العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى القرآن والتفسير > ملتقى القرآن والتفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-07-2017, 12:44 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,314
افتراضي

"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً *".الكهف 30
هذا من أسلوب القرآن، فإن الله عزّ وجل إذا ذكر أهل النار ذكر أهل الجنة، وهذا من معنى قوله"مَثَانِيَ"الزمر: 23. أي تثنى فيه المعاني والأحوال والأوصاف ليكون الإنسان جامعاً بين الخوف والرجاء في سيره إلى ربه.
قوله تعالى"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" قد سبق الكلام في معنى هذه الآية، قال تعالى"إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً" ولم يقل «إنَّا لا نضيع أجرهم»، ولكن قال تعالى"أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا"وذلك لبيان العلة في ثواب هؤلاء وهو أنهم أحسنوا العمل، و"هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ *"الرحمن: 60 ، هذا من الوجه المعنوي، ومن الوجه اللفظي أن تكون رؤوس الآية متوافقة ومتطابقة، لأنه لو قال «إنَّا لا نضيع أجرهم» لاختلفت رؤوس الآيات.
وبماذا يكون الإحسان في العمل؟ يكون بأمرين:
1 ـ الإخلاص لله عزّ وجل 2 ـ المتابعة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا يخفى ما في الآية الكريمة من الحث على إحسان العمل.
* * *
تفسير العثيمين
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-07-2017, 12:45 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,314
Post



"أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا *" الكهف 31
"
جَنَّاتُ عَدْنٍ " أي : جنات إقامة واستقرار، جنن أصل الجن: ستر الشيء عن الحاسة يقال: جنة الليل وأجنة وجن عليه، فجنه: ستره، وأجنه جعل له ما يجنه، كقولك: قبرته وأقبرته، وسقيته وأسقيته، وجن عليه كذا: ستر عليه، قال عز وجل "فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا" الأنعام/76، والجنان: القلب**، لكونه مستورا عن الحاسة، والمجن والمجنة: الترس الذي يجن صاحبه. قال عز وجل "اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً " المجادلة/16، وفي الحديث" الصوم جُنَّة" الحديث يروى" الصيام جنة" وهو صحيح متفق عليه. وأخرجه مالك في الموطأ، باب جامع الصيام، انظر: تنوير الحوالك 1/287؛ وفتح الباري 4/87؛ ومسلم رقم 1151؛ وانظر: شرح السنة للبغوى 6/225.
فمسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة؛ كما أجمع عليه أئمتهم وعلماؤهم، ه
و: تصديق بالْجَنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية هنا

سُندس
: رقيق الدّيباج :الحرير.
إستبرق: غليظ الدّيباج
الأرائك: السرر، واحدها أريكة، وهي كلّ ما يتكأ عليه و قيل هو السرير المنجد المزين الفاخر، و الفراش

وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا: وحَسُنتِ الجنة منزلًا ومكانًا لهم
مُرْتَفَقًا: مجلسًا، أو متكأ، أو مقرًا ،و أصل الارتفاق: الجلوس و الاتكاء على المرفق.

*تفسير السعدي
أي: أولئك الموصوفون بالإيمان والعمل الصالح, لهم الجنات العاليات التي قد كثرت أشجارها, فأجنت من فيها, وكثرت أنهارها, فصارت تجري من تحت تلك الأشجار الأنيقة, والمنازل الرفيعة.
وحليتهم فيها, الذهب, ولباسهم فيها الحرير الأخضر من السندس, وهو الغليظ من الديباج, والإستبرق, وهو: ما رق منه.

متكئين فيها على الأرائك وهي: السرر المزينة, المجمَّلة بالثياب الفاخرة فإنها لا تسمى أريكة, حتى تكون كذلك.
وفي اتكائهم على الأرائك, ما يدل على كمال الراحة, وزوال النصب والتعب, وكون الخدم يسعون عليهم بما يشتهون, وتمام ذلك, الخلود الدائم والإقامة الأبدية.
فهذه الدار الجليلة
" نِعْمَ الثَّوَابُ " للعاملين " وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا " يرتفقون بها, ويتمتعون بما فيها, مما تشتهيه الأنفس, وتلذ الأعين, من الحبرة والسرور, والفرح الدائم, واللذات المتواترة, والنعم المتوافرة.
وأي مرتفق, أحسن من دار, أدنى أهلها, يسير في ملكه ونعيمه, وقصوره وبساتينه, ألفى سنة ولا يرى فوق ما هو فيه من النعيم.
قد أعطى جميع أمانيه ومطالبه, وزيد من المطالب, ما قصرت عنه الأماني
.
ومع ذلك, فنعيهم على الدوام, متزايد في أوصافه وحسنه.
فنسأل الله الكريم, أن لا يحرمنا خير ما عنده, من الإحسان, بشر ما عندنا من التقصير والعصيان.

ودلت الآية الكريمة وما أشبهها, على أن الحلية, عامة للذكور والإناث, كما ورد في الأخبار الصحيحة لأنه أطلقها في قوله " يُحَلَّوْنَ " وكذلك الحرير ونحوه.

تفسير السعدي
تفسير الشيخ العثيمين
قوله تعالى"أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ" المشار إليه الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
"جَنَّاتُ" جمع جنة وهي الدار التي أعدها الله لأوليائه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
"عَدْنٍ" بمعنى الإقامة، أي جنات إقامة لا يبغون عنها حِوَلا أي تحولا عنها، ومن تمام النعيم أن كل واحد منهم لا يرى أن أحدًا أنعم منه، ومن تمام الشقاء لأهل النار أن كل واحد منهم لا يرى أحداً أشد منه عذابًا، ولكن هؤلاء، أهل الجنة، لا يرون أن أحدًا أنعم منهم لأنهم لو رأوْا ذلك لتنغص نعيمهم حيث يتصورون أنهم أقل.
"تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ". الأنهار جمع نهر وهي أربعة أنواع ذكرها الله تعالى في سورة محمد، قال الله تعالى: "مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصْفّىً"محمد: 15 ، وهنا قال: "مِنْ تَحْتِهِمُ"، وفي آية أخرى قال «تحتهم» وفي ثالثة "مِنْ تَحْتِهَا"، وفي رابعة "تَحْتِهَا" والمعنى واحد، لأنهم إذا كانت الأنهار تجري تحت أشجارها وقصورها فهي تجري تحت سكانها.
قوله تعالى"يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ"
"يُحَلَّوْنَ فِيهَا"أي الجنات.
"مِنْ أَسَاوِرَ"، قال بعضهم: إن"مِنْ" هنا زائدة لقول الله تعالى"وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ"الإنسان: 21 ، فـ "مِنْ" زائدة. ولكن هذا القول ضعيف، لأن "مِنْ" لا تزاد في الإثبات كما قال ابن مالك رحمه الله في الألفية:
وزيد في نفي وشبهِهِ فَجَرّ***نكرة كما لباغٍ من مفر
وعلى هذا فإما أن تكون للتبعيض: أي يحلون فيها بعض أساور، أي يحلى كل واحد منهم شيئاً من هذه الأساور وحينئذٍ لا يكون إشكال، وإما أن تكون «للبيان» أي بيان ما يحلون، وهو أساور وليس قلائد أو خُروصا مثلاً، وأما قوله"مِنْ ذَهَبٍ" فهي بيانية، أي لبيان الأساور أنها من ذهب، ولكن لا تحسبوا أن الذهب الذي في الجنة كالذهب الذي في الدنيا، فإنه يختلف اختلافًا عظيمًا، قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»22 ، ولو كان كذهب الدنيا لكان العين رأته.
قوله تعالى"وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍالسندس: ما رَقَّ من الديباج والإستبرق ما غلظ منه.
وقوله"خُضْرًا" خصَّها باللون الأخضر لأنه أشد ما يكون راحة للعين ففيه جمال وفيه راحة للعين.
قال تعالى"مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ".
قوله"مُتَّكِئِينَ" حال من قوله تبارك وتعالى"أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ" أي حال كونهم متكئين فيها، والاتكاء يدل على راحة النفس وعلى الطمأنينة.
قوله"عَلَى الأَرَائِكِ" جمع أريكة، والأريكة نوع من المرتفق الذي يرتفق فيه، وقيل: إن الأريكة سرير في الخيمة الصغيرة المغطاة بالثياب الجميلة تشبه ما يسمونه بالكوخ.
قال الله تعالى"وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا" هذا مدح لهذه الجنة وما فيها من نعيم، ففيها الثناء على هذه الجنة بأمرين: بأنها "نِعْمَ الثَّوَابُ" وأنها "وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا". قال الله تعالى"أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا "الفرقان: 24.
* * *
تفسير العثيمين
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-07-2017, 12:45 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,314
افتراضي

"وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا" الكهف 32
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا 32كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا33 وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا 34وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا 35وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا36 قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا37 لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا 38وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا 39فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا40 أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا 41وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا42 وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا 43 هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌعُقْبًا44
جنّتين
بُستانين
32
حففناهُما
أحطناهما وأطفناهما بنخل
33
أتت أُكُلها
أخرجت ثمرها كاملاً، الذي يُؤكل
33
لم تظلم منه
لم تنقص من أُكُلها
33
فجّرنا خِلالهما
شقـَقـْنا وأجْرَينا وسَطهما(نهرًا)
34
ثمرٌ
أموالٌ كثيرة مُثمّرة من الذهب والفضة، وقيل جمع ثمار
34
أعزّ نفرا
أقوى أعوانا أو عشيرة
35
تبيد
تهلك وتفنى وتخرب
36
مُنقلبا
مرْجعا وعاقِبةً
38
لكنّا هو الله ربّي
لكنْ أنا أقول: هو الله ربّي
40
حُسبانا
عذابا كالصّواعق والآفات
40
فتُصبح صعيدا زلقا
رمْلا هائلا أو أرضا جُرُزا لا نبات فيها يُزلق عليها لِملاسَتِها
41
غورا
غائرا ذاهبا في الأرض
42
أحيط بثمره
أُهلكت أمواله مع جنّــتـيْه
42
يُقلّب كفّيه
كِماية عن النّدم والتّحسّر
42
خاوية على عُرُوشها
ساقطة على سُقوفها التي سَقطت
44
الولاية لله
النّصرة له تعالى وحده
44
خيرٌ عقبا
عاقبة لأوليائه

تفسير السعدي:

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: اضرب للناس مثل هذين الرجلين الشاكر لنعمة الله, والكافر لها, وما صدر من كل منهما, من الأقوال والأفعال, وما حصل بسبب ذلك, من العقاب العاجل, والآجل, والثواب ليعتبروا بحالهما, ويتعظوا بما حصل عليهما, وليس معرفة أعيان الرجلين, وفي أي زمان أو مكان هما, فيه فائدة أو نتيجة.
فالنتيجة تحصل من قصتهما فقط, والتعرض لما سوى ذلك, من التكلف.
فأحد هذين الرجلين الكافر لنعمة الله الجليلة, جعل الله له جنتين أي: بستانين حسنين, من أعناب.
" وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ " أي: في هاتين الجنتين من كل الثمرات, وخصوصا أشرف الأشجار, العنب, والنخل.
فالعنب, وسطها, والنخل, قد حف بذلك, ودار به, فحصل فيه من حسن المنظر وبهائه, وبروز الشجر والنخل للشمس والرياح, التي تكمل لها الثمار, وتنضج وتتجوهر.
ومع ذلك, جعل بين تلك الأشجار زرعا.
فلم يبق عليهما إلا أن يقال: كيف ثمار هاتين الجنتين؟ وهل لهما ماء يكفيهما؟ فأخبر تعالى أن كلا من الجنتين آتت أكلها أي: ثمرها وزرعها ضعفين أي: متضاعفا وأنها لم " تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا " أي: لم تنقص من أكلها أدنى شيء.
ومع ذلك, فالأنهار في جوانبها سارحة, كثيرة غزيرة.
" وَكَانَ لَهُ " أي لذلك الرجل " ثَمَرٌ " أي عظيم كما يفيده التنكير أي: قد استكملت جنتاه ثمارهما, وارجحنت أشجارهما, ولم تعرض لهما آفة أو نقص.
فهذا غاية منتهى زينة الدنيا في الحرث, ولهذا اغتر هذا الرجل, وتبجح وافتخر, ونسي آخرته.
هنا

