عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 07-12-2017, 12:41 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,232
Arrow

أحكام الجهاد وتوابعه
كم في كتاب الله من الآيات المتعلقة بالجهاد أمراً به، وحثاً عليه، وبياناً لفضله، وفضل أهله وكمالهم، وكثرة ثوابهم، وعلو درجاتهم، وذكر ثمراته الجميلة، ونَهْياً عن ضده، وبيان ما على المتقاعدين عنه من النقص العظيم والعقوبات الدنيوية والأخروية، وكم فيه من ذكر مضاعفة النفقة فيه وأنَّها من أعظم الجهاد.
والجهاد نوعان: جهاد الدعوة إلى دين الإسلام، والتحذير من الأديان الباطلة وهذا مفروض منذ ابتدأت الرسالة، وهو فرض في كلِّ وقت بما يناسب الوقت ويليق به.
قال تعالى"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "النحل: 125 ، وقال تعالى"وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا "الفرقان: 52 ، أي: جاهد أهل الباطل كلَّهم بالقرآن، فهذا فرض عين على كلِّ مسلم أن يقوم بما يقدر عليه ويعلمه، وعلى أهل العلم من ذلك ما ليس على غيرهم، لأنَّ معهم السلاح التام الحقيقي لهذا الجهاد، وهو العلم الذي خلاصته وروحه شرح ما في دين الإسلام من المحاسن والمزايا والفضائل شرحاً يطابق الواقع، فإنَّه إذا شُرح على هذا الوجه وبُيّنت محاسنه وفضائله قبله كلُّ منصف قصده الحق، وكان أيضاً ذلك قامعًا للمبطلين الملحدين الذين "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" 32التوبة .
ثم الموازنة بين عقائده وأخلاقه وفضائله وأعماله وبين غيره، فعند ذلك يتضح الفرق العظيم.
ثم إبداء براهين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الكلية والجزئية، وصدقه وصدق ما جاء به من الحق الذي هو الكتاب والسنّة. فهذه الأصول بيانها بحسب الإمكان هو أكبر الجهاد، وهي أعظم الطرق التي دعا عباده بها إلى دينه، وأمر نبيه ومن قام مقامه أن يدعو بها.
النوع الثاني: الجهاد باليد والسلاح، فهذا فرض كفاية قتال الكفار المحاربين، وقد يكون فرض عين إذا حضر الزحف، وإذا حصر بلده عدو وإذا استنفره الإمام أو من قام مقامه، كما نص الله على ذلك نصاً يدل على فرضيته وتعيّنه.
والجهاد باليد والسلاح يتبع المصلحة، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم هادن ووادع حيث كانت المصلحة، وحارب حيث اقتضت المصلحة. فعلى المسلمين أن يسلكوا هديه ويتشاوروا في أمرهم، ويعملوا في كلِّ وقت ما يناسبه ويصلح له.
وقد أمر الله بالتثبت في الأمور كلِّها، وخصوصاً في أمور الجهاد وتولية الأكمل والأمثل من الرجال في الولاية الكبرى، وفي ولايات الجيوش والسرايا وغيرها، فإنَّها من أعظم ما يدخل في الأمانات التي أمر أن تؤدى إلى أهلها.
وقال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)"الأنفال . فهذه التعاليم العالية من الله لعباده في جهاد الأعداء، متى استرشدوا بها تمت أمورهم. وقال تعالى"وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ "الأنفال: 60 ، وقال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ "النساء: 71 .
فهذه الآيات دخل فيها فعل جميع الأسباب، واستعمال جميع القوة المقدورة، والأخذ بالحذر من الأعداء. فجميع علم السياسة يرجع إلى هذين الأصلين الاستعداد بالمستطاع من القوة للأعداء، بحسب الزمان والمكان والحال، واستعمال الحذر من مكر الأعداء وخداعهم وطرقهم ومسالكهم والتوقي من شرورهم مع التوكل على الله كما أمر الله بذلك كلِّه.
وقد ندب الله إلى السلم إذا جنح إليه الأعداء، مع التوكل عليه وأخذ الحذر، كما أمر بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وأمر بالأسر عند الإثخان في العدو، ثم الوالي مخيّر بين المنِّ على الأسرى، أو فدائهم بمال، أو أسير مسلم، أو قتلهم، أو رقهم.
وذكر الأموال الشرعية ثلاثة أقسام: أموال الزكاة، وتقدم أنها للأصناف الثمانية، والغنيمة للغانمين تقسم أربعة أخماسها بينهم؛ للفارس على فرس عربي ثلاثة أسهم، وعلى فرس هجين سهمان، وللراجل سهم والخُمُس الآخر يجعل لهؤلاء الذين سماهم الله "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ "الأنفال: 41 .
وأموال الفيء كالجزية والخراج وخمس الخمس، والأموال المجهول أربابها وما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب يكون للمصالح كلِّها، ويبدأ منها بالأهم فالأهم، وأحكام الجهاد ومتعلقاته كثيرة في الكتاب والسنّة والله أعلم.
رد مع اقتباس