عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 11-05-2019, 02:07 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213
root


السُّنَّةِ الَّلازِمةِ
ومن السُّنَّةِ الَّلازِمةِ الَّتِي مَنْ تَرَكَ مِنْهَا خَصْلَةً -لم يَقْبَلْهَا ويُؤْمِنْ بِهَا -لَم يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا:الإيمَانُ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، والتَّصْدِيقُ بِالأَحَادِيثِ فِيهِ،وَالإِيمَانُ بِهَا لا يُقَالُ:لِمَ ؟وَلاكَيْفَ؟ إنَّمَا هُوَ التَّصْدِيقُ بِهَا وَالإيمَانُ-بِهَا-.
ومَنْ لَمْ يَعْرِفْ تَفْسِيْرَ الحَدِيثِ ويَبلُغْهُ عَقْلُهُ فَقَد كُفِيَ ذَلِكَ وأُحْكِمَ لَهُ،فَعَلَيْهِ الإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ لَهُ،مِثلَ حَدِيثِ:الصَّادِقِ المَصْدُوقِ،ومِثلَ مَا كَانَ مِثْلَه في القَدَرِ،وَمِثْلَ أحاديث الرُّؤيةِ كُلِّهَا وإن نَبَتْ عَنِ الأسْمِاعِ واسْتَوحَشَ مِنْهَا المُستَمِعُ،فإنَّمَا عَلَيهِ الإيمَانُ بِهَا ،وَأَنْ لا يَرُدَّ مِنْهَا حَرْفًا وَاحِدًا وغَيرِهَا مِنَ الأَحَادِيثِ المَأْثُورَاتِ عن الثِّقَاتِ .هنا -
الشرح :

والإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان الستة التي من لم يؤمن بها أو جحد واحدًا منها فإنه يخرج من دائرة الإيمان ويكون من الكافرين، أصول الإيمان ستة "وهي الإيمان بالله، والثاني الإيمان بالملائكة، والثالث الإيمان بالكتب المنزلة، والرابع الإيمان بالرسل، والخامس الإيمان باليوم الآخر، والسادس الإيمان بالقدر خيره وشره " هذه الأصول الستة جاءت في الكتاب والسنة، وأجمع عليها المسلمون، وآمن بها جميع الأنبياء والمرسلين، ولم يجحد شيئًا منها إلا من خرج عن دائرة الإسلام وصار من الكافرين.
هذه الأصول دل عليها كتاب الله :
قال الله تعالى"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ" البقرة: 285.
وقال تعالى"وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ"البقرة: 177.
هذه خمسة أصول، والإيمان بالقدر في قوله تعالى"إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" القمر : 49.
"وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا"الفرقان: 2.
وقال سبحانه وتعالى"وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا" النساء : 136.
فجعل الكفر هو الكفر بهذه الأصول فدل على أن الإيمان هو الإيمان بهذه الأصول.

ودلت عليها السنة: في حديث جبرائيل في مجيئه للنبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بيْنَما نَحْنُ عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ يَومٍ، إذْ طَلَعَ عليْنا رَجُلٌ شَدِيدُ بَياضِ الثِّيابِ، شَدِيدُ سَوادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عليه أثَرُ السَّفَرِ، ولا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حتَّى جَلَسَ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ، ووَضَعَ كَفَّيْهِ علَى فَخِذَيْهِ. وَقالَ: يا مُحَمَّدُ أخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: الإسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتِيَ الزَّكاةَ، وتَصُومَ رَمَضانَ، وتَحُجَّ البَيْتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إلَيْهِ سَبِيلًا، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فَعَجِبْنا له يَسْأَلُهُ، ويُصَدِّقُهُ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ، قالَ: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، قالَ: صَدَقْتَ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ الإحْسانِ، قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإنَّه يَراكَ، قالَ: فأخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قالَ: ما المَسْؤُولُ عَنْها بأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قالَ: فأخْبِرْنِي عن أمارَتِها، قالَ: أنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَها، وأَنْ تَرَى الحُفاةَ العُراةَ العالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يَتَطاوَلُونَ في البُنْيانِ، قالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قالَ لِي: يا عُمَرُ أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّه جِبْرِيلُ أتاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ.الراوي : عمر بن الخطاب - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم: 8 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر =
إذًا الإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان من لم يؤمن بالقدر فليس بمؤمن.
الأصل أن المؤمن يؤمن بقضاء الله وقدره ويمسك لسانه عن الخوض فى دقائق القدر ، ويضع نُصب عينيه عدل الله ورحمته . بهذا ينجو من أمواج هذا البحر العميق .
ويجب الإيمان بالقدر ومعرفته من خلال الأدلة حوله، وأنه ركن من أركان الإيمان، وما يقوي الإيمان فيه، هذه من المسائل المتعلقة بالقدر التي يجوز الخوض فيها، بل مما يزيد الإيمان فيها أن يدرسها الإنسان ويتعمق فيها.
لكن إذا جاء خائض ليخوض في باب القدر بالباطل، ويأتي ليقول: لماذا قدر الله؟ لماذا كذا؟ لماذا كذا؟ ثم يأتي محتجًا ومعترضًا، فهذا منهي عنه.هنا -
*والقَدَر هو: أن يؤمن العبد بأن الله عَلِم ما سوف يكون، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، ويؤمن بأنه لا يكون في الوجود شيء إلا بعد إرادة الله، لا يكون إلا ما يريد، ويؤمن بأن الله خالق كل شيءٍ وأنه ليس شيءٌ موجود إلا الله خالقه، من المخلوقات ومن الأفعال ومن الأحكام، وعندئذ يؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم"يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ ."الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 2516 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
- الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين -

قال تعالى
"
يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ*فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ* خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ*وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" هود : 105 إلى 108 .
"لمَّا نزلَت هذِهِ الآيةَ فَمِنْهُمْ شَقيٌّ وَسَعِيدٌ سألتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقُلتُ : يا نبيَّ اللَّهِ ، فعَلى ما نَعملُ ؟ علَى شيءٍ قد فُرِغَ منهُ ، أو على أيِّ شيءٍ لم يُفرَغْ منهُ ؟ قالَ : بل على شيءٍ قد فُرِغَ منهُ وجرت بِهِ الأقلامُ يا عمرُ ، ولَكِن كلٌّ ميسَّرٌ لما خلقَ لَهُ" الراوي : عمر بن الخطاب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي- الصفحة أو الرقم: 3111 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -

"فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى"الليل:5-10،
"فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى" أي: بذل . "وَاتَّقَى" أي: محارم الله التي نهى عنها . وقال الشيخ السعدي:
"فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى" أي:ما أمر به من العبادات المالية، كالزكوات، والكفارات والنفقات، والصدقات، والإنفاق في وجوه الخير، والعبادات البدنية كالصلاة، والصوم ونحوهما.
والمركبة منهما، كالحج والعمرة -ونحوهما.
"وَاتَّقَى" ما نهي عنه، من المحرمات والمعاصي، على اختلاف أجناسها.. فجعل الله كلًا ميسرًا لما خُلق له، فإذا خلق الله العبد للسعادة يسره لعمل أهل السعادة حتى يموت على ذلك العمل ويكتب سعيدًا، وإذا خَلق اللهُ العبدَ للشقاوةِ خذله ويسر له أسباب الشقاوة حتى يموت عليها، وذلك عدل من الله، وليس فيه ظلم لأحد، ليس هو ظالم لهذا حيث خذله، وليس هو تارك لشيء من حق الإنسان، بل الله تعالى هو المالك للإنسان، وهو الذي يتصرف في الناس كيف يشاء، فمن شاء هداه ومن شاء أضله، وهدايته لهذا تكون بفضله، وإضلاله لهذا عدل منه.
فعلى كل حال "كلٌّ ميسَّرٌ لما خلقَ لَهُ" يعني: أنه تتيسر له أو تتوافر له الأسباب التي تؤدي به إلى ذلك الشيء، فإن كان من أهل الشقاوة سلط الله عليه -لحكمة- من يضله، ومن يصده عن القرآن، ويصده عن الحق، ومن كان من أهل السعادة ومن أهل الإيمان، وعلم الله أنه من أهل الخير، يسر الله له من يهديه، ومن يدعوه إلى التوبة النصوح . شرح العقيدة الطحاوية .

"قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا"الإسراء: 84 .
أي" قُلْ كُلٌّ " من الناس " يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ " أي: على ما يليق به من الأحوال، إن كان من الصفوة الأبرار، لم يشاكلهم إلا عملهم لرب العالمين. ومن كان من غيرهم من المخذولين، لم يناسبهم إلا العمل للمخلوقين، ولم يوافقهم إلا ما وافق أغراضهم.
" فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا " فيعلم من يصلح للهداية، فيهديه ومن لا يصلح لها فيخذله ولا يهديه.تفسير السعدي.
فعلى العبد أن يعمل ويجتهد ، دون تفكير أو نظر فيما قُدِّرَ عليه ؛ فإنه لا يدري ما الذي سبق له به الكتاب ؛ فليحسن الظن بربه ، وليعظم الرجاء فيما عنده ، وليعمل على أنه قد كُتِبَ من أهل السعادةِ ، ومعلوم أن تلك المنازل لا تأتي إلا بعمل ؛ فليعمل لها .
والعجب ممن يجتهد في تحصيل رزقه مع أنه مكتوب، ثم هو يريد ألا يسعى في تحصيل الإيمان والطاعة ؛ بحجة أن ذلك مكتوب! والأمر فيهما واحد، والعاقل لا يدع العمل اعتمادا على أمر مغيّب لا يدري عنه شيئًا.

*والتقديرات أنواع أربعة ذكرها ابن القيم في شفاء العليل:
التقدير الأول: التقدير العام .
وهو الذي يتعلق بكل شيء في هذا الكون، من جماد وكائنات، وعلم الله تعالى بها وحدوثها وكتابة مقاديرها. وهذا التقدير ما كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ قبل خلق الخلق كلهم. .شبكة السنة النبوية وعلومها .
وهذه الكتابة لا تتبدل ولا تتغير، رُفعت الأقلام وجفَّتْ الصحف. فيجد العبد ما هو مكتوب في اللوح المحفوظ من خير أو شر. قال تعالى" أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ " الحج: 70.
وهو ما ثبت في مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"
كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ."الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2653 - خلاصة حكم المحدث :صحيح - الدرر -
قال صلى الله عليه وسلم"يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ ."الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي.

التقدير الثاني: وهو التقدير العمري.
وهو الذي يتعلق بأعمار الناس وأطوار الخلق التي يمرون بها، وأفعالهم وأرزاقهم في مراحل حياتهم ومن ثم تحديد آجالهم وانقطاع أرزاقهم بها.شبكة السنة النبوية وعلومها
ويدل عليه حديث ابن مسعود في الصحيحين ثم يرسل إليه ملك فيكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أم سعيد.
"إنَّ اللَّهَ وكَّلَ في الرَّحِمِ مَلَكًا، فيَقولُ: يا رَبِّ نُطْفَةٌ، يا رَبِّ عَلَقَةٌ، يا رَبِّ مُضْغَةٌ، فإذا أرادَ أنْ يَخْلُقَها قالَ: يا رَبِّ أذَكَرٌ، يا رَبِّ أُنْثَى، يا رَبِّ شَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ، فَما الرِّزْقُ، فَما الأجَلُ، فيُكْتَبُ كَذلكَ في بَطْنِ أُمِّهِ."الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 3333 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر-
شرح الحديث:

كلُّ شيءٍ خلقَه اللهُ مُقدَّرٌ كائنٌ كما أراد سبحانه وتعالى؛ فما مِن شيءٍ يَجري في ملكوتِه إلَّا بِقدرِه وعِلمِه سبحانه وتعالى، وقد وكَّلَ الله عزَّ وجلَّ بِالرَّحمِ، أي: موضعِ تكوينِ الجنينِ ملَكًا كما في هذا الحديثِ، فإذا تَكوَّنَتِ النُّطفةُ قال هذا الملَكُ: يا ربِّ نطفةٌ، أي: هو نُطفةٌ، والنُّطفةُ الماءُ اليسيرُ ويُرادُ به المنِيُّ، فإذا أصبَحَ عَلقةً قال الملَكُ: يا ربِّ عَلقةٌ، والعلَقةُ قِطعةُ الدِّم ِالجامدةُ، فإذا صار مُضغةً قال الملكُ: يا ربِّ مضغةٌ، والمضغةُ قطعةُ اللَّحمِ، فإذا أرادَ اللهُ تعالى أنْ يُتمَّ خلْقَ هذا الإنسانِ سألَ الملَكُ المولى تعالى، فقال: أذكرٌ أَمْ أنثى؟ شَقِيٌّ أم سعيدٌ؟ يعني: هل تخلُقُه ذكرًا أم أُنثى؟ وهل يكونُ مِن أهلِ الشَّقاءِ أَمِ السَّعادةِ؟ ثُمَّ يَسألُ عَن رزقِه وعُمرِه، فَيُكتبُ كلُّ ذلك وهو ما زال في بطنِ أمِّه. الدرر -

التقدير الثالث
:التقدير السنوي.
وهو أمر الله تعالى المحكم من الآجال والأرزاق في ليلة القدر من كل سنة حين يقضى من اللوح المحفوظ إلى كتبة الملائكة، وهي آجال وأرزاق لا تتبدل ولا تتغير، وهو معنى قوله تعالى"إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ . فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ . أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ" الدخان: 3-5.

التقدير الرابع
: التقديراليومي.
وهذا هو قدر الله تعالى الأزلي الذي يظهر كل يوم، من خلال حركة الإنسان في الأفعال والأقوال، وما يترتب عليها من رزق، أو حرمان، ومن مغفرة أو عذاب، ومن موت أو حياة، وغيرها من الآجال التي يظهرها الله تعالى في يوم واحد من عمر هذا الإنسان، وهي بالأصل آجال مكتوبة منذ الأزل، يقول تبارك وتعالى"يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ"الرحمن :29..شبكة السنة النبوية وعلومها .
"كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ " قالَ مِن شأنِه أن يغفِرَ ذنبًا ويفرِّجَ كربًا ويرفعَ قومًا ويخفِضَ آخَرينَ"الراوي : أبو الدرداء -المحدث : الألباني -المصدر : صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 168: :خلاصة حكم المحدث : حسنالدرر -

وقال ابن القيم رحمه الله " وقد اقتضى كماله المقدس سبحانه : أنه كل يوم هو في شأن، فمن جملة شؤونه أن يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويشفي مريضًا، ويفك عانيًا، وينصر مظلومًا، ويغيث ملهوفًا، ويجبر كسيرًا، ويغني فقيرًا، ويجيب دعوة، ويقيل عثرة، ويُعِز ذليلًا، ويُذِل متكبرًا، ويقصم جبارًا، ويميت ويحيي، ويُضحِك ويُبكي، ويخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، ويرسل رسله من الملائكة ومن البشر في تنفيذ أوامره ، وسوق مقاديره التي قدرها إلى مواقيتها التي وقتها لها" انتهى من "شفاء العليل" ص243.

وما كتبه الله يكون في أم الكتاب وفي الكتب الأخرى عند الملائكة كما قال تعالى"
يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " الرعد: 39. , ويشكل على كثيرين أن الله قد كتب أعمار العباد وجاء في السنة النبوية أن من فعل بعض الأعمال كصلة الرحم
يُنْسَأ له في أثره كما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم "مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ. "الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 2067 - خلاصة حكم المحدث : صحيح - الدرر -
, وجه الإشكال كيف أن الله قد كتب أعمار العباد ثم بعد ذلك تزيد أعمارهم إذا وصلوا أرحامهم ؟
الجواب
على هذا أن يقال إن الذي يزاد فيه هي الكتب الأخرى التي عند الملائكة، أما في أم الكتاب فلا يزاد فيه , فمثلا الكتب الأخرى يكتب فيها إن عُمْر فلان ستون سنة ثم إن فلانا قد وصل رحمه فيزاد في عمره إلى أن يكون سبعين سنة , روي هذا عن ابن عباس وعن جمع من التابعين وهو قول ابن جرير وقول ابن تيمية قال الله تعالى
"يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " الرعد: 39.
التفسير
" يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ " من الأقدار " وَيُثْبِتُ " ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه وكتَبَهُ قلَمُهُ فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير لأن ذلك محال على الله، أن يقع في علمه نقص أو خلل ولهذا قال"وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ " أي: اللوح المحفوظ الذي ترجع إليه سائر الأشياء، فهو أصلها، وهي فروع له وشعب.
فالتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابًا ولمحوها أسبابًا، لا تتعدى تلك الأسباب، ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البِّر والصِّلَة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببًا لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب سببًا للسلامة، وجعل التعرض لذلك سببًا للعطب، فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ. تفسير السعدي =


*والإيمان بالقدر يتضمن الإيمان بمراتبه الأربع وهي:
العلم،ثم الكتابة، ثم المشيئة ، ثم الخلق والإيجاد، هذه مراتب القدر الأربع التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر "العلم، والكتابة، والمشيئة والإرادة، والخلق والإيجاد".
بمعنى أن الله يعلم بأن سيوجد فلان ثم يكتب هذا في اللوح المحفوظ ثم إذا جاء وقت وجوده شاء الله أن يكون ثم بعد ذلك يخلقه جل جلاله وعظم سلطانه .

*الإيمان بالمرتبة الأولى وهي العلم:
الله تعالى عَلِمَ ما الخلق عاملون قبل خلقهم بعلمه ، الذي هو موصوف به أزلًا, وعَلِمَ جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق.الموسوعة العقدية /الكتاب السابع: الإيمان بالقضاء والقدر/الباب الرابع: المذاهب في القدر، وأسباب الضلال فيه، وحكم الاحتجاج به.هنا =
فالله عَلِمَ الأشياءَ في الأزلِ قبل كونِها، وعلم بالأشياء الحاضرة، وعلم بالأشياء المستقبلة، وعلم بما لم يكن لو كان كيف يكون، قال الله تعالى عن الكفار لما سألوا الرجعة إلى الدنيا قال الله"وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" الأنعام: 28.
هذا لو رُدُّوا لعادُوا لما نُهُوا عنه، هذا عِلْمُ اللهِ بما لم يَكُنْ لو كان كيف يَكُون، وقال الله تعالى"وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ" الأنفال 23.
أخبر الله أنه بما لم يكن لو كان كيف يكون، "
وَلَوْ".
بما لم يكن:أي لم يسمعهم .
لو كان: أي لو أسمعهم .
كيف يكون:أي سيكون الإعراض.
لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ.
وقال عن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك قال الله تعالى"وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * " التوبة: 46.
هم ما خرجوا ،
ماذا يحصل لو خرجوا؟" لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ " التوبة: 47.
هذه مفاسد، من حِكْمَةِ اللهِ أنه مَنَعَهُم من الخروجِ "
ثَبَّطَهُمْ" لِئَلا تحصل هذه المفاسد.
الخلاصة:فالمرتبة الأولى من مراتب القدر: العلم؛ العلم في الأزل في الماضي، والعلم في الحاضر، والعلم في المستقبل، والعلم بما لم يكن لو كان كيف يكون.
فنؤمن أن الله تعالى عَلِمَ ما الخَلْق عاملون بعلمِهِ القديم، الذي هو موصوف به أزلًا، وعَلِمَ جميعَ أحوالِهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، جفت الأقلام وطويت الصحف.
*المرتبة الثانية: الكتابة؛ الإيمان بأن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ، ما الذي كتب؟ كل شيء؛ الذوات والصفات والأفعال والحركات والسكون والأرزاق، والأعمال والأخلاق والسعادة والشقاوة والفقر والغنى والإعزاز والإذلال والحياة والموت، حتى العجز والكسل، كل شيء مكتوب.
والدليل على هذه المرتبة أدلة، قال الله تعالى"أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ" الحج:70.وهو اللوح المحفوظ.
وهو اللوح المحفوظ، وقال تعالى"وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ "الأنبياء: 105.
الذِّكْر هو اللوح المحفوظ.
"مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ " أي: كتبناه في الكُتب المنزلة، بعد ما كتبناه في الكتاب السابق، الذي هو اللوح المحفوظ .تفسير السعدي .
وقال عليه الصلاة والسلام "
وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شيءٍ " - صحيح البخاري.
أي: كتَب في اللَّوح المحفوظِ جميعَ ما هو كائنٌ إلى يوم القِيامة، وخلَق السَّمواتِ والأرضَ.الدرر =
وقال سبحانه وتعالى"وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ" يس :12. وهو اللوح المحفوظ.
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمرو"
كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قالَ: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ. وفي روايةٍ : بِهذا الإسْنَادِ مِثْلَهُ، غيرَ أنَّهُما لَمْ يَذْكُرَا: وَعَرْشُهُ علَى المَاءِ."الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2653 - خلاصة حكم المحدث : صحيح= الدرر =

وقال عليه الصلاة والسلام فيما ثبت أيضًا :
"أوَّلُ ما خلَقَ اللهُ تعالى القلَمُ، فقال له: اكتُبْ، قال: يا ربِّ، وما أكتُبُ؟ قال: اكتُبْ مَقاديرَ كلِّ شيءٍ حتَّى تَقومَ السَّاعةُ."الراوي : عبادة بن الصامت - المحدث : شعيب الأرناؤوط - المصدر : تخريج شرح الطحاوية-الصفحة أو الرقم: 344 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر =

وقال الله تعالى: "مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ "الحديد 22."مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا"أي من قبل أن نخلقها.
فما أصابك لم يكن ليخطئك؛ أي ما حصل لك من الخير والنعم، أو الشر والنقم وما قدره الله تعالى لك أو عليك، لم يكن ليجاوزك إلى غيرك، وما قدَّر أنه لا يصيبك فإنه لن يصيبك أبدًا، لأنه سبحانه كتبه من قبل خلقها"مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا "، وقدّر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.

ولو أن الإنسان استحضر هذا المعنى استحضارًا كاملًا فإنه يحصل له كمال اليقين، وكمال التوكل، وكمال الرضا بما يقدره الله عليه، فما يفوته من المكاسب وما يحصل له من الأوصاب والأنصاب والأوجال والهموم والمصائب كل ذلك أمر قد قدره الله عليه وفرغ منه، فلا معنى لـ"لو" في مثل هذا المقام، ولهذا قال النبي : إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.

قال صلى الله عليه وسلم"الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وإنْ أَصَابَكَ شيءٌ، فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ، فإنَّ لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ".صحيح مسلم.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَهُ خَلْفَهُ فَقَالَ"يَا فَتَى أَلا أَهَبُ لَكَ أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْخَلائِقَ لَوْ أَرَادُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يُرِدْكَ اللَّهُ بِهِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"الراوي : عبدالله بن جعفر بن أبي طالب - المحدث :الألباني - المصدر : تخريج كتاب السنة-الصفحة أو الرقم: 315 - خلاصة حكم المحدث : صحيح.

يقول"وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"ذكر ثلاثة أمور الناس إليها في غاية الحاجة، أن النصر مع الصبر، فهذه قاعدة ثابتة، يدركها العقلاء بعقولهم، ويدركها المجربون بتجاربهم، وقد أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: النصر مع الصبر، وذلك أن الإنسان يحتاج إلى أن يصبر في مواجهة عدوه، ولهذا قيل: النصر صبر ساعة، ولهذا سئل بعض الأبطال كعنترة حيث إنه كان مشهورًا بشجاعته وفرط قوته وانتصاره على عدوه، فقيل له: من أين لك هذا؟ فقال: إنما هو صبر ساعة، فهو يقدر أن خصمه أو أن عدوه سينهزم هذه اللحظات، فيقول: أثبتُ وأصبر ليكون المنهزم هو، فلابد أن ينهزم أحد الطرفين أو يقتل، فهو يصبر ويثبت ويتجلد من أجل أن تكون الكسرة في حق صاحبه، وعدوه، وخصمه، وهذا مشاهد في الحروب، سواء كان ذلك في مواجهة الأفراد، كما كانت الطريقة قديمًا في قتال الناس، أو كان ذلك عن طريق الجيوش الحديثة، أو نحو ذلك، فالناس إذا صبروا تحقق لهم مطلوبهم من الظفر، ولكن الذي يحصل أن الإنسان ينكسر، ثم بعد ذلك يكون ذلك موطِّئًا لهزيمته، وهكذا حال الإنسان مع الشيطان، ومع شياطين الإنس أيضًا، يحتاج إلى أن يصبر.


ولهذا ذكر ابن القيم -رحمه الله- في آخر بدائع الفوائد عشرة أمور هي في غاية النفع، يحقق بها الإنسان الانتصار على عدوه، ويدفع شره وكيده، وذكر منها الصبر، أن يصبر على هذا الأذى، ويعلم أن ذلك لا يدوم، ولابد من تغير الحال، فما عليه إلا أن يتجلد، فلا يبدو منه شيء يشينه أو لا يليق به، أو أن ينفرط صبره فينهزم.

الغزال إنما يصيده الكلب وهو أسرع منه؛ لأن الغزال إذا جرى وأسرع فإنه يلتفت بعد مدة، فإذا التفت، انثنى عزمه، ثم سقط، فيأخذه ويصطاده، لكن لو أنه شمر، ولم يلتفت فإنه لا يستطيع أن يظفر به؛ لأنه أسرع منه، وهكذا حال الإنسان مع الشيطان، وحال الإنسان مع أعدائه، ما عليه إلا أن يصبر، فإذا لم يصبر طمع فيه عدوه، وكان الظفر به يسيرًا، سواء كان ذلك على أرض المعركة، أو كان ذلك بغيره من المواجهات مع الأعداء في دعاياتهم فيما يجلبون من ألوان المكر على هذه الأمة، فما على هذه الأمة إلا أن تصبر وتتجلد، وتستمسك بحبل الله المتين، لا أن تتنازل عن شيء من مبادئها وعقائدها ودينها، فيستخف بها أعداء الله ثم بعد ذلك لا يلوون على شيء.الشيخ خالد عثمان السبت.



**هاتان المرتبتان - العلم والكتابة-من لم يؤمن بهما لم يؤمن بالقدر، وهاتان المرتبتان أنكرتهما طائفة القدرية -وهذا ‏نفي لعلم الله تعالى السابق، واعتقاد أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها.‏- طائفة القدرية الأولى الذين ظهروا في عصر الصحابة، فَكَفَّرَهُم من الصحابة ابن عمر وغيره؛ لأنهم نسبوا الله إلى الجهل، وانقرضوا وانتهوا.
يقولون:العبد مستقل بعمله ليس لله فيه إرادة، ولا قدرة، ولا خلق.

*المرتبة الثالثة: المشيئة:
والمشيئة هى أن الله تبارك وتعالى شاء لكل موجود أو معدوم في السماوات أو في الأرض فما وُجِدَ موجودٌ إلا بمشيئةِ اللهِ تعالى وما عُدِمَ معدومٌ إلا بمشيئةِ اللهِ تعالى. هنا =
وهي من لوازم الربوبية.
فعلينا الإيمان بمشيئة الله النافذة, وقدرته الشاملة ،أي الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ما في السموات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، لا يكون في مُلْكِهِ إلا ما يريد. هنا -

والمحققون من أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان:
إرادة قدرية
خَلْقِيَّة كونية ، وإرادة دينية شرعية.

*فالإرادة
القدريةالخَلْقِيَّة الكونية : هي المشيئة الشاملة لجميع الموجودات.وهذه الإرادة التي يُقال فيها: ما شاء الله كان، وما لم يشأْ لم يَكُنْ.وهذه الإرادة إرادة شاملة لا يخرج عنها أحد من الكائنات، فكل الحوادث الكونية داخلة في مراد الله ومشيئته هذه، وهذه يشترك فيها المؤمن والكافر والْبَرُ والفاجرُ، وأهلُ الجنةِ وأهلُ النارِ، وأولياءُ اللهِ وأعداؤه، وأهلُ طاعتِهِ الذين يحبهم ويحبونه.هنا=قواعد في باب القضاء والقدر.
فالإرادة الكونية كقوله تعالى"فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا".الأنعام:125.
لو أن الآية اقتصرت على هذا لكانت شرعية، لكن لما ذكر الله جل وعلا إرادته للأمرين في سياق واحد كانت الإرادة هنا كونية.
وهي نظير قوله تعالى"مَنْ يَشَأْ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"الأنعام:39 ، فالإرادة هنا إرادة كونية قدرية .
فهو سبحانه المنفرد بالهداية والإضلال، بحسب ما اقتضاه فضله وحكمته.تفسير السعدي - هنا -

ومثال الإرادة الكونية أيضًا قوله - تعالى"وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"هود: 34. لأن الله لا يحب أن يغوي العباد، إذن لا يصح أن يكون المعنى إن كان الله يحب أن يغويكم، بل المعنى إن كان الله يشاء أن يغويكم. . هنا = محمد بن صالح العثيمين/ التصنيف: توحيد الألوهية .
فالمراد بالإرادة الكونية المرادفة للمشيئة، الإيمان بأن الله أراد وشاء كل شيء وقع في هذا الوجود، تؤمن بأن كل شيء وقع في هذا الوجود سبقت به إرادة الله ومشيئته، خيرًا أو شرًّا، بِرًّا أو فجورًا، طاعة أو معصية، إيمانًا أو كفرًا، كل شيء وقع في هذا الوجود وقع بمشيئة الله وقدرته، لا يقع في ملك الله ما لا يريد، ولكنه مبني على الحِكْمَة، فالله تعالى لا يخلق شيئًا إلا لحكمة، ولا يأمر إلا لحكمة، ولا ينهى إلا لحكمة , ولا يُقَدِّر إلا لحكمة، ولا يأمر إلا لحكمة ولا ينهى إلا لحكمة.
" إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " يوسف:6. فهل يقع في مُلك الله ما لا يريد؟! ما يقع في ملك الله ما لا يريد.

