11-29-2022, 02:19 AM
|
|
غفر الله لها
|
|
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
|
|
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ"172."إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"173.
بعد أن بين سبحانه حال الذين يتخذون الأنداد من دونه، ثم خاطب الناس جميعًا بأن يأكلوا مما في الأرض من خيراتها بشرط أن يكون حلالا طيبًا، ثم بين سوء حال الكافرين المقلدين الذين يقودهم الرؤساء كما يقود الراعي الغنم، لأنه لا استقلال لهم برأى ولا يهتدون بعقل.
ثم في هذه الآية وجه الخطاب إلى المؤمنين خاصة، لأنهم أحق بالفهم، وأحرى بالاهتداء، فأمرهم – أمر إباحة - أن يأكلوا من الطيبات ويشكروا الله على ما أنعم به عليهم، ثم حصر محرمات المطاعم في أنواع معينة، ليعلموا أن التحريم لا يعدوها، وأن أكثر ما خلق الله من الأرزاق والأطعمة مباح لهم، فمن الحق أن يكون الشكران غدوّا وعشيا على تلك المنن التي لا تحصى، والنعم التي لا تحصر ولا تعدّ.
طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ: أي طاب كسبه من الحلال.وما طاب من الرزق بتحليل الله له.أي: يا من آمنتم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر كلوا من ألوان الطيبات التي أحللناها لكم.
وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ :والشكر: هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم لموجدها، ووضعها في الموضع الذي أمر به.أي استخدام نعم الله في طاعة الله لنؤدي شكرها.
"إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا."الراوي : أنس بن مالك - صحيح مسلم
أي: تمتعوا بنعم الله، واعترفوا له بها على وجه التعظيم، بأن تمتثلوا ما أمر به، وتجتنبوا ما نهى عنه، إن كنتم تخصونه بالعبادة حقًا، وتفردونه بالطاعة صدقًا.
قال الآلوسى: وجملة إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ بمنزلة التعليل لطلب الشكر، كأنه قيل "واشكروا له لأنكم تخصونه بالعبادة، وتخصيصكم إياه بالعبادة، يدل على أنكم تريدون عبادة كاملة تليق بكبريائه، وهي لا تتم إلا بالشكر، لأنه من أجل العبادات"الوسيط.
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ: لمَّا قيَّد سبحانه وتعالى الإذنَ لعباده بالطيِّب من الرِّزق، افتقَر الأمرُ إلى بيان الخبيث منه ليُجتَنَب، فبيَّن صريحًا ما حرَّم عليهم ممَّا كان المشركون يستحلُّونه ويحرِّمون غيرَه، وأفهَم حِلَّ ما عداه، وأنه كثيرٌ جدًّا؛ ليزدادَ المخاطَب شكرًا.
الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ :بيان لما حرمه الله- تعالى- علينا من المطاعم رعاية لمنفعتنا.
والْمَيْتَةَ في عرف الشرع: ما مات حتف أنفه، أو قتل على هيئة غير مشروعة، فيدخل فيها: المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما عدا عليها السبع، ويدخل في حكم الميتة ما قطع من جسم الحيوان الحي.
قال تعالى"حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ " المائدة: 3.
قال صلى الله عليه وسلم"ما قُطِعَ منَ البَهيمةِ وَهيَ حيَّةٌ فما قُطِعَ منها فَهوَ مَيتةٌ"
الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - صحيح ابن ماجه.
الْمُنْخَنِقَةُ: أي: الميتة بخنق، بيد أو حبل، أو إدخال رأسها بشيء ضيق، فتعجز عن إخراجه حتى تموت. " وَالْمَوْقُوذَةُ " أي: الميتة بسبب الضرب بعصا أو حصى أو خشبة، أو هدم شيء عليها، بقصد أو بغير قصد. " وَالْمُتَرَدِّيَةُ " أي: الساقطة من علو، كجبل أو جدار أو سطح ونحوه، فتموت بذلك."وَالنَّطِيحَةُ ْ" وهي التي تنطحها غيرها فتموت. " وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ ْ" من ذئب أو أسد أو نمر، أو من الطيور التي تفترس الصيود، فإنها إذا ماتت بسبب أكل السبع لها، فإنها لا تحل.
وَالدَّمَ : أي الدم المسفوح، لأنه قذر وضارّ كالميتة. الدم المسفوح هو الدم الذي يخرج من البهيمة عند الذبح يحرم شربه.استثنى الشرع من الميتة السمك والجراد ومن الدم الكبد والطحال فأحلها.
"أحلَّت لَكُم ميتتانِ ودَمانِ ، فأمَّا الميتَتانِ ، فالحوتُ والجرادُ ، وأمَّا الدَّمانِ ، فالكبِدُ والطِّحالُ"الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه.
وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ:كذلك حرم عليهم لحم الخنزير ، سواء ذكي أو مات حتف أنفهويدخُل فيه شحمُه.
وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ:وهو ما ذبح على غير اسمه تعالى, كالذي يذبح للأصنام والأوثان من الأحجار, والقبور ونحوها.وأصل الإهلال رفع الصوت لأنهم كانوا إذا أرادوا ذبح ما قرَّبوه لآلهتهم، سموا اسم آلهتهم التي قربوا ذلك لها، وجَهروا بذلك أصْواتَهم.
