المجلس الثامن والثلاثون
شرح أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل
المتن - وَالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَا وَقَدْ أُحْصِنَ إِذَا اعْتَرَفَ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ،وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،وَقَدْ رَجَمَتْ الأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ.
الشرح:
الزاني المحصن:هو الذي قد تزوج ثم زنا بعدما تزوج زواجًا شرعيًّا ودخل بامرأته . ولا يلزم في إقامة حد الرجم أن يكون - الرجل أو المرأة - متزوجًا حال فعل الزنا ، فمن طلق أو ماتت زوجته بعد الدخول بها ، فإنه محصن إذا توفرت فيه بقية الشروط ، وكذا من طلقت أو مات زوجها ، فإنها محصنة .
جاء في الموسوعة الفقهية :2/227" وَمِمَّا تَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَقَاءُ النِّكَاحِ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ , فَلَوْ نَكَحَ فِي عُمُرِهِ مَرَّةً ثُمَّ طَلَّقَ وَبَقِيَ مُجَرَّدًا , وَزَنَى رُجِمَ " انتهى .
فتوى اللجنة الدائمة:من تزوج بزوجة ثم زنا أقيم عليه حد الرجم، سواء كانت زوجته باقية في عصمته، أم ماتت؛ لأنه صار بوطئه زوجته محصنًا، وكذا الحكم في المرأة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.المصدر:اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:22/38: عبد الله بن قعود ... عضو عبد الله بن غديان ... عضو عبد الرزاق عفيفي ... نائب الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس.
حد الرجم للزاني للمحصن ثابت بالكتاب والسنَّة والإجماع.
فالمحصن من السنة أن يرجم حتى يموت إذا قامت عليه البيِّنة، أو اعترف بالزنا أربع مرات وبقي على اعترافه إلى أن يقام عليه الحد.
حكم الزاني المحصن فإن حكمه الرجم بالحجارة حتى الموت ، وقد ذُكر في آية قرآنية نزلت وتليت وعمل بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال "إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ " رواه البخاري : 6442- ومسلم : 1691 .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ " أَبِكَ جُنُونٌ ؟ " قَالَ : لَا قَالَ "فَهَلْ أَحْصَنْتَ " قَالَ : نَعَمْ .فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ " .رواه البخاري : 6430 - ومسلم : 1691 .
وفي رواية: عن جَابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ الأنْصَارِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِيمَن رَجَمَهُ، فَرَجَمْنَاهُ بالمُصَلَّى بالمَدِينَةِ، فَلَمَّا أذْلَقَتْهُ الحِجَارَةُ جَمَزَ حتَّى أدْرَكْنَاهُ بالحَرَّةِ، فَرَجَمْنَاهُ حتَّى مَاتَ."الراوي : أبو هريرة وجابر-المحدث : البخاري -المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 5271.
"أَذْلَقَتْه الحِجارةُ" أي: أقْلَقتْه وأَوجَعَتْه، "جَمَزَ" أي: أسرَعَ هارِبًا مِن القَتلِ، فأدْرَكوه بالحَرَّةِ فَرَجَمْوه حَتَّى ماتَ، والحَرَّةُ: مَكانٌ مَعروفٌ بالمَدينةِ مِن الجانِبِ الشَّماليِّ مِنه.الدرر السنية.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَما إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ أحَدُهُمَا: اقْضِ بيْنَنَا بكِتَابِ اللَّهِ، وقالَ الآخَرُ -وهو أفْقَهُهُمَا-: أجَلْ يا رَسولَ اللَّهِ، فَاقْضِ بيْنَنَا بكِتَابِ اللَّهِ، وأْذَنْ لي أنْ أتَكَلَّمَ، قالَ: تَكَلَّمْ، قالَ: إنَّ ابْنِي كانَ عَسِيفًا علَى هذا -قالَ مَالِكٌ: والعَسِيفُ الأجِيرُ - زَنَى بامْرَأَتِهِ، فأخْبَرُونِي أنَّ علَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ منه بمِائَةِ شَاةٍ وجَارِيَةٍ لِي، ثُمَّ إنِّي سَأَلْتُ أهْلَ العِلْمِ، فأخْبَرُونِي أنَّ ما علَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْرِيبُ عَامٍ، وإنَّما الرَّجْمُ علَى امْرَأَتِهِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَا والَّذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بيْنَكُما بكِتَابِ اللَّهِ، أمَّا غَنَمُكَ وجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وغَرَّبَهُ عَامًا، وأُمِرَ أُنَيْسٌ الأسْلَمِيُّ أنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الآخَرِ، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا."الراوي : أبو هريرة وزيد بن خالد الجهني - المحدث : البخاري- المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 6633.
وفيه: أنَّ الرَّجُل إذا كانَ مُحصَنًا فحَدُّه الرَّجمُ، وإنْ لَم يكُن مُحصَنًا وَزَنى فإنَّه يُجلَدُ مائةَ جَلدةٍ ويُغَرَّبُ عامًا.
وفيه: أنَّ من أقَرَّ بالحدِّ وجب على الإمامِ إقامتُه عليه، ولو لم يعتَرِفْ مُشارِكُه في ذلك.الدرر السنية.
" أنَّ امرأةً يعني من غامدٍ أتت النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت إنِّي قد فجرتُ فقال ارجِعي . فرجعت ، فلمَّا كان الغدُ أتته ، فقالت : لعلَّك أن ترُدَّني كما رددتَ ماعزَ بنَ مالكٍ ! فواللهِ إنِّي لحُبلَى . فقال لها : ارجِعي فرجعت ، فلمَّا كان الغدُ أتته ، فقال لها : ارجِعي حتَّى تلِدي . فرجعت ، فلمَّا ولدت أتته بالصَّبيِّ فقالت : هذا قد ولدتُه ، فقال لها : ارجِعي فأرضعيه حتَّى تَفطميه . فجاءت به وقد فطمته وفي يدِه شيءٌ يأكلُه ، فأمر بالصَّبيِّ فدُفِع إلى رجلٍ من المسلمين ، وأمر بها فحُفِر لها ؛ وأمر بها فرُجِمَت . وكان خالدٌ فيمن يرجمُها فرجمها بحجرٍ فوقعت قطرةٌ من دمِها على وجنتِه ، فسبَّها . فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : مهلًا يا خالدُ فوالَّذي نفسي بيدِه ! لقد تابت توبةً لو تابها صاحبُ مُكسٍ لغُفِر له . وأمر بها فصلَّى عليها ودُفِنت "الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي- المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم : 4442- خلاصة حكم المحدث : صحيح.
صاحبُ مُكسٍ: والْمُكْسُ: الْجبايَةُ،الذي يفرض على الناس ضرائب بغير حق. وغَلَبَ استعمالُه فيما يَأخُذه أعوانُ الظَّلمةِ عِند البيعِ والشِّراءِ.
في الحديثِ: أنَّ الحدودَ تُكفِّرُ الذُّنوبَ.
وفيه: أنَّ توبةَ الزَّاني لا تُسقِطُ عنه حدّ الزِّنا.
وفيه: بيانُ عِظمِ التَّوبةِ، وأنَّها تَجُبُّ الذَّنبَ وإنْ عَظُمَ.
وفيه: بيانُ حدِّ الزَّاني إذا كان مُحْصَنًا.
وفيه: أنَّ مِن هدْيِه صلَّى الله عليه وسلَّمُ التَّثَبُّتَ مِنَ الأمرِ قدْرَ المستطاعِ خصوصًا فيالحدودِ.الدرر السنية.
"............جَاءَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهُمْ جُلُوسٌ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، فَقالَ: اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ، قالَ: فَقالوا: غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ،قالَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لقَدْ تَابَ تَوْبَةً لو قُسِمَتْ بيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ."الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي-صحيح مسلم.
*هل تطبيق الحد مُكَفِّر للذنب :
عن عبادة بن الصامت قال:كُنَّا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في مَجْلِسٍ، فَقالَ" تُبَايِعُونِي علَى أَنْ لا تُشْرِكُوا باللَّهِ شيئًا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، فمَن وَفَى مِنكُم فأجْرُهُ علَى اللهِ، وَمَن أَصَابَ شيئًا مِن ذلكَ فَعُوقِبَ به فَهو كَفَّارَةٌ له، وَمَن أَصَابَ شيئًا مِن ذلكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فأمْرُهُ إلى اللهِ، إنْ شَاءَ عَفَا عنْه، وإنْ شَاءَ عَذَّبَهُ".صحيح مسلم
" فَعُوقِبَ به فَهو كَفَّارَةٌ له "فَعُوقِبَ بِه في الدُّنْيا بِأَنْ أُقيمَ عليه الحَدُّ، فَهو، أي: العِقابُ كَفارَّة لَه فَلا يُعاقَبُ عليه في الآخِرةِ وطَهور يُطَهِّره اللهُ به مِن دَنَسِ المَعصيةِ.
ومَن سَتَرَه اللهُ فَذَلِكَ مُفَوَّض إلى اللهِ، إنْ شاءَ عَذَّبَه بِعَدْلِه، وإنْ شاءَ غَفَرَ لَه بِفَضلِه.الدرر السنية.
*هل يُغفر للزاني التائب ولو لم يُقم عليه الحد ؟
إن صدق في التوبة ، وأكثر من الاستغفار فلا يلزمه أن يعترف ليقام عليه الحد ، بل التوبة كافية إن شاء الله تعالى .
قال تعالى"وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا*إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا"الفرقان: 68 :70.
يَرْوي بُرَيْدةُ بنُ الحُصَيْبِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ ماعِزَ بنَ مالِكٍ الأسْلَمِيَّ رَضيَ اللهُ عنه :جَاءَ مَاعِزُ بنُ مَالِكٍ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقالَ: وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إلَيْهِ، قالَ: فَرَجَعَ غيرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، طَهِّرْنِي، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ:وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إلَيْهِ.............."صحيح مسلم.
فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أبك جنون؟ قال: لا، قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: اذهبوا به، فارجموه.
قال النووي :
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى سُقُوط إِثْم الْمَعَاصِي الْكَبَائِر بِالتَّوْبَةِ , وَهُوَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .اهـ .
وقال الحافظ ابن حجر :
ويؤخذ من قضيته – أي : ماعز عندما أقرَّ بالزنى - أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحدٍ . . . وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال : أُحبُّ لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب اهـ ." فتح الباري " 12 / 124 ، 125 .
*ولي الأمر أو من ينوبة فقط هو الذي له حق إقامة الحد :
من وقع في الزنا وجب عليه أن يتوب إلى الله توبة نصوحًا، وينبغي أن يستر نفسه بستر الله- عز وجل- ولا يُطالب بإقامة الحد عليه، ولا يقيم الحدود إلا الحاكم المسلم، أو من يقوم مقام الحاكم، ولا يجوز لأفراد المسلمين أن يقيموا الحدود؛ لما يلزم على ذلك من الفوضى والفتنة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء/الرئيس: عبد/العزيز بن عبد الله بن باز/ عضو: عبد الله بن غديان/عضو: صالح الفوزان/عضو: عبد العزيز آل الشيخ.