"وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ 23.
وهذا دليل عقلي على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصحة ما جاء به، فقال "وَإِنْ كُنْتُمْ "معشر المعاندين للرسول, الرادين دعوته, الزاعمين كذبه في شك واشتباه, مما نزلنا على عبدنا, وأنتم المعروفون بالخطابة والشعر، وتحبير القول، ورصف الكلام، ونظم الشعر، ومحمد النبي الأمي الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم جاءكم بهذا القرآن من عند الله بعد أربعين سنة قضاها بين أظهركم، لا تستطيعون أن تذكروا له زَلَّة ولا كذبة على أحد منكم صَغُر أو كبر.
"وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا"وفي وصف الرسول بالعبودية في هذا المقام العظيم، دليل على أن أعظم أوصافِهِ صلى الله عليه وسلم، قيامه بالعبودية، التي لا يلحقه فيها أحد من الأولين والآخرين.وهي عبودية تشريف.
كما شرفه ووصفه بالعبودية في مقام الإسراء، فقال
" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ "الإسراء:1.وفي مقام الإنزال، فقال"تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ" الفرقان:1.
أنواع العبودية:
العبودية العامة : فهذه لا يخرج عنها مخلوق وتسمى عبودية القهر فالخلق كلهم بهذا المعنى عبيد لله يجري فيهم حكمه ، و ينفذ فيهم قضاؤه ، لا يملك أحد لنفسه ضرًا ولا نفعًا إلا بإذن ربه ومالكه المتصرف فيه . وهذه العبودية هي التي جاءت في مثل قوله تعالى " إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا" مريم/93 ، وهذه العبودية لا تقتضي فضلاً ولا تشريفًا.فمن أعرض عن العبودية الخاصة فهو مأسور مقهور بالعبودية العامة فلا يخرج عنها بحال من الأحوال . فالخلق كلهم عبيد لله فمن لم يعبد الله باختياره فهو عبد له بالقهر والتذليل والغلبة .
العبودية الخاصة:
عبودية المحبة والانقياد والطاعة التي يشرف بها العبد ويعظم ،وهي التي وردت في مثل قول الله تعالى "اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ"الشورى/19 ، وقوله "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْنًا" الفرقان/63 ، وهذه العبودية خاصة بالمؤمنين الذين يطيعون الله تعالى ، لا يشاركهم فيها الكفار الذين خرجوا عن شرع الله تعالى وأمره ونهيه ، والناس يتفاوتون في هذه العبودية تفاوتًا عظيمًا ؛ فكلما كان العبد محبًّا لله متبعًا لأوامره منقادًا لشرعه كان أكثر عبودية.
"فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ"
بعد أن ذكر سبحانه أن الناس بالنظر إلى القرآن أقسام ثلاثة: مُتَّقُون يهتدون بهديه، وجاحِدون معانِدون عن سماع حججه وبراهينه، ومُذَبذبون بين ذلك - طلب هنا إلى الجاحدين المعاندين في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي أن القرآن معجزته - أن يتعرفوا إن كان هو من عند الله كما يدّعي، أو هو من عند نفسه كما يدّعون.
ها هو صلى الله عليه وسلم بشر مثلكم، ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم، لا يكتب ولا يقرأ، فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله، وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه، فإن كان الأمر كما تقولون، فأتوا بسورة من مثله، واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم من دون الله ، فإن هذا أمر يسير عليكم، خاصة وأنتم أهل الفصاحة والخطابة، والعداوة العظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم، فإن جئتم بسورة من مثله، فهو كما زعمتم، وبرهان على صدقكم.
"فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ28."
"فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا" وهذه حُجَّة قويةٌ ودليلٌ عقليٌّ وتحدي لعلهم يرجعون ،وإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم غاية العجز،وَلَنْ تَفْعَلُوا على التأبيد وعَبْر كل العصور حتى قيام الساعة.
وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال تعالى "قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا"الإسراء: 88.
وكيف يقدر المخلوق من تراب، أن يكون كلامُه ككلامِ ربِ العالمين؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه, أن يأتي بكلام ككلام الكامل، الذي له الكمال المطلق، والغنى الواسع من كل الوجوه؟ هذا ليس في الإمكان، ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق.
"فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ"اتقوا النار التي بلغت في الحرارة العظيمة والشدة مبلغها، وقودها الناس والحجارة، ليست كنار الدنيا التي إنما تتقد بالحطب،قال ابن عباس يعني حجارة الكبريت لأنها أكثر التهابًا. وقيل جميع الحجارة وفيه دليل على عظم تلك النار وقوتها.
