إذا كان الرجل وزوجته في درجتين مختلفتين في الجنة فكيف سيجتمعان ؟
السؤال
إذا كانت المرأة في منزلة أعلى من زوجها في الجنة ، فهل يصعد إلى منزلتها . هي صبرت عليه في الدنيا ، وكانت أعمالها أفضل من أعماله " وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " ، فليس من العدل أن يصعد إلى منزلتها وهو لا يستحقها . أم هل تنزل هي إليه ، وهذا أيضا مما لا يقبله عاقل ، فهي كانت تستحق منزلتها تلك ، فهل تنزل إلى زوجها لمجرد أنه يريد إشباع رغباته بها ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
وردت بعض ظواهر الأدلة في الكتاب والسنة التي تدل على إلحاق الزوج بزوجته ، أو الزوجة بزوجها ، إذا كان أحدهما في درجة أدنى من الآخر .
قال الله تعالى" جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ " الرعد/23 ، ومثله قول الله عز وجل" رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " غافر/8 . قال الحافظ ابن كثير رحمه الله 4/451 :
" أي : يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء ، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين ؛ لتقر أعينهم بهم ، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى ، من غير تنقيص لذلك الأعلى عن درجته ، بل امتنانا من الله وإحسانا ، كما قال تعالى " وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ " الطور/21 " انتهى .
وقال – أيضًا - رحمه الله 7/131 :
" أي : اجْمَعْ بينهم وبينهم ؛ لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة ، كما قال تعالى " وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ " الطور/21 ، أي : ساوينا بين الكل في المنزلة ؛ لتقر أعينهم ، وما نقصنا العالي حتى يساوي الداني ، بل رفعنا الناقص في العمل ، فساويناه بكثير العمل ، تفضلا منا ومنة " انتهى .
وقال العلامة ابن عاشور رحمه الله :
" في هذه الآية بشرى لمن كان له سلف صالح ، أو خلف صالح ، أو زوج صالح ، ممن تحققت فيهم هذه الصِّلات ، أنه إذا صار إلى الجنة لحق بصالح أصوله أو فروعه أو زوجه ، وما ذكر الله هذا إلا لهذه البشرى " انتهى من " التحرير والتنوير " 13/131 .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا مات رجل وزوجته وكانا من أهل الجنة فإنها تبقى زوجةً له ، قال الله تعالى " رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " . وقال تعالى "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ". والذرية شاملة لذرية الزوج والزوجة ، فإذا كان الله يلحق بالمؤمنين ذرياتهم ، فمعنى ذلك أن الزوج والزوجة يكونان سواءً ، ويلحق الله بهما ذريتهما ، وهذا من كمال النعيم الذي في الجنة ، فإنها فيها ما لا عينٌ رأت ، ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " .
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك فيقول : يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به " حديث موضوع ، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما"وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ " الطور/21 ، رواه الطبراني في " المعجم الكبير " 11/440 ، وفي " المعجم الصغير " 1/382 .
لكنه حديث موضوع ، في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن غزوان ، وهو متهم : بوضع الأحاديث .
قال ابن خزيمة " أنا خائف أنه كذاب " كما في " المجروحين " لابن حبان 2/306 .
وقال ابن عدي " ممن يتهم بوضع الحديث " انتهى من " الكامل " 7/550 .
وقال الدارقطني : متروك . " الضعفاء والمتروكين " 3/131 ، وانظر " ميزان الاعتدال " 3/625 .
وقد ضعف هذا الحديث الهيثمي في " مجمع الزوائد " 7/114 ، وقال الشيخ الألباني رحمه الله " هذا إسناد موضوع " انتهى من " سلسلة الأحاديث الضعيفة " رقم/2602 .
فلا يجوز الاستدلال بهذا الحديث ، وإنما ذكرناه للتنبيه على أنه موضوع ، والتحذير منه . ويكفي الاستشهاد بالآيات الكريمات السابقات .
وقد تكلم العلماء على مسألة إلحاق الذرية بالآباء ، أو الآباء بالذرية في درجات الجنان ، فمن أراد التوسع فليراجع كتاب " حادي الأرواح " لابن القيم (ص/395) .
وقد سبق بيان هذه المسألة باختصار في الفتوى رقم : 5981 ، والفتوى رقم : 135809 .
ثانيا :
أما قول السائلة : إن إلحاق الأدنى بالأعلى ليس من العدل ، فإننا ننصح أنفسنا والمسلمين بالتأدب مع الأحكام الشرعية عند السؤال عنها ، فمن أشكل عليه شيء فليسأل عنه ، وعليه أن يتحفظ في كلامه ، فليس هناك داع لأن يقول : إن كان الأمر كذا فهذا ظلم ، أو لا يقول به عاقل .. ونحو ذلك من العبارات . فقد يكون الأمر على ما استبعده هو ، فيكون قد أساء الأدب مع الشرع حيث اتهمه بأنه يأتي بالظلم أو بما لا يقول به عاقل .
وأما الجواب عن هذا ، فإن إلحاق الأدنى بالأعلى فيه مزيد إكرام وفضل من الله تعالى للأدنى والأعلى معا ، أما الأدنى فإنه يرتفع إلى درجة أعلى في الجنة لم يبلغها بعمله . وأما الأعلى فإن الله تعالى يزيد في نعيمه وسروره بأن يجمعه مع من كان يجب في الدنيا ، فيجمعه مع زوجه أو زوجته أو ولده .. إلخ ، وفي هذا زيادة نعيم وإكرام للأعلى .
فتبين بهذا أن إلحاق الأدنى بالأعلى لا ينافي العدل ، بل هو زيادة على العدل ، فهو فضل من الله ومزيد إكرام .
وأخيرا .. نصيحتنا للسائلة أن تشتغل بالنافع من الأعمال ، وأن يكون اهتمامها أن تطيع الله تعالى حتى تستحق رحمته وتدخل الجنة ، وتترك عنها تفاصيل الغيب لله سبحانه وتعالى ، فما دامت توقن أن عدل الله مطلق ، وكرمه واسع ، فلا يضرها بعد ذلك عدم علمها ببعض تلك التفاصيل الغائبة عنها .
نسأل الله تعالى أن يدخلنا الجنة برحمته .
والله أعلم .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب