عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-03-2019, 04:32 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
Arrow

*ترجمة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
يؤيد ويسخر الله عز وجل أمة الإسلام في كل حقبة من الزمن من يقودها إلى الحق، فرغم شدة المحنة، وألم العذاب، كان القرار الجريء من الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله بالثبات على الحق في محنة خلق القرآن، هذه المحنة التي عصفت بالأمة في تلك الحقبة من تاريخنا.
*اسمه ونسبه :
أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني ـ أبو عبد الله .
ولد سنة 164 هـ ، وتوفي ببغداد سنة 241 هـ
.
ويمتد نسبه حتى يلاقي فيه نسب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نزار ، لأن نزارًا كان له أربعة أولاد ، منهم مُضَر ، ونبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ولده ومنهم ربيعة وإمامنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل من ولده . والإمام أحمد عربي صحيح النسب ، حملت به أمه بـ مرو ، وقَدِمَتْ بغداد وهي حامل به فولدته في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة .
وكان أبوه "محمد" والي سرخس ، وكان من أبناء الدعوة العباسية ، وتوفي ـ أي : والد الإمام أحمد ـ وله ثلاثون سنة ، وكانت وفاته في سنة تسع وسبعين ومائة .من أعلام السلف/ للشيخ أحمد فريد / ج : 2 / ص : 220 .
*صفته ـ رحمه الله ـ :

قال ابنُ ذَرِيح الْعُكْبَرِيُّ :
طلبتُ أحمد بن حنبل فسلمتُ عليه ، وكان شيخنا مخضوبًا طوالًا أسمر شديد السمرة.
وعن محمد بن عباس النحوي قال : رأيت أحمد بن حنبل حسن الوجه ، ربعه ، يخضب بالحناء خضابًا ليس بالقاني ، في لحيته شعرات سود ، ورأيت ثيابه غلاظًا بيضًا ، ورأيته معتمًّا وعليه إزار .
تهذيب الكمال للحافظ المزي . وسير أعلام النبلاء.من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 221 .

أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عن المروذي أن أبا عبد الله قال :ما تزوجت إلا بعد الأربعين.ص1032 - كتاب فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب - من صفات الإمام أحمد بن حنبل - المكتبة الشاملة الحديثة

*طلبه للعلم :
كانت لوائح النجابة تظهر منه زمن الصبا ، وكان حفظه للعلم من ذلك الزمان غزيرًا ، وعلمه به متوافرًا ، وربما كان يريد البكور في الحديث فتأخذ أمه بثيابه فتقول : حتى يُؤَذِّن الناس ، أو حتى يصبحوا .
وطَلَبَ الحديث وهو ابن ست عشرة سنة ، وسافر في طلب العلم أسفارًا كثيرة إلى بلاد : الكوفة ، والبصرة ، والحجاز ، ومكة ، والمدينة واليمن والشام ، والثغور ، والسواحل ، والمغرب ، والجزائر ، والفُراتَين جميعًا ، وأرض فارس ، وخُراسان ، .....ثم رجع إلى بغداد وساد أهل عصره ، ونصر الله به دينَهُ .
قال يحيى بن معين : خرجنا إلى عبد الرزاق إلى اليمن حججنا ، فبينا أنا بالطواف إذا " بعبد الرزاق " في الطواف ، فسلمت عليه ، وقلت له : هذا " أحمد بن حنبل " فقال : حياه الله ، وثبته فإنه بلغني عنه كل جميل .
فقلتُ لأحمد : قد قَرَّبَ اللهُ خُطانا ، وَوُفِّرَتْ علينا النفقة ، وأراحنا من مسيرة شهر .
فقال : إني نويت ببغداد أن أسمع عنه بصنعاء ، والله لا غيرت نيتي ، فخرجنا إلى صنعاء فنفدت نفقته ، فعرض علينا عبد الرزاق دراهم كثيرة ، فلم يقبلها ، فقال : ـ أي عبد الرزاق ـ على وجه القرض . فأبى ، وعرضنا عليه نفقاتنا ، فلم يقبل . فاطلعنا عليه وإذا هو به يعمل التك* ، ويفطر على ثمنها . واحتاج مرة فأكرى نفسه للجمالين، أي عمل أجيرًا عندهم . كذا ، ولم يصرح بمعناه . حاشية : من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 223.
*وقال أحمد الدورقي : لما قدم " أحمد بن حنبل " من عند " عبد الرزاق " رأيتُ به شحوبًا بمكة ، وقد تبين عليه النصب والتعب ، فكلمته فقال : هين فيما استفدناه من عبد الرزاق . سير أعلام النبلاء .
* وكان من أصحاب الإمام الشافعي وخواصه ، وكان الشافعي يُجله ويثني عليه .
قال حرملة : سمعت الشافعي يقول عند قدومه إلى مصر من العراق : ما خلفت بالعراق أحدًا يشبه أحمد بن حنبل .

