً مـن الأنصـار . فقـال الأنصـاريُّ : يـا للأنصـار ! وقـال المهاجـريُّ : يـا للمهاجريـن ! .فقـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " مـا بـالُ دعـوى الجاهليـة ؟ " . قالـوا : يـا رسـول اللهِ ! كسَـعَ رجـلٌ مـن المهاجريـن رجـلاً مـن الأنصـار . فقـال " دَعُوهَـا . فإنها مُنْتِنَـةٌ ... " . الحديث . صحيح مسلم . متون / ( 45 ) ـ كتاب : البر والصلة والآداب / ( 16 ) ـ باب : نصرالأخ ظالمًا أو مظلومًا / حديث رقم : 63 ـ ( 2584 ) / ص : 659 . مـع أن المهاجريـن والأنصـار مـن أشـرف الأسـماء ، وهـي مـن الأسـماء التـي سـماها الله فـي كتابـه ، وسـماهم بهـا الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي سـنته ، ومـع ذلـك حيـن صـارت شـعارًا ينتصـر النـاس لـه دون تبيـن المُحِـق مِـنَ المُبْطَِـل ، صـارت جاهليـة . وهـذا للأسـف كثيـر بيـن النـاس اليــوم ، يتعصـب النـاس لجماعـة معينـة أو لعالِـم معيـن ، أو لبلـد معيـن ، ينصــر علـى ذلـك ، ويغضـب علـى ذلـك ، يتغاضـى عـن المخالفــات التـي تصــدر مـن جماعتـه أو طائفتـه ، ويعظـم مـا يصـدر مـن غيرهـم . ولاشـك أن هـذه الأمـراض تؤثـر علـى القلـب وإخلاصـه ونصيحتـه لله وكتابـه ولرسـوله وللمؤمنيـن ، وتفتـح بـاب الفتـن . والانتسـاب إلـى أسـماء معينـة كالانتسـاب إلـى بلـد أو عالـم أو طائفـة ليـس بمحـرم فـي الشـرع ، فـإن الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لمـا لحـظ بدايـة ظهـور دعـوى الجاهليـة بيـن المهاجريـن والأنصـار لـم يعالجـه بتحريـم الانتسـاب إلـى هـذه الأسـماء ، بـل بتحذيرهـم مـن حقيقـة دعـوى الجاهليـة ، وهـي الانتصـار للأسـماء دون معرفـة الحـق . وهـذه هـي التربيـة الواجبـة التـي يجـب أن يتربـى عليهـا المسـلمون ، ولا يـزال العلمـاء ينتسـبون إلـى بلادهـم . كالمدنـي ، والمصـري ، والخراسـاني ، والنـووي ، والعسـقلاني ، وإلـى مذاهـب أئمتهـم : كالشـافعي ، والمالكـي ، ... . ولـم ينكـر العلمـاء التسـمية ، ولـم يحرموهـا حتـى بعـد ظهـور العصبيـة ، بـل تُحـارب العصبيـة دون تحريـم مـا أحلـه الله .العـــلاج : تعميـق الـولاء علـى الكتـاب والسـنة ، ويتحقـق ذلـك بقبـول الحـق والمعاونـة عليـه ممـن جـاء بـه وعلمـه كائنًـا مـن كـان ، فالرجـال يُعْرَفـون بالحـق ، ولا يُعْـرَف الحـق بالرجـال . فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي.. / ص : 59 . * أمثلــة للاختــلاف غيــر الســائغ : أولاً : الخــلاف غيـر الســائغ فـي الأمــور الاعتقاديــة : ـ غـلاة النفـي والتعطيـل فـي أسـماء الله وصفاتـه وغيرهـم ، المكذبيـن لصريـح القـرآن كمـن يقـول : لـم يكلـم ـ الله ـ موسـى تكليمًـا نفيًـا لصفـة الكـلام ، ويقـول يـد الله أي قدرتـه خلافًـا للحـق ، ولـم يتخـذ ـ سـبحانه ـ إبراهيـم خليـلاً . غـلاة القدريـة الأوائـل نفـاة العلـم الإلهـي ، الذيـن يقولـون أن الله لا يعلـم الأشـياء حتـى تقـع . مـن يعتقـدون أن الشـريعة الإسـلامية غيـر صالحـة ، إمـا مطلقًـا ، أو يعتقـدون أنهـا غيـر صالحـة لهـذا الزمـان ويُفَضَّـل عليهـا شـرائع البشـر الوضعيـة ، أو يسـاويها بهـا ، أو يجوزهـا ، أو يلـزم الكافـة بهـا ويحـرم عليهـم شـرع الله تعالـى . ثانيًــا : الخــلاف غيــر الســائغ فـي المســائل العمليــة : ـ منـه القـول بجـواز المعـازف وسـماعها ، رغـم الأدلـة القاطعـة علـى عـدم الجـواز . قـال البخـاري فـي صحيحـه تعليقًـا بصيغـة الجـزم :وقـال هشـام بـنُ عَمــارٍ : حدثنـا صَدَقَـةُ بـنُ خالـدٍ ، قـال : حدثنـا عبـد الرحمـن بـنُ يزيـدَ بـنِ جابـرٍ ، قـال : حدثنـا عطيـةُ بـنُ قيـسٍ الكِلاَبـيُّ ، قـال : حدثنـا عبـدُ الرحمـنِ بـنُ غَنْـمٍ الأشـعريُّ ،قـال : حدثنـي أبـو عامـرٍ ـ أو أبـو مالـكٍ ـ الأشـعريُّ ، والله مـا كَذَبَنِـي سـمع النبـي ـ صلى الله عليه وعلىآله وسلم ـ يقـول : " ليكونـنَّ مـن أمتـي أقـوامٌ يسـتحلون الحِـرَ والحريـرَ والخمـرَ والمعـازِفَ ، ولينزلـنَّ أقـوامٌ إلـى جنـبِ عَلَـمٍ يَـرُوحُ عليهـم بسـارحةٍ لهـم يأتيهـم ـ يعنـي الفقيـر ـ لحاجـةٍ فيقولـون : ارجـع إلينـا غـدًا فيبيتهـم الله ، ويَضَـعُ العَلَـمَ ، ويمسَـخُ آخريـن قـردة وخنازيـرَ إلـى يـوم القيامـة " . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 10 / 74 ـ كتاب الأشربة / 6 ـ باب ما جاء فيمن يستحلُّ الخمرَ ويسميه بغير اسمه / حديث رقم : 5590 / ص : 53 . وورد فـي فتـح البـاري بشـرح صحيـح البخـاري / ج : 10 / ... / ص : 54 : * قـال ابـن الصـلاح فـي " علـوم الحديـث " : " ... الحديـث مـن جهـة أن البخـاري أورده قائـلاً " قـال هشـام بـن عمـار " وسـاقه بإسـناده ، فزعـم ابـن حـزم أنـه منقطـع فيمـا بيـن البخـاري وهشـام وجعلـه جوابًـا عـن الاحتجـاج بـه علـى تحريـم المعـازف ، وأخطـأ في ذلـك من وجـوه والحديـث صحيـح معـروف الاتصـال بشـرط الصحيـح ، ... " . * وقـد تقـرر عنـد الحفـاظ أن الـذي يأتـي بـه البخـاري مـن التعاليـق بصيغـة الجـزم يكـون صحيحًـا إلـى مـن علـق عنـه ولـو لـم يكـن مـن شـيوخه ، لكـن إذا وجـد الحديـث المعلـق مـن روايـة بعـض الحفـاظ موصـولاً إلـى مـن علقـه بشـرط الصحـة أزال الإشـكال .ا . هـ . ـ مـن هـذا النـوع مـن الخـلاف القـول بجـواز ربـا الفضـل وأن المحـرَّم هـو ربـا النسـيئة فقـط وقـد اسـتفاضت الأحاديـث بتحريمـه . * ربـا النسـيئة : هـو بيـع الجنـس الواحـد ببعضـه ، أو بجنـس آخـر مـع زيـادة فـي الكيـل أو الـوزن فـي نظيـر تأخيـر القبـض . ( خـاص بالزمـن )صحيح فقه السنة / ج : 4 / ص : 291 . النسـيئة : يعنـي التأخيـر . الشرح الممتِع ... / ج : 8 / كتاب : البيع / باب : الربا والصرف / ص : 427 . * ربـا الفضـل : هـو بيـع جنـس بمثلـه مـع زيـادة أحـد المثليـن . ( خـاص بالكـمّ ) صحيح فقه السنة / ج : 4 / ص : 291 / بتصرف . * فعـن أبـي سـعيد الخـدري ـ رضي الله عنه ـ : أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " لا تبيعـوا الذهـبَ بالذهـب إلا مِثـلاً بِمثـلٍ . ولا تُشِـفُّوا (1) بعضهـا علـى بعـض . ولا تبيعـوا الـوَرِقَ (2) بالـورق إلا مِثـلاً بمثـلٍ . ولا تُشِـفُّوا بعضهـا علـى بعـضٍ . [ ولا تبيعـوا منهـا غائبًـا بناجِـزٍ (3) ] " (4) .صحيح مسلم . متون / ( 22 ) ـ كتاب : المساقاة / ( 14 ) ـ باب : الربا / حديث رقم : 1584 / ص : 404 . ( 1 ) لا تُشِـفُّوا : أي لا تفضلـوا ويطلـق أيضًـا علـى النقصـان فهـو مـن الأضـداد . ( 2 ) الـورق : الفضـة . ( 3 ) ولا تبيعـوا منهـا غائبًـا بناجـز : الغائـب المؤجـل . الناجـز : الحاضـر . وفـي روايـة عنـد مسـلم أيضًـا ـ فـي الحديـث الـذي يليـه ـ : " ... ولا تبيعـوا شـيئًا غائبًـا منـه بناجـز إلا يـدًا بيـد " . صحيح مسلم . بشرح ... النووي / ج : 11 / كتاب : البيوع / ( 14 ) ـ باب : الربا / ص : 14 . هـذا الحديـث ينهـى عـن الربـا بنوعيـه : الفضـل ، والنسـيئة . تيسير العلام شرح عمدة الأحكام / ج : 2 / ص : 309 . ( 4 ) مـا بيـن المعكوفتيـن ---> ربـا نسـيئة . فائـــدة : كـل شـيئين يجـري بينهمـا ربـا الفضـل فبينهمـا ربـا نسـيئة ولا عكـس . الشرح الممتع على زاد المستقنع / ج : 8 / كتاب : البيع / باب : الربا والصرف / ص : 427 . ـ ومنـه أي مـن هـذا النــوع مـن الخـلاف ـ القــول بجـواز نكــاح المتعــة ، وهـو قــول ابـن عبـاس ، ويُـروى رجوعـه عنـه . وقـد ثبـت النهـي عنـه ـ أي النهـي عـن نكــاح المتعـة ـ فـي الصحيحيـن ، ونسـخ جـوازه عـام الفتـح ، وأجمـع أهـل السـنة ـ على نسـخه وعـدم جـوازه ـ ولـم يخالـف فيـه إلا الشـيعة والروافـض . فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي. / ص : 78 / بتصرف يسير . * نكـاح المتعـة : هـو النكـاح إلـى أجـلٍ معيـن ، وهـو مـن التمتـع بالشـيء ـ أي ـ الانتفـاع بـه . وقـد كـان رخَّـص فيهـا صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم أيامًـا ، ثـم نهـى عنـه . * عـن الربيـع بـن سَـبْرةَ أن أبـاه غـزا مـع رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فتْـح مكـةَ قـال :فأقمنـا بهـا خمـس عشـرة ـ ( ثلاثيـن بيـن ليلـة ويـوم ) ـ ، فـأذِنَ لنـا رسـولُ الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي متعـة النسـاء ، ... ، فلـم أخـرج حتـى حرَّمهـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " . صحيح مسلم . متون / دار ابن الهيثم / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 3 ) ـ باب : نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ، ثم أبيح ثم نسخ ، واستقر تحريمه إلى يوم القيامة / حديث رقم : 20 ـ ( 1406 ) / ص : 344 . ـ ... ، قـال حدثنـي الرَّبِيـعُ بـنُ سَـبْرَةَ الْجُهَنِـيُّ عـن أبيـه ـ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلىآله وسلم ـ نهـى عـن المتعـة . وقـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسلم : " ألا إنهـا حـرام مـن يومكـم هـذا إلـى يـوم القيامـة . ومـن كـان أعطـى شـيئًا فـلا يأخـذه " .صحيح مسلم . متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 3 ) ـ باب : نكاح المتعة ... / حديث رقم : 28 ـ ( 1406 ) / ص : 345 . وجـاء فـي " السـيل الجـرار " 2 / 268 : " ثـم قـد أجمـع المسـلمون علـى التحريــم ، ولـم يبــق علـى الجـواز إلا الرافضـة ، وليسـوا ممـن يُحتـاج إلـى دفـع أقوالهـم ، ولا هـم ممـن يقــدح فـي الإجمـاع ، فإنهـم فـي غالـب مـا هـم عليـه مخالفـون للكتـاب والسـنة ولجميـع المسـلمين . قـال ابـن المنـذر : جـاء عـن الأوائــل الرخصـة فيهـا ـ يعنـي المتعــة ـ ، ولا أعلـم اليـوم أحـدًا يجيزهـا إلا بعـض الرافضـة . وقـال القاضـي عيـاض : أجمـع العلمـاء علـى تحريمهـا إلا الروافـض ... " ا . هـ . الموسوعة الفقهية الميسرة ... / ج : 5 / ص : 49 . ـ ومنـه القــول بكراهيـة صيـام السـتة أيـام مـن شـوال وهـذه أقـوال مخالفـة لنصـوص السـنة الصحيحـة . قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم " مـن صـام رمضـانَ وأتبعـه سِـتًّا مـن شـوال ، كـان كصيـام الدهـرِ " .صحيح مسلم . متون / ( 13 ) ـ كتاب : الصيام / ( 39 ) ـ باب : استحباب صوم ستة أيام من شوال إتباعًا لرمضان / حديث رقم : 204 ـ ( 1164 ) / ص : 280 . ـ ومنـه القـول بجـواز الاحتفـال بالموالـد والأعيـاد البدعيـة ، والمشـاركة فيهـا بزعـم الاختـلاط بالنـاس لدعوتهـم ، دون إنكـار ، والمشـاركة فـي البـدع بزعـم أن البـدع الإضافيـة (1) محـل اجتهـاد فيسـوغ فعلهـا .ونسـوا قاعـدة فقهيـة هامـة وهـي : درء المفاسـد مقـدم علـى جلـب المصالـح . فقه الخلاف بين المسلمين للشيخ ياسر برهامي.. / ص : 75 ـ 77 / بتصرف . ( 1 ) البدعة الإضافية هي التي لها شائبتان : إحداهما : لها من الأدلة متعلق ، فلا تكون من تلك الجهة بدعة . والأخرى : ليس لها متعلق ، إلا مثل ما للبدعة الحقيقية . علم أصول البدع ... / علي حسن عبد الحميد / ص : 148 . |
المبحـــث الثالـــث مصـــادر التشـــريع تعريــف مصــادر التشــريع : المـراد بمصـادر التشـريع : الطـرق التـي تسـتفاد وتسـتنبط مـن خلالهـا حقائـق التشـريع الإسـلامي . أقســام مصـــادر التشـــريع : تنقسـم مصـادر التشـريع باعتبـار مـا اتُّفِـقَ عليـه ، ومـا لـم يُتَّفَـق عليـه ، وذلـك بيـن الأئمـة المعتبريـن ، إلـى ثلاثـة أقسـام : * مـا اتفـــق عليــه أئمــة المســلمين : الكتـــاب ، والســنة . * مـا اتفــق عليــه جماهيــر العلمـــاء ـ بعــد الكتـاب والســنة ـ : الإجمـــاع ، والقيـــاس . * مـا اختلــف فيــه علمـــاء المســلمين : قـول الصحابـي ، شـرع مَـنْ قَبْلَنـا ، الاسـتصحاب ، المصالـح المرسـلة ، العـرف ، سـد الذرائـع . التأسيس في أصول الفقه ... / ص : 98 / بتصرف . المصـــدر الأول : القـــرآن الكريــم القـرآن الكريـم هـو المصـدر الأول للتشـريع ـ وهـو كـلام الله تعالـى ـ المُنَـزَّل علـى رسـولِهِ محمـد بـن عبـد الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، ليكـون هدايـة للعالميـن . وأنـواع الأحكـام التـي جـاء بهـا القـرآن ثلاثـة : أ ـ أحكـام اعتقاديـة : وهـي مـا تتعلـق بالإيمـان بالله وملائكتـه وكتبـه ورسـله ... . ب ـ أحكـام خُلُقِيَّـة : وهـي مـا تتعلـق بأعمـال القلـوب والحـث علـى مكـارم الأخـلاق ... . " إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ " سورة الحجرات / آية : 12 ، " وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ "سورة الهُمزة / آية : 1 . ج ـ أحكـام عمليـة : وهـي مـا تتعلـق بأفعـال الجـوارح مـن الأوامـر والنواهـي والتحذيـرات ... وهـذه مباحـث علـم الفقـه * دَلالــة القــرآن علـى الأحكــام : لا خـلاف فـي أن القـرآن الكريـم هـو عمـدة الشـريعة وأصـل أدلتهـا ، وآيـات القـرآن جميعهـا قطيعـة الثبـوت ، ونَقْلهـا عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ نقـلاً متواتـرًا ، وقـد أجمـع المسـلمون علـى هـذا . وأما آيـات القـرآن الكريـم مـن جهـة دَلالتهـا علـى مـا تضمنتـه مـن أحكـام ، فتنقسـم إلـى قسـمين : الأول : آياتـه تـدل علـى قطعيـة الحكـم ، بحيـث لا يحتمـل تأويـلاً ، ولا مجـال لفهـم معنـى آخـر منه . كمـا فـي قولـه تعالـى { وَلَكُـمْ نِصْـفُ مَـا تَـرَكَ أَزْوَاجُكُـمْ إِن لَّـمْ يَكُـن لَّهُـنَّ وَلَـدٌ... } .سورة النساء / آية : 12 . فدَلالـة الآيـة واضحـة لا تحتمـل تأويـلاً علـى أن الـزوج إذا ماتـت زوجتـه ، ولـم يكـن لهـا ولـد ، ذكـرًا أو أنثـى ، فلـه نصـف تركتهـا . الثانــي : آياتـه دلالتهـا علـى الحكـم ليسـت قطعيـة ، وهـو كـل آيـة اشـتملت علـى لفـظ ، يحتمـل أكثـر مـن معنـى . كمـا فـي قولـه تعالـى { وَالْمُطَلَّقَـاتُ يَتَرَبَّصْـنَ بِأَنفُسِـهِنَّ ثَلاَثَـةَ قُـرُوَءٍ ... } .سورة البقرة / آية : 228. فلفـظ " قُـرُوَءٍ " جمـع قُـرْء ، والقُـرْءُ فـي اللغـة العربيـة يطلـق بمعنـى : الطُّهْـر ، ويطلـق بمعنـى الحيـض . فمـن فسـر " قُـرُوَءٍ " " بالحيضـات " كالأحنـاف والحنابلـة ، كـان المعنـى عندهـم : علـى المطلقـات أن يمكثـن بعـد طلاقهـن مــدة ثـلاث حيضـات بـدون زواج ثـم بعـد ذلـك يتزوجـن إذا شـئن . ومـن فسـر " قُـرُوَءٍ " بمعنـى الطُّهـر ، كالمالكيـة والشـافعية ، كـان المعنـى عندهـم : علـى المطلقـات أن يمكثـن بعـد طلاقهـنَّ مـدة ثلاثـة أطهـار ثـم بعـد ذلـك يتزوجـن إذا شـئن . فلفـظ " قُـرُوَءٍ " يحتمـل أن يـراد بـه الأطهـار ، ويحتمـل أن يـراد بـه الحيضـات ، فمـع هـذا الاحتمـال تكـون دِلالـة الآيـة علـى الحكـم ظنيـة لا قطعيـة . وهكـذا نـرى آيـات القـرآن الكريـم جميعهـا قطعيـة الثبـوت مـن جهـة نقلهـا عـن النبـي ـ صلى اللهعليه وعلى آله وسلم ـ نقـلاً متواتـرًا كمـا أنزلهـا الله تعالـى علـى رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عـن طريـق جبريـل ـ عليه السلام ـ . وأمـا مـن جهـة دلالتهـا علـى مـا تضمنتـه مـن أحكـام ، فتـارة تكـون قطعيـة الدلالـة علـى الحكـم ، وهـذا هـو الأغلـب والأعـم ، وتـارة تكـون ظنيـة الدلالـة .الوجيز في أصول الفقه / ص : 163 / بتصرف . |
المُحْكَــــم و المُتَشَــابِه فـــي القـــــرآن * معنــى " المُحْكَــم " : ـ اللُّغويـون يسـتعملون مـادة الإِحكـام ( بكسـر الهمـز ) فـي معـانٍ متعـددة ، لكنهـا مـع تعددهـا ترجـع إلـى شـيءٍ واحـد ، هـو : " المنـع " ؛ فيقولـون :أَحْكَـمَ الأمـر -----> أي أتقنـه ومنعـه عـن الفسـاد . ويقولـون : أحكـم الفـرس -----> أي جعـل لـه حَكَمَـةَ ، والْحَكَمَـة : مـا أحـاط بحنكـي الفـرس مـن لجامـه تمنعـه مـن الاضطـراب . وقيــل : " آتـاه الله الحكمـة " -----> أي : العـدل أو العلـم أو الحلـم أو النبـوة أو القـرآن ؛ لمـا فـي هـذه المذكـورات مـن الحوافـظ الأدبيـة الرادعـة عمـا لا يليـق .مناهل العرفان في علوم القرآن / ج : 2 / ص : 289 . ـ إحكـام الكـلام -----> إتقانـه بتمييـز الصـدق مـن الكـذب فـي أخبـاره ، والرشـد مـن الغـي فـي أوامـره.مباحث في علوم القرآن / ص : 215 . * معنــى " المُتَشَــابِه " : المتشـابه يَـرِد علـى معنييـن لُغَوييـن : 1 ـ إمـا مـن " الشُّـبْهَة " ----> وهـي الجهالـة وعـدم التمييـز . فيكـون المتشـابه ضـد المحكـم . ـ كقولـه تعالــى { قَالُـواْ ادْعُ لَنَـا رَبَّـكَ يُبَيّـِن لَّنَـا مَـا هِـيَ إِنَّ البَقَـرَ تَشَـابَهَ عَلَيْنَـا ... } .سورة البقرة / آية : 70 . تشـابه علينـا ----> أي اختلـط علينـا ، فـلا نميـزه ولا نعلـم نوعيـة المطلـوب . ومنـه قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم مـن حديـث النعمـان بـن بشـير " إن الحـلال بَيِّـن ، وإن الحـرام بَيِّـن ، وبينهمـا مشـتبهات لا يعلمهـن كثيـر مـن النـاس ... " صحيح مسلم . متون / ( 22 ) ـ كتاب : المساقاة / ( 20 ) ـ باب : أخذ الحلال وترك الشبهات / حديث رقم : 1599 / ص : 408 . 2 ـ وإمـا مـن الشَّـبَه ----> وهـو : التماثـل فـي الأوصـاف . كقولـه تعالـى : { ... وَأُتُـواْ بِـهِ مُتَشَـابِهًا... } سورة البقرة / آية : 25 . متشـابهًا ----> أي يشـبه بعضـه بعضًـا فـي اللـون أو الطعـم أو الرائحـة أو الكمـال والجـودة . وكقولـه تعالـى{ ... تَشَـابَهَتْ قُلُوبُهُـمْ ... }. سورة البقرة / آية : 118 تشـابهت ----> أي يشـبه بعضهـا بعضًـا فـي الغـي والجهالـة . مقالة للعثيمين بالتوحيد / ربيع أول 1422 . * المُحْكَــم والمُتَشَـابِه فــي القــرآن : ـ ورد فـي القـرآن ما يـدل علـى أنـه محكـم ؛ كقولـه تعالـى : { الَـر كِتَـابٌ أُحْكِمَـتْ آيَاتُـهُ ثُـمَّ فُصِّلَـتْ مِـن لَّـدُنْ حَكِيـمٍ خَبِيـرٍ } . سورة هود / آية : 1. ـ وورد أيضـًا مـا يـدل علـى أنـه متشـابه ؛ كقولـه تعالـى : { اللهُ نَـزَّلَ أَحْسَـنَ الْحَدِيـثِ كِتَابـًا مُّتَشَـابِهًا مَّثَانِـيَ تَقْشَـعِرُّ مِنْـهُ جُلُـودُ الَّذِيـنَ يَخْشَـوْنَ رَبَّهُـمْ ... } سورة الزمر / آية : 23 . ـ وورد أيضـاً مـا يـدل علـى أن بعضـه محكـم ، وبعضـه متشـابه ؛ كقولـه تعالـى : { هُـوَ الَّـذِيَ أَنـزَلَ عَلَيْـكَ الْكِتَـابَ مِنْهُ آيَـاتٌ مُّحْكَمَـاتٌ هُـنَّ أُمُّ الْكِتَـابِ وَأُخَـرُ مُتَشَابِهَاتٌ .."آل عمران:7. والسـؤال الـذي يطـرح نفسـه علـى الأذهـان : س : كيـف يمكـن الجمـع بيـن هـذه الآيـات ؟ ! وقبـل الإجابـة علـى هـذا السـؤال ، نُـوِرد مقدمـة هامـة لفهـم المحكـم والمتشـابه : إن الله عـز وجــل خاطبنـا بكـلام لـه معنـى ، فالقــرآن كــلام عربـي مكــون مـن ألفـاظ لهـا معـان يسـتوعبها صاحـب اللسـان العربـي ، ولا يسـتوعبها الأعجمـي . فـإذا قـال الله تعالـى{ لَقَـدْ رَضِـيَ اللهُ عَـنِ الْمُؤْمِنِيـنَ إِذْ يُبَايِعُونَـكَ تَحْـتَ الشَّـجَرَةِ ... } .سورة الفتح / آية : 18 . عَلِـمَ صاحـب اللســان العربـي معنـى كلمـة " شــجرة " ، فـإن سـألتُهُ عـن شـكلها وكيفيتهـا ؟ فـإن كـان مِمَّـنْ بايـع مـع رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ تحتهــا ، ربمـا وصفهـا لـك وصفًـا دقيقًـا لأنـه رأهـا بعينـه ، وإن لـم يكـن ـ منهـم ـ قـال : أنـا مـا رأيتهـا حتـى أصفهـا ، ولكنهـا شـجرة تبــدو فـي كيفيتهـا كأي شـجرة تنبـت فـي الصحـراء .والحاصــل أنـه سـيصف كيفيـة الشـجرة مـن خـلال رؤيتهـا أو رؤيـة مثيلهـا .فمعنـى لفـظ الشـجرة عنـد العربـي معلـوم واضـح محكـم ، يميـز بينـه وبيـن لفـظ البقـرة أو غيـره مـن الألفـاظ . لكـن لـو سـألنا " الأعجمـي " : مـا معنـى لفـظ " شـجرة " ، أو حتـى " بقــرة " ؟ عجـز عـن الجـواب لجهلـه بمعنـى الكـلام . وإذا قـال تعالـى { أَذَلِـكَ خيـرٌ نُـزُلاً أَم شَـجَرَةُ الزَّقُّـومِ }.سورة الصافات / آية : 62 . علـم العربـي معنـى كلمـة شـجرة ، وأن المقصـود شجـرة معينـة تخـرج فـي أصـل الجحيـم ، أَعَـدَّها اللهُ للكافريـن . لكـن لـو سـألناه عـن شـكلها وكيفيتهـا ؟ ! لقــال : الله أعلـم ، فأنـا مـا رأيتهـا ، ومـا رأيـتُ لهـا مثيـلاً ، فكيـف أعـرف كيفهـا ؟ ! . فأصبـح لفـظ " الشـجرة " محكمًـا لـه ، والكيفيـة التـي دل عليهـا اللفـظ مجهولـة أو غيـر معلومـة أو متشـابهة أو مختلطـة . لكـن لو سـألنا " الأعجمـي " عـن معنـى لفـظ " شـجرة الزقـوم " ، لما تمكـن مـن الجـواب ؛ لأن المعنـى ليـس محكمًـا لديـه ومشـتبه عليـه ، لا يعرفـه أصـلاً ، وكذلـك كيفيتهـا متشـابهة عليه من بـاب أولـى . ـ نخلـص مـن هـذا أن : التشـابه الواقـع فـي القـرآن نوعـان : أحدهمـا : حقيقـي : وهو مـا لا يمكـن أن يعلمـه البشـر ، كحقائـق صفـات الله عـز وجـل ، فإننـا وإن كنـا نعلـم معانـي هـذه الصفـات ، لكننـا لا نـدرك حقائقهـا ، وكيفيتهـا لقولـه تعالـى { ... وَلاَ يُحِيطُـونَ بِـهِ عِلْمـًا } سورة طه / آية : 110 . النـوع الثانـي : نسـبي : وهـو مـا يكـون مشـتبهًا علـى بعـض النـاس دون بعـض .تفسير القرآن الكريم ( الفاتحة ـ البقرة ) / ج : 1 / ص : 49 . وبنظـرة أوسـع وأشـمل فـإن القـرآن الكريـم يتنـوع باعتبـار الإحكـام والتشـابه إلـى : 1 ـ إحكـام عـام ، وتشـابه عـام . 2 ـ إحكـام خـاص ، وتشـابه خـاص . وبـذا تتضـح لنـا إجابـة السـؤال السـالف الذكـر إجمـالًا ، وسـيأتي تفصيـل ذلـك . * * * * * أولاً : " الإحكــام العــام " و " التشـابه العــام " الإحكــام العــام فــي الكــلام : هـو إتقانـه بتمييـز الصـدق مـن الكـذب فـي أخبـاره ، والرشـد مـن الغـي فـي أوامـره . وقـد وصـف الله سـبحانه القـرآن كلـه بأنـه " محكـم " علـى هـذا المعنـى .قـال تعالـى "الَـر كِتَـابٌ أُحْكِمَـتْ آيَاتُـهُ ثُـمَّ فُصِّلَـتْ مِـن لَّـدُنْ حَكِيـمٍ خَبِيـرٍ ".سورة هود / آية : 1. وقـال تعالـى { الـر تِلْـكَ آيَـاتُ الْكِتَـابِ الْحَكِيـمِ } .سورة يونس / آية : 1 . وقـال تعالـى { وَإِنَّـهُ فِـي أُمِّ الْكِتَـابِ لَدَيْنَـا لَعَلِـيٌّ حَكِيـمٌ } . سورة الزخرف / آية : 4 . التشــابه العــام فــي الكــلام : هـو تماثلـه وتناسـبه بحيـث يصـدقُ بعضـه بعضًـا . وقـد وصـف الله سـبحانه القـرآن كلـه بأنـه متشـابه علـى هـذا المعنـى . قـال تعالـى { اللهُ نَـزَّلَ أَحْسَـنَ الْحَدِيـثِ كِتَابـاً مُّتَشَـابِهاً مَّثَانِـيَ تَقْشَـعِرُّ مِنْـهُ جُلُودُ الَّذِيـنَ يَخْشَـوْنَ رَبَّهُـمْ ثُـمَّ تَلِيـنُ جُلُودُهُـمْ وَقُلُوبُهُـمْ إِلَـى ذِكْـرِ اللهِ ذَلِـكَ هُـدَى اللهِ يَهْـدِي بِـهِ مَـنْ يَشَـاءُ وَمَـن يُضْلِـلْ اللهُ فَمَـا لَـهُ مِـنْ هَـادٍ } .سورة الزمر / آية : 23 . فالمتشـابه فـي هـذه الآيــة باعتبــار تماثلـه فـي الحُسْـن ، وفـي الآيــة دليـل علـى أن جميـع آيـات القـرآن لها معـانٍ مُحْكَمَـة معلومـة تُؤثـر فـي المسـتمعين ؛ لأنه لا يُعْقَـل أنْ تَقْشَـعِرّ الجلـود وتليـن القلـوب مـن كـلام مشـتبه ليـس لـه معنـى فـي نفـس السـامع . وكـل مـن المحكـم والمتشـابه بمعنـاه المطلـق ( العـام ) المتقـدم لا ينافـي الآخـر ، فالقـرآن كلـه محكـم بمعنـى الإتقـان ، وهـو متشـابه أي متماثـل يشـبه بعضـه بعضـًا مـن حيـث الإتقـان . فـإن الكـلام المتقـن تتفـق معانيـه وإن اختلفـت ألفاظـه ، فإذا أمـر القـرآن بأمـر لـم يأمـر بنقيضـه فـي موضـع آخــر ، وإنمـا يأمـر بـه أو بنظيـره ، وكذلـك الشـأن فـي نواهيـه وأخبـاره فـلاتضـاد فيـه ولا اختـلاف . قـال تعالـى { أَفَـلاَ يَتَدَبَّــرُونَ الْقُــرْآنَ وَلَـوْ كَــانَ مِـنْ عِنـدِ غَيْــرِ اللهِ لَوَجَــدُواْ فِيـهِ اخْتِلاَفـًا كَثِيـرًا } .سورة النساء / آية : 82 . مباحث في علوم القرآن / ص : 215 / بتصرف من مصادر أخرى . ثانيـًا : " الإحكــام الخــاص " و " التشــابه الخــاص " الإحكـام الخـاص ----> هـو الوضـوح والظهـور فـي المعنـى . التشـابه الخـاص ----> هـو خفـاء المعنـى أو الكيـف . وهـذا القســم يتمثـل فـي قولـه تعالـى : { هُـوَ الَّـذِيَ أَنـزَلَ عَلَيْـكَ الْكِتَـابَ مِنْـهُ آيَـاتٌ مُّحْكَمَـاتٌ هُـنَّ أُمُّ الْكِتَـابِ وَأُخَـرُ مُتَشَـابِهَاتٌ فَأَمَّـا الَّذِيـنَ فـي قُلُوبِهِـمْ زَيْـغٌ فَيَتَّبِعُـونَ مَـا تَشَـابَهَ مِنْـهُ ابْتِغَـاء الْفِتْنَـةِ وَابْتِغَـاء تَأْوِيلِـهِ وَمَـا يَعْلَـمُ تَأْوِيلَـهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِـخُونَ فِـي الْعِلْـمِ يَقُولُـونَ آمَنَّـا بِـهِ كُـلٌّ مِّـنْ عِنـدِ رَبِّنَـا وَمَـا يَذَّكَّـرُ إِلاَّ أُوْلُـواْ الألْبَـابِ } .آل عمران:7. الإحكــام الخــاص ويتمثـل فـي قولـه تعالـى : { ... مِنْـهُ آيَـاتٌ مُّحْكَمَـاتٌ ... } والإحكـام الـذي وصـف بـه سـبحانه ـ بعـض القـرآن هـو : * قيــل : الوضـوح والظهـور . بحيـث يكـون معنـاه واضحـًا بَيِّنـًا لا يشـتبه علـى أحـد . وهـذا كثيـر فـي الأخبـار و الأحكـام . ـ مثالـه فـي الأخبـار : قولـه تعالـى { شَـهْرُ رَمَضَـانَ الَّـذِيَ أُنـزِلَ فِيـهِ الْقُـرْآنُ ... } . سورة البقرة / آية : 85 . فكـل أحـد يعـرف شـهر رمضـان ، وكـل أحـد يعـرف القـرآن . ـ ومثالـه فـي الأحكـام : قولـه تعالـى : { ... وَبِالْوَالِدَيْـنِ إِحْسَـانًا ... } سورة النساء / آية : 36 . فكـل أحـد يعـرف والديـه ، وكـل أحـد يعـرف الإحسـان . وقولـه تعالـى { حُرِّمَـتْ عَلَيْكُـمُ الْمَيْتَـةُ وَالْـدَّمُ وَلَحْـمُ الْخِنْزِيـرِ وَمَا أُهِـلَّ لِغَيْـرِ اللهِ بِهِ ... } .سورة المائدة / آية : 3 . فكـل أحـد يعـرف معنـى : الميتـة ، والـدم ، ولحـم الخنزيـر ، ويعلـم حرمـة ذلـك . * وقيــل : الإحكـام : هـو الوضـوح والظهــور فـي معنـى الآيـات دون الكيفيـة التـي دلـت عليهـا ؛ لأن القـرآن كلـه محكـم فـي معنـاه ، فهــو كــلام لـه معنـى ، وليـس كلامـًا أعجميـًّا أو ألغـازًا لا سـبيل إلـى فهمهـا . ولكـن مـن حيـث الكيـف فهنـاك آيـات محكمـات أي معلومـة الكيـف ، وأُخـر متشـابهات . فمـا عاينـه الإنسـان مـن الكيفيـات التـي تتعلـق ببعـض الأحكـام ، والتي دلـت عليهـا ألفـاظ الآيـات ، ككيفيـة أداء الصـلاة ، وأفعـال الحـج ، فهـذا محكـم المعنـى والكيفيـة . أمـا الغيبيـات وحقائـق صفـات الله عـز وجـل ، فإننـا وإن كنـا نعلـم معانـي هـذه الصفـات ، لكننـا لا نـدرك حقائقهـا ، وكيفيتهـا ؛ لقولـه تعالـى{ ... وَلاَ يُحِيطُـونَ بِـهِ عِلْمـًا } سورة طه / آية : 110 . وهـذا النـوع مـن المتشـابه لا يُسـأل عـن اسـتكشافه لتعـذر الوصـول إليـه .تفسير القرآن الكريم / العثيمين / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 49 . التشــابه الخــاص: التشـابه مـن الشـبهة وهـي الجهالـة وعـدم المعرفـة والتمييـز ..... ويتمثـل فـي قولـه تعالـى :{ ... وَأُخَـرُ مُتَشَـابِهَاتٌ ... } . سورة آل عمران / آية : 7 . والتشـابه الـذي وصـف بـه الله بعـض آيـات القـرآن نوعـان : ـ النـوع الأول : " التشــابه الحقيقـي " : وهــو مـا لا يمكـن أن يعلمـه البشـر ، كالغيبيـات ، وكحقائـق صفـات الله عـز وجـل ، فإننـا وإن كنـا نعلـم معانـي هـذه الصفــات ، لكننـا لا نــدرك حقائقهـا ، وكيفيتهـا ؛ لقولـه تعالــى { ... وَلاَ يُحِيطُـونَ بِـهِ عِلْمـًا} . سورة طه / آية : 110 . ككيفيـة الاسـتواء فـي قولـه تعالـى { الرَّحْمَـنُ عَلَـى الْعَـرْشِ اسْـتَوَى } .سورة طه / آية : 5 . أو كيفيـة سـمعه وبصـره وتكليمـه وكيفيـة الأشـياء التـي فـي عالـم الغيـب ، فهـذا محكـم المعنـى متشـابه فـي الكيفيـة تشـابه حقيقـي ، فـلا يدخـل فـي المتشـابه معانـي الآيـات التـي وصـف الله بهـا نفسـه ، وإلا كانـت كلمـات جوفـاء بـلا معنـى ، تعالـى الله عـن ذلـك . وعلـى ذلـك فجميــع آيـات الصفــات محكمـة المعنـى متشـابهة فـي الكيفيـة فقـط تشـابه حقيقـي ،فجميـع آيـات الصفـات لهـا معنـى معلـوم عنـد الراسـخين فـي العلـم حسـب اجتهادهـم فـي تحصيلـه .أمـا الكيـف فيفوضـون العلـم بـه لعـلام الغيـوب . وهـذا النـوع مـن المتشـابه لا يُسـأل عـن اسـتكشافه لتعـذر الوصـول إليـه . تفسير القرآن الكريم / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 49 / بتصرف. ـ النــوع الثانــي : " التشــابه النســبي " : وهـو الاشـتباه أي خفـاء المعنـى بحيـث يشـتبه على بعـض النــاس دون غيرهـم ، فيعلمـه الراسـخون فـي العلـم دون غيرهـم ، وهـذا تشـابه نسـبي . وهـذا النـوع يُسـأل عـن اسـتكشافه وبيانـه ؛ لإمكـان الوصـول إليـه . وقـد انقسـم النـاس فـي ذلـك إلـى قسـمين : القســم الأول : الراسـخون فـي العلـم : ويقولـون " وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا"آل عمران:7. وإذا كـان مـن عنـده ـ سـبحانه ـ فلـن يكــون فيـه اشـتباه يسـتلزم ضـلالًا أو تناقضـًا ، وَيَــردُّون المتشـابه إلـى المحكـم فصـار مـآل المتشـابه إلـى الإحكـام . القســم الثانــي : أهـل الضـلال والزيـغ : وهـم يتبعـون المتشـابه ويجعلـوه مثـارًا للشـك والتشـكيك ، فَضَلُّـوا وأَضَلُّـوا . وقـد يـؤدي هـذا التشـابه إلـى توهـم الواهـم : ـ مـا لا يليـق بالله تعالـى . ـ أو مـا لا يليـق بكتـابه . ـ أو مـا لا يليـق برسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . ويفهـم العالـم الراسـخ فـي العلـم خـلاف ذلـك مـن المتشـابه .فيمـا يتعلـق بالله تعالـى : مثـال أول : أن يتوهـم واهـم من قولـه تعالـى { ... بَـلْ يَـدَاهُ مَبْسُـوطَتَانِ ... } . سورة المائدة / آية :64 . أن لله يديـن مماثلتيـن لأيـدي المخلوقيـن . نـرد هـذا المتشـابه إلـى المحكـم ليكـون الجميـع مُحْكَمـًا كالآتـي الراسـخون فـي العلـم يقولـون : إن لله تعالـى يديـن حقيقيتيـن علـى ما يليـق بجلالـه وعظمتـه ، لا تماثـلان أيـدي المخلوقيــن ، كمـا أن لـه ـ سـبحانه ـ ذاتـًا لا تماثـل ذوات المخلوقيـن ؛ لأن الله تعالـى يقـول { ... لَيْـسَ كَمِثْلِـهِ شَـيْءٌ وَهُـوَ السَّـمِيعُ البَصِيـرُ } . سورة الشورى / آية : 11 . فـردّوا المتشـابه الـذي هـو ----> " بَـلْ يَـدَاهُ مَبْسُـوطَتَانِ " الغيـر واضـح الدلالـة ، إلـى المحكـم الواضـح الدلالـة الـذي هـو ----> " لَيْـسَ كَمِثْلِـهِ شَـيْءٌ وَهُـوَ السَّـمِيعُ البَصِيـرُ " ليصيـر الجميـع محكمـًا واضـح الدلالـة . مثــال ثــان : أن يتوهـم واهـم مـن قولـه تعالـى" إِنَّـا نَحْـنُ نُحْيِـي الْمَوْتَـى ... } .سورة يس / آية : 12 . ومـن قولـه تعالـى { إِنَّـا نَحْـنُ نَزَّلْنَـا الذِّكْـرَ وَإِنّـَا لَـهُ لَحَافِظُـونَ } .سورة الحجر / آية : 9 .ونحوهمـا ممـا أضـاف الله فيـه الشـيء إلـى نفسـه بصفـة الجمـع . ـ فاتبـع الضـال الـذي فـي قلبـه زيـغ هـذا المتشـابه وادَّعَـى تَعَـدُّد الآلهـة ، وتـرك المحكـم الـدال علـى أن الله واحـد . ـ وأمـا الراسـخون فـي العلـم فيحملـون الجمـع المتمثـل فـي لفظـة " نحـن " ، علـى التعظيـم لتعـدد صفـات الله وعظمهـا ، ويـردُّون هـذا المتشـابه إلى المحكـم فـي قولـه تعالـى " وَإِلَهُكُـمْ إِلَـهٌ وَاحِـدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُـوَ.." سورة البقرة / آية : 163 . فيمـا يتعلـق بكتـاب الله : مثـال أول : أن يتوهـم واهـم تناقـض القــرآن وتكذيـب بعضـه بعضـًا : لقولـه تعالـى { مَّا أَصَابَـكَ مِنْ حَسَـنَةٍ فَمِـنَ اللهِ وَمَا أَصَابَـكَ مِـن سَـيِّئَةٍ فَمِـن نَّفْسِـكَ ... } .سورة النساء / آية : 79 . ولقولـه تعالـى فـي موضـع آخـر : { ... وَإِن تُصِبْهُـمْ حَسَـنَةٌ يَقُولُـواْ هَـذِهِ مِـنْ عِنـدِ اللهِ وَإِن تُصِبْهُـمْ سَـيِّئَةٌ يَقُولـواْ هَـذِهِ مِنْ عِنـدِكَ قُـلْ كُـلًّ مِّـنْ عِنـدِ اللهِ ... } .