تفسير العثيمين :
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا *}}.
قوله تعالى: { {وَاضْرِبْ} } يعني اجعل وصيِّر.
{ {لَهُمْ} } أي للكفار: قريش وغيرهم.
{ {مَثَلاً} } مفعول اضرب، وبَيَّن المثل بقوله: { {رَجُلَيْنِ} } وعلى هذا يكون «رجلين» عطف بيان وتفصيل للمثل.
قوله: { {جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} } أغلب ما في الجنتين العنب، وأطراف الجنتين النخيل وما بينهما زرع، ففيهما الفاكهة والغذاء من الحب وثمر النخل.
* * *
قال الله تعالى:
{{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَرًا *}}.
{} قوله تعالى: { {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} } ولم يقل آتتا أُكُلَهَا؟ لأنه يجوز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى في كلتا، وقد اجتمع ذلك في قول الشاعر:
كلاهما حين جدَّ الجري بينهما***قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي
يشير إلى فرسين تسابقا فيقول: كلاهما، أي كلا الفرسين، «حين جد الجري بينهما» أي المسابقة، «قد أقلعا» أي توقفا عن المجاراة، و«رابي» أي منتفخ، فقد قال: «قد أقلعا» ولم يقل: «قد أقلع»، وقال: «رابي» ولم يقل: «رابيان»، ففي البيت مراعاة المعنى ومراعاة اللفظ، وهنا آتت أُكُلَها مراعاة اللفظ.
قوله: { {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} } أي ولم تنقص.
قوله تعالى: { {وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَرًا} } كان خلال الجنتين نهر من الماء يجري بقوة، فكان في الجنتين كلُّ مقومات الحياة: أعناب، ونخيل، وزرع، ثم بينهما هذا النهر المطَّرِد.
* * *
قال الله تعالى:
{{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا *}}.
قوله تعالى: { {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} } أي أن أحد الرجلين كان له ثمر، كأن له ثمر زائد على الجنتين أو ثمر كثير من الجنتين.
وقوله: { {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} } وهما يتجاذبان الكلام.
قوله: { {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا} } افتخر عليه بشيئين:
1 ـ بكثرة المال 2 ـ العشيرة والقبيلة. فافتخر عليه بالغنى والحسب، يقول ذلك افتخاراً وليس تحدثاً بنعمة الله بدليل العقوبة التي حصلت عليه.
* * *
{ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا }.
قوله تعالى: { {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} } ذكرت بلفظ الإفراد مع أنه قال: { {جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} } فإما أن يقال: إن المراد بالمفرد الجنس، وإما أن يراد إحدى الجنتين، وتكون العظمى هي التي دخلها.
{ {وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} } هذه جملة حالية يعني الحال أنه ظالم لنفسه، وبماذا ظلم نفسه؟ ظلم نفسه بالكفر كما سيتبين.
قال: { {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} } يعني ما أظن أن تفنى وتزول أبداً، أعجب بها وبما فيها من قوة وحسنِ المنظر، وغير ذلك حتى نسي أن الدنيا لا تبقى لأحد، ثم أضاف إلى ذلك قوله:
{ {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} } فأنكر البعث، لأنه إذا كانت جنَّتُه لا تبيد فهو يقول: لا بعث وإنما هو متاع الحياة الدنيا.
{ {وَلَئِنْ رُدِدْتُّ إِلَى رَبِّي} } يعني على فرض أن تقوم الساعة وأرد إلى الله.
{ {لأََجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} } أي مرجعاً، فكأنه يقول بما أن الله أنعم علي بالدنيا، فلا بد أن ينعم علي بالآخرة، وهذا قياس فاسد؛ لأنه لا يلزم من التنعيم في الدنيا أن ينعم الإنسان في الآخرة، ولا من كون الإنسان لا يُنَعَّم في الدنيا ألا يُنَعَّم في الآخرة، لا تلازم بين هذا وهذا، بل إن الكفار يُنعمون في الدنيا وتُعجل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ولكنهم في الآخرة يُعذَّبون. وهذا كقوله تبارك وتعالى في سورة فُصِّلت: { } [فصلت: 49، 50] هذا مثلُ هذا.
  1. وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ"فصلت 50
* * *
{{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً *}}.
قوله تعالى: { {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} } أي يناقشه في الكلام.
{ {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} } ذكره بأصله.
والهمزة في قوله: { {أَكَفَرْتَ} } للإنكار.
أما قوله: { {خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} } فلأن آدم عليه السلام أبا البشر خُلق من تراب.
وأما { {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} } فلأن بني آدم خُلِقوا من نطفة، والمعنى: أنَّ الذي { {خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} } قادر على البعث الذي أنت تُنكره.
وقوله: { {خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} } أي عدَّلك وصيَّرك رجلاً، وهذا الاستفهام للإنكار بلا شك، ثم هل يمكن أن نجعله للتعجب أيضاً؟
الجواب: يمكن أن يكون للإنكار وللتعجب أيضاً يعني: كيف تكفر { {بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} }! ويستفاد من هذا أن منكر البعث كافر ولا شك في هذا كما قال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [التغابن: 7]
* * *
{{لَكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا *}}.
قوله تعالى: { {لَكِنَّ} } أصلها «لكن أنا» وحذفت الهمزة تخفيفاً وأدغمت النون الساكنة الأولى بالنون الثانية المفتوحة فصارت لكنَّا، وتكتب بالألف خطّاً وأما التلاوة ففيها قراءتان إحداهما بالألف وصلاً ووقفاً، والثانية بالالف وقفاً وبحذفها وصلاً.
{ {لَكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا *} } أي هو الله ربي مثل قوله تعالى: {{هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}} [الإخلاص: 1] وعلى هذا فتكون { {هُوَ} } ضمير الشأن، يعني الشأن أن الله تعالى ربي.
و{ {وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} } وهذا كقول ابن آدم لأخيه قابيل: {{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}} [المائدة: 27] ، يعني أنت كفرت ولكني أنا أعتز بإيماني وأؤمن بالله.
* * *
{{وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا *}}.
قوله تعالى: { {وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا *} } يعني هلاَّ { {إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} } أي حين دخولك إيَّاها { {قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ} } حتى تجعل الأمر مفوضاً إلى الله عزّ وجل.
وقوله: { {مَا شَاءَ اللَّهُ} } فيها وجهان:
1 ـ أنَّ { {مَا} } اسم موصول خبر لمبتدأ محذوف تقديره «هذا ما شاء الله».
2 ـ أنَّ { {مَا} } شرطية و{ {شَاءَ اللَّهُ} } فعل الشرط وجوابه محذوف والتقدير «ما شاء الله كان».
وقوله: { {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ} } أي لا قوة لأحد على شيء إلاَّ بالله وهذا يعني تفويض القوة لله عزّ وجل، يعني فهو الذي له القوة مطلقاً، القوة جميعاً، فهذه الجنة ما صارت بقوتك أنت ولا بمشيئتك أنت ولكن بمشيئة الله وقوته، وينبغي للإنسان إذا أعجبه شيء من ماله أن يقول: «ما شاء الله لا قوة إلاَّ بالله» حتى يفوض الأمر إلى الله عزّ وجل لا إلى حوله وقوته، وقد جاء في الأثر أن من قال ذلك في شيء يعجبه من ماله فإنه لن يرى فيه مكروهاً[(23)].
قوله تعالى: { {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا} }.
{ {إِنْ} } شرطية وفعل الشرط ترى والنون للوقاية والياء محذوفة للتخفيف والأصل «ترني».
{ {أَنَا} } ضمير فصل لا محلَّ له من الإعراب.
{ {أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا} } أي إن احتقرتني لكوني أقل منك مالا وأقل منك ولدا ولست مثلك في عزَّة النفر.
* * *
{{فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا *}}.
قوله تعالى: { {فَعَسَى رَبِّي} } هذه الجملة هي جواب الشرط. وهل هي للترجي أم للتوقع؟
الجواب: فيها احتمالان:
الأول: أنها للترجي وأن هذا دعا أن يؤتيه الله خيراً من جنته وأن ينْزل عليها حسباناً من السماء؛ لأنه احتقره واستذله فدعا عليه بمثل ما فعل به من الظلم، ولا حرج على الإنسان أن يَدعوَ على ظالمه بمثل ما ظلمه، ويحتمل أنه دعا عليه من أجل أن يعرف هذا المفتخر ربه ويدعَ الإعجاب بالمال وهذا من مصلحته. فكأنه دعا أن يؤتيه الله ما يستأثر به عليه، وأن يتلف هذه الجنة حتى يعرف هذا الذي افتخر بجنته وعزة نفره أن الأمر أمر الله عزّ وجل، فكأنه دعا عليه بما يضره لمصلحة هي أعظم. فكون الإنسان يعرف نفسه ويرجع إلى ربه خير له من أن يفخر بماله ويعتز به، هذا إذا جعلنا عسى للترجي.
الثاني: أن تكون عسى للتوقع، والمعنى أنك إن كنت ترى هذا فإنه يُتَوقع أن الله تعالى يُزيل عني ما عبتني به ويزيل عنك ما تفتخر به، وأياً كان فالأمر وقع إما استجابة لدعائه وإما تحقيقاً لتوقعه.
{ {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} }. والمراد بالحسبان هنا ما يدمرها من صواعق أو غيرها.
وقوله: { {يُؤْتِيَنِ خَيْرًا} } خصَّ السماء لأن ما جاء من الأرض قد يدافع، يعني لو نفرض أنه جاءت أمطار وسيول جارفة أو نيران محرقة تسعى وتحرق ما أمامها، يمكن أن تُدافع، لكن ما نزل من السماء يصعب دفعه أو يتعذر.
{ {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا} } أي تصبح لا نبات فيها.
{ {زَلَقًا} } يعني قد غمرتها المياه.
* * *
{{أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا *}}.
قوله تعالى: { {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} } فلا يوجد فيها ماء.
و{ {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} } بمعنى غائر فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، فدعا دعوة يكون فيها زوال هذه الجنة إمَّا بماء يغرقها حتى تصبح { {صَعِيدًا زَلَقًا} }، وإما بغور لا سُقيا معه لقوله: { {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا *} } وكلا الأمرين تدمير وخراب. فالفيضانات تدمر المحصول، وغور الماء حتى لا يستطيع أن يطلبه لبعده في قاع الأرض أيضاً يدمر المحصول، فماذا كان بعد هذا الدعاء أو هذا التوقع؟
* * *
{{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا *}}.
قوله تعالى: { {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} } أي بثمر صاحب الجنتين فهلكت الجنتان.
{ {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} } من الندم، وذلك أن الإنسان إذا ندم يقلب كفيه على ما قد حصل.
{ {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} } وهذا يدل على أنه أنفق فيها شيئاً كثيراً.
{ {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} } أي هامدة على عروشها. و{{عُرُوشِهَا}} جمع عرش أو عريش وهو ما يوضع لتمدد عليه أغصان الأعناب وغيرها.
{ {وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} } ولكن الندم بعد فوات الأوان لا ينفع، إنما ينتفع من سمع القصة، أما من وقعت عليه فلا ينفعه الندم لأنه قد فات الأوان.
* * *
{{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا *}}
فالذي كان يفتخر به ويقول: { {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا} } لم تمنعه فِئَتُهُ من عقوبة الله ولم ينتصر هو بنفسه لأنه والعياذ بالله كفر وحاور المؤمن فعوقب بهذه العقوبة.
* * *
{{هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا *}}.
قوله تعالى: { {هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ} } فيها قراءتان:
1 ـ الوِلاية 2 ـ الوَلايَة.
فالوَلاية: بمعنى النُّصرة، كما قال تعالى: {{مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}} [الأنفال: 72] .
والوِلاية: بمعنى الملك والسلطة، فيوم القيامة لا نصرة ولا ملك إلاَّ { {لِلَّهِ الْحَقِّ} }، وإذا كان ليس هناك انتصار ولا سلطان إلا لله فإن جميع من دونه لا يفيد صاحبه شيئاً.
{ {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} }، { {هُوَ} } الضمير يعود على الله، { {خَيْرٌ ثَوَابًا} } من غيره، إذا أثاب عن العمل فهو { {خَيْرٌ ثَوَابًا} } لأن غير الله إن أثاب فإنه يثيب على العمل بمثله، وإن زاد فإنه يزيد شيئاً يسيراً أما الله فإنه يثيب العمل بعشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
كذلك هو { {وَخَيْرٌ عُقْبًا} } جلَّ وعلا، لأن من كان عاقبته نصر الله عزّ وجل وتَوَلِّيَهُ فلا شك أن هذا خير من كل ما سواه. جميع العواقب التي تكون للإنسان على يد البشر تزول لكن العاقبة التي عند الله عزّ وجل لا تزول.
إنَّ هذا المثل الذي ضربه الله في هذه الآيات هل هو مثل حقيقي أو تقديري؟ يعني هل هذا الشيء واقع أو أنه شيء مُقدَّر؟
الجواب: من العلماء من قال إنه مثل تقديري كقوله تبارك وتعالى: {{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *}} [النحل: 76] ، وكقوله: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ } [الزمر: 29] ، وما شابه ذلك، فيكون هذا مثلاً تقديرياً وليس واقعياً. ولكن السياق وما فيه من المحاورة والأخذ والرد يدل على أنه مثل حقيقي واقع، فهما رجلان أحدهما أنعم الله عليه والثاني لم يكن مثله.
ثم ضرب الله تعالى مثلاً آخر فقال:
{{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا *}}.
قوله تعالى: { {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} } وهو المطر { {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ} } يعني أن الرِّياض صارت مختلطة بأنواع النبات المتنوع بأزهاره وأوراقه وأشجاره كما يشاهد في وقت الربيع كيف تكون الأرض، سبحان الله، كأنه وَشْيٌ من أحسن الوشْيات، إذا اختلط من كل نوع ومن كل جنس.
{ {فَأَصْبَحَ} } يعني هذا النبات المختلف المتنوع.
{ {هَشِيمًا} } هامداً.
{ {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا *} } أي تحمله، فهذا هو { {مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} }. الآن الدنيا تزدهر للإنسان وتزهو له وإذا بها تخمد بموته أو فَقدها، لا بد من هذا، إما أن يموت الإنسان أو أن يفقد الدنيا . هذا مثل موافق تماماً، وقد ضرب الله تعالى هذا النوع من الأمثال في عدة سور من القرآن الكريم حتى لا نغتر بالدنيا ولا نتمسك بها، والعجب أننا مغترون بها ومتمسكون بها مع أن أكدارها وهمومها وغمومها أكثر بكثير من صفوها وراحتها . والشاعر الذي قال:
فيوم علينا ويوم لنا***ويوم نُساءُ ويومٌ نُسَرْ
لا يريد، كما يظهر لنا، المعادلة، لكن معناه أنه ما من سرور إلاَّ ومعه مساءة، وما من مساءة إلاَّ ومعها سرور، لكن صفوها أقل بكثير من أكدارها، حتى المنعمون بها ليسوا مطمئنين بها كما قال الشاعر الآخر:
لا طِيبَ للعيش ما دامت مُنغَّصَةً***لذَّاتُه بادِّكار الموت والهرمِ
قال تعالى: { {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} } ما وجد فهو قادر على إعدامه، وما عُدِم فهو قادر على إيجاده، وليس بين الإيجاد والعدم إلاَّ كلمة {{كُنْ} }، قال الله تعالى: {{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *}} [يس: 82] . وفي قوله: { {مُقْتَدِرًا} } مبالغة في القدرة، ثم قال الله عزّ وجل مقارناً بين ما يبقى وما لا يبقى:
{{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً *}}.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-07-2017, 12:46 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,314
افتراضي