* وحج خمس حجات ، ثلاث حجج ماشيًا ، واثنتين راكبًا . من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 222 .
*آدابه وأخلاقه :
*عن أبي داود السجستاني قال : لم يكن " أحمد بن حنبل " يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا ، فإذا ذُكر العلم تكلم . وقال مجالسة " أحمد بن حنبل " مجالسة الآخرة ، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا .
وعن أبي بكر المطوعي قال : اختلفت إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل اثنى عشرة سنة وهو يقرأ المسند على أولاده ، فما كتبتُ منه حديثًا واحدًا ، وإنما كنت أنظر إلى هديه وأخلاقه وآدابه
.من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 232.
*شيوخه :
قال الخطيب في تاريخ بغداد :
سمع من إسماعيل بن عُلَّية ، وَهُشَيْم بن بشير ، ووكيع بن الجراح ، ..... وخلق سوى هؤلاء يطول ذكرهم . وذكر المِزِّي في تهذيبه مائة وأربعة من شيوخه .من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 245 .
*تلامذته :
قال الخطيب :
وروى عنه غير واحد من شيوخه ، وحدَّثَ عنه ابناه :
" صالح " و " عبد الله " ، وابن عمه " حنبل بن إسحاق "
وقد ذكر المزي أيضًا في تهذيبه ثمانية وثمانين من تلامذته ، وفيهم جملة من شيوخه منهم محمد بن إدريس الشافعي ، ووكيع بن الجراح ، ويحيى بن آدم ، ويزيد بن هارون .
ومن أقرانه : علي بن المديني ، ويحيى بن معين ، ودحيم الشامي ، وأحمد بن صالح المصري
.من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 246 .
*محنة الإمام أحمد :
عرضت عليه الدنيا فأباها ، والبدعة فنفاها . فقد تعرض الإمام للفتنة من أربعة من الخلفاء ، وهم المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، والمتوكل .
وقد كانت الأمة قبل ذلك ترتفع فيها راية السنة إلى عهد الخليفة " هارون الرشيد " ـ رحمه الله ـ ، فكان أهل البدع يستخفون ببدعتهم ، ولا يجهرون بباطلهم .
ولما وليَ المأمون أبو جعفر بن هارون الرشيد ، وكانت ولايته في المحرم وقيل في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة ، صار إليه قوم من المعتزلة وأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل ، وحسنوا له قبيح القول بخلقالقرآن ونفي صفة الكلام عن الله .
فالمعتزلة رفضوا الإيمان بصفة الكلام لاعتقادهم التشبيه وقياس الله على خلقه في الحكم ، فكذبوا بالآيات التي تدل على ثبوت الصفة لله ، فقالوا "لا يتكلم ولا يكلم " . تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا .
وحاول المأمون أن يجبر العلماء والقضاة على القول بمذهبه ، فأجابه أكثرهم تقية ، وقتل من قتل في المحنة ، ووقف الإمام أحمد كأنه جبل شامخ تكسرت عليه المحن وانهزمت على قدميه الفتن .
ولما هلك " المأمون " تبعه " المعتصم " فجلد الإمام وحبسه ثمانية وعشرين شهرًا على أن يلين . فثبت على الحق حتى هلك المعتصم ، ومِن بعده الواثق .
ثم أشرقت عليه خلافة المتوكل ، وكان من أهل السنة ، فَرُفِعَتْ أعلام السنة ونُكست أعلام البدعة ، وأهلك الله عز وجل كل من شارك في المحنة .
ولكن الإمام أحمد لم يَسْلَم في زمن المتوكل من الفتنة ولكنها فتنة من نوع جديد ، إنها فتنة الدنيا ، فتنة المال والجاه والدخول على السلطانفقد حاول المتوكل أن يغدق على الإمام الأموال ، ولكن إمامنا وعالمنا لم ترهبه السياط والتعذيب ، ولم يجذبه بريق المال والسلطان .
فقال الإمام ـ رحمه الله : أسلم من هؤلاء ستين سنة ثم ابتلى بهم ، فما قبل من ذلك شيئًا ، وعاش بقية عمره زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة ، فازداد ارتفاعًا في قلوب الخلق
.من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 218 / بتصرف .

