"وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" "6
معطوف على ما قبله.
أى: هيأنا للشياطين عذاب السعير، وهيأنا- أيضًا- للذين كفروا بربهم من الإنس عذاب جهنم، وبئس المصير . فلما ذكر الله -تبارك وتعالى- دلائل القدرة، وما زين به السماء من هذه المصابيح، أخبر أنه جعلها رجومًا للشياطين، هذا في الدنيا، ثم ذكر ما يكون لهؤلاء الشياطين في الآخرة فقال" وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ" يعذب هؤلاء الشياطين بعذاب السعير.
فلما ذكر جزاء الشياطين في الآخرة ذكر جزاء الكفار كذلك في الآخرة .
فهؤلاء الشياطين من الجن لهم عذاب السعير، وهؤلاء الكفار أيضًا لهم عذاب السعير، فانتقل من هذا إلى هذا.
هذا تتميم لئلا يُتَوهم أن العذابَ أُعِدَّ للشياطين خاصة ، والمعنى : ولجميع الذين كفروا بالله عذاب جهنم فالمراد عامة المشركين.
ولا يمنع أن يدخل الجن جهنم أيضًا، ويدخل الإنس السعير أيضًا بدليل قوله تعالى مخبرًا عن قول الجن"وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا"الجن:14-15.
الْقَاسِطُونَ: أي: الجائرون العادلون عن الصراط المستقيم.تفسير السعدي- هنا-
الْقَاسِطُونَ:هم الذين جعلوا لله ندًا ، يقال : أقسط الرجل إذا عدل فهو مُقْسِط ، وقَسَطَ إذا جَارَ فهو قاسِط.تفسير الغوي -هنا-
وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا: فمن الجن من يدخل جهنم, وهذا على القول بأن جهنم دركة، والسعير دركة أخرى، أما إذا قيل: إن جهنم والسعير ولظى والحطمة كلها مسمى لشيء واحد وهو النار على اختلاف دركاتها؛ فلا إشكال، وهو قول تبناه عدد من أهل العلم.هنا - سلسلة التفسير للشيخ مصطفى العدوي.
"وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" أي : بئس المآل والمنقلب .
بِئْسَ :فِعل ماض جامد ، يدلّ على الذمّ بمعنى قبُح . هنا-
"إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ "7.
"إِذَا أُلْقُوا فِيهَا " على وجه الإهانة والذل "سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا"أي: صوتًا عاليًا فظيعًا مفزعًا .
وفيه دليل على أن النار لها شهيق.
ولها أيضًا زفير كما قال تعالى"إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا"الفرقان:12-
-قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" اشتَكَتِ النارُ إلى ربها ، فقالتْ : ربِّ أكلَ بعضي بعضًا ، فأذِنَ لها بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشتاءِ ونَفَسٍ في الصيفِ ، فأشدُّ ما تجدونَ من الحرِّ ، وأشدُّ ما تجدون من الزَّمْهَرِيرِ"
الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 3260- خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
والنَّفَسُ هو ما يخرجُ منَ الجَوفِ ويدخلَ فيه مِنَ الهواءِ؛ نفَسٍ في الشتاءِ، ونفَسٍ في الصَّيفِ. وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ عذابَ النَّارِ منه ما هو حَرٌّ، ومنه ما هو بَرْدٌ.- الدرر-
نسأل الله العافية
فإن قال قائل: لماذا عُبِّرَ في هذه الآية الكريمة بلفظ: الشهيق، وفي الآية الأخرى بلفظ الزفير؟ الشهيق -كما هو معلوم لديكم- إدخال الهواء بشدة إلى الجوف, فكأن جهنم عندما يُلقَى فيها الكفارُ تشهق شهقة تأخذهم وتسحبهم إلى جوفها من الداخل، أما "إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ" فكأنها كانت تكتم شيئًا في صدرها، فأخرجت النَّفَسَ ارتياحًا لأنها رأت بُغيتها! فلما رأتهم من مكان بعيد أخرجت الهواء الذي بداخلها ثُم لما أُلْقُوا فيها سحبتهم بشهيقٍ زائدٍ حتى أدخلتهم في جوفها حتى يتمكنوا فيها من الداخل, والله أعلم.
قال تعالى"إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ"
" وَهِيَ تَفُورُ" تغلي. تغلي بهم كما يغلي الحب القليل في الماء الكثير ; وهذا من شدة لهب النار من شدة الغضب ; كما تقول فلان يفور غيظًا .
