عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 08-12-2018, 10:13 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,221
Arrow



المجلس الثامن
دورة تيسير القواعد الفقهية
12 ـ الدِّينُ مَبْنيُّ على المَصَالحِ في جَلْبِهَا والدَّرْءِ للقَبَائِحِ

هذه القاعدة الثانية من القواعد الفقهية .
الدِّينُ: الطاعة والجزاء .يطلق ويراد به العمل، ويطلق ويراد به الجزاء والحساب.
فأي المعنيين المراد هنا؟ المراد العمل؛ أي العمل العبادي في هذه الشريعة .

فمن الأول ـ أي : " الطاعة " ـ : قول الشاعر :

أَبَا هِنْدٍ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْنا ** وَأَنْظِرْنا نُخَبِّرْكَ الْيَقِينا
بأَنَّا نُورِدُ الرَّايَاتِ بِيضًا ** وَنُصْدِرُهُنَّ حُمْرًا قَدْ رَوِينا
أيامٍ لنا غرٍّ طوالٍ ** عصينا الملكَ فيها أن نَدِينا

لطيفة في معنى أبيات معلقة عمرو بن كلثوم : كان عمرو بن هند-ملك الحيرة- كان طاغية متجبرًا ، فقال لمن حوله :
أتعلمون من تأنف أمه من خدمة أمي ؟ فقالوا: لا نعلم إلا ليلى بنت
مُهَلْهِل ، فإن أباها مُهَلْهِلٌ بن ربيعة ، وعمها كُلَيْب ، وزوجها كلثوم ابن عَتَّابٍ فارس العرب ، وابنها عمرو بن كلثوم.فأرسل الملك إلى عمرٍو وأمِهِ يدعوهما إلى زيارتِه ، وأوعز ملك الحيرة إلى أن تستخدم أم عمرو بن هند لإذلالها. وفي أثناء الحفل طلبت أم عمرو بن هند من لَيْلَى بِنْت مُهَلْهِلِ بْنِ رَبِيعَةَ أن تناولها الإناء ، فقالت لها : لتقم صاحبة الحاجة لقضاء حاجاتها.فلما ألحت عليها صرخت وقالت واذُلَّااااااااااه !! فسمعها ابنُها عمرو بن كلثوم فثار وتناول سيفه وقتل الملك-عمرو بن هند- ،وعاد إلى الجزيرة
ينادي عمرو ابن كلثوم على ملك الهِند بنداء متصف بالعزة ويهدده بألا يتعجل في نظرته حتى يعلم من يخاطب ومن يوجه لهم الكلام ، ويهدد عمرو بن كلثوم بأن قبيلته قوية فهي إذا ذهبت إلى معركة تذهب الأعلام والرايات بيضاء من كثرة القتل في الأعداء ترجع حمراء ، ويخبره بأن لهم أيام مشهورة وطويلة تنبه الجميع بأننا لا نخاف أي ملك ولا ندين لأي أحد أي لانطيع أي أحد .ا.هـ .هناهناهنا=

" فالدين بهذا المعنى مأخوذ من الفعل : " دان " بمعنى : أطاع ، فمن دان لغيره ، وأطاعه فإنه قد سلَّم الدِينَ له ، ولما كان أهلُ الإيمانِ يطيعون اللهَ ـ عز وجل ـ سُميت شريعةُ اللهِ " الدينَ " . القواعد الفقهية ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري / ص : 24 .
ومن الثاني ـ أي : " الجزاء " : قولهم :
" كما تَدِين تُدانُ " ، ومنه " يومُ الدينِ " أي : يوم الجزاء
وأُطلق على الشريعةِ لفظُ الدِّين لقيامها على معنى الطاعة والجزاء .
منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .

مَبْنيُّ على المَصَالحِ : ا
لمَصَالحِ : جمع مصلحة ، وهي المنفعة وزنًا ومعنى ،واحدها " مصلحة " .

