#1
|
||||
|
||||
الاتباع
"" الاتباع "" المرحلة التاريخية التي مرت بها الأمة الإسلامية في تلك القرون المتوسطة بيننا وبين القرون الفاضلة ، كانت تفرض على كل مَنْ يطلب العلم أن يتمذهب على أقل الأحوال وعلى أحسن الفروض في بداية طلبهِ ـ للعلم ـ ثم إذا هو في النهاية إذا تمكن من العلوم وصار فيها قادرًا على النظر فإنه يُعْطى عندهم مرتبة المجتهد المطلق ، وهذا المجتهد المطلق برغمِ أنه يتبعُ الأدلة في نهاية الأمر لَكِنْ كذلك لا يجوز له عندهم أن يتبرَّأ من نسبتهِ المذهبية فيبقى حنبليًّا ـ مثلًا ـ رغم أنفه فتجدُهُ يقولُ في أقواله وكتبهِ " وهو قولُ أصحابِنَا " أو " وهو قول بعض أصحابِنَا " . لابد أن يقولَ هذه العبارة ، لأنه ليس مخيرًا ، لا يستطيع أن يخرج من ذلك المذهب . وبعض هؤلاء العلماء إذا ازداد في الطلب ، قد يتضايق من مذهبه الذي بدأ الطلبَ عليه ، لكنه أيضًا لا يستطيع أن يخرج منه إلى اتباع الدليل مطلقًا ، لا يستطيع ، وغاية ما يقدرُ عليه إنه يقول " إن هذا المذهب فيه شيءٌ من الجمود أو التعصب " ، فتكون فقط النتيجة أنه يخرج من هذا المذهب وينتقل إلى مذهب آخر ، كما فعل " الطحاوي " ـ رحمه الله ـ بدأ شافِعيًّا ثم تحول حنفيًّا ، وكذلك بعضُ أهل العلم بدءوا على المذهب المالكي ثم تحولوا إلى المذهب الشافعي . والشاهدُ على كلِّ حال ، أن المرحلة الزمنية التي عاشوها فرضت عليهم ذلك . ونستطيع أن نقول أن هذا تقريبًا من بداية القرن الخامس الهجري وإلى عَصْرِنَا هذا الذي نعيشه فقبل قرن من الزمان كانت مسألة المذهبية لازمة في كل أنحاء المعمورة تقريبًا ، لايجد الإنسان سبيلًا لدراسة الكتاب والسنة من خلال الكتاب والسنة والتفاسير وشروح كتب السنة ، بل إن البعض الآن ممن ينتسبون إلى السلفية مازال يقول : لابد أن تنتسب إلى مذهب تَدْرُس على مذهب بأصوله وفروعه . لابد أن نُفَرِّق بين كلمات الله الكونية ، وبين كلماتهِ الشرعية . كونُكَ ما وجدتَ سبيلًا للطلب إلا من خلال " المذهب " ، هذه أقدارُ الله ، وكلماتُه الكونية ، وهذه لا يجوزُ التحاكِمُ إليها ، ولا يجوزُ أن يُرَدَّ إليها التنازع ، لأن هذا قَدَرُ اللهِ المقدور الذي فيه ما يوافق الشرع ، وفيه ما يخالف الشرع . أما الجهةُ الأخرى وهي اللازمة ، أننا نتحاكم إلى كلمات اللهِ الشَّرْعِيَّة التي هي " الكتاب " و " السنة " وأن نُحَاكِمَ الأقدار التي هي الكلمات الكونية " بالدين " وهو كلمات الله الشرعية . فنفِر من كلمات الله الكونية إلى كلمات الله الشرعية نفر من أقدار الله إلى أقدار الله . فنحـن دائمـًا نكـون فـي قـدر الله مـن قـدر الله إلـى قـدر الله لكـن نفـرُّ مـن قـدر الله الـذي يخالـف الشـرع إلـى قـدر الله الـذي يوافـق الشـرع . هـذا هـو الواجـب . فليـس كـلُّ مـا أرادَهُ اللهُ كونـًا وقـدرًا ، أراده وأحبـه ورَضِيَـهُ شـرعًا . وهـذا هـو الفَيْصَـل بيـن أهـلِ الحديـثِ والسـنة ، وبيـن القَدَريـة بِشِـقَّيْهِ أو بشـقيهم : القدريـة النفـاة والقدريـة الغُـلاة . علـى كـل حـال المـراد أن الشـيخ " السـعدي " ـ رحمه الله ـ نشـأ فـي هـذه البيئـة . ثـم لمـا نشـأ بعـض العلمـاء الأفاضـل الذيـن عَرَفـوا حقيقـة دعـوة " شـيخ الإسـلام ابـن تيميـة " ، وحقيقـة دعـوة شـيخ الإسـلام : " ابـن قيـم الجوزيـة " وحقيقـة دعـوة شـيخ الإسـلام : " محمـد بـن عبـد الوهّضـاب " ـ رحمهم الله ـ ، بـدءوا يقدمـون " الدليـل " علـى المذهـب وكـان مِـنْ أوَّلِ مـن سَـلَكَ هـذا المْلَـك مـن المُبَرَّزيـن فـي هـذا الجانـب : " الشـيخ عبـد الحمـن بـن ناصـر السـعدي " ـ رحمه الله ـ . ثـم ظهـر هـذا الاتجـاه بوضـوح فـي الشـيخ ابـن بـاز ـ رحمه الله ـ ، والشـيخ ابـن عثيميـن ـ رحمه الله ـ فكـان هـذا المسـلك مخالـف لكثيـر مـن علمـاءِ " نَجْـد " ، حتـى إنـه فـي الآونَـةِ الأخيـرة ـ وهـو مؤسـف ـ بدأنـا نسـمعُ دَنْدَنَـةً مـن بعـض العلمـاء النجديـن بـل والمشـهورين منهـم ، بـل والذيـن لهـم الآن بعـض المناصـب فـي المملكـة العربيـة السـعودية ، بدأنـا نسـمعُ دَنْدَنـةً بـل إن شـئتَ قُلْـتَ شـنشـنةً بأنـه يجـبُ العـودَةُ إلـى " المذهـب " مـن جديـد ، وأن هـذه الفوضـى العلميـة التـي تسـبب فيهـا أمثـال الشـيخ الألبانـي وغيـره مِمَـن يُقَدِّمـون " المنهـج الحديثـي " . أن هـذا لابـد لـه مـن حَـدّ ، وأن هـذا هـذا لابـد مـن وقفـه ، لأنـه أدى إلـى كثيـرٍ مـن الفتـن بظنهـم . فالشـاهد علـى كـل حـال ممـا يُؤسَـفُ لَـه أنـه بعـد وفـاة الشـيخ ابـن بـاز ، وبعـد وفـاة الشـيخ العثيميـن ، وبعـد وفـاةِ الشـيخ الألبانـي ـ رحمهم الله ـ ، بدأنـا نسـمعُ كلامًـا مـا كنَّـا نسـمعه مـن قبـل ، ومـن بعـض المشـاهير مـن علمـاء نجـد وغيرِهـا ، فنجـدُ بعضهـم يقـول : " مـا هـذه الأفكـار الوافـدة ، نحـن عندنـا مـا يكفينـا ولسـنا فـي حاجـة إلـى تلـك الأفكـار الوافـدة " . مع أننـا نعلـم أنَّ شـيخَ الإسـلام ابن تيميـة ، ليـس من نجـدٍ وليـس من الحجـاز ، وإنما هو مـن " الشـام " . وكذلـك ابـن القيـم الجَوْزِيَّـة ، كلاهمـا مـن " الشـام " . فمـا المـراد بالأفكـار الوافـدة ؟ . كلمـة الأفكـار الوافـدة تحتمـلُ معنييـن : تحتمـلُ الأفكـار الوافـدة ، كالشـيوعية والعَلْمَانِيـة هـذا إذا أَحْسَـنَّا الظـنَّ بالقائـل ، نقـول : إن قولَـهُ صـواب ، لكـن كـان ينبغـي أنْ يُقَيِّـدَ ذلـك بمـا يخالـفُ الكتـاب والسـنة ، ويخالـفُ الشـرع . أمّضـا أننـا لا نحتـاج إلـى أي شـيءٍ وافـد مطلقًـا ، هـذا خطـأ ، فـإن كتـب شـيخ اللإسـلام ابـن تيميـة وتلميـذه علـى هـذا الفهـم ، تعتبـر وافـدةً علـى الجزيـرة العربيـة . والمـرادُ علـى كـل حـال أننـا لا ينبغـي أن نرفـضَ كـلَّ وافـد . ونفـس الدندنـة نسـمعُهَا فـي بلادنِـا ، نقـول لا نقبـل العلـم إلا إذا جـاء مـن " الأزهـر " ، ولا نقبـل الديـن إلا إذا خـرج مـن " الأزهـر " ، وهـذا أيضـًا خطـأ ، فديـنُ الله ديـنٌ للعالميـن ، ليـس خاصـًا بمصـر ، وليـس خاصـًا بالسـعودية وليـس خاصـًا بـأي بلـدٍ مـن البـلاد . قـال تعالـى : " ومـا أرسـلناك إلا رحمـة للعالَمِيـن " . فعالميـة هـذا الديـن لابـد مـن اسـتصحابها ، بـل هـو أصـلٌ أصيـل . فكـون كـل بلـدٍ مـن البـلاد تريـدُ أن تجعـل ديـنَ اللهِ تابعـًا لأمورهـا هـي الداخليـة ، أو لطريقتِهـا فـي التعليـم ، فهـذا لا ينبغـي . أمـا أن نرفـع رايـة السـلفية ، فهـذا هـو المطلـوب ، لأن السـلفية هـي الإسـلام الحقيقـي هـي الإسـلام الصحيـح مـا كـان عليـه النبـيُّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وأصحابُـه . والمـراد علـى كـل حـال أن فتنــة التعصـب المذهبـي والتقليـد لدرجـة الفُرْقَــة بيـن المسـلمين ، مـا قُضِـيَ علهـا تمامـًا بَعْـدُ ، بـل مـا بـدأت بشـائرُ القضـاء عليهـا إلا منـذ فتـرةٍ قصيـرة وانشـغل علمـاء الدعـوة السـلفية بعـد أن بذلـوا جهـودًا عظيمـة للقضـاء علـى الفُرْقَـة بسـبب المذاهـب انشـغلوا ـ بعـد ذلـك ـ للقضـاء علـى الفُرْقَـة بسـبب الأحـزاب ، والجماعـات ، والفِـرق المعاصـرة . ففوجـيء علمـاء الدعـوة السـلفية المباركـة بعـودة البعـض يدنـدنُ حـول : " العـودة إلـى المذهـب " ، والقضـاء علـى فتنـة اتبـاع الدليـل . اعتبـروا المنـاداة بالدليـل ، واتبـاع الدليـل ، فتنـة ، ولاشـك أن هـذه رِدَّة عـن هـذا المنهـج الـذي بـدأه أمثـال الشـيخ عبـد الرحمـن بـن ناصـر السـعدِي وتلميـذِه الشـيخ العثيميـن وكذلـك الشـيخ الألبانـي ، والشـيخ ابـن بـاز ، فكانـت خُطـوات هـؤلاء الأئمـة فـي هـذا المجـال بـارزة وواضحـة وجـادة ومؤثـرة جـدًا فـلا ينبغـي أن نتـرك هـذا المنهـج بعـد وفـاة هـؤلاء الثلاثـة وبخاصـة أنهـم مـا أتَـوْا ببدعـة أو بِمُحْـدَثٍ مـن القـول وإنمـا هـو منهـج السـلف الصالـح الذيـن مـا كانـوا يعرِفـون تقديـمَ أقـوال أبـي بكـرٍ وعُمَـر علـى النصـوص فضـلاً عن غيرهِمـا مـن الصحابـة الذيـن هـم أفضـل من الأئمـةِ الأربعـة . * فالأصـلُ هـو اتبـاعُ الدليـل ، فاسـتصحابُ العمـل بالأدلـة مُقَدَّمـًا علـى أقـوالِ العلمـاء والفقهـاء المجتهديـن المشـهورين ، مهمـا كانـوا مـن الفضـل والعلـم لأنهـم ليسـوا أفضـلَ ولا أعلـمَ مـن أبـي بكـرٍ وعمـر ـ رضي الله عنهما ـ الذَيْـن كـان ابـنُ عبـاس ، إذا ذَكَـرَ النـص فقيـل لـه بـالُ أبـي بكـرٍ يقـول كـذا ... وكـذا ... ومـا بـالُ عمـر لـم يعمـل بهـذا الـذي تقولـه . فكـان يـردُّ علـى هـؤلاءِ : يُوشِـكُ اللهُ أن يُمْطِـرَ عليكـم حجـارةً مـن السـماء ، أأقـولُ : قـال اللهُ قـال رسـولُه ، وتقولـون : قـال أبـو بكـرٍ وعمـر ؟ والمـرادُ علـى كـلِّ حـال أننـا لا نُقَـدِّم قـول أحـدٍ كائنـًا مَـنْ كـان علـى الدليـل مـن الكتـاب والسـنة ، لأن هـذا داخِـلٌ فيمـا فيمـا نهـى الله سـبحان عنـه فـي قولـه : " لا تقدمـوا بيـن يـدي اللهِ ورسـولِه " . وداخِـلٌ فـي قـول الله سـبحانه : " لا ترفعـوا أصواتكـم فـوق صـوت النبـي ، ولا تَجْهَـرُوا لـه بالقـولِ كجهـر بعضِكـم لبعـضٍ أنْ تَحْبَـطَ أعنالُكُـم وأنتـم لا تشـعرون " . * مـن كلمـات الشـيخ العثيميـن : " اسْـتَدِل ثـم اعتقـد ، ولا تعتقـد ثـم تسـتدِل فَتَضِـل " . يعنـي الأصـلُ أنـك تَدِيـن بمـا دلَّ عليـه الدليـل . كذلـك مـن كلماتـه المشـهورة المأثـورة ـ رحمه الله ـ : " مـن خالفنـي لمقتضـى الدليـل فقـد وافقنـي " . لا يعتبـرْ موافِقـًا . لأنـه وإن خالَفَـهُ فـي المسـألة لكنـه وافقـه فـي الأصـل ، خالفـه فـي فـرع ، ووافقـه فـي أصـل . كلمـات الشـيخ العثيميـن فـي الاتبـاع كانـت كالشـمس المشـرقة . فالله قـد وفـق الشـيخ لمثـل هـذه العبـارات بهـذه الألفـاظ البسـيطة في ذاتهـا ، لكنهـا تـدل علـى منهـج ، منهـج السـلف ، وأنه لا يتعصـب لمذهبـه ولا يتعصـب لمذهـب أهـل بلـده ، ولا يتعصـب لقوميـةٍ من القوميـات ، ولا لجنـسٍ مـن الأجنـاس ، لا يتعصـبُ لشـيء ، وإنمـا يـرى أن الحـقَّ أكبـرُ مـن كـلِّ هـذا . لذلـك لا تَسْـتَغْرِب أن يقـولَ الشـيخ وهـو سـعوديٌّ عـن فتـوى اللجنـة الدائمـة للإفتـاء بالسـعودية : هـذا خطـأٌ مـن اللجنـة ، هـذا خطـأٌ مـن اللجنـة ، مـع أنهـا أكبـرُ لجنـة علميـة فـي المملكـة ، يقولُهـا بكـل صراحـة ويقولُهـا بكـل وُضُـوح ، ولا يخـاف فـي الله لومـة لائـم . *مهمـا قلنـا عـن علمائنـا الكِبـار ، ومهمـا احترمناهـم ، وفضلناهـم ورفعناهـم فـوقَ رؤوسِـنَا ، فَلَيْسُـوا أفضـل مـن أبـي بكـر وعمـر ، ولا يَعْنِـي احترامُنَـا لهـم وتبجيلُنـا لهـم أننـا نقبـل قولهـم وإن خالـفَ النصـوص والأدلـة مـن الكتـاب والسـنة . |
|
|