فالنار لها شهيق، ولها زفير، وهي تتكلم, وهي أيضًا تتغيظ كما قال تعالى"إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا" وكل هذه صفات للنار على وجه الإجمال، فهي تتكلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
" يَخرُجُ عُنقٌ من النَّارِ يتكلمُ يقولُ : وُكِّلْتُ اليومَ بثلاثةٍ : بِكلِّ جبارٍ عنيدٍ ، ومَن جعلَ مع اللهِ إلهًا آخرَ ، ومَن قَتَلَ نفْسًا بغيرِ حقٍ ، فيَنْطَوِي عليهِم ، فيَقْذِفُهم في غَمَرَاتِ جهنَّمَ"الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : - الألباني المصدر : صحيح الترغيب -الصفحة أو الرقم: 2451 - خلاصة حكم المحدث : حسن لغيره
-" تَخرجُ عنقٌ منَ النَّارِ يومَ القيامةِ لَها عَينانِ تُبْصِرانِ ، وأذُنانِ تسمَعانِ ، ولِسانٌ ينطِقُ ، يقولُ : إنِّي وُكِّلتُ بثلاثةٍ : بِكُلِّ جبَّارٍ عَنيدٍ، وبِكُلِّ مَن دعا معَ اللَّهِ إلَهًا آخرَ ، وبالمصوِّرينَ" الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم: 2574 - خلاصة حكم المحدث : صحيح
الدرر السنية -
الشرح :
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كثيرًا ما يُرغِّبُ الصَّحابةَ فيما عِندَ اللهِ مِن الخيرِ والثَّوابِ، وأيضًا يُخوِّفُهم ممَّا يُغضِبُ اللهَ عزَّ وجلَّ، ويَذكُرُ لهم النَّارَ وما فيها مِن عذابٍ أليمٍ؛ ليَجتنبِوا أسبابَ الوقوعِ فيها.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "تَخرُجُ عُنقٌ مِن النَّارِ"، أي: شيءٌ يُشبِهُ الرَّقبةَ في هَيئتِها يَخرُج مِن النَّارِ، أو تَخرُجُ قِطعةٌ مِنَ النَّارِ على هَيئةِ الرَّقبةِ الطَّويلةِ؛ وذلك "يومَ القيامةِ" يومَ الحسابِ والجَزاءِ، وتكونُ "لها"، أي: لهذا العُنقِ "عَينانِ تُبصِران، وأُذنانِ تَسمَعانِ، ولسانٌ يَنطِقُ"، أي: يَخلُقُ اللهُ لها عَينَين تَرى بهِما، وأُذنَين تَسمَعُ بهِما، ولسانًا تتَكلَّمُ وتُفصِحُ به، تقول: "إنِّي وُكِّلتُ"، أي: أمَرني اللهُ سبحانه وتعالى "بثلاثةٍ"، أي: بثلاثةِ أصنافٍ مِن النَّاسِ أدخَلَهم في جَهنَّمَ: "بكلِّ جبَّارٍ عنيدٍ"، أي: بكلِّ إنسانٍ ظالمٍ، عارفٍ بالحقِّ، ولكنَّه جحَده، وتكَبَّر وعانَد، والثَّاني: "وبكلِّ مَن دعا"، أي: عبدٍ، وأشرَك "مع اللهِ إلهًا آخَرَ"، أي: جعَل للهِ سُبحانه وتعالى نِدًّا، والثَّالثُ: "وبالمصوِّرين".
وفي الحديثِ: تَهديدٌ ووعيدٌ لكلِّ مَن تَكبَّر وتجَبَّر وعانَد، ولِمَن دعَا غيرَ اللهِ تعالى، ولِمَن صَوَّرَ وضاهَى خلْقَ اللهِ سبحانَه.
الدرر السنية -
وينبغي على المسلم أن لا يأمَن على نفسه من النفاق أو من سوء الخاتمة، نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدنيا وفي الآخرة، فالبعض يستهين بالمعاصي وخطورتها، فيتمتعون بمتاع الدنيا ظنًا منهم أن حتى لو دخلوا النار فسيخرجون منها إلى الجنة، ومثل هؤلاء يُسيئون الظن بالله تعالى، فلو أحسنوا الظن، لأحسنوا العمل، ولو أذنبوا لتابوا.هنا -
*أحاديث عن وصف النارأعاذنا اللهُ وإياكم منها:
"إنَّ منهُم من تأخذُه النَّارُ إلى كَعبيهِ . ومنهُم من تأخذُه إلى حُجزتِه . ومنهم مَن تأخذُه إلى عنقِهِ"الراوي : سمرة بن جندب - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2845 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر السنية -
الشرح:
في هذا الحَديثِ يُبيِّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بعضَ عَذابِ جَهنَّم، فيَقولُ: إنَّ مِنهم، أي: مِن أهلِ النَّارِ، مَن تَأخذُه النَّارُ إلى كَعبيْهِ وهوَ العَظمُ النَّاتئُ منَ الجانِبينِ عندَ مَفصِلِ السَّاقِ مِنَ القَدمِ، وليسَ هوَ نهايةَ القَدمِ المُسمَّى بالعَقِبِ، ومِنهم مَن تَأخذُه النَّارُ إلى رُكبتيْه، ومِنهمْ مَن تَأخذُه النَّارُ إلى حُجزَتِه وهوَ مَعْقِدُ إِزاره ووَسطِه، ومِنهُم مَن تَأخذُه النَّارُ إلى تَرقوتِه وهوَ العَظمُ الَّذي بَينَ ثُغْرةِ النَّحرِ والعاتقِ. وفي رِوايةٍ: جعَلَ مَكانَ حُجزتِه: حَقوَيْه، والمَعنى واحدٌ.