المقصود من المَصَالحِ عند الفقهاء؛ هو حفظ مقصود الشارع بالحفاظ على الكليات الخمس ، وهي : الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل أو العِرض ، والمال ، فقد جاء الإسلام للحفاظ على هذه الكليات الخمس .

فإن الإسلام جاء بحفظ الضرورات الخمس التي هي الدين والنفس والعقل والعرض والمال. ليعيش المسلم في هذه الدنيا آمنا مطمئنًا يعمل لدنياه وآخرتِهِ.
"حفظ الدين " هو مجموع العقائد والعبادات والأحكام التي شرعها الله سبحانه وتعالى لتنظيم علاقة الناس بربهم وعلاقات الناس بعضهم ببعض..حيث قصد الشارع بتلك الأحكام إقامة الدين وتثبيته في النفوس..وذلك باتباع أحكام شرعَهَا.. واجتناب أفعال أو أقوال نهى عنها..وبالحفاظ على الدين تتوازن أمور الدنيا والآخرة.

ففرضت الصلاة كزاد يومي لحفظ الدين ، وصلاة الجمعة أطول، ففيها خطبة هي شحنة أسبوعية، والصيام شحنة ثلاثين يومًا، والحج فيه سفر، وفيه تفرغ، وفيه مناسك، وفيه إنفاق مال، والحج شحنة العمر.هنا = فكما أن
العبادات من أجل حفظ الدين.كذلك حرم الشرع ونهى عما يضر نهى عن الزنا والسرقة والقتل العدوان و.... وجعل لها عقوبات رادعة .
" حفظ النفس " قد عُنيت الشريعة بحفظ الأنفس المعصومة بالإسلام أو بالعهد؛ وذلك بتحريم الاعتداء عليها، وضمان ما أتلفه على سبيل الخطأ، وتجنب كل ما من شأنه إيقاع الضرر على الغير، ورد العدوان بما يناسب من وسائل الدفاع عن النفس- الألوكة

"حفظ العقل "للعقل في الإسلام أهمية كبرى فهو مناط المسؤولية والتكليف ، وبه كرم الإنسان و فُضل على سائر المخلوقات، وتهيأ للقيام بالخلافة في الأرض وحمل الأمانة
فلأنه مناط التكليف، حرم كل ما من شأنه إدخال الخلل عليه؛ كالخمور والمخدرات، وكالتفكير الفاسد الذي تروجه المذاهب الهدامة والنِّحَل الباطلة. الألوكة.

"حفظ النسل " اختلف الأصوليون في تسميته بالنسب أو النسل ...و شرع لإيجاده الزواج؛ للتوالد والتناسل، وشرع لحفظه وحمايته حد الزنا وحد القذف،فحفظ النسل يتضمن المحافظة على الفروج والأعراض وصحة الأنساب.

" حفظ المال"كما هو شأن الإسلام دائمًا مع النزعات الفطرية للإنسان حيث يبيح إشباعها ويلبي مطالبها ضمن الحدود المعقولة، مع التهذيب والترشيد حتى تستقيم وتحقق الخير للإنسان ولا تعود عليه بالشر، كان هذا شأنه مع نزعة حب التملك الأصلية في الإنسان، فقد أباح الملكية الفردية، وشرع في ذات الوقت من النظم و التدابير ما يتدارك الآثار الضارة التي قد تنجم عن طغيان هذه النزعة من فقدان للتوازن الاجتماعي، وتداول للمال بين فئة قليلة من المجتمع، ومن النظم التي وضعها لأجل ذلك نظم الزكاة و الإرث و الضمان الاجتماعي، وتحريم التعاملات الربوية، ومن ثم اعتبر الإسلام المال ضرورة من ضروريات الحياة الإنسانية.

وأوجب للحفاظ على المال؛ السعي في طلب الرزق الطيب، وأباح المعاملات والمبادلات والتجارة..وللحفاظ عليه حرم السرقة والغش والخيانة وأكل أموال الناس بالباطل وعاقب على ذلك. وعدم تبذير الأموال .