فجرى ذلك من أمرهم حتى قيل لكل ذابح وإن لم يجهر بالتسمية مهل.
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ :
غَيْرَ بَاغٍ :أي: غير طالب للمحرم, مع قدرته على الحلال, أو مع عدم جوعه.
وَلَا عَادٍ :أي: متجاوز الحد في تناول ما أبيح له, اضطرارا، فمن اضطر وهو غير قادر على الحلال، وأكل بقدر الضرورة فلا يزيد عليها.
أي فمن ألجئ إلى أكل شيء مما حرم الله، بأن لم يجد غيره وخاف على نفسه الهلاك إن لم يأكل منه، ولم يكن راغبًا فيه لذاته، ولم يتجاوز قدر الحاجة فلا إثم عليه، لأن الإلقاء بنفسه إلى التهلكة بالموت جوعًا أشد ضررًا من أكل الميتة أو الدم، بل الضرر في ترك الأكل محقق وهو في فعله مظنون كما أن من أكل مما أهلّ به لغير الله مضطرا، لم يقصد إجازة عمل الوثنية.ويحمل معه ما يبلغه الحلال ، فإذا بلغه ألقاه.
والإنسان بهذه الحالة, مأمور بالأكل, بل منهي أن يلقي بيده إلى التهلكة, وأن يقتل نفسه. فيجب, إذًا عليه الأكل, ويأثم إن ترك الأكل حتى مات, فيكون قاتلا لنفسه. وهذه الإباحة والتوسعة, من رحمته تعالى بعباده, فلهذا ختمها بهذين الاسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبة:
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ : أنَّه رفَع بمغفرته الإثمَ عنهم في تناوُل ما حرَّمه؛ تجاوزًا منه سبحانه، وهو الرَّحيم بعباده، ومن رحمته أنْ شرَع لهم ذلك توسعةً منه.
أي إن الله يغفر لعباده خطأهم في تقدير الضرورة، إذ وكل ذلك إلى اجتهادهم، رحيم بهم، إذ رخص لهم في تناولها ولم يوقعهم في الحرج والعسر، ورفَع بمغفرته الإثمَ عنهم في تناوُل ما حرَّمه؛ تجاوزًا منه سبحانه، وهو الرَّحيم بعباده، ومن رحمته أنْ شرَع لهم ذلك توسعةً منه.
وفي هذه الآية دليل على القاعدة المشهورة " الضرورات تبيح المحظورات " فكل محظور, اضطر إليه الإنسان, فقد أباحه له, الملك الرحمن.
مع مراعاة القاعدة التالية: الضرورة بقدرها.
وَلَيْسَ وَاجِبٌ بِلاَ اقْتِدَارِ *****وَلاَ مُحَرَّمٌ مَعَ اضْطِرارِ
وَكُلُّ مَحْظُورٍ مَعَ الضَّرُورَةْ *****بِقَدْرِ ما تَحْتَاجُهُ الضَّرُورَةْ.
" إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" 174.
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ : يعني اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم التي بأيديهم ، مما تشهد له بالرسالة والنبوة ، فكتموا ذلك لئلا تذهب رياستهم.فخشوا لعنهم الله إن أظهروا ذلك أن يتبعه الناس ويتركوهم ، فكتموا ذلك إبقاء على ما كان يحصل لهم من ذلك .فخابوا وخسروا في الدنيا والآخرة .
وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا : وهو عرض الحياة الدنيا، والحطام الدنيوي .وسمى قليلا لأن كل عوض عن الحق فهو قليل حتى ولو كان ملء الأرض ذهبا.قال تعالى "قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا" النساء: 77.
أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ:أي إن أولئك الكاتمين لكتاب الله المتّجرين به، ما يأكلون في بطونهم من ثمنه إلا ما يكون سببا لدخول النار، وانتهاء مطامعهم بعذابها.
وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ :أي لا يكلمهم بالرحمة وبما يسرهم إنما يكلمهم بالتوبيخ . وقيل أراد به أنه يكون عليهم غضبان كما يقال فلان لا يكلم فلانا إذا كان عليه غضبان.
وَلَا يُزَكِّيهِمْ:أي: ولا يطهرهم من دنس الكفر والذنوب بالمغفرة، من التزكية بمعنى التطهير. يقال: زكاه الله، أي: طهره وأصلحه.
وتستعمل التزكية بمعنى الثناء، ومنه زكى الرجل صاحبه إذا وصفه بالأوصاف المحمودة وأثنى عليه، فيكون معنى وَلا يُزَكِّيهِمْ لا يثني عليهم- سبحانه- ومن لا يثني عليه الله فهو معذب.
فهؤلاء الذين كتموا الحق نظير شيء قليل من حطام الدنيا، فقدوا رضا الله عنهم وثناءه عليهم وتطهيره لهم. الوسيط.