وفي الحَديثِ: بيانُ تَفاوُتِ العُقوباتِ في الضَّعفِ والشِّدَّةِ، لا أنَّ بعضًا مِن الشَّخصِ يُعذَّبُ دونَ بعضٍ، كَما في حديثٍ آخرَ: وهوَ مُتنعِّلٌ بنَعليْنِ يَغلي مِنهُما دِماغُه . - الدرر السنية -
" إنَّ أهوَنَ أهلِ النَّارِ عذابًا يومَ القيامةِ رجلٌ ، على أخمَصِ قدمَيْه جَمْرَتَانِ ، يَغلي منهما دماغُه كما يَغلي المِرجَلُ بالقُمْقمِ"الراوي : النعمان بن بشير - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 6562 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
الشرح:
أشار رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى شِدَّةِ عذابِ النَّارِ بذِكْرِ أقلِّ أهلِها وأهونِهم عذابًا والعِياذُ بالله، وهو رجلٌ تُوضَع جَمْرَتَيْنِ في أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ - وهو ما لم يُصِبِ الأرضَ مِن باطِن الأقدام- فيَغْلِي من حَرِّهما دِماغُه، نسأل الله السلامةَ والعافيةَ، وقِيلَ بأنَّه عَمُّ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أبو طَالِبٍ؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد ذُكِر عندَه عَمُّه أبو طالِبٍ: «لعلَّه تَنفعُه شَفاعتي يومَ القِيامة؛ فيُجعَل في ضَحْضَاحٍ من نارٍ يَبلُغ كَعْبَيْهِ، يَغلِي منه أُمُّ دِماغِه»، والحديثُ يَحتمِلُه وغيرَه مِمَّن حالُه كحالِه.
وفي الحديث: شِدَّةُ عذابِ النَّارِ- سَلَّمنا اللهُ تعالى منها. - الدرر-
"أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذُكر عندَهُ عمُّهُ أبو طالبٍ . فقال لعلهُ تنفعهُ شفاعتي يومَ القيامةِ . فيُجعلُ في ضَحْضْاحٍ منْ نارٍ، يبلغُ كعبيهِ، يغْلي منهُ دماغُهُ " .الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : مسلم- المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 210 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
" صلى بنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ فلما قضى الصلاةَ أقبلَ علينا بوجهِه، فقال: أيها الناسُ إني إمامُكم فلا تسبقوني بالركوعِ ولا بالسجودِ ولا بالقيامِ ولا بالانصرافِ فإني أراكم أمامي ومن خلفي. ثم قال:والذي نفسُ محمدٍ بيدِه لو رأيتُم ما رأيتُ لضحكتُم قليلاً ولبكيتُم كثيرًا.قالوا: وما رأيتَ يا رسولَ اللهِ ؟ قال: رأيتُ الجنةَ والنارَ.الراوي : أنس بن مالك - المحدث : مسلم- المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 426 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية -
الشرح
....لو رأيتُم ما رأيتُ، أي: يُخبِر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابَه أنَّهم لو كُشِفَ لهم عمَّا يُكشَفُ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، لضَحِكْتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا، أي: لقَلَّ ضَحِكُكم وزاد بكاؤُكم؛ لهولِ ما ستَطَّلِعون عليه وَترَوْنه، فقال الصحابةُ رضِي اللهُ عنه: وما رأيتَ يا رسولَ الله؟ أي: ما الذي تُريدنا أنْ نراه؟ قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: رأيتُ الجنَّةَ والنَّارَ، أي: لو رأيتم ما رأيتُه في الجنَّةِ والنَّارِ مِن النَّعيمِ للمُطيعين في الجنَّةِ، ومِن العذابِ للعاصين في النَّارِ، لأصابَكم الهَمُّ والغَمُّ حيثُ تَرجُون وتخافون؛ ترجُون الجنَّةَ وما فيها، وتخافون النَّارَ وما فيها، ولا أحدَ يستطيعُ أن يعرِفَ مصيرَه، وبذلك تتركون الضَّحِكَ في الدُّنيا إلَّا قليلًا، وتلازمون البكاءَ كثيرًا.- الدرر السنية -
اللهم اغفر لنا وارحمنا وصَرِّف قلوبَنَا على طاعتِكَ.
