إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرًا تارة وفاسقًا أخرى وعاصيًا أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية. وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية. وذكر أمثلة ثم قال:
"وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضًا حق لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين، إلى أن قال:
والتكفير هو من الوعيد؛ فإنه وإن كان القول تكذيبًا لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحُجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر، أوجب تأويلها وإن كان مخطئًا.
وكنت دائمًا أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال:
قال البخاري في صحيحه:حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قال : حَدَّثَنَا هِشَامٌ،قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ قَالَ يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ "
صحيح البخاري » كتاب أحاديث الأنبياء .
فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري بل اعتقد أنه لا يُعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمنًا يخاف الله أن يعاقبه فغفر له بذلك.
والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالمغفرة من مثل هذا".ا.هـ.
شيخُ الإسلام-رحمه الله-قال هذا الكلام لأنه قد رُمِيَ كغيرهِ من أهلِ العلم المخلصين بأنه يُكفِّرُ المسلمين فأرادَ أن يُبيِّنَ أنه لايُكفِّرُ أحدًا حتى تقومَ عليه الحُجَّةُ ؛فمثلاً يُكفِرُ غلاة الجهميةِ أوالدُعاة منهم؛ وكذلك المعتزلة فيقولون:هذا الرجلُ كَفَّرَ الأمة َ الإسلامية؛ كما قيل ذلك أيضًا في الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب-رحمه الله-بأنه يُكَفِّرُ الناس ويستحِلُّ دماءَهم وأموالهم؛ مع أنَّ الشيخ محمد يقول مثل هذا الكلام في كتابٍ كتبه إلى بعضِ الناس قال"نحنُ لانُكفِرُ أحدًا حتى تقومَ عليهِ الحُجة ؛ُأما مَنْ لم تقم عليه الحجة ؛فإننا لا نُكَفرَهُ وإن فعلَ مايُكَفِّرُ".وهذا الذي أشارَ إليه شيخُ الإسلام-رحمه الله- أنه لافرقٌ بين الأمور العلمية الخبريةِ والأمور العملية الحُكمِيةِ.هذا هوالصحيح ؛وأما قولُ مَنْ قال إننا نُفرقُ بينَ الأصولِ والفروع فيُقالُ له: هات الدليل على أن الإسلامَ ينقسِمُ إلى أصولٍ وفروع.يقول شيخُ الإسلام ما في دليل وأولُ مَنْ قسَّمَ الدين إلى أصولٍ وفروع هم المتكلمون.
ثم نقول أنتم تقولون إنَّ الصلاة َمن الفروع وهي من آصل الأصول في الإسلام وهي الثانية بعد الشهادتين.
وتقولون إنَّ بعضَ المسائل الخلافيةِ التي وردَ فيها الخلافُ عن السلفِ هي من الأصول مع أنها بالنسبةِ للأصول الكبارِ تُعتبرُ فروعًا.
فالصوابُ إذن أن نُقَسِمَ الدين إلى خبر علمي وإلى حُكمٍ عملي؛ ونقولُ لافرق بين هذا وهذا بالنسبةِ لمسائلِ التكفير والمدار كلُهُ على الحُجةِ "لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ"النساء 165".
فإذا وجدنا عامِيًّا عاش بين قومٍ لايَعرفُون أن الإتيانَ للقبر ودعاءَ القبر أنه كفرٌ ولايطرأُ على باله أنه كفرٌ كيف نقول:هذا كافرٌ خارجٌ عن الإسلام وهو يشهدُ أنَّ لا إلهَ إلاالله وأنَّ محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؛ويُقيمُ الصلاة ؛ويأتِ الزكاة ؛ ويصومُ رمضان ويحج؟ لكن أخطأ في هذه المسألةِ لأنه مايعلم ولو نُبِّهَ أدنى تنبيهٍ بالأدلة ؛ لعدَلَ عن فِعلِهِ.
هذا لايمكن أن نقول: إنه كافرٌ.
لكن يجب على المسلمين حقيقة خاصة أهلُ العلم المعتبرين الذين تؤخذ أقوالُهم؛ يجب عليهم أن يُبيِّنوا للناس أن هذا كفرٌ وأن ينشروه في جميع وسائلِ الإعلام حتى تقومَ الحُجة ُعلى الناس جميعًا.والآن وللهِ الحمدُ بدأت هذه المسائلُ تنتشِرُ وتتبين.فهناك أناسٌ مثلاً يجيئون إلى المملكةِ ويُعْرفون أن هذا كفرٌ ويُبيِّنُوا ذلك لقومهم وهناك أناسٌ آخرون يسمعون من الإذاعاتِ ومن الصُحُفِ وغير ذلك.
س/ج حوار بين الطلبة والشيخ
*لأ هو شاكٌ وليس بشاكٍ هو مؤمنٌ باللهِ.لماذا فعل ذلك؟ ظنَّ أنَّهُ يَسْلمُ من العقابِ بهذا ولم يكن يطرأُ على بالِهِ أنَّ الله تعالى قادرٌ على أن يُعيدَهُ ويُحاسِبَهُ.
شيخُ الإسلام يقول:هوشاكٌ في قدرةِ اللهِ ليش؟ لأن اللي يقول:أنا إذا فعلتُ هذا نجوتُ ما بعثني اللهُ.حقيقة حَالِهِ أنهُ شاكٌ وإن كان قد لايطرأُ على بالِهِ في تلك الساعةِ مسألة ُالقدرةِ, يظنُ أنهُ سيُعْدَمُ ويزولُ ويسلمُ من العقاب مثلما يختفي مثلاً من السلطان الجائر في البيت ولَّا في البر ويَسْلم منه.
س/إذا كان يعمل عملًا ويعلم أنه حرامٌ لكن لايعمل هذا العمل على أنَّ هذا العملَ كفرٌ مثل يعلم أن ترك الصلاة حرامٌ لكن لايعلم أنه كفرٌ فهل يكفرُ بذلك؟
ج/نعم يكفر.
س/حتى لو كان لايعلم أنه كفرٌ؟
ج/ إينعم حتى وإن كان لايعلمُ أنه كفرٌ إلا إذا كان في بلدٍ يُقررُ أهلها وعلماؤها أنَّ تركَ الصلاةِ ليس بكُفرٍ.
*القولُ بأنَّ اللهَ في كل مكانٍ كفرٌ لكن بيجينا إن شاءَ اللهُ تعالى في آخر البحثِ الفرقُ بين التعيين والإطلاق. كما أشار إليه شيخُ الإسلام نحنُ نُطلِقُ بأنَّ مَنْ قال:إنَّ اللهَ تعالى في كل مكان كافرٌ لكن بالنسبةِ للشخص المُعين مانُكفِرهُ حتى تقوم عليه الحُجة ُلأنه ربما يكون قد عاش بين رجالٍ يقولون ذلك وما أكثرهم الآن يعني جميعُ الرافضةِ الآن حَسْبَ ما سمِعنا كلهم يقولون إنَّ اللهَ في كل مكانٍ,وغيرُهم من الناس يقول:اللهُ بذاتهِ في كل مكان.طيب إذا عاش العاميُّ بينَ هؤلاءِ وإيش ذنبه؟
*الخوفُ من اللهِ إيمانٌ لكنَّ شيخَ الإسلامِ-رحمه الله-قال:إنَّ هذا يستلزمُ الشكُ في القدرةِ وإلا لو أُحرِقَ وذُرَّ في اليمِ؛ فاللهُ قادِرٌ على أن يجمعَهُ كما فعلَ-سبحانه وتعالى-وجَمَعَهُ. إنما في ظني أنا أنَّ هذا الرجلَ قد لا يكونُ خطرَ في بالِهِ مسألة ُالقُدرةِ هذه أصلاً لكن فعلَهُ ظاهِرُهُ يستلزمُ ما قاله الشيخ"لئن قَدِرَ اللهُ علي"يعني لئن قَدِرَ اللهُ عليَ قبل أن تذرُوني يعني ظنَّ أنه في هذه الحال يختفي عنِ الله ويُعدَمُ ويِمكِن ماعلى بالِهِ أنَّ اللهَ قادِرٌ على جمعِهِ.فيه احتمال"لئن قدَرَ اللهُ عليّ"في حال أموت ُ على طبيعتي وأكونُ جِسمًا موجودًا.