عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-30-2018, 11:26 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,213

المجلس الثاني
بسم الله والصلاة والسلام على سيد ولد آدم
قد يقول أو تقول، لم أجد الصديق المعين على الحق ،وأشعر بالغربة . أبشروا طوبى للغرباء

روى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال"بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبى لِلْغُرَبَاءِ".


فالمقصود أن الغرباء: هم أهل الاستقامة، وأن الجنة والسعادة للغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس، إذا تغيرت الأحوال والتبست الأمور وقلَّ أهل الخير ثبتوا هم على الحق واستقاموا على دين الله، ووحدوا الله وأخلصوا له العبادة واستقاموا على الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر أمور الدين، هؤلاء هم الغرباء.
*قال الشيخ الألباني رحمه الله في سلسلة الهدى و النور- شريط تحت رقم : 01/053....فطوبى لها معنيان معنا لُغَوِي و معنًا آخر شرعي , المعنى اللُّغَوي العربي طوبى بمعنى هنيئًا لهم، أما المعنى الشرعي فطوبى شجرة في الجنة كما قال عليه الصلاة و السلام " طوبى شجرة في الجنة يمشي الراكب المجد تحتها مائة عام لا يقطعها" ا.هـ.
يقول الفضيل بن عياض رحمه الله:
اسلك طريق الحق ، ولا يغرك قلة السالكين .
وإياك وطرق الباطل ، ولا يغرك كثرة الهالكين .
فلا يغرك كثرة المستهينين بالصلاة ..
و لا يغرك كثرة المتفحشين فى الكلام ..
و لا يغرك كثرة المعتدين للحرمات ..
و لا يغرك كثرة اختلاط الولاد و البنات ..
و لا يغرك قلة الحجاب الصحيح ..
لا يغرك إن كنت أنت مع القلة فى الكفة الأخرى
فعالي الهمة يترقى في مدارج الكمال بحيث يصير لا يأبه بقلة السالكين ووحشة الطريق؛ لأنه يحصل مع كل مرتبة يرتقي إليها من الأنس بالله ما يزيل هذه الوحشة، وإلا انقطع به السبيل.قال تعالى"إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِحَنِيفًا"النحل:120.

قال ابن مسعود : إن الأمة الذي يُعَلِّم الناسَ الخيرَ ، وإنَّ القانتَ هو المطيعُ .الجامع لأحكامالقرآن.
وقيل:أَنَّهُ كَانَ وَحْدَهُ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ ؛ لِكَمَالِهِ فِي صِفَاتِ الْخَيْرِ.
قال مجاهد: كَانَ مُؤْمِنًا وَحْدَهُ ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا ؛ فَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ وَحْدَهُ أُمَّةً
حَنِيفًا ، وَالْحَنِيفُ : الْمَائِلُ إِلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ مَيْلًا لَا يَزُولُ عَنْهُ.التفسير الكبير.

والحنيفُ هو المُقبلُ على اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- والمُعْرِضٌ عمَّا سواه.الشيخ الفوزان.
عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم"إنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ ؟! قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ"رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني صحيح الترغيب: 3172

.قال ابن القيم رحمه الله:"وهذا الأجر العظيم إنما هولغربته بين الناس، والتمسك بالسنة بين ظلمات أهوائهم وآرائهم" مدارج السالكين 3 / 199.


وقال ابن القيم رحمه الله" ولقلتهم في الناس جدًا سُمُّوا غُرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فهم غرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة...


*
الألوكة*


شبهة والرد عليها

تقول إحدى الأخوات:
تزوجتُ وأنا طالبة عِلم ورغبتُ في الاستمرار في طلب العلم، لكنَّني بعد الزواج وجدتُ الكثير مِن المُعوِّقات، بالأخص مِن حماتي؛ بسبب مقارنتها المستمرة بيني وبين زوجات أبنائها؛ فهنَّ منتقبات، يذهبْن للمساجد، لكنَّ التزامهنَّ مُتخبِّط جدًّا؛ فلا مانع لديهنَّ مِن مشاهدة المسلسلات، ولا مانع مِن مكياج بسيط مع النقاب، وكذلك لا مانع مِن التوسع الشديد في المباحات، ولا مانع من الاحتفال بأعياد الميلاد مع أخلاق طيبة ونفْس بشوش، حتى استساغ الأهل هذا النوع من الالتزام، وصاروا يرونه الأنسب، ومع شدة ضغوطهم وتعليقاتهم بدأ قلبي يُفتن وبشدة، حتى بدأت أتساءل: مَن الذي على صواب، أنا أم هم؟هنا .
الرد:
هل هذه هي الصحبة الصالحة المعينة على الحق التي يقتدى بها؟
قال تعالى"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ"لابد من صفات للصحبة التي نلازمها ،أما هذه العلاقات يجب أن تكون هامشية في حياة من أراد النجاة .والثبات يحتاج العلم النافع والصحبة المعينة المثبتة على الحق .
*قال تعالى "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" الكهف 28، آية جامعة لأصول اختيار الأصدقاء، نافعة في تحديد صفاتهم، يمكن أن تكون قاعدة أساسية، ومرجعًا مهما في هذا الباب.

