#41
|
||||
|
||||
32- الأمانةُ العلْمِيَّةُ : الأمر الثاني والثلاثون - الأمانةُ العلْمِيَّةُ : يَجِبُ على طالبِ العلْمِ ، فائِقُ التحَلِّي بالأمانةِ العِلْمِيَّةِ ، في الطلَبِ والتحَمُّلِ والعمَلِ والبلاغِ ، والأداءِ : شرح الشيخ العثيمين رحمه الله: ( فإنَّ فَلاحَ الأُمَّةِ في صَلاحِ أعمالِها ، وصلاحَ أعمالِها في صِحَّةِ عُلُومِها ، وصِحَّةَ عُلومِها في أن يكونَ رجالُها أُمناءَ فيما يَرْوُونَ أو يَصِفُونَ، فمَن تَحَدَّثَ في العِلْمِ بغيرِ أمانةٍ ؛ فقد مَسَّ العلْمَ بقُرحةٍ ووَضَعَ في سبيلِ فَلاحِ الأُمَّةِ حَجَرَ عَثْرَةٍ ) . الشيخ: هذا أيضا من أهم ما يكون في طالب العلم أن يكون أمينا في علمه، فيكون أمينا في نقله، وأمينا في وصفه. إذا وصف الحال فليكن أمينا لا يزيد ولا ينقص، وإذا نقل فليكن أمينا في النقل لا يزيد ولا ينقص وكثير من الناس تنقصه هذه الأمانة، فتجده يصف من الأحوال ما يناسب رأيه ويحذف الباقي، وينقل من أقوال أهل العلم، بل ومن النصوص ما يوافق رأيه ويحذف الباقي فيكون كالذي قال: ما قال ربك ويل للأولى سكروا = بل قال ربك ويل للمصلين"فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ"الماعون 4 نعوذ بالله وحذف "الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ"الماعون 5. وهذا لا شك أنه حجر عثرة وأنه تدليس على العلم، لأن الواجب النقل بأمانة والوصف بأمانة، وما يضرك إذا كان الدليل على خلاف ما تقول، فإنه يجب عليك أن تتبع الدليل وأن تنقله للأمة حتى يكونوا على بصيرة من الأمر. ومثل هذه الحال- أعني عدم الأمانة- يوجب أن يكون الإنسان فاسقا لا يوثق له بخبر ولا يقبل له نقل لأنه مدلس. القارئ: لا تَخلُو الطوائفُ المنتمِيَةُ إلى العلومِ من أشخاصٍ لا يَطلبونَ العِلْمَ ليَتَحَلَّوْا بأَسْنَى فضِيلَةٍ ، أو ليَنْفَعُوا الناسَ بما عَرَفُوا من حِكمةٍ ، وأمثالُ هؤلاءِ لا تَجِدُ الأمانةُ في نفوسِهم مُسْتَقَرًّا ، فلا يَتَحَرَّجُون أن يَرْوُوا ما لم يَسْمَعُوا أو يَصِفُوا ما لم يَعْلَمُوا ، وهذا ما كان يَدْعُو جهابذةَ أهلِ العلْمِ إلى نَقْدِ الرجالِ . الشيخ: يقول: (لا تَخلُو الطوائفُ المنتمِيَةُ إلى العلومِ من أشخاصٍ لا يَطلبونَ العِلْمَ ليَتَحَلَّوْا بأَسْنَى فضِيلَةٍ ) لأن طلب العلم يؤدي إلى التحلي بأسنى فضيلة، أي: بأعلاها، (أو ليَنْفَعُوا الناسَ بما عَرَفُوا من حِكمةٍ) ، وإنما يطلبون العلم من أجل نصر آرائهم فتجده يبحث في بطون الكتب ليجد شيئا يقوي به رأيه، سواء كان خطأ أم صوابا، وهذا والعياذ بالله هو المراء والجدال المنهي عنه، أما من يقلب بطون الكتب من أجل أن يعرف الحق فيصل إليه، فلا شك أن هذا هو الأمين المنصف. القارئ: وهذا ما كان يَدْعُو جهابذةَ أهلِ العلْمِ إلى نَقْدِ الرجالِ الشيخ: يعني هذا هو الذي يدعو جهابذة أهل العلم إلى نقد الرجال ليبينوا أحوالهم وأنه رجل يتبع الهوى ولا يريد الهدى. القارئ: وتَمييزِ مَن يُسْرِفُ في القوْلِ مِمَّنْ يَصوغُه على قَدْرِ ما يَعْلَمُ ، حتى أَصْبَحَ طُلَّابُ العِلْمِ على بَصيرةٍ من قِيمةِ ما يَقرؤونَه ، فلا تَخْفى عليهم مَنْزِلَتُه ، من القطْعِ بصِدقِه أو كَذِبِه ، أو رُجحانِ أحدِهما على الآخَرِ ، أو احتمالِهما على سواءٍ ) اهـ . آفاق التيسير شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري القارئ : قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا : 32- الأمانةُ العلْمِيَّةُ : يَجِبُ على طالبِ العلْمِ ، فائِقُ التحَلِّي بالأمانةِ العِلْمِيَّةِ ، في الطلَبِ والتحَمُّلِ والعمَلِ والبلاغِ ، والأداءِ : (فإنَّ فَلاحَ الأُمَّةِ في صَلاحِ أعمالِها ، وصلاحَ أعمالِها في صِحَّةِ عُلُومِها ، وصِحَّةَ عُلومِها في أن يكونَ رجالُها أُمناءَ فيما يَرْوُونَ أو يَصِفُونَ ، فمَن تَحَدَّثَ في العِلْمِ بغيرِ أمانةٍ ؛ فقد مَسَّ العلْمَ بقُرحةٍ ووَضَعَ في سبيلِ فَلاحِ الأُمَّةِ حَجَرَ عَثْرَةٍ) لاتَخلُو الطوائفُ المنتمِيَةُ إلى العلومِ من أشخاصٍ لايَطلبونَ العِلْمَ ليَتَحَلَّوْا بأَسْنَى فضِيلَةٍ ، أو ليَنْفَعُوا الناسَ بماعَرَفُوا من حِكمةٍ ، وأمثالُ هؤلاءِ لا تَجِدُ الأمانةُ في نفوسِهم مُسْتَقَرًّا ، فلا يَتَحَرَّجُون أن يَرْوُوا ما لم يَسْمَعُوا أو يَصِفُوا ما لم يَعْلَمُوا ، وهذا ما كان يَدْعُو جهابذةَ أهلِ العلْمِ إلى نَقْدِ الرجالِ ، وتَمييزِ مَن يُسْرِفُ في القوْلِ مِمَّنْ يَصوغُه على قَدْرِ ما يَعْلَمُ ، حتى أَصْبَحَ طُلَّابُ العِلْمِ على بَصيرةٍ من قِيمةِ ما يَقرؤونَه ، فلا تَخْفى عليهم مَنْزِلَتُه ، من القطْعِ بصِدقِه أو كَذِبِه ، أو رُجحانِ أحدِهما على الآخَرِ ، أو احتمالِهما على سواءٍ ) اهـ . الشيخ: الصفة الثانية والثلاثون من صفات طالب العلم : الأمانة العلمية ، بحيث لا يكون كاذباً بنسبة شيء إلى نفسه وهو من كلام غيره ، ولا يكون كذلك خائناً فيما يتعلق بعلمه ، فلا يُعطي ولا يتكلم إلا بما يظنه هو الصواب والصحيح ، فالأمانة العلمية في النقل ، والأمانة العلمية في الحديث والتكلم. وقد جاءت النصوص بالترغيب في الأمانة وفي حفظها ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، وحذرت الشريعة من الخيانة ، فمن خصال المنافق أنه إذا عاهد غدر ، وإذا اؤتمن خان. ونهت الشريعة عن الخيانة ، في الحديث : أنّ أهل الخيانة ينصب لهم ألوية يوم القيامة على أستائهم يقولون : هذه غدرة فلان بن فلان.1 إذا تقرر هذا ، فإنّ الأمانه تكون في الطلب وتكون في وقت التحمل والحفظ ، وتكون وقت العمل ، وتكون أثناء الدعوة والبلاغ. قال المؤلف : (من تحدث في العلم بغير أمانه ، فقد مسّ العلم بقرحة) القرحة مرض باطني يكون في المعدة ، يصيبها فيجعلها لا تتمكن من هضم الطعام ، فمن تحدث في العلم بغير أمانة ، فإنه سيشوّش على الناس ، (ووضع في سبيل فلاح الأمة حجر عثرة). ثم قال المؤلف هناك طوائف يتعلمون العلم لأهداف غير مقبولة ، هم لا يتعلمون العلم ليتحلّوا بالفضائل ويتخلقوا بها ، وهم لا يتعلمون العلم لنفع الناس وتعليمهم ، فحينئذ لم توجد أمانة علمية. بعض الناس يحاول أن يمدح نفسه في نسبة أفعال جميلة للآخرين إليه ، وفي الحديث :" المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" 2 وهذا هو الذي جعل بعض الأئمة يتكلم في بعض الرواة قدحاً ، فكلما وجدوا شخصاً ألَّف أو روى تكلموا فيه ، ببيان مواطن خطأه ، ومواطن تعثره ، ليصبح الطلاب على بصيرة من قيمة هذه المقروءات والمسموعات. والأولى عدم ذكر الشخص باسمه ليكون ذلك أدعى لنهي التعصب ، ولعله يهدي الله عز وجل ذلك الشخص ، نعم. آفاق التيسير - " إذا جمعَ اللهُ الأولينَ والآخرينِ يومَ القيامةِ ، يُرفعُ لكل غادرٍ لواءٌ ، فقيل : هذه غدرةُ فلانِ بن فلانٍ" الراوي : عبدالله بن عمر المحدث : مسلم- المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 1735 خلاصة حكم المحدث : صحيح الدرر السنية 2 "جاءت امرأةٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالت : إنَّ لي ضَرَّةً . فهل عليَّ جناحٌ أن أتشبَّعَ من مالِ زوجي بما لم يُعطني ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ " المتشبِّعُ بما لم يُعْطَ ، كلابسِ ثوبيْ زورٍ" . الراوي : أسماء بنت أبي بكر المحدث : مسلم-المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2130 خلاصة حكم المحدث : صحيح الدرر السنية |
#42
|
||||
|
||||
33- الصِّدْقُ : *صِدْقُ اللهجةِ : عُنوانُ الوَقارِ وشَرَفُ النفْسِ ، ونقاءُ السَّريرةِ وسُمُوُّ الْهِمَّةِ ورُجحانُ العَقْلِ ، ورسولُ الْمَوَدَّةِ من الْخَلْقِ ، وسعادةُ الجماعةِ وصِيانةُ الديانةِ ، ولهذا كان فَرْضُ عينٍ ، فيا خَيْبَةَ مَن فَرَّطَ فيه ، ومَن فَعَلَ فقد مَسَّ نفسَه وعِلْمَهُ بأَذًى*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله الصدق هنا قريب من مسألة الأمانة العلمية، لأن الأمانة العلمية تكون بالصدق، والصدق كما قال: عنوان الوقار، وشرف النفس، ونقاء السريرة وإذا كان الكذب ينجي، فإن الصدق أنجى وأنجى. وإن كان الكذب أيضا لا يدوم، لأنه سرعان ما يتبين الكذب ويفتضح الكاذب. لكن الصدق عاقبته حميدة. فعليك بالصدق، ولو كنت تتخيل أنه يضرك فاصبر، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. - إنَّ الصِّدقَ يَهدي إلى البِرِّ ، وإنَّ البِرَّ يَهدي إلى الجنَّةِ ، وإنَّ الرَّجُلَ ليَصدُقُ حتَّى يَكونَ صدِّيقًا ، وإنَّ الكذِبَ يَهدي إلى الفُجورِ ، وإنَّ الفجورَ يَهدي إلى النَّارِ ، وإنَّ الرَّجُلَ ليَكذِبُ ، حتَّى يُكتَبَ عندَ اللَّهِ كذَّابًا . الراوي : عبدالله بن مسعود المحدث : البخاري-المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6094 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]الدرر السنية وإني لأذكر رجلا من عامة الناس شهر بالصدق، فكان الناس يتناقلون أخباره في المجالس على التلذذ بها أكثر مما يذكرون أخبار العلماء الذين في وقته لأن الصدق يرفع الله به من اتصف به، لا سيما في مسائل العلم. فلا تقل إن الله حرم هذا وهو لم يحرمه، ولا أوجب هذا وهو لم يوجبه، ولا قال فلان كذا وهو لم يقله. بل تجنب هذا كله. وكان الإمام أحمد – رحمه الله – وغيره من الأئمة لا يصرحون بالتحريم إلا ما جاءت النصوص به، وإلا فإنك تجد الإمام أحمد يقول: أكره كذا، لا يعجبني ، لا تفعل . وما أشبه ذلك. وقول الشيخ بكر – وفقه الله- «ولهذا كان فرض عين»، يعني الصدق فرض عين، لا فرض كفاية، فلا يقول: أنا أكذب، والثاني يصدق.. لا ... لا يجوز أن تكذب. استثنى بعض العلماء ما جاء عن طريق التورية، ولكن لا حاجة للاستثناء، لأن التورية صدق باعتبار ما في نفس القائل، كمثل قول إبراهيم عليه السلام للملك الجبار هذه أختي. وهذا ليس بالكذب، وإن كان إبراهيم اعتذر عن الشفاعة بأنه كذب ثلاث كذبات، لكنه كذب من وجه وهو التلبيس على الظالم المعتدي، ولكنه صدق باعتبار ما في نفس القائل. استثنى بعض العلماء أيضا ما جاء في الحديث أنه لا يجوز الكذب إلا في ثلاث: في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث المرأة لزوجها وحديث الرجل لزوجته. ولكن بعض العلماء يقول: إن هذا محمول على التورية، وليس على الحقيقة، فالحرب خدعة، بأن تري عدوك أنك تريد جهة ما، وأنت تريد الجهة الأخرى، أو تري عدوك أن عندك جنود كثيرة بحيث أن تجعل الجيش يتراسم، كما فعل القعقاع بن عمرو في أحدى غزواته، قسم الجيش وهم عدد قليل، لكن العدو يظنه عددا كثيرا. كذلك الإصلاح بين الناس ... لا تكذب، ولكن تأل. إذا قال لك فلان: يقول في كذا وكذا. تقول: لا لم يقل فيك شيئا. كذلك حديث المرأة زوجها وحديث الرجل زوجته، يعني: على سبيل التورية لا التصريح وهذا القول ليس ببعيد، لأن الكذب كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم يهدي إلى الفجور، لا يهدي إلى الخير. ثم إن الإنسان إذا اعتاد هذا- لاسيما مع الزوجة وصار كلما حدثها بحديث وبحثت عنه وجدته كذبا لم تثق فيه بعد ذلك، وربما يكون سببا لفقدها إياه وللفراق التام. وعند العامة يستثني كذبا أكثر من ذلك يقولون: الكذب الحرام ما كان فيه أكل للمال بالباطل، وأما ما سواه فهو كذب أبيض ويقسمون الكذب إلى قسمين: كذب أبيض وكذب أسود. والأبيض حلال، والأسود حرام. والأسود ما فيه أكل المال بالباطل، والأبيض ما ليس كذلك، ولكن هذا هو دين العامة وليس شريعة محمد صلى الله عليه وسلم *قالَ الأوزاعيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( تَعَلَّمِ الصدْقَ قبلَ أن تَتَعَلَّمَ العِلْمَ ) . وقالَ وَكيعٌ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( هذه الصَّنْعَةُ لا يَرتفِعُ فيها إلا صادقٌ ) . فتَعَلَّمْ – رَحِمَكَ اللهُ – الصدْقَ قبلَ أن تَتَعَلَّمَ العلْمَ ، والصدْقُ : إلقاءُ الكلامِ على وَجْهٍ مُطابِقٍ للواقِعِ والاعتقادِ ، فالصدْقُ من طريقٍ واحدٍ ، أمَّا نقيضُه الكَذِبُ فضُروبٌ وألوانٌ ومَسالِكُ وأَوديةٌ ، يَجْمَعُها ثلاثةٌ : كَذِبُ الْمُتَمَلِّقِ : وهو ما يُخالِفُ الواقِعَ والاعتقادَ ، كمن يَتَمَلَّقُ لِمَنْ يَعْرِفُه فاسقًا أو مُبْتَدِعًا فيَصِفُه بالاستقامةِ . وكَذِبُ المنافِقِ : وهو ما يُخالِفُ الاعتقادَ ويطابِقُ الواقعَ كالمنافِقِ يَنْطِقُ بما يقولُه أهلُ السُّنَّةِ والهدايةِ . وكَذِبُ الغَبِيِّ : بما يُخالِفُ الواقِعَ ويُطابِقُ الاعتقادَ ، كمَن يَعتقِدُ صلاحَ صُوفِيٍّ مبتدِعٍ فيَصِفُه بالوَلايةِ . الشرح: الصدق لا شك أنه سبيل واحد، والكذب سبل، وهكذا الهداية والضلالة. الهداية سبيلها واحد، والضلالة سبل متفرقة. قال الله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) (سورة الأنعام:153). وأما قوله: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)(سورة المائدة:16). فقد جمعها باعتبار تنوع الشرائع... صلاة، زكاة، صيام، حج، بر، صلة، صدقة- وما أشبه ذلك فجمعها باعتبار وتوحيدها باعتبار آخر. أما الكذب فضروب وألوان متعددة، ويتعدد بتعدد أغراضه فهو يجمعها ثلاثة. يقول: 1- «كذب المتملق: وهو ما يخالف الواقع والاعتقاد، كمن يتملق لمن يعرفه فاسقا أو مبتدعا فيصفه بالاستقامة». تعرف أن هذا الرجل فاسق ثم تأتي إليه وتقول: ما شاء الله أنت رجل مستقيم، مستقيم الأخلاق، مستقيم الدين، مستقيم المنهج. وأنت تعرف أنه أفسق عباد الله. هذا ماذا يقال له؟ يقال له متملق وهذا أكثر ما يكون عند الملوك والأمراء، تجد الرجل يتملق إلى الأمير أو الملك ويقول: أنت فيك كذا وأنت فيك كذا، وهذا من النفاق العلمي: إذا حدث كذب والعياذ بالله. 2- «كذب المنافق: وهو ما يخالف الاعتقاد ويطابق الواقع» ومنه قوله تعالي (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله). وكونه رسول الله مطابق للواقع. ما الدليل؟ قوله: (والله يعلم إنك لرسوله) . لكن شهادتهم هذه مخالفة لاعتقادهم، لأن الله قال: (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) (سورة المنافقون:1). أي في قولهم نشهد إنك لرسول الله لا في قولهم إنه لرسول الله. هذا يخالف الاعتقاد ويطابق الواقع. وهذا باعتبار قول المنافق في غيره، أما باعتبار قوله في نفسه مثلا أنه صالح، فهو يخالف الاعتقاد، ويخالف الواقع إلا ظاهرا. 3- «كذب الغبي: بما يخالف الواقع ويطابق الاعتقاد». وهو أن يقول الشيء ما ليس فيه لغباءه، فيقول مثلا عن أهل الكلام أنهم هم العقلاء، وأنهم أهل العلم والحكمة، أما أهل السنة فهم أغبياء يفوضون النصوص ولا يعرفون لها معنى. نقول: هذا غبي، ولهذا عبر شيخ الإسلام- رحمه الله- في كتابه الفتوى الحموية، عبر بهذا الوصف فقال:«قال بعض الأغبياء: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم». وكذلك من يشاهد الصوفية وتصنعهم وعباداتهم، فيقول: إنهم أهل الصلاح وأهل الولاية. نقول: أنت غبي لا تعرف حقيقتهم فلا تحكم عليهم بالصلاح حتى تعرف الحقيقة، وإلا كنت غبيا. فهذا كاذب، فهل يعذر بكذبه؟ نقول: إذا أفرط في البحث فلا بعذر وإن كان هذا منتهي علمه، فإنه يعذر لأنه جاهل. أما الأول فهو متملق، والثاني فهو منافق فلا عذر لهم في ذلك. *فالْزَم الْجَادَّةَ ( الصدْقَ ) ، فلا تَضْغَطْ على عَكَدِ اللسانِ ، ولا تَضُمَّ شَفَتَيْكَ ، ولا تَفتَحْ فاكَ ناطقًا إلا على حُروفٍ تُعَبِّرُ عن إحساسِك الصادِقِ في الباطِنِ ؛ كالحُبِّ والبُغْضِ ، أو إحساسِك في الظاهِرِ ؛ كالذي تُدْرِكُه الحواسُّ الخمْسُ : السمْعُ، البَصَرُ ، الشمُّ ، الذَّوْقُ ، اللمْسُ .فالصادقُ لا يقولُ : ( أَحْبَبْتُكَ ) وهو مُبْغِضٌ ، ولا يقولُ : ( سَمِعْتُ ) وهو لم يَسْمَعْ ، وهكذا . واحْذَرْ أن تَحومَ حولَك الظنونُ ، فتَخونَك العزيمةُ في صِدْقِ اللهجةِ ، فتُسَجَّلَ في قائمةِ الكذابينَ .وطريقُ الضَّمانةِ لهذا – إذا نَازَعَتْكَ نفسُك بكلامٍ غيرِ صادقٍ فيه - : أن تَقْهَرَهَا بذِكْرِ مَنزِلَةِ الصدْقِ وشَرَفِه ورَذيلةِ الكَذِبِ ودَرَكِه ، وأنَّ الكَاذِبَ عن قريبٍ يَنْكَشِفُ . واستَعِنْ باللهِ ولا تَعْجِزَنَّ .ولا تَفْتَحْ لنفسِك سابلةَ الْمَعارِيضِ في غيرِ ما حَصَرَه الشرْعُ . فيا طالبَ العلْمِ ! احْذَرْ أن تَمْرُقَ من الصدْقِ إلى الْمَعارِيضِ فالْكَذِبِ ، وأَسوأُ مَرَامِي هذا الْمُروقِ ( الكَذِبُ في العلمِ ) ؛ لداءِ مُنافَسَةِ الأقرانِ وطَيَرانِ السُّمعةِ في الآفاقِ . هنا إضافة مهمة جدا، هو أن بعض الناس يتسرع في الرقي إلى العلو بما يلفقه ويوهم الناس به من أنه عنده علم واسع، وأنه عبقري، وأنه في كل فن له يد وما أشبه ذلك. وهذا لا شك أنه غلط عظيم، فهو مع جمعه الكذب، فيه خيانة الناس وإيهامهم بخلاف الواقع. وفيه أيضا التغرير بالنفس، أن الإنسان يزهو بنفسه حتى يحجمها ويكبرها وهي دون ذلك، وكم من إنسان هلك بمثل هذا سواء في طريق العلم أو في طريق العبادة، ولكن سرعان ما ينكشف، سرعان ما يرد عليه شيء يعجز عنه وحينئذ إما أن يقول ما هو معلوم كذبه فينكشف، وإما أن يتذبذب ويفتضح أمره. ولهذا كان مما قاله عبد الله بن مسعود:«إن من العلم أن تقول لما لا تعلم لا أعلم». وذكر بعضهم أن قول القائل:«لا أعلم» هي نصف العلم، ولكن في الواقع: العلم كله، والإنسان إذا عرف بالتحري وأنه يقول بما لا يعلم«لا أعلم» وثق الناس بقوله، أما إذا كان يجيب على كل ما يسأل حتى لو كان لا يعرف شيئا فيما سئل فيه، فإنه سوف ينكشف أمره وسوف لا يثق الناس بقوله حتى ولو كان حقا. ولكن ما الذي يحمل الإنسان على أن يقول مثل هذا؟ يحمله طلب العلو، أن يكون فائقا على الأقران، أو طلب الصيت والشهرة بحيث يقال العلامة، الفهامة، البحر الزاخر وما أشبه ذلك. وهذه لا شك أنها من مكائد الشيطان، فالواجب عليك أن تعرف قدر نفسك وأن لا تنزلها فوق منزلتها، ثم إن القول في مسائل الدين أخطر ما يكون لأنه قول على الله بلا علم، وقد قال الله عز وجل (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) (سورة الأعراف: 33). بعض الناس إذا عثر على خطأه قال: سبحان الله، سبحان الذي لا ينسى نعم.... لكن أنت لم تنس، بل أنت جاهل من أصله. ومَن تَطَلَّعَ إلى سُمْعَةٍ فوقَ مَنْزِلَتِه ؛ فلْيَعْلَمْ أنَّ في الْمِرصادِ رِجالًا يَحْمِلون بصائرَ نافذةً ، وأقلامًا ناقدةً ، فيَزِنُونَ السُّمعةَ بالأَثَرِ ، فتَتِمُّ تَعريتُك عن ثلاثةِ معانٍ : فَقْدُ الثقةِ من القلوبِ . ذَهابُ عِلْمِكَ وانحسارُ القَبولِ . أن لا تُصَدَّقَ ولو صَدَقْتَ . وبالجملةِ ؛ فمَن يَحترِفْ زُخرُفَ القولِ ؛ فهو أَخُو الساحرِ ، ولا يُفْلِحُ الساحرُ حيث أَتَى، واللهُ أَعْلَمُ . هذا صحيح.. الإنسان إذا تطلع إلى السمعة فقط ونزل فوق منزلته فسرعان ما ينكشف،ثم إن النية في طلب العلم يجب فيها الإخلاص لله عز وجل، ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم :«أن من طلب علما وهو مما يبتغي به وجه الله لا يريد إلا أن ينال عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة. وأن من طلب العلم ليماري به السفهاء أو ليجاري به العلماء فليتبوء مقعده من النار» . فالمسألة خطيرة، ولا سيما العلوم الشرعية. وذكر ثلاث مضار. أولا- فقد الثقة في القلوب، متى تفقد؟ إذا تبين أنه قال عن جهل؛ ما يثقون به وينصرفون إلى غيره. ثانيا- ذهاب علمك وانحسار القبول: لأنه إذا فقدت الثقة لم يقبله الناس فإذا كان يقبله مثلا (10)، فإنهم إذا فقدوا الثقة انحسروا إلى (5) أو إلى (4). ثالثا- أن لا تصدق ولو صدقت: حتى لو حدثتهم بحديث يعرفونه. قالوا: هذا رمية من غير رام. فالحاصل أن الإنسان يجب أن يعرف مقدار نفسه وأن يحترم العلم، وأن لا يجعله به وسيلة للرقي الخادع. آفاق التيسير *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري القارئ : قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا : 33- الصِّدْقُ : صِدْقُ اللهجةِ : عُنوانُ الوَقارِ وشَرَفُ النفْسِ ، ونقاءُ السَّريرةِ وسُمُوُّ الْهِمَّةِ ورُجحانُ العَقْلِ ، ورسولُ الْمَوَدَّةِ من الْخَلْقِ ، وسعادةُ الجماعةِ وصِيانةُ الديانةِ ، ولهذا كان فَرْضُ عينٍ ، فياخَيْبَةَ مَن فَرَّطَ فيه ، ومَن فَعَلَ فقد مَسَّ نفسَه وعِلْمَهُ بأَذًى . قالَ الأوزاعيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( تَعَلَّمِ الصدْقَ قبلَ أن تَتَعَلَّمَ العِلْمَ) . وقالَ وَكيعٌ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( هذه الصَّنْعَةُ لا يَرتفِعُ فيها إلاصادقٌ) . فتَعَلَّمْ – رَحِمَكَ اللهُ – الصدْقَ قبلَ أن تَتَعَلَّمَ العلْمَ ، والصدْقُ : إلقاءُ الكلامِ على وَجْهٍ مُطابِقٍ للواقِعِ والاعتقادِ ، فالصدْقُ من طريقٍ واحدٍ ، أمَّا نقيضُه الكَذِبُ فضُروبٌ وألوانٌ ومَسالِكُ وأَوديةٌ ، يَجْمَعُها ثلاثةٌ : كَذِبُ الْمُتَمَلِّقِ : وهو ما يُخالِفُ الواقِعَ والاعتقادَ ، كمن يَتَمَلَّقُ لِمَنْ يَعْرِفُه فاسقًا أو مُبْتَدِعًا فيَصِفُه بالاستقامةِ . وكَذِبُ المنافِقِ : وهو ما يُخالِفُ الاعتقادَ ويطابِقُ الواقعَ كالمنافِقِ يَنْطِقُ بما يقولُه أهلُ السُّنَّةِ والهدايةِ . وكَذِبُ الغَبِيِّ : بما يُخالِفُ الواقِعَ ويُطابِقُ الاعتقادَ ، كمَن يَعتقِدُ صلاحَ صُوفِيٍّ مبتدِعٍ فيَصِفُه بالوَلايةِ . فالْزَم الْجَادَّةَ ( الصدْقَ ) ، فلا تَضْغَطْ على عَكَدِ اللسانِ ، ولا تَضُمَّ شَفَتَيْكَ ، ولا تَفتَحْ فاكَ ناطقًا إلا على حُروفٍ تُعَبِّرُ عن إحساسِك الصادِقِ في الباطِنِ ؛ كالحُبِّ والبُغْضِ ، أو إحساسِك في الظاهِرِ ؛ كالذي تُدْرِكُه الحواسُّ الخمْسُ : السمْعُ، البَصَرُ ، الشمُّ ، الذَّوْقُ ، اللمْسُ .فالصادقُ لا يقولُ : ( أَحْبَبْتُكَ ) وهو مُبْغِضٌ ، ولا يقولُ : ( سَمِعْتُ ) وهو لم يَسْمَعْ ، وهكذا . واحْذَرْ أن تَحومَ حولَك الظنونُ ، فتَخونَك العزيمةُ في صِدْقِ اللهجةِ ، فتُسَجَّلَ في قائمةِ الكذابينَ .وطريقُ الضَّمانةِ لهذا – إذا نَازَعَتْكَ نفسُك بكلامٍ غيرِ صادقٍ فيه - : أن تَقْهَرَهَا بذِكْرِ مَنزِلَةِ الصدْقِ وشَرَفِه ورَذيلةِ الكَذِبِ ودَرَكِه ، وأنَّ الكَاذِبَ عن قريبٍ يَنْكَشِفُ . واستَعِنْ باللهِ ولا تَعْجِزَنَّ .ولاتَفْتَحْ لنفسِك سابلةَ الْمَعارِيضِ في غيرِ ما حَصَرَه الشرْعُ . فيا طالبَ العلْمِ ! احْذَرْ أن تَمْرُقَ من الصدْقِ إلى الْمَعارِيضِ فالْكَذِبِ ، وأَسوأُ مَرَامِي هذا الْمُروقِ ( الكَذِبُ في العلمِ ) ؛ لداءِ مُنافَسَةِ الأقرانِ وطَيَرانِ السُّمعةِ في الآفاقِ . ومَن تَطَلَّعَ إلى سُمْعَةٍ فوقَ مَنْزِلَتِه ؛ فلْيَعْلَمْ أنَّ في الْمِرصادِ رِجالًا يَحْمِلون بصائرَ نافذةً ، وأقلامًا ناقدةً ، فيَزِنُونَ السُّمعةَ بالأَثَرِ ، فتَتِمُّ تَعريتُك عن ثلاثةِ معانٍ : فَقْدُ الثقةِ من القلوبِ . ذَهابُ عِلْمِكَ وانحسارُ القَبولِ . أن لا تُصَدَّقَ ولوصَدَقْتَ . وبالجملةِ ؛ فمَن يَحترِفْ زُخرُفَ القولِ ؛ فهو أَخُو الساحرِ ، ولا يُفْلِحُ الساحرُ حيث أَتَى ، واللهُ أَعْلَمُ . الشيخ : هذا هو الأدب الثالث والثلاثون من آداب طالب العلم : الصدق ، قد قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :" عليكم بالصدق ، فإنّ الصدق يهدي إلى البر ، وإنّ البر يهدي إلى الجنة ، وإياكم والكذب ، فإنّ الكذب يهدي إلى الفجور ، وإنّ الفجور يهدي إلى النار". ويقول صلى الله عليه وسلم :" الصدق طمأنينة ، والكذب ريبة" والصدق له صلة بالأمانة ، فإنّ غير الأمين غير صادق ، ونضرب لهذا مثلاً : من قال أنّ الفقيه الفلاني يقول : بكذا وهو لم يتأكد أو يعرف خلافه ، فحينئذ ليس بصادق ولا بأمين. وصدق اللهجة ينتج عن أمور : أولها : رضا رب العزة والجلال وتحصيل التقوى. وثانيها : أنّ الصدق سبب لتوقير الخلق بالإنسان وقبولهم ما جاء به. وثالثها : أنّ الصدق يحصل به الشرف وطمأنينة النفس ، ونقاء السريرة ، وسمو الهمة. الصدق يحصل به رجحان العقل ، ويحصل به محبة الخلق ويحصل به (صيانة الديانة) ، (قال الأوزاعي :" تعلم الصدق قبل العلم"). (قال وكيع :" هذه الصنعة لا يرتفع بها إلا الصادق") يعني لا يحُصِّل فيها العلم إلا صادق. ومن هنا يقّدم تعويد النفس على الصدق على طلب العلم ، والصدق يكون بأمرين : موافقة الواقع ، وموافقة الاعتقاد. أنا أظن أنّ زيد ليس وراء الجدار ، وقلت : زيد وراء الجدار ، فصار حقيقةً زيد وراء الجدار ، حينئذ هذا يخالف الاعتقاد لكنه لا يخالف الواقع. مثال هذا : رأى أخته حاملاً ، قال في بطنها ولد ذكر ، ولدت وأصبح ولداً ذكراً ، نقول هنا : هذا كلام كاذب وهو وإن وافق الواقع لكنه يخالف الاعتقاد وبالتالي يكون كلاماً كذباً. ومن هنا قسم المؤلف الناس ثلاثة أقسام : كذب المتملق : وهو الذي يعتقد أنّ كلامه باطل ، ويكون كلامه مخالفاً للواقع. أبو محمد قابله شخص بينه وبينه عداوة ، فقال له : إني أحبك. وهو لا يحبه ولا شيء ، ويعاديه ، حينئذ ؛ هل هو موافق للواقع ، هل هو موافق للاعتقاد ، مخالف للواقع ومخالف للاعتقاد ، هذا إذاً متملق ، هذا إيش يصير؟ متملق. الثاني كذب المنافق : المنافق يقول : أنا أحب المؤمنين ، وأحب أهل التقوى وهو يكذب ، يقول : الدعاةُ صادقون ، لكن في نفسه يقول : ما لهم فائدة في المجتمع ، فهو يقول الدعاة صادقون نافعون للأمة بلسانه ، لكن في قلبه يقول : ضيّقوا على الناس ، حينئذ نقول : هذا منافق ، لأنه تكلم بكلام يوافق الواقع لكنه يخالف اعتقاده. النوع الثالث كذب الغبي : بما يخالف الواقع ، قال : يظن أنّ محمد خلف الجدار فقال : محمد خلف الجدار ، لكنه لم يكن خلف الجدار. كذلك من اعتقد أنّ الصوفي صالح ، وهو مبتدع ، ووصفه بالولاية ، هذا يخالف الواقع ، لأنّ شرط الولاية الإيمان والتقوى ، كما في قوله سبحانه :" أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" إذا جاءك صوفي يقول : تُطرح التكاليف ، فحينئذ نقول : هذا ، هل هو مخالف للواقع؟ نعم ، مخالف للواقع ، لكنه يطابق اعتقاده ، فيكون هذا من كذب الغبي. قال : (فلا تضغط على عكد اللسان) جزء من الزائد من اللسان ، يعني بالكذب. (ولا تضم شفتيك ولا تفتح فاك –يعني الفم- ناطقا) ولاتتكلم إلا بالصدق. (بحروف تعبر عن إحساسك الصادق في الباطن ، كالحب والبغض ، وإحساسك في الظاهر ، سواء أدركته بالحواس الخمس) أو أدركته بواسطة الاستدلال. قال : ( فالصادق لايقول "أحببتك" وهو مبغضك) هذا من أي أنواع الكذبة ، المتملق ، مخالف الواقع والاعتقاد. (ولا يقول "سمعت" وهو لم يسمع ، واحذر أن تحوم حولك الظنون) فيتهموك بالكذب ، وحينئذ لا يقبل منك ، وبالتالي تصبح من الكذبة. قد يقول قائل : كيف أدرّب نفسي على الصدق وترك الكذب؟ هذا بأمور : أولاً : استحضار أنّ الله أمرك بذلك. ثانياً : بمعرفة رذيلة الكذب وفائدة الصدق. وثالثاً : بالنظر في أحوال الصدقة والكذبة ، أهل الصدق نصرهم الله وأيّدهم ، وأهل الكذب خذلهم الله. قال المؤلف عن المعاريض ؛ المعاريض : أن تتكلم بكلام له معنيان ، أحدهما صدق وواقع وتريد غيرك يطلع عليه ، والثاني خفي قد تُكَذّب فيه. جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم :" إنّ في المعاريض لمندوحةً عن الكذب" ، نمثل للمعاريض : هذا أخوك؟ لـمّا سألته : هذا أخوك ، وهو ليس ابن أبيه ولا أمه ، قال : نعم ، وأراد أخوة الإسلام ، ظاهر مني لـمّا سألت : هل هذا أخوك أريد الأخوة من النسب ، فلما قال : نعم ، حينئذ أوهمني بأن المراد الأخوة النسبية ، وكان مراده الأخوة الإيمانية. هكذا أيضاً ، ما حكم المعاريض ، المعاريض على أربعة أنواع : النوع الأول : إذا كان يتوصل بها إلى إبطال الحقوق وأكل أموال الناس فهي حرام. قال : أشهد بالله أنّ ماله عند زيد شيء ، ظاهر هذه العبارة أنّ ما نافية ، أليس كذلك ؛ تنفي وجود الحق ، لكن لما عدنا إليه وسألناه ، قال: أنا أقصد ما الموصولة ، ما له يعني : الذي له على زيد شيء ، هذا إيش؟ من المعاريض ، وتوصّلنا به إلى إبطال الحق ، فيكون محرماً. كذلك المعاريض في الأيمان ماتجوز ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" يمينك على مايصدقك به صاحبك" المعاريض التي يتوصل بها إلى إحقاق حق أو إصلاح بين اثنين ، أو إبطال خصومه ، هذه مشروعة. ويؤجر إن شاء الله الإنسان عليها. بعض الناس يكذب في المسائل العلمية ليهزّ الناس ، ويكون له مكانة ومنزلة ، قال : أنا وجدت في الكتاب الفلاني ، وما قرأ ولا اطّلع عليه ، هذا كذب ، لا يبارك له في كلامه. قال المؤلف : ( فمن تطلع إلى سمعة فوق منزلته) فإنّ الله سيعاقبه ، وما طار طيرٌ وارتفع إلا كما طار وقع. والكذب يورث عدم الثقة في الكاذب ، إذا كذب أول مرة احتمال أن يكذب عليك مرة ثانية ، وذهاب بركة علمه ، بل قد يؤدي إلى زوال علمه بالكلية ، والثالث : عدم قبول الناس وعدم تصديق الناس لكلامه. الساحر يُظهر للناس أمور مخالفة للحق وللواقع ، فحينئذ كان فيه شبه من الكاذب ، ولذلك قارن المؤلف بينهما ، نعم. آفاق التيسير |
#43
|
||||
|
||||
34-جُنَّةُ طالِبِ العلْمِ : جُنَّةُ العالِمِ ( لا أَدْرِي ) ويَهْتِكُ حِجابَه الاستنكافُ منها ، وقولُه: يُقالُ ..... وعليه ؛ فإن كان نِصْفُ العلْمِ ( لا أَدْرِي ) ؛ فنِصْفُ الجهْلِ ( يُقالُ ) و( أَظُنُّ )*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله الشيخ: نعم صحيح. هذا تتميم لما قبله، أن الإنسان يجب عليه إذا لم يعلم أن يقول: لا أعلم ولا يضره هذا، بل يزيده ثقة بقوله. وأما قوله :«نصف الجهل أظن أو يقال » هذا صحيح. بعض العوام تسأله هل هذا حرام أم حلال ؟ يقول أظنه حرام. هذا عامي، يقول أظنه حرام. أو يقولون: إنه حرام، بدل يقال ، هذا أيضا نصف الجهل في الواقع، ولكن هل أثق بقول العامي أظن كذا؟! لا يجوز، ولهذا كم من أناس أفتاهم العوام بفتاوي خاطئة ولا سيما في أيام الحج. سبحان الله العظيم أيام الحج يكثر العلماء تجد كل عمود خيمة تحته عالمان كل واحد منهما يفتي ، حتى إنه قيل لي: إن أحد الناس قال: إن الذي يطوف في السطح أو في الدور الثاني يكفيه عن سبعة أشواط ثلاثة أشواط ونصف . لماذا؟ لاتساع الدائرة ، وكأنه قاس الأشواط بالخطوات، وعلى قياس قوله أن الذي يطوف في أطراف الصحن يكفيه كم؟ خمسة ، لأنه ليس كالذي عند الكعبة ن لأن عند الكعبة أقل، إلا أن يقال: مشقة هذا الذي عند الكعبة، تقابل كثرة خطوات هذا فيمتنع القياس ، على كل حال أنا أقول: إنه لا يجوز الاعتماد على فتوى العامي أبداً، لا تستفتي إلا إنسانا تثق في علمه وأمانته. آفاق التيسير *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري القارئ : قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا : 34- جُنَّةُ طالِبِ العلْمِ : جُنَّةُ العالِمِ ( لا أَدْرِي ) ويَهْتِكُ حِجابَه الاستنكافُ منها ، وقولُه : يُقالُ ..... وعليه ؛ فإن كان نِصْفُ العلْمِ ( لا أَدْرِي ) ؛ فنِصْفُ الجهْلِ ( يُقالُ ) و( أَظُنُّ ) . الشيخ : جُنة طالب العلم ، هذا هو الأدب الرابع والثلاثون ، والجُنّة : الوقاية. إذا كان على بدنك حديد يحميك في المعارك يسمونها واقية الرصاص ، هذا الجُنّة مثل واقية الرصاص. ما هي التي تقي طالب العلم من الشرور ، كلمة (لا أدري) ، فإذا سئل عن مسألة وهو لا يعرفها قال : (لا أدري) كان الأئمة يحرصون على هذا ، قال قائلهم : من أخطأ (لا أدري) أصيبت مقاتله ، كأنه أصيب في المحل الذي يموت منه غالباً. سئل الإمام مالك : عن ست وثلاثين مسألة ، فقال في ثنتين وثلاثين منها : لا أدري ، وأجاب في أربع. قيل للإمام مالك في مسألة ، فقال : لا أدري ، قال : أتيت إليك من مصر ، وقد سأل أهلها عن هذه المسألة ، قال : أخبر من وراءك أنّ مالكاً لا يدري ، هل أنقص من درجة الإمام مالك ، هل قلل من قيمته وإمامته ، لا والله ، بل زاده إمامة و رفعة . ومن هنا لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عن وقت الساعة قال :" ما المسئول .." يعني لا أعلم. - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سلوني فهابوه أن يسألوه . فجاء رجل فجلس عند ركبتيه . فقال : يا رسول الله ! ما الإسلام ؟ قال " لا تشرك بالله شيئا . وتقيم الصلاة . وتؤتى الزكاة . وتصوم رمضان " قال : صدقت . قال : يا رسول الله ! ما الإيمان ؟ قال " أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتابه ، ولقائه ، ورسله ، وتؤمن بالبعث ، وتؤمن بالقدر كله " قال : صدقت . قال : يا رسول الله ! ما لإحسان ؟ قال " أن تخشى الله كأنك تراه . فإنك إن لا تكن تراه فإنه يراك " قال صدقت . قال : يا رسول الله ! متى تقوم الساعة ؟ قال " ما المسئول عنها بأعلم من السائل . وسأحدثك عن أشراطها . إذا رأيت المرأة تلد ربها فذاك من أشراطها . وإذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها . وإذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذاك من أشراطها . في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله . ثم قرأ :" إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }سورة لقمان ، آية 34 ] قال ثم قام الرجل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ردوه على " فالتمس فلم يجدوه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا جبريل أراد أن تعلموا . إذا لم تسألوا " الراوي : أبو هريرة المحدث : مسلم المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 10 خلاصة حكم المحدث : صحيحالدرر السنية فإذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسأل المسألة ما يجيب ، ينتظر الوحي ، فإذا كان من كان كذلك يَتوقف في الجواب عن مسائل ، فكيف بنا نحن. ومن هنا ؛ ما يستحي الواحد منا أن يقول : لا أدري ، ومثله الجملة الأخرى التي تماثلها : هذه المسألة تحتاج إلى بحث ولم أبحثها ، تحتاج إلى تقليب نظر. إذا استنكف الإنسان عن هذه الكلمة ، بمعنى أنه تركها تكبراً عليها وظناً أنها من أسباب التنقص ، فحينئذٍ وقع في الجهل ، وخُشي عليه ممن يقول على الله بلا علم ، نعم. آفاق التيسير |
#44
|
||||
|
||||