قصة صاحب الجنتين سورة الكهف تقوم على القصص، واستوعبت قصصها معظم آياتها، وقصَّ الله علينا في هذه السورة أربع قصص: قصة أصحاب الكهف، وقصة صاحب الجنَّتَيْن، وقصة موسى مع الخضر عليهما الصلاة والسلام، ثم قصة ذي القرنين، ونقف في هذه اللحظة مع مجمل قصة صاحب الجنتين، كما عرضتها الآيات: 32-44 من السورة
ونسارع إلى القول: لا توجد أحاديث صحيحة مرفوعة إلى النبي تضيف لنا معلومات جديدة على ما ذكره القرآن عن القصة، ولهذا سنبقى مع الآيات الكريمة، نقول بما قالت به، ونسكت عن ما سكتت الآيات عنه، ولا نذكر إسرائيليات أو روايات غير صحيحة في عرض هذه القصة، وغيرها من القصص القرآني.
تخبرنا آيات القصة عن وجود رجلين في الماضي، كان بينهما صلة وصحبة، أحدهما مؤمن، والآخر كافر، وقد أَبهمت الآيات اسمَيّ الرجُلَيْن، كما أبهمت تحديد زمانهما ومكانهما وقومهما، فلا نعرف مَن هما، ولا أين عاشا، ولا في أيِّ زمان وُجِدا.
ابتلى الله الرجُلَ المؤمن بضيق ذات اليد، وقلة الرزق والمال والمتاع، لكنه أنعم عليه بأعظم نعمة، وهي نعمة الإيمان واليقين والرضا بقدر الله وابتغاء ما عند الله، وهي نِعَمٌ تفوق المال والمتاع الزائل.
أما صاحبه الكافر فقد ابتلاه الله بأن بَسَط له الرزق، ووسَّع عليه في الدنيا، وآتاه الكثير من المال والمتاع، ليبلوه هل يشكر أم يكفر؟ وهل يطغى أم يتواضع؟
جعل الله لذلك الكافر جنَّتَيْن، والمراد بالجنّة هو البستان أو المزرعة، أي إنه كان يملك مزرعتين.
ووصفت الآيات المزرعتين بقوله: {جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِن أعنابٍ وحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وجَعَلْنَا بينهما زَرْعًا*كِلتا الجنَّتَيْن آتتْ أُكُلَهَا ولم تَظْلِم منه شَيئًا وفَجَّرْنَا خلالهما نَهَرًا*وكان لهُ ثَمَرٌ} [الكهف:32-34].
كانتا مزرعتين من أعناب، وكانتا مُسوَّرَتَيْن بأسرابِ النخل من جميع الجهات، وكان صاحبهما يزرع الزرع بين الأعناب، وقد فجَّرَ الله له نهرًا، فكان يجري بين الجنَّتَيْن -المزرعتين-، وكان صاحبهما يجني ثمارَهما، ثمار الأعناب، وثمار النخل، وثمار الزرع.
وتُقدم لنا الآيات إشارة لطيفة إلى تنسيق الحدائق والمزارع والبساتين، فكانت المزرعتان مِن أعناب، مزروعة فيهما بتناسق، وكان النخل سورًا محيطًا بهما، وكان الزرع والخضار والبقول يزرع بين أسراب الأعناب، وكان النهر بينهما وقنواته تجري وسطهما، فماذا تريد تنسيقًا هندسيًّا أبدع من هذا التنسيق الزراعي فيهما؟
أُعجِبَ الرجلُ الكافر بجنَّتيه، وافتخرَ بمزرعتَيْه، واعتزَّ بهما، ودخلهما وهو ظالمٌ لنفسِه، كافرٌ بربِّه، متكبرٌ على الآخرين، وقال: إنهما مزرعتان دائمتان أبَدِيَّتان لن تبيدا أبدًا، وأنا أغنى الناس وأسعدهم بهما، وهما كل شيء، وليس هناك بعث ولا آخرة ولا جنة غير هاتين الجنتين.
ولاحظ صاحبه المؤمن الفقير الصابر غرورَه وبطرَه، فذكّره بالله، ودعاه إلى الإيمان بالله وشكره، والاعتماد عليه وليس على مزرعتيه، ودعاه إلى أن يقول: {مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ} [الكهف:39]، وحذَّره مِن عاصفة أو صاعقة تأتي عليهما وتحرقهما.
ولكن الكافرَ المغرور أسكرته نشوة التملُّك، فرفض كلام وتحذير وتوجيه صاحبه المؤمن، وزاد اعتزازه بمزرعتيه واعتماده عليهما، وحصل ما حذَّره منه صاحبه المؤمن، فأرسل الله على مزرعتيه صاعقة، فأحرقتهما!! أحرقت العنب والنخل والزرع، وقضت على الشجر والزرع والثمر، ولم يبقَ مِن المزرعتين شيء، كل هذا جرى في ساعة من ساعات الليل.
ولكن الكافرَ المغرور أسكرته نشوة التملُّك، فرفض كلام وتحذير وتوجيه صاحبه المؤمن، وزاد اعتزازه بمزرعتيه واعتماده عليهما، وحصل ما حذَّره منه صاحبه المؤمن، فأرسل الله على مزرعتيه صاعقة، فأحرقتهما!! أحرقت العنب والنخل والزرع، وقضت على الشجر والزرع والثمر، ولم يبقَ مِن المزرعتين شيء، كل هذا جرى في ساعة من ساعات الليل.
وفي الصباح ذهب المغرور إلى جنتيه كعادته، فإذا بهما فانيتان بائدتان، فأسقط في يديه، وشعر بالندم وأيقن بالخسارة، التي أتت على كل ما يملك، وتمنى لو استجاب لنصح صاحبه المؤمن، ولكن متى؟ بعد فوات الأوان!
وعلّق القرآن على هذه القصة، فقال في الآية الأخيرة: {هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} [الكهف:44].
تُرى كم تتكرر قصة صاحب الجنتين في أيامنا هذه، في مجالاتها وصورها المختلفة؟!!
الكاتب: د. صلاح الخالدي.
هنا
وهنا
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-07-2017, 12:47 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,314
افتراضي