سورة النساء / آية : 78 . فـرد هــذا النـص المتشـابه ، ظاهــر التناقــض يُـرد إلـى المحكـم الواضـح الدلالـة ليكـون الجميـع محكمـًا كالآتـي : الراسـخون فـي العلـم يقولـون : إن الحسـنة والسـيئة كلتاهمـا بتقديـر الله عـز وجـل ، لكن الحسـنة سـببها التفضـل مـن الله تعالـى علـى عبـاده ، أمـا السـيئة فسـببها فِعـل العبـد ؛ كمـا قـال تعالـى : { وَمَـا أَصَابَكُـم مِّـن مُّصِيبَـةٍ فَبِمَـا كَسَـبَتْ أَيْدِيكُـمْ وَيَعْفُـو عَـن كَثِيـرٍ } . سورة الشورى / آية : 30 . فإضافـة السـيئة إلـى العبـد مـن إضافـة الشـيء إلـى سـببه ، لا مـن إضافتـة إلـى مقـدِّرِهِ ، أمـا إضافـة الحسـنة والسـيئة إلـى الله تعالـى فمـن بـاب إضافـة الشـيء إلـى مُقَـدِّرِهِ ، وبهـذا يـزول مـا يُوهِـم الاختـلاف بيـن الآيتيـن لانفكـاك الجهـة . تفسير سورة البقرة / محمد صالح بن عثيمين / ج : 1 / ص : 48 / بتصرف . مثـــال آخـــر : أن يتوهـم واهـم تناقـض القـرآن وتكذيـب بعضـه بعضًـا : لقولـه تعالـى : { إِنّـَكَ لاَ تَهْـدِي مَـنْ أَحْبَبْـتَ ... } . سورة القصص / آية : 56 . لقولـه تعالـى : { ... وَإِنَّـكَ لَتَهْـدِي إِلَـى صِـرَاطٍ مُّسْـتَقِيمٍ } سورة الشورى / آية : 52 . ففـي الآيتيـن موهـم تعـارض ، فيتبعـه مـن فـي قلبـه زيـغ ، ويظـن أن بينهمـا تناقضًـا وهـو النفـي فـي الأولـى ، والإثبـات فـي الثانيـة . وأمـا الراسـخون فـي العلـم فيقولـون : لا تناقـض فـي الآيتيـن ، فالمـراد بالهدايــة فـي الآيــة الأولـى ----> هدايـة التوفيـق . وهـذه لا يملكهـا إلا الله وحـده ، فـلا يملكهـا الرسـول ولا غيـره . والمـراد بهـا فـي الآيـة الثانيـة ----> هدايـة الدَّلالـة . وهـذه تكـون مـن الله تعالـى ؛ ومـن غيـره . فتكـون مـن الرسـل وورثتهـم مـن العلمـاء الربانييـن . فيمـا يتعلـق برسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى وآله وسلم ـ : قـد يتوهـم الواهـم مـا لا يليـق برسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . مثـال ذلــك : قولـه تعالـى لنبيــه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : { فَـإِن كُنــتَ فِـي شَــكٍّ مِّمَّـا أَنزَلْنَـا إِلَيْــكَ فَاسْـأَلِ الَّذِينَ يَقْـرَؤُونَ الْكِتَـابَ مِـن قَبْلِـكَ لَقَـدْ جَـاءكَ الْحَـقُّ مِـن رَّبّـِكَ فَـلاَ تَكُونَـنَّ مِـنَ الْمُمْتَرِيـنَ} . سورة يونس/ آية : 94 . ففـي الآيـة ما يوهـم وقـوع الشـك مـن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فيمـا أُنــزِلَ إليـه ، فيتبعـه مـن فـي قلبـه مـرض ؛ فيدَّعـي أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وقـع منـه ذلـك ، فيطعـن فـي رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . ونـرد هـذا المتشـابه إلـى المحكـم ليكـون الجميـع محكمـًا كالآتـي : الراسـخون فـي العلـم يقولـون : إن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لـم يقــع منـه شَـكٌّ فيمـا أُنــزِلَ إليـه ، بـل هـو أعلـم النـاس بالقـرآن ، وأقواهـم يقينـًا كمـا قـال الله تعالـى فـي نفـس السـورة : { قُــلْ يَـا أَيُّهَـا النَّـاسُ إِن كُنتـُمْ فِـي شَـكٍّ مِّـن دِينـي فَـلاَ أَعْبُـدُ الَّذِيـنَ تَعْبُـدُونَ مِـن دُونِ اللهِ ... } .سورة يونس / آية : 104 . أي إن كنتـم فـي شـكٍّ ـ [ مـن دينـي ] ـ فأنـا علـى يقيـن منـه ، ولهـذا لا أعبـد الذيـن تعبـدون مـن دون الله ، بـل أكفـر بهـم وأعبـد الله . ولا يلـزم مـن قولـه تعالــى : " فَـإِن كُنـتَ فِـي شَـكٍّ مِّمَّـا أَنزَلْنَـا إِلَيْـكَ ... " .سورة يونس / آية :94 ، أن يكـون الشـكُّ جائـزًا علـى الرســول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أو واقعــًا منـه ألا تـرى قولـه تعالـى : { قُـلْ إِن كَـانَ لِلرَّحْمَـنِ وَلَـدٌ فَأَنَـا أَوَّلُ الْعَابِدِيـنَ } . سورة الزخرف / آية : 81 . هـل يلـزم منـه أن يكـون الولـد جائـزًا علـى الله تعالـى أو حاصـلاً ؟ ! . كـلا ؛ فهـذا لـم يكـن حاصـلاً ، ولا جائـزًا علـى اللهِ تعالـى ، لقولـه تعالـى : { وَمَـا يَنبَغِـي لِلرَّحْمَـنِ أَن يَتَّخِـذَ وَلَـدًا * إِن كُـلُّ مَـن فِـي السَّـمَاوَاتِ وَلأَرْضِ إِلاَّ آتِـي الرَّحْمَـنِ عَبْـدًا } .سورة مريم / آية : 92 ، 93 . ولا يلـزم مـن قولـه تعالـى "... فَـلاَ تَكُونَـنَّ مِـنَ الْمُمْتَرِيـنَ " . سورة البقرة / آية : 147 ، سورة يونس / آية : 94 . أن يكـون الامتــراء ـ ( أي الشـك ) ـ واقعــًا من الرســول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لأن النهــي عـنالشـيء قـد يوجـه إلـى مـن لـم يقـع منـه ، ألا تـرى قولَـهُ تعالـى : { وَلاَ يَصُدُّنّـَكَ عَــنْ آيَـاتِ اللهِ بَعْـدَ إِذْ أُنزِلَـتْ إِلَيْـكَ وَادْعُ إِلَـى رَبِّـكَ وَلاَ تَكُونَـنَّ مِـنَ الْمُشْـرِكِينَ }.سورة القصص / آية : 87 . ومـن المعلـوم أنهـم لـم يصـدُّوا النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عـن آيـات الله ، وأن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لـم يقـع منـه شـرك . والغـرض مـن توجيـه النهـي إلـى مَـنْ لا يقـع منـه : التنديـد بِمَـنْ وقـع منهـم ، والتحذيـر مـن منهاجهـم ، وبهـذا يـزول الاشـتباه ، وظَـنّ مـا لا يليـق بالرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . تفسـير القـرآن الكريـم / العثيمين / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 49 / بتصرف . فـائـــدة : " إن كنـتَ فـي شـكٍّ " ؛ كمـا فـي لغـة العـرب : اسـتجازة العـرب قـول القائـل منهـم لابنـه " إن كنـتَ ابنـي فَبِرِّنـي " ، وهـو لا يشـك فـي أنـه ابنـه . |
منشــأ التشــابه وأقســامه وأمثلتــه نعلـم ممـا سـبق أن منشـأ التشـابه إجمـالًا ، هـو خفـاء مـراد الشـارع مـن كلامـه . أمـا تفصيـلاً فنذكــر أن منـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى اللفــظ ، ومنـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى المعنـى ، ومنـه مـا يرجـع خفـاؤه إلـى اللفـظ والمعنـى معـًا . فالقســـم الأول : وهـو ما كـان التشـابه فيـه راجعـًا إلـى خفـاء فـي اللفـظ وحـده : منـه " مفـرد " و " مركـب " . والمفـرد قـد يكـون الخفـاء فيـه ناشـئًا : مـن جهـة " غرابتـه " ، أو مِـن جهـة " اشـتراكه " . والمركـب قـد يكـون الخفـاء فيـه ناشـئًا : مـن جهـة " اختصـاره " ، أو مـن جهــة " بسـطه " ، أومـن جهـة " ترتيبـه " . * مثـال التشـابه فـي " المفـرد " بسـبب غرابتـه ونـدرة اسـتعماله : لفـظ " الأبّ " بتشـديد البـاء فـي قولـه سـبحانه " وفاكهـةً وأبـًّا " سورة عبس / آية : 31 . لفـظ مفـرد والخفـاء فيـه ناشـئ : مـن جهـة غرابتـه . والأبّ هو ما تأكلـه البهائـم ؛ بدليـل قولـه بعـد ذلـك " متاعـًا لكـم ولأنعامكـم"سورة عبس / آية : 32. * ومثـال التشـابه فـي " المفــرد " بسـبب اشـتراكه بيـن معـان عـدة : لفـظ " اليميــن " فـي قولـه سـبحانه : " فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ " سورة الصافات / آية : 93 . أي فأقبـل إبراهيـم علـى أصنـام قومـه ضاربـًا لها باليميـن مـن يديـه لا بالشـمال ، أو ضاربـًا لهـا ضربـًا شـديدًا بقـوة ؛ لأن اليميـن أقـوى الجارحتيـن ؛ أو ضاربـًا لهـا بسـبب اليميـن التـي حلفهـا ونَـوَّه بهـا القـرآن إذ قـال "وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ " سورة الأنبياء / آية : 57 . كـل ذلـك جائـز ، ولفـظ اليميـن مشـترك بينهـا . * ومثـال التشـابه فـي " المركــب " بسـبب اختصـاره : قولـه تعالـى { وَإِنْ خِفْتُـمْ أَلاَّ تُقْسِـطُواْ فِـي الْيَتَامَـى فَانكِحُـواْ مَـا طَـابَ لَكُـم مِّـنَ النِّسَـاء ... } .سورة النساء / آية : 3 . فـإن خفـاء المـراد فيـه ، جـاء من ناحيـة إيجـازه ؛ والأصـل " وإن خفتـم ألا تقسـطوا فـي اليتامـى لو تزوجتموهـن ، فانكحـوا مـن غيرهـن ما طـاب لكـم مـن النسـاء " ومعنـاه أنكـم إذا تحرجتـم مـن زواج اليتامـى مخافـة أن تظلموهـن ؛ فأمامكـم غيرهـن فتزوجــوا منهـن مـا طـاب لكـم مـن النسـاء مثنـى وثـلاث ورُبـاع . * ومثـال التشـابه يقـع فـي " المركـب " بسـبب بسـطه والإطنـاب فيـه :قولـه جلْـت حكمتـه "... لَيْـسَ كَمِثْلِـهِ شَـيْءٌ ... "سورة الشورى / آية 11 . فـإن حـرف الكـاف لـو حـذف وقيــل " ليـس مثلـه شـيء " كـان أظهـر للسـامع مـن هـذا التركيـب الـذي ينحـل إلـى : " ليـس مثـل مثلـه شـيء " وفيـه مـن الدقـة ما يعلـو علـى كثيـر مـن الأفهـام . ـ أقـوال العلمـاء فـي كـاف " كمثلـه " : [ فـي قولـه تعالـى : " ليـس كمثلـه شـيء " : كلمـة " شـيء " هنـا نكـرة فـي سـياق النفـي ، فَتَعُـم كـل شـيء ؛ أي ليـس هنـاك شـيء أبـدًا مماثـلاً لله . وقـد وقـع فـي ( الكـاف ) جـدل كبيـر بيـن العلمـاء ، لأن وجودهـا مـع " مثـل " مشـكلة ؛ إذ كـل منهمـا يـدل علـى التمثيـل ؛ فلـو قلـتَ : ليـس مثـل مثلـه شـيئًا ، فمعنـاه : أنـك أثبـت المثـل ونفيـتَ المماثلـة عـن هـذا المثـل ، وهـذا تناقـض ؛ لأنـك إذا نفيـتَ المماثلـة عـن المثـل لـم تثبـت وجـود المثـل ، وهـذا يقتضـي التناقـض ظاهـرًا . ولهـذا فقـد اختلـف العلمـاء فـي هـذه الكـاف . * فمنهـم مـن قـال : إن الكـاف زائـدة ، فتقديـر الكـلام : ليـس مثلـه شـيء . * ومنهـم مـن قـال : إن " مثـل " هـي الزائـدة ، فتقديـر الكـلام :ليـس كهـو شـيء . فالزائـدة إحـدى هاتيـن الكلمتيـن ، ولاشـك أن القــول بزيـادة " الكــاف " أولـى مـن القــول بزيـادة " المثـل " ؛ لأن زيـادة الحـروف كثيـرة فـي اللغـة العربيـة لكـن زيـادة الأسـماء قليلـة جـدًا فضـلاً عـن كونـه موجـودًا أصـلاً . ـ ثـم قـال الشـيخ العثيميـن ـ والـذي يظهـر لـي : أن هـذا مـن بـاب التوكيــد ، كأنـه عـز وجـل كـرر الكلمـة مرتيـن لتكـرار نفـي المماثلـة ] .[ شرح القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى / للشيخ محمد بن صالح العثيمين /شرح القاعدة السادسة من قواعد الصفات / ص : 143 / باختصار ] * ومثـال التشـابه يقـع فـي " المركــب " لترتيبـه ونظمـه : قولـه جـل ذكـره "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا * قَيِّمـًا..." . [ سورة الكهف / آية : 1 ، 2 ] . فـإن الخفـاء هنـا جـاء مـن جهـة الترتيـب بيـن لفـظ " قَيِّمـًا " وما قبلـه ، ولـو قيـل : " أنـزل على عبـده الكتـاب قَيِّمـًا ولم يجعـل له عِوَجـًا " لكـان أظهـر أيضـًا . والقســم الثانـي : وهـو مـا كـان التشــابه فيـه راجعـًا إلـى خفــاء المعنـى وحــده : مثالــه : كـل مـا جـاء فـي القــرآن الكريـم وصفـًا لله تعالـى ، أو لأهـوال القيامـة ، أو لنعيـم الجنـة وعـذاب النـار ؛ فـإن العقــل البشـري لا يمكـن أن يحيـط بحقائــق صفـات الخالـق ، ولا بأهـوال القيامـة ، ولا بنعيـم أهـل الجنـة وعـذاب أهـل النـار . القســـم الثالــث : وهـو ما كـان التشـابه فيـه راجعـًا إلـى اللفـظ والمعنـى معـًا : مثالـه :قولـه تعالـى { يَسْـأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُـوْاْ الْبُيُـوتَ مِـن ظُهُورِهَـا ... } . سورة البقرة / آية : 189 . فـإن مـن لا يعـرف عـادة العـرب فـي الجاهليـة ، لا يسـتطيع أن يفهـم هـذا النـصَّ الكريـم علـى وجهـه . وَرَدَ أن ناسـًا مـن الأنصـار كانـوا إذا أحرمـوا لم يدخـل أحـد منهـم حائطـًا ولا دارًا ولا فسـطاطًا مـنبـاب ؛ فـإن كـان مـن أهـل المَـدَرِ ( 1 ) نقــب نقبـًا فـي ظهـر بيتــه يدخـل ويخـرج منـه ، وإن كـان مـن أهـل الوبـر ( 2 ) خـرج مـن خلـف الخبـاء ، فنـزل قـول الله : " وليـس البِـرُّ بـأن تأتـوا البيـوتَ مـن ظهورهـا ولكـنَّ البِــرَّ مـن اتَّقـى ، وأُتـوا البيـوت مـن أبوابهـا ، واتَّقـوا الله لعلكـم تفلحـون " . ( 1 ) أهـل المـدر : سـكان البيـوت المبنيـة ، خـلاف البـدو ، سـكان الخيـام . ( 2 ) أهـل الوبـر : أهـل الباديـة ؛ لأنهـم يتخـذون بيوتهـم مـن الوبـر. فهـذا الخفـاء الـذي فـي الآيـة ، يرجـع إلـى اللفـظ بسـبب اختصـاره ؛ ولو بسـط لقيــل : " وليـس البـر بـأن تأتـوا البيـوت مـن ظهورهـا إذا كنتـم محرميـن بحـج أو عمـرة " . ويرجـع الخفـاء إلـى المعنـى أيضًـا ؛ لأن هـذا النـص علـى فـرض بسـطه كمـا رأيــت ، لابــد معـه مـن معرفـة عـادة العـرب فـي الجاهليـة وإلا لتعـذَّر فهمـه .مناهل العرفان / ج : 2 / ص : 297 / بتصرف. الحكمــة فــي تنــوع القــرآن إلـى محكـم ومتشــابه: لـو كـان القـرآن كلـه محكمًـا لفاتـت الحكمـة مـن الاختبـار بـه تصديقًـا وعمـلاً لظهـور معنـاه ، وعـدم المجـال لتحريفــه والتمسـك بالمتشـابه ابتغــاء الفتنــة وابتغـاء تأويلـه ، ولـو كـان كلُّـه متشـابهًا لفـات كونـه بيانـًا ، وهـدى للنـاس ، ولمـا أمكـن العمـل بـه ، وبنـاء العقيــدة السـليمة عليـه ، ولكـن الله تعالـى بحكمتـه جعـل منه آيـات محكمـات ، يُرْجَـع إليهـن عنـد التشـابه ، وأُخَـر مشـابهات امتحانًـا للعبـاد ؛ ليتبيـن صـادق الإيمـان ممـن فـي قلبــه زيـغ ، فـإن صـادق الإيمـان يعلـم أن القـرآن كلـه مـن عنـد الله تعالـى ، ومـا كـان مـن عنـد الله فهـو حــق ، ولا يمكـن أن يكـون فيـه باطـل ، أو تناقـض لقولـه تعالـى { لاَ يَأْتِيـهِ الْبَاطِـلُ مِـن بَيْـنِ يَدَيْـهِ وَلاَ مِـنْ خَلْفِـهِ تَنزِيـلٌ مِّـنْ حَكِيـمٍ حَمِيـدٍ } .سورة فصلت / آية : 42 . وأما مـن فـي قلبـه زيـغ فيتخـذ مـن المتشـابه سـبيلاً إلـى تحريـف المحكـم واتبـاع الهـوى فـي التشـكيك فـي الأخبـار والاسـتكبار عـن الأحكـام ، ولهـذا تجـد كثيـرًا مـن المنحرفيـن فـي العقائـد والأعمـال ، يحتجـون علـى انحرافهـم بهـذه الآيـات المتشـابهة . تفسير القرآن الكريم للعثيمين / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 51 . ومـن حِكَـم تنـوع القـرآن إلـى محكـم ومتشـابه : نقـل السـيوطي عـن الكرمانـي فـي غرائبـه أنه قـال : " إن قيـل : ما الحكمـة فـي إنـزال المتشـابه ممـن أراد لعبـاده البيـان والهـدى ؟ قلنـا : إن كـان ( أي المتشـابه ) ممـا يمكـن علمـه فلـه فوائـد : ـ منهـا الحـث للعلمـاء علـى النظـر الموجـب للعلـم بغوامضـه والبحـث عـن دقائقـه ، فـإن اسـتدعاء الهمـم لمعرفـة ذلـك مـن أعظـم القُـرَب . ـ ومنهـا ظهــور التفاضــل وتفـاوت الدرجـات ؛ إذ لـو كـان محكمًـا لا يحتـاج إلـى تأويـل ونظــر لاسـتوت منـازل الخلـق ، ولـم يظهـر فضـل العالـم علـى غيـره . وإنَ كـان ( أي المتشـابه ) ممـا لا يمكـن علمـه . ( بـأن اسـتأثر الله بـه ) ، فلـه فوائـد : ـ منهـا ابتـلاء العبـاد بالوقـوف عنـده والتوقـف فيـه والتفويـض والتسـليم . مناهل العرفان في علوم القرآن / ج : 2 / ص : 319 . * * * * * تســـاؤلات والـــرد عليهــا س : هـل كـل مـن يتبـع المتشـابه يُحْكَـم عليـه بأنـه فـي قلبـه زيـغ ؟ ! ج : لا . ـ إذا تـرك المسـلم النـص المحكــم وأخـذ بالنـص المتشـابه ، فإنـه ليـس علـى سـبيل الإطـلاق يُحكـم عليـه بأنـه مـن الذيـن يوصفـون بـأن فـي قلوبهـم زيـغ ، فقـد يكــون " المتشـابه " عنـده" محكـم " وذلـك بعـد اجتهـاده وبحثـه وصدقـه فـي طلـب الحـق وفـي اتبـاع الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وهـذا أمـر يُوكَــل إلـى عَـلاَّم الغيـوب الـذي يعلـم مـا تخفـي الصـدور ، بـل قـد يكـون هـذا الشـخص عنـد الله مأجـورًا وإن أخطـأ . ـ وأمـا إذا تـرك المسـلم النـص المحكــم وأخـذ بالنــص المتشـابه ، تَرَخُّصًـا واتباعـًا للهـوى أو المصلحـة أو غيـر ذلـك ـ بينمـا أمامـه النصـوص المحكمــة واضحـة الدَّلالـة ، فهـذا علـى خطـر عظيـم ، والله أعلـم بحالـه ، وقـد يُعَـدّ ممـن يوصـف بأنـه فـي قلبـه زيـغ . س : هـل المحكـم والمتشـابه يكـون فـي آيـات القـرآن الكريـم فقـط ؟ ! ج : لا . المحكـم والمتشـابه قـد يكـون أيضًـا فـي الأحاديـث النبويـة . وأمثلـة ذلـك : ـ نـوم ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ مـع النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وزوجتـه فـي فـراش واحـد . فتتولـد شـبهة الاختـلاط ومـا إلـى ذلـك ، ثـم عنـد النظــر فـي الأحاديـث الـواردة فـي هـذا الأمـر نجـد أن هـذه الزوجـة هـي ميمونـة زوج النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـي خالـة ابـن عبـاس . فيـزول الإشـكال . سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / ج : 1 / أبواب قيام الليل / 317 ـ باب : في صلاة الليل / أحاديث رقم : 1205 ، 1215 ، 1216 . ـ تحديـث عائشـة ـ رضي الله عنها ـ لأحـد الصحابـة بأمـر شـخصي . * فعـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ أن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : قَبَّــلَ امـرأة مـن نسـائه ثـم خـرج إلـى الصـلاة ولـم يتوضـأ ."قـال عـروة : فقلـتُ لهـا : مـن هـي إلا أنـت ؟ فضحكـتْ .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / ج : 1 / ( 1 ) ـ كتاب : الطهارة / ( 69 ) ـ باب :الوضوء من القُبْلَة / حديث رقم : 165 / ص : 36 - صحيح . هـذا المُـزَاح بيـن أم المؤمنيـن عائشـة ـ رضي الله عنها وهـذا الصحابـي يثيـر الشـبهات . نـرد هـذا المتشـابه إلـى المحكــم . وذلـك بـأن نَكِـل حقائــق الأمــور إلـى الله ولا نشــك فـي الصحابـة ، ولا نشـك فـي النصـوص التـي تحـرم الاختـلاط ، وبالتتبـع وجـد أن : عـروة هـو عـروة ابـن الزبيـر وهـو ابـن أختهـا . فيـزول الإشـكال . حاشية صحيح سنن أبي داود / ج : 1 / ص : 36 / بتصرف . فوائـــد : ـ إذا كان لدينـا نصـوص مُحكمـة وأخـرى متشـابهة ، وليـس لدينـا وسـيلة أو أي أدوات للترجيـح ، فعلينـا أن نتهـم أنفسـنا بعــدم الإلمـام بكـل النصــوص الخاصـة بهـذه المسـألة ، وألا نحيـد عـن المحكـم فـي هـذه المسـألة إلـى المتشـابه فيهـا . ـ وعنـد تعـارض قـول أو فعـل النبـ.ي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـع قـول أو فعـل غيـره ، فـلا يجـوز تـرك قـول أو فعـل النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لأحـد كائنًـا مـن كـان ، سـواء كـان صحابيًّـا جليـلاً أو عالمـًا جليـلاً . وهـذا هـو منهـج الصحابـة الكـرام . * عـن صالـح بـن كيسـان عـن ابـن شـهاب أن سـالم بـن عبـد الله حدثـه أنـه سـمع رجـلاً مـن أهـل الشـام ، وهـو يسـأل عبـد الله بـن عمـر عـن التمتـع بالعمـرة إلـى الحـج ، فقـال عبـد الله بـن عمـر : هـي حـلال . فقـال الشـامي : إن أبـاك قـد نهـى عنهـا . قـال عبـد الله : أرأيـت إن كـان أبـي نهـى عنهـا ، وصنعهـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، أَمْــر أبـي يُتَّبَـع أم أمـر رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ؟ ! . فقـال الرجـل : بـل أمـر رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . فقـال : لقـد صنعهـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .أخرجه الترمذي . وصححه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في كتابه : الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين / ج : 5 / كتاب السنة / ص : 36 . ـ فعنـد مـا نناقـش مسـألة : سـفر المـرأة مـع ذي محـرم منهـا : نجـد أن هنـاك أحاديـث كثيـرة عـن الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ توجـب سـفر المــرأة مـع ذي محـرم منهـا : * عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ عـن النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " لا يحــل لامــرأة تؤمـن بالله واليـوم الآخـر ، تسـافر مسـيرة يـومٍ وليلـةٍ إلا مـع ذي محـرم عليهـا " . صحيح مسلم . متون / ( 15 ) ـ كتاب : الحج / ( 47 ) ـ باب : سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره / حديث رقم : 421 ـ ( 1339 ) / ص : 331 . ثـم نجـد أثـر عـن بعـض أمهـات المؤمنيـن أنهـن سـافرن بـدون محـرم . فهـذا الأثـر مـن المتشـابهات التـي لا نعلـم ما وراءهـا مـن حقائـق ، فـلا نتهـم أحـد بعـدم الاتبـاع . فهـذا فعـل صحابـه واجتهادهـم وهـم غيـر معصوميـن ولا نعلـم حقيقـة الأمـر ولا حجتهـم ، ونَكِـلُ أمـرَ الحكـم علـى فعلِهـم إلـى اللهِ ، وأما بالنسـبة لمـن بلغـه الأحاديـث الـواردة فـي تحريـم سـفر المـرأة بـدون محـرم ، وهـي نصـوص محكمـة وفـي أعلـى مراتـب الصحـة ، فعليـه تـرك العمـل بهـذه الآثــار المتشـابهة ، واتبـاع النصـوص المحكمـة ، ولا يحيـد عـن المحكـم إلـى المتشـابه . * * * * * |
المصــدر الثانــي : الســنة النبويــة المطهــرة وهـي كـل مـا صـح عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـن أقـوال وأفعـال وتقريـرات ، وتُحْمَـل علـى رتبتهـا مـن وجـوب أو نـدب أو إباحـة أو تحريـم أو كراهـة حسـب مـا يقتضيـه القـول أو الفعـل أو التقريـر . وخـرج بذلـك مـا صـدر عنـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم مـن الأمـور الدنيويـة والجِبِلِّيَِّـة التـي لا دخـل لهـا بالأمـور الدينيـة ، ولا صلـة لهـا بالوحـي .التأسيس ... / ص : 129 .· الســـنة القوليــة : كقـول النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " إنمـا الأعمـال بالنيـات ... " . صحيح البخاري . متون / حديث رقم : 1 / عن عمر . · الســنة الفعليــة : كأفعـال النبـي ـ صلى الله عليبه وعلى آله وسلم ـ التعبديـة فـي صلاتـه وحِجـه . فـأداؤه الصـلاة ، وأداؤه مناسـك الحـج ، ... سـنة فعليـة . الوجيز في أصول الفقه / ص : 170 / بتصرف . * فعـن عبـد الله بـن مالـك بـن بُحَيْنــة أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، كـان إذا صلـى فَـرَّجَ بيـن يديـه حتـى يبـدو بيـاض إبطَيْـهِ .صحيح البخاري . متون / ( 8 ) ـ كتاب : الصلاة / ( 57 ) ـ باب : يبدي ضبعيه ويجافي في السجود / حديث رقم : 390 / ص : 54 . * وعـن المغيـرة بن شـعبة قـال : وضـأتُ النبـيَّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فمسـح على خُفيـه وصلـى . صحيح البخاري . متون / ( 8 ) ـ كتاب : الصلاة / ( 25 ) ـ باب : الصلاة في الخِفاف / حديث رقم : 388 / ص : 54 . · الســنة التقريريــة : كـأن يصـدر عن الصحابـة قـولًا أو فعـلًا فيقرهـم عليه صلـى الله عليـه وعلى آله وسلم ولا ينكره عليهـم . ـ سـأل رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ الجاريـة : " أيـن الله " ؟ قالـت : فـي السـماء فأقرهـا صلـى الله عليـه وسـلم * فعـن معاويـة بـن الحكـم ، قـال : ..... قـال صلـى الله عليـه وعلى آله وسـلم : " ائتنـي بهـا " فأتيتـه بهـا . فقـال لها " أيـن الله ؟ " . قالـت فـي السـماء .قـال : من أنـا ؟ " . قالـت أنـت رســولُ الله .قـال " أعتقهـا فإنهـا مؤمنـة " . رواه مسلم . متون / ( 5 ) ـ كتاب : المساجد ومواضع الصلاة / ( 7 ) ـ باب : تحريم الكلام في ... / حديث رقم : 537 / ص : 130 . * عـن جابـر قـال " كنـا نعـزل والقـرآن ينـزل " . زاد إسـحاق : قـال سُـفيان : لـو كـان شـيئًا يُنهَـى عنـه ، لنهانـا عنـه القـرآن .صحيح البخاري . متون / حديث رقم : 4911 . صحيح مسلم . متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 22 ) ـ باب : حكم العزل / حديث رقم : 136 ( 1440 ) / ص : 457 . شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 457 . * عـن جابـر قـال : ... كنـا نعـزل علـى عهـد رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فبلـغ ذلـك نبـي الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فلـم ينهنـا .صحيح مسلم . متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 22 ) ـ باب : حكم العزل /حديث رقم : 138 ( 1440 ) / ص : 358 . علاقــة الســـنة بالقــرآن الكريــم : 1ـ أنهـا تأتـي مُفَصِّلَـة ومُفَسِّـرَة لِمَـا جـاء مُجْمَـلاً مـن أحكـام فـي القـرآن الكريـم . فالصـلاة وردت فـي عشـرات الآيـات ، ولكـن لـم تُبَيَّـن لهـا كيفيـة ، وأوقـات ، وأركـان ، وسـنن ، وعـدد ركعـات كـل صـلاة ، ... فجـاءت السـنة بتوضيـح كـل ذلـك . وكذلـك الزكـاة قـال تعالـى " ... وَآتُـواْ الزَّكَـاةَ ... " .سورة البقرة / آية : 43 . فـإن مقـدار الزكـاة الواجبـة مجهـول يحتـاج إلـى بيـان . 2 ـ وقـد تأتـي السـنة مُقَيِّـدة لمـا جـاء مطلقًـا فـي القـرآن . مثـــال :قـال تعالـى " وَالسَّـارِقُ وَالسَّـارِقَةُ فَاقْطَعُـواْ أَيْدِيَهُمَـا ... " . سورة المائدة / آية : 38 . فكلمـة "أَيْدِيَهُمَـا" الأيـدي فـي الآيـة وردت مطلقـة ، وكـان مقتضـى هـذا الإطـلاق أن تُقْطَـع يـد السـارق كلهـا عمـلًا بالإطـلاق ، ولكـن السـنة قيـدت هـذا الإطـلاق ، إذ وردت بأن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قطـع يـد السـارق مـن الرسـغ فيصـح تقييـد مطلـق الكتـاب بصحيـح السـنة . الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 280 / بتصرف يسير . * فعـن رجـاء بـن حيـوة عن عـدي بـن عـدي " أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قطـع رجـلاً مـن المفصـل " . أخرجه ابن أبي شَيْبَة . قال الألباني إسناده مرسل جيد / إرواء الغليل ... / ج : 8 / باب : القطع في السرقة / ص : 28 . قـال الشـيخ الألبانـي ـ رحمه الله ـ : وقـد وصلـه بعضهـم ، فأخرجـه البيهقـي ـ موصـولاً ـ . فهـو صحيـح موصـول .انتهى بتصرف .إرواء الغليل ... / ج : 8 / ص : 82 . 3ـ كمـا تأتـي السـنة مُخَصِّصَـة لمـا جـاء عامًّـا فـي القـرآن مـن أحكـام . مثـــال : قـال تعالـى " يُوصِيكُـمُ اللهَ فِـي أَوْلاَدِكُـمْ لِلذَّكَـرِ مِثْـلُ حَـظِّ الأُنثَيَيْـنِ ... ".سورة النساء / آية : 11 . هـذا حكـم عـام ، فخصصـت السـنة هـذا الحكـم العـام ، بـأن قَصَـرَت الميـراث علـى مَـنْ لـم يعتـدِ علـى مُوَرِّثِـهِ بالقتـل ، فقـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " القاتـل لا يـرث " .صحيح سنن ابن ماجه / ج : 2 / ( 21 ) ـ كتاب : الديات / ( 14 ) ـ باب : القاتل لا يرث / حديث رقم : 2211 / ص : 117 . وكذلـك قَصـرت السـنة الميـراث علـى المسـلم فقـط حتـى ولـو كـان الكافـر ابنـًا مـن صلبـه . * فعـن أسـامة بـن زيـد ـ رضي الله عنهما ـ أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال " لا يـرثُ المسـلمُ الكافـر ، ولا الكافـرُ المسـلمَ " . صحيح البخاري . متون / ( 85 ) ـ كتاب : الفرائض / ( 26 ) ـ باب : لا يرث المسلم الكافر ... / حديث رقم : 6764 / ص : 788 . 4 ـ وقـد تأتـي السـنة بحكـم جديـد قياسـًا علـى حكـم ورد فـي القـرآن الكريـم ففـي سـورة النسـاء حـرم تعالـى الجمـع بيـن الأختيـن فـي النكـاح ، قـال تعالـى " حُرِّمَـتْ عَلَيْكُـمْ أُمَّهَاتُكُـمْ ... } . سورة النساء / آية : 23 . وورد بالسـنة تحريـم الجمـع بيـن العمـة وابنـة أخيهـا ، والخالـة وابنـة أختهـا ، قياسـًا . * عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : سـمعتُ رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول " لا تُنكـحُ العمـةُ علـى بنـت الأخ ، ولا ابنـة الأخـت علـى الخالـة " .صحيح مسلم . متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 4 ) ـ باب : تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح / حديث رقم : 35 ـ ( 1408 ) / ص : 346 . * وعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " لا تُنكـح المـرأةُ علـى عمتهـا ولا علـى خالتهـا " .صحيح مسلم . متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 4 ) ـ باب : تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أوخالتها في النكاح . تحريم الجمع بين المرأة ... / حديث رقم : 37 ـ ( 1408 ) / ص : 346 . فالسـنة إذن لا غنـى عنهـا فـي تفسـير وتوضيـح ما جــاء مجمـلاً أو مطلقًـا أو عامًّـا فـي القــرآن الكريـم . * * * * * حفــظ الســنة مـن حفــظ القـــرآن قـال تعالـى " إِنَّـا نَحْـنُ نَزَّلْنَـا الذِّكْـرَ وَإِنَّـا لَـهُ لَحَافِظُـونَ } .سورة الحجر / آية : 9 . الله عـز وجـل قـد يسَّـرَ لكتابـه مـن الدواعـي الملزمـة بحفظــه ، ومهـد لـه مـن الأسـباب القاضيـة بحراسـته ، مـع إحاطتـه بعنايتـه وإرادتـه مـا عصمـه الله بـه مـن الضيـاع والفقـد ، والزيــادة والنقـص ، والتحريـف والتبديـل . والحقيقـة التـي تسـتعصي علـى الشـك والجـدل ، أن القـرآن الـذي تتلـوه أمـة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ اليـوم ، هـو بلفظـه ومعنـاه ، بـل وبطريقـة أدائـه ونطقـه وترتيـب آياتـه وسـوره ، هـو القـرآن نفسـه الـذي كـان النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يتلـوه علـى أصحابـه سـواء بسـواءٍ كمـا جـاء بـه جبريـل ـ عليه السلام ـ مـن لـدن حكيـم حميـد . أمـا السـنة النبويــة المطهـرة فهـي محفوظـة فـي جملتهـا بحفـظ الله عـز وجـل ، لـم يُضِـعْ منهـا شـيء ، ذلـك لأن إرادة الله سـبحانه وتعالـى حفـظ الذكــر تقتضـي أيضًـا حفـظ السـنة ، لأنهـا مبينـة لـه ، ففيهـا شـرح مقاصـده ، وتفصيـل مجملـه ، وتخصيـص عمومـه ، وتقييـد مطلقـه ، والدليـل علـى منسـوخه ، وتلـك حكمـة مـراده ، أن يكـون النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مبينًـا عـن ربـه ، شـارحًا لكتابـه . قـال تعالـى { ... وَأَنزَلْنَـا إِلَيْـكَ الذِّكْـرَ لِتُبَيِّـنَ لِلنَّـاسِ مَـا نُـزِّلَ إِلَيْهِـمْ وَلَعَلَّهُـمْ يَتَفَكَّـرُونَ } .سورة النحل / آية : 44 . فضيـاع السـنة إذن ـ بغيـر شـك ـ ضيـاع لجملـة مـن الديـن . ولقـد حـاول بعـض المفسـدين لأسـباب مختلفـة ، أن يدسـوا فـي السـنة مـا ليـس منهـا ، فحدَّثـوا كذبًـا علـى رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وتقوَّلـوا عليـه مـا لـم يقـل ، فوضعـوا ألوفًـا مـن الأحاديـث المكذوبـة علـى لسـانه ، ولكـن شـاء الله تبـارك وتعالـى أن يحفـظ لهـذه الأمـة دينهـا ، فقيـض للسـنة رجـالاً أفـذاذًا مـن خيـرة المسـلمين دينًـا وأمانـة وكفـاءة ، فوضعـوا أدق المناهـج العلميـة وأعظـم القواعـد النقديـة التـي يتميـز بهـا الحديـث الصحيـح مـن غيـره ، ثـم عكـف هـؤلاء الأئمـة الأفـذاذ علـى جمـع الحديـث وطلـب أسـانيده ، وقامـوا بتدوينـه ، ونقـد رجالـه ، وتمحيـص متونـه ، وأقامـوا صرحـًا شـاهقًا مـن العلـوم والمؤلفـات الحديثيـة ، فألَّفـوا فـي صحيحـه ، وضعيفـه ، وعللـه ، ورجالـه ، وطبقـات رواتـه ، وسـائر فنونـه التـي تُيَسِّــر للباحـث التمييــز بيـن مـا يصـح نسـبته إلـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ومـا لا يصـح نسـبته إليـه . والناظـر بعيـن الإنصـاف إلـى هـذه المؤلفـات الكثيـرة القيمـة ـ فـي فنـون الحديـث وعلومـه ـ يـدرك أنـه لـم يتوفـر لشـيء مـن الكتـب علـى وجـه الأرض بعـد كتــاب الله عــز وجـل مـا توفــر للسـنة النبويـة من منهـج دقيـق ، وتطبيـق واع ، وصـدقٍ بالـغ ، وإتقـان كامـل ، وحـرص شـديد على حفظهـا وصيانتهـا . ولا يفوتنـي عندئـذ أن أنبـه علـى ضـرورة أن يتحـرى المسـلمون فـي روايـة الحديـث والاسـتشـهاد بـه ، أو اسـتخدامه فـي الوعـظ والتعليـم ، وغيـر ذلـك ، فـلا يذكـروا علـى لسـان النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إلا مـا يسـتوثقون مـن قبولـه وعـدم رده ، ويتأكـدون مـن توثيـق أهـل العلـم لإسـناده . مقدمة جامع الأحاديث القدسية / ج : 1 / ص : 10 إعداد عصام الدين الصبابطي . مدلـــول كلمــة " ســنة " ـ السـنة فـي اللغـة : تطلـق ويـراد بهـا الطريقـة . قـال تعالـى : { ... فَهَـلْ يَنظُـرُونَ إِلاَّ سُـنَّتَ الأَوَّلِيـنَ ... } سورة فاطر / آية : 43 . أي الطريقـة أو العـادة التـي جـرى عليهـا حكـم الله سـبحانه وتعالـى فـي المكذبيـن المخالفيـن للرسـل ،فسـنة الله فيهــم أن يعاقبهـم ويأخذهـم بالعـذاب لمـا خالفـوا الرسـل . * عـن أبـي سـعيد الخـدري قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " لتتبعُــنَّ سَـننَ الذيـن مـن قبلكـم شـبرًا بشـبر ، ... " الحديـث .صحيح مسلم . متون / ( 47 ) ـ كتاب : العلم / ( 3 ) ـ باب : اتباع سنن اليهود والنصارى / حديث رقم : 2669 / ص : 678 . " سَـننَ " يعنـي طـرق مـن كـان قبلكـم مـن الأمـم .مكانة السنة في الإسلام / الفوزان / ص : 4 / بتصرف . ـ السـنة فـي الاصطـلاح : السـنة فـي اصطـلاح علمـاء الشـرع مـن محدثيـن وأصولييـن وفقهـاء يـراد بهـا هـدي النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وطريقتـه . فهـو عـام يشـمل الواجـب والمسـتحب والمكـروه والمحـرم ويشـمل العقائـد والعبـادات والمعامـلات والسـلوك . ولهـذا كـان السـلف قديمـًا لا يطلقـون اسـم السـنة إلا علـى مـا يشـمل ذلـك كلـه .وروي معنـى ذلـك عـن الحسـن والأوزاعـي والفُضَيـل بـن عيـاض .تعظيم السنة وموقف السلف ... / ص : 18 ، 19 / بتصرف . * فعـن أبـي وائـل عـن حذيفـة رأى رجـلاً لا يُتـمُّ ركوعَـهُ ولا سـجوده ، فلمـا قضـى صلاتَـهُ قـال لـه حذيفـة : مـا صليـتَ ، قـال : وأحسـبه قـال : لـو مُـتَّ مُـتَّ علـى غيـر سـنة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .صحيح البخاري . متون / ( 8 ) ـ كتاب : الصلاة / ( 26 ) ـ باب : إذا لم يتم السجود / حديث رقم : 389 / ص : 54 . * وعـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ قالـت : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " عشـر مـن الفطـرة ، قـص الشـارب ، وإعفـاء اللحيـة ، والسـواك ، واسـتنشـاق المـاء ، وقـص الأظفـار ، وغسـل البراجـم ، ونتـف الإبـط ، وحلـق العانـة ، وانتقـاص المـاء " . قـال زكريْـاء : قـال مصعـب : ونسـيتُ العاشـرة إلا أن تكـون المضمضـة .زاد قتيبْـة : قـال وكيـع : انتقـاص المـاء يعنـي الاسـتنجاء .صحيح مسلم . متون / ( 2 ) ـ كتاب : الطهارة / ( 16 ) ـ باب : خصال الفطرة / حديث رقم : 261 / ص : 75. فـائــدة : * زكريْـاء ، وقتيبـة ---> مـن رجـال السـند السـابق . ـ والسـنة عنـد المتأخريـن قـد تطلـق علـى : المـرادف للمنـدوب والمسـتحب ، المقابـل للمكـروه . وكذلـك قـد تطلـق علـى المقابـل للقـرآن . يُقـال : الدليـل مـن الكتـاب كـذا ، ومـن السـنة كـذا . وقـد تُطلـق فـي مقابلـة البدعـة . كقولهـم فـلان علـى سـنة وفـلان علـى بدعـة . أمـا إذا وردت فـي حديـث ، سـواء بلفـظ السـنة أو الفطـرة ، فـلا تـدل علـى المعنـى الاصطلاحـي ـ عنـد المتأخريـن ـ ولكـن بمعنـى الطريقـة .التأسيس ... / ص : 130 / بتصرف . * * * * * مكانـــة الســنة اهتمامنـا بالسـنة ليـس اهتمـام دراسـة فحسـب ولكـن اهتمـام اعتقــاد بالدرجــة الأولـى ، اهتمـام منهـج ، كيـف تتجـه . فالسـنة ليسـت فـرع مـن فـروع العلـم ، ولكنهـا أصـل هـذا الديـن مـع كتـاب الله تبـارك وتعالـى ،فـلا تنفـك السـنة عـن القـرآن ، ولا ينفـك القـرآن عـن السـنة . وكـل مسـلم لا يصـح إسـلامه إلا أن ينتمـيَ إلـى سـنة الرسـول الكريـم ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم . فالشـهادتان ! هـل يصـح إسـلام أحـد بشـهادة أن لا إله إلا الله وحدهـا ؟ ! لا ، هنـاك شـهادة قرينــة مـع شـهادة أن لا إله إلا الله ، هـي : " أن محمـدًا رسـولُ الله " ، وهـذا يُلـزم باتبـاع هـذا الرسـول الأمـي ، وأن يُتخـذ قـدوة كما نـص القـرآن الكريـم ، قـال تعالـى " لَقَـدْ كَـانَ لَكُـمْ فِي رَسُـولِ اللهِ أُسْـوَةٌ حَسَـنَةٌ لِّمَـن كَانَ يَرْجُـو اللهَ وَالْيَـوْمَ الآخِـرَ وَذَكَـرَ اللهَ كَثِيـرًا } .سورة الأحزاب / آية : 21 .شرح صحيح مسلم / شريط رقم : ( 1 ) / الوجه الأول . تحذيـــر : * عـن المِقْـدام بـن معـدي كَـرِبٍ ، عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أنـه قـال : ألا إنـي أوتيـت الكتـاب ومثلـه معـه ، ألا يوشـكُ رجـلٌ شـبعان علـى أريكتـه يقـول : عليكـم بهـذا القـرآن ، فمـا وجدتـم فيـه مـن حـلال فأحلُّـوه ، ومـا وجدتـم فيـه مـن حـرام فحرمـوه ، ألا لا يحـل لكـم لحـم الحمـار الأهلـي ، ولا كـلُّ ذي نـابٍ مـن السَّـبُع ، ولا لُقَطـةُ مُعاهِـد إلا أن يسـتغنيَ عنها صاحبُهـا ، ومـن نـزل بقـومٍ فعليهـم أن يَقْـروه ، فـإن لـم يَقْـروه فلـه أن يُعْقِبهـم بمثـل قِـراه " .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 34 ) ـ كتاب : السنة / ( 6 ) ـ باب :لزوم السنة / حديث رقم : 4604 / ص : 831 . صحيح . * قـال أبـو داود : حدثنـا أحمـد بـن حنبـل وعبـد الله بـن محمـد النفيلـي ، قـالا أخبرنـا سـفيان ، عـن أبـي النضـر ، عـن عُبيـد الله بن أبـي رافـع ، عـن أبيـه ، عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال " لا أَلفَيـنَّ أحدكـم متكئًـا على أريكتـه ، يأتيـه الأمـرُ مـن أمـري ، مما أَمـرتُ بـه أو نَهيـتُ عنـه ، فيقـول : لا نـدري ، مـا وجدنـا فـي كتـاب الله اتبعنـاه ! " .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 34 ) ـ أول كتاب السنة /( 6 ) ـ باب : في لزوم السنة / حديث رقم : 4605 / ص : 831 / صحيح . قـال تعالـى " قُـلْ أَطِيعُـواْ اللهَ وَالرَّسُـولَ ..." . سورة آل عمران / آية : 32 . * عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " تركـتُ فيكـم شـيئين ، لـن تضلـوا بعدهمـا : كتـاب الله ، وسـنتي ، ولـن يتفرقـا حتـى يـردا علـى الحـوض " .أخرجه الحاكم . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته ... /الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 2937 / ص : 566 / صحيح . فالسـنة كالقـرآن فـي تحليـل الطيبـات ، وتحريـم الخبائـث ، وَرَدّ حـرف صـحَّ عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كَـرَدّ حـرف مـن كـلام الله جـل وعـلا .التأسيس ... / ص : 130 . ولمـا كـان لهذيـن المصدريـن ـ الكتـاب والسـنة ـ هـذه المكانـة العاليـة والمقـام الرفيـع ، كـان واجبًـا علـى العقـلاء التحاكـم إليهمـا . قـال تعالـى " فَـلاَ وَرَبِّـكَ لاَ يُؤْمِنُـونَ حَتَّـىَ يُحَكِّمُـوكَ فِيمَـا شَـجَرَ بَيْنَهُـمْ ثُـمَّ لاَ يَجِـدُواْ فِـي أَنفُسِـهِمْ حَرَجـًا مِّمَّـا قَضَيْـتَ وَيُسَـلِّمُواْ تَسْـلِيمًا " . سورة النساء / آية : 65 . وقـال تعالـى " وَمَـا كَـانَ لِمُؤْمِـنٍ وَلاَ مُؤْمِنَـةٍ إِذَا قَضَـى اللهُ وَرَسُـولُهُ أَمْـراً أَن يَكُـونَ لَهُـمُ الْخِيَـرَةُ مِـنْ أَمْرِهِـمْ وَمَـن يَعْـصِ اللهَ وَرَسُـولَهُ فَقَـدْ ضَـلَّ ضَـلاَلاً مُّبِينـًا " .سورة الأحزاب / آية : 36 . والعلمـاء قنـوات توصيـل لهـذا النبـع الصافـي ، وفـرق بيـن أن نتخذهـم قنـوات توصلنـا إلـى الكتـاب والسـنة ، وبيـن أن نتخذهـم أربابـًا مـن دون الله . فـرق بيـن أن نجعـل قـول العالـم كالنـص مـن الكتـاب والسـنة وبيـن أن نقتفـي أثـر الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ونبحـث عـن الحـق مـن خـلال أقـوال العالـم . شرح صحيح مسلم / شريط رقم : 1 . وقـد توعـد الله سـبحانه الذيـن يخالفـون سـنة النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فقـال " وَمَـا آتَاكُـمُ الرَّسُـولُ فَخُـذُوهُ وَمَـا نَهَاكُـمْ عَنْـهُ فَانتَهُـوا وَاتَّقُـوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَـدِيدُ الْعِقَـابِ ". سورة الحشر / آية : 7 . فـدل علـى أن مـن خالـف سـنة الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فيمـا أمـر بـه أو نهـى عنـه ؛ أنـه مُعَـرَّض لعقـاب الله عـز وجـل . وقال تعالـى " فَـإِن لَّـمْ يَسْـتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَـمْ أَنَّمَـا يَتَّبِعُـونَ أَهْوَاءهُـمْ ... ".سورة القصص / آية : 50 . * عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ أن رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال " كـل أمتـي يدخلـون الجنـة إلا مـن أبـى " . قالـوا : يـا رسـول الله ومـن يأبـى . قـال " مـن أطاعنـي دخـل الجنـة ومـن عصانـي فقـد أبـى " صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب : الاعتصام بالكتاب والسنة / ( 2 ) ـ باب : الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم / حديث رقم : 7280 / ص : 845 . فلنحـذر عاقبـة مخالفـة أمـر الله ورسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : قــال الإمـام مسـلم : حدثنــا أبـو بكـر بـن أبـي شَـيْبَةَ ، قـال حدثنــا زيـد بـن الْحُبَــابِ عـن عِكرمـة ابـن عمَّـار ، قــال حدثنـي إيـاسُ بـنُ سـلمة بـن الأكـوع ؛ أن أبــاه حدثـهُ ؛ أن رجـلاً أكـل عنـد رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بشـماله ، فقـال ـ صلـى الله عليه وعلى آله وسـلم ـ : " كُـلْ بيمينـك " . قـال : لا أسـتطيع . قـال : " لا اسـتطعت " . مـا منعـه إلا الْكِبْـرُ . قـال : فمـا رفعهـا إلـى فيـه " . صحيح مسلم . متون / ( 36 ) ـ كتاب : الأشربة / ( 13 ) ـ باب : آداب الطعام والشراب وأحكامهما / حديث رقم : 2021 / ص : 528 . فهـذه عقوبـة عاجلـة ـ والعيـاذ بالله ـ فهـذا دليــل علـى أن مـن خالـف سـنة الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ تكبـرًا أنـه مُعَـرَّض للعقوبـة والعيـاذ بالله . وعلـى النقيـض الحديـث الآتـي : * عـن عبـد الله بـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ ؛ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ رأى خاتمًـا مـن ذهـب في يـد رجـل . فنزعـه فطرحـه وقـال : " يعمـد أحدكـم إلـى جمـرة مـن نـار فيجعلُهـا فـي يـده " . فقيـل للرجـل ، بعـد ما ذهـب رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ خـذ خاتمـك انتفـع بـه . قـال : لا . والله ! لا آخـذه أبـدًا وقـد طرحـه رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .صحيح مسلم . متون / ( 37 ) ـ كتاب : اللباس والزينة / ( 11 ) ـ باب : تحريم خاتم الذهب على الرجال ، ونسخ ... / حديث رقم : 2090 / ص : 547 . فانظـر الفـرق بيـن الرجليـن فـي الامتثـال . فالأول يقـول : لا أسـتطيع تكبـرًا ، والعيـاذ بالله . وهـذا قــال : والله لا آخــذ هـذا الخاتـم وقـد طرحـه رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فهـذا الإيمـان ، وهـذا الامتثـال العظيـم .مكانة السنة في الإسلام / الفوزان / ص : 17 / بتصرف . وصيـــة الرســول صلى الله عليه وعلى آله وسلم * عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " تركـت فيكـم شـيئين ، لـن تضلـوا بعدهمـا : كتـاب الله ، وسـنتي ، ولـن يتفرقـا حتـى يـردا علـيَّ الحـوضَ " .أخرجه الحاكم . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته ... /الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 2937 / ص : 566 . * قـال أبـو داود : حدثنـا أحمـد بـن حنبـل ، قـال : حدثنـا الوليـد بـن مسـلم ، قـال : حدثنـا ثَـور بـن يزيـد ، قـال : حدثنـي خالـد بـن مَعـدان ، قـال : حدثنـي عبـد الرحمـن بـن عمـرو السُّـلَمـي وحُجْـر ابـن حُجْـر ، قـالا : أتينـا العِرْبـاض بـن سـارية ، وهـو ممـن نـزل فيـه :" وَلاَ عَلَـى الَّذِيـنَ إِذَا مَـا أَتَـوْكَ لِتَحْمِلَهُـم قُلْـتَ لاَ أَجِـدُ مَـا أَحْمِلُكُـم عَلَيْـهِ "سـورة التوبـة / آيـة : 92 . . فسـلَّمنا ، وقلنـا : أتينـاك زائريـن وعائديـن ومقتبسـين . فقـال العِربـاض :صلـى بنـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ذات يـوم ، ثـم أقبـل علينـا ، فوعظنـا موعظـةً بليغـة ذرفـت منهـا العيـون ووجِلـت منهـا القلـوب . قـال قائـل : يـا رسـول الله كـأن هـذه موعظـة مـودع ، فمـاذا تعهـد إلينـا ؟ .فقـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " أوصيكـم بتقـوى الله والسـمع والطاعـة وإن عبـدًا حبشـيًّا ، فإنـه مـن يعـش منكـم بعـدي فسـيرى اختلافـًا كثيـرًا ، فعليكـم بسـنتي وسـنة الخلفـاء الراشـدين المهدييـن ، تمسـكوا بهـا وعَضـوا عليهـا بالنواجِـذ ، وإياكـم ومحدثـات الأمـور ، فـإن كـل محدثـة بدعـة ، وكـل بدعـة ضلالـة " . سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 34 ) ـ كتاب : السنة /( 6 ) ـ باب : في لزوم السنة / حديث رقم : 4607 / ص : 832 / صحيح . هديــة الشــيخ الألبانــي رحمه الله قـال الشـيخ الألبانـي ـ رحمه الله :... مـن البديهـي بعـد هـذا أن نقـول إن السـنة التـي لهـا هـذه الأهميـة فـي التشـريع ، إنمـا هـي السـنة الثابتـة عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بالطـرق العلميـة والأسـانيد الصحيحـة المعروفـة عنـد أهـل العلـم بالحديـث ورجالـه . وليسـت هـي التـي فـي بطـون مختلـف الكتـب مـن التفسـير والفقـه والترغيـب والترهيـب والرقائـق والمواعـظ وغيرهـا ، فـإن فيهـا كثيـرًا مـن الأحاديـث الضعيفـة والمنكـرة والموضوعـة وبعضهـا ممـا يتبـرأ منـه الإسـلام ... . وقبـل أن أنهـي كلمتـي هـذه أرى أنـه لابـد لـي مـن أن ألفـت انتبـاه الإخـوة الحاضريـن إلـى حديـث مشـهور - أي مشهور بالمعنى اللُّغَوِي وليس بالمعنى الاصطلاحي ، والمقصود أنه مشهور على الألسنة- قَلَّمَـا يخلـو منـه كتـاب مـن كتــب أصـول الفقـه أو غيرهـم ، لضعفـه مـن حيـث إسـناده ، ولتعارضـه مـع مـا انتهينـا إليـه فـي هـذه الكلمـة مـن عـدم جـواز التفريـق فـي التشـريع بيـن الكتـاب والسـنة ـ الصحيحـة ـ ، ووجـوب الأخـذ بهمـا معـًا ألا وهـو : حديـث معـاذ . * عـن أنـاس مـن أهـل حمـص مـن أصحـاب معــاذ بـن جبـل ، أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لمـا أراد أن يبعـث معـاذًا إلى اليمـن قـال " كيـف تقضـي إذا عـرض لـك قضـاء ؟ " . قـال : أقضـي بكتـاب الله . قــال : " فـإن لـم تجــد فـي كتـاب الله ؟ " . قـال : فبسـنة رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . قـال : " فـإن لـم تجـد فـي سـنة رســول الله ولا فـي كتـاب الله ؟ " . قـال : أجتهـد برأيـي ولا آلـو ، فضـرب رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ صـدره فقـال : " الحمـد لله الـذي وفـق رسـولَ رسـولِ الله لمـا يُرْضـي رسـولَ اللهِ "ضعيف . سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 18 ) ـ كتاب : القضاء / ( 11 ) ـ باب :اجتهاد الرأي في القضاء / حديث رقم : 3592 / ص : 644 / وضعفه الألباني . قـال الشـيخ الألبانـي ـ رحمه الله ـ : أمـا ضعـف إسـناده : فـلا مجـال لبيانـه الآن .وقـد بينـتُ ذلـك بيانـًا شـافيًا ربمـا لـم أُسـبق إليـه ، فـي : " سـلسـلة الأحاديـث الضعيفـة والموضوعـة وأثرهـا السـيئ علـى الأمـة " . وحسـبي الآن أن أذكـر أن أميــر المؤمنيـن فـي الحديـث ، الإمـام البخــاري ـ رحمه الله ـ ، قـال فيـه : ( حديـث منكـر ) . وبعـد هـذا ، يجـوز لـي أن أشـرع فـي بيـان التعـارض الـذي أشـرتُ إليـه فأقـول : إن حديـث معـاذ هـذا يضـع للحاكـم منهجـًا فـي الحكـم ، علـى ثـلاث مراحـل ، لا يجـوز أن يبحـث عـن الحكـم فـي الـرأي إلا بعـد أن لا يجـده فـي السـنة ، ولا فـي السـنة إلا بعـد أن لا يجـده فـي القـرآن . وهو بالنسـبة للـرأي (1) منهـج صحيـح لدى كافـة العلمـاء ، وكذلـك قالـوا : إذا ورد الأثر بَطُـل النظـر . ( 1 ) بالنسبة للرأي منهج صحيح : أي لا يجوز الحكم بالرأي إلا بعد أن لا يجد الحكم في الكتاب ولا في السنة . وهذا منهج صحيح لدى كافة العلماء ، وكذلك قالوا : إذا ورد الأثر ( أي الدليل ) بطل النظر . ولكنـه بالنسـبة للسـنة ليـس صحيحـًا ، لأن السـنة حاكمـة علـى كتـاب الله ومُبَيِّنـة لـه ، فيجـب أن يبحـث عـن الحكـم فـي السـنة ولـو ظـن وجـوده فـي الكتـاب لِمَـا ذكرنـا . فليسـت السـنة مـع القـرآن ، كالـرأي مـع السـنة ، كـلا ! ثـم كـلا ! . بـل يجـب اعتبـار الكتـاب والسـنة مصـدرًا واحـدًا لا فصـل بينهمـا أبـدًا كمـا أشـار إلـى ذلـك قولـه ـ صلـى الله عليـه وعلى آله وسلـم ـ : * عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " تركـت فيكـم شـيئين ، لـن تضلـوا بعدهمـا : كتـاب الله ، وسـنتي ولـن يتفرقـا حتـى يـردا علـيَّ الحـوضَ " .أخرجه الحاكم / صحيح . صحيح الجامع الصغير وزيادته / الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 2937 / ص : 566 . * وعـن المِقـدام بـن مَعْدِيكَـرِبٍ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " ألا إنـي أوتيـت الكتـاب ومثلـه معـه ، ..... " . سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 34 ) ـ أول كتاب السنة / ( 6 ) ـ باب :في لزوم السنة / حديث رقم : 4604 / ص : 831 / صحيح . رسـالة : منزلـة السـنة في الإسـلام / للشـيخ الألبانـي / بتصرف . س : هـل يؤخـذ بالحديـث الضعيـف فـي فضائـل الأعمـال ؟ ج : يقـول المحـدِّث الشـيخ محمـد ناصـر الديـن الألبانـي فـي مقدمـة كتابـه : " غايـة المـرام فـي تخريـج أحاديـث الحـلال والحـرام " ص : 3 : " ولئـن كـان بعـض النـاس يتسـاهلون فيذهبـون إلـى القـول بـأن الحديـث الضعيـف يُعمـل بـه فـي فضائـل الأعمـال ـ وهـو قـول مرجـوح عنـدي ، تبعًـا لكثيـر مـن كبـار أئمتـي ـ فـلا أحـد ـ منهـم ـ والحمـد لله يذهـب إلـى جـواز الاحتجـاج بالحديـث الضعيـف فـي الأحكـام الشـرعية ، بـل أجمعـوا علـى أنـه يجـب أن يكـون ـ الحديـث الـذي يحتـج بـه فـي الأحكـام الشـرعية ـ أن يكـون مـن قسـم المقبـول ، وأدنـاه الحسـن لغيـره ..... " . ا . هـ . ـ وحتـى الذيـن أجـازوا العمـل بالحديـث الضعيـف فـي فضائـل الأعمـال ، وضعـوا شـروطًا قيـدوا بهـا هـذا ـ الجـواز . الطريق إلى الجنة / ص : 8 . ـ والحقيقـة أن الـذي ينظـر فـي الأحاديـث الصحيحـة الـواردة فـي فضائـل الأعمـال ، يجـد أنهـا تغنـي عـن تلـك الضعيفـة ، ونسـد بذلـك بابـًا فتـح علينـا لسـنا بحاجـة إليـه ، فضـلاً عـن الوقـت الـذي يُضـاع فـي التمييــز ، هـل الحديـث الضعيـف المـروي فـي فضائـل الأعمـال مطابـق للشـروط أم لا . الطريق إلى الجنة / ص : 9 . ـ ثـم أن هـذا القـول ـ الـذي هـو : الأخـذ بالحديـث الضعيـف فـي فضائـل الأعمـال ـ يناقـض بعضَـهُ بعضـًا . فمـن قـال بهـذا القـول ، ناقـض نفسـه عنـد التطبيـق ، وذلـك لعـدم تحديـد معنـى عبـارة " فضائـل الأعمـال " . فمعنــى يؤخــذ بـه فـي فضائــل الأعمــال : أنـه يؤخـذ بـه إن كانـت هـذه الأعمـال ثبتـت فضيلتهـا بحديـث صحيـح ، فـإذا جـاء حديـث ضعيـف ، أثبـت نفـس الفضيلـة التـي أثبتهـا الحديـث الصحيـح ، أُخِـذَ بالحديـث الضعيـف للاسـتشـهاد وإثبـات مـا أثبتـه الحديـث الصحيـح . أمـا إن كانـت لـم تَثْبـت فضيلـة هـذه الأعمـال بحديـث صحيـح ، أي لـم تثبـت فضيلتهـا إلا بالحديـث الضعيـف ، فهـذا تشـريع ، والتشـريع بالحديـث الضعيـف لا يجـوز ولـو فـي أقـل مراتـب التشـريع التـي هـي مراتـب الاسـتحباب . وَلْنَعْلَـمْ أن : " الأصــل فـي الحديــث ســوء الظــن " . أي الـراوي متهـم حتـى تثبـت براءتـه . فمـا لـم يثبـت ضبطـه ، ومـا لا نعلـم إن كـان راويـه ثقـة أم غيـر ثقـة ، نتوقـف فيـه ، ولا يُقبـل ،ولا يُحْتَـجُّ بـه حتـى يثبـت ضبطـه . ولذلـك قـال ابـنُ مهـدي : " خصلتـانِ لا ينبغـي فيهمـا حُسْـنُ الظـن ، ... والحديـث " . وليـس معنـى سـوء الظـن فـي الحديـث أن نحكـم عليـه بالضعـف ، أو علـى الـراوي أي حكـم دون بحـث وتثبـت ، ولكـن معنـى سـوء الظـن : التوقـف عـن العمـل والاحتجـاج بهـذا الحديـث ، والتوقـف عـن الحكـم عليـه ، حتـى تثبـت صحتـه . شرح الموقظة في علم الحديث وجه : ب / شريط رقم : 4 / بتصرف |
مقصـــد بعــض المصطلحــات الحديثيــة * المــراد بالسَّــبْعَة : أحمـد ، والبخـاري ، ومسـلم ، وأبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه . * المــراد بالســتة : أي أصحـاب الكتـب السـتة : وهـم : البخـاري ، ومسـلم ، وأبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه . * المــراد بالخمســة : أحمـد ، وأبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه . * المــراد بالأربعــة : أصحـاب السـنن الأربعـة وهـم : أبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه . * المــراد بمتفــق عليــه : البخـاري ومسـلم . قاعـــدة : " لا مُشـاحة فـي الاصطـلاح " . هـذه المقاصـد المذكـورة ، هـي الأصـل ، ولكـن يُرْجَـع لمقدمـة كـل كتـاب ، لمعرفـة مفتـاح الكتـاب ، أي مقاصـد المصطلحـات المسـتخدمة فـي الكتـاب . * * * * * رُتــب كتــب الســـنة أولاً : رُتـب كتـب السـنة مـن حيـث اشـتراط الصحـة : صحيـح البخـاري ، ثـم صحيـح مسـلم . فهمـا أعلـى كتـب السـنة مـن حيـث اشـتراطهما الصحـة . فهمـا أصـح الكتـب بعـد كتـاب الله عـز وجـل ، وقـد تلقـى العلمـاء كتابيهمـا بالقبـول ، واتفقـوا علـى أنهمـا أصـح الكتـب بعـد القـرآن الكريـم . * قـال الإمـام النـووي ـ رحمه الله ـ فـي شـرحه لصحيـح مسـلم 1 / 14 " اتفـق العلمـاء رحمهـم الله علـى أن أصـح الكتـب بعـد القـرآن العزيـز : الصحيحـان البخـاري ومسـلم ، وتلقتهمـا الأمـة بالقبـول " . ا . هـ . إلا أن بعـض العلمـاء انتقـدوا عليهمـا بعـض الأحـرف اليسـيرة كالدارقطنـي ، وأبـي علـي الغسـاني الجيانـي ، وأبـي مسـعود الدمشـقي ، وابـن عمـار الشـهيد . وتصـدى للجـواب عمـا انتقـد عليهمـا جماعـة مـن العلمـاء ، كالنـووي فـي شـرح صحيـح مسـلم ، والحافـظ ابـن حجـر فـي " هَـدْي السـاري " ، و " فتـح البـاري " .تيسير علوم الحديث للمبتدئين ... / ص : 21 / بتصرف . ـ قـال أبـو جعفـر محمـود بـن العقيلـي لمـا ألَّـف البخـاري كتـاب الصحيـح ، عرضـه علـى : أحمـد ابـن حنبـل ويحيـى بـن معيـن ، وعلـيّ بـن المدينـي وغيرهـم ، فاسـتحسـنوه وشـهدوا لـه بالصحـة إلا فـي أربعـة أحاديـث ، قـال العقيلـي ، والقـول فيهـا قـول البخـاري وهـي صحيحـة .مقدمة فتح الباري ... / ص : 9 . ثانيًــا : رُتــب كتـب السـنة مـن حيـث كثـرة الصحيـح وقلـة الضعيـف : أعلاهـا رتبـة " سـنن النسـائي " ، ثـم " سـنن أبـي داود " ، ثـم " سـنن الترمـذي " ، ثـم " سـنن ابـن ماجـه " . ثالثًــا : رُتـب كتـب السـنة مـن حيـث الاسـتفادة لطالـب العلـم : " جامـع الترمـذي " ، هـو أعلاهـا رتبـة ، فهـو كتـاب مفيـد جـدًّا للـدارس لمـا اشـتمل عليـه فهـو لا يقتصـر علـى إيـراد الحديـث ، بـل يحكـم عليـه فـي غالـب الأحيـان وإن كـان متسـاهلاً شـيئًا مـا فـي التصحيـح والتحسـين ، إلا إنـه مِمَّـنْ يُعْتمـد عليـه .وهـو لا يكتفـي بذكـر الأحاديـث والحكـم عليهـا ، بـل يترجـم لهـا تراجـم مفيـدة .فأصحـاب الكتـب السـتة كلهـم يترجمـون للأحاديـث عـدا الإمـام مسـلم . معنـى يترجمـون (1) ذلـك التبويـب ، أي يقدمـون للبـاب بعنـوان يُفْصِـحُ عـن مقصودهـم ، أي لمـاذا أوردوا هـذه الأحاديـث فـي هـذا الموضـع . والترمـذي لا يقتصـر علـى الحكـم علـى الأحاديـث ، والترجمـة لهـا ، بـل يذكـر فوائـد تتعلـق بالرجـال ، ويحكـم علـى السـند ، ويذكـر حالـة مـن فيـه . وينقـل كذلـك أقـوال المشـهورين مـن أهـل العلـم فـي حكمهـم المسـتفاد مـن الحديـث مـن الناحيـة الفقهيـة فـي أغلـب الأحيـان . شرح الباعث الحثيث ... / شريط رقم : 16 / بتصرف . ( 1 ) لمزيد من المعلومات عن مقاصد مصطلح " تراجم " ، يُرجع إلى بحث " قبسات من علم مصطلح الحديث " / ج : 1 / ص : 45 . * * * * * بعــض التحقيقــات لبعــض دواويــن الســنة سـنن أبـي داود : تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي . سـنن النسـائي : تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي . سـنن الترمـذي : تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي . سـنن ابـن ماجـه : تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي . مسـند أحمـد : المسـند للإمـام أحمـد بـن حنبـل ، تحقيـق الشـيخين : أحمـد محمـد شـاكر ، وحمـزة أحمـد الزيـن . تحذيـــر : لابـد مـن تحـري التحقيـق قبـل التعامـل مـع سـنة رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ حتـى لا نقـع تحـت الوعيـد : * فعـن عامـر بـن الزبيـر ، عـن أبيـه قـال : قلـت للزبيـر ، مـا يمنعـك أن تحـدِّث عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كمـا يحـدث عنـه أصحابُـك ؟ . قـال : أمـا والله لقـد كـان لـي منـه وجـهٌ ومنزلـة ، ولكنـي سـمعته يقـول " مـن كـذَب علـيَّ متعمـدًا فليتبـوأ مقعـده مـن النـار " .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] . تحقيق الشيخ الألباني / ( 19 ) ـ كتاب : العلم / ( 4 ) ـ باب : في التشدد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم / حديث رقم : 3651 / ص : 657 / صحيح . * * * * * |
المصـــدر الثالـــث : الإجمــاع الإجمــاع لغــة : الإجمـاع لغـة هـو العـزم والاتفـاق . قـال تعالـى { ذَلِـكَ مِـنْ أَنبَـاء الْغَيْـبِ نُوحِيـهِ إِلَيْـكَ وَمَـا كُنـتَ لَدَيْهِـمْ إِذْ أَجْمَعُـواْ أَمْرَهُـمْ وَهُـمْ يَمْكُـرُونَ } سورة يوسف / آية : 102 . أجمعـوا علـى الأمـر : أي اتفقـوا عليـه . الإجمــاع اصطلاحًــا : الإجمــاع اصطلاحًـا : هـو اتفــاق كـل مجتهـدي عصـر واحـد مـن أمــة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، بعـد وفاتـه ، علـى حكـمٍ شـرعي .معالم أصول الفقه ... / ص : 162 / بتصرف . · اختلـف العلمـاء ـ رحمهم الله ـ فـي الإجمـاع هـل يمكـن وجـوده أو لا يمكـن : اختلـف العلمـاء فـي ذلـك ، فمنهـم مـن يقـول : إن الإجمـاع لا يمكـن حصولـه : واسـتدلوا بقـول الإمـام أحمـد : " مـن ادَّعـى الإجمـاع فهـو كـاذبٌ ومـا يدريـه لعلهـم اختلفـوا " . ـ ويُـرَدّ علـى هـذا : بـأن الإمــام أحمـد لا ينفـي الإجمـاع كلـه ، كمـا يَفهـم أو يظـن البعـض ، بالعكـس ؛ هـو يثبتـه ، ولكـن يقـول : إن المدعـي للإجمـاع بمجـرد عـدم علمـه بالمخالـف ، يعتبـر كاذبـًا فـي دعـواه ، ومـا يدريـه لعلهـم اختلفـوا (1) . ( 1 ) ذكره ابن القيم في إعلام الموقعين ( 1 / 30 ) . ورواه ابن حزم في الإحكام ( 4 / 573 ) بسنده عن الإمام أحمد .حاشية : شرح الأصول من علم الأصول . ص : 492 . * واسـتدلوا أيضـًا بـأن الإحاطـة بقــولِ كـلِّ عالــم مـن المجتهديـن متعــذرة لاسـيما حيـن انتشـرت الأمـة وكثــر الخـلاف وبعـدت المسـافة ، فكيـف يمكـن لعالـم فـي أقصـى المغـرب أن يعلـم بأقــوال العلمـاء فـي أقصـى المشـرق ؟ لاسـيما فيمـا سـبق فإنهـم لـم يكــن عندهـم وسـائل نقـل يتوصلـون بهـا إلـى العلـم بسـرعة . فهـذا مثـلاً : " ابـن حـزم ـ رحمه الله ـ ، يقـول فـي " أبـي عيسـى محمـد بـن عيسـى الترمـذي " ، لا يُعْـرف ... فابـن حـزم ـ رحمه الله ـ فـي الأندلـس ، فـي أقصـى المغـارب عنـد المحيـط ، والترمـذي ـ رحمه الله ـ في أقصـى المشـارق ، فـي خُراسـان فمـا بلـغ ابـن حـزم علـم عـن الترمـذي ، فضـلًا عـن كتبـه . فلهـذا قالـوا : إن الإجمـاع متعـذر . ـ ويمكـن الـرد علـى ذلـك : بـأن الإجمـاع ليـس بمتعـذر ، فصحيـح أن العلـم بالإجمـاع قـد يكـون صعبـًا لأنـه يحتـاج إلـى اطـلاع واسـع ، ومعرفـة بخلافـات النـاس ، فليـس كـل إنسـان يسـتطيع أن يقـول إن العلمـاء أجمعـوا علـى كـذا ، لأنـه يحتـاج إلـى أن يطلـع وينظـر . ولا ننفـي الخـلاف فـي ذلـك . شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 493 / بتصرف . الفــرق بيـن حجيــة الإجمــاع وصحتــه : هنـاك فـرق بيـن حُجيـة الإجمـاع وبيـن صحـة الإجمـاع فـلا ينعقـد ـ أي لا يصـح ـ إجمـاع يخالفـه مثـل ابـن حـزم ، لا ينعقـد الإجمـاع مـع أن الصـواب فـي الغالـب سـيكون فـي صـف هـذا الإجمـاع المدَّعَـى ، لكـن هنـاك فـرق بيـن الصـواب المجمـع عليـه ، والصـواب غيـر المجمـع عليـه . فهـذا لا يعتبـر إجماعـًا بـل هـو قـول الجمهـور ، وابـن حـزم مثـلاً ، مخالـف لقـول الجمهـور . شـــروط الإجمـــاع : يتبيـن مـن التعريـف السـابق للإجمـاع أن للإجمـاع قيـود أو شـروط وهـي : الأول : أن يصـدر الاتفـاق عـن كـل العلمـاء المجتهديـن . الثانــي : أن يتحقـق اتفـاق المجتهديـن فـي لحظـة اجتماعهـم ، أي فـي نفـس العصـر . الثالــث : يشـترط أن يكـون اتفـاق المجتهديـن علـى أمـر مـن الأمـور الدينيـة ، ويخـرج بذلـك الأمـور الدنيويـة والعقليـة (1) وغيرهـا . ( 1 ) مثلاً أجمع الناس على أن الكل أكبر من الجزء ، فهذا إجماع عقلي ، لكن لا مدخل له هنا ، فنحن نتكلم عن الإجماع الذي هو دليل من أدلة الشرع . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 492 . الرابــع : العبــرة بالإجمــاع مـا كـان بعـد وفـاة النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وهـذا مـا يذكـره كثيـر مـن الأصولييـن فـي تعاريفهـم . ـ الخامـس : أن يكـون المجمعـون من المسـلمين ، ولا عبـرة بإجمـاع الأمـم الأخـرى غيـر المسـلمة . معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة / ص : 162 . الوجيز في أصول الفقه / ص : 182 . مـن هــم أهــل الإجمــاع : يشـترط فـي أهـل الإجمـاع مـا يأتـي : الشـرط الأول : أن يكونـوا مـن العلمـاء المجتهديـن . ويكفـي فـي ذلـك الاجتهـاد الجزئـي (1) ، لأن اشـتراط الاجتهـاد المطلـق فـي أهـل الإجمـاع قـد يـؤدي إلـى تعـذر الإجمـاع ، لكـون الاجتهـاد المطلـق ، نـادر الوجـود . ( 1 ) الاجتهاد الجزئي يعني : أن الإنسان قد يجتهـد في مسألة معينة من مسائل العلم أو في بـاب معين من أبواب العلم . ولكن لا يكـون مجتهدًا في غير ذلك . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 632 . الشـرط الثانـي : اتفقـوا علـى اشـتراط الإسـلام . فـلا يعتبـر فـي الإجمـاع قـول المجتهـد الكافـر الأصلـي والمرتـد ، بـلا خـلاف . الشـرط الثالـث : أن يكـون قـول جميـع المجتهديـن . فـإذا خالـف واحـد أو اثنـان مـن المجتهديـن فـإن قـول الباقيـن لا يعتبـر إجماعـًا . الشـرط الرابـع : أن يكـون جميـع أهـل الإجمـاع أحيـاء . فالقاعـدة : أن الماضـي لا يعتبـر ، والمسـتقبل لا ينظـر . ويقصـد بالماضـي ؛ أي الأمـوات . ويقصـد بالمسـتقبل ؛ أي الذيـن لـم يوجـدوا بعـد ، أو وجـدوا ولـم يبلغـوا درجـة الاجتهـاد حـال انعقـاد الإجمـاع . معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة / ص : 176 / بتصرف . الإجمــاع لا يُنْشِــئ حكمـًـا : الإجمـاع عنـد القائليـن بـه لا ينشـئ حكمـًا فـي الشـريعة جديــدًا ، بـل يُعْتَقَــدُ فيـه أنـه مسـتند إلـى نـص أو قيـاس ، عَلِمْنَـاه أم جَهِلْنَـاه . الواضح في أصول الفقه ... / ص : 129. لأن الاجتهــاد لا يكـون عـن هــوى ، بـل وِفـق مناهـج مرسـومة وضوابـط شـرعية معينـة تعصــم مـن الهـوى . الوجيز في أصول الفقه / ص : 185 فائـــدة : قـد ألـف بعـض العلمـاء فـي إثبـات الإجمـاع وبيـان المسـائل المُجمـع عليهـا . ومـن أمثلتهـا : كتـاب " مراتـب الإجمـاع " لابـن حـزم ذكـر فيـه المسـائل المجمـع عليهـا ، وتعقبـه فـي كثيـر منهـا ابـن تيميـة ، وكتابـه مطبـوع متـداول . وكتـاب " الإفصـاح " لابـن هبيـرة . و " الإجمـاع " لابـن المنـذر .الواضح في أصول الفقه للمبتدئين ... / ص : 129 / بتصرف يسير . مســتند الإجمــاع : لابـد للإجمـاع مـن مسـتند شـرعي ـ عنـد الجمهـور ـ ، وهـذا المسـتند إذا كـان مـن الكتـاب أو السـنة ـ الصحيحـة ـ فهـو جائـز باتفـاق ـ عنـد الجمهـور ـ ، وإن كـان مـن قيـاس ونحـوه ، فهـو جائـز أيضـًا عنـد كثيـر مـن العلمـاء .