35- المحافَظَةُ على رأسِ مالِك ( ساعاتِ عُمُرِك) : الوقتَ الوقتَ للتحصيلِ ، فكن حِلْفَ عمَلٍ لا حِلْفَ بَطالةٍ وبَطَرٍ ، وحِلْسَ مَعْمَلٍ لا حِلْسَ تَلَهٍّ وسَمَرٍ ، فالْحِفْظُ على الوَقْتِ ؛ بالجِدِّ والاجتهادِ ومُلازَمَةِ الطلبِّ ، ومُثافَنَةِ الأشياخِ ، والاشتغالِ بالعلْمِ قراءةً وإقراءً ومطالَعَةً وتَدَبُّرًا وحِفْظًا وبَحْثًا ، لا سِيَّمَا في أوقاتِ شرْخِ الشبابِ ، ومُقْتَبَلِ العُمْرِ ، ومَعْدِنِ العافيةِ ، فاغْتَنِمْ هذه الفرصةَ الغاليةَ ، لتنالَ رُتَبَ العلْمِ العاليةَ ؛ فإنها ( وقتُ جَمْعِ القلبِ ، واجتماعِ الفِكْرِ ) ؛ لقِلَّةِ الشواغِلِ والصوارِفِ عن التزاماتِ الحياةِ والتَّرَؤُّسِ ، ولِخِفَّةِ الظَّهْرِ والعِيالِ :ما للمُعيلِ وللعوالِي إنمـايَسْعَى إليهنَّ الفريدُ الفارِدُ *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله الشيخ: ولهذا قال عمر رضي الله عنه :«تفقهوا قبل أن تسودوا» إياك والتذرع بكثرة الأشغال عن تحصيل العلم ، فقد قال عمرـ رضي الله عنه ـ :(تفقهوا قبل أن تسودوا )،[رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به] ؛ وقال ـ أي البخاري ـ : وبعد أن تسودوا فقد تعلم أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كبر سنهم..هنا - قالَ عمرُ: تفقَّهوا قبلَ أن تُسَوَّدوا" الراوي : - المحدث : ابن حجر العسقلاني-المصدر : فتح الباري لابن حجر الصفحة أو الرقم: 1/199 خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح- الدرر السنية وفي لفظ «تسودوا» لأن الإنسان إذا ساد كثرت المشاكل، وكثرت أفكاره وتفرقت وتمزقت عزائمه، فبينما يعزم على شيء إذا بحاجة نزلت به أشد إلحاحا مما عزم عليه... فيتفرق. ولذلك اجتهد ما دمت في زمن الإمهال وانتبح، واعمل، وابحث، واجعل بطون الكتب هي مرئياتك حتى تعتاد على هذا، واعلم أنك إذا اعتدت على هذا- يعني على الجد والاجتهاد- صار طبيعة لك بحيث لو أنك إذا كسلت يوما من الأيام في الرحلة فإنك تستنكر هذا وتجد الفراغ. وليكن بحثك مركزا، بحيث لا تقطف من كل زهرة جزءا، اجعل بحثك مركزا الأهم فالأهم، حتى يكون لك ملكة تستطيع أن تخرج المسائل على القواعد والفروع على الأصول. ما للمعيل وللعوالي إنما = يسعى إليهن الفريد الفارد المعيل: كثير العيال. والعوالي: جمع عالية- يعني المنازل العالية فإذا كثرت العيال وكثرت المشاغل ألهتك لأن الإنسان بشر، والطاقة محدودة، فما دمت متفرغا فلتكن متفردا. ولا تظن أن المؤلف يريد بهذا ألا تطلب العيال والنكاح، بل إن النكاح قد يكون من أسباب الراحة إذا وفق الإنسان فيه ويسرت له امرأة صالحة. *وإيَّاك وتأميرَ التسويفِ على نفسِك ؛ فلا تُسَوِّفْ لنفسِكَ بعدَ الفراغِ من كذا ؛ وبعدَ ( التقاعُدِ ) من العَمَلِ هذا ... وهكذا ، بل البِدارَ قبلَ أن يَصْدُقَ عليك قولُ أبي الطَّحَّانِ القَيْنيِّ : حَنَتْنِي حانياتُ الدهْـرِ حَتَّـى كأني خَاتِـلٌ أَدْنُـو لصَيْـدٍ قصيرُ الْخَطْوِ يَحْسَبُ مَن رآنِيولسْتُ مُقَيَّـدًا أنِّـي بِقَيْـدِ خاتل أدنو لصيد: الرجل يكسر ظهره كأنه راكب يمشي ببطء على الأرض يخشى أن الطير يحس به فيطير. «ولست مقيدا أني بقيد» وهذا صحيح، لأن الله عز وجل قال في كتابه "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ "(سورة الروم:54). والإنسان في حالة شبابه يظن أنه لن يتعب ولن يسأم ولن يمل، لكن إذا كبر فكما قال عن زكريا :قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً "سورة مريم:4. لا بد أن يتعب، لا بد أن يمل، فكون الإنسان ينتهز الفرصة هذا أمر لا بد منه. مع الثمانينَ عاثَ الضعْفُ في جَسَدِي وساءني ضَعْفُ رِجْلِي واضطرابُ يَدِي إذا كَتَبْتُ فخَطِّي خـطُّ مُضْطَـرِبٍ كخـطِّ مُرْتَعِـشِ الكَفَّيْـنِ مُرْتَعِـدِ فاعْجَبْ لضَعْفِ يَدِي عن حَمْلِها قَلَمًامن بعدِ حَمْلِ الْقَنَا في لَبَّـةِ الأسَـدِ فقـلْ لِمَـن يَتَمَنَّـى طُـولَ مُدَّتِـهِ هذي عَواقِبُ طُولِ العُمُرِ والْمُـدَدِ هذه كلها أبيات تدل على الحكمة، أن الإنسان مآله إلى هذا. يقول: «مع الثمانين عاث الضعف في جسدي» أي: انتشر وشاع. لكن المؤمن- والحمد لله- ما دام عقله باقيا وقلبه ثابتا، فإن بلغ هذا المبلغ من العجز البدني، فالقلب حاضر يستطيع أن يشغل وقته بذكر الله عز وجل والتفكير في آياته، لأن هذا لا عجز عن مراده إلا الغفلة، والغفلة شيء مشكل. على كل حال فالمؤلف- وفقه الله- يدعونا إلى انتهاز الفرصة وألا نضيع الأوقات واعلم أنك إذا اعتدت على تضييع الوقت، عجزت بعد ذلك عن الحرص عليه وعن الانتفاع به، لأنك تكون قد اعتدت على الكسل. فإن قال قائل: أليس لنفسك عليك حقا؟1 1- آخى النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بين سلمانَ وأبي الدرداءِ، فزار سلمانُ أبا الدرداءِ، فرأى أمَّ الدرداءِ متبذِّلةً، فقال لها : ما شأنُكِ ؟ قالت : أَخُوكَ أبو الدرداءِ ليس له حاجةٌ في الدنيا، فجاء أبو الدرداءِ، فصنع له طعامًا، فقال : كُلْ فإني صائمٌ، قال : ما أنا بآكِلٍ حتى تأكلَ، فأكل، فلما كان الليلُ ذهب أبو الدرداءِ يقومُ، فقال : نَمْ، فنام، ثم ذهب يقومُ، فقال : نَمْ، فلما كان آخِرُ الليلِ، قال سلمانُ : قُمِ الآنَ، قال : فصَلَّيَا، فقال له سلمانُ : إن لربِّكَ عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأَعْطِ كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه، فأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فذكر ذلك له، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( صَدَق سلمانُ ) . أبو جُحَيْفَةَ وهبٌ السُّوائيُّ، يقال : وَهْبُ الخيرِ . الراوي : وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة المحدث : البخاري المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6139 خلاصة حكم المحدث : [صحيح] الدرر السنية فالجواب: بلى، إن لنفسك عليك حقا، ونحن لا نقول إذا تعبت أو مللت استمر. نقول: لا استرح، حتى إن الإنسان الذي يصلي إذا أتاه النعاس مأمور أن يدع الصلاة وينام. لكن ما دمت نشيطا فاحرص، لأن هناك فرقا بين العجز والكسل. الكسل ضعف في الإرادة، والعجز ضعف في البدن، وضعف البدن لا حيلة فيه. لكن الإرادة هي التي يستطيع الإنسان يعود نفسه على الهمة العالية كي يستغل. آفاق التسير القارئ : قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا : 35- المحافَظَةُ على رأسِ مالِك ( ساعاتِ عُمُرِك) : الوقتَ الوقتَ للتحصيلِ ، فكن حِلْفَ عمَلٍ لا حِلْفَ بَطالةٍ وبَطَرٍ ، وحِلْسَ مَعْمَلٍ لا حِلْسَ تَلَهٍّ وسَمَرٍ ، فالْحِفْظُ على الوَقْتِ ؛ بالجِدِّ والاجتهادِ ومُلازَمَةِ الطلبِّ ، ومُثافَنَةِ الأشياخِ ،والاشتغالِ بالعلْمِ قراءةً وإقراءً ومطالَعَةً وتَدَبُّرًا وحِفْظًا وبَحْثًا ، لاسِيَّمَا في أوقاتِ شرْخِ الشبابِ ، ومُقْتَبَلِ العُمْرِ ، ومَعْدِنِ العافيةِ ، فاغْتَنِمْ هذه الفرصةَ الغاليةَ ، لتنالَ رُتَبَ العلْمِ العاليةَ ؛ فإنها ( وقتُ جَمْعِ القلبِ ، واجتماعِ الفِكْرِ ) ؛ لقِلَّةِ الشواغِلِ والصوارِفِ عن التزاماتِ الحياةِ والتَّرَؤُّسِ ، ولِخِفَّةِ الظَّهْرِ والعِيالِ : مـا للمُعيـلِ وللعوالِـي إنـمـا يَسْعَى إليهنَّ الفريدُ الفارِدُ وإيَّاك وتأميرَ التسويفِ على نفسِك ؛ فلا تُسَوِّفْ لنفسِكَ بعدَ الفراغِ من كذا ؛ وبعدَ ( التقاعُدِ ) من العَمَلِ هذا ... وهكذا ، بل البِدارَ قبلَ أن يَصْدُقَ عليك قولُ أبي الطَّحَّانِ القَيْنيِّ : حَنَـتْـنِـي حـانـيـاتُ الـدهْــرِ حَـتَّــى كـــأنـــي خَـــاتِـــلٌ أَدْنُـــــــو لــصَــيْـــدٍ قصيرُ الْخَطْوِ يَحْسَبُ مَن رآنِي ولـــسْــــتُ مُــقَــيَّـــدًا أنِّـــــــي بِــقَــيْـــدِ وقال أُسامةُ بنُ مُنْقِذٍ : مع الثمانينَ عاثَ الضعْفُ في جَسَدِي وساءني ضَعْفُ رِجْلِي واضطرابُ يَـدِي إذا كَـتَـبْــتُ فـخَــطِّــي خـــــطُّ مُـضْــطَــرِبٍ كــــخــــطِّ مُــرْتَـــعِـــشِ الــكَــفَّــيْــنِ مُـــرْتَـــعِـــدِ فاعْجَبْ لضَعْفِ يَدِي عن حَمْلِها قَلَمًا مــن بـعـدِ حَـمْـلِ الْـقَـنَـا فـــي لَـبَّــةِ الأسَـــدِ فـــقــــلْ لِـــمَــــن يَـتَــمَــنَّــى طُــــــــولَ مُــــدَّتِــــهِ هـــذي عَــواقِــبُ طُــــولِ الـعُـمُــرِ والْــمُــدَدِ فإن أَعْمَلْتَ البِدارَ فهذا شاهدٌ منك على أنك تَحْمِلُ ( كِبَرَ الهمَّةِ في العِلْمِ) . الشيخ : الله جل وعلا خلقنا من أجل غاية وهي عبادته جل وعلا كما في قوله :{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ومن أعلى درجات العبادة ، طلب العلم. ومن هنا فاستعمل حياتك فيما خلقت له ، واستعمل جميع وقتك للهدف والغاية التي خلقت من أجلها ، ثم إنك ستَرِد على رب العزة والجلال ، وسيسألك عن كل أعمالك وجميع أوقاتك ، ماذا علمت بها فحينئذ استعمل هذا الوقت فيما إذا أَخْبرت عنه عند الله كان سباباً لنجاحك وفلاحك. - لاَ تزولُ قدَمُ ابنِ آدمَ يومَ القيامةِ من عندِ ربِّهِ حتَّى يسألَ عن خمسٍ : عن عمرِهِ فيمَ أفناهُ ، وعن شبابِهِ فيما أبلاَهُ ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ ، وماذا عملَ فيما علِمَ الراوي : عبدالله بن مسعود المحدث : الألباني المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 2416 خلاصة حكم المحدث : صحيح الدرر السنية ومن ثَمّ يترك الإنسان تضييع الأوقات فيما لا يفيد ، كان بعض الأئمة يحرص على استعمال وقته فيما يفيد ، ولا يترك منه شيئاً حتى أنّ المجد بن تيمية ، جد شيخ الإسلام كان يُقرأ عليه العلم عند قضائه للحاجة ، لا يريد أن يفوت وقتاً ، وبعضهم كان إذا جاءه الأضياف يحرص أن يشتغل ببري القلم عند أضيافه لئلا يضيع شيء من وقته ، والشواهد في هذا كثيرة ، ومن هنا فاحفظ عمرك. قال : ( كن حلف عمل لا حلف بطالة وبطر) الحلف : وهو العقد الذي يعقده الإنسان ، فاعقد نفسك مع الأعمال ، حتى تنتج وتثمر ، ولا تكون مع البطالة وهي ترك العمل ، والبطر الذي هو تضييع الوقت وجحد هذه النعمة. وحينئذ تكون(حلس معمل) الحلس هو المرابط. لا تكن (حلس ثلة أو تلّهٍ وسمر) فالتلّهي ابتعد عنه ، والسمر الذي لا يفيدك : ابتعد عنه. (فالحفظ على الوقت يكون بالجد والاجتهاد وملازمة الطلب ومثافنة الأشياخ) بملازمتهم حتى تكون قريباً منهم. (والاشتغال بالعلم قراءة) يقرأ لنفسه (وإقراءًا) يقرأ لغيره ، أو يُقرأ عليه. (ومطالعة وتدبراً –فهماً- وحفظاً وبحثاً ، وخصوصاً في أوقات شرخ الشباب) ووقت الشباب أدعى بأن تحفظه. (ومقتبل العمر) وبذلك إذا اغتنمت الوقت حَصَلت على رتب العلم العالية ، فإنّ وقت الشباب هو وقت اجتماع القلب ، ما عندك مشغلات كثيرة تشغل قلبك ، تجعلك تنسى. ( ووقت الشباب هو وقت اجتماع الفكر لقلة الشواغل والصوارف) ماعنده عيال ولا عنده حوائج يُرسل فيها. ولا يهتم بقضايا العامة أوالخاصة ، ومن ثَمّ اجتنب التسويف : بعدين ، شغلي بسويه بكره ، لا ، ابدأ ، بادر ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "بادروا بالأعمال ، هل تنتظرون إلا مرضاً مفسداً ، أو كبراً مفنّداً ، ...." إلى آخر ما ذكر من السبع التي وردت في الحديث. - أنه سمعَ عبدَ اللهِ بن عمروٍ رضي الله عنهما بلغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أني أسرُدُ الصومَ وأصلي الليلَ ، فإما أرسلَ إليَّ وإما لقِيتُه ، فقال: ألم أُخْبَرْ أنك تصومُ ولا تُفطرُ ، وتصلِّي ولا تنامُ ؟ فصمْ وأَفطرْ ، وقمْ ونمْ ، فإن لعيْنِك عليك حظًّا ، وإن لنفسِك وأهلِك عليك حظًّا قال : إني لأقوَى لذلك ، قال : فصمْ صيامَ داودَ عليه السلام قال: وكيف ؟ قال: كان يصومُ يومًا ويُفطرُ يومًا ، ولا يفرُّ إذا لاقَى . قال : من لي بهذه يا نبيَّ اللهِ ؟ قال عطاءٌ : لا أدري كيف ذكرَ صيامَ الأبدِ؟ ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : لا صامَ من صامَ الأبدِ مرتين . الراوي : عبدالله بن عمرو المحدث : البخاري المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1977 خلاصة حكم المحدث : [صحيح] الدرر السنية بادروا بالأعمالِ ستًّا طلوعُ الشمسِ من مغربِها أو الدُّخانُ أو الدجالُ أو الدابةُ أو خاصةُ أحدِكم أو أمرُ العامةِ الراوي : أبو هريرة المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم -الصفحة أو الرقم: 2947 خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية - بادِرُوا بِالأعمالِ سبعًا ، هل تَنظُرُونَ إلَّا فَقرًا مُنْسِيًا ، أو غِنًى مُطْغِيًا ، أو مَرَضًا مُفسِدًا ، أو هَرَمًا مُفَنِّدًا ، أو مَوتًا مُجْهِزًا ، أو الدَّجالُ ، فشَرُّ غائِبٍ يَنتَظِرُ ، أو الساعةُ ، فالساعةُ أدْهَى وأمَرَّ الراوي : أبو هريرة المحدث :الألباني-المصدر : ضعيف الترغيب-الصفحة أو الرقم: 1957 خلاصة حكم المحدث : ضعيف جداً الدرر السنية إذا بادر الإنسان على أعمال الطاعة ، ومنها طلب العلم فهذا شاهد وجود كبر الهمة لديه. آفاق التسير |
#45
|
||||
|
||||
36-إجمامُ النفْسِ : خُذْ من وَقْتِك سُويعاتٍ تُجِمُّ بها نفسَك في رِياضِ العِلْمِ من كُتُبِ المحاضراتِ ( الثقافةِ العامَّةِ ) ؛ فإنَّ القلوبَ يُرَوَّحُ عنها ساعةً فساعةً .وفي المأثورِ عن أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنه قالَ : ( أَجِمُّوا هذه القلوبَ ، وابْتَغُوا لها طرائفَ الْحِكمةِ ، فإنها تَمَلُّ كما تَمَلُّ الأبدانُ ) . وقالُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى في حِكْمَةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ في مُطْلَقِ الأوقاتِ :( بل في النهيِ عنه بعضَ الأوقاتِ مصالِحُ أُخَرُ من إِجمامِ النفوسِ بعضَ الأوقاتِ ، من ثِقَلِ العِبادةِ ؛ كما يُجَمُّ بالنوْمِ وغيرِه ، ولهذا قالَ مُعاذٌ : إني لأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي ، كما أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي ... وقالَ : ( بل قد قيلَ : إنَّ من جُملةِ حِكمةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ المطلَقِ في بعضِ الأوقاتِ : إجمامَ النفوسِ في وَقْتِ النهيِ لتَنْشَطَ للصلاةِ ؛ فإنها تَنْبَسِطُ إلى ما كانت مَمنوعةً منه ، وتَنْشَطُ للصلاةِ بعدَ الراحةِ . واللهُ أَعْلَمُ ) اهـ . *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين: الشيخ: وهنا يجب أن نعلم أن إجمام النفس وإعطاءها شيئا من الراحة حتى تنشط في المستقبل وحتى تستريح بعض الراحة مما سبق أن هذا من الأمور الشرعية التي دل عليها قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (إن لنفسك عليك حقا ولربك عليك حقا ولأهلك عليك حقا ولزوجك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه). - آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وبين أبي الدرداء ، فزار سلمان أبا الدرداء ، فرأى أم الدرداء متبذلة ، فقال : ما شأنك متبذلة ؟ ! قالت : إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا ، قال : فلما جاء أبو الدرداء ، قرب إليه طعاما ، فقال : كل ، فإني صائم ، قال : ما أنا بآكل حتى تأكل ، قال : فأكل ، فلما كان الليل ، ذهب أبو الدرداء ليقوم ، فقال له سلمان : نم ، فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال له : نم ، فنام ، فلما كان عند الصبح ، قال له سلمان : قم الآن ، فقاما فصليا ، فقال : إن لنفسك عليك حقا ، ولربك عليك حقا ، ولضيفيك عليك حقا ، وإن لأهلك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه ، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرا ذلك ؟ فقال له : صدق سلمان الراوي : وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة المحدث : الألباني المصدر : صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 2413 خلاصة حكم المحدث : صحيح الدرر السنية - أنه سمعَ عبدَ اللهِ بن عمروٍ رضي الله عنهما بلغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أني أسرُدُ الصومَ وأصلي الليلَ ، فإما أرسلَ إليَّ وإما لقِيتُه ، فقال: ألم أُخْبَرْ أنك تصومُ ولا تُفطرُ ، وتصلِّي ولا تنامُ ؟ فصمْ وأَفطرْ ، وقمْ ونمْ ، فإن لعيْنِك عليك حظًّا ، وإن لنفسِك وأهلِك عليك حظًّا قال : إني لأقوَى لذلك ، قال : فصمْ صيامَ داودَ عليه السلام قال: وكيف ؟ قال: كان يصومُ يومًا ويُفطرُ يومًا ، ولا يفرُّ إذا لاقَى . قال : من لي بهذه يا نبيَّ اللهِ ؟ قال عطاءٌ : لا أدري كيف ذكرَ صيامَ الأبدِ؟ ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : لا صامَ من صامَ الأبدِ مرتين . الراوي : عبدالله بن عمرو المحدث : البخاري المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1977 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]. الدرر السنية وهذا الحديث هو الميزان الحقيقي الذي تطمئن إليه النفس لا ما روي عن عمر ولا عن علي وغيرهما، فلو أن المؤلف استدل بهذا الحديث لكان أبين وأظهر، والنفس إذا جعلتها دائما في جد لا بد أن تمل وتسأم، وأما ما قيل: إن من جملة حكمة النهي عن التطوع المطلق في بعض الأوقات. فهذا من جملة الحكمة، وليس هو الحكمة، بل الحكمة الحقيقية ما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام: أن الشمس إذا طلعت فإنها تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار وكذلك إذا غربت يسجدون لها. فهم يسجدون لها استقبالا، ويسجدون لها وداعا. أما وقت الزوال فإن الحكمة فيه: أنه الوقت التي تسجر فيه جهنم فيلحق النفس من التعب في الحر لا سيما في أيام الصيف ما ينهى أن يصلي الإنسان فيه. وليس هذا القيل الذي قيل معارضا للحديث لكنه من جملة الحكمة، والله أعلم. القارئ: ولهذا كانت العُطَلُ الأسبوعيَّةُ للطُّلَّابِ مُنتشِرَةً منذُ أَمَدٍ بعيدٍ ، وكان الأَغْلَبُ فيها يومَ الْجُمعةِ وعَصْرَ الخميسِ ، وعندَ بعضِهم يومَ الثلاثاءِ ويومَ الاثنينِ ، وفي عِيدَي الفطْرِ والأَضْحَى من يومٍ إلى ثلاثةِ أيَّامٍ وهكذا . الشيخ: صحيح... العطل الأسبوعية منتشرة منذ زمن، لكن بعضهم يقتصر على الجمعة فقط، وبعضهم يضيف إلى الجمعة يوم الخميس، وبعضهم يجعل الجمعة ونصف الأسبوع، وكان شيخنا عبد الرحمن بن سعدي –رحمه الله- يفعل هذا، يكون العطلة يوم الجمعة، ويوم الثلاثاء الذي هو وسط الأسبوع لأجل ألا يتوالى يومان كلاهما عطلة، ولئلا يمل الإنسان، وهذا يرجع على كل حال إلى أحوال الناس والأحوال تختلف، فيجعل من العطل ما يناسب. القارئ: ونَجِدُ ذلك في كُتُبِ آدابِ التعليمِ ، وفي السِّيَرِ ، ومنه على سبيلِ الْمِثالِ : ( آدابُ المعَلِّمِينَ ) لسُحْنونٍ ( ص 104 ) ، ( والرسالةُ الْمُفَصَّلَةُ ) للقابسيِّ ، ( والشقائقُ النُّعْمانيَّةُ ) وعنه في : ( أَبْجَدِ العلومِ ) ، وكتابِ ( أَلَيْسَ الصبْحُ بقريبٍ ) للطاهرِ ابنِ عاشورٍ ، ( وفتاوَى رَشيد رِضَا ) و( مُعْجَمِ البِلدانِ ) و ( فتاوى شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ ) . آفاق التيسير *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري: القارئ : قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا : 36- إجمامُ النفْسِ : خُذْمن وَقْتِك سُويعاتٍ تُجِمُّ بها نفسَك في رِياضِ العِلْمِ من كُتُبِ المحاضراتِ ( الثقافةِ العامَّةِ ) ؛ فإنَّ القلوبَ يُرَوَّحُ عنها ساعةً فساعةً . وفي المأثورِ عن أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنه قالَ : ( أَجِمُّوا هذه القلوبَ ، وابْتَغُوا لها طرائفَ الْحِكمةِ ، فإنها تَمَلُّ كما تَمَلُّ الأبدانُ ) . وقالُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى في حِكْمَةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ في مُطْلَقِ الأوقاتِ : ( بل في النهيِ عنه بعضَ الأوقاتِ مصالِحُ أُخَرُ من إِجمامِ النفوسِ بعضَ الأوقاتِ ، من ثِقَلِ العِبادةِ ؛ كما يُجَمُّ بالنوْمِ وغيرِه ، ولهذا قالَ مُعاذٌ : إني لأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي ، كما أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي ... ) وقالَ : ( بل قد قيلَ : إنَّ من جُملةِ حِكمةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ المطلَقِ في بعضِ الأوقاتِ : إجمامَ النفوسِ في وَقْتِ النهيِ لتَنْشَطَ للصلاةِ ؛ فإنها تَنْبَسِطُ إلى ما كانت مَمنوعةً منه ، وتَنْشَطُ للصلاةِ بعدَ الراحةِ . واللهُ أَعْلَمُ ) اهـ . ولهذاكانت العُطَلُ الأسبوعيَّةُ للطُّلَّابِ مُنتشِرَةً منذُ أَمَدٍ بعيدٍ ، وكان الأَغْلَبُ فيها يومَ الْجُمعةِ وعَصْرَ الخميسِ ، وعندَ بعضِهم يومَ الثلاثاءِ ويومَ الاثنينِ، وفي عِيدَي الفطْرِ والأَضْحَى من يومٍ إلى ثلاثةِ أيَّامٍ وهكذا . ونَجِدُ ذلك فيكُتُبِ آدابِ التعليمِ ، وفي السِّيَرِ ، ومنه على سبيلِ الْمِثالِ : ( آدابُ المعَلِّمِينَ ) لسُحْنونٍ ( ص 104 ) ، ( والرسالةُ الْمُفَصَّلَةُ ) للقابسيِّ ( ص135-137 ) ، ( والشقائقُ النُّعْمانيَّةُ ) ( ص20) وعنه في : ( أَبْجَدِ العلومِ ) ( 1/195-196 ) ، وكتابِ ( أَلَيْسَ الصبْحُ بقريبٍ ) للطاهرِ ابنِ عاشورٍ ، ( وفتاوَى رَشيد رِضَا ) (1212) و( مُعْجَمِ البِلدانِ ) ( 3/102) و ( فتاوى شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ ) ( 25/318-320، 329) الشيخ : هذا هو الأدب السادس والثلاثون من آداب طالب العلم : إجمام النفس ، بحيث لا يحملها على شيء في جميع الأوقات فتملّ منه ، وكذلك لا يُذهب نفسه تعبا يجعلها تصبح لا تميّز العلوم ، من جعل نومه قليلا ، أقل مما تحتاجه إليه نفسه ضعفت نفسه ، ولم يستطع التركيز والفهم ، وهكذا من لم يطعم الطعام الذي يغذيه فإنّ نفسه تضعف ، وبالتالي يكلّ ولا يتمكن من الفهم ومن مواصلة التعلم. وشاهد هذا كثير في النصوص الشرعية ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى"ضعيف المنبت الذي يركب ناقته ويسير بها ويواصل بدون أن يرتاح. - إِنَّ هذا الدينَ متينٌ ، فأوْغِلْ فيه برِفْقٍ ، فإِنَّ الْمُنبَتَّ لا أرضًا قطعَ ، ولَا ظهْرًا أبْقَى الراوي : جابر بن عبدالله المحدث : الألباني-المصدر : ضعيف الجامع- الصفحة أو الرقم: 2022 خلاصة حكم المحدث : ضعيف الدرر السنية فحينئذ يُتعب ناقته فتعجز في نصف الطريق ، فيكون لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ، وجاء في الحديث : حديث النفر الثلاثة الذين قال قائلهم : أصوم ولا أفطر ، وقال الآخر: أقوم ولا أنام ، وقال الثالث : لا أتزوج النساء ، فعتب عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال : "إني أخشاكم لله وأتقاكم له ، أما أني أقوم وأنام ، وأصوم ، وأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني" - جاء ثلاثُ رهطٍ إلى بُيوتِ أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، يَسأَلونَ عن عبادةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فلما أُخبِروا كأنهم تَقالُّوها ، فقالوا : أين نحن منَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ قد غفَر اللهُ له ما تقدَّم من ذَنْبِه وما تأخَّر ، قال أحدُهم : أما أنا فإني أُصلِّي الليلَ أبدًا ، وقال آخَرُ : أنا أصومُ الدهرَ ولا أُفطِرُ ، وقال آخَرُ : أنا أعتزِلُ النساءَ فلا أتزوَّجُ أبدًا ، فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : ( أنتمُ الذين قلتُم كذا وكذا ؟ أما واللهِ إني لأخشاكم للهِ وأتقاكم له ، لكني أصومُ وأُفطِرُ ، وأُصلِّي وأرقُدُ ، وأتزوَّجُ النساءَ ، فمَن رغِب عن سُنَّتي فليس مني .الراوي : أنس بن مالك المحدث :البخاري-المصدر :صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 5063 خلاصة حكم المحدث : [صحيح]الدرر السنية وشاهدوا هذا أيضا في منع المكلّف من العبادة في بعض الأوقات من أجل أن لا يتعب نفسه ، وانظر إلى حديث عبدالله بن عمرو لما كان يصوم ولا يُفطر ، وكان يقوم حتى أثّر ذلك على نفسه ، فجاء أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن عبادته ، ثم بعد ذلك أرشده إلى ترك مواصلة العبادة ، بحيث يجعل وقتا للراحة ، ولا يشق على نفسه. وانظر في حديث تلك المرأة التي كانت تضع حبلا في المسجد صفيّة ، حتى إذا تعبت استندت إلى الحبل ، فقال صلى الله عليه وسلم : "حلّوه –فكوا الحبل- ليصلّي أحدكم نشاطه ، فإذا فتر فليرقد ، فلعلّه يذهب يسأل ربه فيسب نفسه" دخلَ المسجدَ فرأى حبلًا ممدودًا بينَ ساريتينِ فقالَ ما هذا الحبلُ قالوا لزينبَ تصلِّي فيهِ فإذا فترت تعلَّقت بِه فقالَ "حلُّوهُ حلُّوهُ ليصلِّ أحدُكم نشاطَه فإذا فترَ فليقعُدْ" الراوي : أنس بن مالك المحدث : الألباني المصدر : صحيح ابن ماجه الصفحة أو الرقم: 1137 خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية حتى عاد ما ميّز في الكلام ، هكذا في طلب العلم ، يصبح ما عاد يميّز. - أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: إذا نَعَسَ أحدُكم وهو يصلي فلْيرقُدْ ، حتى يذهبَ عنه النومُ ، فإن أحدَكم إذا صلى وهو ناعِسٌ ، لا يدري لعلَّه يَستغفِرُ فيسُبَّ نفسَه . الراوي :عائشة أم المؤمنين المحدث : البخاري-المصدر :صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 212 خلاصة حكم المحدث : [صحيح] الدرر السنية ومن ذلك المفاوتة بين الفنون ، لو استمريت على فن واحد يمكن تمل نفسك منه ، فتنتقل من علم إلى علم ، كداخل البستان ، مرة يأكل عنبا ، ومرة يأكل رمانا ، ومرة يأكل تينا ، ومرة يأكل من غيره ، فيلتذّ ذلك ، أما لو أكل من صنف واحد فسيملّ منه. ومن وسائل ذلك ، إعطاء النفس راحتها ، والقيام على النفس بشئونها ، سواء في نظافة الإنسان أو في مأكله أو في مشربه ، أو نحو ذلك. وكذلك النظر في بعض النكت والطرائف ، النكت : هي الأمور الغريبة ، حتى تنشط نفسك ، والطرائف : هي التي تتحرّك لها النفس وتطرب ، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما جاء منه المزاح. (قال علي : أجمّوا هذه القلوب ، وابتغوا لها طرائف الحكمة ، فإنها تملّ) ومن هذا حرص أهل العلم على جعل إجازة وعطلة في الدراسة ، نعم. آفاق التيسير |
#46
|
||||
|
||||
الأمر السابع والثلاثون قراءةُ التصحيحِ والضبْطِ : احْرِصْ على قِراءةِ التصحيحِ والضبْطِ على شيخٍ مُتْقِنٍ؛ لتأْمَنَ من التحريفِ والتصحيفِ والغلَطِ والوَهْمِ . وإذا اسْتَقْرَأْتَ تَراجمَ العُلماءِ – وبخاصَّةٍ الْحُفَّاظَ منهم – تَجِدُ عَددًا غيرَ قليلٍ مِمَّنْ جَرَّدَ المطَوَّلَاتِ في مجالِسَ أو أيَّامٍ قراءةَ ضَبْطٍ على شيخٍ مُتْقِنٍ . الشيخ: وهذه الفقرة من أهم الفقرات، وهو إتقان العلم وضبطه ومحاولة الرسوخ في القلب، لأن ذلك هو العلم، ولا بد أن يكون على شيخ متقن أما الشيخ المتمشيخ فإياك إياك فقد يضرك ضررا كثيرا والإتقان يكون في كل فن بحسبه، قد نجد رجلا متقنا في الفرائض مثلا غير متقن في أحكام الصلاة، ونجد رجلا متقنا في علوم العربية غير عارف بالعلوم الشرعية وآخر بالعكس، فخذ من كل عالم ما يكون متقنا فيه ما لم يتضمن ذلك ضررا، مثل أن نجد رجلا متقنا في علوم العربية، لكنه منحرف في عقيدته وسلوكه فهذا لا ينبغي أن نجلس إليه لأننا إذا جلسنا إليه اغتر به الآخرون وظنوا أنه على حق، فنحن نطلب العلم من غيره وإن كان أجود الناس في هذا الفن، لكن ما دام منحرفا فلا ينبغي أن نجلس إليه. القارئ: فهذا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قَرَأَ ( صحيحَ البخاريِّ ) في عشرةِ مجالسَ ، كلُّ مجلِسٍ عشرُ ساعاتٍ . كم عدد الساعات ؟ ! 100 ساعة .. الله المستعان ، ولكن على كل حال هو قراءة فقط دون شرح وتأمل. ( وصحيحَ مسلِمٍ ) في أربعةِ مجالسَ في نحوِ يومينِ وشيءٍ من بُكْرَةِ النهارِ إلى الظهْرِ وانتهى ذلك في يومِ عَرَفَةَ ، وانتهى ذلك في يومِ عَرَفَةَ ، وكان يومَ الجمُعَةِ سنةَ 813 هـ ، وقرأَ ( سُنَنَ ابنِ ماجهْ ) في أربعةِ مجالِسَ ، و ( مُعجَمَ الطبرانيِّ الصغيرَ ) في مَجلِسٍ واحدٍ ، بينَ صَلَاتَي الظهْرِ والعَصْرِ . وشيخُه الفَيروزآباديُّ قَرَأَ في دِمَشْقَ ( صحيحَ مُسْلِمٍ ) على شيخِه ابنِ جَهْبَلَ قِراءةَ ضَبْطٍ في ثلاثةِ أيَّامٍ . وللخطيبِ البَغدادىِّ والمؤتَمَنِ الساجيِّ ، وابنِ الأبَّارِ وغيرِهم في ذلك عجائبُ وغرائبُ يَطولُ ذِكْرُها، وانْظُرْها في ( السِّيَرِ ) للذهبيِّ و ( طَبقاتِ الشافعيَّةِ ) للسُّبْكيِّ ، و ( الجواهِرِ والدُّرَرِ ) للسَّخَاويِّ ، و( فتْحِ الْمُغيثِ ) و ( شَذَراتِ الذهَبِ ) ، و ( خُلاصةِ الأثَرِ ) ، و ( فِهْرِسِ الفهارِسِ ) للكَتَّانِيِّ ، و ( تاجِ العَروسِ ) . فلا تَنْسَ حَظَّكَ من هذا . الشيخ: الظاهر أن ما لي حظ أبدا في هذا . سبحان الله، والله المستعان. شرح الشيخ العثمين آفاق التيسير *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري : القارئ : قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا : 37- قراءةُ التصحيحِ والضبْطِ : احْرِصْ على قِراءةِ التصحيحِ والضبْطِ على شيخٍ مُتْقِنٍ ؛ لتأْمَنَ من التحريفِ والتصحيفِ والغلَطِ والوَهْمِ . وإذا اسْتَقْرَأْتَ تَراجمَ العُلماءِ – وبخاصَّةٍ الْحُفَّاظَ منهم – تَجِدُ عَددًا غيرَ قليلٍ مِمَّنْ جَرَّدَ المطَوَّلَاتِ في مجالِسَ أو أيَّامٍ قراءةَ ضَبْطٍ على شيخٍ مُتْقِنٍ . فهذا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قَرَأَ ( صحيحَ البخاريِّ ) في عشرةِ مجالسَ ،كلُّ مجلِسٍ عشرُ ساعاتٍ ، ( وصحيحَ مسلِمٍ ) في أربعةِ مجالسَ في نحوِ يومينِ وشيءٍ من بُكْرَةِ النهارِ إلى الظهْرِ وانتهى ذلك في يومِ عَرَفَةَ ، وكان يومَ الجمُعَةِ سنةَ 813 هـ ، وقرأَ ( سُنَنَ ابنِ ماجهْ ) في أربعةِ مجالِسَ ، و ( مُعجَمَ الطبرانيِّ الصغيرَ ) في مَجلِسٍ واحدٍ ، بينَ صَلَاتَي الظهْرِ والعَصْرِ . وشيخُه الفَيروزآباديُّ قَرَأَ في دِمَشْقَ ( صحيحَ مُسْلِمٍ ) على شيخِه ابنِ جَهْبَلَ قِراءةَ ضَبْطٍ في ثلاثةِ أيَّامٍ . وللخطيبِ البَغدادىِّ والمؤتَمَنِ الساجيِّ ، وابنِ الأبَّارِ و غيرِهم في ذلك عجائبُ وغرائبُ يَطولُ ذِكْرُها ، وانْظُرْها في ( السِّيَرِ ) للذهبيِّ 18/277 و 279، 19/310، 21/253 ) و ( طَبقاتِ الشافعيَّةِ ) للسُّبْكيِّ ( 4/30 ) ، و ( الجواهِرِ والدُّرَرِ ) للسَّخَاويِّ ( 1/103-105 ) ، و( فتْحِ الْمُغيثِ ) (2/46) و ( شَذَراتِ الذهَبِ ) ( 8/121و206 ) ، و ( خُلاصةِ الأثَرِ ) ( 1/72-73 ) ، و ( فِهْرِسِ الفهارِسِ ) للكَتَّانِيِّ ، و ( تاجِ العَروسِ ) ( 1/45-46 ) . فلا تَنْسَ حَظَّكَ من هذا . الشيخ : هذه من آداب طالب العلم أنه يحرص على قراءة الكتب خصوصا المطوّلات على أشياخه من أجل أن يضبط كيفية نطق الكلمات ويضبط التشكيل ويضبط النحو ، وكذلك يأمن من الغلط ، والوهم ، من إدخال الجملة في جملة أخرى ، ويسأل عما استشكل لديه من مثل هذا. فكان أهل العلم يفعلون هذا ، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون في القرآن فيقرأون على النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الله ، وإذا وقع عندهم استشكال جاءوا وقرءوا ، وكم من صحابي قد قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم. وبواسطة قراءة هذه المطولات في المجالس القليلة والأوقات القليلة يحصل فوائد منها : تحصيل العلوم والمعارف الكثيرة في الزمن القليل ، ومنها توسيع مدارك الإنسان بحيث يعرف أمورا وأقوالا مخالفة لما يستقر في نفسه ، وبذلك يتمكن من استخراج النوادر والمسائل والفرائد الغريبة ، وبذلك أيضا يتكون عند الإنسان قدرة على معرفة موطن بحث المسائل في كتب أهل العلم ، وكذلك تعرف طرائق التأليف ، وأنواع المؤلفات والمصطلحات التي يستخدمها علماء الشريعة فيها ، وينبغي أن تميّز ما قرأته وتضع علامة بحيث لا يفوتك شيء من المقروء. |
#47
|
||||
|
||||
الأمر الثامن والثلاثون: جَرْدُ الْمُطَوَّلَاتِ : القارئ: الأمر الثامن والثلاثون: جَرْدُ الْمُطَوَّلَاتِ : الْجَرْدُ للمُطَوَّلاتِ من أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ ؛ لتَعَدُّدِ المعارِفِ ، وتوسيعِ الْمَدَارِكِ واستخراجِ مَكنونِها من الفوائدِ والفرائدِ ، والخبرةِ في مَظَانِّ الأبحاثِ والمسائلِ ، ومَعرِفَةِ طرائقِ الْمُصَنِّفِينَ في تآليفِهم واصطلاحِهم فيها . وقد كان السالِفون يَكتبون عندَ وُقوفِهم : ( بَلَغَ ) حتى لا يَفوتَه شيءٌ عندَ الْمُعاوَدَةِ ، لا سيَّمَا مع طُولِ الزَّمَنِ . الشيخ: هذه فيها نظر – يعني جرد المطولات- قد يكون فيه مصلحة للطالب وقد يكون فيه مضرة، فإذا كان الطالب مبتدئا، فإن جرد المطولات له هلكة، كرجل لا يحسن السباحة يرمي نفسه في البحر. وإن كان عند الإنسان العلم، ولكنه أراد أن يسرد هذه المطولات من أجل أن يكسب فوق علمه الذي عنده، فهذا قد يكون حسن. فهذه الفقرة تحتاج إلى تفصيل. لو أن رجلا بدأ بالعلم من الآن ونقول له اذهب راجع المغني وراجع شرح المهذب وراجع الحاوي الكبير... وراجع كذا وعددت له من الكتب الموسعة. هذا معناه أنك أهلكته، رميته في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج. أما الإنسان الذي أعطاه الله علما وأراد أن يتبحر ويتوسع فهنا نقول: عليك بالمطولات، وقد ذكر لي بعض الإخوة أن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين -رحمه الله- أنه لم يتجاوز (الروض المربع) في مراجعاته في الفقه، ومع ذلك كان يطلق عليه مفتي الديار النجدية وله حواش على الروض المربع وهو لم يتجاوزه، لكنه يكرره ويتأمله منطوقا ومفهوما وإماء وإشارة. أما كتابة «بلغ» فهذا طيب إنك إذا راجعت كتابا فاكتب عند المنتهى «بلغ» لتستفيد فائدتين: الأولى- ألا تنسى ما قرأت، لأن الإنسان ربما ينسى فلا يدري هل بلغ هذه الصفحة أم لا؟ وربما يفوته بعض الصفحات إذا ظن أنه قد تقدم في المطالعة. والفائدة الثانية- أن يعلم الآتي بعدك الذي يقرأ هذا الكتاب أنك قد أحصيته وأكملته فيثق به أكثر. شرح الشيخ العثمين آفاق التيسير *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري : القارئ : قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا : 38-جَرْدُ الْمُطَوَّلَاتِ : الْجَرْدُ للمُطَوَّلاتِ من أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ ؛ لتَعَدُّدِ المعارِفِ ، وتوسيعِ الْمَدَارِكِ واستخراجِ مَكنونِها من الفوائدِ والفرائدِ ، والخبرةِ في مَظَانِّ الأبحاثِ والمسائلِ ، ومَعرِفَةِ طرائقِ الْمُصَنِّفِينَ في تآليفِهم واصطلاحِهم فيها . وقدكان السالِفون يَكتبون عندَ وُقوفِهم : ( بَلَغَ ) حتى لا يَفوتَه شيءٌ عندَ الْمُعاوَدَةِ ، لا سيَّمَا مع طُولِ الزَّمَنِ . الشيخ : وهذا هو شأن أهل العلم ، والدروس العلمية كانت تُجعل على نوعين : النوع الأول : دروس جرد المطولات ، يقرأون فيها ولا يتوقفون إلا عند نقطة مشكلة. والثاني : قراءة المتون ، والمتون للمبتدئين ، ويحرص فيها على التفهيم والإفهام. وللعلماء طرائق متعددة في التفهيم أول هذه الطرائق : الطلب من الطلاب أن يبيّنوا فهمهم للكتاب ثم يقوم الشيخ بالتصحيح ، مثال هذا : عندنا درس في زاد المستقنع مثلا ، أتينا بجملة ، أقول : ما معناها يا زيد؟ ما معناها يا عمرو؟ ما معناها يا خالد؟ ثم أصحح ، وأقول : الصواب في الفهم كذا. وأما فهمك في الفهم الفلاني فهو خطأ ، وسبب خطأه كذا ، فتستقر المعلومات ، وكل جملة يسأل عنها أشخاص مختلفين ، وهذه أحسن الطرق وهي التي تستقرّ في الذهن. النوع الثاني : نوع المجادلة والمناقشة ، بحيث نقسّم الطلاب إلى فريقين ، وكلما جاءت مسألة نقول : انتخبوا لنا واحدا مغايرا لما أخذتموه في المسائل السابقة ، فيشرح ثم يشرح الثاني ونقارن بينهما ، أو يشرح أحدهما ويصحح له الآخر ، ثم يصحح الشيخ لهما ، وهذه أيضا طريقة جميلة ويستقر بها. وهاتان الطريقتان لهما أصل في السنة ، كما في حديث ابن عمر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن شجرة صفتها كذا وصفتها كذا ، هذا سؤال ؛ الشيخ هو الذي يسأل ، ويطلب من الطلاب أن يجيبوه. الطريقة الثالثة : أن يقوم طالبان بالمناظرة ، تُسمّى طريقة المناظرة ، يتناظران في المسألة بحيث هذا يناظر هذا ، وننظر ، هذا يتبنى قولا وهذا يتبنى قولا ، وننظر من يكون معه الغلبة ، ثم يعقّب الشيخ بما يستقيم. الطريقة الرابعة : طريقة السرد ، مثل طريقتنا هذه ، وهي من أضعف الطرق في إبقاء المعلومات ، ولكنها جيدة ، يحصّل الناس منها شيء ، خصوصا إذا كان هناك كتاب وتسجيل ، وتَنَاقش الطلاب فيها فيما بعد ، فإنها تبقى المعلومة حينئذ. آفاق التيسير |
#48
|
||||
|
||||