والمراد بالحجارة هاهنا: هي حجارة الكبريت العظيمة السوداء الصلبة المنتنة، وهي أشد الأحجار حرا إذا حميت، أجارنا الله وإياكم منها.
قال عبد الملك بن ميسرة الزرّاد عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، في قوله تعالى"وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ" قال: هي حجارة من كبريت، خلقها الله يوم خلق السماوات والأرض في السماء الدنيا، يعدها للكافرين. رواه ابن جرير، وهذا لفظه. وابن أبي حاتم، والحاكم في مستدركه وقال: على شرط الشيخين.
النار إذا أضرمت بحجارة الكبريت كان ذلك أشد لحرها وأقوى لسعيرها.نسأل الله السلامة والعافية لنا ولكم.
"أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ"وهذه النار الموصوفة معدة ومهيأة للكافرين بالله ورسله. فاحذروا الكفر برسوله، بعد ما تبين لكم أنه رسول الله.
وفي قوله"أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ" ونحوها من الآيات, دليل لمذهب أهل السنة والجماعة, أن الجنة والنار مخلوقتان خلافًا للمعتزلة.
نسأل الله العافية والهداية، والتوفيق إلى صراطه المستقيم، وأن يُجيرنا من النار وحرِّها ووقودها، إنه سميع مجيب.
"وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" 25.
تبدأ جنة الآخرة بجنة الدنيا وهي جنة الذكر و الطاعة.وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: ما يصنع أعدائي بي، أنا جنتي في قلبي، وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.
يقرن القرآن دائمًا بين الإيمان و العمل الصالح كلما ذكر العمل و الجزاء. فلا جزاء على إيمان عاطل خامد لا يعمل و لا يثمر. و لا على عمل منقطع لا يقوم على الإيمان .لما ذكر جزاء الكافرين, ذكر جزاء المؤمنين, أهل الأعمال الصالحات, على نهج القرآن يجمع بين الترغيب والترهيب, ليكون العبد راغبا راهبا, خائفا راجيا فقال" وَبَشِّرِ" أي: يا أيها الرسول ومن قام مقامه- بشر" الَّذِينَ آمَنُوا " بقلوبهم " وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ " بجوارحهم، فصدَّقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة.
ووصفت أعمال الخير بالصالحات، لأن بها تصلح أحوال العبد, وأمور دينه ودنياه, وحياته الدنيوية والأخروية, ويزول بها عنه فساد الأحوال, فيكون بذلك من الصالحين, الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته.
سارعُوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضُها كعرضِ السماءِ والأرض، فيها ما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمِعتْ ولا خَطرَ على قلبِ بشرٍ.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ" صحيح البخاري.
وأشجار الجنة دائمة العطاء،فهي ليست كأشجار الدنيا تعطي في وقت دون وقت، وفصل دون فصل، بل هي دائمة الإثمار والظلال "مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النارُ"الرعد: 35.
مِن المبَشِّرَاتِ ما كان يذْكُرُه النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأُمَّتِه مِن نَعيمِ الجنَّةِ وما أعدَّه اللهُ للصَّالحينَ منهم، وفي هذا تَثبيتٌ لأُمَّتِه إذا عرفوا ما سيَجِدونه عندَ الله مِن الرَّحمَةِ والكَرَامَة لِمَن خاف اللهَ واتَّقاهَ وعَمِل الصالحاتِ.
وهذا الحَديثُ هو مِن الأحاديثِ القُدُسيَّةِ التي يَرويها النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ عن رَبِّ العزَّةِ تَبارَك وتعالَى، وفيه يقولُ"قال اللهُ تبارَك وتعالى: أعدَدْتُ"، أي: خلقْتُ وهيَّأْتُ في الجنَّةِ "لعبادِي الصَّالحينَ"، أي: للعبادِ الذي يَعلمون الصَّالحاتِ، ويَسْعَون في الخيرِ، والإضافَةُ في قوله: لعبادِي؛ للتشريفِ، أي: المخلصِينَ منهم بتِلك الأعمالِ، "ما لا عينٌ رأتْ ولا أُذنٌ سَمِعَت"، أي: ما لم تَرَه عيْنٌ ولم تسمعْ به وبوصْفِه أُذنٌ في الدُّنيا، وتَنكيرُ "عيْن" و"أُذُن"في سِياقِ النَّفيِ يُفيدُ الشُّمولَ، أي: يكونُ في الجنَّةِ ما لم تَرَه أيُّ عيْنٍ مِن الأعيُنِ، ولم تسمَعْ به وبِوصفِه أيُّ أُذنٍ مِن الآذَانِ، "ولا خَطَر على قلب بشَرٍ"، أي: ولم يَمُرَّ على عقل أحدٍ ما يشبِهُه أو يتصوَّرُه من النَّعيمِ، فكلُّ شيءٍ تخيَّله عقلٌ أو قلبٌ من نعيمِ الجنَّةِ؛ ففِيها أفضلُ مما تخيَّله. الدرر السنية.