إجماعات ابن عبد البر ... / ج : 1 / ص : 41 . مثــال الإجمــاع المبنــي علـى الكتــاب : الإجمـاع علـى حرمـة نكـاح الجـدات وبنـات الأولاد مهمـا نزلـت درجتهـن . وسـنده قولـه تعالـى { حُرِّمَـتْ عَلَيْكُـمْ أُمَّهَاتُكُـمْ وَبَنَاتُكُـمْ ... } سورة النساء / آية : 23 . إذ الإجمـاع منعقـد علـى أن المـراد بالأمهـات فـي الآيـة الكريمـة : الأصـول مـن النسـاء ، فتشـمل الجـدات وإن عَلَـوْن . وأن المـراد مـن البنـات : الفـروع مـن النسـاء ، فتشـمل البنـات الصلبيـات وبنـات الولـد وإن نزلـن . الوجيز في أصول الفقه / ص : 190 . مثــال الإجمــاع المبنــي علـى الســنة : الإجمـاع علـى عـدم جـواز التوسـل بالميـت . وسـنده : توسـل " عمـر " بعمـه " العبـاس " بعـد وفـاة الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . * عـن أنـس بـن مالـك ـ رضي الله عنه ـ أن عمـر بـن الخطـاب ـ رضي الله عنه ـ كـان إذا قحطـوا اسـتسـقى بالعبـاس بـن عبـد المطلـب ، فقـال : " اللهـم إنـا كنـا نتوسـل إليـك بنبينـا ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فتسـقينا ، وإنـا نتوسـل إليـك بعـم نبينـا فاسـقنا " . قـال : فيُسـقَون . صحيح البخاري . متون / ( 15 ) ـ كتاب :الاستقساء / ( 3 ) ـ باب : سؤال الناس الإمام الاستقساء إذا قحطوا / حديث رقم : 1010 / ص : 116 . فهـذا إجمـاع علـى عـدم جـواز التوسـل بالميـت ، وإلا قُـدِّم النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بعـد وفاتـه إذا كـان هـذا جائـزًا . مثــال الإجمــاع المبنـي علـى القيـاس : توريـث الجـدة الصحيحـة السـدس بالإجمـاع قياسـًا علـى ميـراث الأم فـي حالـة عـدم الأم ، ولكـن ليـس مـن كـل الوجـوه . قـال ابـن المنـذر فـي الإجمـاع / ص : 84 : أجمعـوا علـى أن للجـدة السـدس إذا لـم تكـن للميـت أم . الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز / ص : 420 . الإجمـاع علـى تحريـم شـحم الخنزيـر قياسـًا علـى تحريـم لحمـه . الوجيز في أصول الفقه / ص : 190 . اختلـف الأصوليـون فـي جـواز انعقـاد الإجمـاع عـن اجتهـاد أو قيـاس ، فجـوزه الأكثـرون ، ومنعـه غيرهـم . ومـا ذهـب إليـه الأكثـرون هـو ـ الراجـح ـ ، فقـد انعقـدت إجماعـات فـي زمـن الصحابـة وكـان مسـتندها اجتهـادًا أو قياسـًا . فقـد أجمعـوا علـى جمـع القـرآن ، وكـان سـندهم " المصلحـة المرسـلة " ، وهـي ضـرب مـن ضـروب الاجتهـاد . الوجيز في أصول الفقه / ص : 190 / بتصرف يسير . أنـــواع الإجمـــاع : ينقسـم الإجمـاع باعتبـار قوتـه إلـى قسـمين : أ ـ إجمـاع قطعـي . ب ـ إجمـاع ظنـي . أ ـ " الإجمــاع القطعــي " : وهـو مـا يُعلـم وقوعـه مـن الأمـة بالضـرورة ... . ومعنـى " ..... بالضـرورة " : أي بـدون نظـر وتأمـل وتتبـع واسـتقراء ، يعنـي لا يحتـاج أن ننظـر هـل أجمعـوا أم لـم يجمعـوا ؛ لأنـه معـروف . كالإجمـاع على وجـوب الصلـوات الخمـس ، وتحريـم الزنـا . فلـو قـال قائـل : مـا دليلـك علـى وجـوب الصلـوات الخمـس ؟ ج : الدليـل إجمـاع المسـلمين ، فـلا أحـد ينكـر هـذا ، وليـس معنـى ذلـك أنـه ليـس هنـاك دليـل مـن الكتـاب والسـنة ، لكـن مـن الجائـز أن تتعـدد الأدلـة ، والمدلـول واحـد . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 497 / بتصرف . لكـن قـد ينشـأ مـن المسـلمين مـن الجهلـة مـن الآحـاد والأفـراد مـن يجهـل مثـل هـذا ، وكـون الـذي يجهلـه موجـودًا ـ ولـو علـى سـبيل النـدرة ـ ، لكـن هـذا لا ينفـي أن الإجمـاع هنـا قطعـي وإن وجـد فـي الأمـة مـن يجهلـه ، ولكنـه قطعـي لأن العبـرة ليسـت بالعـوام وبالمقلديـن ، ... ، وإنمـا العبـرة بمجتهـدي هـذه الأمـة . شرح الأصول من علم الأصول / شريط رقم : 11 / ص : 26 / بتصرف . والإجمـاع القطعـي ، حُجـة ، ولا يجـوز مخالفتـه ألْبتـة . ومعنـى حُجَّـة : أي يلـزم مَـنْ بَلَغَـه هـذا الإجمـاع ، أن يقـول بموجبـه ، ولا يجـوز مخالفتـه . ولابـد للإجمـاع القطعـي مـن مسـتند مـن الكتـاب أو السـنة الصحيحـة . ولا يُسـأل عـن ثبـوت الإجمـاع القطعـي ، لأنـه قطعـي الثبـوت شرح الأصول من علم الأصول / ص : 497 / بتصرف .التأسيس ... / ص : 181 / بتصرف . ب ـ " الإجمــاع الظنــي " : أي مظنـون ، وقـد يكـون الأمـر بخلافـه . تعريفـه : وهـو مـا لا يُعْلـم إلا بالتتبـع والاسـتقراء ، يعنـي ليـس معلومـًا بالضـرورة ، بـل مُتتبـع ، فيتتبـع مـن الكتـب التـي تنقـل الآثـار عـن المتقدميـن وتتبـع الكتـب التـي ألفهـا المتأخـرون ، وينظـر فـإذا أجمعـت الكتــب والآثـار علـى حكـم مـن الأحكـام قلنـا : هـذا إجمـاع ، لكـن ليـس إجماعـًا قطعيـًا ، لأنـه يجـوز أن يكـون هنـاك خـلاف لـم نعلمـه . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 498 . الإجمـاع الظنـي حُجـة مـا لـم يُعـارض ، فـإن تعـارض مـع نـص قُـدم الأقـوى دَلالـة . ويسـمى " الإجمـاع الاسـتقرائي " و " الإقـراري " ، ومنـه " الإجمـاع السـكوتي " . التأسيس ... / ص : 182 / بتصرف . الإجمــاع الســكوتي : " هـو أن يقـول بعـض أهـل الاجتهـاد بقـول ، وينتشـر ذلـك فـي المجتهديـن مـن أهـل ذلـك العصـر ، فيسـكتون ، ولا يظهـر منهـم اعتـراف ولا إنكـار " .المرتقى الذلول إلى نفائس علم الأصول / ص : 202 . وقيـل : هـو أن يقـول أحـد المجتهديـن قـولاً فـي الديـن ، فينتشـر ، ولا يُنْقَـل عـن غيـره مـن المجتهديـن إنكـارٌ لذلـك القـول .الواضح ... / ص : 128 . حُجيــة الإجمــاع الســكوتي : اختُلِـفَ فيـه علـى أقـوال : ـ فقيـل : هـو إجمـاع ، وذلـك تنزيـلاً للسـكوت منزلـة الرضـا والموافقـة . ويُشـترط فـي ذلـك شـرطان : أحدهمـا : ألا يُعلـم أن السـاكت سـاخط غيـر راضٍ بذلـك القـول . والثانــي : أن تمضـي مهلـة تَسَـع النظـر فـي ذلـك القـول بعـد سـماعه . وهـذا هـو الحـق بالشـرطين المذكوريـن ، وهـو مذهـب الجمهـور ، ويسـمى إجماعـًا سـكوتيًّا ، وهـو ظنـي غيـرقطعـي وقيـل : إنـه حُجـة لا إجمـاع . وقيـل : إنـه ليـس بحُجـة ولا إجمـاع . وقيـل غيـر ذلـك ، والصحيـح هـو الأول كمـا بينـاه . المرتقى الذلول إلى نفائس علم الأصول / السعدي / ص : 202 . * * * * * |
المصـــدر الرابـــع : القيـــاس تعريــف القيــاس : القيـاس لغـة : التقديـر ، ومنـه قسـت الأرض بالمتـر أي قدرتهـا بـه ، والمسـاواة ومنـه تقديـر الشـيء بغيـره وتسـويته بـه ومثــال ذلـك : فـلان يُقـاس بفـلان إذا كانـا متسـاويين ، والتسـوية بيـن الشـيئين فـي اللغـة تشـمل الأشـياء الحسـية كمـا سـبق ، والمعنويـة كفـلان يقـاس بفـلان فـي العلـم .التأسيس ... / ص : 201 . القيــاس اصطلاحـًا : هـو إلحـاق حكـم الأصـل بالفـرع ، لِعِلَّـةٍ جامعـةٍ بينهمـا . شــرح التعريــف : " إلحـاق " : أي إثبـات حكـم الأصـل للفـرع ، والإلحـاق بمعنـى تسـوية حكـم الفـرع بحكـم الأصـل ، وأيضـًا بمعنـى التعديـة أي تعـدي حكـم الأصـل للفـرع . " حكـم الأصـل " : من وجـوب أو نـدب أو تحريـم أو كراهـة أو إباحـة أو صحـة أو فسـاد وغيـر ذلـك . " الأصـل " : المقيـس عليـه . " الفـرع " : المقيـس . " العلـة " : هـي الوصـف الـذي اعتبـر مظنـة إثبـات حكـم الأصـل . ومـن خـلال شـرح التعريـف يتبيـن أن القيـاس مظهـر للحكـم وليـس مؤسـسـًا لـه .التأسيس ... / ص : 201 . مثـــال : قـال تعالـى " يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ إِنَّمَـا الْخَمْـرُ وَالْمَيْسِـرُ وَالأَنصَـابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْـسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّـيْطَانِ فَاجْتَنِبُـوهُ لَعَلَّكُـمْ تُفْلِحُـونَ " .سورة المائدة / آية : 90 . معلـوم أنـه صـح عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أنـه قـال " كـل مسـكر خمـر ، وكـل خمـر حـرام " .صحيح مسلم / ( 36 ) ـ كتاب : الأشربة / ( 7 ) ـ باب : بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام / حديث رقم : 2003 /ص : 524 . هـب أن هـذا الحديـث لـم يصـل إلـى بعـض الفقهـاء ، أو وصـل ولـم يصـح عندهـم . وعليـه فـإن الآيـة نـص صريـح فـي تحريـم الخمـر ، فمـا حكـم النبيـذ مثـلًا ؟ الأصـــل : الخمـر . وحكـم الأصــل : أنـه مُسْـكِر . والفـــرع : النبيـذ . وقـد وجـد أن النبيـذ فيـه نفـس العلـة ، وهـي الإسـكار (1) فتعـدى حكـم الأصـل لـه . وعليـه أن حكـم شـرب النبيـذ : التحريـم " بالقيـاس " . وهـذا قيـاس صحيـح .التأسيس ... / ص : 202 . ( 1 ) الإسكار : هو تغطية العقل على وجه اللذة والطرب ، أما تغطية العقل لغير هذا فليس بإسكار . " فالبنبح " مثلاً غير مسكر ، لأنه ليس فيه لذة وطرب [ مجموع الفتاوي ( 28 / 340 ) ] . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 531 . يشــترط لصحــة القيــاس الآتــي : الشـرط الأول : أن لا يصـادم دليـلاً أقـوى منـه : فـلا اعتبـار لقيـاس يصـادم النـص أو الإجمـاع ، ويسـمى القيـاس المصـادم لمـا ذُكـر : فاســد الاعتبــار .والاعتبـار هـو القيـاس . مثالــه : أن يقـال : يصـح أن تُـزَوِّج المـرأةُ الرشـيدة نفسَـها بغيـر ولـي ، قياسـًا علـى صحـة بيعهـا مـا لهـا بغيـر ولـي ، فهـذا قيـاس فاسـد الاعتبـار لمصادمتـه النـص ، وهـو : قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم " لا نكـاح إلا بولـي " .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 6 ) ـ كتاب : النكاح /( 20 ) ـ باب : في الولي / حديث رقم : 2085 / ص : 361 / صحيح . ( الأصــول مـن علـم الأصـول ... / ص : 521 ، ... ) . ( التأسـيس ... / ص : 201 ) الشــرط الثانــي : أن يكـون حكـم الأصـل ثابتـًا بنـص أو إجمـاع : فـإن كـان ثابتـًا بقيـاس لـم يصـح القيـاس عليـه ، وإنمـا يُقـاس علـى الأصـل الأول ، لأن الرجـوع إليـه أولـى ، ولأن قيـاس الفـرع عليـه الـذي جُعـل أصـلاً قـد يكـون غيـر صحيـح ، ولأن القيـاس علـى الفـرع تطويـل بـلا فائـدة . مثالــه : أن يُقـال : يجـري الربـا فـي " الـذرة " قياسـًا علـى " الأرز " ، ويجـري فـي الأرز قياسـًا علـى البُـرِّ . فالقيـاس هكـذا غيـر صحيـح لأنـه قـاس علـى فـرع ولـم يقـس علـى أصـل . ولكـن يُقـال : يجـري الربـا فـي " الـذرة " قياسـًا علـى " البُـرِّ " ، وذلـك لِيُقَـاس علـى أصـل ثابـت . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 524 . الشــرط الثالــث : أن يكـون لحكـم الأصـل علـة معلومـة : لابـد أن تكـون علـة الأصـل ـ وهـو المقيـس عليـه ـ معلومـة مـن أجـل أن نجمـع بينـه وبيـن الفـرع فيهـا إذ لـو لـم تتحقـق العلـة فـي الفـرع ، لـم يصـح القيـاس ، فـإن كـان حكـم الأصـل تعبديًّـا (1) محضـًا لـم يصـح القيـاس عليـه . ( 1 ) التعبـدي المحـض : هـو الـذي ليـس فـي العقـل مـا يحـث عليـه أو يغـري بـه . وذلـك لأن العبـادات نوعـان : نـوع لـه علـة معقولـة ، فهـذه يكـون الإنسـان فاعـلاً لهـا باطمئنـان ، لأن العقـل باعـث إليهـا . وتـارة لا يكـون للحكـم علـة معلومـة ، فهـذه يفعلهـا الإنسـان علـى سـبيل التعبـد المحـض . فرمـي الجمـرات مثـلاً ليـس لـه علـة معلومـة ، بـل هـو مجـرد تعبـد . فـإذا كـان حكـم الأصـل تعبديـًّا محضـًا لـم يصـح القيـاس عليـه ؛ ولهـذا قلنـا : لا قيـاس فـي العبـادات ـ ليـس فـي شـروطها وأركانهـا ـ لكـن فـي أصـل مشـروعيتها . مثالـــه : لـو قـال قائـل : إذا احتجبـت عنـا الشـمس بِغَيْـم كثيـف حتـى صـار الجـو كـأن لا شـمس ، فإنـه تشـرع صـلاة " الكسـوف " فـي هـذه الحـال قياسـًا علـى مـا إذا كسـفت الشـمس كسـوفًا عاديًّـا ، لأن الشـمس احتجبـت بسـحاب كثيـف ، فهـي كاحتجـاب نورهـا بالقمـر ، لأن كسـوف الشـمس سـببه أن القمـر يحُـول بينهـا وبيـن الأرض . فـلا فـرق إلا أن القمـر بعيـد وهـذا السـحاب قريـب ! ! نقـول :لا قيـاس فـي ذلـك ؛ لأن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أخبــر أن الله تعالـى يخـوف عبـاده بالكسـوف ، ولـم يَقُـلْ إنـه يخوفهـم بالسـحاب الكثيـف ، وإن كـان النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آلهوسلم ـ إذا رأى السـحاب أقبـل وأدبـر وتغيـر وجهـه حتـى يسـقط المطـر ، فيسـرَّ عنـه .شرح الأصول من علم الأصول / ص : 530 / بتصرف . مثــال تطبيقـــي : قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " القاتـل لا يـرث " . سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 27 ) ـ كتاب : الفرائض / ( 17 ) ـ باب :ماجاء في إبطال ميراث القاتل / حديث رقم : 2109 / ص : 476 / صحيح . الأصــل : هـو الـوارث . حكـم الأصـل : حرمانـه مـن الميـراث . علـة الحكـم : اسـتعجال الشـيء قبـل أوانـه . الفــرع : هـو الموصَـى لـه . حكـم الفـرع : حرمانـه مـن الوصيـة . علـة الحكـم : اسـتعجال الشـيء قبـل أوانـه . وهـذا المثـال الواضـح ، فـي أن العلـة التـي بُنـي عليهـا حكـم حرمـان الـوارث مـن الميـراث ، هـو أنـه قَتَـل المـورِّث اسـتعجالاً لإرثـه ، فعاقَبَـهُ الشـارع بالحرمـان . وكذلـك الموصـى لـه اسـتعجل الوصيـة ، فَقَتَـل مـن أوصـى ، فعاقبـه الشـارع أيضًـا بالحرمـان .التأسيس ... / ص : 224 . مرادفــات العلـــة : للعلـة مرادفـات كثيـرة منها : الجامـع ، المنـاط ، الأمـارة ، الداعـي ، الباعـث ، المقتضِـي ، الموجـب ، المشـترك . فتاوي شيخ الإسلام / ج : 19 / ص : 6 .التأسيس ... / ص : 215 . الشــرط الرابـــع : أن تكـون العِلَّـة مشـتملة علـى معنـى مناسـب للحُكْـم يُعْلَـم مـن قواعـد الشـرع اعتبـاره : وذلـك بـأن يكـون تشـريع الحكـم لأجلهـا محصـلاً للمحصلـة أو دارئًـا للمفسـدة فـي تقديـر أصحـاب العقـول السـليمة ، والطبـاع المسـتقيمة . وهـو مـا يُعَبَّـر عنـه بالمناسـبة . مثــل : أَكْـرِم اليتيـمَ ليتمـه ، أَطْعِـم المسـكينَ لمسـكنته ، ..... فـإن كـان الوصـف طرديًّـا ، كالسـواد والبيـاض ، والطـول والقصـر ، لـم يجـز التعليـل بـه .الواضح ... / ص : 243 / بتصرف .والوصـف الطـردي هـو الوصـف الـذي لا مناسـبة فيـه للحكـم : فـلا يصـح التعليـل بـه ولا يصـح القيـاس عليـه ، لأن العلـة حينئـذ سـاقطة ، كالسـواد والبيـاض . فمثـــلاً : لـو جـاء فـي الحديـث أن رجـلاً كثيـر الشـعر ضخـم البـدن مفتـول العضـلات ، جـاء إلـى النبـي ـ صلىالله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـو يقـول : يـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، إنـي جامعــت امرأتـي فـي رمضـان ، فمـاذا علـيّ ؟ ! يقـول صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : عليـك كـذا وكـذا ..... فهـذه الأوصـاف ـ التـي وردت فـي الرجـل السـائل ـ هـل هـي أوصـاف طرديـة ؛ أي لـو اسـتفتانا رجـل نحيـف أصلـع رخـي العضـلات ـ جامـع فـي رمضـان ـ هـل يكـون حكمـه كحكــم الأول أم يختلـف ؟ الجـــواب : حكمـه كحكـم الأول تمامًـا مـع أن الأول كـان كثيـر الشـعر مفتـول العضـلات ... . وهـذا الثانـي نحيـف أصلـع ... . مـع ذلـك كلـه نقـول : أن حُكْمَـهُ كَحُكْمِـهِ ، لأن الأوصـاف المذكـورة أوصـاف طرديـة لا مناسـبة لهـا . مثــال ذلــك : حديـث ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ أن بريـرة خُيِّـرَتْ علـى زوجهـا حيـن عُتِقَـتْ . وكـان زوجهـا عبـدًا أسـود ، فقولـه " أسـود " وصـف طـردي لا مناسـبة فيـه للحكـم . ولذلـك يثبـت الخيـار للأَمـة إذا عُتِقَـتْ تحـت عبـد وإن كـان أبيـض ، ولا يثبـت لهـا ـ الخيـار ـ إذا عتقـت تحـت حـر وإن كـان أسـود وذلـك لأن الوصـف بكونـه عبـدًا معنـوي ، فهـو واضـح ومناسـب للحكـم لأنـه عبـد مملـوك وهـي الآن ملكـت نفسـها ، وأمـا كونـه أسـود فهـو وصـف طـردي لا مناسـبة فيـه للحكـم فهـذا صـار لاغيـًا . فنحـن نقـول هـذا الحديـث فيـه وصفـان : وصـف طـردي لا أثـر لـه فـي الحكـم وهـو كونـه أسـود ، ووصـف معنـوي لـه تأثيـر فـي الحكـم وهـو كونـه عبـدًا . شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 533 / بتصرف . فعـن ابـن عبـاس أن زوج بريـرة كـان عبـدًا يُقـال لـه مُغيـثٌ ، كأنـي أنظـرُ إليـه يطـوفُ خلفَهَـا يبكـي ودموعُـهُ تسـيلُ علـى لحيتـه . فقـال النبـيُّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لعبـاسٍ : يـا عبـاسُ ألا تعجَـبُ مـن حـبِّ مُغيـثٍ بريـرةَ ومـن بُغـضِ بريـرةَ مغيثـًا .فقـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لو راجَعْتِـهِ " . قالـت : يـا رسـول الله تأمرنـي ؟ قـال: " إنمـا أنـا أشـفعُ" . قالـت : لا حاجـة لـي فيـه" .صحيح البخاري . متون / ( 68 ) ـ كتاب : الطلاق / ( 16 ) ـ باب : شفاعة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في زوج بريرة / حديث رقم : 5283 / ص : 638 . الشــرط الخامــس : أن تكـون العلـة موجـودة فـي الفـرع كوجودهـا فـي الأصل : الفـرع هنـا هـو المقيـس ، إذَا فالمـراد أن تكـون العلـة موجـودة فـي الفـرع ـ أي فـي المقيـس ـ كوجودهـا فـي الأصـل ؛ أي فـي المقيـس عليـه . وذلـك كالإيـذاء فـي ضـرب الوالديـن المقيـس علـى التأفيـف . قـال تعالـى " ... فَـلاَ تَقُـل لَّهُمَـا أُفٍّ ..." .سورة الإسراء / آية : 23 . نقـول : العلـة فـي قولـه : " أف " الإيـذاء . والإيـذاء موجـود فـي الضـرب كوجـوده فـي التأفـف فيكـون حرامـًا قياسـًا عليـه . وبعـض أهـل العلـم يـرى أن تحريـم الضـرب ليـس مـن بـاب الدلالـة القياسـية ، بـل مـن بـاب الأولويـة . فـإن النـص دل عليـه نطقـًا لا قياسـًا ؛ لأن الشـريعة إذا ذكـرت الأدنـى فهـي تريـد مـا فوقـه ، كمـا قـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " خمـسٌ يُقتَلْـنَ في الحِـلِّ والحَـَرم : الحيـةُ ، والغـرابُ الأبْقَـعُ ، والفـأرةُ ، والكلـبُ العقـورُ ، والحُدَيَّـا " .صحيح مسلم . متون/ (15) ـ كتاب : الحج / (9) ـ باب : ما يُنْدب للمحرم وغيره ... / حديث رقم : 67 ـ 1198 / ص : 291 . فلـو جـاء أسـد ، أو نمـر فهـو يقتـل مـن بـاب أولـى لا مـن بـاب القيـاس ، لأن التنبيـه بالأدنـى تنبيـه علـى الأعلـى . وبالتالـي فضـرب الأم حـرام لدخولـه فـي النـص لا بالقيـاس . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 538 / بتصرف . أقســام القيــاس باعتبــار ثبـوت العلــة : أ ـ قيـاس جَلِـي . ب ـ قيـاس خَفِـيّ التأسيس ... / ص : 216 . أ ـ القيـــاس الجلــي : هـو مـا ثبتـت علتـه بنـص أو إجمـاع ، أو كـان مقطوعـًا فيـه بنفـي الفـارق بيـن الأصـل والفـرع . يتضـح مـن التعريـف مـا يلـي : ـ ... فـإذا نـص الشـارع علـى العلـة ووجدنـا شـيئًا تثبـت فيـه هـذه العلـة صـار القيـاس جليًّـا . ـ وكذلـك إذا أجمـع العلمـاء على أن علـة هـذا الحكـم كـذا ، صـارت كالعلــة التـي نـص عليهـا الشـارع ، وحينئـذٍ يكـون القيـاس علـى الحكـم المعلـل بهـا جليًّـا . ـ مـا يُقطـع فيـه : أي يُعلـم علـم اليقيـن أنـه لا فـرق بيـن الأصـل والفـرع ، وهـذا يعنـي أننـا قطعنـا بنفـي الفـارق . مثــال ذلــك : لا فـرق بيـن مـن بـال فـي المـاء الراكـد ، ومـن بـال فـي إنـاء ثـم صبـه فـي المـاء الراكـد .شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 540 / بتصرف . مثــال تطبيقــي علـى القيــاس الجلـي : عـن عبـد الله قـال : قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم " إذا كنتـم ثلاثـة فـلا يتناجـى اثنـان دون صاحبهمـا فـإن ذلـك يحزنـه " .صحيح مسلم . متون / 39 ـ كتاب السلام / 15 ـ باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه / حديث رقم : 38 ـ 2184 / ص : 568 . فالعِلَّـة هنـا منصوصـة ، والحكـم هـو النهـي عـن التناجـي . والعلـة : " فـإن ذلـك يحزنـه " ، فـإذا جلـس رجـلان إلـى ثالـث وهمـا يعرفـان اللغـة الإنجليزيـة ، والثالـث لا يعـرف إلا العربيـة ، وبـدءا يتكلمـان ، فيكلـم أحدهمـا الآخـر بالإنجليزيـة ، وكلمـا تكلمـا كلمـة التفتـا إلـى الرجـل الثالـث ، فـإن ذلـك يحزنـه . فـإن قـالا : نحـن لـم نتنـاج ، بـل نحـن نتكلـم بصـوت مسـموع ، والنهـي إنمـا هـو عـن التناجـي ! نقـول : قـد بيـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ العِلَّـة فـي هـذه المسـألة وقـال : " فـإن ذلـك يُحزنـه " وهـذا بـلا شـك يحزنـه . وبِنَـاءً علـى ذلـك : لـو تناجـى اثنـان فـي وجـود ثالـث ولكنـه مـا أهمـه ذلـك بـل هـو منشـغل عنهمـا إمـا بالكتابـة ، أو بمكالمـة هاتفيـة أو غيـر ذلـك ، فهـذا ـ التناجـي ـ حينئـذ جائـز ، لأن العلـة ـ وهـي الإحـزان ـ لـم تتحقـق ، فـإن حصـل إحـزان للمسـلم بالتناجـي فهـو منهـي عنـه . شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 541 / بتصرف . ب ـ القيــاس الخفــي : وهـو مـا ثبتـت علتـه باسـتنباط ، ولـم يُقْطـع فيـه بنفـي الفـارق بيـن الأصـل والفـرع . يتضـح مـن التعريـف مـا يلـي : ـ أنـه لـم تثبـت علتـه بنـص أو إجمـاع . ـ لـم يقطـع فيـه بنفـي الفـارق فخـرج بـه مـا قطعنـا فيـه بنفـي الفـارق ـ بيـن الأصـل والفـرع . مثالـــه : كثيـر مـن العلمـاء ـ رحمهم الله ـ اختلفـوا فـي علـة جريـان الربـا فـي الأصنـاف السـتة . فبعـض العلمـاء قـال : إن العلـة الكيـل ، فأجـرى الربـا فـي كـل مـا كـان مكيـلاً . وهـذا هـو المشـهور مـن مذهـب الإمـام أحمـد ، لكـن هـذه العلـة لـم تثبـت بالنـص ، ولـم تثبـت بالإجمـاع . وبعـض العلمـاء يقـول بـأن العلـة : الطَّعـمُ دون الكيـل ، ائتمامًـا بالشـافعي ، ولهـذا فالشـافعية يـرون جريـان الربـا فـي البرتقـال والتفـاح ومـا أشـبههما لأنهـا مطعومـة وكذلـك فهـذه العلـة لا يقطــع فيهـا بنفـي الفـارق ؛ إذ مـن الجائـز أن يقــول قائـل : ليسـت العلـة الكيـل ، بـل العلـة الطعـم ، وحينئـذ نسـمي هـذا القيـاس خفيًّـا ؛ لأن العلـة لم ينـص عليهـا بـل هـي مسـتنبطة ، ولـم يقطـع فيهـا بنفـي الفـارق . شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 545 . * * * * |
المصـــدر الخامــس : قــول الصحابـــي تعريــف الصحابـــي : الصحابـي هـو مـن أسـلم فـي حيـاة الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ واجتمـع بـه ومـات علـى الإسـلام . ولا يلـزم مـن الاجتمـاع السـماع بـل مجـرد الرؤيـة كمـا فـي حجـة الـوداع ، ومـات علـى الإسـلام .التأسيس ... / ص : 195 . أقســـام قـــول الصحابــي : 1 ـ المرفـوع وينقسـم إلـى : مرفـوع حقيقـةً ، ومرفـوع حكمـًا . 2 ـ الموقـوف . أولاً : المرفــوع : أ ـ المرفـوع حقيقـة : وهـو مـا رواه الصحابـي عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فتكـون نهايـة السـند إلـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . مثالـــه : عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ ، عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " مـن نسـي وهـو صائـم فأكـل أو شـربَ ، فليتـمَّ صومَـهُ ، فإنمـا أطعمـهُ الله وسـقاهُ " .صحيح مسلم . متون / ( 13 ) ـ كتاب : الصيام / ( 33 ) ـ باب : أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر / حديث رقم : 1155 / ص : 276 . ب ـ المرفـوع حكمـًا : وهـو مـا رواه الصحابـي ـ الـذي لـم يأخــذ عـن الإسـرائيليات ولـم يرفعـه للنبـي ـ صلى الله عليهوعلى آله وسلم ـ ، وليـس للاجتهـاد والـرأي فيـه مجـال . كالإخبـار عـن الأمـور الماضيـة من بـدء الخلـق وأخبـار الأنبيـاء ، أو الآتيـة كالملاحـم والفتـن وأحــوال يـوم القيامـة ، وكـذا الإخبـار عمـا يحصـل بفعلـه ثـواب مخصـوص أو عقـاب مخصـوص ، وإنما كـان له حكـم المرفـوع لأن إخبـاره بذلـك يقتضـي مخبِــرًا لـه ، ومـا لا مجــال للاجتهـاد فيـه يقتضـي موقفًـا للقائـل بـه ، ولا موقـف للصحابـة إلا النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أو بعـض مـن يخبـر عـن الكتـب المتقدمـة فلهـذا وقـع الاحتـراز عـن القسـم الثانـي .120سؤال وجواب في ... / الحكمي / ص : 144 . مثــال المرفــوع حكمًـا : كقـول عمـار : مـن صـام اليـوم الـذي يُشَــكُّ فيـه ، فقـد عصـى أبـا القاسـم " . فعـن صِلَـة قـال : كنـا عنـد عمـار فـي اليـوم الـذي يُشـكُّ فيـه ، فأُتِـيَ بشـاة ، فتنحـى بعـض القـوم فقـال عمـار ، مـن صـام هـذا اليـومَ فقـد عصـى أبـا القاسـم صلى الله عليه وعلى آله وسلم .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 8 ) ـ أول كتاب الصيام / ( 10 ) ـ باب : كراهية صوم يوم الشك / حديث رقم : 2334 / ص : 410 / صحيح . فلهـذا حُكـم الرفـع ، لأن الظاهـر أن ذلـك ممـا تلقـاه عـن النبـي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر / ص : 51 . حُجيـــة المرفــوع حكمًــا : المرفـوع حكمـًا إذا صـح ، فهـو حُجـة كالمرفـوع للنبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إذا صـح .تيسير مصطلح الحديث / ص : 133 / بتصرف . ثانيًـــا : الموقـــوف : هـو مـا ورد عـن الصحابـة ـ رضوان الله عليهم ـ مـن أقوالهـم وأفعالهـم وتقريراتهـم فيتوقـف عليهـم ولا يتجـاوز إلـى رسـول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقـد يكـون صحيحًـا أو حسـنًا أو ضعيفًـا . وموضوعنـــا : الموقـوف ، الصحيـح أو الحسـن . التأسيس ... / ص : 196 . فائـــدة : يلاحـظ عنـد التطبيـق العملـي لهـذه الأقسـام أنـه قـد يحـدث خـلاف بيـن العلمـاء . مثـــال ذلــك : مـا رُوِيَ عـن ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ فـي مَـنْ تـرك شـيئًا مـن نسـكه أن عليـه دمـًا . قـال ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما " مـن تـرك شـيئًا مـن نسـكه أو نسـيه فليهـرق دمًـا " بعـض العلمـاء قـال : إن هـذا لـه حكـم الرفـع ، فيجـب الـدم بتـرك النسـك . وبعضهـم قـال : لا ، ليـس لـه حكـم الرفـع ؛ لأن قـول الصحابـي لا يكـون لـه حكـم الرفـع إلا إذا لـم يتطـرق إليـه احتمـال الاجتهـاد ، واحتمـال الاجتهـاد هنـا وارد ؛ لأنـه قـد يقيسـه رضـي الله عنـه علـى الْمُحْصَـر ، فالمحصـر أوجـب الله عليـه مـا اسـتيسـر مـن الهـدي ؛ لأنـه تـرك بعـض النسـك لكـن بعـذر وهـو الحصـر ، فيقـول إذًا مـن تـرك بعـض نسـكه فعليـه الهـدي كالمحصـر . شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 468 . وورد فـي رسـالة الْمُنَخَّلَـة النونيـة ... / ص : 102 . إنْ جـاءَ نـصٌّ فـي دمٍ فاعْمَـلْ بـه وسـواهُ فارفُـضْ فهـوَ دونَ كِيـانٍ . ومعنـى هـذه القاعـدة : هـو الاعتمـاد علـى النـص فـي مشـروعية الـدم ؛ فـأيُّ دم أوجبـه أحـد مـن النـاس بـلا دليـل مـن النصـوص الشـرعية ؛ فهـو باطـل . وقـول ابـن عبـاس " مـن تـرك نسـكًا ؛ فعليـه دم " . هـذا كمـا تقـرر لا يعـدو كونـه رأيـًا ، وليـس بشـرع مـن عنـد الله ، ولا يصـح مرفوعـًا إلـى رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، ولذلـك كـان الأرجـح مـا ذهـب إليـه الظاهريـة مـن أنـه لا دم إلا مـا ورد فـي النـص . والله الهـادي إلـى الصـواب . ا . هـ . لطيفـــة حديثيــة : * حديـث ابـن عبـاس " مـن تـرك نسـكًا فعليـه دم " . ضعيــف مرفوعًـا وثبــت موقوفًــا .أخرجه مالك ( 1 / 419 / 240 ) . * عـن أيـوب بـن أبـي تيميـة السـختياني عـن سـعيد بـن جبيـر عـن عبـد الله بـن عبـاس قـال "مـن نسـي مـن نسـكه شـيئًا ، أو تركـه ، فليهـرق دمًـا " . إرواء الغليل ... / للشيخ الألباني / ج : 4 / حديث رقم : 1100 / ص : 299 . قـال أيـوب : لا أدري قـال : " تـرك " أو " نسـي " وكذلـك رواه الثـوري عـن أيـوب : " مـن تـرك أو نسـي شـيئًا مـن نسـكه فليهـرق لـه دمًـا كأنـه قالهمـا جميعًـا .المصدر السابق . · حُجِّيَّـــة قَــوْل الصحابـــي : ذهـب بعـض العلمـاء إلى أنـه حُجَّـة شـرعية ، وعلـى المجتهـد أن يأخـذ بقـول الصحابـي إذا لـم يجـد الحكـم فـي الكتـاب ولا فـي السـنة الصحيحـة ولا فـي الإجمـاع . وذهـب البعـض الآخـر مـن العلمـاء إلـى أنـه ليـس بحُجَّـة شـرعية ، ولا يلـزم المجتهـد أن يأخـذ بقـول الصحابـي ، بـل عليـه أن يأخـذ بمقتضـى الدليـل الشـرعي . احتـج الأولـون بـأن احتمـال الصـواب فـي اجتهـاد الصحابـي كثيـر جـدًّا ، واحتمـال الخطـأ قليـل جـدًّا . لأن الصحابـي شـاهَدَ التنزيـل ، ووقـف علـى حِكْمَـة التشـريع وأسْـبَاب النـزول ، ولازم النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ملازمـة طويلـة أكسـبته معرفـة بالشـريعة ، وذوقـًا لمعانيهـا ، وكل هذا يجعـل لآرائهـم ـ أي الصحابـة ـ منزلـة أكبـر من آراء غيرهـم ، ويجعـل اجتهادَهـم أقـرب إلى الصـواب من اجتهـادِ غيرِهـم . واحتـج الآخـرون بأننـا ملزمـون باتبـاع الكتـاب والسـنة ، ومـا أرشـدت إليـه نصوصُهمـا مـن أدلـة ، وليـس قـول الصحابـي واحـدًا منهـا ، والاجتهـاد بالـرأي عُرضَـة للخطـأِ والصـواب ، لا فـرق فـي هـذا بيـن صحابـي وغيـره ، ولأن الصحابـة ـ رضي الله عنهم ـ غيـر معصوميـن مـن الخطـأ تخفـى عليهـم الحجـة ويحصـل منهـم السـهو والنسـيان ، وإن كـان احتمـال الخطـأ بالنسـبة للصحابـي أقـل . الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 257 . قـال الشـيخ الألبانـي رحمه الله : حديـث : إنمـا أصحابـي مثـل النجـوم ، فأيهـم أخذتـم بقولـه ، اهتديتـم . حديـث موضـوع . سـلسـلة الأحاديـث الضعيفـة ، حديـث رقـم : ( 61 ) . وحديـث : أصحابـي كالنجـوم بأيهـم اقتديتـم اهتديتـم . وهـذا حديـث باطـل مكـذوب . ثـم اسـتشـهد بقـول " ابـن حـزم " وهـو : " ..... ، فمـن المُحَـال أن يأمـر رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ باتبـاع كـل قائـل مـن الصحابـة ـ رضي الله عنهم ـ ؛ وفيهـم مـن يحلـل الشـيء ، وغيـره يحرمـه ، ولـو كـان ذلـك لكـان بيـع الخمــر حـلالاً ؛ اقتـداءً بسَـمُرَة بـن جُنْـدَب ، ولكـان أكـل البَـرَد (1) للصائـم حـلالاً ؛ اقتـداء بأبـي طلحـة ، وحرامـًا اقتـداء بغيـره منهـم ... . فكيـف يجـوز تقليـد قـوم ـ بـلا ضوابـط وهـم ـ يخطئـون ويصيبـون ؟ ! " . ا . هـ .نظم الفرائد ... / ج : 1 / ص : 185 . ( 1 ) وورد بـ نظم الفرائد ... / ج : 1 / ص : 187 : عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : " مُطِرْنا بَرَدًا ، وأبو طلحة صائم ، فجعل يأكل منه ، قيل له : أتأكل وأنت صائم ؟ ! فقال : إنما هذا بركة " ! . صحيح موقوفًا . أي تصح نسبته لقائله ، ولكن ليس معنى هذا صحة الحكم ، فالحكم خطأ . [ سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني تحت رقم : 63 ] . ا . هـ . بتصرف . مثـــال ذلـــك : كـان علـي بـن أبـي طالـب وابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ يريـان أن المـرأة الحامـل إذا توفـي عنهـا زوجُهـا ، اعتـدت بأطـول الأجليـن ـ الأشْـهُر أو وضـع الحمـل ـ فيقـولان : إن وضَعَـتْ قبـل أربعـة أشـهر وعشـرة أيـام انتظـرت حتـى تتـم أربعـة أشـهر وعشـرة أيـام ، وإن تـم لهـا أربعـة أشـهر وعشـرة أيـام ولـم تضـع انتظـرت حتـى تضـع . هـذا قولهمـا ! لكـن هـذا يخالـف النـص فـلا عبـرة بـه . * فعـن المِسْـوَرِ بـنِ مَخْرَمَـةَ أن سُـبَيْعَةَ الأسـلمية نُفِسَـتْ بعـد وفـاة زوجهـا بليـالٍ فجـاءت النبـي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاسـتأذنته أن تَنْكِـحَ ، فـأذن لهـا فَنَكَحَـتْ ."صحيح البخاري . متون / ( 68 ) ـ كتاب : الطلاق / ( 39 ) ـ باب : " وأولات الأحمال أجلهن ... " .سورة الطلاق : آية : 4 / حديث رقم : 5320 / ص : 643 . وفـي روايـة أخـرى : قـال البخـاري حدثنـا يحيـى بـن بكيـر عـن الليـث عـن يزيـد أن ابـن شـهاب كتـب إليـه أن عُبيـد الله ابـن عبـد اللهِ أخبـره عـن أبيـه أنـه كتـب إلـى ابـن الأرقــم أن يسـأل سُـبيعة الأسـلمية كيـف أفتاهـا النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فقالـت : أفتانـي إذا وضعـتُ أن أنْكِـحَ .