عن عبدالله بن عمر قال: "كان الرَّجلُ في حياةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إذا رَأى رُؤيا قصَّها على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فتَمنَّيتُ أن أَرى رُؤيا فأَقصُّها على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وكُنتُ غُلامًا شابًّا، وكُنتُ أَنامُ في المَسجدِ عَلى عهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فرَأيتُ في النَّومِ كأنَّ مَلكَينِ أَخذاني فَذَهبا بي إلى النَّارِ، فإذا هيَ مَطويَّةٌ كَطيِّ البِئْرِ، وإذا لَها قَرنانِ، وإذا فيها أناسٌ قد عَرفتُهم، فجَعلتُ أَقولُ: أَعوذُ باللهِ مِنَ النَّارِ، قال: فلَقِيَنا مَلكٌ آخَرُ، قال لي: لم تُرَعْ. فقَصصتُها على حَفصةَ، فقصَّتْها حَفصةُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقال: نِعمَ الرَّجلُ عبدُ اللهِ لو كان يُصلِّي منَ اللَّيلِ. فكان بَعدُ لا ينامُ منَ اللَّيلِ إلَّا قَليلًا.الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1121 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر السنية-
الشرح:
الرُّؤياالصالحةُ جزءٌ مِن ستَّةٍ وأربعين جزءًا مِن النُّبوَّة؛ كما نطَق به عليه أفضلُ الصَّلاة والسَّلام:
الرؤيا الصالحةُ جزءٌ من ستةٍ وأربعينَ جزءًا من النُّبُوَّةِ"الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6989 - خلاصة حكم المحدث :صحيح-الدرر-
وفي هذا الحديثِ يخبِرُ عبدُ الله بن عمرَ رضي الله عنهما: أنَّ الرَّجلَ في زمَن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا رأى رؤيا قصَّها على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فتمنَّى ابنُ عمر رضي الله عنهما أنْ يرى رؤيا ليُخبِرَ بها النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيُفسِّرَها له، وهذا يدلُّ على أنَّ للإنسان أن يتمنَّى الرُّؤيا الصَّالحة؛ ليعرِفَ صاحبُها ما له عند الله، فلمَّا نام عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما، رأى أنَّ ملَكينِ أخذاه فذهَبا به إلى النَّارِ، فإذا هي مَطْويَّةٌ طَيَّ البئرِ، أي: مَبنيَّةُ الجوانبِ، والبئرُ إذا لم تكُنْ مَبنيَّةَ الجوانبِ تُسمَّى قَليبًا، ورأى لها قرنينِ، وهما المنارتانِ عن جانبيِ البئرِ، اللَّتانِ تُجعَلُ عليها الخشَبةُ الَّتي تُعلَّقُ عليها البَكَرةُ، ورأى عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما في النَّارِ ناسًا يعرِفُهم، ولكنَّه لم يذكُرْ أسماءَهم في الرُّؤيا، فلمَّا رأى ذلك، ظلَّ يقولُ: أعوذُ باللهِ مِن النَّارِ، فلقِيه ملَكٌ آخرُ فقال له: لم تُرَعْ، أي: لم تَخَفْ؛ فلا رَوْعَ عليك ولا ضرَرَ ولا فزَعَ، فلمَّا قصَّ هذه الرُّؤيا على أختِه حَفْصةَ رضي الله عنها، قصَّتِ الرُّؤيا للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «نِعْمَ الرَّجلُ عبدُ الله لو كان يُصلِّي مِن اللَّيل»، أي: إنَّ عبدَ الله رجلٌ صالحٌ لو كان يُصلِّي مِن اللَّيل، فكان عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما بعد ذلك لا ينامُ في اللَّيلِ إلَّا قليلًا.
وفي الحديثِ فضلُ قيام اللَّيل، وفضيلةُ عبد الله بن عُمر وثباتُه على فِعل ما أرشده إليه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. -الدرر السنية-
" أما أهل النارِ الذين هُمْ أهلها ، فإنهم لا يموتونَ فيها ولا يحيونَ . ولكن ناس أصابتْهم النارُ بذنوبهم - أو قال بخطاياهم - فأماتَهم إماتةً . حتى إذا كانوا فحْمًا ، أذِنَ بالشفاعةِ . فجيء بهم ضَبائِرَ ضَبائِرَ . فبُثّوا على أنهار الجنةِ . ثم قيل : يا أهلَ الجنةِ أفِيضُوا عليهِم . فينبتون نباتَ الحبّةِ تكون في حميلِ السيلِ ، فقال رجلٌ من القومِ : كأن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد كان بالباديَةِ" . وفي رواية : سمعتُ أبا نضْرَة عن أبي سعيدٍ الخدريّ ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثلهِ . إلى قوله : في حميلِ السيلِ . ولم يذكرْ ما بعدهُ .الراوي : أبو سعيد الخدري - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 185 - خلاصة حكم المحدث : صحيح -الدرر السنية-