*وصايا الصالحين
:
من أسباب الثبات الدعاء بأن يقيض الله للمرء رجلًا صالحًا يعظه فيثبته الله وينفعه بتلك الكلمات ، فتنبني نفسه ، وتُسدَّد خطاه يوم يتعرض لفتنة أو بلاء من ربه ليمحصه به
ها هو الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ يساق إلى المأمون مقيدًا بالأغلال ، وقد توعده وعيدًا شديدًا قبل أن يصل إليه حتى قال خادمه : يعز عليَّ يا أبا عبد الله أن المأمون قد سلَّ سيفًا لم يسلَّه قبل ذلك ، وأنه أقسم لئن لم تجبه ليقتلنك بذلك السيف . وهنا يأتي الصالحون ، أهل البصيرة لينتهزوا الفرصة ليلقوا بالوصايا التي تثبت في المواقف الحرجة .ففي السير 241أ11. أن أبا جعفر الأنباري قال : لما حُمل الإمام أحمد إلى المأمون أُخبرتُ ، فعبرتُ الفرات ، وجئتَهُ ، فسلمتُ عليه ، وقلتُ : يا إمام أنت اليوم رأس ، والناس يقتدون بك ؛ فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبنَّ خلق كثير ، وإن لم تجب ليمتنعن خلق كثير ، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت ، لابد من الموت فاتق الله ولا تجبه
.
والإمام أحمد في سياق رحلته إلى المأمون يقول : وصلنا إلى رحبة - رحبة
: تقع بين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات - ورحلنا منها في جوف الليل ، قال : فعرض لنا رجل ، فقال : أيكم أحمد بن حنبل ؟ فقيل هذا . فقال : يا هذا ماعليك أن تُقْتَل ها هنا وتدخل الجنة . ثم قال : أستودعك الله ، ومضى .
وأعرابي يعترضه ، ويقول : يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤمًا عليهم ، إنك رأس الناس فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه ؛ فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة ، إن كنت تحب الله فاصبر ، فوالله ما بينك وبين الجنة إلا أن تُقتل .
ويقول الإمام أحمد : ما سمعت كلمة مُذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في " طوق " ، قال : يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيدًا ، وإن عشت عشت حميدًا فقوَّى بها قلبي .
فإن أردت بناء نفسك أخي الكريم ـ فاحرص على طلب الوصية من الصالحين ، اعقلها إذا تُلِيَت عليك ، اطلبها قبل سفر إذا خشيت مما يقع فيه ـ من المعاصي ..... ، اطلبها أثناء ابتلاء ، أو قبل حدوث محنة متوقعة ، اطلبها إذا عُيِّنْتَ في منصب صَغُرَ أو كَبُرَ ، أو ورثت مالًا وصرت ذا غنى ، اطلبها في الشدة والرخاء والعسر واليسر لتنبني نفسك ـ على الحق ـ وينبني بها غيرك والله ولي المؤمنين .
عوامل بناء النفس / ص : 55 .

*مرضه ووفاته
قال صالح ـ ابن الإمام أحمد ـ لما كان في أول يوم من ربيع أول من سنة أحدى وأربعين ومائتين حُمَّ أبي ليلة الأربعاء . وكنت قد عرفت علته ، وكنت أمرضه إذا اعتل ، فقلتُ له : يا أبتِ على ما أفطرت البارحة ؟ .قال :على ماء باقلاء ووصف له في علته قرعة تشوى ويسقى ماؤها ، فلما جاءوا بالقرعة قال يا صالح فقلت لبيك قال : لا تشوي في منزلك ، ولا في منزل أخيك . وذلك لأنه نهى وَلَدَيْـه - صالح ، وعبد الله - وعمه ، عن أخذ العطاء من مال الخليفة ، فاعتذروا بالحاجة ، فهجرهم شهرًا لأخذ العطاء . ورفض أن يستخدم فرن ولديه لأجل هذا .
ـ وصار الفتح بن سهل إلى الباب ليعوده فحجبه ،وأتى ابن علي بن الجعد وكثر الناس ، فقال : أي شيء ترى ؟ .
قلت : تأذن لهم ، فيدعون لك .
قال : استخير الله .
فجعلوا يدخلون عليه أفواجًا حتى تمتلئ الدار ،فيسألونه ويدعون له ، ثم يخرجون ، ويدخل فوجآخر ، وكثر الناس فامتلأ الشارع ،
وأغلقنا باب الزُّقاق ، وجاء رجل من جيراننا قد خضب فقال أبي : إني لأرى الرجل يُحْيِي شيئًا من السنة فأفرح به . ولم يئن إلا في الليلة التي توفي فيها ،ولم يزل يصلي قائمًا ،أمسكه فيركع ويسجد ، وأرفعه في ركوعه . واجتمعت عليه أوجاع الْحُصْر وغير ذلك ،ولم يزل عقله ثابتًا .
قال البخاري: مرض أحمد بن حنبل لليلتين خلتا من ربيع أول ، ومات يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول .
وفتح الناس أبواب المنازل في الشوارع والدروب ينادون من أرادالوضوء ـ للصلاة عليه ـ ، وصلىعليه جموع كبيرة من الخلق . وشيعه جموع
ـ قال أبو بكر الخلال :
سمعت عبد الوهاب الوراق يقول : ما بلغنا أن جمعًا في الجاهلية والإسلام مثله .
من أعلام السلف / ج : 2 / ص : 230 ، 253 / بتصرف .
وقد كان أحمد ـ رحمه الله ـ محنة في زمانه وبعد زمانه حتى صار الرجل يعرف هل هو من أهل السنة أو من أهل البدع بحبه لأحمد أو بغضه لأحمد ـ رحمه الله تعالى ـ .وليس معناه أبدًا أن أحمد بن حنبل ـ رحمه
الله ـ معصوم ،فلا أبو بكر معصوم ولا غيرهم من أهل هذه الأمة معصوم
...
فلا عصمة لأحد في هذه الأمة بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
أصول أهل السنة والجماعة لإمام أهل السنة ، أحمد بن حنبل رحمه الله:
وهي قواعد ينبغي على كل من يطالعها أن يعض عليها بالنواجذ ، فهي سبيل للهداية والنجاة والسعادة في الدارين . ذلك لأنها عقيدة سلف الأمة " رضي الله عنهم " ولن يصلح آخر الأمة إلا بما صلح به أولها ...
" فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "سورة البقرة / آية : 137.
قال محققوا هذه النسخة:
رد مع اقتباس