عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 07-12-2017, 12:59 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,232
Arrow

أحكام الحدود
جعل الله الحدود على الجرائم العظيمة حماية عنها وردعاً ونكالاً. قال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى"البقرة: 178. الآيات. "وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ "المائدة: 45. الآية وقال تعالى "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً "النساء: 92. الآية إلى أن قال"وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا "93:النساء .
قسّم الله القتل إلى عمد فيه الوعيد الشديد وفيه القصاص، فيخير أولياء الدم بين القصاص والعفو إلى الدية والعفو بلا شيء، فإذا اختاروا القصاص فعلوا بالقاتل كما فعل بالمقتول من غير زيادة في صفة القتل، ولا قتل لغير من جنى. قال تعالى"وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ "الإسراء: 33. أي: يتجاوز حقه إلى غيره. ولهذا لو لزم القود أنثى حاملاً لم تقتل حتى تضع. وشرط الله المكافأة في الحرية والرق، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه لا يقتل مسلم بكافر- رواه البخاري (111).-. وأمَّا الذكر فيقتل بالأنثى تقديمًا لعموم قوله تعالى"وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ "المائدة: 45. على مفهوم قوله"الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ "البقرة: 178. ويؤيده قتله صلى الله عليه وسلم لليهودي الذي رض رأس الجارية بين حجرين حين اعترف - رواه البخاري (2413) ومسلم (1672).--. فيدل على قتل الرجل بالمرأة وعلى أنَّه يفعل بالقاتل كما فعل بالمقتول كما هو ظاهر الآية، لأنَّ القصاص أن يفعل بالجاني كما فعل بالمجني عليه، وكذلك الأطراف والجروح تجري مجرى النفس، يؤخذ كلُّ عضو بما يماثله اسماً ومحلاً.
فإن عفوا إلى الدية فعليهم الاتباع بالمعروف، وعلى المؤدي أن يؤدي بإحسان من غير مماطلة ولا مناقصة ولا بخس، وهذا الإرشاد الذي نبّه الله عباده عليه في جنس المعاملات أنَّ الناس ما بين طالب ومطلوب، فعلى الطالب أن يتبع بالمعروف والمساهلة والمياسرة، وعلى المطلوب أن يؤدي بإحسان يسلّم الحق تاماً لا نقص فيه ولا مطل، هو أكمل المعاملات وأشرفها وصاحب هذه المعاملة قد حاز الفضيلتين شرف الدنيا وأجر الآخرة.
والقسم الثاني: الخطأ، فهذا لم يجعل الله فيه قصاصًا ولا رتب عليه إثماً ووعيداً، وإنَّما أوجب فيه الكفارة على القاتل عتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فليصم شهرين متتابعين، ودية مسلّمة إلى أهل المقتول يسلمها عاقلة القاتل. وقد فصلت السُنّة مقادير ديات النفوس والأطراف والجروح.
وقال تعالى"إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ "المائدة: 33 . هذا حد قطّاع الطريق. من العلماء من قال: إنَّ الإمام مخيّر فيهم في هذه الأشياء يفعل ما يراه أصلح، ومن العلماء من قال: إنَّ هذه العقوبات متفاوتة في غلظها فهي تبع الجنايات، فمن قَتَلَ وأخذ مالاً قتل وصلب، ومن قتل ولم يأخذ مالاً قتل ولم يصلب، ومن أخذ مالاً ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، ومن أخاف السبيل نفي من الأرض وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما- انظر تفسير ابن جرير الطبري (4/213).-وهو أولى.
وقال تعالى"وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا "15:النساء . وهذا السبيل الذي ذكره الله قد بينّه صلى الله عليه وسلم بأن المحصن يرجم حتى يموت، والبكر يجلد مائة ويغرب عاماً. وقال تعالى"الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ "النور: 2 .
وقد شرط تعالى لثبوت هذا الحد أن يشهد فيه أربعة رجال عدول، والإقرار تنوب الأربع عن الأربعة.
وقال تعالى"وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا "النور: 4، 5 . الرمي المذكور هنا هو الرمي بالزنى، فعلى القاذف ثمانون جلدة وترد شهادته، إلا أن تاب بأن أكذب نفسه.
وقد أمر تعالى بقطع يد السارق والسارقة، وذلك إذا ثبتت السرقة ببيّنة أو إقرار.
قوله تعالى"وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ"البقرة: 194 ، "لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ "النساء: 148 . استدل بذلك على القصاص في الأطراف والجروح وإتلاف الأموال واللطمة ونحوها، ومقابلة الشاتم بمثله من غير اعتداء.


رد مع اقتباس