معنى الحديث كما في شرح مسلم للنووي:
أَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، مِنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ : أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ النَّارِ وَالْمُسْتَحِقُّونَ لِلْخُلُودِ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ حَيَاةً يَنْتَفِعُونَ بِهَا وَيَسْتَرِيحُونَ مَعَهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : ثُمَّ "لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى" وَهَذَا جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دَائِمٌ ، وَأَنَّ عَذَابَ أَهْلِ الْخُلُودِ فِي النَّارِ دَائِمٌ . وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ " إِلَى آخِرِهِ . فَمَعْنَاهُ : أَنَّ الْمُذْنِبِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُمِيتُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِمَاتَةً بَعْدَ أَنْ يُعَذَّبُوا الْمُدَّةَ الَّتِي أَرَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَهَذِهِ الْإِمَاتَةُ إِمَاتَةٌ حَقِيقِيَّةٌ يَذْهَبُ مَعَهَا الْإِحْسَاسُ وَيَكُونُ عَذَابُهُمْ عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ ، ثُمَّ يُمِيتُهُمْ ، ثُمَّ يَكُونُونَ مَحْبُوسِينَ فِي النَّارِ مِنْ غَيْرِ إِحْسَاسٍ الْمُدَّةَ الَّتِي قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ مَوْتَى قَدْ صَارُوا فَحْمًا ، فَيُحْمَلُونَ ضَبَائِرَ-جَمَاعَاتٌ فِي تَفْرِقَةٍ - كَمَا تُحْمَلُ الْأَمْتِعَةُ وَيُلْقَوْنَ عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ وَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ فِي سُرْعَةِ نَبَاتِهَا وَضَعْفِهَا ، فَتَخْرُجُ لِضَعْفِهَا صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً ثُمَّ تَشْتَدُّ قُوَّتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَصِيرُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَتَكْمُلُ أَحْوَالُهُمْ ، فَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَعْنَاهُ . وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا إِمَاتَةٌ حَقِيقِيَّةٌ ، وَالثَّانِي : لَيْسَ بِمَوْتٍ حَقِيقِيٍّ ، وَلَكِنْ تَغَيَّبَ عَنْهُمْ إِحْسَاسُهُمْ بِالْآلَامِ ، قَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ آلَامُهُمْ أَخَفَّ فَهَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْنَاهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
صحيح مسلم » كتاب الإيمان » باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار -هنا-
وَمِن أَسبَابِ دُخُولِ النَّارِ الظُّلمُ وَالأَذَى، قَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " عُذِّبَتِ امرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتهَا حَتَّى مَاتَت، فَدَخَلَت فِيهَا النَّارَ. لا هِيَ أَطعَمَتُهَا وَلا سَقَتهَا إِذْ حَبَسَتهَا، وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأكُلُ مِن خَشَاشِ الأَرضِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. الدرر -
فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَقِفُوا عِندَ حُدُودِهِ، وَاحذَرُوا المَعَاصِيَ صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا وَقَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا، فَإِنَّ أَعمَالَ أَهلِ النَّارِ كُلَّهَا تَدخُلُ في مَعصِيَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ " وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ "النساء: 14. الألوكة -
