عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 07-08-2017, 01:23 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,233
Arrow

الرحمن، الرحيم، البَرُّ

الكريم، الجواد، الوهاب، الرؤوف
هذه الأسماء الكريمة متقارب معناها، وكلُّها تدل على أنَّه موصوف بكمال الرحمة وسعة البر والإحسان، وكثرة المواهب والحنان والرأفة.
فجميع ما فيه العالم العلوي والسفلي من حصول المنافع والمحاب والمسار والخيرات، فإنَّ ذلك منه ومن رحمته وجوده وكرمه وفضله، كما أنَّ ما صرف عنهم من المكاره والنقم والمخاوف والأخطار والمضار، فإنَّها من رحمته وبره، فإنَّه لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو.
ورحمته تعالى سبقت غضبه وغلبته، وظهرت في خلقه ظهوراً لا ينكر، حتى ملأت أقطار السموات والأرض، وامتلأت منها القلوب حتى حنَّت المخلوقات بعضُها على بعض بهذه الرحمة التي نشرها عليهم وأودعها في قلوبهم، وحتى حنَّت البهائم التي لا ترجو نفعًا ولا عاقبة ولا جزاء على أولادها، وشوهد من رأفتها بهم وشفقتها العظيمة ما يشهد بعناية باريها ورحمته الواسعة، وعمَّت مواهبه أهل السموات والأرض، ويسَّر لهم المنافع والمعايش والأرزاق وربطها بأسبابٍ ميسَّرةٍ وطرقٍ مسهلةٍ، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها.
وعلم تعالى من مصالحهم ما لا يعلمون، وقدَّر لهم منها ما لا يريدون، وما لا يقدرون، وربما أجرى عليهم مكاره توصلهم إلى ما يحبون، بل رحمهم بالمصائب والآلام، فجعل الآلام كلَّها خيرًا للمؤمن الذي يقوم بوظيفة الصبر. «عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كلَّه خير، إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صبر فكان خيرًا له، وليس
ذلك إلا للمؤمن" -حديث رواه مسلم في صحيحه (رقم: 2999).-

وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
وكذلك ظهرت رحمته في أمره وشرعه ظهورًا تشهده البصائر والأبصار، ويعترف به أولوا الألباب. فشَرْعه نور ورحمة وهداية، وقد شرعه محتويًا على الرحمة، وموصلاً إلى أجلِّ رحمة وكرامة وسعادة وفلاح. وشرع فيه من التسهيلاتِ والتيسيراتِ ونفيِ الحرج والمشقات ما يدل أكبر دلالة على سعة رحمته وجوده وكرمه، ومناهيه كلُّها رحمة لأنَّها لحفظ أديان العباد، وحفظ عقولهم وأعراضهم وأبدانهم وأخلاقهم وأموالهم من الشرور والأضرار.
فكلُّ النواهي تعود إلى هذه الأمور، وأيضًا الأوامر سهَّلها وأعان عليها بأسبابٍ شرعيةٍ وأسبابٍ قدريةٍ، وذلك من تمام رحمته، كما أنَّ النواهي جعل عليها من العوائق والموانع ما يحجز العباد عن مواقعتها إلا من أبى وشرد، ولم يكن فيه خير بالكليَّة. وشرع أيضاً من الروادع والزواجر والحدود ما يمنع العباد ويحجزهم عنها، ويقلِّل من الشرور شيئًا كثيرًا.
وبالجملة فشرعه وأمره نزل بالرحمة، واشتمل على الرحمة، وأوصل إلى الرحمة الأبدية والسعادة السرمدية.
الخالق البارئ المصوِّر
أي هو المنفرد بخلق جميع المخلوقات، وبرَأ بحكمته جميع البريَّات، وصوّر بإحكامه وحسن خلقه جميع الكائنات، فخلقها وأبدعها وفطرها في الوقت المناسب لها، وقدّر خلقها أحسن تقدير، وصنعها أتقن صنع وهداها لمصالحها، أعطى كلَّ شيء خلقه اللائق به، ثم هدى كلَّ مخلوق لما هُيئ وخلق له.
وإذا كان هو الخالق وحده البارئ المصور لا شريك له في شيء من ذلك، فهو الإله الحق الذي لا يستحق العبادة إلا هو، وهو الخالق للذوات والأفعال والصفات، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويجعل المؤمن مؤمنًا والكافر كافراً، من غير أن يجبر العباد على غير ما يريدون.
ففي عموم خلقه ردّ على القدرية حيث أخرجوا أفعال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم عن دخولها تحت خلقه وتقديره، حذراً منهم وفراراً من الجبر، ولم يدروا أنَّ كماله وكمال قدرته ينفي الجبر، وأنَّه قادرٌ على جعل العبد يفعل ما يختاره ويريده جارياً على قدره ومشيئته، فهو أعظم من أن يجبر العباد، وأعدل من أن يظلمهم، بل هم الذين يريدون ويختارون والله هو الذي جعلهم كذلك، وإرادتهم وقدرتهم تابعة لمشيئة الله، "لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ "28" وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ "29"التكوير .
العزيز الجبار المتكبِّر القهَّار القوي المتين
فالعزيز الذي له جميع معاني العزة، "إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا "يونس: 65 ، فهو العزيز لكمال قوته وهذه عزة القوة، ويرجع إلى هذا المعنى القويُّ المتينُ. وعزة الامتناع عن مغالبة أحد، وعن أن يقدر عليه أحد، أو يبلغ العباد ضرّه فيضرّوه، أو نفعه فينفعوه، وامتناعه وتكبره عن جميع ما لا يليق بعظمته وجلاله من العيوب والنقائص، وعن كلِّ ما ينافي كماله، ويرجع إليها معنى المتكبر مع أنَّ المتكبر اسم دالٌ على كمال العظمة ونهاية الكبرياء، مع دلالته على المعنى المذكور وهو تكبره وتنزُّهه عمَّا لا يليق بعظمته ومجده وجلاله.
المعنى الثالث عزة القهر، الدال عليها اسم القهار الذي قهر بقدرته جميع المخلوقات، ودانت له جميع الكائنات، فنواصي العباد كلِّهم بيده، وتصاريف الملك وتدبيراته بيده، والملك بيده، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
فالعالم العلوي والعالم السفلي بما فيها من المخلوقات العظيمة كلُّها قد خضعت في حركاتها وسكناتها، وما تأتي وما تذر لمليكها ومدبِّرها، فليس لها من الأمر شيء، ولا من الحكم شيء، بل الأمر كلُّه لله، والحكم الشرعي والقدري والجزائي كلُّه لله، لا حاكم إلا هو، ولا رب غيرُه، ولا إله سواه.
والعزة بمعنى القهر هي أحد معاني الجبار، ومن معاني الجبار أنَّه العلي الأعلى، الذي على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وعلى السلطان وأنواع التصاريف استولى.
ومن معاني الجبار معنى يرجع إلى لطف الرحمة والرأفة، وهو الذي يجبر الكسير، ويغني الفقير، ويجبر المريض والمبتلى، ويجبر جبرًا خاصًا قلوب المنكسرين لجلاله، الخاضعين لكماله، الراجين لفضله ونواله بما يفيضه على قلوبهم من المحبة وأنواع المعارف الربانية، والفتوحات الإلهية والهداية والإرشاد والتوفيق والسداد.
المَلِك المالك للمُلك
أي الذي له جميع النعوت العظيمة الشأن، التي تفرَّد بها ملك الملوك، من كمال القوة والعزة والقدرة، والعلم المحيط والحكمة الواسعة ونفوذ المشيئة، وكمال التصرف وكمال الرأفة والرحمة، والحكم العام للعالم العلوي والعالم السفلي، والحكم العام في الدنيا والآخرة، والحكم العام للأحكام الثلاثة التي لا تخرج عنها جميع الموجودات:
ـ الأحكام القدرية حيث جرت الأقدار كلُّها والإيجاد والإعدام، والإحياء والإماتة، والإيجاد والإعداد والإمداد كلُّها على مقتضى قضائه وقدرهِ.
ـ والأحكام الشرعية حيث أرسل رسله، وأنزل كتبه، وشرع شرائعه، وخلق الخلق لهذا الحكم، وأمرهم أن يمشوا على حكمه في عقائدهم وأخلاقهم، وأقوالهم وأفعالهم، وظاهرهم وباطنهم، ونهاهم عن مجاوزة هذا الحكم الشرعي، كما أخبرهم أنَّ كلَّ حكم يناقض حكمه فهو شرٌ جاهليٌ من أحكام الطاغوت.
ـ والأحكام الجزائية، وهو الجزاء على الأعمال خيرها وشرها في الدنيا والآخرة، وإثابةُ الطائعين، وعقوبةُ العاصين، وتلك الأحكام كلُّها تابعةٌ لعدله وحكمته وحمده العام، فهذه النعوت كلُّها من معاني ملكه.
ومن معاني ملكه: أنَّ جميع الموجودات كلِّها ملكُه وعبيده المفتقرون إليه، المضطرون إليه في جميع شؤونهم، ليس لأحد خروج عن ملكه، ولا لمخلوق غنىً عن إيجاده وإمداده، ونفعه ودفعه.
ومن معاني ملكه: إنزالُ كتبه، وإرسال رسله، وهداية العالمين، وإرشاد الضالين، وإقامة الحجة والمعذرة على المعاندين المكابرين، ووضع الثواب والعقاب مواضعها، وتنزيل الأمور منازلها.
كما أنَّ من معاني ملكه: أنَّه كلَّ يوم في شأن يغفر ذنبًا، ويفرّج كربًا، ويكشف غمًّا، ويزيل المشقَّات، ويغيث اللهفات، ويجبر الكسير، ويغني الفقير، ويهدي ضالاً، ويخذل معرضًا موليًا، ويعزُّ قومًا، ويذلُّ آخرين، ويرفع قومًا، ويضع آخرين، ويغيِّر ما شاء من الأمور الجارية على نظام واحد، ليعرف العباد كمال ملكه، ونفوذ مشيئته، وعظمة سلطانه.
فالملك يرجع إلى ثلاثة أمور: صفات الملك التي هي صفاته العظيمة، وملكه للتصاريف والشؤون في جميع العوالم، وأن جميع الخلق مماليكه وعبيده، فهو الملِكُ الذي له ملكُ العالم العلوي والسفلي، وله التدبيرات النافذة فيها، ليس لله في شيء من ذلك مشارك.
القُدُّوس السلام
أي الذي له كلُّ قُدس وطهارة وتعظيم، وتقدَّس عن صفات النقص. فالقُّدوس يرجع إلى صفات العظمة، وإلى السلامة من العيوب والنقائص، كما أنَّ السلام يدل على المعنى الثاني، فهو السالم من كلِّ عيب وآفة ونقص.
ومجموع ما ينزّه عنه شيئان:
أحدهما: أنَّه منزّه عن كلِّ ما ينافي صفات كماله، فإنَّ له المنتهى في كلِّ صفة كمال، فهو موصوف بكمال العلم وكمال القدرة، منزّه عما ينافي ذلك من النسيان والغفلة، وأن يعزب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، ومنزّه عن العجز والتعب والإعياء واللغوب، وموصوف بكمال الحياة والقيُّومية، منزّه عن ضدها من الموت والسِّنة والنوم، وموصوف بالعدل والغنى التام، منزّه عن الظلم والحاجة إلى أحد بوجه من الوجوه، وموصوف بكمال الحكمة والرحمة، منزّه عن ما يضاد ذلك من العبث والسفه، وأن يفعل أو يشرع ما ينافي الحكمة والرحمة.
وهكذا جميع صفاته منزّه عن كلِّ ما ينافيها ويضادها.
الثاني: أنَّه منزّه عن مماثلة أحد من خلقه، أو أن يكون له نِدٌّ بوجه من الوجوه. فالمخلوقات كلُّها وإن عظمت وشرفت وبلغت المنتهى الذي يليق بها من العظمة والكمال اللائق بها، فليس شيء منها يقارب أو يشابه الباري، بل جميع أوصافها تضمحل إذا نسبت إلى صفات باريها وخالقها، بل جميع ما فيها من المعاني والنعوت والكمال، هو الذي أعطاها إياه، فهو الذي خلق فيها العقول والسمع والأبصار والقوى الظاهرة والباطنة، وهو الذي علَّمها وألهمها، وهو الذي نمَّاها ظاهراً وباطناً وكمَّلها، قالت الرسل والملائكة: لا علم لنا إلا ما علمتنا.

وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: «يا عبادي كلُّكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلُّكم جائع إلا من أطعمته..» إلى آخر الحديث.-رواه مسلم (رقم: 2577)،-

فهو المنزّه عن كلِّ ما ينافي صفات المجد والعظمة والكمال، وهو المنزّه عن الضد والند والكفؤ والأمثال، وذلك داخل في اسمه القدوس السلام.
المؤمن
الإيمان يرجع معناه إلى التصديق والاعتراف، وما يقتضيه ذلك من الإرشاد وتصديق الصادقين وإقامة البراهين على صدقهم، فهو تعالى المؤمن الذي هو كما أثنى على نفسه، وما عَرَّفه رسلَه وعبادَه من أسمائه وصفاته، وأثار ذلك مما هو أعظم أوصاف خيار الخلق من معرفته والإيمان به هو شيء يسير بالنسبة إلى ما له من الكمال المطلق من كلِّ وجه، فهو كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني عليه عباده.
وهو تعالى الذي صدّق رسله وشهد بصدقهم بقوله وفعله وإقراره حيث أخبر عن صدقهم. وفعل تعالى أفعالاً كثيرة من معجزات وآيات وخوارق كثيرة وبراهين متنوعة تُعَرِّفُ العباد بصدقهم وتشهد بالحق الذين جاؤوا به، فكلُّ المطالب والمسائل العظيمة لم يبق منها شيء إلا أقام عليه من البراهين شيئاً كثيراً. وقال تعالى"سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ "فصلت: 53 .
فالإيمان الراجع إلى المعرفة والمحبة اللَّهُ أحق به وأولى به، ولنقتصر على هذه الإشارة في هذا المحلِّ العظيم -في تفسير المؤمن- .- ما بين المعكوفتين زيادة من النسخة الثالثة، وهي ملحقة بخط الشيخ ابن سعدي رحمه الله.
رد مع اقتباس