09-01-2023, 03:57 AM
|
|
غفر الله لها
|
|
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
|
|
" تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ " 252.
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ : أي هذه القصص السالفة من حديث الألوف الذين خرجوا من ديارهم، وتمليك طالوت، وإتيان التابوت، وانهزام الجبابرة، وقتل داود جالوت - آيات الله نقصها عليك على وجه لا يشك فيه أهل الكتاب، إذ هم يجدونه مطابقًا لما جاء في كتبهم الدينية والتاريخية فأنت من المرسلين لما دلت عليه هذه الآيات، ولو كنت قد تعلمتها لجئت بها على النهج الذي عند أهل الكتاب أو غيرهم من القصّاص، ولم تشاهد أزمنة وقوعها حتى تراها رأي العين، وقد أشار سبحانه إلى مثل هذه الحجة للدلالة على نبوّته صلى الله عليه وسلم- وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ .تفسير المراغي.
أي: تلك الآيات التي حدثناك فيها عن قصة أولئك القوم وما جرى لهم هي آيات الله التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، نتلوها عليك يا محمد عن طريق جبريل الأمين تلاوة ملتبسة بالحق الثابت الذي لا يحوم حوله الباطل، وإنك يا محمد لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ الذين أرسلهم الله-تبارك وتعالى- بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
فالإشارة في قوله تِلْكَ آياتُ اللَّهِ إلى الآيات المتلوة من قوله-تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَإلى آخر القصة.
وقيل إليها وإلى القصة التي قبلها وهي قصة القوم الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ.
تِلْكَ :وكانت الإشارة للبعيد، لما في ذلك من معنى الاستقصاء للآيات – الاستقصاء هو البحثُ العميقُ والتَّحليلُ المكثَّف لمعطياتٍ معيَّنةٍ متعلقةٍ بمسألةٍ ما ، ولعلو شأنها، وكمال معانيها، والوفاء في مقاصدها.
آياتُ اللَّهِ :وأضيفت الآيات إلى الله لأنها جزء من هذا القرآن الذي أنزله- سبحانه - على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم ليكون هداية للناس، وليحملهم على تدبرها والاعتبار بها لأنها من عند الله الذي شرع لهم ما يسعدهم.
وجعل- سبحانه - تلاوة جبريل للقرآن تلاوة له فقال: نَتْلُوها عَلَيْكَ. للإشعار بشرف جبريل، وأنه ما خرج في تلاوته عما أمره الله به، فهو رسوله الأمين إلى رسله المكرمين. بِالْحَقِّ: أي ملتبسة باليقين الذي لا يرتاب فيه عاقل.التفسير الوسيط.
وبعد أن شهد الله-تبارك وتعالى- لنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم بأنه من المرسلين الذين أرسلوا لينصروا الحق، وليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، بعد كل ذلك بين الله- تعالى أن الرسل وإن كانوا قد بعثوا جميعا لهداية البشر إلا أنهم يتفاضلون فيما بينهم فقال-تبارك وتعالى-:
"تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ "253.
"تِلْكَ " الإشارة باللفظ الدال على البعيد، لبيان سمو مكانة الرسل- عليهم الصلاة والسلام- وأنهم هم المصطفون الأخيار.
أي هؤلاء الرسل المشار إليهم بقوله" وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ" فضلنا بعضهم على بعض في مراتب الكمال، مع استوائهم جميعًا في اختياره تعالى لهم كرسل للتبليغ عنه وهداية خلقه إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة.
ثم بين- سبحانه - بعض مظاهر التفضيل فقال: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ أي منهم من فضله الله بتكليمه إياه كموسى- عليه السلام- فقد وردت آيات صريحه في ذلك، منها قوله-تبارك وتعالى" وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيمًا"النساء:164.وقوله-تبارك وتعالى" قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي" الأعراف :144..وقوله-تبارك وتعالى"وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ". الأعراف :143.
ثم قال- سبحانه: وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ :أي: ومنهم من رفعه الله على غيره من الرسل مراتب سامية ومنازل عالية.
قيل كإبراهيم الذي اتخذه الله خليلا، وإدريس الذي رفعه الله مكانا عليا، وداود الذي آتاه الله النبوة والملك.