وقيل :أي: إنَّ جزاءَهم في الآخرة مِن جِنس ما عمِلوه في الدُّنيا، فكما أكَلوا في بطونهم ما حرَّم الله تعالى بما اكتَسَبوه من مالٍ حرامٍ؛ لكتمانِهم العِلمَ- فكذلك يُطعَمون يومَ القيامة نارًا في بطونهم؛ جزاءً وِفاقًا.الموسوعة الحديثية/الدرر السنية.
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: ثم ختم- سبحانه- الآية ببيان سوء منقلبهم، وشدة ألم العذاب الذي ينالهم فقال- تعالى- وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أى. موجع مؤلم.
قال الآلوسى: وقد جاءت هذه الأخبار مرتبة بحسب المعنى، لأنه لما ذكر- سبحانه- اشتراءهم بذلك- الثمن القليل- وكان كناية عن مطاعمهم الخبيثة الفانية، بدأ أولا في الخبر بقوله: ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ. وابتنى على كتمانهم واشترائهم بما أنزل الله ثمنا قليلًا، أنهم شهود زور وأحبار سوء، آذوا بهذه الشهادة الباطلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وآلموه فقوبلوا بقوله- سبحانه: وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. الوسيط.
"أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ"175.
ثم بين- سبحانه- ما هم عليه من جهل وغباء وسوء عاقبة فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ.
الاشتراء: استبدال السلعة بالثمن. والمعنى: أولئك الذين تقدم الحديث عنهم وهم الكاتمون لما أنزل الله قد بلغ بهم انطماس البصيرة أنهم باعوا الهدى والإيمان ليأخذوا في مقابلهما الكفر والضلال، وباعوا ما يوصلهم إلى مغفرة الله ورحمته ليأخذوا في مقابل ذلك عذابه ونقمته، فما أخسرها من صفقة، وما أخسر هؤلاء الكاتمين الذين فعلوا ذلك نظير عرض من أعراض الدنيا الفانية، فخسروا بما فعلوه دنياهم وآخرتهم. الوسيط.
بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ: المقصود تعجيب المؤمنين من جراءة أولئك الكاتمين لما أنزل الله على اقترافهم ما يلقي بهم في النار، شأن الواثق من صبره على عذابها المقيم.
وشبيه بهذا الأسلوب في التعجب- كما أشار صاحب الكشاف- أن تقول لمن يتعرض لما يوجب غضب السلطان: ما أصبرك على القيد والسجن فأنت لا تريد التعجب من صبره، وإنما تريد إفهامه أن التعرض لما يغضبه لا يقع إلا ممن شأنه الصبر على القيد والسجن، والمقصود بذلك تحذيره من التمادي فيما يوجب غضب ذلك السلطان. الوسيط.
"ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ"176.
لَمَّا ذكَر جلَّ وعلا جزاءهم، ذكَر السَّبب الموجِبَ لهذا العقاب العظيم.
بين- سبحانه- أن سبب استحقاقهم للعذاب الأليم، هو ارتكابهم لما نهى الله عنه عن قصد وسوء نية فقال: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ.
أي: ذلك العذاب الأليم حل بهم بسبب أن الله أنزل التوراة مصحوبة ببيان الحق الذي من جملته التبشير ببعثة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم فكتموا هم هذا الحق وامتدت إليه أيديهم الأثيمة بالتحريف والتأويل إيثارا لمطامع دنيوية على هُدَى الله الذي هو أساس كل سعادة.
فاسم الإشارة ذلِكَ يعود على مجموع ما سبق بيانه من أكل النار، وعدم تكليم الله إياهم، وعدم تزكيتهم.. إلخ.
والباء في قوله: بِأَنَّ للسببية، والمراد بـ الْكِتَاب: التوراة.
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ :
اختلفوا: خالف بعضهم بعضا، وأصله من اختلاف الطريق، تقول اختلفوا في الطريق.
أي: جاء بعضهم من جهة والبعض الآخر من جهة أو جهات أخرى. ثم استعمل في الاختلاف في المذاهب والاعتقاد.
والكتاب: التوراة، أو التوراة والإنجيل، إذ يصح أن يراد جنس الكتاب والمقام يقتضى صرفه إلى هذين الكتابين، وقد أبعد في التأويل من قال بأن المراد به القرآن لأن الحديث عن أهل الكتاب الذين كتموا ما في كتبهم من بشارات بالرسول صلّى الله عليه وسلّم ،واختلافهم في الكتاب من مظاهره: إيمانهم ببعضه وكفرهم بالبعض الآخر، وتحريفه عن مواضعه وتأويله على غير ما يراد منه.
والشقاق: الخلاف، هم في عَداوة بعيدة ، كأن كل واحد من المختلفين في شق غير الشق الذي يكون فيه الآخر، وإذا وصف الخلاف بالبعد فهم منه أنه بعيد عن الحق، يقال: قال فلان قولا بعيدا، أي بعيدا من الصواب.
والمعنى: ذلك العذاب الأليم حل بأولئك الأشقياء بسبب كتمانهم لما أنزله الله في كتابه من الحق، وإن الذين اختلفوا في شأن ما أنزله الله في كتبه فأظهروا منها ما يناسب أهواءهم وأخفوا ما لا يناسبها- لفي بعد شديد عن الحق والصواب.
|