عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 10-05-2021, 06:31 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
افتراضي

من آية 45 إلى آية 52

"وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ" 45.
بعد أن بيَّن سبحانه وتعالى أن الإيمان قدوة. وبعد أن لفتنا إلى أن التوراة تطالب اليهود. بأن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام. يطلب الله سبحانه وتعالى الاستعانة بالصبر والصلاة. ومعنى الاستعانة بالصبر أن هناك أحداثا شاقة ستقع. وأن المسألة لن تكون سهلة. بل تحتاج إلى جهد. فالصبر معناه حمل النفس على أمر صعب. وهم ماداموا قد تعودوا على شراء آيات الله بثمن قليل.. لأنهم قلبوا الصفقة. فجعلوا آيات الله ثمنا لمتاع الدنيا. واشتروا بها متاعهم وملذاتهم. وبعد أن تعودوا على الربا وغيره من وسائل الكسب الحرام. لابد أن يستعينوا بالصبر إذا أرادوا العودة إلى طريق الإيمان.
أمرهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها, والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور, ومن يتصبر يصبره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان, وتنهى عن الفحشاء والمنكر, يستعان بها على كل أمر من الأمور "وَإِنَّهَا"أي: الصلاة "لَكَبِيرَةٌ"أي: شاقة "إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ"الخشوع هو: خضوع القلب وطمأنينته, وسكونه لله تعالى, وانكساره بين يديه, ذلا وافتقارا, وإيمانا به وبلقائه. فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ لأن الخشوع, وخشية الله, ورجاء ما عنده يوجب له فعلها, منشرحا صدره لترقبه للثواب, وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك, فإنه لا داعي له يدعوه إليها, وإذا فعلها صارت من أثقل الأشياء عليه.
"الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ" 46.
قال ابن جرير ، رحمه الله : العرب قد تسمي اليقين ظنا ، والشك ظنا ،والظن هنا في قول الجمهور بمعنى اليقين ومنه قوله تعالى إني ظننت أني ملاق حسابيه وقوله : فظنوا أنهم مواقعوها
قال ابن زيد في قوله" الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ "البقرة:46.قال: لأنهم لم يعاينوا, فكان ظنهم يقينا, وليس ظنا في شك.
"أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ " والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى أمر يقيني. فمادمت قد جئت إلى الدنيا مخلوقا من الله فأنت لا محالة سترجع إليه.
وهذا اليوم يجب أن نحتاط له. حيطة كبرى. وأن نترقبه. لأنه يوم عظيم.قال تعالى" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ" الحج:1.

" يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ" 47.
كرر تذكيرهم بالنعم لكمال غفلتهم عما يجب عليهم من شكرها،فضلهم بما أعطوا من الملك والرسل والكتب، على عالم من كان في ذلك الزمان, فإن لكل زمان عالما.
قال مجاهد : نعمة الله التي أنعم بها عليهم فيما سمى وفيما سوى ذلك ، فجر لهم الحجر ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وأنجاهم من عبودية آل فرعون .
وقال أبو العالية : نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرسل ، وأنزل عليهم الكتب .
قلت : وهذا كقول موسى عليه السلام لهم"وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ"المائدة : 20يعني في زمانهم .

بما جعل فيهم من الأنبياء وهذا خاصة لهم وليست لغيرهم
وذلك التفضيل وإن كان في حق الآباء، لكن به الشرف للأبناء.
" وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ" 48.
يذكرهم بهذا اليوم. وهو يوم القيامة الذي لا ينفع الإنسان فيه إلا عمله. لما ذكرهم اللهتعالى بنعمه أولًا ،عطف على ذلك التحذير من حلول نقمه بهم يوم القيامة فقال" وَاتَّقُوا يَوْمًا "يعني يوم القيامة " لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا"أي : لا يغني أحد عن أحد " يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ " كما قال" وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" الأنعام : 164.ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين " عَنْ نَفْسٍ"ولو كانت من العشيرة الأقربين " شَيْئًا"لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه.
"وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ"الشفاعة هي التوسط للغير بجلب منفعةٍ مشروعةٍ له، أو دفع مضرة عنه.
معنى الشفاعة في الشرع : طلب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم – أو غيره – من الله في الدار الآخرة حصول منفعة لأحد من الخلق.
ولا يقبل الله منها شفاعة شافع, فيترك لها ما لزمها من حق.
"وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ " أي ولا يؤخذ منها فداء إن هي استطاعت أن تأتى بذلك.
" وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ" أي لا يمنعون من العذاب.
والخلاصة - إن ذلك يوم تتقطع فيه الأسباب، وتبطل منفعة الأنساب، وتتحول فيه سنة الحياة الدنيا من دفع المكروه عن النفس بالفداء أو بشفاعة الشافعين، عند الأمراء والسلاطين، أو بأنصار ينصرونها بالحق والباطل على سواها، وتضمحلّ فيه جميع الوسائل إلا ما كان من إخلاص في العمل قبل حلول الأجل، ولا يتكلم فيه أحد إلا بإذن الله.
" وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ"49.
فصل في هذه الآية نعمة مما أنعم به على هذا الشعب ." " وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يعني نجينا أسلافَكم وأجدادَكم فتُعَد مِنَّة عليهم لأنهم نجوا بنجاتهم. الإنعام على أمة إنعام شامل لأفرادِها سواء منهم من أصابه ذلك ومن لم يصبه.
" يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ" أي يكلفونكم ما يسوءكم ويذلكم من العذابثم فصل هذا العذاب بقوله:
" يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ" أي يقتلون الذكور ويستبقون البنات إذلالا لكم حتى ينقرض شعبكم من البلاد. فأنتم بين قتيل ومذلل بالأعمال الشاقة، مستحيي على وجه المنة عليه والاستعلاء عليه فهذا غاية الإهانة، فمن الله عليهم بالنجاة التامة وإغراق عدوهم وهم ينظرون لتقر أعينهم.
" وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ" أي وفي ذلكم العذاب والتنجية منه امتحان عظيم من ربكم كما قال تعالى"وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ"الأنبياء:35. فالبلاء يكون بمعنى النعمة وبمعنى الشدة فالله تعالى قد يختبر على النعمة بالشكر وعلى الشدة بالصبر. وقوله" مِنْ رَبِّكُمْ" أي من جهته تعالى بتسليطهم عليكم، وبعث موسى وتوفيقه لخلاصكم.
فهذا مما يوجب عليكم الشكر والقيام بأوامره.

" وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ" 50.
أي واذكروا من نعمتنا عليكم نعمة فرق البحر بكم وجعلنا لكم فيه طرقا تسلكونها حين فراركم من فرعون وجنده.
فقد خرج موسى وقومه وهم شرذمة قليلة خائفة فارة من بطش فرعون، وعرف فرعون بخروجهم فخرج وراءهم على رأس جيش عظيم العدد والعُدة . وعندما جاء قوم فرعون بعددهم الضخم يقاومون قوم موسى وتراءى الجمعان أي أنهم رأوهم رؤية العين قال قوم موسى إنا لمدركون "فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ " الشعراء: 61." قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ"62." فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ"63. أي: الجبل الْعَظِيمِ فدخله موسى وقومه.
" وَإِذْ فَرَقْنَا" الفرق: الفصل بين الشيئين. فأمامهم البحر ووراءهم فرعون وجنوده. ولكن حين تخرج الأحداث من نطاق الأسباب إلى قدرة رب الأسباب فهي لا تخضع لأسباب الكون.
"فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ"
كلمة نجَّى-وردت في آية 49- وكلمة أنجى -وردت في آية 50-بينهما فرق كبير.
كلمة نَجَّى تكون وقت نزول العذاب. وكلمة أنجى يمنع عنهم العذاب.

"وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ" أي تشاهدون مصارعَهم وهلاكَم عِيانًا. والفائدة من قوله"وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ" بيان تمام النعمة، فإن هلاك العدوّ نعمة، ومشاهدة هلاكه نعمة أخرى فيها سرور.

" وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ"51.
أي واذكروا نعمة أخرى كفرتم بها وظلمتم أنفسكم، ذاك أنهم بعد أن اجتازوا البحر سألوا موسى أن يأتيهم بكتاب من ربهم، فواعده ربه أن يعطيه التوراة وكان الوعد يشمل أربعين ليلة لذلك ، فاستبطئوه واتخذوا عجلًا من ذهب، له خوار فعبدوه وظلموا أنفسهم بإشراكهم.
وفي ذكر هذا تعجيب من حالهم، فإن مواعدة الله موسى بإنزال التوراة إليه نعمة وفضيلة لبني إسرائيل قابلوها بأقبح أنواع الكفر والجهل.

" ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"52.
الله سبحانه وتعالى يمن على بني إسرائيل مرة أخرى.. مع أنهم ارتكبوا ذنبا من ذنوب القمة.. ومع ذلك عفا الله عنهم لأنه يريد أن يستبقي عنصر الخير للناس.. يريد أن يعلم خلقه أنه رب رحيم. يفتح أبواب التوبة للواحد بعد الآخر.. لتمحو خلايا الشر في النفس البشرية.
إن الإنسان حين يذنب ذنبا ينفلت من قضية الإيمان.. ولو لم تشرع التوبة والعفو من الله لزاد الناس في معاصيهم وغرقوا فيها.. لأنه إذا لم تكن هناك توبة وكان الذنب الواحد يؤدي إلى النار.. والعقاب سينال الإنسان فإنه يتمادى في المعصية. وهذا ما لا يريده الله سبحانه وتعالى لعباده

رد مع اقتباس