عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 11-13-2022, 02:19 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
Post

من آية 165إلى171. .
"وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ"165.
ما أحسن اتصال هذه الآية بما قبلها، فإنه تعالى, لما بين وحدانيته وأدلتها القاطعة, وبراهينها الساطعة الموصلة إلى علم اليقين, المزيلة لكل شك، ذكر هنا أن " وَمِنَ النَّاسِ " مع هذا البيان التام مَنْ يتخذ مِنَ المخلوقين أندادا لله ، الأنداد واحدها ندّ وهو المماثل .أي: يتخذون نظراء ومثلاء، يساويهم في الله بالعبادة والمحبة, والتعظيم والطاعة. ومن كان بهذه الحالة - بعد إقامة الحجة، وبيان التوحيد - عُلم أنه معاند لله، مشاق له, أو معرِض عن تدبر آياته والتفكر في مخلوقاته, فليس له أدنى عذر في ذلك، بل قد حقت عليه كلمة العذاب. وهؤلاء الذين يتخذون الأنداد مع الله، لا يسوونهم بالله في الخلق والرزق والتدبير، وإنما يسوونهم به في العبادة، فيعبدونهم، ليقربوهم إليه، وفي قوله: " يَتَّخِذُ " دليل على أنه ليس لله ند وإنما المشركون جعلوا بعض المخلوقات أندادا له، تسمية مجردة، ولفظا فارغا من المعنى.
قال تعالى "أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ " الزمر:3.
مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى : يقولون إننا ما نعبد هذه المعبودات إلا من أجل أن نتوسل بها، لكي تقربنا إلى الله قربى، ولتكون شفيعة لنا عنده حتى يرفع عنا البلاء والمحن.
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ : الله هو المستحق للمحبة الكاملة, والذل التام، فلهذا مدح الله المؤمنين بقوله "وَالَّذِينَ آمَنُوا أَ شَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ"
أي: الذين آمنوا أشد حبًا لله من أهل الأنداد لأندادِهم، لأن المؤمنين أخلصوا محبتهم لله، وهؤلاء أشركوا بها، ولأن المؤمنين أحبوا من يستحق المحبة على الحقيقة، الذي محبته هي عين صلاح العبد وسعادته وفوزه، ولقد ضرب المؤمنون الصادقون أروع الأمثال في حبهم لله- تعالى- لأنهم ضحوا في سبيله بأرواحهم وأموالهم وأبنائهم وأغلى شيء لديهم، ولأنهم لم يعرفوا عملا يرضيه إلا فعلوه، ولم يعرفوا عملا يغضبه إلا اجتنبوه.
والمشركون أحبوا من دون الله من لا يستحق من الحب شيئًا، ومحبته عين شقاء العبد وفساده، وتشتت أمره. لذا أخبر- سبحانه- عما ينتظر الظالمين من سوء المصير ، والظالمون هم المشركون وظلموا باتخاذ الأنداد والانقياد لغير رب العباد وظلموا الخلق بصدهم عن سبيل الله وبحملهم على أن يحذو حذوهم، ويتخذوا الأنداد مثلهم ، وسعيهم فيما يضرهم وتوعدهم الله بقوله " وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ "
والمعنى: ولو يرى أولئك المشركون حين يشاهدون العذاب المعَدّ لهم يوم القيامة فتقطع بهم الأسباب، ولا تغني عنهم الأنداد والأرباب، أن القدرة والقوة كلها لله وحده، وأن عذابه الذي يصيب به المتخبطين في ظلمات الشرك شديد، بها يتصرف في كل موجود، لعلموا أن هذه القوة التي تدبر عالم الآخرة هي عين القوة التي تدبر عالم الدنيا، وأنهم كانوا ضالين حين لجأوا إلى سواها، وأشركوا معها غيرها، وكان ذلك منشأ عقابهم وعذابهم.
لو يعلمون ذلك، لرأوا ما لا يوصف من الهول والفظاعة، ولوقعوا فيما لا يكاد يوصف من العذاب والحسرة والندامة.
" إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ"166.
وتَبَرَّأَ من التَّبَرُؤ وهو التخلص والتنصل والتباعد، ومنه برئت من الدين أي: تخلصت منه، وبرأ المريض من مرضه، أي: تخلص من مرضه.
والمراد بالذين اتُّبِعُوا: أئمة الكفر الذين يحلون ويحرمون ما لم يأذن به الله.
والمراد بالذيناتَّبَعُوا: أتباعهم وأشياعهم الذين يتلقون جميع أقوالهم بالطاعة والخضوع بدون تدبر أو تعقل.
وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ: وتقطعت بسبب كفرهم الأسباب التي كانوا يرجون من ورائها النجاة. والْأَسْبابُ جمع سبب، وهو في الأصل الحبل الذي يرتقَى به الشجر ونحوه، ثم سمي به كل ما يتوصل به إلى غيره، عينا كان أو معنى. فيقال للطريق سبب، لأنك بسلوكه تصل إلى الموضع الذي تريده، ويقال للمودة سبب لأنك تتواصل بها إلى غيرك، والمراد بالأسباب هنا:

الوشانج والصلات التي كانت بين الأتباع والمتبوعين في الدنيا، من القرابات والمودات والأحلاف والاتفاق في الدين ... إلخ.
"وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ "167.
الكرة: الرجعة والعودة. والمعنى: وقال الذين كانوا تابعين لغيرهم في الباطل بدون تعقل أو تدبر ليت لنا رجعة إلى الحياة الدنيا فنتبرأ من هؤلاء الذين اتبعناهم وأضلونا السبيل كما تبرءوا منا في هذا اليوم العصيب - بأن يتركوا الشرك بالله، ويقبلوا على إخلاص العمل لله،ويهتدوا بكتاب الله وسنة رسوله ثم يعودوا إلى موضع الحساب- فنتبرأ من هؤلاء الضالين كما تبرءوا منا، ونسعد بعملنا حيث هم أشقياء بأعمالهم.
وهيهات هيهات، فات الأوان ، وليس الوقت وقت إمهال وإنظار.فتبرؤوا جميعًا من بعض في حال رؤيتهم للعذاب.
كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ: المعنى: كما أرى الله- تعالى- المشركين العذاب وما صاحبه من التبرؤ وتقطع الأسباب بينهم، يريهم- سبحانه- أعمالهم السيئة يوم القيامة فتكون حسرات تتردد في صدورهم كأنها شرر الجحيم.
ثم ختم- سبحانه- الآية ببيان عاقبة أمرهم فقال: وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ.لكن هذا التحسُّر والندم لا يُفيدهم شيئًا؛ فإنَّهم باقون في النار غير خارجين منها. بل هم مستقرون فيها استقرارًا أبديًا.
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ"168.
لما بيَّنَ تعالى أنه لا إله إلا هو ، وأنه المستقل بالخلق ، شرع يبين أنه الرزاق لجميع خلقه فوجه نداء عاما إلى البشر أمرهم فيه بأن يتمتعوا بما أحله لهم من طيبات- كُلُوا صيغة أمر واردة في معنى الإباحة.- ، فذكر ذلك في مقام الامتنان أنه أباح لهم أن يأكلوا مما في الأرض في حال كونه حلالا من الله طيبًا ، أي : مستطابا في نفسه غير ضار للأبدان ولا للعقول وَالطَّيِّبُ: هو المستلذ المستطاب الذي تقبل عليه النفوس الطاهرة وتنبسط لتناوله، وإنما تنبسط النفوس الطاهرة لتناول طعام غير قذر ولا موقع في تهلكة، إذ القذر ينفر منه الطبع السليم، والموقع في تهلكة يمجه العقل القويم.، فكأنه يدعو غير المؤمنين: لو عقلتم، لوجب أن تحتاطوا إلى حياتكم بألا تأكلوا إلا حلالا أحله الله للمؤمنين، ونهاهم عن اتباع وساوس وخطوات الشيطان :
وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ تعليل للنهي عن اتباع الشيطان. بَيِّن العداوة، وقيل: مظهر العداوة، وقد أظهر عداوته بإبائه السجود لآدم وغروره إياه حتى أخرجه الله من الجنة.
ثم بين كيفية عداوته وفنون شره وإفساده فقال تعالى :
"إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" 169.
هذه الآية استئناف لبيان كيفية عداوته، وتفصيل لأنواع شروره ومفاسده.
إِنَّمَا يَأْمُرُكُم: والأمر في الأصل: الطلب بالقول، واستعمل في تزيين الشيطان المعصية، لأن تزيينها في معنى الدعوة إليها.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف كان الشيطان آمرا مع قوله "لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ؟"
قلتُ: شَبَّهَ تزيينَهُ وبعثَهُ على الشرِّ بأمرِ الآمرِ، كما تقول: أمَرَتنِي نفسي بكذا.
بِالسُّوءِ :والسوء كل مايُحزِن . والمراد به هنا، كل ما يغضب الله- تعالى- من المعاصي، لأنها تسوء صاحبَهَا وتُحْزِنه في الحال أو المآل.
وَالْفَحْشَاءِ : ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال مما يستفحشه من له عقل .عطف الفحشاء على السوءمن باب عطف الخاص على العام؛ لأن الفحشاء من المعاصي .
وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ : أي ويأمركم أن تقولوا على الله في دينه ما لا تعلمون علم اليقين أنه شرعه لكم من عقائد وشعائر دينية، أو تحليل ما الأصل فيه التحريم، أو تحريم ما الأصل فيه الإباحة، ففي كل ذلك اعتداء على حق الربوبية بالتشريع، وهذا أقبح ما يأمر به الشيطان، فإنه الأصل في إفساد العقائد، وتحريف الشرائع.
فيدخل في ذلك، القول على الله بلا علم، في شرعه,، وقدره، فمن وصف الله بغير ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، أو نفى عنه ما أثبته لنفسه، أو أثبت له ما نفاه عن نفسه، فقد قال على الله بلا علم، ومن زعم أن لله ندا، وأوثانا، تقرب من عبدها من الله، فقد قال على الله بلا علم، ومن قال: إن الله أحل كذا, أو حرم كذا، أو أمر بكذا، أو نهى عن كذا، بغير بصيرة، فقد قال على الله بلا علم.