قصة صاحب الجنتين في30/ 6/1429هـ
الحمد لله الذي أنزل آيات بينات، وفصلها سورًا وآيات، وصلى الله وسلم على نبي الْمَكْرُمَاتِ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم حتى الممات. أمّا بعد: أيّها النَّاس! اتقوا ربكم واشكروه، واعملوا بالقرآن وتدبروه، فقد جعله سدًّا منيعًا لمواجهة فتن الشبهات والشهوات، كتاب الله للأرواح روح به تحيا النفوس وتستريح
عباد الله! ما زلنا مع قصصِ القرآنِ التي تحكي عن المالِ، وعن إنفاقِه وكيفيةِ تحصيلِه، ومتى يكونُ المالُ نعمةً، ومتى يكونُ نقمةً.. ونعيشُ اليومَ معَ قصةٍ منْ أروعِ قَصصِ القرآنِ، قصةٍ روتْ فصولَها، وجسدتْ وقائعَها، وصورتْ مشاهدَها سورةُ الكهفِ التي نقرأُها كلَّ جمعةٍ، وفي هذا إشارةٌ إلى أهميةِ ما وردَ في هذه السورةِ، وشديدِ حاجتِنَا إلى ما تضمنتْهُ، فقصتُنَا اليومَ قصةُ رجلينِ: أحدُهما مؤمنٌ بربِّهِ، ومتمسِّكٌ بمبادِئِهِ، والآخرُ كافرٌ بربِّهِ، وجاحدٌ نعمَ اللهِ عليهِ، قصةٌ تُجسدُ واقعاً معاشاً في كلِّ عصرٍ ومصرٍ، مسلمٌ وكافرٌ، حقٌ وباطلٌ، قيمٌ راسخةٌ، وأخرى باطلةٌ، قيمٌ سماويةٌ علويةٌ تصمدُ وتبقى، لا تنالُ العواصفُ والرياحُ منها عِوَجًا أبَدًا، لأنَّ أصلَهَا ثابتٌ وفرعَهَا في السماءِ، والأخرى رغباتٌ شخصانيةٌ أرضيةٌ، تزولُ وتفنى، وقدْ تصلُ للشهوانيةِ والحيوانيةِ {وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}، قصةٌ ما أحوجَنَا إليها في زمنٍ غرتِ الكثيرَ الدنيا وزينتُها وبهجتُها! قصةٌ تغرسُ في نفوسِنَا رسالةً طالما تغافلنا عنها، وما زالتْ تؤكدُ تلكَ الرسالةُ حقيقةَ الدنيا ونعيمَهَا، وأنَّ علينا الحذرَ منَ الركونِ إليهَا، والاغترارِ بِهَا، قصةٌ تحثُّنَا على أنْ نجعلَ رضا اللهِ والتوكلَ عليهِ في كلِّ حالٍ نُصبَ أعيُنِنَا، ولتكنْ ثقتُنَا بما في يدِ اللهِ أوثقَ منهُ بما في أيدِينَا، قصةٌ تقولُ: إنَّ منْ قدَّم شيئاً على طاعةِ اللهِ والإنفاقِ في سبيلِهِ وُكِلَ إليهِ وعُذِّبَ بِهِ، ورُبَّمَا سُلِبَ منهُ معاملةً لهُ بنقيضِ قصدِهِ‏. قصةٌ ترسمُ نموذجينِ واضحينِ للنفسِ المغترةِ بزينةِ الحياةِ، والنفسِ المعتزةِ باللهِ. فصاحبُ الجنتينِ يُمَثِّلُ نموذجًا للرجلِ الثريِّ، أذهلتهُ الثروةُ، وأبطرتهُ النعمةُ، وحَسِبَ بلسانِ الحالِ والمقامِ أنها خالدةٌ باقيةٌ لا تفنى، فنَسِيَ مالكَ النعمةِ وواهبَ المنةِ الذي بيدهِ أقدارُ الناسِ والحياةِ. وأما صاحبُهُ المؤمنُ فنموذجٌ للرجلِ المعتزِّ بإيمانِهِ، الذاكرِ لربِّهِ، الشاكرِ على نعمِهِ، يرى النعمةَ دليلاً على المنعمِ. موجبةً لحمدِهِ وذكرِهِ وشكرِهِ، لا لجحودِهِ ونسيانِهِ وكفرِهِ. وسببُ القصةِ - على ما ذكره بعضُ المفسرينَ - أنَّ كفارَ قريشٍ افتخروا بأموالِهِم وأنصارِهِم على فقراءِ المسلمينَ، وأنهم أكثرُ مالاً، وأعزُّ نفرًا، وأكبرُ عددًا..! وجاءَ الردُّ الربانِيُّ والبيانُ الإلهيُّ مبينًا أنَّ ذلكَ مما لا يوجبُ الافتخارَ والاعتزازَ؛ لكونِ المالِ ظلاًّ زائلاً، ومتاعًا فانيًا، أليسَ الفقيرُ قد يصيرُ غنيًا، والغنيُّ قد يصيرُ فقيرًا، إذًا فعلام الاعتداد بقيمة لا ثبات لها ولا قرار؟ ولا وفاء لها ولا بقاء؟! وأما القيمة الحقيقية الثابتة التي يجب أن يُعتد بها ويُسعى لتحصيلها، وأن يوزن بها الناس، وتحصل بها المفاخرة فهي تقوى وطاعته، وهي حاصلة لفقراء المؤمنين ،فَلِمَ التكبر إذًا يا من تدعي السيادة؟! فليس الفقر عيبًا في الإسلام، بل ((كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ)) ورب فقير خير عند الله من مِلْءِ الْأَرْضِ ممن أعماهم الغنى والجاه، فقد روى البخاري في صحيحه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ e، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: ((مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟)) فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ e، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ e:((مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟)) فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: ((هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا)). قال تعالى مبينًا هذه الحقيقة الغائبة عن أذهان جبابرة قريش ومن شابههم ممن اضطربت عندهم موازين القيم:{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا}فأمر الله نبيه أن يبين لقريش قصة الرجلين بالمثل؛ لكون الأمثال تجلي المعاني وتقربها، أي مثِّل –يا محمد- حال الكافرين والمؤمنين، بحال رجلين كانا أخوين في بني إسرائيل أحدهما كافر اسمه براطوس، والآخر مؤمن اسمه يهوذا، وقيل لم يكونا أخوين، وإنما كانا رجلين شريكين مصطحبين، فرزقهما الله المال ثم افترقا وتقاسما المال، وأخذ كل واحد من الرجلين نصيبه من المال، فأنفق المؤمن ماله في طاعة الله، ابتغاء وجهه ومرضاته‏.‏ وأما الكافر فإنه اتخذ له بساتين وهما الجنتان المذكورتان في الآية،{جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ، وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ، وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا*كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا، وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا، وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا*وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} فيها كل ما لذ وطاب، أشجار وأنهار، وأعناب تحفها النخيل، جنة غناء، ومنظر بهيج، وفي يوم اشتدت حاجة المؤمن فقال: لو أتيت صاحبي لعله ينالني منه معروف! فجلس على طريقه حتى مر به في حشمه، فقام إليه، فنظر إليه الآخر، فعرفه، فقال: فلان؟ قال: نعم، فقال: ما شأنك؟ قال: أصابتني حاجة بعدك، فأتيتك لتصيبني بخير، فقال: ما فعل مالك وقد اقتسمنا مالاً واحداً، وأخذت شطره؟ فقص عليه قصته، فقال: وإنك لمن المصدقين بهذا؟ اذهب فلا أعطيك شيئًا، ثم أظهر الافتخار على صاحبه بماله وجاهه فقال‏:‏{‏أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً‏}‏أي‏:‏ ها أنا لم أنفق ومع ذلك ها أنا أوسع جنانًا، وأهنأ عيشاً وبحبوحة، فماذا أغنى عنك إنفاقك المال؟ لقد ذهب ما كنت تملكه، انظر لملكي وبساتيني‏ فأخذ بيد المؤمن يطوف به فيها، ويريه أثمارها، {‏وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ‏}‏ظالم لنفسه بتكبره وإعجابه بماله قائلاً:{مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} لن تنقطع وتضمحل وتفنى وتهلك، فَرَاقَهُ حُسنُهَا وغَرَّتهُ زَهْرَتُهَا فتوهم أنها لا تفنى أبدا بل ظن أنها ستبقى له ما دام حيّاً، غرته نشوة المال، فقال {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً‏} عُجْبٌ وغرور، نسي أن بساتينَ كثيرة زالت وبادت وأصابها عوادي الزمن، فدوام الحال من المحال؟ ثم أوغل الرجل في الطغيان عندما قال:‏{‏وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً‏}‏ حتى تَدَّعِي يا صاحبي أن الله سيخلف عليك مالك! وهكذا لمعان المال يعمي ويُصم {كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}وهاهو يزداد صلفاً وغروراً فيقول‏:‏{‏وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَبًا}‏أي‏:‏ ثم هب أن هناك آخرة ومعاداً كما تقول، فإني سأحصل على خير من هذا كله، وهكذا المفتون بالمال يرى أنه مُكَرَّمٌ مُعَزَّزٌ دائماً، إنه طبع الإنسان بدون الإيمان كما قال تعالى:{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى}تماماً كما ظن صاحب الجنتين عندما اغتر بدنياه واعتقد أن الله لم يعطه ذلك فيها إلا لحبه له وحظوته عنده‏.‏ هكذا يظن بعض ذوي الجاه والثراء، بأن القيم التي يعاملهم بها أهلُ الدنيا اليوم تظل محفوظة لهم حتى في الملأ الأعلى! كما قال تعالى‏:‏{‏أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ*نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ‏}‏‏[‏المؤمنون‏:‏ 25‏]‏‏. ‏روى الطبري في تفسيره عن ابن عباس، أن رجالاً من أصحاب رسول اللهeكانوا يطلبون العاص بن وائل السهمي بدَين، فأتوه يتقاضونه، فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة فضة وذهبًا وحريرًا، ومن كلّ الثمرات؟ قالوا: بلى، قال: فإن موعدكم الآخرة، فوالله لأُوتينّ مالا وولدا، ولأُوتينّ مثل كتابكم الذي جئتم به، فضرب الله مثله في القرءان، فقال:{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا* أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا*كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا*وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا}. عباد الله! وعندما سمعه صاحبه المؤمن يقول ذلك قال له‏:‏{‏وَهُوَ يُحَاوِرُهُ‏}‏أي‏:‏ يجادله بالتي هي أحسن لعل وعسى:‏{‏أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً‏}‏أي‏:‏ أجحدت المعاد وأنت تعلم أن الله خلقك من تراب، ثم من نطفة، ثم صورك أطوارًا حتى صرت رجلاً سوياً، سميعاً بصيراً؟! كيف تنكر المعاد والله القادر على البدء من غير مثال سابق قادرٌ على الإعادة من باب أولى،{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}. إنها حجة ساطعة ودليل واضح دامغ لا يملك أمامَهُ المنصفُ إلا التسليمَ والخضوعَ{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ*الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ*فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} وهكذا اعتز الرجل المؤمن بدينه وقيمه الثابتة، وليس بالمال الزائل فهو ممن لم يغيره المال فقد كان المال بيده فآثر ما عند الله، وفي هذا درس للمفتونين والمبهورين والمنهزمين نفسيًّا أمام الماديات الزائلة، وما أكثرَهم في زماننا!