#33
|
||||
|
||||
![]() خاتمة ونحمد الله ثانيًا على الانتهاء من تجميع شروح هذه المنظومة من بطون كتب أفاضل العلماء ، ونسأل المولى عز وجل أن ينفع بها وأن يكتب لها القبول في الدنيا والآخرة لكل من أعان على إخراجها ، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وألا يجعل للخلق منها شيئًا . رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه الأبرار وسلم تسليمًا كثيرًا . هذه شروح اخترتها من كُتْبِ أهل العلم اقتبستها جزاهم المولى عظيم الأجر والعفو مع غفرانه والبر * * * * * تذييل أنواع دلالات اللفظ الاقتضاء والإشارة والمفهوم هناك دلالة للفظ من حيث وضْعُه ، أي ما وضعته العرب ليدل على معنى معين ، سواء أكان في دلالته مجملاً أو مبيّنًا ، خاصًّا أو عامًّا ، مطلقًا أو مقيّدًا ، أمرًا أو نهيًا ، إلى غير ذلك . فالدلالة فيه هي دلالة اللفظ على ما في - داخله - أو كما يسميه بعض الأصوليين - دلالة العبارة - أو - دلالة المنطوق - . ـ وبحثُنا في هذا المقام منصبٌّ على دلالة اللفظ على أمر خارج عنه . وهذا القسم ثلاثة أنواع . ونعقد لكل منها مبحثًا . المبحث الأول :دلالة الاقتضاء: دلالة الاقتضاء أن يكون الكلام المذكور لا يصحُّ ضرورةً إلا بتقدير محذوف ، فذلك المحذوف هو :المقتضى . ومثاله : قول الله تعالى " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ" .سورة المائدة / آية : 3 . فمن المعلوم أن التحريم لا يتعلق بالأعيان ، وإنما يتعلق بالأفعال ذات الصلة بالأعيان . فالتقدير : حُرّمَ عليكم أكل الميتة " فـ الأكل الذي لم يذكر ، دلّ عليه اللفظ المذكور بدلالة الاقتضاء . وهكذا كل تحريمٍ منصبٍّ في اللفظ على ذات ، والمقتضى يقدَّر في كل مقامٍ بحسبه . ومن أمثلة الاقتضاء : قوله تعالى " وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ " .سورة البقرة / آية : 185 . أي : مَن كان مريضًا أو على سفرٍ فأفطرَ ، فعليه صيام عدة ما أفطره من أيَّامٍ أُخَر ، لأنه إن صامَ في سفره أو مرضه فلا قضاء عليه . وقد ورَد أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كان يصوم في رمضان في السفر أحيانًا . ومثله حديث " لا صيام لمن لم يؤرِّضْهُ * من الليل " سنن ابن ماجه / تحقيق الشيخ الألباني / 7ـ كتاب : الصيام / 26 ـ باب : ما جاء في فرض الصوم من الليل ... / حديث رقم : 1700 / ص : 297 / صحيح . * يؤرِّضه : من أرَّضَهُ ، إذا قدره وحزمه ؛ ـ لم يؤرضه ـ أي لم يَنْوِه بالليل . كذا في الأصل : " يؤرضه " ، وفي جميع الطبعات" يفرضه " .حاشية سنن ابن ماجه / ص : 297 . فلو صامَ دون أن ينوي ، فصورة الصيام موجودة لا يصح نفيها ، فالنفي إذن منصبٌّ على جهة معينةٍ هي : الصحة الشرعية، أي : لا صيام " صحيح " لمن لم يبيته بالليل ، فالصحة ، وإن لم تذكر في اللفظ ، مدلول عليها بدلالة الاقتضاء .