نفقة الزوجة مقدَّمة على نفقة الوالدين.
السؤال
من له الحظ الأوفر في مال الزوج ، هل الزوجة والأولاد أم أمه؟ قد قرأت أن القران يشير إلى أن زوجة الرجل وأولاده هم أولى الناس بماله. وهل يجوز للرجل إذا كان دخله قليلاً أن يقدم حاجات أسرته على حاجات زوجته وأولاده؟
نص الجواب
الحمد لله :
أولًا :
لا شك أن الزوج ملزم بالنفقة على زوجته ، ومطالب بالإنفاق على أبنائه وآبائه إذا كانوا فقراء لا مال لهم ، ولا كسب يستغنون به عن غيرهم .
وقد سبق بيان ذلك في السؤال :10552 ،111892، 6026 .
فإن استطاع أن ينفق عليهم جميعاً وجب عليه ذلك .
وإن لم يستطع ذلك لقلة ماله ، وضعف دخله الشهري ، فإن الواجب عليه أن يُقدِّم نفقة زوجته وأولاده على غيرهم من أقاربه .
وليس في القرآن ما يشير إلى تقديم نفقة الزوجة على غيرها ، وإنما ثبت ذلك في السنة النبوية .
ففي صحيح مسلم :997: عَنْ جَابِرٍ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا ، بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَعَنْ يَمِينِكَ ، وَعَنْ شِمَالِكَ ".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَصَدَّقُوا.
فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ .
فَقَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ .
قَالَ : عِنْدِي آخَرُ .
قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ .
قَالَ : عِنْدِي آخَرُ .
قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ .
قَالَ : عِنْدِي آخَرُ .
قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ .
قَالَ : عِنْدِي آخَرُ .
قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ .
رواه أبو داود في سننه :1691- والنسائي واللفظ له ، وحسنه الألباني في الإرواء :895.
وتسمية النبي صلى الله عليه وسلم النفقة على الأهل صدقة لا يعني أنها مستحبة فقط .
قَالَ الْمُهَلَّب " النَّفَقَة عَلَى الْأَهْل وَاجِبَة بِالْإِجْمَاعِ , وَإِنَّمَا سَمَّاهَا الشَّارِع صَدَقَة خَشْيَة أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ قِيَامهمْ بِالْوَاجِبِ لَا أَجْر لَهُمْ فِيهِ , وَقَدْ عَرَفُوا مَا فِي الصَّدَقَة مِنْ الْأَجْر فَعَرَّفَهُمْ أَنَّهَا لَهُمْ صَدَقَة , حَتَّى لَا يُخْرِجُوهَا إِلَى غَيْر الْأَهْل إِلَّا بَعْد أَنْ يَكْفُوهُمْ ; تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي تَقْدِيم الصَّدَقَة الْوَاجِبَة قَبْل صَدَقَة التَّطَوُّع ". نقله عنه في " فتح الباري" 9/623.
قال الْخَطَّابِيُّ : " هَذَا التَّرْتِيب إِذَا تَأَمَّلْته عَلِمْت أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ قَدَّمَ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى وَالْأَقْرَب فَالْأَقْرَب ". نقله عنه في " عون المعبود" 5/ 76.
وقال النووي " إذا اجتمع على الشخص الواحد محتاجون ممن تلزمه نفقتهم ، نظرَ: إن وفَّى ماله أو كسبه بنفقتهم فعليه نفقة الجميع قريبهم وبعيدهم .
وإن لم يفضل عن كفاية نفسه إلا نفقة واحد ، قدَّم نفقة الزوجة على نفقة الأقارب ...لأن نفقتها آكد ، فإنها لا تسقط بمضي الزمان ، ولا بالإعسار ". انتهى "روضة الطالبين" 9/ 93 .
قال المرداوي " الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ : وُجُوبُ نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوَا ، وَأَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا بِالْمَعْرُوفِ ...إذَا فَضَلَ عَنْ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ ". انتهى " الإنصاف" 9/ 392.
قال الشوكاني " وقد انعقد الإجماع على وجوب نفقة الزوجة ، ثم إذا فضل عن ذلك شيء فعلى ذوي قرابته ". انتهى " نيل الأوطار" 6 /381.
فلم يختلف العلماء في تقديم الزوجة على الوالدين في النفقة ، وإنما اختلفوا في الزوجة والولد أيهما يقدم؟
قال الشيخ ابن عثيمين: " فالصواب أنه يبدأ بنفسه ، ثم بالزوجة ، ثم بالولد ، ثم بالوالدين ، ثم بقية الأقارب ". انتهى من " فتح ذي الجلال والإكرام :5/194.
وبناء على ما سبق فالواجب على الزوج أن يبدأ بكفاية زوجته وأولاده من النفقة الواجبة عليه بالمعروف ، فإن بقي معه بعد ذلك شيء من المال فالواجب عليه أن ينفقه على والديه ، والله أعلم.
المصدر: الإسلام سؤال وجواب