والذي عليه المحققون من العلماء والمفسرين أن المقصود بقوله-تبارك وتعالى- وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ هو سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم - الذي اجتمع فيه من الفضائل ما تفرق في غيره، وجمع الله له من المناقب ما فاق به الأولين والآخرين.و هو صاحب الدرجات الرفيعة والمعجزة الخالدة الباقية إلى يوم القيامة والرسالة العامة الناسخة لكل الرسالات قبلها. ولو لم يؤت إلا القرآن وحده لكفى به فضلًا منيفًا على سائر ما أوتي الأنبياء، لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر دون سائر المعجزات.
وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ : الْبَيِّناتِ: هي المعجزات الظاهرة البينة. بِرُوحِ الْقُدُسِ :هو جبريل- عليه السلام
والمعنى: وأعطينا عيسى بن مريم الآيات الباهرات، والمعجزات الواضحات كإبراءِ الأكْمَه والأبْرَص، وإحياء الموتى، وإخبار قومه بما يأكلونه ويدخرونه في بيوتهم، وفضلا عن هذا فقد أيده بجبريل عليه السلام يلازمه في أحواله . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قال جماهير العلماء إنه جبريل عليه السلام فإن الله سماه الروح الأمين وسماه روح القدس وسماه جبريل . دقائق التفسير ج: 1 ص: 310.
قال الزمخشري: فإن قلت لم خُص موسى وعيسى من بين الأنبياء بالذكر؟ قلت: لمِا أُوتِيَا من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة ولقد بين الله وجه التفضيل حيث جعل التكليم من الفضل وهو آية من الآيات.
لما كان هذان النبيان قد أوتيا ما أوتيا من عظام الآيات خصا بالذكر في باب التفضيل.هذا دليل بين على أن من زيد تفضيلا بالآيات منهم فقد فُضِّلَ على غيره.
ولما كان نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم هو الذي أوتي منها ما لم يؤت أحد في كثرتها وعظمها كان هو المشهود له بإحراز قصبات الفضل غير مدافع.ا.هـ.
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ: أي: ولو شاء الله-تبارك وتعالى- ألا يقتتل الذين جاءوا بعد كل رسول من الرسل وبعد أن جاءهم الرسل بالبينات الدالة على الحق، لو شاء الله ذلك لفعل، ولكن الله-تبارك وتعالى- لم يشأ ذلك، لأنه خلق الناس مختلفين في تقبلهم للحق، فترتب على هذا الاختلاف أن آمن بالحق الذي جاءت به الرسل من فتح له قلبه، واتجه إليه اختياره، وأن كفر به من آثَرَ الضلالةَ على الهدايةِ واستحب العمى على الهدى، وترتب عليه- أيضًا أن تقاتل الناس وتحاربوا.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ" 254.
وهذا من لطف الله بعباده أن أمرهم بتقديم شيء مما رزقهم الله، من صدقة واجبة ومستحبة، ليكون لهم ذُخرًا وأجرًا موفرًا في يوم يحتاج فيه العاملون إلى مثقال ذرة من الخير، فلا بيع فيه ولو افتدى الإنسان نفسه بملء الأرض ذهبا ليفتدي به من عذاب يوم القيامة ما تُقبل منه، ، ولا يكون فيه صديق يدفع عنكم، ولا شفيع يشفع لكم فيحط من سيئاتكم إلا أن يأذن رب العالمين بالشفاعة تفضلا منه وكرمًا.
وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد حضت المؤمنين على المسارعة في إنفاق أموالهم في وجوه الخير من قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه ما كان نافعًا في الدنيا من أقوال وأعمال وأنها قد توعدت من يبخل عن الإنفاق في سبيل الله بسوء العاقبة، لأنه تشبه بالكافرين في بخلهم وإمساكهم عن بذل أموالهم في وجوه الخير.
وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ:أي : ولا ظالم أظلم ممن وافى الله يومئذ كافرا .
وهو اليوم الذي فيه يخسر المبطلون ويحصل الخزي على الظالمين، وهم الذين وضعوا الشيء في غير موضعه، فتركوا الواجب من حق الله وحق عباده وتعدوا الحلال إلى الحرام، وأعظم أنواع الظلم الكفر بالله الذي هو وضع العبادة التي يتعين أن تكون لله فيصرفها الكافر إلى مخلوق مثله، فلهذا قال تعالى: والكافرون هم الظالمون وهذا من باب الحصر،- أي: الذين ثبت لهم الظلم التام، كما قال تعالى: إن الشرك لظلم عظيم.
|