"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا " الأحزاب36.
*عن سَمُرَةَ بنُ جُنْدب قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى صلاةً أقبلَ علينا بوجهِه ، فقال : مَنْ رأى منكم الليلةَ رؤيا ؟ قال : فإِنْ رأى أحدٌ قصَّهَا. فيقولُ : ما شاءَ اللهُ . فسألَنا يومًا فقال : هل رأى أحدُ منكم رؤيا ؟ قلْنَا : لا . قال : لكني رأيتُ الليلةَ رجلين أَتَيَاني فأخذَا بيدي ، فأَخْرَجَانِي إلى الأرضِ المُقَدَّسّةِ ، فإذا رجلٌ جالسٌ ، ورجلٌ قائمٌ بيدِه كَلُّوبٍ من حديدٍ. قال بعضُ أصحابِنَا عن موسى : إنه يَدْخُلُ ذلك الكَلُّوبُ في شِدْقِه حتى يَبْلُغَ قَفَاه ، ثم يَفْعَلُ بشِدْقِه الآخرِ مثلَ ذلك ، ويَلْتَئِمُ شِدْقُه هذا ، فيَعُودُ فَيَصْنَعُ مثلَه . قلتُ : ما هذا ؟ قالا : انطلقْ. فانطلقْنَا حتى أتيْنَا على رجلٍ مُضْطَجِعٍ على قفاه ، ورجلٍ قائمٍ على رأسِه بفِهْرٍ ، أو صخرةٍ ، فيَشْدَخُ بها رأسَه ، فإذا ضربَه تَدَهْدَهَ الحَجَرُ ، فانطلقَ إليه ليَأْخُذَه ، فلا يَرْجِعُ إلى هذا ، حتى يَلْتَئِمَ رأسُه ، وعادَ رأسُه كما هو ؛ فعاد إليه فضربَه ، قلت : مَنْ هذا ؟ قالا : انطلقْ . فانطلقْنَا إلى ثَقْبٍ مثلَ التَّنُّورِ أعلاه ضيقٌ وأسفلُه واسعٌ يَتَوَقَّدُ تحتَه نارًا ، فإذا اقتربَ ارتفعُوا حتى كادُوا أَنْ يَخْرُجُوا ، فإذا خَمَدَتْ رجَعُوا فيها ، وفيها رجالٌ ونساءٌ عُرَاةٌ ، فقلتُ : مَنْ هذا ؟ قالا : انطلقْ . فانطلقنا حتى أَتَيْنَا على نَهَرٍ من دَمٍّ فيه رجلٌ قائمٌ ، وعلى وسَطِ النَّهَرِ - قال يزيدُ ووهْبُ ابْنُ جَرِيرٍ ، عن جَرِيرِ بْنِ حازمٍ - وعلى شَطِّ النَّهَرِ رجلٌ بينَ يديه حجارةٌ ، فأقبلَ الرجلُ الذي في النَّهَرِ ، فإذا أرادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرجلُ بحجرٍ في فِيهِ ؛ فردَّهُ حيثُ كان ؛ فجعل كلَّمَا جاءَ ليَخْرُجَ رمى في فِيهِ بحجرٍ ؛ فيَرْجِعُ كما كان ، فقلتُ : مَنْ هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقْنَا حتى انتهيَا إلى رَوْضَةٍ خضراءَ فيها شجرةٌ عظيمةٌ ، وفي أصلِها شيخٌ وصِبْيَانٌ ، وإذا رجلٌ قريبٌ مِنَ الشجرةِ بينَ يديه نارٌ يُوقِدُها ، فصعدَا بي في الشَّجَرَةِ ، وأَدْخَلانِي دارًا لم أرَ قَطُّ أحسنَ منها ، فيها رجالٌ شيوخٌ ، وشبابٌ ونساءٌ وصِبْيَانٌ ، ثم أخرجَانِي منها فصعدَا بي الشجرةَ ، فأَدْخَلانِي دارًا هي أحسنُ وأفضلُ ، فيها شيوخٌ وشبابٌ ، قلتُ : طَوَّفْتُمَانِي الليلةَ ؛ فأَخْبِرَانِي عما رأيتُ . قالا : نعم ، أمَّا الذي رأيتَه يَشُقُّ شِدْقَه، فكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بالكِذْبَةِ ، فتُحْمَلُ عنه حتى تَبْلُغَ الآَفَاقَ، فيُصْنَعُ به إلى يومِ القيامةِ ، والذي رأيتَه يَشْدَخُ رأسَه ، فرجلٌ علَّمَه اللهُ القرآنَ، فنامَ عنه بالليلِ ، ولم يَعْمَلْ فيه بالنهارِ ، يُفْعَلُ به إلى يومِ القيامةِ ، والذي رأيتَه في الثَّقْبِ فهم الزُّنَاةُ ، والذي رأيتَه في النَّهَرِ آَكِلُوا الرَّبَا ، والشيخُ في أصلِ الشَّجَرَةِ إبراهيمُ- عليه السلام- ، والصِّبْيَانُ حولَه فأولادُ النَّاسِ ، والذي يُوقِدُ النَّارَ مالِكٌ خازنُ النَّارِ ، والدَّارُ الأولى التي دخلْتَ دارُ عامةِ المؤمنين ، وأمَّا هذه الدارُ فدارُ الشُّهداءِ ، وأنا جبريلُ ، وهذا مِكَيائِيلُ ، فارفعْ رأسَك ، فرفعتُ رأسِي ، فإذا فوقِي مثلَ السَّحَابِ ، قالا : ذاكَ منزلُك . قلتُ : دعانِي أدخلْ منزلي . قالا : إنه بَقِيَ لك عُمُرٌ لم تَسْتَكْمِلْه ، فلو اسْتَكْمَلْتَ أتيتَ منزلَك" .الراوي : سمرة بن جندب - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1386 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية-
الشرح:
يَحكي سَمُرَةُ بنُ جُنْدُبٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عليه وسلَّم كانَ إِذا صَلَّى صَلاةً أقْبَلَ عَلَيْنا بِوَجهِه الكَريمِ وسَألَ: مَن رَأى مِنكم اللَّيلةَ رُؤْيا؟ فَإِن رَأى أحَد رُؤْيا قَصَّها عليه، فَيَقول: ما شاءَ اللهُ، فَسَألَنا يَومًا: هَلْ رَأى أحَدٌ مِنكم رُؤْيا؟ قُلْنا: لا. قالَ: لَكنِّي رَأيتُ اللَّيْلةَ رَجُلَينِ، أي: مَلَكَينِ، أتَياني، فَأخَذَا بيَدي، فَأخرَجاني إلى الأرضِ المُقدَّسةِ، فَإذا رَجُل جالِس ورَجُل قائِم بيَدِه كَلُّوبٌ مِن حَديدٍ، وهو حَديدةٌ مَعطوفةُ الرَّأسِ يُعَلَّقُ عليها اللَّحمُ يُدخِله في "شِدقِهِ"، أي: جانِبِ فَمِ الرَّجُلِ الجالِسِ حَتَّى يَبلُغَ قَفاه، أي: يَقطَعه شَقًّا، ثمَّ يَفعَل بِشِدقِه الآخَرِ مِثلَ ما فَعَلَ بِشِدقِه الأوَّلِ ويَلتَئِم شِدقُه هذا فَيَعود، فَيَصنَع مِثلَه. فَسَألَ صَلَّى الله عليه وسلَّم مَن هذا؟ فَقال المَلَكانِ: انطَلِق. فانطَلَقْنا حَتَّى أتَيْنا عَلى رَجُلٍ مُضطَجِعٍ عَلى قَفاه، ورَجُلٍ قائِمٍ عَلى رَأْسِه "بِفِهْر"، أي: حَجَرٍ مَلْء الكَفِّ، أو صَخرةٍ فَيَشْدَخ بِه رَأسَه، فَإِذا ضَرَبَه "تَدَهْدَه الحَجَرُ"، أي: تَدَحْرَجَ. فانطَلَقَ إليه، أي: إلى الحَجَرِ؛ ليَأخُذَه فَيَصنَع بِه كما صَنَعَ، فَلا يَرجِع إلى هذا الَّذي شَدَخَ رَأْسَه حَتَّى يَلتَئِمَ رَأسُه، أي: يَصِحَّ رَأْسُه وعاد رَأسُه كَما هو، فَعادَ إليه فَضَرَبَه، فَسَألَ صَلَّى الله عليه وسلَّم: مَن هذا؟ فَقالا: انْطَلِق. فانطَلَقْنا إلى ثقْبٍ مِثلِ "التَّنُّورِ"، وهو ما يُخْبَزُ فيه أعْلاه ضَيِّق، وأسفَله واسِع، يَتَوَقَّد تَحتَه نارًا، فَإِذا اقتَرَبَ ارتَفَعوا حَتَّى كادَ أن يَخرُجوا، فَإِذا "خَمَدَت"، أي: سَكَنَ لَهيبُها ولَم يُطْفَأْ حَرُّها رَجَعوا فيها، وفيها رِجال ونِساء عُراة، فَسَألتُ: مَن هذا؟ فَقالا: انْطَلِق. فانْطَلَقْنا حَتَّى أتَيْنا عَلى نَهْرٍ مِن دَمٍ فيه رَجُل، وقائِمٌ عَلى وسَطِ النَّهرِ رَجُل بَينَ يَدَيْه حِجارة، فَأقبَلَ الرَّجُل الَّذي في النَّهْرِ، فَإِذا أرادَ أن يَخرُجَ مِنه رَمى الرَّجُلُ الَّذي بَينَ يَدَيْه الحِجارةُ بِحَجَرٍ في "فيهِ"، أي: في فَمِه فَرَدَّه حيثُ كانَ مِن النَّهرِ، فَجَعَل كُلَّما جاءَ ليَخرُجَ مِن النَّهرِ رَمى في فيه بِحَجَر، فَيَرجِع كَما كانَ فيهِ. فَسَألتُ: ما هذا؟ فَقالا: انْطَلِق. فانْطَلَقْنا حَتَّى انتَهَيْنا إلى رَوْضةٍ خَضراءَ، فيها شَجَرة عَظيمة، وفي أصْلِها شَيْخ وصِبيان وإذا رَجُل قَريب مِن الشَّجَرةِ بَينَ يَدَيْه نارٌ يُوقِدها، فَصَعِدا بي في الشَّجَرةِ الَّتي هيَ، في الرَّوضةِ الخَضراءِ، وأدْخَلاني دارًا لَم أرَ قَطُّ أحسَنَ منها، فيها رِجال شُيوخ وشَباب ونِساء وصِبيان، ثمَّ أخْرَجاني منها، أي: مِن الدَّارِ، فَصَعِدا بي الشَّجَرةَ فَأدْخَلاني دارًا هيَ أحسَنُ وأفضَلُ مِن الأولى، فيها شُيوخ وشَباب، فَقُلْتُ: طوَّفتُماني اللَّيلةَ. فَأخْبَراني عَمَّا رَأيتُ؟ قالا: نَعَم نُخبِرك، أمَّا الَّذي رَأيتَه يَشُقُّ شِدْقَه فَكَذَّاب يُحَدِّث بالكِذبةِ فَتُحْمَل عَنه حَتَّى يَبلُغَ الآفاقَ فَيُصنَع بِه ما رَأيتَ؛ لِما يَنْشَأ عَن تلك الكِذْبةِ مِن المَفاسِدِ. وأمَّا الَّذي رَأيتَه يَشْدَخ رَأْسَه فَرَجُلٌ علَّمَه اللهُ القُرآنَ، فَنامَ عَنه باللَّيلِ، أي: أعْرَضَ عَن تِلاوتِه ولَم يَعمَل فيه بالنَّهارِ، يُفعَل به ما رأيتَ، وَأمَّا الَّذي رَأيتَه في الثُّقبِ فَهم الزُّناة. والَّذي رَأيتَه في النَّهرِ آكِلو الرِّبا. والشَّيْخُ الكائِنُ في أصلِ الشَّجَرةِ إبراهيمُ الخَليلُ عليه السَّلام. وأمَّا الصِّبيانُ حَولَه، أي: فَأولادُ النَّاسِ. والَّذي يوقِد النَّارَ: مالِكٌ خازِنُ النَّارِ، والدَّار الأولى الَّتي دَخَلتَ فيها دارُ عامَّةِ المُؤمِنينَ، وأمَّا هذه الدَّارُ فَدار الشُّهَداءِ، وأنا جِبْريلُ، وهذا مِيكائِيلُ، فارفَعْ رَأْسَك. فَرَفَعتُ رَأْسي فَإِذا فَوقي مِثلُ السَّحابِ، قالا: ذاكَ مَنزِلك، قُلتُ: "دَعاني"، أي: اتْرُكاني أَدخُل مَنزِلي، فَقالا: إِنَّه بَقيَ لك عُمُرٌ، لَم تَستَكمِلْه، فلو اسْتَكمَلتَ عُمُرَك أتَيتَ مَنزِلَك .