قال الطبري : وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ : يريد ما حرموا من البحيرة والسائبة ونحوها مما جعلوه شرعًا.
"مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَظ°كِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ "المائدة : 103.
هذا ذم للمشركين الذين شرعوا في الدين ما لم يأذن به الله، وحرموا ما أحله الله، فجعلوا بآرائهم الفاسدة شيئا من مواشيهم محرما، على حسب اصطلاحاتهم التي عارضت ما أنزل الله فقال" مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ "وهي: ناقة يشقون أذنها، ثم يحرمون ركوبها ويرونها محترمة. " وَلَا سَائِبَةٍ "وهي: ناقة، أو بقرة، أو شاة، إذا بلغت شيئا اصطلحوا عليه، سيبوها فلا تركب ولا يحمل عليها ولا تؤكل، وبعضهم ينذر شيئا من ماله يجعله سائبة. " وَلَا حَامٍ " أي: جمل يحمى ظهره عن الركوب والحمل، إذا وصل إلى حالة معروفة بينهم. فكل هذه مما جعلها المشركون محرمة بغير دليل ولا برهان. وإنما ذلك افتراء على الله، وصادرة من جهلهم وعدم عقلهم.تفسير السعدي.
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ"170.
أي: وإذا قيل لأولئك الذين اقتفوا خطوات الشيطان، وقالوا على الله بدون علم ولا برهان، أي: إذا قيل للمشركين: التزِموا باتِّباع الوحيِ الإلهيِّ فحسبُ؛ فأحِلُّوا حلالَه، وحرِّموا حرامَه، دون التَّقوُّلِ على الله تعالى بلا عِلمٍ ،ولا تتبعوا من دونه أولياء – جنحوا إلى تقليد الآباء وأعرضوا عن ذلك وقالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من عبادة الأصنام والخضوع للرؤساء.
أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ: أي كيف يتبعون آباءهم وآباؤهم جُهال لا يعقلون شيئًا من أمور الدين. إذ ليس لديهم عقلٌ سليم يُرشِدهم إلى اتِّباع الحقِّ، ويزجُرُهم عن اتِّباع الباطل، ولا يحمِلون عِلمًا نافعًا يعمَلون على وَفْقِه عملًا صالحًا؛ فكيف يتَّبعون هؤلاء ومِثْلُهم لا يصلُحُ أنْ يُقتدى بهم . قال جلَّ وعلا في موضع آخر" إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ "الصافات:69-70.
"وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ "171.
الذي ينعق هو الذي يُصَوِّتُ ويصرخ للبهائم، وهو الراعي.
شبه تعالى واعظ الكفار وداعيهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم بالراعي الذي ينعق بالغنم والإبل فلا تسمع إلا دعاءه ونداءه ، ولا تفهم ما يقول ، هكذا فسره ابن عباس ومجاهد وعكرمة والسدي والزجاج والفراء وسيبويه.
أي: شبَّه اللهُ تعالى الكفَّارَ عند دعوة الدَّاعي لهم إلى الإيمان -كالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ- شبَّههم بالبهائمِ التي يصوِّت لها راعيها، فتسمَعُ الصَّوت ولا تفهَمُ المعنى، فكذلك حالُ الكفَّارِ الَّذين لا ينتفعون مِن تلك الدَّعوة بشيء، لكنَّهم يسمعون ما تُقام عليهم به الحجَّة.
دُعَاءً وَنِدَاءً : والدعاء والنداء قيل بمعنى واحد أي أن ثانيهما تأكيد للأول، وقيل: الدعاء للقريب والنداء للبعيد.
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ : زيادة في تبكيتهم وتقريعهم، أي: هم صم عن استماع دعوة الحق، بُكْم عن إجابة الداعي إليها، عمي عن آيات صدقها وصحتها، فهم لإعراضهم عن الهادي لهم إلى ما ينفعهم وينجيهم من العذاب صاروا بمنزلة من فقد حواسه، فأصبح لا يسمع ولا ينطق ولا يبصر.
وقوله:فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ: وارد مورد النتيجة بعد البرهان، بجانب كونه توبيخا لهم، لأنهم بفقدهم أهم طرق الإدراك وهما السمع والبصر، وأهم وسيلة للثقافة وهي استطلاع الحقائق من طريق المحاورة والتكلم، صاروا بعد كل ذلك بمنزلة من فقد عقله الاكتسابى، فأصبح لا يفقه شيئا لأن العقل الذي يكتسب به الإنسان المعارف والحقائق يستعين استعانة كبرى بهذه الحواس الثلاث.الوسيط.
وبعد هذا البيان البليغ لحال الذين يتخذون من دون الله أندادا، ولحال الكافرين المقلدين لآبائهم في الضلال بدون تدبر أو تعقل، بعد كل ذلك وجهت السورة الكريمة نداء إلى المؤمنين بينت لهم فيه- وفيما سيأتى بعده من آيات- كثيرا من التشريعات والآداب والأحكام التي هم في حاجة إليها .
رد مع اقتباس