في جَلْبِهَا: أي في تحصيلها .
والدَّرْءِ: أي الدفع . للقَبَائِحِ: أي المفاسد.

وملخّص هذه القاعدة: أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، هذا من جانب، وإعدام المفاسد وتقليلها..

وهذه قاعدة من القواعد الكلية التي تدخل في كثير من أبواب الفقه؛ بل هي من القواعد الكبرى التي لا يسلم منها باب من الأبواب، فهي داخلة في جميع أبواب الفقه.

فبعض العلماء ، مثل العز بن عبد السلام ـ أرجَع الفقه كله إلى قاعدة واحدة وهي :
جلب المصالح ودرء المفاسد .

وقال ابنُ السبكي : بل يرجع الفقه كله إلى الجزء الأول من القاعدة، وهي : جلب المصالح " ، لأن درء المفاسد نوع من جلب المصالح .
القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .بتصرف.
فهذا الأصل العظيم ، والقاعدة العامة يدخل فيها الدين كله ، فكله مبني على تحصيل المصالح في الدين والدنيا والآخرة ، وعلى دفع المضار في الدين والدنيا والآخرة . ما أمر الله بشيءٍ إلا وفيه من المصالح ما لا يحيط به الوصف ، وما نهى عن شيءٍ إلا وفيه من المفاسد ما لا يحيط به الوصف .
قال تعالى " وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ"
سورة الأعراف / آية : 157 .
المَصَالحُ: مرتبتان: الإيجاد والتكثير.
القَبَائِحِ : المفاسد وهي مرتبتان: الأولى الإعدام، فإذا لم يتمكن من الإعدام فالتقليل.