صحيح البخاري . متون / ( 68 ) ـ كتاب : الطلاق / ( 39 ) ـ باب : " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " / حديث رقم : 5319 / ص : 643 . والراجـــح : أن قـول الصحابـي ليـس حُجـة ملزمـة ولكـن يؤخـذ بـه حيـث لا نـص فـي الكتـاب ولا فـي السـنة الصحيحـة ولا فـي الإجمـاع ـ ولا فـي القيـاس ـ فالأخـذ بقـول الصحابـي أولـى . الوجيز في أصول الفقه ... / د . عبد الكريم زيدان / بتصرف يسير / ص : 258 . أمـا إذا خالـف قـولُ الصحابـي نصًّـا ، وجـب العمـل بالنـص ، وإذا خالـف قـول الصحابـي قـول صحابـي آخـر قُـدِّم الراجـح ، ولكـن هـذا الترجيـح يكـون إمـا بقربـة مـن الدليـل ، وإمـا باعتبـار حـال الصحابـي ، ولكـن القـرب مـن الدليـل مُقَـدَّم . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 467 . وإن تسـاويا في القـرب من النـص ، أخـذ بالأرجـح حـالاً كأن يقـدم قـول أبـي بكـر على قـول عمـر . وقـال الدكتـور / محمـد أديـب صالـح : ممـا لاشـك فيـه أن قـول الصحابـي فـي المسـائل الاجتهاديـة يلقـي ضـوءًا علـى معانـي النصـوص ويسـاعد الباحـث علـى تبيانهـا ، ويبعـث فـي النفـس مزيـدًا مـن الطمأنينـة ، لأن الصحابـي قـد تهيـأت له مشـاهدة التنزيـل ، ومعرفـة تأويـل النصـوص ، وعايـن الكثيـر من الوقائـع وأسـباب نـزول الآيـات ، أو ورود أحاديـث الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وعـاش فـي ظـل البيـان النبـوي الكريـم ، فاجتهـاد الصحابـي وإن كـان يحتمـل الخطـأ إلا أنـه مرجـح علـى اجتهـاد غيـره مـن التابعيـن وغيرهـم مـن المجتهديـن ، ولكـن ذلـك كلـه لا يجعـل الحديـث الموقـوف فـي سـوية المصـادر الأصليـة التـي هـي الكتـاب والسـنة والإجمـاع والقيـاس ، وذلـك مـا عليـه الأكثـرون وهـو أمـر لا يتنافـى أبـدًا مـع منزلـة الصحابـة ـ رضوان الله عليهم ـ وكونهـم الجسـر المبـارك الـذي حمـل إلينـا الكتـاب الكريـم ، ونقـل إلينـا بيانـه عـن رسـول الله صلـوات الله وسـلامه عليـه ، وكونهـم أيضًـا بمـا لهـم مـن فضـل الصحبـة وارتفـاع الدرجـة ، وعظمـة الشـأن ـ القـدوة الحسـنة فـي اتبـاع الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ والتـزام الشـريعة علمًـا وعمـلاً . ا . هـ .نظم الدرر في ... / ص : 214 . ـ يلاحـظ أنـه عنـد التطبيـق علـى المسـائل الفقهيـة ، يرجـع لكتـب الفقـه ، لأن الأمـور قـد تختلـف بحسـب كـل مسـألة وتفصيلهـا . أقســـام أحــوال الصحابــة : القســم الأول : مَـنْ نَـصَّ الشـرعُ علـى أن قولهـم حُجَّـة . قال صلـى الله عليـه وعلى آله وسلم " اقتـدوا باللَّذَيْـن من بعـدي من أصحابـي أبـي بكـر وعمر ، ... " رواه اللالكائي . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة / رقم الحديث : 1233 . وهـذا نـصٌ صريـح فـي أن قولهمـا حُجـة بعـد توفـر شـروط الحجيـة ، لأنهـم مـع هـذا غيـر معصوميـن . شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 463 / بتصرف . القســم الثانــي : مَـنْ عُرِفـوا بالإمامـة فـي الديـن والفقـه فـي العلـم ( مثـل ابـن عبـاس ... ) . فهـؤلاء أيضًـا القـول بـأن قولهـم حجـة قـول قـوي جـدًّا ـ بعـد عرضـه علـى الكتـاب والسـنة ـ . القســم الثالــث : مَـنْ لـم يتصفـوا بهـذا ، فالقـول بـأن قولهـم حجـة قـول بعيـد . الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 464 / بتصرف . أمثلـــة علـى أنــواع الموقــوف : أ ـ الموقـوف القولـي : قـال علـى بـن أبـي طالـب رضي الله عنه" حدثـوا النـاس بمـا يعرفـون ، أتريـدون أن يُكَـذَّبَ اللهُ ورسـولُهُ " . صحيح البخاري . متون / ( 3 ) ـ كتاب : العلم / ( 49 ) ـ باب : من خص بالعلم قومًا دون قومٍ كراهية أن لا يفهموا / معلق بصيغة الجزم / ص : 26 . بعـد أن ذكـر البخـاري هـذا الحديـث الموقـوف علـى علـي معلقًـا (1)ذكـره مـرة أخـرى موصـولًا فقـال البخـاري : حدثنـا عُبيـدُ اللهِ بـن موسـى عـن معـروف بـنِ خرَّبُـوذٍ عـن أبـي الطُّفَيْـل عـن عَلـيٍّ بذلـك . صحيح البخاري . متون / ( 3 ) ـ كتاب : العلم / ( 49 ) ـ باب : من خَصَّ بالعلم ... / حديث رقم : 127 / ص : 26 . ( 1 ) معلق : الحديث المعلق هو ما حُذِفَ من بداية إسناده واحد أو أكثر ولو إلى آخر الإسناد . نظم الدُّرر ... / ص : 131 / بتصرف . ولمزيد معلومات عن المعلقات يُرجع لبحث : " قبسات من علم مصطلح الحديث " / ج : 1 / ص : 47 . ب ـ الموقــوف الفعلــي : قـول الإمـام البخـاري : " وأمَّ ابـنُ عبـاسٍ وهـو متيمـمٌ " . صحيح البخاري . متون / ( 7 ) ـ كتاب : التيمم / ( 6 ) ـ باب : الصعيد الطيب وضوء / معلق / ص : 48 . قـال ابـنُ حَجَـر في فتـح البـاري بشـرح صحيـح البخـاري / ج : 1 / ( 7 ) ـ كتـاب : التيمـم / ( 6 ) ـ بـاب : الصعيـد الطيـب وَضـوءُ المسـلم يكفيـه مـن المـاء / ص : 532 : قولـه وأمَّ ابـنُ عبـاس وهـو متيمـم : وَصَلَـهُ ابـن أبـي شـيبة والبيهقـي وغيرهمـا ، وإسـناده صحيـح . ا . هـ . ج ـ الموقــوف التقريــري : كقـول التابعـي : " فعلـتُ كـذا بحضـرة الصحابـي ولـم ينكـر علـي " . التعليقات الأثرية ... / ص :22 . درجــات أقــوال الصحابــة : الدرجــة الأولــى : أن يتفـق الصحابـة علـى مسـألة .فهـذا إجمـاع قولـي ، وهـو حجـة . الدرجــة الثانيــة : أن يتفـق الخلفـاء الراشـدون الأربعـة علـى مسـألة . الدرجــة الثالثــة : أن يقـول الصحابـي قـولاً يُعْـرَف أنـه قـد انتشـر وذاع بيـن الصحابـة ، ولـم يُعْلَـمْ أن أحـدًا منهـم أنكـره أو رد عليـه ، فهـذا النـوع هـو مـا يسـمى بالإجمـاع السـكوتي . الدرجــة الرابعــة : أن يقـول الصحابـي قـولاً لا يُـدْرَك بمجـرد الـرأي ، فهـذا النـوع ـ وإن كـان موقوفًـا فـي الظاهـر لـه حكـم المرفـوع إلـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم . الدرجــة الخامســة : أن يقـول الصحابـي قـولاً ممـا يُـدْرَك بالـرأي ، ويخالفـه فيـه غيـره مـن الصحابـة . فهـذا النـوع ذهـب الجمهـور إلـى أنـه ليـس بحجـة . الدرجــة الســادسـة : أن يقـول الصحابـي قـولاً ممـا يُـدْرَك بالـرأي ، ولـم يُعْلَـمْ انتشـاره بينهـم ، ولـم يعلـم أن غيـره مـن الصحابـة خالفـه فـي ذلـك ، وليـس مخالفـًا لكتـاب أو سـنة . وهـذا النـوع مختلـف فيـه .الواضح في أصول الفقه للمبتدئين ... / ص : 135 . * * * * * فائـــدة :بلـغ عـدد الذيـن آمنـوا بالنبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي حياتـه عشـرات الألـوف ، والذيـن لهـم روايـة منهـم فـي مسـند الإمـام أحمـد قريـب مـن ( 750 ) نفسًـا ، أمـا الذيـن لهـم آراء اجتهاديـة وفتـاوى فـلا يزيـدون عـن ( 150 ) ، المكثـرون منهـم سـبعة ، والمتوسـطون عشـرون ، والباقـي مقلـون ( انظـر الإحكـام لابـن حـزم ) . الواضح في أصول الفقه ... / ص : 135 . س : لـو خالـف قـول الصحابـي العمـومَ فهـل نُقَـدِّم دلالـة العـام أو نقـول قـول الصحابـي أو فعلـه مخصِّـص ؟ الجــواب : نأخـذ بالعمـوم ، لأن اللفـظ العـام عمومـه مقصـود ، وإذا قُصِـدَ عمومـه شـمل جميـع أفـراده . ومـن ذلـك حديـث " ابـن عمـر " ـ رضي الله عنه ـ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أمــر بإعفـاء اللحـى وإرخائهـا ( وذلـك فـي حديـث البخـاري / رقم : 5892 ) ؛ وظاهـر هـذا الحديـث العمـوم وشـمول الحكـم لِمَـا دون القبضـة ومـا زاد علـى القبضــة ، ولكـن كـان " ابـن عمــر " إذا حـج قبـض علـى لحيتـه فمـا زاد علـى القبضـة قَصَّـهُ ؛ فعـن ابـن عمـر عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " خالفـوا المشـركين وَفِّـرُوا الِّحـى وأحفـوا الشـوارب " . وكـان ابـن عمـر إذا حـج أو اعتمـر قبـض علـى لحيتـه فمـا فَضَـلَ أخـذه .صحيح البخاري . متون / ( 77 ) ـ كتاب : اللباس / ( 64 ) ـ باب : تقليم الأظافر / حديث رقم :5892 / ص : 701 . وهـذا فعـل يقتضـي التخصيـص ـ عنـد بعـض أهـل العلـم . فقـد ذهـب إلـى هـذا بعـض أهـل العلـم ، وقـال : إننـا نقـدم قــول الصحابـي أو فعلـه علـى العمـوم ، لأن دَلالـة العمـوم علـى جميـع الأفـراد دلالـة ظنيـة ، وفعـل الصحابـي المخالـف للعمـوم يبعـد أن يكـون واقعًـا إلا عـن نـص ، لأن الصحابـي لا يمكـن أن يخالـف العمـومَ بإخـراج فـردٍ مـن أفـراده عـن حُكمِـهِ إلا وعنـده علـم بذلـك ، فيكـون ابـن عمـر عنـده علـم بذلـك ، ويكـون فعلـه هـذا مُخَصِّصًـا للعمـوم . ولكـن لاشـك أن الأبـرأ للذمـة والأحـوط ، تقديـم العمـوم علـى قـول الصحابـي أوفعلـه ، لأن قـول الصحابـي يتطـرق إليـه الاحتمـال ، فيحتمـل أنه اجتهـد ، لكـن عمـوم النـص لا يتطـرق إليـه الاحتمـال تطرقًـا قطعيًّـا بـل ظاهـره يقتضـي شـمول جميـع الأفـراد فيؤخـذ بـه . والإنسـان يـوم القيامـة ليـس مسـئولاً عـن فعـل الصحابـي ، وإنمـا هـو مسـئول عـن قـول الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فقـد قـال تعالـى { وَيَـوْمَ يُنَادِيهِـمْ فَيَقُـولُ مَـاذَا أَجَبْتُـمُ الْمُرْسَـلِينَ } .سورة القصص / آية : 65 . ولا أعتقـد أن أحـدًا يثبـت لـه قَـدَمٌ يـوم القيامـة فيقـول : يـا ربـي قصصتُهَـا لأن ابـن عمـر راوي الحديـث قَصَّهَـا فهـو أعلـم بمـا روى ! . فهـذه شـبهة والجـواب عليهـا : قـول الرسـول صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم عـام فلمـاذا تحتـج بالعمـوم إذا شـئت ، وتمنـع الاحتجـاج بـه إذا شـئتَ ، فهـذا تناقـض ! فالراجـــح أن تخصيـص قـول الصحابـي أو فعلـه للعمـوم لا يؤخـذ بـه إلا بدليـل وإلا فـإن مخالفـة الصحابـي للعمـوم كمخالفتـه للخصـوص . شرح الأصول من علم الأصول / للعثيمين / ص : 468 . * * * * * |
المصـــدر الســـادس : شــرع مَـنْ قبلنــا أي : الهـدي الـذي أنـزل علـى رُسـل الأمـم السـابقة عليهـم السـلام ، كالتـوراة والزبـور والإنجيـل .التأسيس ... / ص : 421 . أقســـام شــرع مَـنْ قبلنـا : ينقسـم شـرع مَـنْ قبلنـا باعتبـار وصولـه إلينـا إلـى قسـمين : أ ـ شـرع مـن قبلنـا ولـم يُصَـرِّح بـه شَـرْعُنَا . ب ـ شـرع مـن قبلنـا وصُـرِّحَ بـه فـي شَـرْعِنَا . أولًا : شـرع مـن قبلنـا ولـم يصـرِّح بـه شـرعنا : لا حُجَّـة فـي هـذا القسـم بالإجمـاع .وأغلبـه إسـرائيليات ، ولكـن يجـب عـدم تصديقهـم أو تكذيبهـم فيمـا يقولـون . فعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : كـان أهـلُ الكتـاب يقـرءون التـوراة بالعِبْرانيـة ويفسـرونها بالعربيـة لأهـل الإسـلام فقـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " لا تصدقـوا أهـلَ الكتـابِ ، ولا تكذبوهـم ، وقولــوا "ءَامَنَّـا بالله وَمَـا أُنـزِلَ إِلَيْنَـا ... " الآيـة (1)" . صحيح البخاري . متون / ( 97 ) ـ كتاب : التوحيد / ( 51 ) ـ باب : ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها ... / حديث رقم : 7542 / ص : 876 . ( 1 ) سورة البقرة / آية : 136 ، وتمام الآية { قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . ثانيــًا : شـرع مَـنْ قبلنـا وصـرح بـه فـي شـرعنا : وهـذا القسـم ينقسـم إلـى ثلاثـة أنـواع : النــوع الأول : صُـرِّح بـه فـي شـرعنا بالنسـخ : وهـذا النـوع لا حُجـة فيـه بالإجمـاع ، لأن المنسـوخ لا يجـوز العمـل بـه بحـال . مثـــال : صناعـة التماثيـل فـي شـريعة سـليمان كانـت جائـزة .أمـا شـريعتنا فقـد حرمـت ذلـك . النــوع الثانــي : صَـرَّحَ بـه شـرعنا بالتقريـر : وهـذا النـوع حُجـة بالإجمـاع . ومثالــه : قولـه تعالـى { يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ كُتِـبَ عَلَيْكُـمُ الصِّيَـامُ كَمَـا كُتِـبَ عَلَـى الَّذِيـنَ مِن قَبْلِكُـمْ لَعَلَّكُـمْ تَتَّقُـونَ }سورة البقرة / آية : 183 . فأصل الصيـام كـان مشـروعًا في الأمـم السـابقة ، وقـرر شرعنا ذلـك كأصـل مـع اختـلاف التفاصيـل .التأسيس ... / ص : 424 . وهـذا النـوع مـن الأحكـام لا خـلاف فـي أنـه شـرع لنـا ، ومصـدر شـرعيته وحجيتـه بالنسـبة إلينـا هـو نفـسنصـوص شـريعتنا .الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 260 . النــوع الثالــث : سـكت عنـه شـرعنا : فهـذا النـوع أيضًـا صـرح بـه شـرعنا ، ولـم ينسـخه ولـم يقـره بـل سـكت عنـه . وهـذا النـوع هـو محـل النـزاع (1)بيـن العلمـاء هـل هـو حُجـة أم لا . ( 1 ) من أراد التفصيل في هذا الخلاف فليرجع إلى كتاب الواضح في أصول الفقه للمبتدئين ... / ص : 140 . ومثالـــه : قولـه تعالـى : { وَكَتَبْنَـا عَلَيْهِـمْ فِيهَـا أَنَّ النَّفْـسَ بِالنَّفْـسِ وَالْعَيْـنَ بِالْعَيْـنِ وَالأَنـفَ بِالأَنـفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّـنَّ بِالسِّـنِّ وَالْجُـرُوحَ قِصَـاصٌ ... } .سورة المائدة / آية : 45 . وهـذا فـي شـريعة مَـنْ قبلنـا ، ولـم يُنسـخ ولـم يقـرر بشـرعنا والحـق أن هـذا الخـلاف غيـر مهـم ، لأنـه لا يترتـب عليـه اختـلاف فـي العمـل ، فمـا مـن حكـم مـن أحكـام الشـرائع السـابقة ، قَصَّـهُ الله علينـا ، أو بينـه الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لنـا ، إلا وفـي شـريعتنا مـا يـدل علـى نسـخه أو بقائـه فـي حقنـا ، سـواء جـاء دليـل الإبقـاء أو النسـخ فـي سـياق النـص الـذي حكـى لنـا حكـم الشـرائع السـابقة ، أو جـاء ذلـك الدليـل فـي مكـان آخـر مـن نصـوص الكتـاب والسـنة . ونذكــر هنـا تأييـدًا لقولنـا ، ثبــوت أحكـام الآيـة السـابقة فـي حقنـا " وَكَتَبْنَـا عَلَيْهِـمْ فِيهَـاأَنَّ النَّفْـسَ بِالنَّفْـسِ ... " بدلائـل مـن شـريعتنا ، لأن بعـض النـاس يدعـي أن القصـاص فـي الجـروح والأعضـاء ، ليـس شـرعًا لنـا ، وإنمـا هـو شـرع مَـن قبلنـا فـلا يلزمنـا . وهـذا وهـم محـض لا يقـوم علـى حجـة أو برهـان . فـلا خــلاف بيـن العلمـاء أن أحكـام هـذه الآيـة ثابتـة فـي حقنـا ، وأنهـا جــزء مـن شـريعتنا ،ومـن يطلـع علـى كتـب الفقهـاء مـن مختلـف المـدارس الفقهيـة يجـد بابًـا خاصًـا للقصـاص فـي النفـس وفيمـا دون النفـس ، فهـو حكـم ثابـت فـي حقنـا بـلا خـلاف . وحكـى ابـن كثيـر فـي تفسـيره الإجمـاع علـى العمـل بموجـب الآيـة . فأحكـام هـذه الآيـة معمـول بهـا فـي حقنـا علـى رأي كـلا الفريقيـن القائليـن بشـرع مَـنْ قبلنـا ، والمخالفيـن لهـم فـي ذلـك . الأولـون يحتجُّـون بهـا وِفقًـا لمذهبهـم . والآخـرون يحتجـون بهـا ، لأن الدلائـل مـن شـريعتنا قامـت علـى شـريعتها بالنسـبة إلينـا .الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 262 . * فعـن أنـس ـ رضي الله عنه ـ أن ابنـة النضـر لطمـت جاريـة فكسـرت ثنيتهـا ، فأتَـوا النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فأمـر بالقصـاص ."صحيح البخاري . متون / ( 87 ) ـ كتاب : الديات / ( 19 ) ـ باب : " السن بالسن " المائدة آية : 45 / حديث رقم : 6894 / ص : 801 . وعـن أنـس أن الرُّبيـعَ عمتَـهُ كسـرت ثنيـةَ جاريـةٍ فطلبـوا إليهـا العفـوَ ، فأبَـوْا ، فعرضـوا الأرشَ (1) ، فأبَـوْا ، فأتَـوْا رسـولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وأبَـوْا إلا القِصـاصَ فأمـر رسـولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بالقصـاص . فقـال أنـسُ بـنُ النضـرِ : يـا رسـولَ اللهِ أَتُكْسَـرُ ثنيـةُ الرُّبَيْـعِ ؟ لا والـذي بعثـك بالحــق لا تُكسَــرُ ثنيتُهَـا . فقـال رســول اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " يا أنـسُ كتـابُ اللهِ القِصَـاصُ " . فرضـيَ القـومُ فعفَــوْا ، فقـال رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " إن مـن عبـادِ اللهِ مَـنْ لـو أقسـمَ علـى اللهِ لأبـره " . صحيح البخاري . متون / ( 65 ) ـ كتاب : تفسير القرآن / ( 23 ) ـ باب : " ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص ... " / حديث رقم : 4500 / ص : 527 . ( 1 ) فطلبـوا إليهـم العفـو فأبَـوْا ، فعرضـوا الأرش فأبـوا : أي طالـب أهـلُ الرُّبَيْـع إلـى أهـل التـي كُسـرت ثنيتهـا أن يعفـوا عـن الكسـر المذكـور مجانًـا ، أو علـى مـال ، فامتنعـوا . ـ إشــكال وحلـــه : قـد اسـتشـكل إنكـار أنـس بـن النضـر كسـر سـن الرَّبيـع مـع سـماعه مـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ الأمـر بالقصـاص ثـم قـال : أتكسـر سـن الرُّبيــع ؟ ثـم أقسـم أنهـا لا تكســر ، بقولـه : لا والـذي بعثـك بالحـق لا تُكسـر ثنيتُهَـا : وأجيـب : إنـه لـم يقلـه ردًّا للحكـم بـل نفـى وقوعـه لمـا كـان لـه عنـد الله مـن اللطـف بـه فـي أمـوره ، والثقـة بفضلـه أن لا يخيبـه فيما حلـف بـه ولا يخيـب ظنـه فيمـا أراده بـأن يلهمهـم العفـو ، وقـد وقـع الأمـر علـى مـا أراد . وبهـذا جـزم الطيبـى ، لـذا عجـب النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أن أنـس بـن النضـر أقسـم علـى نفـي فعـل غيـره مع إصـرار ذلـك الغيـر علـى إيقـاع ذلـك الفعـل فكـان قضيـة ذلـك في العــادة أن يحنـث فـي يمينـه ، فألهـم الله الغيــر العفـو فبـر قسـم أنـس . وأشـار بقولـه : " إن مـن عبــاد الله " إلـى أن هـذا الاتفـاق إنمـا وقــع إكرامًـا مـن الله لأنـس ليبـر يمينـه ، وأنـه مـن جملـة عبـاد الله الذيـن يجيـب دعاءهـم ويعطيهـم أربهـم . ا . هـ .بتصرف في ترتيب المعلومة . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 12 / ( 87 ) ـ كتاب : الديات / ( 19 ) ـ باب : السن بالسن / ص : 234 . وورد بكتـاب : الواضـح فـي أصـول الفقـه للمبتدئيـن ... / ص : 142 : والـذي نـراه أن بعـض الأمـور التـي شُـرِعَتْ لمـن قبلنـا شُـرِعَت لهـم خاصـة ، وهـي أشـياء مـن العبـادات الخاصـة وكيفياتهـا ، ونحـو مواسـم قرابينهـم وأعيادهـم مـن حيـث الزمـان والمكـان ، بدليـل قولـه تعالـى " وَلِكُـلِّ أُمَّـةٍ جَعَلْنَــا مَنسَـكاً لِيَذْكُــرُوا اسْـمَ اللهِ عَلَـى مَـا رَزَقَهُــم مِّـن بَهِيمَـةِ الأَنْعَـامِ ... ". سورة الحج / آية : 34 . وأمـا أصـول الإيمـان فهـي مشـتركة . ومـن هنـا ورد الحديـث : " الأنبيـاء أولاد عَـلات أمهاتهـم شـتى ودينهـم واحـد " .البخاري . فعـن أبـي هريـرة قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " أنـا أولـى النـاس بعيسـى بـن مريـم فـي الدنيـا والآخـرة ، والأنبيـاءُ إخـوة لِعَـلاَّتٍ أمهاتُهُـم شـتى ودينهـم واحـد" فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 6 / ( 60 ) ـ كتاب : أحاديث الأنبياء / ( 48 ) ـ باب : قول الله" واذكر في كتاب مريم ... " / حديث رقم : 3443 / ص : 550 . العَـلات بفتـح المهملـة : الضرائـر . وأصلـه أن مـن تـزوج امـرأة ثـم تـزوج أخـرى كأنـه عـل منهـا . وأولاد العَـلات : الإخـوة مـن الأب وأمهاتهـم شـتى . ومعنـى الحديـث : أن أصـل دينهـم واحـد وهـو التوحيـد وإن اختلفـت فـروع الشـرائع . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 6 / ( 60 ) ـ كتاب : أحاديث الأنبياء /( 48 ) ـ باب : قول الله واذكر في الكتاب مريم / ص : 564 . الخلاصـــة : * شـرع مـن قبلنـا هـو الهـدي الـذي أُنـزل علـى رسـل الأمـم السـابقة عليهـم السـلام ، كالتـوراة ،والزبـور ، والإنجيـل . * شـرع مَـنْ قبلنـا الـذي لـم يصـرَّح بـه شـرعنا ، لا حُجـة فيـه بالإجمـاع . * شـرع مَـنْ قبلنـا والمصـرح بـه فـي شـرعنا بالنسـخ ، لا حُجـة فيـه بالإجمـاع . * شـرع مـن قبلنـا والمصـرح بـه فـي شـرعنا بالتقريـر ، هـو حجـة بالإجمـاع . * شـرع مـن قبلنـا والمصـرح بـه فـي شـرعنا بالسـكوت ، فيـه خـلاف أهـو حجـة أم لا .التأسيس ... / ص : 425 / بتصرف يسير . * * * * |
المصـــدر الســابع : الاســتصحاب وهـو اسـتدامة نفـي مـا كـان منفيًّـا حتـى يثبتـه دليـل صحيـح ، واسـتدامة إثبـات مـا كـان ثابتًـا حتـى ينتفـي بدليـل صحيـح . والاسـتصحاب دليـلٌ عقلـي يعمـل بـه فـي الشـرعيات وغيرهـا . وهـو لا يُثْبِـتْ حقًّـا جديـدًا أو حكمًـا جديـدًا ، وإنمـا يصلـح حجـة لعـدم التغييـر ، ولبقـاء الأمـر علـى مـا كـان عليـه . الواضح ... / ص : 167 . لا نصيـر إلـى الاسـتصحاب إلا بعـد فقـد الدليـل مـن الكتـاب أو السـنة ، أو الإجمـاع ، أو القيـاس ، أوقـول الصحابـي . ويكفـي لاسـتصحاب الأصـل ، أن يبـذل المجتهـد كـل طاقـة فـي طلـب الدليـل ، ويسـتفرغ وسـعه فـي طلبـه فـإن لـم يجـده اسـتصحب الأصـل الثابـت بالدليـل . التاسيس ... / ص : 427 / بتصرف . مرادفــات الاسـتصحاب : يطلـق علـى الاسـتصحاب : العـدم الأصلـي ، أو البـراءة الأصليـة ، أو الإباحـة العقليـة .التأسيس ... / ص : 428 . أنـــواع الاسـتصحاب : قسـم أهـل العلـم مـن الأصولييـن الاسـتصحاب إلـى أربعـة أنـواع : 1ـ اسـتصحاب البـراءة الأصليـة . 2ـ اسـتصحاب العمـوم إلـى أن يَـرِد تخصيـص ، والنـص إلـى أن يـرد النسـخ . 3ـ اسـتصحاب الوصـف المثبـت للحكـم الشـرعي ، حتـى يثبـت خلافـه . 4ـ اسـتصحاب حكـم الإجمـاع فـي محـل النـزاع . التأسيس ... / ص : 430 . أولًا : اسـتصحاب البـراءة الأصليـة : إذا فُقِـدَ الدليـل مـن الكتــاب أو السـنة أو الإجمــاع أو قــول الصحابـي علـى مسـألة بعينهـا ، أو فُقِـدَ القيـاس علـى جنـس المسـألة ، حينئـذ شُـرِع للمجتهـد أن يسـتصحب البـراءة الأصليـة . ومعنـى البــراءة : أن المكلَّـف خـالٍ مـن التكليـف والحقـوق ، حتـى يأتـي دليـل بإشـغاله ، وليـس معنـى أن المكلَّـف خـالٍ مـن التكليــف أن مـا لـم يــردْ فيـه دليـل بالعيـن أو الجنـس أنـه مبـاح إتيانـه ولكـن مبـاح لـه إتيـان الأصـل سـواء كـان بالإباحـة أو المنـع . فمثـــلاً : الأصـل فـي الأشـياء النافعـة أنهـا مباحـة مـا لـم يـدل دليـل علـى خـلاف ذلـك . ومعنـى " نافعـة " : أي مـا كـان نفعهـا محضًـا أو كثيـرًا أو غالبًـا .لقولـه تعالـى "هُـوَ الّـَذِي خَلَـقَ لَكُـم مَّـا فِـي الأَرْضِ جَمِيعـًا ... " . سورة البقرة / آية : 29 . ووجــه الاسـتدلال : أن هـذا الخلــق يختـص بالإنسـان لقولـه تعالـى : " لكـم " ، وأن كـل مـا فـي الأرض نفـع ، عَلِـمَ ذلـك مَـنْ عَلِـمَ وجَهِــلَ ذلـك مـن جَهِـل ، ودليـل ذلـك : " مـا " ـ فهـي تـدل علـى العمـوم ـ ، وأن هـذه الأشـياء موجـودة فـي الأرض وليسـت فـي كوكـب آخـر لقولـه تعالـى : " مَّـا فِـي الأَرْضِ جَمِيعـًا" . الأصـل فـي الأشـياء الضـارة التحريـم سـواء كـان الضـرر الناتـج عنهـا ضـررًا محضًـا أو غالبًـا . ودليـل ذلـك : عـن عبـادة بـن الصامـت ـ رضي الله عنه ـ أن رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضـى أن " لا ضـرر ولا ضِـرار (1)" .سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 13 ) ـ كتاب : الأحكام / ( 17 ) ـ باب : من بنى في حقه ما يضر بجاره / حديث رقم : 2340 / ص : 400 / صحيح . وأمـا إذا تسـاوى النفــع والضـرر فـي شــيء ، فهـو أيضًـا حــرام ، لأن درء المفاسـد مقـدم علـى جلـب المصالـح . التأسيس ... / ص : 431 / بتصرف . ( 1 ) من أراد المزيد من التوضيح فليرجع إلى بحث : القواعد الفقهية ، وكذلك التأسيس ... / ص : 432 . متــى يُحتــج بالبــراءة الأصليــة : حينمـا يُحتـج بالبـراءة الأصليـة علـى إطلاقهـا ، يلـزم ألا يوجـد مُعَـارِض ـ ولـو فـي قـول بعـض الفقهـاء ـ لهـذا الأصـل . ولكـن عنـد وجـود المُعَـارِض ، يحتـاج مـن يحتـجّ بالبـراءة الأصليـة ، إلـى بعـض الأدلـة الثابتـة للاسـتئناس فـي تدعيـم مـا يذهـب إليـه ، ولإثبـات عـدم حُجِّيـة هـذا المُعَـارِض ، وعـدم صلاحيتـه لنقـض البـراءة الأصليـة ... مثـــال : إذا قـال بعـض الفقهـاء بطهــارة المشـرك اسـتنادًا إلـى البـراءة الأصليـة ، عـورض هـذا القــول بقـول فريـق آخـر مـن الفقهـاء يذهـب إلـى نجاسـة المشـرك ، ودليلهـم فـي ذلـك الآيـة :"... إِنَّمَـا الْمُشْـرِكُونَ نَجَـسٌ ... ". سورة التوبة / آية : 28 . فهنـا نجـد أنفسـنا أمـام قوليـن للفقهـاء : ـ قـول يوجـه لفظـة : " نجـس " علـى أنهـا نجاسـة معنويـة . ـ وقـول آخـر يوجـه لفظـة : " نجـس " علـى أنهـا نجاسـة ماديـة . فحينـذاك يحتـاج مـن يحتـج بالبـراءة الأصليـة لطهـارة المشـرك إلـى دليـل آخـر ثابـت للاسـتئناس فـي تدعيـم مـا يذهـب إليـه ، ولإثبـات عـدم حجيـة المُعَـارِض ، وعـدم صلاحيتـه لنقـض البـراءة الأصليـة . والمُعَـارِض فـي هـذا المثــال هــو : قــول بعـض الفقهـاء فـي الآيـة { ... إِنَّمَـا الْمُشْـرِكُونَ نَجَـسٌ ... } أن المقصـود بلفظـة " نجـس " أنهـا نجاسـة ماديـة .ومعهـا فـإن المشـرك عنـد أصحـاب هـذا الـرأي نجـس نجاسـة حسـية . وهـذا ينقـض قـول مـن يحتـج بالبـراءة الأصليـة لطهـارة المشـرك . فيحتـاج أصحـاب هـذا القــول ـ والحالـة هـذه إلـى أن يـردوا هـذا الفهــم وهـذا التوجيـه بدليـل يبيـن أن الإنسـان طاهـر مسـلمًا كـان أو كافـرًا . وهـذا الدليـل هـو : بقـاء ثُمامـة فـي المسـجد وهـو كافـر ، فـدل علـى طهـارة الإنسـان مسـلمًا كـان أو كافـرًا . * فعـن أبـي هريــرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : بعـث النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ خيـلاً قِبَـل نَجْـد فجـاءت برجُــلٍ مـن بنـي حنيفـة يُقَـالُ لـه ثُمامـةُ بـنُ أُثـال فربطـوه بسـاريةٍ مـن سـواري المسـجد ، فخــرج إليـه النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فقـال : مـا عنـدك يـا ثمامـة ؟ فقــال :عنـدي خيــر يـا محمـد إن تقتلنـي تقتـل ذا دم وإن تُنعـم تنعـم على شـاكر ، وإن كنـت تريـد المـال فسـل منـه مـا شـئت . فَتُـرِكَ حتـى كـان الغـد ثـم قـال لـه : مـا عنـدك يـا ثمامـة ؟ قـال : مـا قلـتُ لـك إن تُنعـم تنعـم علـى شـاكر . فتركـه حتـى كـان بعـد الغـد ، فقـال : مـا عنـدك يـا ثمامـة ؟ فقـال : عنـدي مـا قلـتُ لـك . فقـال : أطلقـوا ثمامـة ، فانطلـق إلـى نخـلٍ قريـبٍ مـن المسـجد فاغتسـل ثـم دخـل المسـجد فقـال :أشـهد أن لا إله إلا الله وأشـهد أن محمـدًا رسـول الله . يـا محمـد والله مـا كـان علـى الأرض وجــهٌ أبغـضَ إلـيَّ مـن وجهِــك ، فقـد أصبـح وجهُـك أحـبَّ الوجـوهِ إلـيّ ، والله مـا كـان مـن ديـنٍ أبغـضَ إلـيَّ مـن دينِـك فأصبـح دينُـك أحـبَّ الديـنِ إلـيَّ ، واللهِ مـا كـان مـن بلـد أبغـَُض إلـيّ مـن بلـدك فأصبـح بلـدُكَ أحـبَّ البـلاد إلـيّ وإن خيلَـك أخذتنـي وأنـا أريـدُ العمـرةَ فمـاذا تــرى ؟ فبشـرَه رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وأمــره أن يعتمـر . فلمـا قـدم مكـة قـال لـه قائـل : صبَـوتَ ؟ قـال : لا ولكـن أسـلمتُ مـع محمـد رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، ولا والله لا يأتيكـم مـن اليمامـة حبـةُ حِنطـةٍ حتـى يـأذن فيهـا النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 8 / ( 64 ) ـ كتاب : المغازي / ( 70 ) ـ باب : وفد بني حنيفة ... / حديث رقم : 4372 / ص : 98 . مثـــال آخــر : إذا قـال بعـض الفقهـاء بطهـارة الـدم علـى الإطـلاق ـ مـا عـدا دم الحيـض والنفـاس ـ اسـتنادًا إلـى البــراءة الأصليـة ، واعتمـادًا علـى أنـه لـم يَــرِدْ دليـل ينقـض هـذه البــراءة إلا فيمـا يخـص دم الحيـض والنفـاس ، وأمـا الآيـة التـي ذُكـر فيهـا الـدم : { قُـل لاَّ أَجِـدُ فِـي مَـا أُوْحِـيَ إِلَـيَّ مُحَرَّمـًا عَلَـى طَاعِـمٍ يَطْعَمُـهُ إِلاَّ أَن يَكُـونَ مَيْتَـةً أَوْ دَمًا مَّسْـفُوحًا أَوْ لَحْـمَ خِنزِيـرٍ فَإِنَّـهُ رِجْـسٌ ... } .سورة الأنعام / آية : 145 . فـإن هـذه الآيـة دليـل علـى نجاسـة الخنزيـر فقـط ، لأن الهـاء فـي لفظـة : " فإنـه " تعـود علـى آخـر مذكـور وهـو " الخنزيـر " . فأصحـاب هـذا القـول ـ طهـارة الدمـاء ـ اسـتدلالاً بالبـراءة الأصليـة ، سـيُعارَضون بقـول جمـع آخـر مـن الفقهــاء الذيـن يوجِّهـون هـذا الضميــر ـ فـي لفظــة : " إنـه " ـ علـى أنـه يعــود علـى المذكـورات جميعًـا وليـس علـى " الخنزيـر " فحسـب ، مِـن ثَـمَّ فإنهـم يفهمـون ويوجهـون هـذه الآيـة علـى أنهـا ـ عندهـم ـ دليـل علـى نجاسـة الـدم علـى الإطـلاق ، فـلا حجيـة للبـراءة الأصليـة عنـد هـذا الجمـع الآخـر . وحينئـذ ، يحتــاج أصحــاب القــول بطهـارة الدمـاء ، إلـى أدلــة ثابتـة مـن الكتــاب أو السـنة الصحيحـة ، لتدحـض هـذا الفهــم وهـذا التوجيـه للآيـة ، وبالتالـي تدحـض دليـل الفريــق المعـارض القائــل بنجاسـة الـدم . فيـورد أصحـاب القــول الأول ـ اسـتئناسًـا ـ بعـض الأدلـة الثابتـة الصحيحـة ، والتـي تدعـم مـا يذهبـون إليـه فـي فهــم وتوجيـه الضميـر فـي الآيـة المذكـورة ، والتـي تُعَـارِض القـول بنجاسـة الـدم علـى إطلاقــه ، بـل إن حكــم الـدم مـا زال علـى البــراءة الأصليـة طاهــرًا ، إلا مـا ورد بشـأنه نـصٌّ يخصـه بالنجاسـة ويخرجـه مـن الأصـل المذكـور ... ومـن هـذه الأدلـة علـى سـبيل المثـال : 1 ـ دليـل طهـارة دم الحيـوان : " حديـث " ابـن مسـعود . " فقـد صـح عـن ابـن مسـعود أنـه نحـر جـزورًا فتلطـخ بدمهـا وفرْثهـا ثـم أقيمـت الصــلاة فصلـى ولـم يتوضـأ " . أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " ( 1 / 125 ) ، وابن أبي شَيْبَة ( 1 / 392 ) ، والطبراني في " المعجم الكبير " ( 9 / 284 ) بسندٍ صحيح عنه .تمام المنة في ... / ص : 52 . 2ـ دليـل طهـارة دم الإنسـان " حديـث الأنصـاري الـذي قـام يصلـي فـي الليـل فرمـاه المشـرك بسـهم فوضعـه فيـه ، فنزعـه ، حتـى رمــاه بثلاثـة أسـهم ، ثـم ركــع وسـجد ومضـى فـي صلاتـه وهـو يمـوج دمًـا" .تمام المنة ... / للشيخ الألباني / ص : 51 . * فعـن جابـر قـال :خرجنـا مـع رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يعنـي فـي غـزوة ذات الرقـاع ..... فنـزل النبـي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ منـزلاً ، فقـال " مَنْ رجـلٍ يكْلأُنـا (1) ؟ " . فانتُـدِبَ رجـل من المهاجريـن ،ورجـل مـن الأنصـار . فقـال " كونـا بفَـمِ الشِّـعْبِ " . قـال : فلمـا خـرج الرجـلان ، إلـى فـم الشـعب اضطجـع المهاجـري ، وقــام الأنصـاري يصلـي ،وأتـى الرجــل فلمـا رأى شـخصه عـرف أنـه ربيئـة (2) للقـوم ، فرمــاه بسـهم فوضعـه فيـه ،فنزعـه حتـى رمـاه بثلاثـة أسـهم ، ثـم ركـع وسـجد ، ثـم انتبـه صاحبـه ، فلمـا عـرف أنهـم قـد نـذِروا (3) بـه هـرب ، ولمـا رأى المهاجـري مـا بالأنصـاري مـن الدمـاء قـال : سـبحان الله ! ألا أنبهتنـي أول مـا رمـى ، قـال : كنـت فـي سـورة أقرأهـا فلـم أحـب أن أقطعهـا . صحيح سنن أبي داود / ج : 1 / كتاب : الطهارة / ( 79 ) ـ باب : الوضوء من الدم /حديث رقم : 182 ـ 198 / ص : 40 / حسن. ( 1 ) يكلأنـا ---> يحفظنـا ويحرسـنا . ( 2 ) ربيئـة ---> طليعـة . ( 3 ) نـذروا بـه ---> عرفـوا بـه . * * * * * ثانيـًـا : اسـتصحاب العمـوم إلـى أن يـرد تخصيـص ، والنـص إلـى أن يـرد نسـخ : ـ معنـى هـذا النــوع أنـه يجـب العمــل بعمـوم اللفـظ وتطبيـق الحكــم علـى كـل أفـراده ولايسـتثنى مـن ذلـك شـيء إلا بدليـل ، فَيُعْمَــل بمـا يقتضيـه عمـوم اللفــظ حتـى يـرد مُخَصِّـص فـإن وُجِـد ، اسـتُخْرِج مـن العمـوم مـا تناولـه اللفـظ الخـاص ، وظـل اللفـظ عامًّـا فـي بقيـة الأفـراد . وكذلـك يجـب العمـل بالنـص حتـى يـرد أو يوجـد الناسـخ . فمثـــلاً : قـال تعالـى "هُـوَ الَّـذِي خَلَـقَ لَكُـم مَّـا فِـي الأَرْضِ جَمِيعـًا ... " .سورة البقرة / آية : 29 . الآيـة عامـة ، فمـن حكـم بعمـوم الآيـة علـى أن كـل مـا فـي الأرض حِـلّ إلا مـا قـام الدليـل عليـه ، فإنـه مسـتصحب لعمـوم الآيـة ، وفـي نفـس الوقـت مسـتصحب للبـراءة الأصليـة . التأسيس ... / ص : 434 / بتصرف يسير . * * * * * ثالثـًـا : اسـتصحاب الوصـف المثبـت للحكـم الشـرعي ، حتـى يثبـت خلافـه : ومثالـــه : إذا ثبتـت ملكيـة عقـارٍ لأحـدٍ ، فـإن هـذه الملكيـة تظـل ثابتـة فـي حقـه مـا لـم يقـم دليـل علـى زوالهـا ، كعقـد بيـع أو هبـة أو وقـف . وكذلـك فـإن الوضـوء يثبِـت لصاحبــه صفـة حكميـة وهـي الطهـارة ، فـإذا كـان ذلـك لصـلاة المغـرب ، هـل تسـتصحب هـذه الطهـارة لصـلاة العشـاء ، أم لابـد مـن وضـوء آخـر ؟ هـذه الصفـة وهـي صفـة الطهـارة ثابتـة للمتوضـئ حتـى يأتـي بناقـض للوضـوء ينفـي عنـه صفـة الطهـارة . التأسيس ... / ص : 434 / بتصرف . * * * * * رابعـًـا : اسـتصحاب حكـم الإجمـاع فـي محـل النـزاع : إذا أجمعـت الأمـة علـى شـيء ، وهـذا الشـيء أثبـتَ حُكْمًـا معينًـا ، فهـل هـذا الحكـم يـزول بـزوال ذلـك الإجمـاع ؟ أم يسـتمر مـع انعدامـه ؟ اختلـف اهـل العلـم فـي ذلـك علـى قوليـن ، أحدهمـا : لا يسـتمر الحكـم مـع انعـدام الإجمـاع ، والثانـي : يسـتمر مـع انعـدام الإجمـاع . مثالـــه : إذا فُقِـدَ المـاء ، أجمعـت الأمـة علـى مشـروعيـة التيمـم ، فـإذا قـام المتيمـم ليصلـي فـرأى المـاء وهـو فـي الصـلاة ، فهـل يسـتمر فـي صلاتـه ، مـع رؤيـة المـاء مـع انعـدام الإجمـاع ؟ أم يخـرج مـن الصـلاة ويتوضـأ ثـم يعـود ليصلـي مـن جديـد ؟ والراجـح فـي ذلـك : أنـه يسـتمر فـي صلاتـه ولا يخـرج منهـا إن رأى المـاء .وتفصيــل ذلــك : أن الأمـة أجمعـت علـى مشـروعية التيمـم عنـد فقـد المـاء . وأن التيمـم المجمـع علـى مشـروعيته عنـد فقـد المـاء ، أثبـت للمتيمـم صفـة حكميـة وهـي الطهـارة التـي لا تصـح الصـلاة إلا بهـا . فـإن رأى المصلـي المتيمـم المـاء ، انعـدم الإجمـاع علـى مشـروعية التيمـم ، ولكـن الصفـة الحكميـة مـا زالـت قائمـة بصاحبهـا لأنهـا صفـة مكتسـبة لا تـزول إلا بناقـض ، فالصفـة الحكميـة الثابتـة بالتيمـم مـن جنـس اسـتصحاب الوصـف المثبـت للحكـم الشـرعي ، حتـى يثبـت خلافـه . قـال ابـنُ القيـم " ..... النـزاع ـ أي الخــلاف وعـدم الإجمــاع لا يرفـع مـا ثبـت مـن الحكـم ..... " .التأسيس ... / ص : 436 . |