فبشرهم "أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ" أي: بساتين جامعة من الأشجار العجيبة, والثمار الأنيقة، والظل المديد، والأغصان والأفنان وبذلك، صارت جنة يجتن بها داخلها, وينعم فيها ساكنها.
" تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ " والمراد بها هنا دار الخلود في الحياة الآخرة أعدها الله للمتقين كما أعدّ النار للكافرين، ونحن نؤمن بهما ولا نبحث عن حقيقتهما.
" كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ" أي: هذا من جنسه، وعلى وصفه،كلها متشابهة في الحسن واللذة، ليس فيها ثمرة خاصة, وليس لهم وقت خال من اللذة, فهم دائما متلذذون بأكلها.
وقوله" وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا" أي إن رزق الجنة وثمرها يتشابه على أهلها في صورته ويختلف في طعمه ولذته.
ثم لما ذكر مسكنهم, وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم, ذكر أزواجهم, فوصفهن بأكمل وصف وأوجزه, وأوضحه فقال" وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ "أي ولهم في الجنات أزواج تطهرن غاية التطهر، فليس فيهنّ ما يعبن عليه من خبث جسدى مما عليه النساء في الدنيا كالحيض والنفاس، أو نفسي كالكيد والمكر وسائر مساوى الأخلاق.
وصحبة الأزواج في الآخرة من الأمور الغيبية التي نؤمن بها كما أخبر الله، ولا نبحث فيما وراء ذلك، فأطوار الآخرة أعلى مما في حياتنا الدنيا، فهي سالمة من المنغّصات في الطعام والشراب والمباشرة الزوجية، روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون ولا يبولون، ولا يتغوّطون ولا يتمخّطون، قالوا فما بال الطعام، قال جشاء ورشح كرشح المسك، ويلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النّفس ».
"فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ"الواقعه :89.
" فـ" لهم " رَوْحٌ" أي: راحة وطمأنينة، وسرور وبهجة، ونعيم القلب والروح.
" وَرَيْحَانٌ" وهو اسم جامع لكل لذة بدنية، من أنواع المآكل والمشارب وغيرهما، وقيل: الريحان هو الطيب المعروف، فيكون تعبيرًا بنوع الشيء عن جنسه العام.
" وَجَنَّتُ نَعِيمٍ " جامعة للأمرين كليهما، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فيبشر المقربون عند الاحتضار بهذه البشارة، التي تكاد تطير منها الأرواح من الفرح والسرور.
كما قال تعالى" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أن لَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ"فصلت : 30.
وقد أول قوله تبارك تعالى" لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ" يونس : 64. أن هذه البشارة المذكورة، هي البشرى في الحياة الدنيا.
تفسير الشيخ السعديرحمه الله . لَقيتُ إبراهيمَ ليلةَ أُسْريَ بي فقالَ : يا محمَّدُ ، أقرئ أمَّتَكَ منِّي السَّلامَ وأخبِرْهُم أنَّ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ عذبةُ الماءِ ، وأنَّها قيعانٌ ، وأنَّ غِراسَها سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبرُ"الراوي : عبدالله بن مسعود -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3462 -خلاصة حكم المحدث : حسن
"وَهُمْ فِيها خالِدُونَ" الخلود لغة: المكث الطويل ، ويراد به في لسان الشرع الدوام الأبدى أي وهم لا يخرجون منها ولا هي تفنى وتزول، بل هي حياة أبدية لا تنتهى.
ففي هذه الآية الكريمة, ذُكِرَ المبشِّر والمبشَّر, والمبشَّرُ به, والسبب الموصل لهذه البشارة، فالمبشِّر: هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من أمته، والمبشَّر: هم المؤمنون العاملون الصالحات، والمبشَّر به: هي الجنات الموصوفات بتلك الصفات، والسبب الموصل لذلك, هو الإيمان والعمل الصالح، فلا سبيل إلى الوصول إلى هذه البشارة, إلا بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة, على يد أفضل الخلق, بأفضل الأسباب.
وفيه استحباب بشارة المؤمنين, وتنشيطهم على الأعمال بذكر جزائها وثمراتها، فإنها بذلك تخف وتسهل، وأعظم بشرى حاصلة للإنسان, توفيقه للإيمان والعمل الصالح، فذلك أول البشارة وأصلها، ومن بعده البشرى عند الموت، ومن بعده الوصول إلى هذا النعيم المقيم، نسأل الله أن يجعلنا منهم.تفسير السعدي.