ولكن ما يقع في ملك الله، ما يقع من الشرور والمعاصي والكفر هذه مرادة لا لذاتها، بل مرادة لما يترتب عليها من الحِكم.
فالله أراد وقوع الكفر والمعاصي كونًا وقدرًا، ولكن ما أراده دينًا وشرعًا؛ لما يترتب عليه من الحِكَم، من الحِكَمِ ظهور قدرة الله على المتقابلات؛ فالكفر يقابله الإيمان، والمعصية تقابلها الطاعة، كما ظهرت قدرة الله في وجود المتقابلات؛ فالليل يقابله النهار، والحر يقابله البرد، والحلو يقابله الحار، ومنها حصول العبودية المتنوعة لولا خلق الله للكفر والمعاصي لما وجدت عبوديات متنوعة؛ عبودية الجهاد في سبيل الله.
لو كان الناس كلهم مؤمنون أين عبودية الجهاد في سبيل الله؟ أين عبودية الولاء والبراء؟ أين عبودية الدعوة إلى الله؟ أين عبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أين عبودية الولاء والحب في الله والبغض في الله، والولاء والبراء؟ فهذه مرادة لا لذاتها بل لشيء آخر؛ لما يترتب عليها من الحِكم؛ فالله أرادها كونًا وقدرًا، ولكنه لم يردها دينًا وشرعًا.

مثال للتقريب فأقول:
تخيَّل أنَّ الشرطة مثلًا تراقب بائعًا للمخدرات، فهي تتركه يصنع ....إلى أن يقبضوا عليه متلبسًا ببيعها.
فالآن هم يبغضون فعله وعمله ومع هذا كان يصنع ما يصنع تحت نظرهم وما فعله إلا بعد مشيئتهم لكنهم تركوه لحكمة وهي أن يأخذوه بجرمه.
ولله المثل الأعلى!

وهذه الإرادة تتناول ما حدث من الطاعات والمعاصي دون ما لم يحدث منها.
*والمخلوقات مع كل من الإرادتين أربعة أقسام:
الأول: ما تعلقت به الإرادتان -الكونية والشرعية ، وهو ما وقع في الوجود من الأعمال الصالحة، فإن الله أراده إرادة دين وشرع، فأمره وأحبه ورضيه، وأراده إرادة كون فوقع، ولولا ذلك ما كان.
والثاني: ما تعلقت به الإرادة الدينية فقط، وهو ما أمر الله به من الأعمال الصالحة، فعصى ذلك الكفار والفجار، فتلك كلها إرادة دين، وهو يحبها ويرضاها وقعت أم لم تقع.
والثالث: ما تعلقت به الإرادة الكونية فقط، وهو ما قدره الله وشاءه من الحوادث التي لم يأمر بها كالمباحات والمعاصي، فإنه لم يأمر بها، ولم يرضها، ولم يحبها، إذ هو لا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر، ولولا مشيئته وقدرته وخلقه لها لما كانت ولما وجدت، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
والرابع: ما لم تتعلق به هذه الإرادة ولا هذه، فهذا ما لم يقع ولم يوجد من أنواع المباحات والمعاصي.هنا=
قواعد في باب القضاء والقدر.وانتهى باختصار يسير من مجموع الفتاوى.

*والإرادة الشرعية
:وتسمى أيضًا :: إرادة أَمْرِيَّة شرعية دينية. وهي التي بمعنى المحبة.يندرج فيها كل ما يحبه الله عز وجل، فكل ما أمر الله به دينًا من الواجبات والمستحبات فإنه يدخل تحت الإرادة الشرعية.
كقوله تعالى"وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ".النساء:27.

لأن " يُرِيدُ" هنا بمعنى يحب ولا تكون بمعنى المشيئة لأنه لو كان المعنى: والله يشاء أن يتوب عليكم، لتاب على جميع العباد وهذا أمر لم يكن؛فإن أكثر بني آدم من الكفار، إذن يريد أن يتوب عليكم يعني يحب أن يتوب عليكم، ولا يلزم من محبة الله للشيء أن يقع لأن الحكمة الإلهية البالغة قد تقتضي عدم وقوعه.

@والفرق بينهما أن الكونية يلزم فيها وقوع المراد ولا يلزم أن يكون محبوبًا لله، وأما الشرعية فيلزم أن يكون المراد فيها محبوبًا لله ولا يلزم وقوعه.هنا=

كتاب: تعليق مختصر على كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد .نسخة منقحة.
فما كان بمعنى المشيئة فهو إرادة كونية، وما كان بمعنى المحبة فهو إرادة شرعية.

*والسعيد من عباد الله من أراد الله منه تقديرًا ما أراد الله به تشريعًا، والعبد الشقي من أراد الله به تقديرًا ما لم يرد به تشريعًا.هنا =قواعد في باب القضاء والقدر.

رد مع اقتباس