المصـــدر الثامـــن : المصالــح المرْسَــلَة تعريفهـــا : هـي المسـألة النافعـة للنـاس ، الضروريـة لهـم ، والتـي لـم يـرد عـن الشـارع اعتبـار لهـا أو إلغـاء بعينهـا ، ولكـن شَـهدتْ لهـا أصـول الديـن العامـة .التأسيس ... / ص : 442 . · الشـروط التـي يجـب أن تتوفـر فـي المسـألة والتـي يُحْكَـم فيها بالمصالـح المرسَـلَة : 1 ـ أن تكـون المسـألة نافعـة إمـا بجلـب نفـع أو دفـع ضُـر . 2 ـ أن تكـون المسـألة مـن الضروريـات سـواء كانـت فـي الديـن أو فـي الدنيـا . 3 ـ أن لا يَـرِد فـي الشـرع اعتبـار لهـا أو إلغـاء عينًـا أو جنسًـا 4 ـ أن يكـون مسـتندها أصـول الديـن العامـة . 5 ـ أن تكـون المسـألة عامـة وليسـت خاصـة بفـرد أو مجموعـة ـ مـن النـاس ـ دون أخـرى . 6 ـ ألاَّ تُصَـادِم نصًّـا مـن كتـاب أو سـنة أو إجمـاع أو قيـاس . وفـي هـذه الجزئيـة يقـول شـيخ الإسـلام ـ ابـن تيميـة فـي الفتـاوى : ج : 11 / ص : 343 : " لا يمكـن أن توجـد مصلحـة حقيقيـة تصـادم نصًّـا أوإجماعًـا أو قياسًـا " . ا . هـ .التأسيس ... / ص : 444 . مرادفــات المصالــح المرســلة : أطلـق بعـض أهـل العلـم عليهـا الاسـتصلاح أو المرسـل . التأسيس ... / ص : 445 . سـبب تسـميتها بالمصالـح المرسـلة : سـميت بالمصالـح : لأن المصلحـة المنفعـة ، سـواء كانـت عائـدة بالنفـع الحقيقـي ، أو بالنفـع حكمًـا أي بدفـع الضـرر وسـميت مرسـلَة : لأنـه غيــر منصـوص عليهـا بعينهـا ، بـل مسـتندها أصــول الديـن العامـة كمـا سـبق ، فهـي مرسـلة فيهـا . التأسيس ... / ص : 445 . حكــم المصالـــح المرســلة : هـي حُجـة بالشـروط السـابقة ، سـواء قيـل إنهـا أصـل مسـتقل أو غيـر مسـتقل . وفـي ذلـك يقـول الشـنقيطي ـ رحمه الله ـ المذكـرة / ص : 170 : " والحـق أن أهـل المذاهـب كلهـم يعملـون بالمصلحـة المرسـلة وإن قـرروا فـي أصولهـم أنهـا غيـر حجـة " . ا . هـ . التأسيس ... / ص : 445 . نمـــاذج مـن المصالــح المرســلة : ـ جَمَـعَ أبـوبكـر ـ رضي الله عنه ـ صحـف القـرآن المتفرقـة . ـ اسـتخلاف عمـر ـ رضي الله عنه ـ مـن قِبَـل أبـي بكـر ـ رضي الله عنه ـ ، مـع أن الرسـول ـ صلى الله عليهوعلى آله وسلم ـ لـم يسـتخلف أبـا بكـر ـ رضي الله عنه. جمـع عثمـان ـ رضي الله عنه ـ المسـلمين علـى مصحـف واحـد . ـ أفتـى الشـافعية بجـواز إتـلاف الحيوانـات التـي يقاتـل عليهـا الأعـداء ، وإتـلاف شـجرهم ، إذا كانـت حاجـة القتـال والظفـر بالأعـداء والغلبـة عليهـم ـ لإعْـلاء كلمـة الله ـ يسـتدعي ذلـك . ـ أفتـى الإمـام أحمـد بـن حنبـل : بنفـي أهـل الفسـاد إلـى بلـدٍ يُؤْمَـن فيـه مـن شـرهم .التأسيس ... / ص : 446 . الخلاصـــة : المصالـح المرسـلة هـي المسـألة النافعـة للنـاس ، والضروريـة لهـم ، والتـي لـم يـرد عـن الشـارع اعتبـار لهـا أو إلغـاء بعينهـا ، ولكـن شـهدت لهـا أصـول الديـن العامـة . الضروريـات تكـون فـي الدنيـا كمـا تكـون فـي الديـن . الضروريـات فـي الديـن هـي : حفـظ الديـن ، والنفـس ، والعقـل ، والنسـب ، والمـال ، والعِـرْض . الضروريــات فـي الدنيـا : كالمعامــلات والأعمـال التـي فيهـا مصلحـة للخلـق مـن غيـر خطـر شـرعي .التأسيس ... / ص : 448 . المصـــدر التاســــع : العُــرْف أصلـــه : لقـد جـاء الإسـلام حامـلًا رايـة التخفيـف ورافعًـا الحـرج عـن الأمـة المسـلمة ، لينقلهـا مـن الظلمـات إلـى النـور . ولتحقيـق التخفيـف ورفــع الحــرج ، قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم فيمـا رواه " مسـلم " 6277 ، و " أحمـد " بسـنديهما : عـن أنـس ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم " إذا كـان شـيءٌ مـن أمـر دنياكـم ، فأنتـم أعلـمُ بـه ؛ وإذا كـان شـيءٌ مـن أمـر دينكـم فإلـيَّ " .رواه الإمام أحمد . صحيح الجامع ... / الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 767 / ص : 194 / صحيح . فهـذا الحديـث أصـلٌ عظيـم ، حيـث قَسَّـم الأشـياء إلـى نوعيـن : مـا كـان مـن أمـر الدنيـا ؛ فهـو راجـع إلـى النـاس . راجـعٌ إلـى مـا تعارفـوا عليـه ، مـن أجـل ذلـك لا يجـوز الحظـر علـى شـيء مـن أمـور الدنيـا إلا إذا خالفَـتْ نصًّـا شـرعيًّا ، أو أفضـت إلـى مفسـدة راجحـة . ومـا كـان مـن أمـر الديـن ؛ فهـو راجـع إلـى الشـرع . وليـس معنـى ذلـك أن الشـارع قـد ـ حـدد ـ كـل لفـظ مـن الجهـة الشـرعية ، بـل كثيـر مـن الألفـاظ تركهـا الشـارع إلـى أعـراف النـاس بعـد مـا علـق عليهـا الأحكـام غيـر نـاسٍ ، وهـذا عيـن التخفيـف ورفـع الحـرج عـن الأمـة المسـلمة . التأسيس ... / ص : 470 . مثـل قولـه تعالـى" ... وَلَهُـنَّ مِثْـلُ الَّـذِي عَلَيْهِـنَّ بِالْمَعْـرُوفِ ... " . سورة البقرة / آية : 228 . وقولـه تعالـى " ... مِـنْ أَوْسَـطِ مَـا تُطْعِمُـونَ أَهْلِيكُـمْ ..." . سورة المائدة / آية : 89 . " إن ذلـك مقـدّر بالعـرف ، لا بالشـرع ، فيطعـم أهـل كـل بلـد مـن أوسـط مـا يطعمـون أهليهـم قـدرًا ونوعًـا ، فمـا لـم يقـدره الشـارع فإنـه يُرْجَـع فيـه إلـى العـرف ، وهـذا لـم يقـدّره الشـارع فيرجـع فيـه إلـى العـرف " . القواعد الفقهية ... / لابن القيم ... / ص : 370 ، ... . تعريفـــه : العـرف هـو العـادة الجاريـة بيـن النـاس . أمـا عـادات الإنسـان الخاصـة بـه فـلا تسـمى عُرفًـا .الواضح ... / ص : 153 . أنـــواع العـــرف : والعـرف قـد يكـون قوليًّــا أو عمليًّـا ، والعـرف بنوعيـة القولـي والعملـي قـد يكـون عامًّـا أو خاصًّـا ، وهـو بجميـع هـذه الأنـواع قـد يكـون صحيحًـا أو فاسـدًا . الوجيز في أصول الفقه / ص : 250 / بتصرف . تقســـيم عـــام : أ ـ العـرف القولـي : هـو مـا تعـارف عليـه النـاس فـي بعـض ألفاظهـم ، بـأن يريـدوا بهـا معنـى معينًـا غيـر المعنـى الموضـوع لهـا . ـ كتعارفهـم : إطـلاق لفـظ " الولـد "(1)علـى الذكـر دون الأنثـى . ( 1 ) لفظ " ولد " : وهو في الأصل اللُّغَوِي صادق على البنين والبنات كما في قوله تعالى : * " ... ولأبويه لكل واحدٍ منهما السدسُ مما ترك إن كان له ولد ... " . سورة النساء / آية : 11 . * " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ... " سورة النساء / آية : 11 . الواضح في أصول الفقه ... / ص : 154 / بتصرف . ـ وإطـلاق لفـظ " اللحـم " علـى غيـر السـمك وعليـه مـن حلـف ألا يأكـل لحمًـا فأكـل سـمكًا لا يحنـث بنـاء علـى العـرف السـائد فـي مجتمعـه . ـ وإطـلاق لفـظ " الحـوت " علـى هـذا الحيـوان البحـري الضخـم الـذي يلـد ولا يبيـض . وهـذا هـو المعنـى بالمصطلـح العلمـي . أمـا فـي لغـة العـرب المقصـود بالحـوت " السـمك " الكبيــر منـه والصغيـر ، الـذي يلـد والـذي يبيـض . وورد بالقـرآن الحـوت بهـذا المعنـى العـام . ففـي قصـة غـلام موسـى بسـورة الكهـف ، قـال تعالـى : " فَلَمَّـا جَـاوَزَا قَـالَ لِفَتَـاهُ آتِنَـا غَدَاءنَـا لَقَـدْ لَقِينَـا مِـن سَـفَرِنَا هَـذَا نَصَبـاً * قَـالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَـا إِلَـى الصَّخْـرَةِ فَإِنِّـي نَسِـيتُ الْحُـوتَ وَمَـا أَنسَـانِيهُ إِلاَّ الشَّـيْطَانُ أَنْ أَذْكُـرَهُ وَاتَّخَـذَ سَـبِيلَهُ فِـي الْبَحْـرِ عَجَبـًا " . سورة الكهف / آية : 62 ، 63 . ولكـن الحـوت الـذي التقـم نبـي الله يونـس هـو ذلـك الحيـوان المائـي الضخـم . قـال تعالـى "فَالْتَقَمَـهُ الْحُـوتُ وَهُـوَ مُلِيـمٌ " .سورة الصافات / آية : 142 . وفـي شـبه الجزيـرة العربيـة كلمـة " الحـوت " مسـتعملة بهـذا العمـوم أي تشـمل جميـع أنـواع دواب البحـر . الوجيز في أصول الفقه / ص : 250 / بتصرف . ب ـ العـرف العملـي : هـو مـا اعتـاده النـاس مـن أعمـال . ومـن أمثلتــه : التعـارف علـى أن الخاطـب إذا قـدم لخطيبتـه شـيئًا مـن الحُلِـيّ والثيـاب ... ، فهـو هديـة لا مـن المهـر . تقسـيم المهـر إلـى معجـل ومؤجـل .التأسيس ... / ص : 471 ، 472 . ـ وكتعارفهـم علـى أن المهـر المؤجـل لا يُسـتحق ولا يُطالـبُ بـه إلا بعـد الفرقـة أو المـوت .المرتقى الذلول ... / ص : 265 . فائـــدة : عنـد تسـمية المهـر ، وتقديـم بعضـه ، وتأخيـر البعـض الآخـر لأجـل غيـر مسـمى ، فـإن هـذا الأجـل يرجـع إلـى العـرف والعـادة عنـد المتعاقديـن ، فجـرت العـادة مجـرى الشـرط . إلا إذا سـمى المتعاقـدان أجـل أو وقـت تمكيـن المـرأة مـن هـذا المؤجـل ، فهنـا يقـدم مـا صرحـا بـه علـى مـا جـرى عليـه العـرف ، لأن العـرف ضمنـي والاتفـاق صريـح ، والصريـح مقـدم علـى الضمنـي . · تقســيم فرعــي : أولاً : الأعـراف العامـة والخاصـة : العـرف بنوعيـه القولـي والفعلـي ، قـد يكـون : أ ـ عامًّــا : وذلـك إذا شـاع وفشـا فـي جميــع البـلاد الإسـلامية وسـار عليـه جميـع النـاس فـي هـذه البـلاد . مثالــه : ـ إطـلاق لفـظ الدابـة علـى ذوات الأربـع ، ولا يطلقونهـا على الإنسـان فهـذا " عـرف لفظـي عـام " . ـ اعتبـار تقديـم الطعـام للضيـف إذنًـا لـه بالتنـاول ولـو لـم يصـرح المضيـف بذلـك . فهـذا " عـرف عملـي أو فعلـي عـام " . ب ـ خاصًّـا : وذلـك إذا شـاع فـي قطـر دون قطـر ، أو بيـن أربـاب حرفـة معينـة أو صنعـة معينـة ، أو ... . مثالـــه : ـ الألفـاظ التـي اصطلـح عليهـا أهـل العلـوم وأصحـاب الحـرف والصناعـات التـي يريـدون بهـا عنـد إطلاقهـا المعانـي الاصطلاحيـة ، دون معانيهـا اللغويـة . فهـذا " عـرف لفظـي أو قولـي خـاص " . ـ إعطـاء عـلاوة علـى المبيــع إلـى المشـتري عنـد شـرائه البرتقـال فـي بعـض مناطـق محافظـة دبالـي . هـذا " عـرف عملـي أو فعلـي خـاص " . الوجيز في أصول الفقه / ص : 251 / بتصرف . والمرتقى الذلول إلى ... / ص : 264 / بتصرف . ثانيــًا : العـرف الصحيـح والعـرف الفاسـد : أ ـ العـرف الصحيـح : ـ هـو مـا لا يخالـف نصًّـا مـن نصـوص الشـريعة . ـ ولا يفـوت مصلحـة معتبـرة . ـ ولا يجلـب مفسـدة راجحـة . ومـن أمثلتــه : تعـارف النـاس علـى أن مـا يقدمـه الخاطـب إلـى مخطوبتـه مـن ثيـاب ونحوهـا يعتبـر هديـة ولا يدخـل فـي المهـر . الوجيز في أصول الفقه / ص : 251 . ب ـ العـرف الفاسـد : ـ هـو مـا كـان مخالفًـا لنـص مـن نصـوص الشـريعة . ـ أو يجلـب ضـررًا . ـ أو يدفـع مصلحـة . ومـن أمثلتــه : ـ تعـارف النـاس اسـتعمال العقـود الباطلـة كالاسـتقراض بالربـا ـ تعـارف النـاس بعـض العــادات المسـتنكَرة فـي المآتـم ( مثـل السـرادقات ـ الخميـس ـ الأربعيـن ..... ) ، والموالـد ، والأفـراح غيـر الشـرعية . المرتقى الذلول ... / ص : 265 . حُجيــة العــرف : اعتبـر العلمـاء العـرف أصـلاً من أصـول الاسـتنباط ، ولهـذا كـان مـن قواعدهـم : " العـادة مُحَكَّمَـة " ، وهـذه القاعـدة هـي إحـدى القواعـد الخمـس الكبـار التـي ذكـروا أن الفقـه كلـه ينبنـي عليهـا(1) وممـا يتفـرع عنهـا ، قاعـدة : " المعـروف عرفًـا كالمشـروط شـرطًا " ، وهـذا يبيـن مـدى اعتدادهـم بالعـرف الـذي عليـه النـاس .المرتقى الذلول ... / ص : 265 . ( 1 ) انظر " الأشباه والنظائر " للسيوطي / ص : 8 . حاشية المرتقى الذلول ... / ص : 265 . ـ ويعتبـر العـرف أيضًـا مرجعًـا لتطبيـق الأحكـام علـى الحـوادث والوقائـع الجزئيـة .الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 255 . فهنـاك أحكـام عُلقـت علـى اللفـظ ولـم تحـد شـرعًا ولا لغـة : علَّـق الشـارعُ كثيـرًا مـن الأحكـام علـى ألفـاظٍ ، ولـم يحـد تلـك الألفـاظ بضوابـط كـي تُطَبَّـق الأحكـام فـي محيطهـا ولا تتعداهـا ، ولـم يُعْـرَف لهـا ضابـط لُغَـوي ، بـل تركهـا لعـرف النـاس رحمـة بهـم غيـر نسـيان . فمثـــلاً : نجـد أن الألفـاظ إمـا لهـا : ـ حـد شـرعي : كالصـلاة ، والزكـاة ، والصيـام ، والحـج ، والإيمـان ، والكفـر ، والنفـاق . ـ أو حـد لُغَـوِي : كالشـمس ، والقمـر ، والسـماء ، والأرض ، والبَـرّ ، والبحـر . ـ أو حـد عرفـي : كالدرهـم ، والدينـار ، والإطعـام ، ... . فهـذه أشـياء لـم يحدهـا الشـارع بحـد ، ولا لهـا حـد واحـد يشـترك فيـه جميـع أهـل اللغـة ، بـل يختلـف قـدره وصفتـه باختـلاف عـادات النـاس . أمثلــة علـى الأحكـام التـي عُلقـت علـى اللفـظ ولـم تحـدّ شـرعًا ولا لغـة . مـن كتـاب الله : ".. فَكَفَّارَتُـهُ إِطْعَـامُ عَشَـرَةِ مَسَـاكِينَ مِـنْ أَوْسَـطِ مَـا تُطْعِمُـونَ أَهْلِيكُـمْ ..." .ورة المائدة / آية : 89 . فـإن الحكـم هنـا عُلِّـق علـى لفـظ " الإطعـام " ، ولـم يبيـن لنـا المقـدار ، ولا النـوع . فأمـا المقـدار فـإن مـا يكفـي الإنسـان يختلـف باختـلاف الزمـان والمكـان ، وكذلـك النـوع جعلـه الشـرع مـن أوسـط مـا تطعمـون الأهـل ، وهـذا الوَسَـط يختلـف باختـلاف السَّعَـة ، فمـن كـان عنـده سـعة فـإن وسـط طعامـه غيـر وسـط الفقيـر قطعًـا . ".. وَعلَـى الْمَوْلُـودِ لَـهُ رِزْقُهُـنَّ وَكِسْـوَتُهُنَّ بِالْمَعْـرُوفِ ... " . سورة البقرة / آية : 233 . " فالـرزق والكسـوة " : لا ضابـط لغـوي ولا شـرعي لهمـا ، فتعيـن اعتبـار العـرف فـي مكـان المسـألة وزمانهـا . التأسيس ... / ص : 475 . مــن الســـنة : ـ عـن ابـن عمـر ـ رضي الله عنهما ـ قـال : " فـرض رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ زكـاة الفطـر صاعًـا مـن تمـرٍ أو صاعـًا مـن شـعير علـى العبـد والحـر والذكـر والأنثـى والصغيـر والكبيـر مـن المسـلمين وأمـر بهـا أن تـؤدّى قبـل خـروج النـاس إلـى الصـلاة " . صحيح البخاري . متون / 24 ـ كتاب الزكاة / 70 ـ باب فرض صدقة الفطر / حديث رقم : 1503 / ص : 172 . فتلـك الأنـواع المذكـورة ، هـي التـي كانـت فـي المدينـة وقتئـذ ، أمـا فـي غيـر المدينـة ، فـإن هـذه الأطعمـة قـد لا تتوفـر فتكـون الصدقـة مـن طعـام أهـل البلـد . ـ قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم لـ " هنـد " امـرأة أبـي سـفيان لمـا شـكت إليـه إمسـاك أبـي سـفيان وشُـحّه ـ قـال لهـا صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم ـ : " خـذي مـا يكفيـك وولـدك بالمعـروف " . * فعـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ أن هنـدًا قالـت للنبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : إن أبـا سُفيانَ رجـلٌ شـحيحٌ فأحتـاج أن آخـذ مـن مالـه . قـال : " خـذي مـا يكفيـك وولـدَكِ بالمعـروف " .صحيح البخاري . متون / 93 ـ كتاب : الأحكام / 28 ـ باب : القضاء على الغائب / حديث رقم : 7180 / ص : 835 . أي : خـذي مـن المـال مـا يكفيـك وولـدك ، بمـا يوافـق مـا تعـارف النـاس عليـه مـن الكفايـة .التأسيس ... / ص : 477 / بتصرف . شــروط اعتبــار العــرف لبنــاء الأحكــام عليـه : يشـترط فـي العـرف لاعتبـاره ، وبنـاء الأحكـام عليـه مـا يأتـي 1 ـ ألا يكـون العـرف مخالفًـا للنـص ، بـأن يكـون عرفًـا صحيحًـا غيـر فاسـد . 2 ـ أن يكـون العـرف مُطَّـرِدًا مسـتفيضًا بيـن أهلـه ، معروفًـا عندهـم ، ومعمـولاً بـه بينهـم ، أو يكـون العـرف غالبًـا بحيـث لا يتخلـف إلا قليـلاً . 3 ـ أن يكـون العـرف الـذي يُفَسَّـر بـه الحكـم موجـودًا وقـت إنشـاء التصـرف المحكـوم عليـه ، بـأن يكـون حـدوث العـرف سـابقًا علـى وقـت التصـرف ، ثـم يسـتمر إلـى زمـان التصـرف فيقارنـه ، أي : يكـون سـابقًا ومقارنًـا . وعلـى هـذا الشـرط فـإن الوصايـا ، وحجـج الأوقـاف ووثائـق الـزواج تفسـر بالعـرف الـذي كان موجـودًا فـي زمـان كتابتهـا دون الأزمنـة اللاحقـة . فمثـــلاً : لـو وقـف شـخص عقـاره علـى العلمـاء فـي بعـض العصـور السـابقة ، فـإن العـرف المقـارِن يفسِّـر " العلمـاء " " بعلمـاء الديـن خاصـة " . فـلا يصـح أن يُفسَّـر إلا بذلـك العـرف ، ولا يجـوز أن يفسـر بعـرف أهـل زماننـا الذيـن جـرت عادتهـم بإطـلاق اسـم " العالِـم " علـى عالِـم الديـن وغيـره مـن أهـل الطـب والفلـك والكيميـاء وغيرهـم ، لأن هـذا عـرف متأخـر عـن زمـان صاحـب الوقـف . [ لـذا يجـب علـى المجتهـد معرفـة أعـراف النـاس قبـل الفُتيـا لهـم ، وذلـك لأنهـم يسـتخدمون فـي أسـئلتهم مـا تعارفـوا عليـه مـن الألفـاظ ] (1).( 1 ) [ ... ] ما بين المعكوفتين مصدره : التأسيس ... / ص : 472 . 4ـ ألا يوجـد قـول أو عمـل يفيـد عكـس مضمـون العـرف ، لأن ذلـك يكـون اسـتثناءً ممـا تعـارف عليـه النـاس . ومثالـــه : أن يكـون عُـرف السـوق أن مصاريـف النقـل علـى المشـتري ، فيتفـق المتبايعـان علـى أن مصاريـف النقـل علـى البائـع . فهنـا يُقَـدَّم مـا صرَّحـا بـه علـى مـا جـرى عليـه العـرف ، لأن العـرف ضمنـي والاتفـاق صريـح ، والصريـح مقـدم علـى الضمنـي .المرتقى الذلول ... / ص : 266 . · الفــرق بيــن " العــرف " والعــادة : العـادة : هـي الشـيء المألـوف سـواء كـان فـي فـرد أو جماعـة العـرف : هـو الشـيء المألـوف فـي جماعـة . وعليـه فـإن العـادة أعـم مـن العـرف ، فكـل عـرف عـادة ، وليـس كـل عـادة عرفًـا .التأسيس ... / ص : 478 . معنــى العــرف والعــادة عنــد الفقهــاء : الفقهـاء لا يفرقـون فـي المعنـى بيـن العـرف والعـادة . فيقولـون مثـلاً : العـرف والعـادة كـذا فـي المسـألة . ويُحْمَـل كلامهـم علـى المألـوف فـي المجتمـع ، والعطـف المشـهور عندهـم لا يعنـي التأسـيس (1) بـل هـو للتأكيـد . ( 1 ) لا يعني التأسيس : أي لا يعني معنى مستقل غير كلمة عرف ولكنه تأكيد لكلمة عرف . فمعناها عندهم واحد . أي العرف والعادة عندهم مترادفان . التأسيس ... / ص : 478 . · الفــرق بيــن العــرف والإجمــاع : ـ الإجمـاع : يخـص طائفـة معينـة مـن النـاس وهـم المجتهـدون . العـرف : يخـص المجتمـع . ـ الإجمـاع : لا يُنْقَـض بتغيـر الزمـان والمكـان . العـرف : يتغيـر ـ بتغيـر ـ الزمـان والمكـان . ـ الإجمـاع مصـدر مهـم مـن مصـادر الفقـه الإسـلامي ، ودليـل مـن أدلـة الأحكـام مشـهود لـه بالصحـة والاعتبـار . الوجيز في أصول الفقه / ص : 193 ./التأسيس ... / ص : 478 . العـرف ليـس دليـلاً مسـتقلاً يُشْـرَع الحكـم فـي الواقعـة بنـاءً عليـه ، وإنمـا هـو دليـل يُتوصَّـل بـه إلـى فهـم المـراد مـن عبـارات النصـوص ومـن ألفـاظ المتعامليـن وأفعالهـم حتـى يمكـن تنزيـل النصـوص علـى وقائـع المكلفيـن دون إخـلال بقصـد الشـارع أو مصالـح المكلفيـن المبنيـة علـى مـا ألِفُـوه وتعارفـوه فيمـا بينهـم . المرتقى الذلول ... / ص : 267 . |
المصـــدر العاشـــر : ســد الذرائــع ـ الذريعـة فـي اللغـة : بعيـر أو ناقـة كـان الصيـاد يطلقـه بيـن الوحـش فـي الصحـراء ، حتـى إذا اطمأنـت الوحـش إليـه سـار الصيـاد بجانبـه (1)متخفيًـا حتـى يبلـغ مـن الصيـد حاجتـه . لسان العرب .الواضح في أصول الفقه ... / ص : 159 . ـ اصطلاحًــا : الذريعــة : هـي الأمـر المبـاح ظاهـرًا مـن حيـث الأصـل ، لكـن يُتوصـل بـه إلـىحصـول أمـر محـرم . وسـد الذرائـع : هـو منـع الأمـر المبـاح الـذي يُتوصـل بـه إلـى المحـرم ، سـواء قصـد بـه فاعلـه الوصـول إلـى المحـرم ( كالْحِيَـل (2)علـى المحرمـات ) ، أو لـم يقصـد ذلـك ، فيُمنـع لئـلا يتوصـل بـه إلـى المحـرَّم غيـره مـن النـاسِ . ومـن هنـا جـاء التعبيـر بـ ( سـد ) الذرائـع ، لأنـه بمعنـى سـد البـاب بالكليـة لئـلا يتوصـل منـه إلـى المفسـد . الواضح في أصول الفقه ... / ص : 159 . ( 1 ) بجانبه : أي بجانب الذريعة . ( 2 ) الحيلة : هي الوسيلة المباحة في ذاتها ، التي تفضي إلى غير ظاهرها قصدًا . ومثالها : من نوى بعقد النكاح التحليل كان محللا ودخل في الوعيد على ذلك باللعن ، ولا يخلصه من ذلك صورة النكاح .فتح الباري ... / ج : 12 / ( 90 ) ـ كتاب : الحِِيَل / 1 ـ باب ... / ص : 344 / بتصرف . ثـم اسـتعملت " الذريعـة " بعـد ذلـك فـي كـل أمـر ظاهـر السـلامة يُتَوصـل بـه إلـى المقصـود . ومـن كـلام العـرب : تذرَّعْـتُ بكـذا إلـى كـذا ، أي اتخذتُـهُ وسـيلة إليـه . سـد الذرائـع : الذرائـع هـي الوسـائل ؛ والذريعـة : هـي الوسـيلة والطريـق إلـى الشـيء ، سـواء أكـان هـذا الشـيء مفسـدة أو مصلحـة ، قـولاً أو فعـلاً . ولكـن غلـب إطـلاق اسـم " الذرائـع " علـى الوسـائل المفضيـة إلـى المفاسـد . فـإذا قيـل : هـذا مـن بـاب سـد الذرائـع ، فمعنـى ذلـك : أنـه مـن بـاب منـع الوسـائل المؤديـة إلـى المفاسـد . أي سـد البـاب بالكليـة لئـلا يتوصـل منـه إلـى المفسـد . الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 244 / بتصرف . · أقســـام الأفعــال المؤديــة إلـى مفاســد : أ ـ أفعـال فاسـدة محرمـة بذاتهـا مفضيـة إلـى الشـر : فهـذه بطبيعتهـا تـؤدي إلـى الشـر والضـرر والفسـاد ، كشـرب المسـكر المفسـد للعقـول ، والقـذف الملـوث للأعـراض ، والزنـا المفضـي إلـى اختـلاط الأنسـاب . ولا خـلاف بيـن العلمـاء فـي منـع هـذه الأفعــال ، وهـي فـي الحقيقـة لا تدخــل فـي دائـرة سـد الذرائـع التـي نتكلـم عنهـا ، لأنهـا محرمـة لذاتهـا . ب ـ أفعـال مباحـة جائـزة مُفْضيـة إلـى مفاسـد : الأفعـال المباحـة الجائـزة ولكنهـا مفضيـة إلـى مفاسـد أنـواع ، وهـي : النـوع الأول : مـا كـان إفضـاؤه إلـى المفسـدة نـادرًا وقليـلاً ، فتكـون مصلحتـه هـي الراجحـة ، ومفسـدته هـي المرجوحـة . كالنظـر إلى المخطوبـة (1)؛ والمشـهود عليهـا ـ أمـام القضـاء ـ ، وزراعـة العنـب (2) . فـلا تمنـع هـذه الأفعـال بحجـة مـا قـد يترتـب عليهـا مـن مفاسـد ، لأن مفسـدتها مغمـورة فـي مصلحتهـا الراجحـة . ( 1 ) قال الشيخ الألباني : لا يجوز إعادة وتكرار النظر إلى المرأة ، إلا في النظر إلى المخطوبة .فتاوى الإمارات / للشيخ الألباني . ( 2 ) قد تؤدي زراعة العنب إلى استخدامه لصناعة الخمر . النـوع الثانـي : مـا كـان إفضـاؤه إلـى المفسـدة كثيـرًا ، فمفسـدته أرجـح مـن مصلحتـه .كبيـع السـلاح فـي أوقـات الفتـن ـ لئـلا يفضـي ذلـك إلـى كثـرة القتـل ـ . وبيـع العنـب ، فبيـع العنـب حـلال ـ فـي حـد ذاتـه ـ أمـا بيعـه لمـن عُـرف عنـه الاحتـراف بعصـره خمـرًا ، فحـرام . وكذلـك سـب آلهـة المشـركين ، فهـذا أمـر مسـتحب ، ولكـن سـبهم فـي وجـود المشـركين قـد يـؤدي إلـى سـب رب العـزة تبـارك وتعالـى ، فمنعـت لهـذا التعلـق . فتلـك وسـائل مباحـة ، لكنهـا تعلقـت بأمـور خارجيـة وبسـببها تفضـي إلـى مفاسـد فمنعـت . الوجيز في أصول الفقه / ص : 245 / بتصرف . عــدم التوســع فـي ســد الذرائــع : الذيـن قالـوا بسـد الذرائــع لـم يجيـزوا التوسـع فـي سـدها ، لأن ذلـك يـؤدي إلـى حــرج علـى النـاس عظيـم ، فـلا يفتَـى بسـد الذرائـع إن كـان الإفضـاء إليهـا (1)نـادرًا أو قليـلاً ، كمـن يفتـي بتحريـم زراعـة العنـب بالكليـة لئـلا تُعْصَـر منـه الخمـر ، وكمـن يفتـي بتحريـم أكـل طعـام الكفـار خشـية أن يكـون فـي طعامهـم لحـم الخنزيـر . فـلا يجـوز الإفتـاء بسـد ذريعـة إلا فيمـا كـان إفضـاؤه إلـى المفسـدة غالبًـا ، بحيـث يغلـب علـى الظـن إفضـاؤه إليهـا أو يكـون إفضـاؤه إليهـا كثيـرًا . ثـم لا يكـون سـد الذريعـة شـاملاً عامـًا لكـل صـور المحكـوم فيـه وكـل أحوالـه ، بـل بالقـدر الـذي تنـدرئ بـه المفسـدة ، وإذا زالـت الخشـية زال الحظـر ، والله أعلـم . الواضح في أصول الفقه ... / ص : 162 . ( 1 ) إليها ---> الضمير يعود على المفسدة ، أي إذا كان الإفضاء إلى المفسدة نادرًا . حُجِّيــة القــول بســد الذرائــع : ـ قـال تعالـى "وَلاَ تَسُـبُّواْ الَّذِيـنَ يَدْعُـونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُـبُّواْ اللهَ عَـدْوًا بِغَيْـرِ عِلْـمٍ ...".سورة الأنعام / آية : 108 . ووجـه الاسـتدلال ، أن سـب الآلهـة عبـادة ، ولكـن مُنِعَـتْ فـي المواطـن التـي يُـرَدّ علـى هـذا السـب بِسـبِّ رب العـزة سـبحانه وتعالـى ، لأن تـرك السـب فـي تلـك المواطـن مصلحـة راجحـة . ـ قـال تعالـى " ... لاَ تَقُولُـواْ رَاعِنَـا وَقُولُـواْ انظُرْنَـا ... ".سورة البقرة / آية : 104 . نهـى الله عـز وجـل المؤمنيـن أن يقولـوا " راعنـا " مـع قصدِهُـمُ الحَسَـن ، منعًـا لذريعـة التشـبه باليهـود الذيـن كانـوا يريـدون بهـا شـتم النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . التأسيس ... / ص : 458 . ونهـى الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أن يقضـي حَكَـم بيـن اثنيـن وهـو غضبـان لأن الحُكْـم وهـو غضبـان ذريعـة إلـى مفسـدة الجَـوْر فـي الحُكـم مـن حيـث لـم يقصـد . قـال البخـاري فـي صحيحـه : حدثنـا آدم ، قـال : حدثنـا شـعبة ، قـال : حدثنـا عبـد الملـك بـنُ عُميـرٍ ، قـال : سـمعتُ عبـد الرحمـن ابـن أبـي بَكْـرَةَ ، قـال : كتـبَ أبـو بكـرة إلـى ابنـه وكـان بسـجسـتان بـأن لا تقضِـيَ بيـن اثنيـن وأنـت غضبـان فإنـي سـمعتُ النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول : " لا يقضيـن حَكَـم بيـن اثنيـن وهـو غضبـان " . صحيح البخاري . متون / ( 93 ) ـ كتاب : الأحكام / ( 13 ) ـ باب : هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان ؟ / حديث رقم : 7158 / ص : 832 . دار ابن الهيثم . الواضح في أصول الفقه ... / ص : 160 / بتصرف . فتــح الذرائــع : سـد الذرائـع كمـا تقـدم هـو منـع المبـاح متـى كـان يـؤدي إلـى مفسـدة . وعكسـه : فتـح الذرائـع ، أي : إباحـة ارتكـاب المحـرم إن كـان تركـه - أي ترك ارتكاب المحرَّم-يـؤدي إلـى ضـرر أعظـم . وقـد قـال بفتـح الذرائـع القائلـون بسـدها ، لأن الأمريـن مـن بـاب واحـد . ومِـنْ فَتْـح الذرائـعَ : إجـازة دخـول منـزل الغيـر بغيـر إذنـه لإطفـاء حريـقٍ أو منـع جريمـة .الواضح في أصول الفقه ... / ص : 163 . * القصـاص شُـرع لمصلحـة حفـظ النفـوس ؛ [ رغـم أن القتـل محـرم ، لكنـه أبيـح هنـا لمصلحـة حفـظ النفـوس الأخـرى ] ، قـال تعالـى " وَلَكُـمْ فِـي الْقِصَـاصِ حَيَـاةٌ يَـاْ أُولِـيْ الأَلْبَـابِ ... " .سورة البقرة / آية : 179 . * * * * * المصـــدر الحـــادي عشــر : الاجتهـــاد تعريفـــه : ـ الاجتهـاد لغـة : بـذل الجهـد لإدراك أمـر شـاق . الاجتهـاد اصطلاحًـا : بـذل الجهـد لإدراك حكـم شـرعي . والمجتهـد : مـن بـذل جهـده لذلـك . فالاجتهـاد فـي الشـرع : أن يبـذل الإنسـان طاقتـه ووسـعه لإدراك حكـم شـرعي ، وعليـه ، فمـن أخـذ كتابًـا ونظـر فيـه وحكـم بمـا يقتضيـه هـذا الكتـاب فليـس بمجتهـد ، بـل هـذا مُقَلِّـد لأنـه قَلَّـد صاحـب الكتـاب . ومـن راجـع الكتـب وبحـث مـع العلمـاء فـي حكـم المسـألة حتـى أوصلـه ذلـك البحـث مـع العلماء ومراجعـة الكتـب إلـى إدراك الحكـم ، فهـذا يسـمى مجتهـدًا ؛ لأنـه بـذل جهـدًا لإدراك هـذا الأمـر والمجتهـد فـي الحقيقـة هـو العالـم . شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 626 . شــروط الاجتهــاد : 1 ـ أن يعلـم مـن الأدلـة الشـرعية مـا يحتـاج إليـه فـي اجتهـاده ، كآيـات الأحكـام وأحاديثهـا . 2 ـ أن يعـرف مـا يتعلـق بصحـة الحديـث وضعفـه ، كمعرفـة الإسـناد ورجالـه وغيـر ذلـك . 3 ـ أن يعـرف الناسـخ والمنسـوخ ، ومواقـع الإجمـاع ، حتـى لا يحكـم بمنسـوخ أو مخالـف للإجمـاع . 4ـ أن يعـرف مـن الأدلـة مـا يختلـف بـه الحكـم مـن تخصيـص أو تقييـد أو نحـوه ؛ حتـى لا يحكـم بمـا يخالـف ذلـك . 5 ـ أن يعـرف مـن اللغـة وأصـول الفقـه مـا يتعلـق بـدَلالات الألفـاظ كالعـام والخـاص والمطلـق والْمُقَيَّـد ، والمُجْمَـل والمبيَّـن ، ونحـو ذلـك ، ليحكـم بمـا تقتضيـه تلـك الـدلالات 6 ـ أن يكـون عنـده قـدرة يتمكـن بهـا مـن اسـتنباط الأحكـام مـن أدلتهـا . وهـذا الشـرط هـو الثمـرة ، فقـد يكـون الإنسـان عنـده كـل مـا سـبق مـن الشـروط ، لكـن لا يسـتطيع أن يسـتنبط ، بـل هـو مقلـد ، يقـول مـا قالـه غيـره . والنـاس فـي هـذه المسـألة يتباينـون تباينًـا عظيمًــا ، فتجـد بعـض النـاس يسـتنبط مـن الحديـث الواحـد عـدة مسـائل ، وآخــر لا يسـتنبط منـه إلا مسـائل قليلـة ، أو لا يسـتنبط منـه إلا المسـألة التـي هـي ظاهـر الكـلام فقـط . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 627 : 632 . حكـــم الاجتهــاد : الاجتهـاد واجـب علـى مـن كـان أهـلاً لـه بـأن قامـت فيـه مَلَكَـةُ الاجتهـادِ وتهيـأت لـه أسـبابه ووسـائله . وعلـى المجتهـد أن يصـل إلـى الحكـم الشـرعي بطريـق النظـر والبحـث فـي الأدلـة ، ومـا يـؤدي إليـه اجتهـاده هـو الحكـم الشـرعي فـي حقـه ، الواجـب اتباعـه ، فـلا يجـوز لـه تركـه تقليـدًا لغيـره . وهـو إن أصـاب فـي اجتهـاده فلـه أجـران ، وإن أخطـأ فلـه أجـر واحـد . الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 405 . * فعـن عمـرو بـن العـاص أنـه سـمع رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول " إذا حكـم الحاكـم فاجتهـد ثـم أصـاب ، فلـه أجـران ، وإذا حكـم فاجتهـد ثـم أخطـأ فلـه أجـر " .صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة / ( 21 ) ـ باب : أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ / حديث رقم : 7352 / ص : 853 . فائـــدة : وإذا اجتهـد المجتهـد ونظـر فـي الأدلـة وفـي أقـوال العلمـاء ، ولكـن لـم يتبيـن لـه الحكـم ، وجـب عليـه أن يتوقـف ولا يحكـم باجتهـاده ، وفي هـذه الحـال يجـوز أن يقلـد للضـرورة ؛ لقولـه تعالـى "... فَمَـنِ اضْطُـرَّ فِـي مَخْمَصَـةٍ غَيْـرَ مُتَجَانِـفٍ لإِِّثْـمٍ فَـإِنَّ اللهَ غَفُـورٌ رَّحِيـمٌ " .سورة المائدة / آية : 3 . ولقولـه تعالـى " ... فَاسْـأَلُواْ أَهْـلَ الذِّكْـرِ إِن كُنتُـمْ لاَ تَعْلَمُـونَ " . سورة الأنبياء / آية : 7 . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 634 . تغيــر الاجتهـــاد ونقضــه : الاجتهـاد مبنـاه النظــر واسـتفراغ الوسـع والطاقــة للوصـول إلـى الحكـم الشـرعي ، فـإذا بحـث المجتهـد فـي مسـألة ، وأمعـن النظـر فيهـا ، وبـذل غايـة جهــده حتـى توصـل إلـى حكـم فـي هـذه المسـألة ، كـان هـذا الحكـم هـو الواجـب فـي حقـه ، وهـو الـذي يفتـي بـه ، ولكـن إذا تغيـر اجتهـاده فـي هـذه المسـألة ذاتهـا ، فعليـه أن يعمـل بمقتضـى اجتهـاده الجديـد ، ويفتـي بـه ويتـرك قولـه الأول . وإذا كـان المجتهـد حاكمًـا ، وقضـى فـي مسـألة بحكـم معيـن حسـب اجتهـاده ، فـلا يجـوز لحاكـم آخـر نقـض هـذا الاجتهـاد ، لأن القاعـدة : أن الاجتهـاد لا ينقـض بمثلـه . ولكـن لـو عرضـت مسـألة أخـرى مثـل الأولـى علـى الحاكـم نفسـه ، وبـدا لـه رأي جديـد فـي هـذه المسـألة ، فـإن عليـه أن يحكـم باجتهـاده الجديـد ، أمـا مـا حكـم بـه أولاً ، فـلا ينتقـض بـل يمضـي وهـذا يعنـي أن السـوابق القضائيـة لا تفيـد القاضـي المسـلم ، وعلـى هـذا دَلَّ عمـل القضـاة فـي الإسـلام . مـن ذلـك " أن عمـر بـن الخطـاب ـ رضي الله عنه ـ قضـى فـي المسـألة الحجريـة فـي الميـراث بعـدم توريـث أولاد الأبويـن ، ثـم عرضـت لـه نفـس المسـألة مـن بعـد فقضـى بتوريـث أولاد الأبويـن مـع الأولاد لأم ، فاعتـرض عليـه أصحـاب القضيـة الأولـى ، فقـال : ذلـك مـا قضينـا وهـذا علـى مـا نقضـي " (1) . أمـا إذا كـان الاجتهـاد مخالفًـا للنـص القطعـي ، فإنـه ينقـض ولا عبـرة بـه ، إذ ليـس هـو فـي الحقيقـة اجتهـادًا . الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 406 . ( 1 ) ننبه على عدم ثبوت هذا الأثر ، ولكن ذُكِر فقط لتقريب المعنى وللتنبيه على ضعفه لشهرته على الألسنة . فالأثر ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل ... / ج : 6 / حديث رقم : 1693 / ص : 133 . ومع ضعف الأثر ، لكن الحكم صحيح عند أهل العلم . فيرث الإخوة والأخوات الأشقاء بالاشتراك مع الإخوة لأم على الفرض المقدر لهم شرعًا ، وذلك إذا لم يبق شيء من التركة للأشقاء ليرثونه بطريق التعصيب . ومن أراد تفصيل المسألة ، فليرجع إلى بحث : " موسوعة علم الفرائض / ج : 1 / الطبعة الثانية / ص : 118 ( المسألة المشتركة ) . تَجَــزُّء الاجتهــاد : ـ معنـى تجـزء الاجتهـاد : هـو كـون العالـم مجتهـدًا فـي مسـألة دون غيرهـا ، أي أن يكـون قـادرًا علـى الاجتهـاد فـي بعـض المسـائل دون البعـض نظـرًا لتوفـر وسـائل الاجتهـاد لـه فـي هـذه المسـائل ، كمـن أحـاط بجميـع أدلـة علـم الميـراث ونصوصـه ومـا ورد فيـه مـن السـنة ومـن أقـوال العلمـاء ، فـإن لـه أن يجتهـد فـي هـذه المسـائل ، وإن كـان غيـر قـادر علـى الاجتهـاد فـي غيرهـا ، لعـدم توفـر وسـائل الاجتهـاد عنـده فيهـا . وذهـب بعـض العلمـاء إلـى منـع تجـزء الاجتهـاد ، والقـول الأول هـو الراجـح ، وتـدل عليـه سـير المجتهديـن القُدامـى ، فقـد كـان أحدهـم يُسْـأل عـن مسـائل كثيـرة فـلا يجيـب إلا عـن بعضهـا ، ويتوقـف عـن الباقـي ، ويقـول : لا أدري . الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 406 . قـال الشـيخ العثيميـن ـ رحمه الله ـ فـي شـرح الأصـول مـن علـم الأصـول / ص : 632 : والصحيـح أن الاجتهـاد يتجـزأ فيكـون فـي بـاب واحـد مـن أبـواب العلـم مثـل علـم الفرائـض ، أو فـي مسـألة مـن بـاب مـن أبـواب العلـم مثـل مسـألة المسـح علـى الخفيـن . ولكنـه لا يكـون مجتهـدًا فـي غيـر ذلـك . ا . هـ / بتصرف . فائـــدة : إذا أفتـى الحاكـم النـاس بـدون اجتهـاد ، فهـو آثـم وإن أصـاب الحـق . قـال شـيخ الإسـلام ـ ابـن تيميـة ـ فـي : القواعـد النورانيـة / ص : 206 : ..... لـو حكـم الحاكـم بغيـر اجتهـادٍ فإنـه آثـم وإن كـان صـادف الحـق ا . هـ .التأسيس ... / ص : 490 . * * * * * |