{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} لقد اعتز وفاخر بما هو أبقى وأعلى،{‏لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي‏}فأنا أقول بخلاف ما قلت، وأعتقد خلاف معتقدك‏،‏ فأنا موحد مؤمن أقول:‏{‏هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً‏}هكذا يستشعر المؤمن أنه عزيز أمام الجاه والمال، وأن ما عند الله خير وهو يطمع في فضل الله، لا كَمَنْ يطمع بالثراء والمكاثرة، ولأجلها لا مانع أن يداهن ويجامل على حساب دينه، غَيَّرَهُ المالُ وأضعفَ إيمانَهُ، يصلي ويرابي، يصلي ويرشي، يصلي ويسرق الأراضي، يصلي ويأكل المال العام، يصلي ويأكل أموال الناس بالباطل، انفصام في الشخصية، وتحايل وازدواجية، كل هذا من أجل التكاثر في المال، تكاثرٌ على حساب الدين والإيمان، لم تهزهم سورة يسمعونها بل و يقرأونها كثيراً: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ*حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ*كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ*ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ*كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ*لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ*ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ*ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} إي وربي لتسألن عن النعيم الذي أنتم فيه، فهل أعددتم للسؤال جواباً؟
احذرْ من الدنيا مغبتها ... كم صالحٍ عبثتْ به ففسدْ
ما بينَ فرحتها وترحتها ... إلا كما قـامَ امرؤٌ وقعدْ
ولهذا أرشد الرجل المؤمن صاحبه فقد كان الأولى بك والأبقى لمالك، والأرضى لربك، أن تقول:‏{‏وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ‏}‏ بدل أن تعرضها للهلاك بسبب كفرك وجحود نعمة ربك، ولهذا قال بعض السلف: ((مَن أَعجَبَهُ شيءٌ مِن حالِه أو مالِه أو ولدِه، فليقل:{مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ}))، فلا أقدرَ على حفظِ مالي أو دفعِ شيءٍ عنه إلا بإذنِ اللهِ، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي موسى أن رسول الله e قال له: ((ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله))، وواصل المؤمن محاورته لصاحبه بقوله: أما أنا وسخريَّتُك بي‏{‏فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ‏}أي‏:في الدنيا والآخرة، ثم قال المؤمن لصاحبه محذرًا من مغبة الطغيان والجحود، بأن الله قادر على جنتك بأن{..يُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}‏قال ابن كثير:"الظاهر أنه المطر المزعج الباهر الذي يقتلع زروعها وأشجارها‏{‏فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً‏}‏وهو التراب الأملس الذي لا نبات فيه، ‏{‏أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً‏ ‏فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً‏}ولما لم يسمع له فعلاً حصل ما توقعه المؤمن، كما قال تعالى‏:‏{‏وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ‏}‏ أي‏:‏ جاءه أمر أحاط بجميع حواصله، وخرب جنته ودمرها‏،فندمَ كلَّ الندامةِ، واشتدَّ لذلكَ أسفُه{فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} يُصفّقُ كَفَّيهِ مُتَأَسِّفًا مُتَلَهِّفَاً عَلَى كثرةِ نفقاتِه الدنيويةِ عَلَيهَا، حيثُ اضْمَحَلَّتْ وَتَلاشَتْ، فَلَم يَبقَ لَهَا عِوَضٌ، وَنَدِمَ أَيضَاً عَلَى شركِه وشَرِّهِ، ولكنْ وَقَعَ بِهِ مَا كَانَ خَوَّفَهُ بِهِ المُؤمنُ مِن إِرسَالِ الحُسبَانِ عَلَى جنتِه، التي اغترَّ بِهَا وَأَلْهَتْهُ عَنِ اللهِ U فَقَالَ نَادِمَاً مُتَحَسِّرَاً:{يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا}‏ندم على ما كان سلف منه من القول الذي كفر بسببه بالله، ولكن هل ينفع الندم إذا حان القدر ونفذ الأمر الحتمي:
حسبي بعلمي إن نفع ... ما الذل إلا في الطمع
من راقب الله نـزع ... عن سوء ما كان صنع
ما طار طـير وارتفع ... إلا كما طــار وق
ولا يستبعدُ من رحمةِ اللهِ ولطفِهِ، أنَّ صاحبَ هذهِ الجنةِ، التي أُحِيطَ بِهَا،
رزقَهُ اللهُ الإنابةَ إليهِ، وراجَعَ رُشدَهُ، وذَهَبَ تَمَرُّدُهُ وطُغيَانُهُ، بِدليلِ أَنَّهُ أظهرَ الندمَ على شِركِهِ بِرَبِّهِ، وأنَّ اللهَ أذهبَ عنهُ مَا يُطغِيهِ، وعَاقَبَهُ فِي الدُّنيَا، وإذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خَيرَاً عَجَّلَ لَهُ العقوبةَ فِي الدُّنيَا. وفضلُ اللهِ لا تحيطُ بِه الأوهامُ والعقولُ، ولا يُنكرُهُ إلا ظَالِمٌ جَهُولٌ.أما جنته فأصبحت{..خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا، ‏أي‏:‏ خربت بالكلية فلا عودة لها، فكان الجزاء ضد ما كان يظن حيث كان يقول‏:‏{‏مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً‏}، ثم قال الله عنه:{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا} أي: لما نزلَ العذابُ بجنتِهِ، ذَهَبَ عَنهُ مَا كَانَ يفتخرُ بِهِ مِن قَولِهِ لِصَاحِبِهِ:{أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا}فأين النفرُ؟ أين العشيرة؟ أين الأصجاب؟ لِم لمْ يَدفَعُوا عَنهُ مِنَ العذابِ شيئاً، وَلَمْ يَمنَعُوهُ عنه، وَمَا كَان بِنَفسِهِ مُنتَصِرَاً، وكيفَ ينتصرُ لنفسِه؟ ولَو اجتَمَعَ أهلُ السماءِ والأرضِ على أن يمنعوه عنه ما منعوه؟ سبحان الله! ما أهون الخلق على الله إذا هم أشركوا به ولم يوحدوه، فأصبح ثمر جنته كلُّه مدمراً، كأنما أخذ من كل جانب فلم يسلم منه شيء. أصبحت جنته خاوية على عروشها مهشمة محطمة، أصبح صاحبها يقلب كفيه أسفًا وحزنًا على ماله الضائع وجهده الذاهب.
ثم يختم القرآن القصة بالتذكير أنه إذا تدخلت قدرة الله في إيقاف ظلم ظالم، أو تلقين درس لجاحد تتعطل كل قوة وتتوقف كل طاقة كأنها ليس بشيء، فقوة الله وحده ومشيئته وحدها هي التي تنفذ، فلا قوة إلا قوته، ولا نصر إلا نصره{‏وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً*هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا‏}‏الولاية لله القاهر القادر، فمن الرازق؟ من المعطي؟ من المانع؟ من المعز؟ من المذل؟ من الرافع؟ من الخافض؟{‏الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ‏} اللهُ! هو الذي يعطي وهو الذي يمنع، وهو الذي يُوَسِّعُ الرِّزقَ وهو الذي يَقْدِرُه،
توكلت في رزقي على الله خالقي وأيقنت أن الله لا شـك رازقي
وما يـك من رزقي فليس يفوتني ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتـي بـه الله الـكريم بفضله ولو لم يـكن مني اللسان بناطق
ففي أي شيء تذهب النفس حسرة وقد قسم الـرحمن رزق الخلائق
فاللهم اعصمنا من فتنة المال ومن الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن، واجعلنا من أوليائك يا رب العالمين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من القصص والآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،
وبعد: أيها المسلمون: إن من أعظم وأهم أبواب الاعتبار: تدبر القرآن: وفي هذه القصةِ العظيمةِ، التحذيرُ من فتنةِ المالِ، والاعتبارُ بحالِ الذي أنعمَ اللهُ عليهِ نعماً دنيويةً، فألهتْهُ عن آخرتِه وأطغتْهُ، وعَصَى اللهَ فِيهَا، وأنَّ مآلَهَا الانقطاعُ والاضمحلالُ، وأَنَّهُ وإِن تَمَتَّعَ بِهَا قَلِيلاً فإنَّهُ يُحرَمُهَا طَوِيلاً.{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}، اللهم فقهنا بالدين وارزقنا تدبر القرآن والعمل به يا رب العالمين، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، وكن عوناً لهم يا رب العلمين، وانتقم لهم من الظالمين، اللهم انصر جندك وكتابك وسنة نبيك، وأعل كلمة الحق، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية. اللهم أصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لما تحبه وترضاه، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم ألف بين قلوبهم وقلوب رعيتهم، اللهم اشف مرضانا وجميع مرضى المسلمين، وارفع عنهم البلاء برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صل وسلم على النبي الأمين، وعلى آله وأصحابه وخلفائه الراشدين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين .
هنا
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06-07-2017, 01:30 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,314
Post