كم نحن بحاجة لاستحضار واستذكار هذه الآية، في دنيا الفتن و المُدْلَهِمّات، وتعلق الناس بالماديات، وانغماسهم بالملذات والشهوات، وانقلاب الموازين، وتغيّر المفاهيم، حتى صار الصادق كاذبًا، والكاذب ناصحًا، والصالح غريبًا، والمنافق المتلون عاقلًا حكيمًا!
ضرورة الإنسان لصديق صادق ناصح مخلص، تَعظُمُ في مثل هذه الظروف الحالكة، والأجواء المؤلمة، والأوقات الحرجة، لأن الله سبحانه ذكر هذه الآية بعد قصة فتية أصحاب الكهف، وما مروا به من محنة وابتلاء عظيم في دينهم، وابتدأها بعبادة الصبر لأهميتها في هذا الجانب، فقال عز وجل " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ".
هنا وصية ربانية مهمة لكل مسلم، بأن يبذل جهده ويصبر نفسه، ملازمًا ومجالسًا ومصاحبًا من تحققت فيه تلك الصفات، التي تعين على الطاعة والثبات في الملمات ونوائب الدهر، ومن أهمها العبادة والإخلاص " الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ"، أي: أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله، فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها، ففيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد، ما لا يحصى. تفسير السعدي.

وفيها درس عظيم : أن الإنسان بحاجة إلى التذكير وإن كان قويًا فالمصباح مع المصباح أكثر إنارة للطريق ، والمصباح الواحد قد تضعُف إنارتُه في أي لحظة ولو كان قويًا .والحذر الحذر فقد يغتر الإنسان ويشعر بأنه لا حاجة إلى التذكير أو يغفل عن ذلك فيحتاج إلى التنبيه مهما بلغ .فذلك من الزاد والتزود في السير إلى الله والدار الآخرة .وفيه تربية للنفس على الافتقار والضعف والتواضع .
ولما كانت الأموال والتجارة والمنصب والوجاهة زائلة، إلا من عمل صالحًا وأطاع ربه فيها، فلا يكن المقياس في اختيار الصديق تلك الحطام، لأنها تفسد القلوب وتنغّص العيش، فعليك بالمواظب على الطاعات، الذاكر لله كثيرًا، المجتنب المعاصي والسيئات، فمن عظّم حقوق الله في قلبه وأداها بجوارحه، فحري به أن يحفظ حقوق إخوانه وجلسائه.
"
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ" أي احبسها وثبتها" مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ" أي مع أصحابك الذين يذكرونه سبحانه طرفي النهار، بملازمة الصلاة فيهما

فالدعاء لله، يكون بذكره وتمجيده والثناء عليه قولاً باللسان، وعملاً بالجوارح. وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلها، فوصفهم الله بذلك بأنهم يدعونه بالغداة والعشي؛ لأن الله قد سمى العبادة دعاء، فقال تعالى ذكره "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ"غافر:60.
فكل دعاء ورد في الكتاب والسنة فإنه يتناول نوعين اثنين، ويندرج تحتهما، وهذان النوعان هما:
1-
دعاء المسألة . 2-دعاء العبادة .
دعاء المسألة: هو أن يطلب الداعي ما ينفعه ، وما يكشف ضره
دعاء العبادة: أما دعاء العبادة فهو شامل لجميع القربات الظاهرة والباطنة.

تلازم نوعي الدعاء: من خلال ما مضى يتبين لنا أن نوعي الدعاء متلازمان؛ ذلك أن الله-عز وجل-يدعَى لجلبِ النفع ودفع الضر دعاءَ المسألة، ويدعى خوفًا ورجاءً دعاءَ العبادة؛ فَعُلِم أن النوعين متلازمان؛ فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة . انظر بدائع الفوائد،3/3 .

الدُّعَاءَ هُوَذِكْرٌ لِلْمَدْعُوِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَضَمِّنٌ لِلطَّلَبِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِأَوْصَافِهِ وَأَسْمَائِهِ فَهُوَ ذِكْرٌ وَزِيَادَةٌ .

كَمَا أَنَّ الذِّكْرَ سُمِّيَ دُعَاءً لِتَضَمُّنِهِ لِلطَّلَبِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ»فَسَمَّى الْحَمْدَ لِلَّهِ دُعَاءً وَهُوَ ثَنَاءٌ مَحْضٌ؛
"يُرِيدُونَ وَجْهَهُ" أي ذاته طلبًا لمرضاته وطاعته، لا عرضًا من أعراض الدنيا "وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ" أي لا تجاوز نظرك إلى غيرهم بالإعراض عنهم "تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا "أي تطلب مجالسة الأشراف والأغنياء تألفًا لقلوبهم "وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا" أي جعلناه غافلا لبطلان استعداده للذكر بالمرة. أو وجدناه غافلا عنه. وذلك لئلا يؤديك إلى الغفلة عنه "وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" أي متروكًا متهاونًا به مضيّعا.تفسير القاسمي.


قال الحسن: أيها الرجل، إن أشد الناس عليك فقدا، لرجل إذا فزعت إليه وجدت عنده رأيا، ووجدت عنده نصيحة، بينا أنت كذلك إذ فقدته، فالتمست منه خَلَفا فلم تجده.
روضة العقلاء ونزهة الفضلاء.

ولا يفوت في ذكر الآية هذا البيان البديع لاستخدامات "النفس" و"العين" و"القلب"، كل في محله وبتعبير لا يخلو من أبعاد دقيقة في تناسق فريد؛ فقياد النفس بالكلية للصبر مع الصالحين، وعدم تعدي العين عن طريقهم لضمان عدم حيودها ودقتها، والتوكيد على القلب كمحل الذكر لا اللسان، تعبيرات بليغة لا يخلو القرآن الكريم من روعتها في مبنى ومعنى.


تنبيهات:
أولا: يجب التنويه أن اختيار الصاحب والجليس، لا يقتصر فقط في الحياة الطبيعية بالعمل والمدينة أو الحي، بل أصبحت اليوم وسائل التواصل لا حدود لها، بسبب التطور التقني والتكنولوجي، وتنوع طرق وآليات الاتصال الصوتي والمرئي والمكتوب، كمواقع التواصل عبر الإنترنت" فيسبوك، تويتر، يوتيوب، أنستغرام، وغيرها " ومجاميع الشات عبر الجوال.
وعليه فكل ما ذكرناه من ضوابط ومعايير، في اختيار الصاحب نحن بأمس الحاجة لها في التواصل الإلكتروني، وما نسمعه ونشاهده من مصائب وطامات وهدم للأسر والبيوت وإفساد، لعدم التنبه لهذه القضية واستسهال بناء العلاقات في العالم الافتراضي عبر الإنترنت، دون قيود أو رجوع للتأصيل الشرعي في ذلك.
ثانيا: لما كان الصاحب ساحب، ومن صَحِبَ قومًا عُرِفَ بهم، وقد يترتب على هذا الاختيار خيري الدنيا والآخرة، أو تعاسة وفتن مستطيرة؛ لابد من التنبه لما يلي:
قال مالك بْن دينار: إنك أن تنقل الحجارة مع الأبرار، خير من أن تأكل الخبيص مع الفجار.روضة العقلاء ونزهة الفضلاء.

مقتبس من : صيد الفوائد .

وكان الإمام الشافعي رحمه الله يقول :
ولو أنني أسعى لنفعي وجدتني = كثيرَ التّواني للذي أنا طالِبه
ولكنني أسعى لأنفعَ صاحبي = وعارٌ على الشبعان إن جاعَ صاحِبُهُ

ومع ذلك يجب أن لا ينسى المسلم نفسه في خضم ذلك فيكون كالشمعة التي تحترق ليستضيء الآخرون .
فلربما نسي الشخص نفسه في ظل البذل والتضحية في سبيل مثل هذه الأعمال .
ولكنه يوفِّق بين الأمرين ، فلا ينسى نصيبه من العمل الصالح اللازم .ولا ينسى أن يبذل من نفسه ووقته للآخرين .والموفَّق من عرف خير الخيرين ، فعمِل به .
وعرف شرّ الشرّين فاجتنبه .
جعلني الله وإياكم ممن وُفِّق لفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين .


رد مع اقتباس