#1
|
||||
|
||||
![]() حكم طلب المسلم الدعاء من غيره السؤال سمعت أن من طلب الرقية من شخص آخر فإنه يحرم نفسه أن يكون من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، فهل ينطبق هذا أيضا على من يطلب من أخيه الدعاء له ، وماذا لو أن شخصا كان لا يدري أن طلب الدعاء من الآخرين فيه قدح في التوحيد ، فهل ما زال لديه الفرصة في أن يكون من السبعين ألفا ؟ الجواب الحمد لله. أولًا : طلب المسلم الدعاء من أخيه المسلم : جائز لا حرج فيه ؛ للأدلة المتكاثرة الواردة في الكتاب والسنة النبوية ، وهي تدل على جواز طلب الدعاء من الآخرين ، خاصة إذا كان طلب الدعاء ممن هو مشهور بالخير والصلاح . ومن الأدلة على ذلك : 1- قول الله عز وجل عن إخوة يوسف " قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ " يوسف/97. 2- حديث أويس القرني الطويل ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر " .. فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ " فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ : اسْتَغْفِرْ لِي ... رواه مسلم :رقم/2542 . 3- عَنْ صَفْوَانَ - وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ - وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ قَالَ : قَدِمْتُ الشَّامَ ، فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ ، فَلَمْ أَجِدْهُ ، وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ ، فَقَالَتْ : أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ . قَالَتْ : فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ " دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ ، كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ : آمِينَ ، وَلَكَ بِمِثْلٍ " قَالَ : فَخَرَجْتُ إِلَى السُّوقِ ، فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رواه مسلم :2733. وأما الأحاديث التي فيها طلب الصحابة الدعاء والاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة جدا . ثانيًا : قد قرر جواز طلب المسلم الدعاء من أخيه المسلم كثير من أهل العلم ، حتى نقل الإمام النووي رحمه الله الإجماع عليه . حيث يقول رحمه الله : " باب استحباب طلب الدعاء من أهل الفضل ، وإن كان الطالب أفضل من المطلوب منه ، والدعاء في المواضع الشريفة ، اعلم أن الأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصر ، وهو أمر مجمع عليه " انتهى باختصار من " الأذكار " ص/643. كما يقرر حكم الجواز أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيقول : " طلب الدعاء مشروع من كل مؤمن لكل مؤمن...فلهذا كان طلب الدعاء جائزا كما يطلب منه الإعانة بما يقدر عليه والأفعال التي يقدر عليها " انتهىباختصار من " مجموع الفتاوى " 1/326-329. ويقول أيضًا : " ويشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه وممن هو دونه " انتهى من " مجموع الفتاوى " 27/69. وقال ابن رجب رحمه الله : " ينبغي للمنقطعين طلب الدعاء من الواصلين لتحصل المشاركة " انتهى من " لطائف المعارف " (ص/237) ويقول الصاوي المالكي رحمه الله : " يندب للعائد طلب الدعاء منه - أي من المريض - " انتهى من " حاشية الصاوي على الشرح الصغير " 4/763. ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله : " طلب الدعاء من الأخ في الله أو الأخت في الله لا حرج فيه " انتهى باختصار من " فتاوى نور على الدرب " (2/143) جمع الشويعر . ثالثًا: لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله زاد على ذلك قيدا خاصا ، فقال : إن طلب الدعاء جائز ولكنه خلاف الأولى والأفضل بالمسلم ، إذ الأولى أن يتوجه إلى الله مباشرة ، ولا يتعرض لسؤال المخلوقين بأدنى شيء ولو بالدعاء ، واستدل على ذلك بأدلة : 1- عموم الأدلة التي تنفر من سؤال الخلق ، وتدعو إلى الاستغناء بالله عز وجل ، فالمسألة مهما صغرت فيها نوع ذل ، والمسلم لا يتذلل إلا لله تعالى . 2- يخشى أن يكون سؤال الدعاء من الناس سببا لاتخاذ الوسائط بين الخالق والمخلوق ، وأساس عقيدة التوحيد يقوم على نفي الوسائط والشفعاء ، والتعلق برب الأسباب سبحانه وتعالى . ولكنه رحمه الله استثنى ما إذا كان طالب الدعاء قد قصد بطلبه الدعاء من غيره أن ينتفع ذلك المطلوب منه بتأمين الملائكة على دعائه ، فيتحقق لطالب الدعاء حينئذ فضل الدعاء أولا ، وأجر نفع المطلوب منه بتأمين الملائكة ودعائها له ثانيا . ينظر : " مجموع الفتاوى " 1/181-193. وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" 24/261 : "طلب الدعاء وطلب الرقية مباحان، وتركهما والاستغناء عن الناس وقيامه بهما لنفسه أحسن". لكن مع ذلك : ينبغي ألا يكون ذلك عادة ، بحيث كلما لاقى المرء صاحبه سأله الدعاء ، فكثير ممن يفعل ذلك صار الأمر له عادة ، لا يريد بالأمر حقيقته ، وربما رأى المسؤول في نفسه استحقاقا لذلك ، أو لم يكن هو أهلا أن يُسأل مثل ذلك ، ونحو ذلك مما ينبغي الانتباه له . ولعله لأجل ذلك قال إبراهيم النخعي ـ رحمه الله ـ : " كانوا يجلسون ويتذاكرون العلم والخير ثم يتفرقون ، لا يستغفر بعضهم لبعض ، ولا يقول : يا فلان ادع لي " . رواه ابن أبي خيثمة في كتاب "العلم" (36) . والظاهر أن مراد إبراهيم النخعي بهؤلاء الذين يجتمعون : أقرانه من أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . ويحتمل أن يكون مراده بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن تكون حينئذ رواية مرسلة ؛ فإنه لا تثبت له رواية عن أحد من الصحابة . ينظر : "سير أعلام النبلاء" (4/520). قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله حيث يقول : " وقد توسع الناس في طلب الدُّعاء من الغير، وبخاصة عند الوداع: ( ادعُ لنا ) ، ( دعواتك ) ، حتى ولو كان المخاطب به فاسقاً ماجناً. وقد جاء عن بعض السلف كراهته ، قال ابن رجب رحمه الله تعالى : وكان كثير من السلف يكره أن يُطلب منه الدعاء ، ويقول لمن يسأله الدعاء : أي شيء أنا ؟ وممن روي عنه ذلك عمر بن الخطاب وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما ، وكذلك مالك بن دينار ، وكان النخعي يكره أن يُسأل الدعاء ، وكتب رجل إلى أحمد يسأله الدعاء ، فقال أحمد : إذا دعونا نحن لهذا ، فمن يدعو لنا ؟ " انتهى من " معجم المناهي اللفظية " (ص/87) وينظر جواب السؤال رقم : 118450. رابعا : أما ما ذكر في السؤال من أن طلب الدعاء من الغير ، ربما يحرم صاحبه من أن يكون من السبعين ألفا ، كما هو حال الذين يسترقون ؛ وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في وصف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب " هُمُ الذِينَ لاَ يَستَرقُونَ وَلاَ يَكتَوُونَ وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ " رواه البخاري (3410) ومسلم (220) فيقال في جوابه : إن هذا القياس لا يصح من وجوه : 1- أن شرط القياس الصحيح هو تحقق قيام العلة في المقيس والمقيس عليه ، والحديث لم يصرح في علة جعل الذين ( لا يسترقون ) من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، كما أن استنباط العلة عبر مسالك التعليل المعروفة فيه قدر من الاجتهاد الظني ، فيبقى القياس ضعيفا . ويؤيد ذلك أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، في قوله الذي يميل إلى المنع من إطلاق ذلك ، لم يعلله بمسألة "الذين لا يسترقون" ؛ وإنما علله بأمر آخر سبق ذكره ؛ ثم إن الحديث لم يقل " الذين لا يسألون " ، مثلا ، مع أن المسألة ورد فيها نصوص في الذم والنهي عنها . 2- أنه قياس يخالف النصوص الصريحة السابقة التي فيها مشروعية طلب المسلم الدعاء من غيره ، فمن المستبعد أن يكون جميع هؤلاء السابق ذكرهم – الذين طلبوا الدعاء من غيرهم – قد فعلوا ذلك وهم يعلمون أنهم يخرجون من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. 3- أن كثيرا من العلماء لهم توجيهات أخرى في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يسترقون )، فقال المازري : هم كل من آمن أن الأدوية لا تنفع إلا بإذن الله عز وجل . وقال الداودي : المراد بذلك الذين يجتنبون الرقى في حال الصحّة من غير حاجة . وقال آخرون : المراد أنهم لا يسترقون برقي الجاهليّة أو بما لا يعرف ، وحمله أبو العباس القرطبي على نوع خاص من الرقى ، وهي الرقى بأسماء الملائكة والنبيّين والصالحين ، وما شاكل ذلك ممّا يعظَّم ، فترك هذا النوع من الرقى أولى لما فيه من تشبيه للمرقي به بأسماء الله وكلماته . تنظر هذه الأقوال في " المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (1/463-467)، ولا يخفى أن هذه التوجيهات محل اجتهاد ونظر ، وإنما أردنا إثبات الخلاف القوي بين العلماء في تفسير الحديث ، وبالنتيجة ضعف القياس على الأصل المقيس عليه . والله أعلم . المصدر: الإسلام سؤال وجواب |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|