وقفة

لِمَ التكبر إذًا يا من تدعي السيادة؟! فليس الفقر عيبًا في الإسلام
"كم من أشعثَ أغبرَ ذي طِمرينِ لا يؤبَه لَه لو أقسمَ على اللَّهِ لأبرَّهُ منهمُ البَراءُ بنُ مالِكٍ"الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3854 - خلاصة حكم المحدث: صحيح

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي: ذي طمرين بكسر فسكون، أي صاحب ثوبين خلقين، لا يُوْبَهُ به بضم الياء وسكون واو، وقد يهمز، وفتح موحدة وبهاء، أي لا يُبالَى به، ولا يُلتفت إليه. انتهى.هنا



ورب فقير خير عند الله من مِلْءِ الْأَرْضِ ممن أعماهم الغنى والجاه
"مرَّ رجلٌ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال لرجلٍ عِندَه جالسٌ " ما رأيُك في هذا " . فقال " رجلٌ من أشرافِ الناسِ، هذا واللهِ حرِيٌّ إن خطَب أن يُنكَحَ، وإن شفَع أن يُشَفَّعَ، قال : فسكَت رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثم مرَّ رجلٌ، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم " ما رأيُك في هذا " . فقال : يا رسولَ اللهِ، هذا رجلٌ من فُقَراءِ المسلمينَ، هذا حَرِيٌّ إن خطَب أن لا يُنكَحَ، وإن شفَع أن لا يُشَفَّعَ، وإن قال أن لا يُسمَعَ لقولِه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم " هذا خيرٌ من مِلءِ الأرضِ مثلِ هذا " . الراوي: سهل بن سعد الساعدي - صحيح البخاري .
قال تعالى مبينًا هذه الحقيقة الغائبة عن أذهان جبابرة قريش ومن شابههم ممن اضطربت عندهم موازين القيم"وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا"فأمر الله نبيه أن يبين لقريش قصة الرجلين بالمثل؛ لكون الأمثال تجلي المعاني وتقربها

*فوائد من قصة صاحب الجنتين
*
قال تعالى "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا" الكهف: 32-33.
1ـ الاعتبار والاتعاظ بحال من أنعم الله عليه نعما دنيوية، فألهته عن آخرته وأطغته وعصى الله فيها. السعدي
2ـ ليس في معرفة أعيان الرجلين وزمانهما ومكانهما فائدة أو نتيجة، والتعرض لذلك من التكلف، وإنما الفائدة تحصل من قصتهما فقط. السعدي
3ـ أن بساتين الدنيا يتنعم بها من يدخلها ويرى خضرتها، وتفرح ناظرها، لما فيها من النعيم واللذة، وفي جنتي هذا الرجل أفضل الأشجار وهي النخيل والأعناب. ابن جبرين

"وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً" الكهف:34.
1ـ اغترار هذا الرجل وافتخاره بكثرة ماله وعشيرته وقبيلته، أي بالغنى والحسب، يقوله افتخارا لا تحدثا بنعمة الله عليه بدليل العقوبة التي حصلت له. ابن عثيمين
2ـ أن المال والولد لا ينفعان إن لم يعينا على طاعة الله "

وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ .
".سبأ 37 السعدي

3ـ ينبغي للعبد إذا أعجبه شيء من ماله أو ولده أن يضيف النعمة إلى مسديها؛ ليكون شاكرا لله متسببا لبقاء نعمته عليه. السعدي
4ـ الافتخار الذي لم يُعترف بفضل الله فيه ولم يشكر الله عليه يحبط الأعمال. ابن عثيمين
5ـ أن الله ينعم على عباده ليبتليهم؛ هل يشكرون أم يكفرون؟!. ابن جبرين

"وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا" الكهف:35-36.
1ـ اطمئنان الرجل إلى الدنيا ورضاه بها وإعجابه بجنتيه حتى نسي أن الدنيا لا تبقى لأحد. ابن عثيمين
2ـ إنكاره للبعث. ابن عثيمين
3ـ قياسه الفاسد حيث ظن أن الله لما أنعم عليه في الدنيا فلابد أن ينعم عليه في الآخرة! , ولا تلازم بين هذا وذاك، بل إن الكفار ينعّمون في الدنيا وتُعجَّل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ولكنهم في الآخرة يُعذَّبون!. ابن عثيمين

"فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ"54" أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ"55" نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ"56"
المؤمنون
"وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ".آل عمران 178
4ـ تمرده وعناده؛ لقوله "
وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي ..." قاله على وجه التهكم والاستهزاء!. السعدي
5ـ الغالب أن الله يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه، ويوسِّعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة من نصيب. السعدي
6ـ حقارة هذه الدنيا من أولها إلى آخرها، فالله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب!. ابن جبرين

- عن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ قالَ" إنَّ اللَّهَ قسمَ بينَكم أخلاقَكم كما قسَّمَ بينَكم أرزاقَكم وإنَّ اللَّهَ تعالى يعطي المالَ من أحبَّ ومن لا يحبُّ ولا يعطي الإيمانَ إلَّا من يحبُّ. فمن ضنَّ بالمالِ أن ينفقَهُ وخافَ العدوَّ أن يجاهدَهُ وهاب اللَّيلَ أن يُكابدَهُ فليُكثر من قولِ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وسبحانَ اللَّهُ والحمدُ للَّهِ واللَّهُ أَكبرُ. الراوي: - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 209- خلاصة حكم المحدث: صحيح موقوفًا في حكم المرفوع
الدرر السنية
- عن عبدِ اللَّهِ بنَ مسعودٍ قالَ إنَّ اللَّهَ قسَّمَ بينَكم أخلاقَكم كما قسَّمَ بينَكم أرزاقَكُم وإنَّ اللَّهَ يؤتي المالَ من يحبُّ ومن لا يحبُّ ولا يؤتي الإيمانَ إلَّا من أحبَّ فإذا أحبَّ اللَّهُ عبدًا أعطاهُ الإيمانَ فمن ضنَّ بالمالِ أن ينفقَهُ وَهابَ العدوَّ أن يجاهدَهُ واللَّيلَ أن يُكابدَهُ ; فليُكثر من قولِ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكبرُ والحمدُ للَّهِ وسبحانَ اللَّهِ الراوي: مرة بن شراحيل الهمداني- المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1571 - خلاصة حكم المحدث: صحيح


7ـ نسيان الرجل قدرة ربه الذي أعطاه ومكّنه، بأن يسلبه ما آتاه!. ابن جبرين
"قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا" الكهف:37-38.
1ـ نصح صاحبه المؤمن له وتذكيره بنعم الله عليه، وكيف خلقه ونقله من طور إلى طور، ويسر له الأسباب، فكيف يليق بك أن تكفر بالله؟!. السعدي
2ـ أن منكر البعث كافر. ابن عثيمين
3ـ اعتزاز المؤمن بإيمانه بالله واعترافه به وبفضله عليه، وإقراره بربوبية ربه، والتزام طاعته وعدم الإشراك به. السعدي
4ـ أن في تذكر الإنسان مبدأ أمره وخلقه موعظة عظيمة وذكرى. ابن جبرين
5ـ في قول المؤمن "هُوَ اللَّهُ رَبِّي" دليل على أن صاحب الجنتين قد أشرك. ابن جبرين

"وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا" الكهف:39.
1ـ أن نعمة الله على الإنسان بالإيمان والإسلام ولو مع قلة المال والولد هي النعمة الحقيقية، وما عداها معرض للزوال والعقوبة. السعدي
2ـ ينبغي للإنسان إذا أعجبه شيء أن يقول "مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" حتى يفوض الأمر إلى الله لا إلى حوله وقوته. ابن عثيمين
3ـ من اعترف بفضل الله عليه، فإنه يبارك الله له فيما أعطاه، وأما من أشِر وبطر، فلا يبارك الله له فيما آتاه ولا ينتفع به. ابن جبرين
4ـ أن ما عند الله خير وأبقى، وما يُرجى من خيره وإحسانه أفضل من جميع الدنيا التي يتنافس فيها المتنافسون. السعدي

"فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا" الكهف:40-41.
1ـ الإرشاد إلى التسلي عن لذات الدنيا وشهواتها بما عند الله من الخير. السعدي
2ـ الدعاء بتلف مال من كان ماله سبب طغيانه وكفره وخسرانه، خصوصا إن فضّل نفسه بسبب ماله على المؤمنين وفخر عليهم. السعدي
3ـ أن دعاء المؤمن على جنتيّ الكافر كان غضبا لله؛ لكونها غرته وأطغته، لعله ينيب ويراجع رشده ويبصر في أمره. السعدي
4ـ لا حرج على الإنسان أن يدعو على ظالمه بمثل ما ظلمه. ابن عثيمين
5ـ في قوله"حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ" خص السماء لأن ما جاء من الأرض قد يدافع، لكن ما نزل من السماء يصعب دفعه ويتعذر!. ابن عثيمين
6ـ قوله"خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ" أي أفضل منها وهي جنة الآخرة، وجنة الدنيا هي الفرح بفضل الله والالتذاذ بطاعته، والاغتباط بالأعمال الصالحة، والأنس بذكر الله وشكره، فهذا خير من متاع الدنيا متاع الغرور. ابن جبرين

"وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا" الكهف:42-43.
1ـ استجابة الله لدعاء من دعاه. السعدي
2ـ كان مآل الجنتين الانقطاع والاضمحلال، وكأنه لم يتمتع بها!. السعدي
3ـ الندم بعد فوات الأوان لا ينفع، إنما ينتفع من سمع القصة واعتبر بها. ابن عثيمين
4ـ أن ما افتخر به لم يدفع عنه من العذاب شيئا. السعدي
5ـ لا يستبعد من رحمة الله ولطفه أن صاحب الجنتين تحسنت حاله، ورزقه الله الإنابة إليه، بدليل ندمه على شركه بربه. السعدي
6ـ أن سبب عقوبته لأنه أشرك بالله، ونسب نعمة الله إلى غيره، وفضل الله إلى نفسه وقوته وحيلته، وتناسى عطاء الله له. ابن جبرين

"هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا" الكهف:44.
1ـ أن ولاية الله وعدمها إنما تتضح نتيجتها إذا انجلى الغبار وحقَّ الجزاء، ووجد العاملون أجرهم. السعدي
2ـ من كان مؤمنا بالله تقيا كان له وليا وأكرمه بأنواع الكرامات، ودفع عنه الشرور والمَثُلات، ومن لم يؤمن بربه ويتولاه خسر دينه ودنياه!. السعدي
4ـ أن في يوم القيامة لا نُصرة ولا مُلك إلا لله الحق جل جلاله، وأن جميع من دونه لا يفيد صاحبه شيئا. ابن عثيمين
5ـ أن من خذله الله فليس له ولي، ولا ناصر ينصره من عذاب الله، ومن أمِن بأس الله فإنه ضال مضِل. ابن جبرين


"أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ .البقرة 107
هنا بتصرف يسير
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-07-2017, 01:31 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,314
root

"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ".الكهف 45
تفسير السعدي:
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أصلا, ولمن قام بوراثته بعده تبعا: اضرب للناس مثل الحياة الدنيا, ليتصوروها حق التصور, ويعرفوا ظاهرها وباطنها, فيقيسوا بينها وبين الدار الباقية, ويؤثروا أيهما أولى بالإيثار.
وأن مثل هذه الحياة الدنيا, كمثل المطر, ينزل على الأرض, فيختلط نباتها, أو تنبت من كل زوج بهيج.
فبينا زهرتها وزخرفها تسر الناظرين, وتفرح المتفرجين, وتأخذ بعيون الغافلين.
إذ أصبحت هشيما، تذروه الرياح, فذهب ذلك النبات الناضر, والزهر الزاهر, والمنظر البهي.
فأصبحت الأرض غبراء ترابا, قد انحرف عنها النظر, وصدف عنها البصر, وأوحشت القلب.
كذلك هذه الدنيا, بينما صاحبها، قد أعجب بشبابه، وفاق فيها على أقرانه وأترابه, وحصل درهمها ودينارها, واقتطف من لذته أزهارها، وخاض في الشهوات في جميع أوقاته, وظن أنه لا يزال فيها سائر أيامه، إذ أصابه الموت أو التلف لماله.
فذهب عنه سروره, وزالت لذته وحبوره، واستوحش قلبه من الآلام وفارق شبابه وقوته، وماله، وانفرد بصالح، أو سيئ أعماله.
هنالك يعض الظالم على يديه*، حين يعلم حقيقة ما هو عليه, ويتمنى العود إلى الدنيا، لا ليستكمل الشهوات، بل ليستدرك ما فرط منه من الغفلات، بالتوبة والأعمال الصالحات.
فالعاقل الجازم الموفق، يعرض على نفسه هذه الحالة، ويقول لنفسه " قدري أنك قد مت, ولا بد أن تموتي, فأي الحالتين تختارين؟ الاغترار بزخرف هذه الدار, والتمتع بها كتمتع الأنعام السارحة أم العمل، لدار أكلها دائم وظلها ظليل, وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
فبهذا يعرف توفيق العبد من خذلانه, وربحه من خسرانه.
ولهذا أخبر تعالى, أن المال والبنين, زينة الحياة الدنيا, أي: ليس وراء ذلك شيء.
وأن الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسره, الباقيات الصالحات.
وهذا يشمل جميع الطاعات, الواجبة, والمستحبة, من حقوق الله, وحقوق عباده, من صلاة، وزكاة، وصدقة، وحج، وعمرة، وتسبيح، وتحميد، وتهليل، وقراءة، وطلب علم نافع, وأمر بمعروف, ونهي عن منكر، وصلة رحم، وبر والدين، وقيام بحق الزوجات، والمماليك، والبهائم, وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق, كل هذا من الباقيات الصالحات, فهذه خير عند الله ثوابا, وخير أملا.
فثوابها يبقى, ويتضاعف على الآباد, ويؤمل أجرها وبرها ونفعها, عند الحاجة.
فهذه التي ينبغي أن يتنافس بها المتنافسون, ويستبق إليها العاملون, ويجد في تحصيلها المجتهدون.
وتأمل, كيف لما ضرب الله مثل الدنيا وحالها واضمحلالها ذكر أن الذي فيها نوعان.
نوع من زينتها, يتمتع به قليلا, ثم يزول بلا فائدة تعود لصاحبه, بل ربما لحقته مضرته وهو المال والبنون.
ونوع يبقى لصاحبه على الدوام, وهي الباقيات الصالحات.
" وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا "
يخبر تعالى عن حال يوم القيامة, وما فيه من الأهوال المقلقة, والشدائد المزعجة فقال " وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ " أي: يزيلها عن أماكنها, يجعلها كثيبا, ثم يجعلها كالعهن المنفوش ثم تضمحل وتتلاشى, وتكون هباء منبثا, وتبرز الأرض, فتصير قاعا صفصفا, لا عوج فيه ولا أمتا.
ويحشر الله جميع الخلق, على تلك الأرض, فلا يغادر منهم أحدا.
بل يجمع الأولين والآخرين, من بطون الفلوات, وفغور البحار, ويجمعهم بعدما تفرقوا, ويعيدهم, بعد ما تمزقوا, خلقا جديدا.
فيعرضون عليه صفا, ليستعرضهم, وينظر في أعمالهم, ويحكم فيهم, بحكمه العدل, الذي لا جور فيه ولا ظلم, ويقول لهم: " لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة " أي, بلا مال, ولا أهل, ولا عشيرة, ما معهم إلا الأعمال, التي عملوها, والمكاسب في الخير والشر, التي كسبوها كما قال تعالى " وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ " .
وقال هنا, مخاطبا للمنكرين للبعث, وقد شاهدوه عيانا " بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا " أي: أنكرتم الجزاء على الأعمال, ووعد الله, ووعيده فها, قد رأيتموه وذقتموه.
فحينئذ تحضر كتب الأعمال التي كتبها الملائكة الأبرار.
فتطير لها القلوب, وتعظم من وقعها, الكروب, وتكاد لها الصم الصلاب تذوب, ويشفق منها المجرمون.
فإذا رأوها مسطرة عليهم أعمالهم, محصى عليهم أقوالهم وأفعالهم, قالوا " يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا " أي: لا يترك خطيئة, صغيرة ولا كبيرة, إلا وهي مكتوبة فيه, محفوظة لم ينس منها عمل سر ولا علانية, ولا ليل ولا نهار.
" وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا " لا يقدرون على إنكاره " وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " .
فحينئذ يجازون بها, ويقررون بها, ويخزون, ويحق عليهم العذاب, " ذلك بما قدمت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد " بل هم غير خارجين عن عدله وفضله.تفسير السعدي


تفسير العثيمين:
قوله تعالى"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ" وهو المطر " فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ" يعني أن الرِّياض صارت مختلطة بأنواع النبات المتنوع بأزهاره وأوراقه وأشجاره كما يشاهد في وقت الربيع كيف تكون الأرض، سبحان الله، كأنه وَشْيٌ من أحسن الوشْيات، إذا اختلط من كل نوع ومن كل جنس.
"فَأَصْبَحَ" يعني هذا النبات المختلف المتنوع.
" هَشِيمًا" هامدًا.
"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا " أي تحمله، فهذا هو "مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا". الآن الدنيا تزدهر للإنسان وتزهو له وإذا بها تخمد بموته أو فَقدها، لا بد من هذا، إما أن يموت الإنسان أو أن يفقد الدنيا . هذا مثل موافق تماماً، وقد ضرب الله تعالى هذا النوع من الأمثال في عدة سور من القرآن الكريم حتى لا نغتر بالدنيا ولا نتمسك بها، والعجب أننا مغترون بها ومتمسكون بها مع أن أكدارها وهمومها وغمومها أكثر بكثير من صفوها وراحتها . والشاعر الذي قال:
فيوم علينا ويوم لنا***ويوم نُساءُ ويومٌ نُسَرْ
لا يريد، كما يظهر لنا، المعادلة، لكن معناه أنه ما من سرور إلاَّ ومعه مساءة، وما من مساءة إلاَّ ومعها سرور، لكن صفوها أقل بكثير من أكدارها، حتى المنعمون بها ليسوا مطمئنين بها كما قال الشاعر الآخر:
لا طِيبَ للعيش ما دامت مُنغَّصَةً***لذَّاتُه بادِّكار الموت والهرمِ
قال تعالى"وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا" ما وجد فهو قادر على إعدامه، وما عُدِم فهو قادر على إيجاده، وليس بين الإيجاد والعدم إلاَّ كلمة "كُنْ"، قال الله تعالى"إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " يس: 82 . وفي قوله: " مُقْتَدِرًا" مبالغة في القدرة، ثم قال الله عزّ وجل مقارناً بين ما يبقى وما لا يبقى:
"الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ".

تفسير العثيمين
"
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا" .الآية 27 من سورة الفرقان
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 01:52 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر