عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-04-2019, 02:05 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,224
Post حكم التعزير بالمال

حكم التعزير بالمال
السؤال: حكم التعزير بالمال هل الأمر جائز؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد.
فهذا السؤال وهو ما يتعلق بالتعزير بالمال, سؤالٌ مهم يلمسه الناس في حياتهم على وجه العموم، ما معنى التعزير بالمال، أي العقوبة بأخذ شيءٍ من المال على مخالفة، على خطأ، هذا قد يكون وفق التنظيم العام، كأنظمة المرور مثلًا، أنظمة الإقامة، أنظمة الجوازات, أنظمة البناء والبلديات، وما إلى ذلك من الأنظمة التي يكون من جملة الطرق الإلزام بها العقوبة على المخالف بالمال, التعزير بالمال هو هذا المعنى.
طبعا أيضًا يدخل فيه ما يتفق عليه جماعة من الناس، سواءٌ كانوا في دائرة عمل، أو كانوا في دائرة لقاء، أو كانوا في اجتماع خاص، بأنه مثلًا على سبيل المثال ما يفعله بعض الناس، إذا تأخر أحدهم، ألزم بغرامة مالية خمس ريالات, عشر ريالات نحو ذلك.
ما حكم التعزير بالمال؟
بكل صوره، عقوبة مخالف بالمال ما حكمها؟
هذه القضية للعلماء فيها قولان:
القول الأول: هو قول الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، أنه لا يجوز التعزير بالمال بكل صوره، ومن أراد أن يعزر فليعذر بغير المال، أما المال فإنه لا يجوز التعزير به، يستدلون بقوله تعالى"وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" البقرة : 188.


وأيضًا بالآية الأخرى في قوله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُم" النساء: 29 .

. فالله تعالى نهى عن أكل المال بالباطل، وهذا منع على أن يتسلط الإنسان على مال غيره بغير وجه حق.
وقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟»صحيح مسلم = هنا =
هذا ما استدل به القائلون، واستدلوا أيضًا بتحريم المال «كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه»صحيح مسلم = هنا =


. وغير ذلك الآيات والأحاديث التي فيها تحريم المال.
أما القائلون بالإباحة: فقالوا إن هذه الأحاديث والآيات هو فيما إذا أخذ المال بغير حق، لكن هنا المال أخذ بحق، والدليل على أن التعزير بالمال حق، أن النبي صلى الله عليه وسلم شرعه, شرعه صلى الله عليه وسلم فيمن يصيد في المدينة، كما في الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أنه قال في الصائد في المدينة «مَنْ رَأَيْتُمُوهُ يَصِيدُ فِيهِ شَيْئًا فَلَهُ سَلَبُهُ» الدرر =


. أي يأخذ سلاحه وعدة صيده، هذا التعزير بالمال. أيضا استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في الثمر المعلق، لما سئل عنه «مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ»صحيح أبي داود =


. يعني على غير الصفة السابقة، وهو أخذه لحاجة، «فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ»

. فألزم النبي صلى الله عليه وسلم من أخرج من البستان ثمرًا لا حاجة له بأكله، فإنه يلزمه غرامة ما أخذ مضاعفة، وهذا نوع من التعزير بالمال. كذلك استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مانع الزكاة«هِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا»

. كما قال صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث، وفي بعضها قال: «فإنا آخذوها منه وشطر ماله»
. شطر ماله يعني نصف أمواله «عزمة من عزمات ربنا»
. مجموع هذه الأحاديث، والأحاديث الأخرى، وما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم، قالوا يدل على جواز التعزير بالمال، كما أن المصلحة قد تقتضي التعزير بالمال ذاك أن الناس لا ينكف خطأهم، ولا يمتنع خروج المخالفة منهم، صدور المخالفة عنهم إلا بنظامٍ رادع، ومن الأنظمة التي أثبتت نجاحها في كبح جماح المخالفات في سائر الشأن ما يتعلق بالتعزير بالمال، الأخذ بالمال, العقوبة بالمال، فإنها وسيلة من وسائل الردع.
وهذا هو الراجح من القولين: وهو الذي يرجع إلى السياسية الشرعية التي تحقق المصالح وتدرأ المفاسد، فالذي يظهر والله تعالى أعلم أنه لا حرج في التعزير بالمال، لكن ينبغي أن يكون تعزيرًا عادلًا، وأن يكون عامًا لا انتقائيًا؛ لأن هذا مما يتحقق به العدل.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الشيخ خالد المصلح .


رد مع اقتباس