المبحـــث الرابـــع الأحكــام الشــرعية معرفـة الحكـم الشـرعي ، هـو الغايـة والثمـرة التـي ينتهـي إليهـا دارس علـم الفقـه وأصولـه ، ولكـن علـم الأصـول ينظـر إليـه مـن جهـة وضـع القواعـد والمناهـج الموصلـة إليـه . وعلـم الفقـه ينظـر إليـه باعتبــار اسـتنباطه فعـلاً ، بتطبيـق مـا وضعـه علـم الأصـول للتعـرف عليـه .الوجيز في أصول ... / ص : 23 / بتصرف . * والحُكْـم لغـة : هـو القضـاء . ومنـه سـمينا الحاكـم بيـن النـاس : " قاضيًـا " . * الحكـم اصطلاحًـا : مـا اقتضـاه خطـاب الشـرع المتعلـق بأفعـال المكلفيـن مـن طلـب أو تخييـر أو وضـع . شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 38 . * شـرح التعريـف الاصطلاحـي : ـ المـراد بقولنـا : " خطـاب الشـرع " : " الكتـاب " والسـنة الصحيحـة " . ـ والمـراد بقولنـا : " المتعلـق بأفعـال المكلفيـن " : مـا يتعلـق بأعمالهـم ، سـواء كانـت قـولاً ، أم فعـلاً ؛ إيجـادًا أم تركًـا . فخـرج بـه مـا تعلـق بالاعتقـاد فـلا يسـمى حكمًـا بـذا الاصطـلاح . ـ والمـراد بقولنـا : " المكلفيـن " : مـا مـن شـأنهم التكليـف ، فـلا يشـمل الصغيـر والمجنـون . ـ والمـراد بقولنـا : " مـن طلـب " : الأمـر والنهـي ، سـواء علـى سـبيل الإلـزام أو الأفضليـة . ـ والمـراد بقولنـا : " أو تخييـر " : المبـاح . ـ والمـراد بقولنـا : " أو وضـع " : أي شـيئًا موضوعًـا للدلالـة علـى شـيء ، كالأسـباب والشـروط والموانـع . فهـذا خطـاب الشـرع لـو تأملتـه لوجدتـه لا يخـرج عـن هـذه الثلاثـة : إمـا طلـب أو تخييـر أو وضـع . فمـا اقتضـاه خطـاب الشـرع مـن أحـد هـذه الثلاثـة يسـمى " حكمًـا " .شرح الأصول من علم الأصول / ص : 39 ـ 42 / بتصرف . * * * * * أقســـام الأحكـــام الشــرعية تنقسـم الأحكـام الشـرعية إلـى قسـمين : أحكـام شـرعية تكليفيـة ، وأحكـام شـرعية وضعيـة . المرتقى الذلول ... / ص : 37 / بتصرف . أولاً : الأحكــام الشــرعية التكليفيــة الأحكـام الشـرعية التكليفيـة هـي الأحكـام التـي تتعلـق بالمكلـف ، سـواء بالفعـل أو التـرك . ويقسـم معظـم الأصولييـن الحكـم التكليفـي إلـى خمسـة أقسـام هـي : الواجـب ـ المحـرم ـ المنـدوب ـ المكـروه ـ المبـاح . الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 29 . أولاً : الواجــب : وهـو مـا أمـر الشـارع بفعلـه علـى وجـه الإلـزام . كالصلـوات الخمـس ، والصيـام ، ... . ويسـمى : فرضًـا ، وفريضـة ، وحتمًـا ، ولازمًـا .فالواجـب هـو الفـرض عنـد الجمهـور .والواجـب يثـاب فاعلـه امتثـالاً ، ويأثـم تاركـه ويسـتحق العقـاب .الأصول من علم الأصول / ص : 46 . ثانيًــا : المحــرم : وهـو مـا أمـر الشـارع بالكـف عنـه علـى وجـه الإلـزام بالتـرك كعقـوق الوالديـن ، ..... . ويسـمى : محظـورًا ، وممنوعًـا ، ومحرمًـا . والمحـرم يثـاب تاركـه ـ لحرمتـه ـ امتثـالاً ، ويأثـم فاعلـه ويسـتحق العقـاب .الأصول من علم الأصول / ص : 55 / بتصرف . ثالثًــا : المنــدوب : وهـو مـا أمـر الشـارع بفعلِـهِ مـن غيـر إلـزام . كالرواتـب - أي الصلاة الراتبة مثل سنة الظهر و ... -، ..... . ويسـمى : سـنة ، ومسـنونًا ، ومسـتحبًّا ونفـلاً . والمنـدوب يثـاب فاعلـه امتثـالاً لأمـر الله بفعلـه ، ولا يأثـم تاركـه ولا يعاقـب . فيجـوز تركـه ، لكـن لا يجـوز تـرك اعتقـاد اسـتحبابه . ( مجموع الفتاوى 4 / 436 ) .معالم أصول الفقه ... / ص : 312 . رابعًــا : المكـــروه : وهـو مـا نهـى عنـه الشـارع أو أمـر بالكـف عنـه ، مـن غيـر إلـزام بالتـرك .فيكـون تركـه أولـى مـن فعلـه .كالأخـذ بالشـمال ، والإعطـاء بهـا . والمكـروه : يثـاب تاركـه امتثـالاً لأمـر الله بالكـف عنـه ، ولا يأثـم فاعلـه . خامسًــا : المبــــاح : وهـو مـا خَيَّـرَ الشـارعُ المكلـفَ بيـن فعلـه وتركـه ، ولا مـدح ، ولا ذم علـى الفعـل والتَّـرك . ويقـال لـه الحـلال ، والجائـز . كالأكـل فـي رمضـان ليـلاً . فالمبـاح اصطلاحًـا : مـا لا يتعلـق بـه أمـر ولا نهـي لذاتـه ، أي بصـرف النظـر عـن أمـر آخـر يتعلـق بـه ، لأنه قـد يتعلـق به أمـر ـ آخـر ـ فيكـون ـ المبـاح فـي هـذه الحالـة ـ مأمـورًا بـه . مثـــل : شـراء المـاء ، الأصـل فيـه أنـه مبـاح ، لكـن إذا كـان يتوقـف عليـه الوضـوء للصـلاة ـ مـع قدرتـه علـى الشـراء ـ صـار شـراؤه واجبًـا ، لأنـه مـا لا يتـم الواجـب إلا بـه فهـو واجـب قاعـــدة : المبـاح : إذا كـان وسـيلة لمحـرم فهـو محـرم .وإذا كـان وسـيلة لمكـروه فهـو مكـروه .الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 67 وإذا كـان وسـيلة لواجـب فهـو واجـب . وإذا كـان وسـيلة لمسـتحب فهـو مسـتحب . فـائـــدة : الفعـل الواحـد ـ قـد ـ تتنـوع فيـه أقسـام الحكـم التكليفـي . ومثـــال هـذا : الـزواج :فإنـه تتداولـه الأحكـام التكليفيـة الخمسـة ، علـى النحـو التالـي : ـ إذا قـدر الرجـل علـى المهـر والنفقــة وسـائر واجبـات الزوجيـة ، وتيقـن أنـه إذا لـم يتـزوج زنـى ، كـان الـزواج فـي هـذه الحالـة واجبًـا . ـ وإذا كـان قـادرًا علـى واجبـات الزوجيـة ، وكـان لا يخشـى علـى نفسـه الزنـا ، ولكنـه يجـد قـوة دينـه وزيـادة عفتـه فـي الـزواج ، فـإن الـزواج يكـون فـي حقـه مسـتحبًا . ـ وإن علـم أنـه إن تـزوج فسـيظلم زوجتـه وينتقصهـا حقوقهـا ، فهـذا يكـون الـزواج فـي حقـه محرمًـا . ـ وإن يظـن فقـط أنـه ربمـا يظلـم زوجتـه ، فهـذا يكـون زواجـه مكروهًـا .المرتقى الذلول إلى ... / ص : 70 . ثانيًـــا : الأحكـــام الوضعيـــة الأحكــام الوضعيــة : هـي التـي وضعهـا الشـارع ، بحيـث تكـون أمـارات علـى وجـود الحكـم الشـرعي . ـ فـإن المكلـف يعـرف بهـا متـى وأيـن يقـع الحكـم التكليفـي . فـإن كـل حكـم تكليفـي مـن واجـب ومسـتحب وغيـر ذلـك ، لا يتحقـق إلا بحصـول أسـبابه ووجـود شـروطه ، وانتفـاء موانعـه . وهـذه الثلاثـة هـي أهـم مـا يدخـل فـي الحكـم الوضعـي ، أعنـي بالثلاثـة :الأسـباب والشـروط والموانـع . وهنـاك أحكـام وضعيـة أخـرى ، لكننـا نـرى أن نقتصـر علـى هـذه لأنهـا الأهـم ، ولحاجـة المقـام إلـى الإيجـاز .المرتقى الذلول ... / ص : 73 . 1 ـ الســــبب : هـو مـا جعلـه الشـارع مُعرِّفًًـا لحكـم شـرعي ، بحيـث يوجـد هـذا الحكـم عنـد وجـوده ، وينعـدم عنـد عدمـه . ومـن أمثلـة السـبب : دخـول الوقـت لوجـوب الصـلاة ، والاضطـرار سـبب لإباحـة الميتـة . والسـفر سـبب لإباحـة الفِطـر وسـبب لقصـر الصـلاة أيضًـا . والقتـل سـبب للقصـاص . وبلـوغ النصـاب سـبب لوجـوب الزكـاة وغيـر ذلـك . ويلاحـظ فـي هـذه الأمثلـة كلهـا ، أن هـذه الأحكـام المذكـورة توجـد بوجـود أسـبابها ، وتنعـدم إذا انعدمـت أسـبابها .المرتقى الذلول ... / ص : 73 . 2 ـ الشـــرط : والشـرط فـي اللغـة : هـو العلامـة اللازمـة . وفـي الاصطـلاح : هـو الأمـر الـذي يتوقـف عليـه وجـود الحكـم ـ وهـو خارجـه ـ ، بحيـث إذا فُقِـدَ الشـرط فُقـد الحكـم ، مـع أنه لا يلـزم مـن وجـود الشـرط وجـود الحكـم ، فقـد يوجـد الشـرط ولا يوجـد الحكـم . مثالــــه : " الوضـوء " شـرط لأداء الصـلاة : وهـو خارجهـا وليـس جـزءًا منهـا ولا يلـزم مـن الوضـوء الصـلاة ـ فقـد يتوضـأ المسـلم قبـل النـوم ، أو لقـراءة القـرآن أو ..... فـلا يلزمـه عنـد الوضـوء فـي هـذه الحـالات أن يصلـي . فالوضـوء شـرط لصحـة الصـلاة ، وليـس جــزءًا منهـا ، وبهـذا يفـرق بيـن الشـرط والركـن ، فـإن الركـن مـع مشـاركته للشـرط فـي أن الحكـم يتوقـف عليـه ، إلا أن الشـرط خـارج عـن حقيقـة الشـيء كمـا بينـاه ، والركـن داخـل فـي حقيقتـه ، وذلـك كتكبيـرة الإحـرام التـي هـي جـزء مـن الصـلاة ويتوقـف عليهـا صحـة الصـلاة . ومثـــال الشـــرط : أن العمـد العـدوان شـرط للقتــل الـذي هـو سـبب إيجـاب القصـاص ، وأن مـرور الحــول شـرط للنصـاب الـذي هـو سـبب وجـوب الزكـاة ، وأن الوضـوء شـرط لصحـة الصـلاة ، ومـوت المـورِّث شـرط الإرث . المرتقى الذلول ... / ص : 74 / بتصرف . 3 ـ المانـــع : المانـع هـو مـا يترتـب علـى وجـوده عـدم الحكـم أو عـدم السـبب . ومثـــال المانــع : الرضـاع مانـع للنكـاح ، والحيـض والنفـاس مانعـان مـن وجـوب الصـلاة ، القتـل مانـع مـن الإرث .المرتقى الذلول ... / ص : 75 . فوائـــد : الأولــى : يَحْسُـن التفريـق بيـن السـبب والشـرط ، فقـد يقـع الخلـط بينهمـا ، فـإنَّ كـلاً منهمـا يترتـب علـى عدمـه الحكـم ، فـإن دخـول الوقـت سـبب الصـلاة ، والوضـوء شـرطها ، فـإذا عـدم أحدهمـا لـم تصـح الصـلاة . وأمـا الفـرق بينهمـا فهـو : أن " الشـرط " قـد يوجـد ولا يوجـد الحكـم ، فقـد يوجـد الوضـوء ، ولا تجـب الصـلاة . وأمـا " الســبب " إذا وجـد فقـد لـزم الحكـم مـا لـم يقـع مانـع ، وذلـك كدخـول وقـت الصـلاة ، فإنـه يلـزم عنـه وجوبهـا . ولهـذا كـان ترتيـب النظـر أن يُبتـدأ بالسـبب ، فـإن وجـد نُظِـرَ فـي الشـرط فـإن تحقـق نُظـر هـل هنـاك مانـع ؟ 0 فـإن انتفـى المانـع ، فقـد تحقـق الحكـم الشـرعي . وممـا يؤكـد أن رتبـة الشـرط بعـد رتبـة السـبب ، أن مـن الشـروط مـا هـو شـرط فـي السـبب . فـإن القتـل سـبب " القصـاص " ، ثـم هـذا السـبب وهـو القتـل شـرطه أن يكـون عمـدًا عدوانًـا ، والنصـاب سـبب وجـوب الزكـاة ، وشـرط النصـاب أن يحـول عليـه الحـول . الثانيــة : وهـي في بيـان طائفـة مـن الأحكـام وأسـبابها وشـروطها وموانعهـا فـي صـورة جـدول إيضاحـي : الحكم :القصاص / السبب: القتل / الشرط:العمد العدوان / المانع:الأبوة. الحكم:الإرث/ السبب:القرابة أو النسب/الشرط:موت المورث / المانع : قتل الوارث لمورثه. الثالثـــة : قـد يكـون الشـيء الواحـد سـببًا لشـيء ، وشـرطًا لشـيء ، ومانعًـا مـن شـيء . مثــال ذلــك : الإيمـان (1)، فهـو سـبب فـي الثـواب ، وشـرط فـي التكليـف ، ومانـع للقصـاص مـن المسـلم للكافـر عنـد مـن يـرى ذلـك ـ مـن الفقهـاء .المرتقى الذلول ... / ص : 75 . الرابعـــة : إذا عُلـم أن " الأحكـام التكليفيـة " هـي : الواجـب والحـرام والمسـتحب والمكـروه والمبـاح ، وأن " الأحكـام الوضعيـة " هـي : السـبب والشـرط والمانـع ، فـإن الفـرق بيـن النوعيـن أن الحكـم الوضعـي : إما ألا يكـون فـي قـدرة المكلـف أصـلًا ، كدخـول الوقـت ، والنقـاء مـن الحيـض ، أو يكـون في قدرتـه ولا يؤمـر بتحصيلـه ، كالنصـاب للزكـاة ، والاسـتطاعة للحـج ، وعـدم السـفر للصـوم . وأمـا الحكـم التكليفـي فعلامتـه أمـران : أن يكـون فـي قــدرة المكلـف ، وأن يؤمـر بـه فعـلاً كسـائر المأمـورات والمنهيـات . المرتقى الذلول ... / ص : 76 . * * * * * ( 1 ) الإيمان : إذا أطلق هكذا ، فهو يشمل الدين كله أي الإيمان والإسلام . وإذا اقترن الإيمان والإسلام ، فالإيمان يقصد به أركانه الستة المعروفة والإسلام يقصد به الأركان الخمسة المعروفة |
المبحـــث الخامـــس " المحكــم " و " مُخْتَلــف الحديــث " تعريــف المُحْكَــم : لغــة : هـو اسـم مفعـول مـن " أحكـم " بمعنـى " أتقـن " . اصطلاحًـا : هـو الحديـث المقبـول الـذي سـلم مـن معارضـة مثلـه . وأكثـر الأحاديـث مـن هـذا النـوع ، وأمـا الأحاديـث المتعارضـة المختلفـة فهـي قليلـة بالنسـبة لمجمـوع الأحاديـث . تيسير مصطلح الحديث / ص : 56 . حُكمـــه : الحديـث المحكـم معمـول بـه مطلقًـا . 120 سؤال وجواب ... / ص : 62 / بتصرف . تعريــف مختلــف الحديــث : لغــة : هـو اسـم فاعـل مـن الاختـلاف ضـد الاتفـاق . ومعنـى مختلـف الحديـث : أي الأحاديـث التـي تصلنـا ويخالـف بعضهـا بعضًـا فـي المعنـى ، أي يتضـادان فـي المعنـى. اصطلاحًـا : هـو الحديـث المقبـول المعـارَض بمثلـه مـع إمكـان الجمـع بينهمـا . أي هـو الحديـث الصحيـح أو الحسـن الـذي يجـيء حديـث آخـر مثلـه فـي المرتبـة والقـوة ، ويناقضـه فـي المعنـى ظاهـرًا ، ويمكـن لأولـي العلـم والفهـم الثاقـب أن يجمعـوا بيـن مدلوليهمـا بشـكل مقبـول .تيسير مصطلح الحديث / ص : 56 . حُكمـــه : مختلـف الحديـث معمـول بـه علـى تفصيـل لا مطلقًـا . 120 سؤال وجواب ... / ص : 62 / بتصرف . مـاذا يجـب علـى مـن وجـد حديثيـن متعارضيـن مقبوليـن ؟ إذا تعارضـت الأدلـة فـي المسـألة الواحـدة عنـد المجتهـد ، وكـان كـل منهـا صحيحًـا ، بـأن كـان آيـة مـن القـرآن ، أو حديثًـا صحيحًـا أو إجماعًـا أو قياسًـا فإنـه يتخـذ الخطـوات التاليـة بالترتيـب ، فـلا يتعجـل شـيئًا منهـا قبـل أوانـه . الواضح في أصول الفقه ... / ص : 270 . أ ـ إذا أمكـن الجمـع بينهمـا : تعيـن الجمـع ، ووجـب العمـل بهمـا . ب ـ إذا لـم يمكـن الجمـع بوجـه مـن الوجـوه : 1 ـ فـإن عُلـم أحدهمـا ناسـخًا قدمنـاه وعملنـا بـه ، وتركنـا المنسـوخ . 2 ـ وإن لـم يعلـم ذلـك : رجحنــا أحدهمـا علـى الآخــر بوجـه مـن وجـوه الترجيـح التـي تبلـغ خمسـين وجهًـا أو أكثـر ، ثـم عملنـا بالراجـح . 3 ـ وإن لـم يترجـح أحدهمـا علـى الآخـر ـ وهـو نـادر ـ : توقفنـا عـن العمـل بهمـا حتـى يظهـر لنـا مُرَجـح .تيسير مصطلح الحديث / ص : 58 . · أهميتــه ومـن يكمــل لـه : هـذا الفـن مـن أهـم علـوم الحديـث ، وحقيقتـه التأليـف بيـن مدلولـي النصيـن بغيـر تعسـف ـ إذ يضطـر إلـى معرفتـه جميـع العلمـاء ، وإنمـا يكمـل لـه ويمهـر فيـه الأئمـة الجامعـون بيـن الحديـث والفقـه ، والأصوليـون الغواصـون علـى المعانـي الدقيقـة ، وهـؤلاء هـم الذيـن لا يُشـكِل عليهـم منـه إلا النـادر . وتعـارض الأدلـة قـد شـغل العلمـاء ، وفيـه ظهـرت موهبتهـم ودقـة فهمهـم وحسـن اختيارهـم . كمـا زلـت فيـه أقـدام مـن خـاض غمـاره مـن بعـض المتطفليـن علـى موائـد العلمـاء .تيسير مصطلح الحديث / ص : 58 / بتصرف . ـ وأول مـن تكلـم فيـه الإمـام الشـافعي رحمه الله . وكـان ابـن خزيمـة ـ رحمه الله تعالى ـ مـن أحسـن النـاس كلامًـا فيـه حتـى قـال " لا أعـرف حديثيـن متعارضيـن ، فمـن كـان عنـده فليأتنـي بهمـا لأؤلـف بينهمـا " . 120 سؤال وجواب في مصطلح الحديث وعلومه / ص : 63 . مـا حقيقـة الجمـع ، ومـاذا يكـون ؟ ! ـ حقيقتـه : التأليـف بيـن مدلولـي النصيـن بغيـر تعسـف . ـ يكـون الجمـع بتخريـج المُعـارِض علـى معنـى ، وجعـل المعـارَض بـاقٍ علـى معنـاه . أو يحمـل كـل منهمـا علـى معنـى ، أو علـى شـخص ، أو علـى حالـة أو علـى موضـع . أو بتخصيـص العـام . أو بتقييـد المطلـق . أو بصـرف أحدهمـا بالآخـر : مـن الوجـوب إلـى النـدب . أو مـن التحريـم إلـى الكراهـة .120 سؤال وجواب ... / ص : 63 . أمثلـــة تطبيقيــة : مثـال الجمـع بتخريـج المعَـارِض علـى معنـى ، وجعـل الأول بـاقٍ علـى عمومـه : حديـث " لا عـدوى ولا طيـرة ..... " متفق عليه . ـ فعـن أنـس ـ رضي الله عنه ـ عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " لا عـدوى ولا طيـرَة ويعجبنـي الفـأل الصالـح والكلمـة الحسـنة " .فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 10 / ( 76 ) ـ كتاب : الطب / ( 44 ) ـ باب :الفأل / حديث رقم : 5756 / ص : 225 . مـع حديـث " فِـرّ مـن المجـذوم فِـرَارك مـن الأسـد " . ـ ..... ، قـال : سـمعت أبـا هريـرة ـ رضي الله عنه ـ يقـول : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آلهوسلم" لا عـدوى ولا طِيَـرَة ، ولا هامــة ، ولا صَفَـرَ (1)، وفـر مـن المجـذوم كمـا تفــر مـن الأسـد " .فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 10 / ( 76 ) ـ كتاب : الطب / ( 19 ) ـ باب : الجُذَام / حديث رقم : 5707 / ص : 167 . ( 1 ) صفـر : داء يأخـذ بالبطـن . فهـذان حديثـان صحيحـان ، ظاهرهمـا التعـارض ، لأن الأول ينفـي العـدوى ، والثانـي يثبتهـا . جمـع بينهمـا ابـن حجـر ـ رحمه الله تعالى ـ فـي نزهـة النظـر ( ص : 33 ، 34 ) ؛ " بـأن حديـث نفـي العـدوى بـاق علـى عمومـه ، وأنـه لا يعـدي شـيء شـيئًا . وأمـا الأمـر بالفـرار مـن المجـذوم فمـن بـاب سـد الذرائـع لئـلا يتفـق للشـخص الـذي يخالطـه بتقديـر الله تعالـى ابتـداء لا بالعـدوى المنفيـة فيظـن أن ذلـك بسـبب مخالطتـه فيعتقـد صحـة العـدوى فيقـع فـي الحـرج فأمـر باجتنابـه حسـمًا للمـادة " . وقـد جمـع العلمـاء بينهمـا ووفقـوا بيـن معناهمـا علـى وجـوه متعـددة أخـرى نذكرهـا للفائـدة . آراء العلمــاء بالنســبة للعـدوى : 1ـ ذهـب جماعـة مـن الأئمـة إلـى نفـي العـدوى تمسـكًا بظاهـر حديـث : " لا عـدوى ..... " وهـؤلاء فريقـان : أ ـ الفريــق الأول : يـرى أن الكـلام علـى الحقيقـة : بمعنـى أنـه لا عـدوى أصـلاً ، وأن الأمـر بالفــرار مـن المجـذوم إنمـا هـو مـن بـاب سـد الذريعـة . ويؤيـد ذلـك قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " لا يُعْـدِي شـيءٌ شـيئًا " .سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / كتاب : القدر / ( 9 ) ـ باب : ما جاء لا عدوى ... / حديث رقم : 2143 / ص : 484 / صحيح . وقولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم لمـن عارضـه بـأن البعيـر الأجـرب يكـون بيـن الإبـل الصحيحـة فيخالطهـا فتجـرب " فمـن أعـدى الأول " . ـ فعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال " لا عـدوى ولا صَفَـر (1) ولا هامـة . فقـال أعرابـي : يـا رسـول الله ، فمـا بـال إبلـي تكـون فـي الرمـل كأنهـا الظبـاء فيأتـي البعيـر الأجـرب فيدخـل بينهـا فيجربهـا ؟ .فقـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " فمـن أعـدى الأول ؟ " . صحيح البخاري . متون / ( 76 ) ـ كتاب : الطب / ( 25 ) ـ باب : لا صفر وهو داء ... / حديث رقم : 5717 / ص : 684 . ( 1 ) صَفَـر : هـي حيـة تكـون بالبطـن تصيـب الماشـية والنـاس ، وهـي أعـدى مـن الجـرب عنـد العـرب ، والمـراد بالنفـي ( ولا صَفَـر ) نفـي مـا كانـوا يعتقدونـه فيـه مـن العـدوى .فتح الباري ... / ج : 10 / ( 76 ) ـ كتاب الطب / ( 25 ) ـ باب : لا صفر وهو داء ... / ص : 181 . يعنـي أن الله تعالـى ابتـدأ ذلـك المـرض فـي الثانـي كمـا ابتـدأه فـي الأول . وأمـا الأمـر بالفـرار مـن المجـذوم ، فمـن بـاب سـد الذرائـع ، أي لئـلا يتفـق للشـخص الـذي يخالـط ذلـك المجـذوم حصـول شـيء لـه مـن ذلـك المـرض بتقديـر الله تعالـى ابتـداء لا بالعـدوى المنفيـة ، فيظـن أن ذلـك كـان بسـبب مخالطتـه لـه ، فيعتقـد صحـة العـدوى ، فيقـع فـي الإثـم ، فأُمِـرَ بتجنـب المجـذوم دفعًـا للوقـوع فـي هـذا الاعتقـاد الـذي يسـبب الوقـوع فـي الإثـم .تيسير مصطلح الحديث / ص : 57 / بتصرف . ب ـ الفريــق الثانــي : يـرى حمـل الكــلام علـى المجـاز : بمعنـى أن يكـون المـراد بنفـي العــدوى نفـي أن شـيئًا يعـدي بطبعــه . وهـو علـى هـذا رد لمـا كانـت العــرب تعتقـده فـي الجاهليــة مـن أن الأمـراض تعـدي بطبعهـا دون مؤثـر آخـر ، فأبطـل النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ اعتقادهـم بمـا ذكـره مـن نفـي اسـتقلال العـدوى بالتأثيـر مـن غيـر إرادة الله عـز وجـل . ففـي أمـره عليـه السـلام بالفـرار مـن المجـذوم إثبـات للأسـباب ، وفـي نفيـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم العـدوى إشـارة إلـى أن الأسـباب لا تسـتقل وحدهـا بالتأثيـر فـي مسـبباتها ، بـل الله تعالـى وحـده هـو الـذي سـلب الأسـباب تأثيرهـا فـلا تفعـل شـيئًا ، وقـد يقـدر بقـاء تأثيرهـا ، فيكـون تأثيرهـا بإذن الله عـز وجـل . 2ـ وذهـب بعـض العلمـاء إلـى القـول بنفـي العـدوى إلا فيمـا أثبتتهـا فيـه الأحاديـث الصحيحـة الأخـرى ، وهـو مـن بـاب حمـل المطلـق علـى المقيـد ، وبنـاء العـام علـى الخـاص ، فالنفـي فـي قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " لا عـدوى " عـام ، ولكـن مخصـوص بمـا ورد الأمـر بـه مـن الفـرار مـن المجـذوم ، وعـدم القـدوم أو الخـروج مـن أرض الطاعـون ، وأمثـال هـذا ممـا يعـارض فـي ظاهـره أحاديـث نفـي العـدوى . ويكـون المعنـى علـى هـذا " لا عـدوى ثابتـة إلا فيمـا وردت بـه هـذه الأحاديـث مـن الطاعـون والجـذام والجَـرَب والبَـرَص التأليف بين مختلف الحديث / د . محمد رشاد خليفة / ص : 241 / بتصرف يسير . مثــال الجمـع بحمـل كـل منهمـا علـى معنـى : يحمـل كـل مـن المتعارضيـن علـى معنـى : مثـل " حديـث ابـن عمـر " : فعـن عبـد الله بـن عمـر أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال " صـلاة الجماعـة أفضـل مـن صـلاة الفـذ سـبع وعشـرين درجـة " . متفق عليه . صحيح البخاري . متون / ( 10 ) ـ كتاب : الآذان / ( 30 ) ـ باب : فضل صلاة الجماعة / حديث رقم : 645 / ص : 78 .ومسلم : 650 / 249 من حديث ابن عمر رضي الله عنهما . مـع حديـث ابـن عبـاس : * فعـن ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال " مـن سـمع النـداء فلـم يأتـه ؛ فـلا صـلاة لـه إلا مـن عـذر " . سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 4 ) ـ كتاب : المساجد والجماعة /( 17 ) ـ باب : التغليظ في التخلف عن الجماعة / حديث رقم : 793 / ص : 150 / صحيح . قـال الجمهـور : يُفهـم مـن تفضيلـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم صـلاة الجماعـة علـى صـلاة الفـذ إثبـات فضيلـة لهـا ، ومـن إثبـات فضيلـة لهـا إثبـات الإجـزاء فيحمـل حديـث " لا صـلاة ..... " علـى نفـي الكمـال لا نفـي الإجـزاء .120 سؤال وجواب ... / ص : 64 / بتصرف . مثـال الجمـع بحمـل أحـد المتعارضيـن علـى شـخص والآخـر علـى آخـر : ـ عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ أنـه قـال : يـا رسـول الله : أي الصدقـة أفضـل ؟.قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم " جُهْـدُ الْمُقِـلِّ وابـدأ بمـن تعـول " .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 3 ) ـ كتاب : الزكاة / ( 40 ) ـ باب : الرخصة في ذلك / حديث رقم : 1677 / ص : 291 / صحيح . بـاب الرخصـة فـي ذلـك : أي جـواز التصـدق بجميـع المـال جهـد المقـل : قـال فـي النهايـة : الجهـد " بالضـم " الوسـع والطاقـة ، و " بالفتـح " المشـقة . وقيـل المبالغـة والغايـة ، وقيـل همـا لغتـان فـي الوسـع والطاقـة . فأمـا فـي المشـقة والغايـة فالفتــح لا غيـر ، ومـن " المضمـوم " حديـث الصدقـة أي الصدقـة أفضـل ؟ قـال جهـد المقـل " أي قـدر مـا يحتملـه حـال القليـل . والمقـل : الفقيـر وقليـل المـال . عون المعبود ... / ج : 5 / ( 3 ) ـ كتاب : الزكاة / ( 40 ) ـ باب : الرخصة في ذلك / ص : 65 . ـ مـع قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم فـي حديـث حكيـم بـن حـزام : " ..... وخيـر الصدقـة عـن ظهـر غنـى ، ...... " . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 3 / ( 24 ) ـ كتاب : الزكاة / ( 18 ) ـ باب : لا صدقة إلا عن ظهر غنى / حديث رقم : 1427 / ص : 345 . عـن ظهـر غنـى : والمعنـى أفضـل الصدقـة مـا أخرجـه الإنسـان مـن مالـه بعـد أن يسـتبقي منـه قـدر الكفايـة . وقـال البغـوي : المـراد غنـى يسـتظهر بـه علـى النوائـب التـي تنوبـه . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 3 / ( 24 ) ـ كتاب : الزكاة / ( 18 ) ـ باب :لا صدقة إلا عن ظهر غنى / ص : 347 . قـال البيهقـي ـ رحمه الله تعالى ـ فـي سـننه الكبـرى : 4 / 180 : " وجـه الجمـع بيـن هذيـن الحديثيـن أنـه يختلـف باختـلاف أحـوال النـاس فـي الصبـر علـى الفاقـة والشـدة والاكتفـاء بأقـل الكفايـة " . ا . هـ . والفضيلـة تتفـاوت بحسـب الأشـخاص وقـوة التوكـل ، وضعـف اليقيـن .عون المعبود ... / ج : 5 / كتاب الزكاة / باب : 40 / ص : 65 . وكثيـرًا مـا كـان النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يلاحـظ أحـوال النـاس ويعتبرهـا فـي القـوة والضعـف ويعلمهـم التكاليــف وبيَّنهـا لهـم علـى حسـب ذلـك ، كمـا فـي حديـث أبـي داود / ( 8 ) - كتــاب : الصيـام / ( 35 ) ـ باب : كراهيتـه للشـباب / حديـث رقم : 2387 / ص : 418 : * عـن أبـي هريـرة ، أن رجـلاً سـأل النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عـن المباشـرة للصائـم فرخَّـص لـه ، وأتـاه آخـر فسـأله فنهـاه فـإذا الـذي رخـص لـه شـيخٌ ، والـذي نهـاه شـاب . ففهمنـا الدلالـة من الحديـث بتلـك القرينـة ، وأن الرخصـة لمن يملـك إربـه ولا يُخْشَـى عليـه الفتنـة . والنهـي لمـن لا يملـك نفسـه كذلـك الشــاب ؛ لأن الغالـب عليـه هيجــان الشـهوة وعنفـوان الشـباب فـلا يملـك نفسـه فيُخْشَـى عليـه الوقـوع فـي المحـذور .120 سؤال وجواب ... / ص : 66 . مثــال الجمـع بحمـل أحدهمـا علـى حالـة والآخـر علـى أخـرى : حديـث مسـلم مـن حديـث زيـد بـن خالـد الْجُهَنِـي : " ألا أخبركـم بخيـر الشـهداء ، الـذي يأتـي بشـهادته قبـل أن يُسْـأَلَها " . صحيح مسلم . متون / ( 30 ) ـ كتاب : الأقضية / ( 9 ) ـ باب : بيان خير الشهود / حديث رقم : 1719 / ص : 448 . ـ مـع حديـث البخـاري مـن حديـث عِمـران بـن حُصيـن ـ رضي الله عنهما ـ قـال : قـال النبـي ـ صلىالله عليه وعلى آله وسلم " خيركـم قرنـي ، ثـم الذيـن يلونهـم ، ثـم الذيـن يلونهـم " . قـال عمـران : لا أدري أذكـر النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بعـد قرنيـن أو ثلاثـة . قـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " إن بعدكـم قومًـا يخونـون ولا يؤتمنـون ، ويشـهدون ولا يُسـتشـهدون (1) ، وينـذِرون ولا يَفُـونَ ، ويظهـر فيهـم السِّـمنُ " .فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 5 / ( 52 ) ـ كتاب : الشهادات / ( 9 ) ـ باب : لا يَشْهد على شهادة جَوْر إذا أُشِهِدَ / حديث رقم : 2651 / ص : 306 . ( 1 ) ويشـهدون ولا يسـتشهدون : أي يشـهدون بـدون طلـب . فَحُمِـلَ الأول علـى مـا إذا لـم يكـن المشـهود لـه عالمًـا بهـا ، والثانـي علـى مـا إذا كـان عالمًـا بهـا .120 سؤال وجواب ... / ص : 66 . وورد بفتـح البـاري ..... / ج : 5 / ص : 307 : وذهـب آخـرون إلـى الجمـع بينهمـا فأجابـوا بأجوبـة : أحدهمـا أن المـراد بحديـث زيـد ـ الحديـث الأول ـ مَـنْ عنـده شـهادة لإنسـان بحـق لا يعلـم بهـا صاحبهـا فيأتـي إليـه فيخبـره بهـا ، أو يمـوت صاحبهـا العالـم بهـا ويخلـف ورثـة فيأتـي الشـاهد إليهـم ، أو مـن يتحـدث عنهـم فيعلمهـم بذلـك ، وهـذا أحسـن الأجوبـة . ا . هـ . وقولـه " يشـهدون ولا يسـتشهدون " اسـتُدِل بـه علـى أن مـن سـمع رجـلاً يقـول : لفـلان عنـدي كـذا ، فـلا يسـوغ لـه أن يشـهد عليـه بذلـك إلا إذا اسـتشهده . وهـذا بخـلاف مـن رأى رجـلاً يقتــل رجـلاً أو يغصبـه مالـه ، فإنه يجـوز له أن يشـهد بذلـك وإن لـم يُسـتشهد .ا . هـ . مثــال الجمـع بحمـل أحـد المتعارضيـن علـى موضـع والآخـر علـى آخـر : حديـث البخـاري : 394 / الفتح ، ومسلم : 264 / 59 :عـن أبـي أيـوب الأنصـاري أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " إذا أتيتـم الغائـط فـلا تسـتقبلوا القبلـة ولا تسـتدبروها ولكـن شـرقوا أو غربـوا " .فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 1 / ( 8 ) ـ كتاب : الصلاة / ( 29 ) ـ باب : قِبلة أهل المدينة ... / حديث رقم : 394 / ص : 594 . مـع حديـث البخـاري : 148 / الفتـح ، ومسـلم : 266 / 62 : ـ عـن ابـن عمـر قـال " ارتقيـت فـوق بيـت حفصـة ـ رضي الله عنها ـ لبعـض حاجتـي ، فرأيـتُ رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقضـي حاجتـه مسـتدبر القبلـة مسـتقبل الشـأم .فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 1 / ( 4 ) ـ كتاب : الوضوء / ( 14 ) ـ باب :التبرز في البيوت / حديث رقم : 148 / ص : 301 . ووجـه الجمـع بيـن الأحاديـث الدالـة علـى النهـي وبيـن الأحاديـث الدالـة علـى الإباحـة : أن النهـي عـن فعـل ذلـك فـي الصحـاري ، والإباحـة في العمـران ، لقرينـة جـاءت بذلـك فـي أحاديـث الإباحـة كمـا هـو صريـح في حديـث ابـن عمـر ـ رضي الله عنهما ـ ، وقـد أفتـى بذلـك رضـي الله عنـه . * فعـن مـروانَ الأصفـرِ ـ رضي الله عنه ـ قـال : رأيـتُ ابـنَ عمـرَ ـ رضي الله عنهما ـ أنـاخ راحلتـه مسـتقبل القبلـة ، ثـم جلـس يبـول إليهـا ، فقلـتُ : يـا أبـا عبـد الرحمـن ؛ أليـس قـد نُهـي عـن هـذا ؟ قـال : بلـى ، إنمـا نُهـي عـن ذلـك فـي الفضـاء ، فـإذا كـان بينـك وبيـن القبلـة شـيء يسـترك فـلا بـأس .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 1 ) ـ كتاب : الطهارة / ( 4 ) ـ باب : كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة / حديث رقم : 11 / ص : 8 / حسن . وقـال الإمـام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ : الاسـتقبال والاسـتدبار محرمـان فـي الصحـراء لا فـي البنيـان 120 سؤال وجواب ... / ص : 68 / بتصرف . مثــال الجمــع بتخصيـص العـام : * حديـث ابـن عمـر ـ رضي الله عنهما ـ فـي البخـاري : أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " فيمـا سـقت السـماء والعيـون أو كـان عَثَرِيًّـا (1): العشـر ، ومـا سُـقيَ بالنضـح نصـف العشـر " . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 3 / ( 24 ) ـ كتاب الزكاة / ( 55 ) ـ باب العُشر فيم يُسقى ... / حديث رقم : 1483 / ص : 407 . ( 1 ) عَثَرِيًّا : وهو الذي يشرب بعروقه من غير سقي . فتح الباري ... / ج : 3 / ( 24 ) ـ كتاب : الزكاة / ( 32 ) ـ باب : زكاة الوَرِقِ / ص : 408 . فظاهـره العمـوم فـي القليـل والكثيـر ، فخصـص عمومـه حديـث أبـي سـعيد فـي الصحيحيـن : * عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " ..... وليـس فيمـا دون خمسـة أوْسُـق صدقـة " . فخـرج بـه مـا كـان دون خمسـة أوسـق . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 3 / ( 24 ) ـ كتاب الزكاة /( 32 ) ـ باب : زكاة الوَرِقِ / حديث رقم : 1447 / ص : 363 . 120 سؤال وجواب ... / ص : 68 / بتصرف . مثــال الجمـع بتقييـد المطلـق : حديـث ابـن عبـاس فـي البخـاري 1492 : * فعـن ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ قـال " وجـد النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ شـاة ميتـة أُعطِيَتْهـا مـولاةٌ لميمونـة مـن الصدقـة ، قـال النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : هـلا انتفعتـم بجلدهـا ؟ قالـوا : إنهـا ميتـة . قـال : إنمـا حَـرُمَ أكلُهَـا " .فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 3 / ( 24 ) ـ كتاب : الزكاة / ( 61 ) ـ باب : الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم / حديث رقم : 1492 / ص : 416 . فظاهـر إطلاقـه حِـلّ مـا عـدا الأكـل ، كالانتفـاع بجلودهـا قبـل الدبـاغ . فعـورِض بأحاديـث الدبـاغ المتفـق عليهـا عنـد " الشـيخين " وغيرهمـا مـن " السـنن " و " المسـانيد " وقـد رُويـت مـن طـرق متعـددة . فَقُيـد بهـا إطـلاق الحديـث المذكـور ، فـلا ينتفـع بهـا حتـى تطهـر بالدبـاغ . 120 سؤال وجواب ... / ص : 69 / بتصرف . * فعـن ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ قـال : سـمعت رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول " أيمـا إهـاب دُبـغ ، فقـد طَهُـر " . صحيح سنن ابن ماجه / ج : 2 / ( 32 ) ـ كتاب اللباس / ( 25 ) ـ باب : لبس جلود الميتة إذا دبغت / حديث رقم : 2907 ـ 3609 / ص : 285 . مثــال الجمـع بصـرف المُعَـارِض بالمُعَـارَض مـن الوجـوب إلـى النـدب : حديـث : غُسـل الجمعـة واجـب علـى كـل محتلـم . أخرجه السبعة . * فعـن أبـي سـعيد الخـدري ـ رضي الله عنه ـ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال : " غسـل يـوم الجمعـة واجـب علـى كـل محتلـم " . فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 2 / ( 11 ) ـ كتاب : الجمعة / ( 2 ) ـ باب:فضل الغُسل يوم الجمعة / حديث رقم : 879 / ص : 415 . وهـو صريـح فـي الوجـوب . فَصُـرِف إلـى النـدب بحديـث سَـمُرَة بـن جُنـدب : * فعـن سَمُـرَة بـن جُنْـدب قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " مـن توضـأ يـوم الجمعـة فبهـا ونعمـت ، ومـن اغتسـل فالغسـل أفضـل " .صحيح سنن الترمذي / ج : 1 / ( 1 ) ـ كتاب : الطهارة / باب : 352 / حديث رقم : 411 ـ 501 / ص : 154 . 120 سؤال وجواب ... / ص : 69 / بتصرف . تعقيـــب : هـذه المسـألة علـى خـلاف بيـن العلمـاء ، ويُرْجَـع فيهـا لكتـب الفقـه . مثــال الجمـع بصرفـه مـن التحريـم إلـى الكراهـة : ـ حديـث أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ فـي مسـلم : 2026 / 116 : قـال : قـال رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " لا يشـربنَّ أحــدٌ منكـم قائمًـا ، فمـن نسـيَ فليسـتقيء " صحيح مسلم . بشرح ... النووي / ج : 13 ـ 14 / ( 36 ) ـ كتاب : الأشربة / ( 14 ) ـ باب : كراهة الشرب قائمًا / حديث رقم : 2026 / ص : 284 . ـ وهـو صريـح في التحريـم ، فَصُـرِفَ إلـى الكراهـة بحديـث " علـي " ـ رضي الله عنه ـ . 120 سؤال وجواب ... / ص : 70 . * فعـن مَيْسَـرَة عـن النـزَّال قـال " أُتِـيَ علـيٌّ ـ رضي الله عنه ـ علـى بـاب الرَّحبـةِ بمـاءٍ فشـرب قائمًـا فقـال : إن ناسًـا يكـره أحدُهـم أن يشـرب وهـو قائـم ، وإنـي رأيـتُ النبـي ـ صلى الله عليه وعلىآله وسلم ـ فعـل كمـا رأيتمونـي فعلـتُ " .فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 10 / ( 74 ) ـ كتاب : الأشربة / ( 16 ) ـ باب : الشرب قائمًا / حديث رقم : 5615 / ص : 83 . فائـــدة : قـال المـازري : " اختلـف النـاس فـي هـذا ، فذهـب الجمهـور إلـى الجـواز ، وكرهـه قـوم ، ..... ، قـال : والـذي يظهـر لـي أن أحاديـث شـربه قائمًـا تـدل علـى الجـواز ، وأحاديـث النهـي تحمـل علـى الاسـتحباب والحـث علـى مـا هـو أولـى وأكمـل ، أو لأن فـي الشـرب قائمًـا ضـررًا فأنكـره مـن أجلـه وفعلـه هـو لأمنـه ، قـال : وعلـى هـذا الثانـي يحمـل قولـه صلـى الله عليـه وعلى آله وسـلم : " فمـن نسـي فليسـتقيء " علـى أن ذلـك يحـرك خلطًـا يكـون القـيء دواءه . ويؤيـده قـول النخعـي : إنمـا نهـي عـن ذلـك لـداء البطـن . فتح الباري ... / ج : 10 / ( 74 ) ـ كتاب : الأشربة / ( 16 ) ـ باب : الشرب قائمًا / ص : 85 . |
المبحـــث الســادس الناســـخ والمنســـوخ قـد يبـدو لبعضهـم أن بعـض الأدلـة يعـارض بعضًـا فيكـون التعـارض ظاهريًّـا لا حقيقيًّـا . وقـد وضـع الأصوليـون قواعـد لإزالـة هـذا التعـارض الظاهـري فـي النصـوص والأدلـة . ومـن هـذه القواعـد العلـم بالناسـخ والمنسـوخ .الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 383 . فـإذا لـم يُمْكِـن الجمـع بيـن الدليليـن وجـب النظـر فـي إمكانيـة المصيـر إلـى النسـخ .الواضح في أصول الفقه … / ص : 271 . تعريفــه : لغــة : النسـخ فـي اللغـة جـاء علـى معـانٍ منهـا : ـ الإزالـة : نحـو قولـه تعالـى " ... فَيَنسَـخُ اللهُ مَـا يُلْقِـي الشَّـيْطَانُ ... ". سورة الحج / آية : 52 .التأسيس ... / ص : 401 . ومنـه : نسـخت الشـمسُ الظـلَّ ، أي أزالتـه .تيسير مصطلح الحديث / ص : 59 . ـ النقـل : نحـو قولـه تعالـى "... إِنّـَا كُنَّـا نَسْـتَنسِـخُ مَـا كُنتُـمْ تَعْمَلُـونَ " .سورة الجاثية / آية : 29 .التأسيس ... / ص : 401 . ومنـه : نسـختُ الكتـاب ، إذا نقلـتُ مـا فيـه . فكـأن الناسـخ قـد أزال المنسـوخ أو نقلـه إلـى حكـم آخـر . تيسير مصطلح الحديث / ص : 59 . اصطلاحـًـا : رفـعُ حُكْـم شـرعي متقـدم ، بخطـاب شـرعي متأخـر ، منفصـل عنـه منـافٍ لـه . التأسيس ... / ص : 401 . س: مـا هـو النسـخ ؟ ومـا هـو الناسـخ ؟ ومـا هـو المنسـوخ ؟ ج: النسـخ هـو : رفـع حكـم شـرعي ، بدليـل شـرعي متأخـر عنـه . الناسـخ هـو : الدليـل المتأخـر الـدال علـى رفـع الحكـم . المنسـوخ هـو : الحكـم الـذي دلَّ عليـه المتقـدِّم فَنُسِـخَ بالمتأخـر . 120 سؤال وجواب ... / ص : 70 . أقســام النســـخ : ينقسـم النسـخ بحسـب الاعتبـار إلـى ثلاثـة أقسـام : ـ باعتبـار الناسـخ . ـ باعتبـار النـص . ـ باعتبـار البـدل . التأسيس ... / ص : 409 . أولاً : النســخ باعتبـار : " الناســخ " : وهـو أربعـة أنـواع : النـوع الأول : نسـخ القـرآن بالقـرآن : وهـذا مجمـع عليـه ولا خـلاف فيـه ، أن يُنْسَـخ القـرآنُ بالقـرآن ، لأن القـرآن كلـه متواتـر . مثالـــه: آيـة المصابـرة : وهـي قولـه تعالـى " ... إِن يَكُـن مِّنكُـمْ عِشْـرُونَ صَابِـرُونَ يَغْلِبُـواْ مِئَتَيْـنِ وَإِن يَكُـن مِّنكُـم مِّئَـةٌ يَغْلِبُـواْ أَلْفـاً مِّـنَ الَّذِيـنَ كَفَـرُواْ ... " .سورة الأنفال / آية : 65 . ثـم قـال سـبحانه بعدهـا : " الآنَ خَفَّـفَ اللهُ عَنكُـمْ وَعَلِـمَ أَنَّ فِيكُـمْ ضَعْفـاً فَـإِن يَكُـن مِّنكُـم مِّئَـةٌ صَابِـرَةٌ يَغْلِبُـواْ مِئَتَيْـنِ وَإِن يَكُـن مِّنكُـمْ أَلْـفٌ يَغْلِبُـواْ أَلْفَيْـنِ ... ". سورة الأنفال / آية : 66 . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 425 . النـوع الثانـي : نسـخ القـرآن بالسـنة : فيـه خـلاف (1) بيـن أهـل العلـم : ـ ذهـب جمهـور الأصولييـن إلـى أنـه : يجـوز نسـخ القـرآن بالسـنة المتواتـرة .وهـو اختيـار الأميـن الشـنقيطي . وذهـب الإمـام الشـافعي وأحمـد إلـى أنـه : لا يجـوز نسـخ القـرآن بالسـنة ؛ بـل لا يَنْسَـخ القـرآن إلا قـرآن مثلـه . وهـذا اختيـار ابـن قدامـة وابـن تيميـة . ( 1 ) من أراد التوسع في هذا الخلاف وأدلة كل فريق فليرجع إلى : ـ معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة / ص : 267 / للجيزاني. ـ المرتقى الذلول إلى نفائس علم الأصول / ص : 180 / لأبي الفضل عبد السلام بن محمد بن عبد الكريم . حجــة الجمهـور : أن الجميـع وحـيٌ مـن الله تعالـى ، فالناسـخ والمنسـوخ من عنـد الله ، والله هـو مختـار ذلـك حقيقـة ، لكنـه سـبحانه أظهـر النسـخ علـى لسـان رسـوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وَمَثـَّلَ الجمهـور للوقـوع ـ أي وقـوع نسـخ القـرآن بالسـنة ـ بـأن آيـة التحريـم بعشـر رضعـات نُسـخت بالسـنة . وَرَدَ ذلـك فيمـا روتـه عائشـة ـ رضي الله عنها ـ قالـت : " كـان فيمـا أُنـزل مـن القــرآن عشـر رضعـات معلومـات يحرمـن ، ثـم نسـخن بخمـس معلومـات ،فتوفـي رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـن فيمـا يُقـرأ مـن القـرآن ."صحيح مسلم . بشرح ... النووي / ج : 10 / ( 17 ) ـ كتاب : الرضاع / ( 6 ) ـ باب : التحريم بخمس رضعات / حديث رقم : 1452 / ص : 44 . ومعنـاه : أن النسـخ بخمـس رضعـات تأخـر إنزالـه جـدًا ، حتـى أنـه صلـى الله عليـه وعلـى آله و سـلم توفـي ، وبعـض النـاس يقـرأ خمـس رضعـات ، ويجعلهـا قرآنـًا متلـوًا ، لكونـه لـم يبلغـه النسـخ (2)لقـرب عهـده ، فلمـا بلغهـم النسـخ بعـد ذلـك رجعـوا عـن ذلـك ، وأجمعـوا علـى أن هـذا لا يتلـى . ( 2 ) لم يبلغه النسخ : أي لم يبلغه النسخ اللفظي دون الحكمي ، أي نسخ تلاوة " خمس رضعات " وبقاء حكمها ، فهذا نسخ ـ لفظي فقط ـ للقرآن بالسنة . والنسـخ ثلاثـة أنـواع : أحدهــا : مـا نُسـخ حكمـه وتلاوتـه كعشـر رضعـات . والثانـي : مـا نُسـخت تلاوتـه دون حكمـه كخمـس رضعـات ، وكالشـيخ والشـيخة إذا زنيـا فارجموهمـا . والثالــث : مـا نسـخ حكمـه وبقيـت تلاوتـه ، مثـل آيـات المصابـرة ( الأنفـال : 65 ، 66 ) وسـيأتي تفصيلـه . معالم أصول الفقه ... / ص : 267 . النـوع الثالـث : نسـخ السـنة بالقـرآن : ذهـب جمهـور الأصولييـن إلى أنـه يجـوز نسـخ السـنة بالقـرآن ، وهـذا اختيـار ابـن النجـار الفتوحـي ، والأميـن الشـنقيطي . وذهـب الإمـام الشـافعي إلـى أن السـنة لا ينسـخها إلا سـنة مثلهـا . وقـد مثَّـلَ الجمهـور للوقـوع بأمثلـة كثيـرة منهـا : التوجـه إلـى بيـت المقـدس وهـو ثابـت بالسـنة ، وناسـخه فـي القـرآن قولُـه تعالـى ".. فَـوَلِّ وَجْهَـكَ شَـطْرَ الْمَسْـجِدِ الْحَـرَامِ ..." .سورة البقرة / آية : 144 . * فعـن البـراء بـن عـازب أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كـان أول مـا قـدم المدينـة ، نـزل علـى أجـداده أو قـال : أخوالـه مـن الأنصـار ، وأنـه صلـى قِبَـلَ بيـتِ المقـدسِ سـتة عَشَـرَ شـهرًا أو سـبعة عشــر شـهرًا ، وكـان يعجبـه أن تكــون قبلتـه قِبَـلَ البيــت ، وأنـه صلـى أولَ صــلاةٍ صلاهـا صـلاةَ العصـرِ وصلـى معـه قـوم ، فخـرج رجـل مِمـن صلـى معـه فمـر علـى أهـل مسـجدٍ وهـم راكعـون ، فقـال أشـهد بالله لقـد صليـتُ مـع رســول الله قِبَـلَ مكـة فـدارو كمـا هـم قِبَـل البيـت (1) ، وكانـت اليهـود قـد أعجبهـم إذ كـان يصلـي قِبَـلَ بيـتِ المقـدسِ وأهـل الكتـاب ، فلمـا وَلَّـى وَجْهـه قِبَـلَ البيـتِ (1) أنكـروا ذلـك .صحيح البخاري . متون / ( 2 ) ـ كتاب : الإيمان / ( 30 ) ـ باب : الصلاة من الإيمان ... / حديث رقم : 40 / ص : 15 . ( 1 ) البيـت : أي بيـت الله الحـرام أي الكعبـة . ـ تحريـم مباشـرة النسـاء فـي رمضـان ليـلاً ثابـت بالسـنة . * فعـن البـراء ـ رضي الله عنه ـ قـال : كـان أصحـاب محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إذا كـان الرجـل صائمًـا فحضَـرَ الإفطـار فنـام قبـل أن يفطـر لـم يأكـل ليلتَـهُ ولا يومَـهُ حتـى يمسـي ، وإنَّ قَيـسَ بـنَ صِرْمَـةَ الأنصـاري كـان صائمًـا فلمـا حَضَـر الإفطـارُ أتـى امرأتـه فقـال لهـا : أعنـدَكِ طعـامٌ ؟ قالـت : لا ولكـن أَنطلـقُ فأطلـبُ لـك ، وكـان يومَـهُ يعمـل فغلبتـه عينـاه فجاءتـه امرأتـُـهُ فلمـا رأتـه قالـت : خَيبـةً لـك ، فلمـا انتصـف النهـار غُشـيَ عليـه فَذُكـرَ ذلـك للنبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فنزلـت هـذه الآيـة : " أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ " ... ففرحـوا بهـا فرحًـا شـديدًا ونزلـت " وكلـوا واشـربوا حتـى يتبيـن لكـم الخيـط الأبيـض مـن الخيـط الأسـود ... " . صحيح البخاري . متون / ( 30 ) ـ كتاب : الصوم / ( 15 ) ـ باب : قول الله جل ذكره " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى ... " سورة البقرة آية : 187 / حديث رقم : 1915 / ص : 216 . * وعـن ابـن عبـاس " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " البقرة : 183 . . فكـان النـاس علـى عهـد النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، إذا صلـوا العتمـة ، حَـرُمَ عليهـم الطعـام والشـراب والنسـاء ، وصامـوا إلـى القابلـة . فاختـانَ رجـلٌ نفسَـهُ ، فجامـع امرأتَـهُ ، وقـد صلـى العشـاء ، ولـم يفطـر ، فـأراد الله عـز وجـل : أن يجعـل ذلـك يسـرًا لمـن بقـي ، وَرُخْصـة ومَنْفَعَـة ، فقـال سـبحانه " ... عَلِـمَ اللهُ أَنَّكُـمْ كُنتُـمْ تَخْتانُـونَ أَنفُسَـكُمْ ... "(2) . وكـان هـذا ممـا نفـع الله بـه النـاس ، ورخـص لهـم ويسـر .صحيح سنن أبي داود / ج : 2 / كتاب : الصوم / ( 1 ) ـ باب : مبدأ فرض الصيام / حديث رقم : 2028 / ص : 440 . وناسـخه فـي القـرآن قولـه تعالـى " ... فَالآنَ بَاشِـرُوهُنَّ.." .سورة البقرة / آية : 187 .معالم أصول الفقه ... / ص : 269 . ( 2 ) سورة البقرة / آية : 187 . وتمامها " ... هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَالْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ... " . النـوع الرابـع : نسـخ السـنة بالسـنة : وهـذا كثيـر ، مثالــه : * عـن ابـن بُرَيْـدَةَ ، عـن أبيـه قـال : قـال رسـول الله صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم " نهيتكـم عـن زيـارة القبـور ، فزوروهـا . ونهيتكـم عـن لحـوم الأضاحـيِّ فـوق ثـلاث ، فأمسـكوا مـا بـدا لكـم . ونهيتكـم عـن النبيـذ إلا فـي سِـقاءٍ ، فاشـربوا في الأسْـقِيةِ كلِّهـا . ولا تشـربوا مسـكرًا " .رواه مسلم / ( 11 ) ـ كتاب : الجنائز / ( 36 ) ـ باب : استئذان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في زيارة قبر أمه / حديث رقم : 977 / ص : 231 . وهـذا صريـح فـي ثبـوت الحكـم ثـم نسـخه . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 428 / بتصرف . ثانيـًا : النســخ باعتبـار : " النــص " : وهـو ثلاثـة أنـواع : النـوع الأول : نسـخ " اللفـظ " و " الحكـم " معـًا : مثالــه : ما روتـه عائشـة ـ رضي الله عنها ـ قالـت " كـان فيمـا أُنـزل مـن القــرآن عشـر رضعـات معلومـات يُحَرِّمْـنَ ، ثـم نُسـخن بخمـس معلومـات ،فتوفـي رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـن (1) فيمـا يُقـرأ مـن القـرآن " . رواه مسلم / ج : 10 / ( 17 ) ـ كتاب : الرضاع / ( 6 ) ـ باب :التحريم بخمس رضعات باب / حديث رقم : 1452 / ص : 44 . فقولهـا " عشـر رضعـات " نُسـخ لفظـًا وحكمـًا . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 423 / بتصرف . ( 1 ) وهن فيما يقرأ من القرآن : تقصد الخمس . وقد نُسخ هذا لفظًا ، وبقي حكمًا .وسـيأتي تفصـيل ذلـك . · الحكمـة منـه : الحكمـة فيما نسـخ لفظـه وحكمـه ، أن يعلـم النـاس تـدرج الأحكـام الشـرعية ، وأنهـا كانـت فـي الأول " عشـر " ثـم آلـت إلـى " خمـس " .شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 424 . النـوع الثانـي : نسـخ " الحكـم " و " بقـاء اللفـظ " . وهـذا هـو الكثيـر فـي القـرآن . مثالــه : آيتـا المصابـرة : سـورة الأنفـال / آية : 65 ، 66 . قـال تعالـى "... إِن يَكُـن مِّنكُـمْ عِشْـرُونَ صَابِـرُونَ يَغْلِبُـواْ مِئَتَيْـنِ وَإِن يَكُـن مِّنكُـم مِّئَـةٌ يَغْلِبُـواْ أَلْفـًا مِّـنَ الَّذِيـنَ كَفَـرُواْ .." . سورة الأنفال / آية : 65 . نُسـخ حكمهـا بقولـه تعالـى " الآنَ خَفَّـفَ اللهُ عَنكُـمْ وَعَلِـمَ أَنَّ فِيكُــمْ ضَعْفـًا فَـإِن يَكُـن مِّنكُــم مِّئَـةٌ صَابِــرَةٌ يَغْلِبُـواْ مِئَتَيْـنِ وَإِن يَكُن مِّنكُـمْ أَلْـفٌ يَغْلِبُـواْ أَلْفَيْـنِ ... ".سورة الأنفال / آية : 66 . ففـي هـذا تخفيـف . فقـد كـان فيمـا نـزل أولًا قولـه تعالـى "وَإِن يَكُـن مِّنكُـم مِّئَـةٌ يَغْلِبُـواْ أَلْفـًا " . ثـم خُفـف فصـار "فَـإِن يَكُـن مِّنكُـم مِّئَـةٌ صَابِـرَةٌ يَغْلِبُـواْ مِئَتَيْـنِ" . فصـار الواحـد يقابـل اثنيـن ، وكـان قبـل ذلـك يقابـل عشـرة . شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 415 / بتصرف . · الحكمــة منـه : حكمـة نسـخ الحكـم دون اللفـظ ، بقـاء ثـواب التـلاوة ، وتذكيـر الأمـة بحكمـة النسـخ . شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 415 . النـوع الثالــث : نسـخ " اللفـظ " و " بقـاء الحكـم " . فـي القـرآن ما نُسـخ لفظـه وبقـي حكمـه مثـل " آيـة الرجـم " ، وكذلـك الرضعـات ـ الخمـس ـ . شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 415 / بتصرف . ـ فقـد ثبـت فـي الصحيحيـن مـن حديـث ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ أن عمــر بـن الخطـاب ـ رضي الله عنه ـ قـال وهـو جالـس علـى المنبـر ..... إن الله بعـث محمـدًا ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بالحـق ، وأنـزل عليـه الكتـاب ، فكـان مِمَّـا أنـزل الله آيـة الرجـم فقرأناهـا وعقلناهـا ووعيناهـا ، رجـم رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورجمنـا بعـده ، فأخشـى إن طـال بالنـاس زمـان أن يقـول قائـل : والله ما نجـد الرجـم فـي كتـاب الله ! فيضلـوا بتـرك فريضـة أنزلهـا الله ، وإن الرجـم في كتـاب الله حـق علـى من زنـى إذا أُحْصِـنَ مـن الرجـال والنسـاء إذا قامـت البينـة أو كـان الحَبَـلُ أو الاعتـراف " . ( جزء من حديث ) . صحيح البخاري . متون / ( 86 ) ـ كتاب : الحدود / ( 31 ) ـ باب : رجم الحبلى من الزنا إذا أَحصنت / حديث رقم : 6830 / ص : 794 . ـ قـال ابـن حجـر فـي فتـح البــاري بشـرح صحيـح البخـاري / ج : 12 / ( 86 ) ـ كتـاب : الحـدود / ( 31 ) ـ بـاب : رجـم الحُبلـى مـن الزنـا إذا أحصنـت / ص : 153 : قولـه : " فيضلــوا بتـرك فريضـة أنزلهـا الله " : أي فـي الآيـة المذكـورة التـي نسـخت تلاوتهـا وبقـي حكمُهَـا . وقـد وقـع ما خشـيه عمـر أيضًـا فأنكـر الرجـم طائفـة مـن الخـوارج أو معظمهـم وبعـض المعتزلـة .ا . هـ . ـ وورد فـي شـرح الباعـث الحثيـث : هـذا كـان قرآنًـا يتلـى ، وشـهد بذلـك جمـع مـن الصحابـة ، شـهدوا أنـه كـان مـن كتـاب الله ، ثـم نُسـخت تلاوتـه ، وبقـي حُكمـه ، وصـار يُـروَى عـن نبينـا ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .ا . هـ . فقـد قـال عمـر ـ رضي الله عنه ـ ذلـك علـى المنبـر وهـو يخطـب النـاس وأعلنهـا علـى المنبـر حتـى تشـيع وتظهــر بيـن النـاس ، فسـكوت الصحابـة علـى مـا قالـه عمـر يـدل علـى أنـه محــل إجمـاع بينهـم أن هـذا ممـا نـزل مـن القـرآن . فهـذه الآيـة نسـخ لفظهـا وبقـي حكمهـا ، وسـيبقى إلـى يـوم القيامـة إن شـاء الله ، فالإنسـان إذا زنـى وهو محصـن فإنـه يرجـم ، والمحصـن هـو الـذي تـزوج وجامـع زوجتـه فـي نكـاح صحيـح ، وهمـا بالغـان عاقـلان حُـرَّان ، فـإذا ثبتـت شـروط الإحصـان وزنـى الرجـل ـ ( أو المـرأة ) ـ فإنـه يرجـم بحجـارة . والحكمـة مـن هـذه القِتلـة تنفيـر النـاس عـن الزنـا ، ولأن لـذة الزنـا ـ وهـو محـرم ـ شـملت جميـع البـدن فكـان مـن الحكمـة أن يعاقـب بعقوبـة تشـمل جميـع البـدن . شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 417 / بتصرف . ـ وكذلـك ممـا نـزل مـن القـرآن ثـم نسـخ وصـار يتلـى كأحاديـث قـول النبـي ـ صلى الله عليه وعلىآله وسلم ـ لـو أن لابـن آدم مِـلء واد مـالاً لأحـب ... " . ـ قـال الإمـام مسـلم فـي صحيحـه : حدثنـي سُـوَيد بـنُ سـعيد . قـال حدثنـا علي بـنُ مُسْـهِر عـن داود ، عـن أبـي الأسـودِ ، عـن أبيـه . قـال : بُعـثَ أبـو موسـى الأشـعريُّ إلـى قُـرَّاءِ أهـلِ البصـرة فدخـل عليـه ثلاثمائـة رجـلٍ قـد قـرؤوا القـرآن . فقـال : أنتـم خيـارُ أهـلِ البصـرة وقراؤهـم . فاتلـوه . ولا يطولـنَّ عليكـم الأمـدُ فتقسـوَ قلوبُكـم كمـا قسـت قلـوب مـن كـان قبلكـم . وإنَّـا كنـا نقـرأ سـورة . كنـا نُشَـبِّهُهَا فـي الطـول والشـدة بسـورة بـراءةَ . فأنسـيتُها . غيـرَ أنـي قـد حفظـت منهـا : لـو كـان لابـن آدم واديـان مـن مـالٍ لابتغـى واديـًا ثالثـًا . ولا يمـلأَ جـوفَ ابـنِ آدمَ إلا التـراب . وكنـا نقـرأ سـورة كنـا نشـبهها بإحـدى المسـبحات ، فأُنسـيتها غيـر أنـي حفظـت منهـا " يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آَمَنُـوا لِـمَ تَقُولُـونَ مَـا لاَ تَفْعَلُـونَ ". سورة الصف / آية : 2 . فتكتـب شـهادةٌ فـي أعناقكـم . فَتُسـألون عنهـا يـومَ القيامـةِ . صحيح مسلم . متون / ( 12 ) ـ كتاب : الزكاة / ( 39 ) ـ باب : لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثًا /حديث رقم : 1050 / ص : 248 . * عـن أنـس قـال : قـال رسـولُ الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " لـو كـان لابـن آدم واديــان مـن مـالٍ لابتغـى واديـًا ثالثـًا .ولا يمـلأ جـوف ابـن آدم إلا التــراب .ويتـوب اللهُ علـى مـن تـاب " صحيح مسلم . متون / ( 12 ) ـ كتاب : الزكاة / ( 39 ) ـ باب : لو أن لابن آدمواديين لابتغى ثالثًا / حديث رقم : 1048 / ص : 248 . * قـال البخـاري فـي صحيحـه : حدثنـي محمـد قـال أخبرنـا مَخلـدٌ قـال أخبرنـا ابـنُ جُريـج قـال سـمعتُ عطـاءً ، يقـول : سـمعتُ ابـنَ عبـاس ، يقــول : سـمعتُ رسـولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول : " لـو أن لابـنِ آدمَ مِـلءَ وادٍ مـالاً لأحـب أن له إليـه مثلـه ؛ ولا يمـلأ عيـنَ ابـن آدمَ إلا التـراب ، ويتـوبُ الله علـى مـن تـاب " . قـال ابـنُ عبـاس : فلا أدري من القـرآن هو أم لا . قـال : وسـمعتُ ابنَ الزبيـر يقـول ذلـك على المنبـر .فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 11 / ( 81 ) ـ كتاب : الرقاق / ( 10 ) ـ باب :ما يُتقى من فتنة المال / حديث رقم : 6437 / ص : 258 . ورد فـي فتـح البـاري ..... / ج : 11 / ص : 262 : وقـد شـرحه بعضهـم علـى أنـه كـان قرآنًــا ، ونُسـخت تلاوتـه لمـا نزلـت " أَلْهَاكُـمُ التَّكَاثُــرُ * حَتَّـى زُرْتُـمُ الْمَقَابِـرَ " .سورة التكاثر / آية : 1 ، 2 . وأمـا الحكــم فيـه والمعنـى فلـم ينسـخ ، إذ نسـخ التــلاوة لا يسـتلزم المعارضـة بيـن الناسـخ والمنسـوخ كنسـخ الحكـم . ا . هـ . ـ وقـد ثبـت فـي صحيـح مسـلم أنـه قـال : حدثنـا يحيـى بـن يحيـى . قـال : قـرأتُ علـى مالـكٍ عـن عبـد الله بن أبـي بكـر ، عـن عَمْـرَةَ ، عـن عائشـة ؛ أنهـا قالـت : كـان فيمـا أُنـزل مـن القـرآن : عشـر رضعـات معلومـات يُحَرِّمْـنَ . ثـم نُسـِخْنَ : بخمـسٍ معلومـات . فتوفـي رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـن فيمـا يُقــرأُ مـن القـرآن .صحيح مسلم . بشرح ... النووي / ج : 9 ، 10 / ( 17 ) ـ كتاب : الرضاع / ( 6 ) ـ باب : التحريم بخمس رضعات / حديث رقم : 1452 / ص : 44 . وفـي روايـة أخـرى لنفـس الحديـث : * قـال مسـلم حدثنـا عبـد الله بـن مَسْـلَمَةَ القَعْنَبِـيُّ ، قـال : حدثنـا سُـليمانُ بـنُ بـلالٍ ، عـن يحيـى وهـو ابـنُ سـعيدٍ عـن عَمْـرةَ ؛ أنها سـمعتْ عائشـةَ تقـولُ وهـي تَذْكُـرُ الـذي يُحـرِّمُ مـن الرضاعـة ، قالـت عَمـرة : فقالـت عائشـة : نـزل فـي القـرآن : عشـرُ رضعـاتٍ معلومـاتٍ . ثـم نـزل أيضـًا : خمـس معلومـات .صحيح مسلم / ... / حديث رقم : 25 ـ ( 1452 ) . فقولهـا ـ أي عائشـة ـ رضي الله عنها ـ " عشـر رضعـات " ، نُسـخ لفظـًا وحكمـًا . وقولهـا : " ثـم نـزل أيضـًا : خمـسٌ معلومـات " . نُسـخ لفظـه دون حكمـه . شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 423 / بتصرف . إشــكال وحلــه : ورد فـي آخـر الحديـث أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ توفـي وهـن فيما يُقـرأ مـن القــرآن ، وهـذه قاصمـة ظهـر ، لأنـه يسـتلزم أن يكـون فـي القـرآن شـيء حُـذِفَ بعـد رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لأنهـا تقـول " وهـن فيمـا يقـرأ " ونحـن لا نجـد شـيئًا يُقـرأ ، وهـذه قاصمـة ظهـر ، إذا كـان شـيء مـن القــرآن فكيـف يحـذف بعـد رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ؟ ومـن المعلـوم أن الأمـة أجمعـت علـى أنـه لا حـذف فـي القــرآن بعـد مـوت النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ؟ ! إذًا فيكـون هـذا الحديـث خـلاف الإجمـاع فـلا يُقبـل . وإلـى هـذا ذهـب بعـض أهـل العلـم مـن المتأخريـن . شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 422 . ولكـن نقـول : يمكـن الجـواب علـى هـذا الإشـكال : " وتوفـي رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـي فيمـا يتلـى مـن القـرآن " . قالـوا : كيـف يتلـى مـن القـرآن ثـم لا نجـده ؟ إذًا معنـاه أن القـرآن يمكـن أن يحـذف منـه شـيء بعـد وفـاة الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ؟ فأجـاب علـى ذلـك العلمـاء : بأنهـا كانـت فيمـا يتلـى مـن القـرآن بحسـب مـن لـم يبلغهـم النسـخ . يعنـي كـل النـاس يتلونهـا ؟ بـل الذيـن لـم يعلمــوا بالنسـخ ، وأرادت مـن هـذا ـ رضي الله عنها ـ أن النســخ كـان متأخـرًا فَعَلـم بـه بعـض النـاس ، وجهلـه بعـض النـاس ، فصـاروا يتلونـه بعـد وفـاة النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ حتـى انتشـر النسـخ وتُرِكَـتْ . شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 424 . الحكمــة منـه : الحكمـة مـن نسـخ اللفـظ وبقـاء الحكـم ، اختبـار الأمـة فـي العمـل بما لا يجـدون لفظـه فـي القـرآن .شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 422 . · أهميتــه وصعوبتـه وأشــهر المبرزيـن فيـه : معرفـة ناسـخ الحديـث مـن منسـوخه فـن مهـم صعـب ، فقـد قـال الزهـري : " أعْيَـا الفقهـاء وأعجزهـم أن يعرفـوا ناسـخ الحديـث مـن منسـوخه " . وأشـهر المبرِّزيـن فيـه هـو " الإمـام الشـافعي " . فقـد كانـت لـه فيـه اليـد الطولـى والسـابقة الأولـى . قـال " الإمـام أحمـد " " لابـن وارة " ـ وقـد قـدم مـن مصـر ـ : كتبـتَ كُتَـبَ الشـافعي ؟ . قـال : لا . قـال : فَرَّطْـتَ ، مـا علمنـا المُجْمَـلَ مـن المفسـَّرِ ، ولا ناسـخَ الحديـث مـن منسـوخه حتـى جالسـنا الشـافعيَّ . تيسير مصطلح الحديث / ص : 59 . بــم يُعْـرَفُ الناسـخ مـن المنسـوخ ؟ . يعـرف ناسـخ الحديـث مـن منسـوخه بأحـد هـذه الأمـور : أ ـ بتصريـح رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : كحديـث ابـن بُريـدة فـي صحيـح مسـلم : " نهيتكـم عـن زيـارة القبــور فزوروهـا ... " .صحيح مسلم . متون / ( 11 ) ـ كتاب : الجنائز / ( 36 ) ـ باب : استئذان النبي ربه في زيارة قبر أمه / حديث رقم : 977 / ص : 231 . ب ـ بقـول صحابـي : كقـول جابـر بـن عبـد الله ـ رضي الله عنهما ـ : " كـان آخِــرَ الأمريـن مـن رسـول الله ـ صلى الله عليهوعلىآله وسلم ـ تَـرْك الوضـوء ممـا غيـرت النـار " .صحيح سنن أبي داود / ج : 1 / ( 1 ) ـ كتاب : الطهارة / ( 75 ) ـ باب : في ترك الوضوء مما مست النار / حديث رقم : 177 ـ 192 / ص : 39 . ج ـ بمعرفـة التاريـخ : كحديـث شـداد بـن أوس : " أفطـر الحاجـم والمحجـوم " . فعـن شـداد بـن أوس أن رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، أتـى علـى رجـل بالبقيــع وهـو يحتجـم ، وهـو آخـذ بيـدي لِثَمَـان عشـرةَ خلـت مـن رمضـان ، فقـال " أفطـر الحاجـم والمحجـوم " .صحيح سنن أبي داود / ج : 2 / ( 8 ) ـ كتاب : الصوم / ( 28 ) ـ باب : في الصائم يحتجم / حديث رقم : 2076 ـ 2369 / ص : 451 . نُسـخ " بحديـث ابـن عبـاس أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " احتجــم وهـو صائـم " .صحيح سنن أبي داود / ج : 2 / ( 8 ) ـ كتاب : الصوم / ( 29 ) ـ باب : في الرخصة في ذلك / حديث رقم : 2079 ـ 2372 / ص : 451 . فقـد جـاء فـي بعـض طـرق حديـث شـداد أن ذلـك كـان زمـن الفتـح ، وأن ابـن عبـاس صحبـه فـي حجـة الـوداع . د ـ بدلالـة الإجمـاع : كحديـث " مـن شـرب الخمـر فاجلـدوه ، فإن عـاد فـي الرابعـة فاقتلـوه " . فعـن معاويـة بـن أبـي سـفيان ؛ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال " إذا شـربوا الخمـرَ فاجلدوهـم . ثـم إذا شـربوا الخمـر فاجلدوهـم . ثـم إذا شـربوا فاجلدوهـم . ثـم إذا شـربوا فاقتلوهـم " .صحيح سنن ابن ماجه / ج : 2 / ( 20 ) ـ كتاب : الحدود / ( 17 ) ـ باب : من شرب الخمر مرارًا / حديث رقم : 2086 ـ 2573 / ص : 85 . سلسلة الأحاديث الصحيحة / ج : 3 / حديث رقم : 136 / ص : 347 . قـال النـووي : " دل الإجمـاعُ علـى نسـخه " والإجمـاع لا ينسـخُ ولا يُنْسـخ ، ولكـن يـدل علـى ناسـخ . تيسير مصطلح الحديث / ص : 59 / بتصرف .ا . هـ . · أشــهر المصنفــات فيــه : 1 ـ الاعتبـار فـي الناسـخ والمنسـوخ مـن الآثـار . لأبـي بكـر محمـد بـن موسـى الحازمـي . 2 ـ الناسـخ والمنسـوخ . للإمـام أحمـد . 3 ـ تجريـد الأحاديـث المنسـوخة . لابـن الجـوزي . تيسير مصطلح الحديث / ص : 60 . * * * * * |
الساعة الآن 09:48 AM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
تركيب: استضافة صوت مصر