- الدرر السنية-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
نلتقي اليوم مع قصة منامية ثبتت في صحيح الإمام البخاري ، رواها سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ قَالَ : كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ « مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا » ؟ قَالَ فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا ، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ ،.........
هذه قصة عظيمة اشتملت على المشاهد التالية :
المشهد الأول :
رَجُلٌ جَالِسٌ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ والكلوب حديدة في آخرها انحناء كتلك التي يعلق اللحم بها ، فيُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِى خده ، ويُقَطِّعُه حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا ، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ .
وهذا المعذب هو الرجل يكذب الكِذْبَة تبلغ الآفاق . قال ابن حجر رحمه الله :" وَإِنَّمَا اِسْتَحَقَّ التَّعْذِيب لِمَا يَنْشَأ عَنْ تِلْكَ الْكِذْبَة مِنْ الْمَفَاسِد وَهُوَ فِيهَا مُخْتَار غَيْر مُكْرَه وَلَا مُلْجَأ".
المشهد الثاني :
رجل مضطجع عَلَى قَفَاهُ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِصَخْرَةٍ ، فَيَشْدَخُ بِهِا رَأْسَهُ ، والشدخ كسر الشيء المجوف، فيكسر رأسه بحجر معه ، فإذا كسر الحجر رأسه ونأى عنه ذهب الآخر ليأتي بالحجر ، فإذا عاد إلى المعذب عاد رأسه سالماً ، فيفعل به ذلك إلى يوم القيامة .
من هو المعذب هنا ؟ صاحب القرآن يرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة .. لكن أليس النوم عذرا؟ الجواب : من بذل وسعه ليستيقظ فلم ينهض فهو معذور .. وأما المتهاون الذي ينام ويعلم أنه سيستيقظ متأخرًا .. وهذا دأبه فهذا هو الذي ينام عن الصلاة المكتوبة .
المشهد الثالث :
ينطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ ، والتنور كالهرم ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ ، فيه نار من تحته ، وفوق النار رجال ونساء عراة ، فإذا ارتفع لهيبها صعدوا إلى المكان الضيق وضوضوا : أي صاحوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا .
جمع الله لهم بين عقوبيتين :
الأولى : جعل الله عقوبتهم في مكان واحدٍ فهتك سترهم ، فإنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ففضحهم .
الثانية : لما عصُوْا الله بأسفل أجسادهم جاءتهم النار من تحتهم .
المشهد الرابع :
انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجلان حَتَّى أتَوْا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ ، وفيه رجل يسبح فيه . فيقبل السابح إلى الواقف ، فيلقمه حجراً يعيده إلى مكانه ، فإذا جاء إليه فعل به ذلك .
وإنما ألقم حجرًا والحجر لا فائدة فيه لبدنه كما كان يزيد ماله بشيء أخبر الله أنه لا بركة فيه.
المشهد الخامس :
ينطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ غَنّاء كثيرةِ العشب، فيها من كل نَورِ الربيع وزهره ، وفِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ ، وفي رواية «إلى مدينة مَبْنِيَّة بِلَبِنِ ذَهَب وَلَبِن فِضَّة» وهي الجنة التي أعدها الله لعباده المؤمنين ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ..
فإن قيل : كيف نوفق بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيها ما لا عين رأت وبين كونها صلى الله عليه وسلم قد رآها كما في هذا الحديث ؟
الجواب :
المشهد السادس :
في تلك الروضة رأى النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم عليه السلام وحوله صبيان المسلمين . وهم : من مات منهم قبل أن يبلغ ، فأي عزاء للوالدين الذين فقدا ابنهما الصغير أحسن من هذا العزاء ؟ أيها الأب .. أيتها الأم .. يا من تقرح كبده بفقد ولده اعلموا : أنّ رحمة الله خير له منكما ، وثواب الله خير لكما منه .
المشهد السابع:
يرى دارًا أفضل من تلك الدار ، وهي دار الشهداء ، وداراً أفضل من الدراين وهي بيت النبي صلى الله عليه وسلم . ويرى صلى الله عليه وسلم خازن النار ، وقد نعته بكونه (كريه الرؤية) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَة فِي عَذَاب أَهْلِ النَّارِ .
أسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة .وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
*د. مهران ماهر عثمان*