فالشريعة في جميع ما جاءت به دائرة على هذين المعنيين: إيجاد المصالح وتكثيرها، وتقليل المفاسد وإعدامها.
فالشريعة ضبطت مصالح الناس، وحصّلت مصالح الناس في معاشهم ومعادِهم، فليس فقط المصلحة التي تحصلها الشريعة هي مصلحة الآخرة.
وهذه مسألة مهمة ، فإن الشريعة جاءت بما يصلح به أمر الدنيا وأمر الآخرة، فمهما بلغ الناس في تحصيل مصالح الدنيا، لا يستطيعون تحصيلها كما حصلتها الشريعة.
وأما مصالح الآخرة فلا سبيل إلى تحصيلها إلا من طريق هذه الشريعة المباركة.
الشيخ خالد المصلح .هنا=
ومن أعظم المصالح التي أمر اللهُ بها التوحيد ، الذي هو : إفراد الله بالعبادة ، وهو مشتمل على صلاح القلوب ، وسعتها ، ونورها ، وانشراحها ، وزوال أدرانها ، وفيه مصالح البدن والدنيا والآخرة .
وأعظم ما نهى الله عنه : الشرك في عبادته ، الذي هو فساد وحسرة في القلوب والأبدان ، والدنيا والآخرة .
فكل خير في الدنيا والآخرة فهو من ثمرات التوحيد .
وكل شر في الدنيا والآخرة فهو من ثمرات الشرك .
ومما أمر الله به : الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج : الذي من فوائد هذا انشراح الصدر ونوره ، وزوال همومه وغمومه ، ونشاط البدن وخفته ، ونور الوجه ، وسعة الرزق ، والمحبة في قلوب المؤمنين ، وفي الزكاة والصدقة ، ووجوه الإحسان : زكاة النفس وتطهيرها ، وزوال الدرن عنها ، ودفع حاجة أخيه المسلم ، وزيادة بركةُ مالِه ونماؤه ، مع ما في هذه الأعمال من عظيم ثواب الله الذي لا يمكن وصفه ، ومن حصول رضاه الذي هو أكبر من كل شيءٍ ، وزوال سخطه .
وكذلك شرع لعباده الاجتماع للعبادة في مواضع ، كالصلوات الخمس ، والجمعة ، والأعياد ، ومشاعر الحج ، والعلم النافع ، لما في الاجتماع من الاختلاط الذي يوجب التوادد والتواصل ، وزوال التقاطع والأحقاد بينهم ومراغمة الشيطان الذي يكره اجتماعهم على الخير ، وحصول التنافس في الخيرات ، واقتداء بعضهم ببعض ، وتعليم بعضهم بعضًا ، وتعلم بعضهم من بعض ، وكذلك حصول الأجر الكثير الذي لا يحصل بالانفراد ، إلى غير ذلك من الحِكَم .
وأباح سبحانه البيع والعقود المباحة ، لما فيها من العدل ، ولحاجة الناس إليها . وحرم الربا وسائر العقود الفاسدة ، لما فيها من الظلم والفساد ، وأباح الطيبات من المآكل والمشارب ، والملابس ، والمناكح ، لما فيها من مصالح الخلق ، ولحاجة الناس إليها ، ولعدم المفسدة فيها . وحرم الخبائث من : المآكل ، والمشارب ، والملابس ، والمناكح ، لما فيها من الخبث والمضرة ، عاجلاً وآجلاً ، فتحريمها حماية لعباده ، وصيانة لهم ، لا بخلاً عليهم ، بل رحمة منه بهم ، فكما أن عطاءَه رحمة ، فمنعه رحمة ، مثال ذلك : أن إنزال المطر بقدر ما يحتاج إليه العباد : رحمة منه تعالى ، فإذا زاد بحيث تضر زيادته كان منعه رحمة . لذا شرع لنا عند زيادة المطر إلى درجة نخشى منها الضر ، الدعاء بهذا " ... اللهم حوالينا ولا علينا ... " .
صحيح البخاري . متون / ( 15 ) ـ كتاب : الاستقساء / ( 6 ) ـ باب : الاستقساء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة / حديث رقم : 1014 / ص : 117 .
وبالجملة ، فإن أوامر الرب قوت القلوب وغذاؤها ، ونواهيه داء القلوب وَكُلُومهَا ، وكذلك المواريث ، والأوقاف ، والوصايا ، وما في معناها : اشتملت كلها على غاية المصلحة والمحاسن ، فالدِين مُقام على جلب المصالح ودرء المفاسد .
رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 14 / بتصرف .
دليل هذه القاعدة : العموم والاستقراء .
أما العموم : فمنه قوله تعالى -وذلك بدلالة اللزوم-
" إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحشاءِ والمنكرِ وَالْبَغيِ " .سورة النحل / آية : 90 .
وقوله سبحانه (1) " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمةً لِّلْعالَمِينَ " . سورة الأنبياء / آية : 107 .
فمقتضى كون هذه الشريعة رحمة أن تكون جالبة للمصلحة دافعة للمفسدة (1) .
وفي تعاليل الأحكام نجد أن الشريعة عللت كثيرًا من أحكامها بمصالح الخلق كما قال ـ جل وعلا ـ" وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ ". سورة البقرة / آية : 179 .
فقوله : حَيَاةٌ ، هذا تعليل لهذا الحكم وهو القصاص لمصلحة الخلق ـ [ حتى لا تكون فوضى ويعم الفساد ، فإذا عُلم أن هناك قصاص ارتدع المعتدي (2) ] ـ .
(2)ما بين المعكوفتين [ ] تصرف
وأما الاستقراء : ـ وهو تتبُّعُ الجزئيات للوصول إلى حكم كلِّيٍّ ـ : وتتبع الأحكام والنظر في عللها وحِكَمِهَا ، دليل قاطع على كون هذه الشريعة مصلحة للخلق .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
منظومة القواعد ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
ـ بعد أن ذكر الناظم القاعدة الكلية في المصلحة ، بل هي من القواعد الخمس الكبرى ، بعدها انتقل إلى تفريع مبني على تلك القاعدة ، وهو تزاحم المصالح وتزاحم المفاسد . وهي القواعد التالية لهذا .
القواعد الفقهية ... / شرح : الشيخ خالد المصلح / بتصرف .
رد مع اقتباس