الواضح في أصول الفقه ... / ص : 229 . ============== المبحث الثاني دلالة الإشارة: قد يُفْهَم من الكلام أمر خارج لم يقصده المتكلم ، ولا سيق الكلام لأجله ، ولكن يتبعُ مقصود الكلام . فتسمى تلك الدلالة : إشارة، أي يقال : إن في الكلام إشارة إلى هذا المعنى التابع . ومثاله :قوله تعالى في المعتدة الرجعية "وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ " . سورة البقرة / آية : 228 . أي حُرِّم على المطلقات كتمان ما خلق في أرحامهن من حيض أو حمل الذي يتبين به انقضاء العدة . ويستدل من الآية على أن " المرأة مصدقة إذا أخبرت أن الحيض وُجد أو لم يوجد ، ويعمل بقولها في ذلك إذا أمكن " ، فهذا المدلول لم تصرح به الآية ، ولا سيق الكلام لأجل بيانه ، إذ الكلام إنما سيق لتحريم الكتمان لا غير ، وهذا أمر آخر ومثال الإشارة أيضًا : الاستدلال على أن أقل مدة للحمل ستة أشهر من آية : "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ".سورة البقرة / آية : 233 . وآية " وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا " . سورة الأحقاف / آية : 15 . فإن أيًّا مِن هاتين الآيتين لم يُسَقْ لبيان أقل مدة للحمل ، بل الأُولى مسوقةٌ لبيان أطول مُدة للرضاعة ، والثانية لبيان مدة مجموع الحمل والرضاعة ، أما أقل مدة للحمل ؛ فَتُفْهَم من مجموعهما 1 ، وإنْ كان الكلام فيهما غير مسوق لأجل بيانها . 1 فالآية الأولى لبيان أطول مدة للرضاعة 24 شهرًا - حولين كاملين- . والآية الثانية لبيان مدة الحمل والرضاعة معًا " ثلاثون شهرًا " . 30 ـ 24 = 6 وهي أقل مدة حمل . ومثال ثالث : قول الله تبارك وتعالى في شأن قاتل العمد : "فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ "سورة البقرة / آية : 178 . يدل بمنطوقه على أن القاتل إن عفا الوليّ عن قتله قصاصًا ، فوجبت الدية في ماله ، أنه يجب على الولي أن تكون مطالبته للقاتل بالمعروف ، وعلى القاتل الأداء بإحسان . وتدل الآية بإشارتها على أن القاتل لا يكون كافرًا بالقتل ، ولا يخرج من الإيمان ، لأن تسمية الوليّ : أخًا له تستلزم بقاءه على الإيمان ، إذ الكافر لا يكون أخًا للمسلم . الواضح في أصول الفقه ... / ص : 229 / بتصرف . المبحث الثالث دلالة المفهوم المفهوم أن يدل اللفظ المنطوق به على حكم أمر مسكوت عنه . سُمِّيَ بذلك لأنه يُفهم من المنطوق دون أن يصرح به المتكلم . والمفهوم نوعان : مفهوم الموافقة ، ومفهوم المخالفة . ـ مفهوم الموافقة : هو أن يكون الحكم المفهوم مثل الحكم المنطوق ، فإن كان الحكم المنطوق الوجوب ، فالحكم المفهوم الوجوب ، وإن كان الحكم المنطوق التحريم ، فالحكم المفهوم التحريم ، وهكذا . ومفهوم الموافقة نوعان : · أولهما : مفهومٌ موافِقٌ أَوْلى ، أي أَولى بالحكم من المنطوق ، وهو أن يُفهم من اللفظ حكم شيء آخر لم يذكر في اللفظ ، هو أولى مِن المذكور بالحكم . ومثاله قوله تعالى "فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ " . سورة الإسراء / آية : 23 . فالمنطوق هو : النهي عن التأفف من الوالدين . ولكن يفهم من لفظ الآية حكم شيء آخر غير مذكور ، هو تحريم ضربهما وشتمهما ، فالنهي عن الضرب والشتم لم يذكر في الآية ، ولكن ملاحظة سياق الكلام ، وأن الغرض منه كان المنع من الإيذاء ، يستفاد منه أن الضرب والشتم من الأذى أشد تحريمًا من قول أُفٍّ . وقد يسمى هذا النوع أيضًا قياس الأولى ، أو التنبيه بالأدنى على الأعلى ، أو فَحْوَى الخطاب . · وثانيهما : المفهوم الموافِقُ المساوي ، أي : هو مساوٍ في الحكم للمنطوق ، ليس أولى منه بالحكم ولا أدنى منه . وقد يسمى هذا النوع : لحن الخطاب ، أو القياس في معنى الأصل ، أو القياس بِنَفْي الفارق . ومثاله: أن الله تعالى ذكر في القرآن حدَّ الأَمَةِ إذا زَنت ، وذلك في قوله تعالى "فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ " .سورة النساء / آية : 25 . فيقال : العبدُ مثلها ، إذ لا فرق بينهما إلا الذكورة والأنوثة ، ولا تؤثر الذكورة والأنوثة في مثل هذا الحكم شيئًا . وسمي هذان النوعان : مفهوم موافقة ، لاتفاق الحكم بين منطوق اللفظ ومفهومه ، فكلاهما حكمه التحريم ، أو كلاهما حكمه الوجوب ، وهكذا ، بخلاف مفهـوم المخالفة الآتي ، فإنه إذا كان حكم المنطوق الوجوب ، فحكم المسكوت عنه عدم الوجوب . ـ مفهوم المخالفة : وقد يسمى : دليل الخطاب ، وهو أنّ يَخُصّ المتكلم بالذكر وصفًا من أوصاف المحكوم فيه ، أو حالاً من أحواله ، فيستدل به على انتفاء الحكم عما عداه ، ومثاله قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كان أربعين ، ... " سنن النسائي / تحقيق الشيخ الألباني / 23 ـ كتاب : الزكاة /5 ـ باب : زكاة الإبل / حديث رقم : 2447 / ص : 380 / صحيح . فوجوب الزكاة في السائمة (1) هو : منطوق اللفظ ، ونفي وجوب الزكاة في غير السائمة هو : مفهوم اللفظ ، - بدليل الخطاب ، أو بمفهوم المخالفة - . ( 1 ) السائمة هي التي غذاؤها من الرعي في الأرض المباحة . وضدها المعلوفة ، وهي التي غذاؤها ما يقدم لها من العلف . قال الشيخ صالح المنجد : ـ ... واشترط جمهور الفقهاء لوجوب الزكاة في بهيمة الأنعام أن تكون سائمة ، وهي التي ترعى الكلأ المباح أكثر السنة ، وأما التي تُعلف فلا تجب فيها الزكاة إلا أن تكون للتجارة ، ودليل اشتراط السوم قوله صلى الله عليه وسلم " وفي صدقة الغنم في سائمتها ... " . انظر المغنى " 2 / 230 ـ 243 . ـ وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " 9 / 202 : وأجمع العلماء على وجوب الزكاة في سائمة الإبل والبقر والغنم ، إذا بلغت نصابًا وأوله في الإبل خمس ، وأوله في البقر ثلاثون ، وأوله في الغنم أربعون " . ا . هـ . ومفهوم المخالفة أنواع ، منه : 1 ـ مفهوم الصفة : ومثاله : حديث الزكاة المتقدم في الإبل السائمة ، فالتقييد بالسوم يدل على أن الإبل المعلوفة لا زكاة فيها . ومثاله أيضًا: حديث " مَن باع نخلاً قد أُبِّرَتْ فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع " . رواه البخاري . متون / ( 34 ) ـ كتاب : البيوع / 90 ـ باب : من باع نخلاً قد أبرت أو .../ حديث رقم : 2204 / ص : 246 يدل التقييد بما بعد التأبير أنه إن باعها قبل التأبير فالثمرة للمشتري . 2 ـ مفهوم الشرط : ومثاله : قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ".سورة الحجرات / آية : 6 . يفهم منه :أن العدل إن جاء بنبإ ، يعمل بخبره دون حاجة إلى تبيُّن . 3 ـ مفهوم الغاية : نحو " وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ".سورة البقرة / آية : 222 . مفهومه أنهن بعد الطهر حلال . ونحو "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ" المائدة 6. إلى المرافق ، مفهومه أن ما فوق المرافق لا يغسل في الوضوء . 4 ـ مفهوم العدد : نحو قول عائشة ـ رضي الله عنها " كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحَرِّمْنَ ، ثم نُسِخنَ بخمس معلومات ... ."صحيح مسلم / 17 ـ كتاب : الرضاع / 6 ـ باب : التحريم بخمس رضعات / حديث رقم : 24 ـ 1452 / ص : 361 . يدل على أن ما كان أقل من ذلك لا يحرِّم . 5 ـ مفهوم الحصر بغير إلا : ومثاله حديث " إنما الربا في النسيئة " صحيح مسلم / 22 ـ كتاب : المساقاة / 18 ـ باب : بيع الطعام مثلاً بمثل / حديث رقم : 102 ـ 1596 / ص : 408 . ومثله آية " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " . سورة الفاتحة / آية : 5 . يدل بمفهومه على أننا لا نعبد غيرَ الله ولا نستعين بغيرِ الله 6 ـ مفهوم الحصر بالنفي والإثبات : نحو : لا إله إلا الله: مفهومه حصر وإثبات الألوهية لله . وهذا النوع هو أقوى أنواع المفهوم . بل إن البعض يعتبره منطوقًا في كلِّ من النفي والإثبات . ولذلك لا يخالِفُ فيه من ينكر حجية المفهوم . ويقول : إن جملة الحصر بالنفي والاستثناء تتضمن حكمين منطوقين ، أحدهما نفي ، وهو ـ في مثالنا ـ أن غير الله ليس إلهًا . والثاني إثبات ، وهو ـ فـي مثالنا ـ أنّ الله إله ، وكلاهما نطق به الموحِّد . 7 ـ مفهوم اللقب : مفهوم اللقب المقصود عند الأصوليين باللقب هنا الاسم ، وخلافه الوصف . والاسم قد يكون اسم ذات ، نحو قولك " جاء سعيد " فلا دلالة فيه على مجيء غيره بنفي ولا لإثبات . وكذلك اسم المعنى نحو قولك " أحب طلب العلم " ليس فيه دلالة على محبتك أو عدم محبتك لطلب المال أو المجد أو غير ذلك . مفهوم اللقب ليس حجة على الصحيح ، كما لو قلت : أكرم بني تميم ، فليس فيه دلالة على النهي عن إكرام من سواهم . ـ شروط حجية مفهوم المخالفة : يشترط لحجية مفهوم المخالفة أن لا يكون لذكر القيد فائدة غير الإخراج . فإن كان له فائدة لم يكن له دلالة على نفي الحكم عما عدا المذكور . فمثال ما له فائدة أخرى قوله تعالى : " وَمَن يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ".سورة المؤمنون / آية : 117 . فإن قوله"لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ " وصف كاشف عن أن كل ما اتُّخِذَ إلهًا من دون الله فلا برهانَ عليه ، ومن هنا لا يفهم من الآية جواز اتخاذ إله آخر ذي برهان . ومثاله أيضًا قوله تعالى "وَلاَ تُبَاشِرُهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ " .سورة البقرة / آية : 187 . التقييد بالمساجد لا يعني جواز المباشرة أثناء العكوف في غيرها ، بل هو كاشف أن الاعتكاف إنما يكون في المسجد لا غير .الواضح في أصول الفقه ... / 234 / بتصرف . o تنبيه : ـــ لمزيد توسع راجع مباحث الدلالة : 1 ـ تفسير النصوص . للدكتور / محمد أديب صالح . 2 ـ المدخل إلى علم أصول الفقه . للدكتور / محمد معروف الدواليبي . 3 ـ بيان النصوص التشريعية . للشيخ / بدران أبو العينين الواضح في أصول الفقه ... / ص : 235 . |
|
|