مجلس 71 39- حُسْنُ السؤالِ : الْتَزِمْ أَدَبَ الْمُباحَثَةِ ، من حُسْنِ السؤالِ ، فالاستماعِ ، فصِحَّةِ الفَهْمِ للجَوابِ ، وإيَّاكَ إذا حَصَلَ الجوابُ أن تَقولَ : لكنَّ الشيخَ فلانًا قالَ لي كذا ، أو قالَ كذا ، فإنَّ هذا وَهَنٌ في الأَدَبِ ، وضَرْبٌ لأَهْلِ العِلْمِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ هذا .وإن كنتَ لا بُدَّ فاعلاً ، فكنْ واضحًا في السؤالِ ، وقل ما رأيُك في الفَتْوَى بكذا ، ولا تُسَمِّ أَحَدًا . من آداب طالب العلم: أولا- أن يكون عنده حسن سؤال، حسن إلقاء مثل أن يقول: أحسن الله إليك ما تقول في كذا، وإن لم يقل هذه العبارة فليكن قوله رقيقا بأدب. الثاني- حسن الاستماع، أما أن تقول: يا شيخ أحسن الله إليك ماذا تقول في كذا وكذا.. وانتظر. الثالث- صحة الفهم للجواب.. وهذا أيضا يفوت بعض الطلبة، تجده إذا سأل وأجيب. يستحيي أن يقول ما فهمت. بعد هذا يأتي بعض الناس بعدما يستمع للجواب يقول: لكن قال الشيخ الفلاني كذا وكذا.. في وسط الحلقة. هذا من سوء الأدب، معنى هذا إنك لم تقتنع بجوابه، ومعنى هذا إثارة البلبلة بين العلماء. وإن كان لا بد فيقول: قال قائل... ثم يورد ما قاله الشيخ فلان لأن أحدا لا يفهم إذا قال إن قال قائل أنه أراد بذلك جواب شيخ آخر. لهذا يقول: «لكن إذا كنت لا بد فاعلا فقل ما رأيك في الفتوى بكذا» وهذا أيضا ما هو بحسن. أحسن منه أن تقول (فإن قال قائل)، لأنك إذا قلت: ما رأيك في الفتوى بكذا- وهي خلاف ما أفتاك به- فيعني إنك تريد أن تعارض فتواه بفتوى آخر، لكن هي أحسن من قولك: قال الشيخ الفلاني كذا. قالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( وقيلَ : إذا جَلَسْتَ إلى عالِمٍ ؛ فسَلْ تَفَقُّهًا لا تَعَنُّتًا ) اهـ . وقالَ أيضًا : ( وللعلْمِ سِتَّةُ مَراتِبَ ) . أوَّلُها : حسْنُ السؤالِ . الثانيةُ : حسْنُ الإنصاتِ والاستماعِ . الثالثةُ : حسْنُ الْفَهْمِ . الرابعةُ : الْحِفْظُ . الخامسةُ : التعليمُ . السادسةُ : وهي ثَمَرَتُه ؛ العمَلُ به ومُراعاةُ حُدودِه اهـ . ثم أَخَذَ في بيانِها ببَحْثٍ مُهِمٍّ . ترتيبها على هذا الوجه لا شك أنه مناسب. حسن السؤال: إذا دعَت الحاجة إلى حسن السؤال أما إذا لم تدعُ إلى السؤال فلا تلق السؤال، لأنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل إلا إذا احتاج هو إلى السؤال، أو ظن أن غيره يحتاج إلى السؤال قد يكون مثلا هو فاهم الدرس، ولكن فيه مسائل صعبة يحتاج إلى بيانها إلى بقية الطلبة، بل من أجل حاجة غيره. والسائل من أجل حاجة غيره كالمعلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه جبريل وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها. قال «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم».1 فإذا كان الباعث على السؤال حاجة السائل. فسؤاله واضح أنه وجيه أو حاجة غيره إن سئأل ليعلم غيرَه فهذا أيضا طيب، أما إذا سأل ليقول الناس: ما شاء الله فلان عنده حرص على العلم كثير السؤال، وابن عباس رضي الله عنه يقول: لما سئل بما أدركت العلم؟ قال :«بلسان سؤول وقلب عقول وبدن غير ملول»، فهذا غلط، وعلى عكس من ذلك من يقول: لا أسأل حياء. فالثاني مفرط. والأول- مفرط، وخير الأمور الوسط. الثاني- حسن الاتصال الانصات للاستماع. الثالث- حسن الفهم. الرابع- الحفظ، وهذا الحفظ ينقسم إلى قسمين: قسم غريزي يهبه الله لمن يشاء، فتجد الإنسان يمر عليه المسألة والبحث فيحفظه ولا ينساه، وقسم آخر كسبي. بمعنى أن يمرن الإنسان نفسه على الحفظ ويتذكر ما حفظ، فإذا عود نفسه تذكر ما حفظ، سهل عليه الحفظ. الخامسة- التعليم، والذي أرى أن تكون هي السادسة وأن العمل بالعلم قبل السادسة، فيعمل بالعلم ليصلح نفسه قبل أن يبدأ بإصلاح غيره ثم بعد ذلك يعلم الناس. قال النبي صلى الله عليه وسلم :«ابدأ بنفسك ثم بمن تعول».2 فالعمل به قبل تعليمه. بلى قد تقول أن تعليمه من العمل به، لأن من جملة العمل بالعلم أن تفعل ما أوجب الله عليك فيه من بثه ونشره. آفاق التيسير 1-.....ثم قال لي : " يا عمر ! أتدري من السائل ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " الراوي : عمر بن الخطاب - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 8- خلاصة حكم المحدث : صحيح الدرر السنية 2-"ابدأْبنَفسِكَ ثمَّ بمَنْ تعولَ" الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : إرواء الغليل الصفحة أو الرقم: 1448 - خلاصة حكم المحدث : صحيح مركب من حديثين الدرر السنية وقد أبدع أبو الأسود الدؤلي في بيان تلك الحقيقة حين قال: يا أيها الرجل المعلم غيره، هلاّ لنفسك كان ذا التعليمُ، تصف الدواء لذي السّقام وذي الضّنى، كيما يصح به وأنت سقيمُ، إلى أن قال: ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها، فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ، فهناك يُقبل ما وعظت ويقتدى، بالعلم منك وينفع التعليمُ. فهذا نبينا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام نجده دائماً في أحاديثه وكلامه يبدأ بنفسه، ففي حديث النساء : "خيرُكُم خيرُكم لِأهْلِهِ ، وَأَنَا خيرُكم لِأَهْلِي"الراوي : عائشة و ابن عباس و معاوية بن أبي سفيان - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع الصفحة أو الرقم: 3314 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر السنية *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري : القارئ : قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا: 39- حُسْنُ السؤالِ: الْتَزِمْ أَدَبَ الْمُباحَثَةِ ، من حُسْنِ السؤالِ ، فالاستماعِ ، فصِحَّةِ الفَهْمِ للجَوابِ ، وإيَّاكَ إذا حَصَلَ الجوابُ أن تَقولَ : لكنَّ الشيخَ فلانًا قالَ لي كذا ، أو قالَ كذا ، فإنَّ هذا وَهَنٌ في الأَدَبِ ، وضَرْبٌ لأَهْلِ العِلْمِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ هذا . وإن كنتَ لا بُدَّ فاعلاً ، فكنْ واضحًا في السؤالِ ، وقلما رأيُك في الفَتْوَى بكذا ، ولا تُسَمِّ أَحَدًا . قال َابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( وقيلَ : إذاجَلَسْتَ إلى عالِمٍ ؛ فسَلْ تَفَقُّهًا لا تَعَنُّتًا ) اهـ . وقال َأيضًا : ( وللعلْمِ سِتُ مَراتِبَ ) . أوَّلُها : حسْنُ السؤالِ . الثانيةُ : حسْنُ الإنصاتِ والاستماعِ . الثالثةُ : حسْنُ الْفَهْمِ . الرابعةُ : الْحِفْظُ . الخامسةُ : التعليمُ . السادسةُ : وهي ثَمَرَتُه ؛ العمَلُ به ومُراعاةُ حُدودِه اهـ . ثم أَخَذَ في بيانِها ببَحْثٍ مُهِمٍّ . الشيخ : من آداب طالب العلم حسن السؤال ، السؤال من الأمور التي يرغب فيها ، فإذا استشكل عليك فاسأل حتى تتقن العلم ، ولذلك أثنى عمر على ابن مسعود أو ابن عباس فقال : نالا العلم بلسان سؤول وقلب عقول. وإذا تقرر هذا فإنّ السؤال لابد أن يكون على السند ، بحيث يلتزم فيه الطالب بالأدب ، فلا يسأل في غير الفن الذي يتدارسونه. درسنا هذا في آداب طالب العلم فلا تنقلنا إلى مسائل الفتوى ، ندرس في باب الصيام ، فلا يحق لك أن تنقلنا إلى باب القصاص ، أو باب ، أبواب الأنكحة. الثاني : حسن انتقاء الألفاظ ، حسن انتقاء الألفاظ ، لا تأتي بلفظ نابي ، ولا لفظ غريب ، ولا لفظ غير مرغوب فيه. الثالث : أن لا تسأل في شيء قد تكلم فيه الشيخ ، فمسألة طرحها الشيخ وهي واضحة وجلية وحكم قد قرره الشيخ لا يصح أن تقول بعد ذلك ، ما الحكم في كذا ، والشيخ قد قرره. الأمر الرابع : لابد أن يكون سؤالك سؤالا صحيحا ، فبعض الناس يسأل سؤال مركب بصياغة غير صحيحة. الأمر الخامس : أن يكون سؤالك سؤالا واقعيا. والأمر السادس : أن لا يكون من التعنت ، تريد أن تختبر الشيخ ، وقد جاء في الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات في العلم.* والأمر السابع : أن لا يكون سؤالك على جهة إبطال قول الشيخ ، قد تستفهم لكن لا تحاول الإبطال ، إبطال قول الشيخ ، فإنّ هذا سوء أدب ، وقد يكون سوء فهم منك ، وبالتالي لا يكون كلامك صحيحا ، قد تعترض وتقول : كيف الجمع بين كذا وكذا ، هذا لا بأس فيه ، لكن أن تقول : كلامك فيه ما فيه لأنّ الله يقول : كذا ، هذا سوء أدب ، وليس من حسن السؤال في شيء. قال المؤلف : (التزم أدب المباحثة من حسن السؤال) وكذلك التزم الاستماع ، والتزم صحة الفهم للجواب ، مرات يأخذ بعض الناس جزءا من الجملة ، ولا يلتفت إلى بقيتها فيفهم فهما خاطئا ، وهذا يحصل خصوصا من عوام الناس يمسك ربع جملة ثم يبدأ ينسب إلى الشيخ ما لم يقله ، ولذلك لا يجوز أن ينسب إلى عالم أي مقالة ، إلا إذا كان الإنسان قد سمع المقالة كاملة ، مرّات يأتي العالم ويتكلم بنقل كلام باطل ، ثم يجيب عنه ويرد عليه ، فيأتيك بعض الناس ما سمع إلا المقالة الباطلة ، فيقول الشيخ الفلاني يقول كذا ، فيكون قد كذب عليه ، لأنّ الشيخ نقل هذه الجملة ليردّ عليها ويبطلها. وبعض الناس يجئ بشريط وينقل هذه الجملة ، الجزء ، ويقول اسمعوا الشيخ يقول كذا ، وبالتالي يكون قد كذب عليه وصدّ الناس عن سبيل الله ، لأنّ إبعاد الناس عن علماء الشريعة والكلام في أعراضهم ، وتشويه سمعتهم وإنزال مكانتهم يؤدّي إلى جعل الناس ينصرفون عن العلم الذي يحملونه. كذلك من سوء الأدب معارضة الأقوال بعضها ببعض ، قال المؤلف : (هذا وهن في الأدب) تكلّم وقال : طيب الشيخ االفلاني يقول كذا ، هذا اجتهاده وهذا اجتهادي ، ما يصح لك أن تضرب قولي بقوله. (قال ابن القيم : سل تفقها) يعني من أجل تحصيل الفقه. (لا تعنتا) من أجل إنزال المشقة على العالم. ثم ذكر للعلم ست مراتب : حسن السؤال ، وحسن الإنصات ، وحسن الفهم ، ثم الحفظ والتعليم ثم العمل. آفاق التيسير *-" أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ نهى عنِ الأُغلوطاتِ" الراوي : معاوية بن أبي سفيان - المحدث : ابن حجر العسقلاني - المصدر : تخريج مشكاة المصابيح -الصفحة أو الرقم: 1/161 - خلاصة حكم المحدث : [حسن كما قال في المقدمة] الدرر السنية *قال ابن حجر _ رحمه الله _ في الفتح : وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الأغلوطات - قال الأوزاعي أحد رواته : هي صعاب المسائل - فإن ذلك محمول على ما لا نفع فيه ، أو ما خرج على سبيل تعنت المسئول أو تعجيزه. وقال في موضع آخر : وقد ثبت النهي عن الأغلوطات أخرجه أبو داود من حديث معاوية ، وثبت عن جمع من السلف كراهة تكلف المسائل التي يستحيل وقوعها عادة أو يندر جدا ، وإنما كرهوا ذلك لما فيه من التنطع والقول بالظن ، إذ لا يخلو صاحبه من الخطأ . *وفيه كراهة التعمق والتكلف مما لا حاجة للإنسان إليه من المسألة ،ووجوب التوقف عما لا علم للمسئول به. وقد رُوِينا عن أبي بن كعب :أن رجلاً سأله عن مسألة فيها غموض ،فقال : هل كان هذا ؟ قال: لا. فقال:أمهلني إلى أن يكون . وسأل رجلٌ مالك بن أنس ؛عن رجلٍ شرب في الصلاة ناسيًا ؟ .فقال : ولم لم يأكل؟! ،ثم قال : حدثنا الزهري عن علي بن حسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه -" من حسنِ إسلامِ المَرءِ تركُه ما لا يَعنيه"الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي -الصفحة أو الرقم: 2317 - خلاصة حكم المحدث : صحيح. الدرر السنية |
#49
|
||||
|
||||
مجلس 72 40- الْمُناظَرَةُ بلا مُمَارَاةٍ إيَّاكَ والْمُمَارَاةَ ؛ فإنها نِقْمَةٌ ، أمَّا المناظَرَةُ في الْحَقِّ ؛ فإنها نِعْمَةٌ إذ الْمُناظَرَةُ الْحَقَّةُ فيها إظهارُ الحقِّ على الباطلِ ، والراجِحِ على المرجوحِ ، فهي مَبْنِيَّةٌ على الْمُناصَحَةِ والْحِلْمِ ، ونَشْرِ العلْمِ ، أمَّا الْمُماراةُ في المحاوَرَاتِ والمناظَرَاتِ ؛ فإنها تَحَجُّجٌ ورِياءٌ ، ولَغَطٌ وكِبرياءُ ومُغالَبَةٌ ومِراءٌ ، واختيالٌ وشَحْنَاءُ ، ومُجاراةٌ للسفهاءِ ، فاحْذَرْها واحْذَرْ فاعِلَها ؛ تَسْلَمْ من المآثِمِ وهَتْكِ الْمَحارِمِ ، وأَعْرِضْ تَسْلَمْ وتَكْبُت الْمَأْثَمَ والْمَغْرَمَ .
*شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ ) المناظرة والمناقشة تشحذ الفهم وتعطي الإنسان قدرة على المجادلة. والمجادلة في الحق مأمور بها كما قال الله تعالى: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125. فإذا تمرن الإنسان على المناظرة والمجادلة حصل على خير كثير، وكم من إنسان جادل بالباطل فغلب صاحب الحق لعدم قدرته على المجادلة. لكن المجادلة نوعان: مجادلة المماراة، يماري بذلك السفهاء ويجادل الفقهاء ويريد أن ينتصر لقوله،فهذه مذمومة. والثاني لإثبات الحق وإن كان عليه، فهذه محمودة مأمور بها. وعلامة ذلك- المجادلة الحقة - أن الإنسان إذا بلغه الحق اقتنع وأعلن الرجوع، أما المجادل الذي يريد الانتصار لنفسه فتجده لو بان الحق، وكان ظاهر الحق مع خصمه يورد إيرادات: لو قال قائل. ثم إذا أجيب. ولو قال قائل. ثم إذا أجيب، قال ولو قال قائل. ثم تكون سلسلة لا منتهي لها، ومثل هذا عليه خطر أن لا يقبل قلبُه الحقَ، لا بالنسبة للمجادلة مع الآخر، لكن حتى في خلوته، ربما يورد الشيطان عليه هذه الإيرادات. قال الله تعالى:" وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ "الأنعام110. وقال الله تعالى: "وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ "المائدة49 فعليك يا أخي ابتغاء الحق سواء كان بمجادلة غيرك أو بمجادلة نفسك متى تبين قل: سمعنا وأطعنا. لهذا تجد الصحابة يقبلون ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم وما أخبر به دون أن يوردوا عليه الاعتراضات أو قول: أرأيت . . . أرأيت. ولهذا جادل رجل عبد الله بن عمر فقال له: أرأيت؟! قال له :«اجعل أرأيت في اليمن». لأنه من أهل اليمن. عندما سأل أهل العراق عن دم البعوضة. وهل يجوز قتل البعوضة؟! قال: سبحان الله !! أهل العراق يقتلون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأتون يسألون عن دم البعوضة!! هذه مجادلة ولا شك. آفاق التيسير شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ): الشيخ: المماراة هي المناقشات العقيمة ، والمناقشات التي تكون لإظهار النفس ، لا لتعرف الحق ، قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أنا ضمين ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا".1 أما المناظرة والمناقشة والمجادلة ، هذه مطلوبة لأنّ الإنسان يقصد بها الوصول إلى الحق ، ولأنّ الكلام فيها يُبنى على دليل صحيح ، ولأنّ المرء في المناظرة والمناقشة إذا وصل إلى الدليل سمع وله أذعن ، أما في المماراة فهو يريد إبطال دليل خصمِه ولو كان دليلا صحيحا في نظره. وقد قال الله تعالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...}النحل125 ، وقال سبحانه : "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }العنكبوت46 ومن هنا فإنّ المناقشة محمودة وهي نوع من أنواع النصح ، ونوع من أنواع التعلم ، وقد ذكر الله في كتابه عددا من المناقشات والمناظرات بين الأنبياء وأقوامهم ، انظر لمناقشة موسى عليه السلام لفرعون ، ومناقشة إبراهيم عليه السلام لقومه ، وبعض مناقشات النبي صلى الله عليه وسلم لبعض مَنْ في زمانه ،" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }آل عمران64، "هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }آل عمران66 (قرأها الشيخ : جادلتم في الموضعين ) ، "وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ "البقرة111 وبالتالي فإنّ المراء مذموم لأن المقصود فيه الغلبة ، وليس المقصود الحق ، وبالتالي تجده يرفع الصوت ليغلب من أمامه ، وتجده يموّه في الكلام ليغلب من أمامه ، وتجده يحاول أن يوجد تناقضات في كلام مقابله ولو لم تكن صحيحة من أجل أن يغلبه ويتمكّن منه ، وبالتالي فالمراء مؤثّر على صحة النيّة ، غير موصل إلى حق. من هنا فإنه يُنهى عنه ، لأنه سبب من أسباب الإثم ، فإذا وجدت هذه المناقشات تحوّلت إلى مراء ، مناقشات عقيمة والمقصود الغلبة والانتصار ، حينئذ أعرض عنها ، وأوْصل الحق فقط ، ولا تُجادل ولا تُناقش ، إذا كان المقصود كذلك. آفاق التيسير 1-" أنا زعيمٌ ببيتِ في رَبَضِ الجنةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقًّا ، وببيتِ في وسطِ الجنةِ لمَن تركَ الكذبَ وإن كان مازحًا ، وببيتٍ في أعلى الجنةِ لمَن حُسُنَ خلقُه". الراوي : أبو أمامة الباهلي - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح أبي داود-الصفحة أو الرقم: 4800- خلاصة حكم المحدث : حسن- الدرر السنية |
#50
|
||||
|
||||
الأمر الحادي والأربعون: مُذاكَرَةُ العِلْمِ : تَمَتَّعْ مع البُصَرَاءِ بالْمُذاكَرَةِ والْمُطارَحَةِ ؛ فإنها في مَواطِنَ تَفوقُ الْمُطالَعَةَ وتَشْحَذُ الذهْنَ وتُقَوِّي الذاكرةَ ؛ مُلْتَزِمًا الإنصافَ والملاطَفَةَ مُبْتَعِدًا عن الْحَيْفِ والشَّغَبِ والمجازَفَةِ . وقد قيلَ : إحياءُ العِلْمِ مُذاكرَتُه .وكُنْ على حَذَرٍ ؛ فإنها تَكْشِفُ عُوارَ مَن لا يَصْدُقُ . فإن كانت مع قاصرٍ في العِلْمِ ، باردِ الذهْنِ ؛ فهي داءٌ ومُنافَرَةٌ ، وأمَّا مُذاكرَتُك مع نفسِك في تقليبِك لمسائِلِ العلْمِ ؛ فهذا ما لا يَسوغُ أن تَنْفَكَّ عنه . شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ ) الشيخ: هذا أيضا من الذي ينبغي لطالب العلم أن يقوم به، وهو المذاكرة. والمذاكرة نوعان: مذاكرة مع النفس. ومذاكرة مع الغير. المذاكرة مع النفس: تجلس مثلا جلسة واحدة، ثم تفرض مسألة من المسائل أو تكون مسألة مرت عليك، ثم تأخذ في محاولة ترجيح ما قيل في هذه المسألة بعضه على بعض. يعني ترجيح بعض الأقوال على بعض في هذه المسألة. وهذه سهلة على (...) هي أيضا تساعد على مسألة المناظرة السابقة. أما المذاكرة مع الغير: فهي أيضا واضحة يختار الإنسان من إخوانه الطلبة من يكون عونا له على طلب العلم، مفيدا له فيجلس معه ويتذاكرا، يَقْرَآنِ مثلا ما حفظاه كل واحد يقرأ على الآخر قليلا أو يتذاكران في مسألة من المسائل بالمراجعة أو بالمفاهمة إن قدرا على ذلك، فإن هذا مما ينمي العلم ويزيده. لكن إياك والشغب والصلف-صلِف الشَّخصُ : • ادَّعى ما فوق قَدْره عُجْبًا وتكبُّرًا -هنا، لأن هذا لا يفيد. أنت الآن تحاج في مقام الإقناع أم في مقام التأديب؟ في مقام الإقناع. واعلم أنه لن يقتنع كلما اشتد غضبك عليه، بل ربما إذا اشتد غضبك عليه، اشتد غضبه عليك ثم ضاع الحق بينكما، لكن بالهدوء. أما لو علمت منه الإعنات، مثل أن تكون أنت أعلم منه وتفهم من العلم ما لا يفهم، ولكن عرفت أن هذا الرجل يريد العنت-.الْخَطَأ -والمكابرة عنادا هنا -فحينئذ لك أن تشتد عليه وأن تقول: لن أفهمك لقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }المائدة42. ولهذا قال المؤلف : «فإن كانت مع قاصرٍ في العِلْمِ ، باردِ الذهْنِ ؛ فهي داءٌ ومُنافَرَةٌ ». (...) بعض الناس أكثر علما من الآخر لكن الثاني أفهم منه في معرفة النصوص والثالث أعقل منهم أيضا في معرفة مصادر الشريعة ومواردها لأنه قد يفهم الإنسان النص فهما كاملا لكن ليس عنده ذاك العقل الذي يجمع بين أدلة الشريعة وبين مقاصدها وأسرارها فتجده يأخذ بظاهر اللفظ ولو كان بعيدا عن مقاصد الشرع وهذا خلل عظيم، أرأيت قول ابن حزم في الشاة الثنية *لا تجزئ وفي الجذعة، تجزئ، هذا بعيد جدا عن مقاصد الشريعة ، إذا كانت الجذعة تجزئ فالثنية من باب أولى ولا شك، أو يقول بعض الظاهرية: إذا استأذن الرجل ابنته البكر في أن يزوجها رجلا فقالت: يا أبت لا أريد إلا هذا الرجل وأمثاله وأنا موافقة يقول: هذا ليس بإذن ، لا يزوجها ، والبنت الثانية لما شاورها سكتت ولم تقل شيء هذه تزوج والأخرى لا تزوج مع أنها صرحت بالرضا والثانية سكوتها دليل الرضا وليس هو الرضا فالمهم أنه لا بد من عقل، فقد يكون بعض الناس أكثر علما لكنه لا يفهم، وقد حدثتكم مرة عن حمار الفروع تذكرون، رجل حفظ كتاب الفروع لابن مفلح (ثلاثة مجلدات) ولكنه لا يفهم منه ولا معنى واحد فكان أصحابه يجعلونه كمكتبة إذا أشكل عليهم شيء قالوا: ماذا قال صاحب الفروع في الفصل الفلاني أو الباب الفلاني أوالكتاب الفلاني؟ (...) وهو ما يعرف معناه أبدا ، فهذا ليس عنده فهم، فلا بد من فهم. آفاق التيسير شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ) الشيخ : هذا هو الأدب الحادي والأربعون من آداب طالب العلم : مذاكرة العلم ؛ يعني مراجعته والمناقشة فيه ، الباب الفلاني ماذا يشتمل عليه من المسائل؟ يشتمل على المسألة الأولى كذا ، والمسألة الثانية كذا ، والمسألة الثالثة كذا. الباب الفلاني من أبواب العلم ما هي الأحاديث التي تكون فيه؟ أورد حديثا ، ثم أنت تورد حديثا. باب الاعتكاف ماذا وجد فيه من الآيات القرآنية والأحاديث؟ أورد الآيات ثم نورد الأحاديث ، واحدا واحدا ، أنت تورد حديثا ، وأنا أورد حديثا آخر ، هذا يُسمّى مذاكرة العلم. ومذاكرة العلم من أكبر الوسائل المؤدّية إلى حفظ العلم ، وقد كان الصحابة والتابعون والأئمّة يتذاكرون العلم ، إذا جلسوا بدؤوا يتذاكرون ، وكل يوم يتذاكرون في باب أو نحوه ، وبالتالي يحفظون العلم. قال المؤلف : وهذا شاهده ودليله : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان في رمضان يأتيه جبريل فيقرأ عليه القرآن في كل عام مرة ، هذا من مذاكرة العلم ، وكان الصحابة يُذاكرون العلم ، أبوهريرة كان في الليل يُراجع الأحاديث التي حفظها لتبقى في ذهنه ، وهكذا الأئمة لا زالوا على طلب العلم بواسطة المُذاكرة. والمذاكرة فوق المُطالعة ، إذا جيت كتاب وقرأت فيه باب الاعتكاف في كتب الحديث ، هذه مطالعة ، فإذا جلست مع طالب علم وبدأت تذاكر ، ماذا ورد في الباب الفلاني في باب الاعتكاف من الأحاديث هذا أقوى في رسوخ المعلومة من الأول ، وفي نفس الوقت تعوّد ، أو تجعل الذهن متوقّدا حاضرا لهذا الباب ، وتقوّي ذاكرة الإنسان ، وتجعله منصفا في كلامه مع غيره ، يعني مرة يُعطي معلومة ، ومرة يأخذ المعلومة من غيره ، وبالتالي يكون لطيفا بخلاف المناظرات فإنه قد يكون فيها ما يكون فيها من القوة ، وما ينافي الملاطفة بخلاف المذاكرة. لكن ينبغي أن تبتعد عن ذلك المتعالِم أو ذلك الكاذب ، أو من ليس عنده أمانة علميّة ، لأنّ قد يوهمك أنّ في هذا الباب الحديث الفلاني ، ويوهمك أنّ هذه المسألة توجد في باب كذا ، ويوهمك أنّ هذه المعلومة عند هؤلاء الفقهاء على هذا النحو ، ولا يكون الأمر كذلك. أما مراجعة الإنسان لمسائل العلم في نفسه فهذا عظيم الفائدة كبير الثمرة ، نعم. آفاق التيسير * فالجذع من الضأن : ما أتم ستة أشهر عند الحنفية والحنابلة ، وعند المالكية والشافعية ما أتم سنة . والمسنة (الثني) من المعز : ما أتم سنة عند الحنفية والمالكية والحنابلة ، وعند الشافعية ما أتم سنتين . والمسنة من البقر : ما أتم سنتين عند الحنفية والشافعية والحنابلة ، وعند المالكية ما أتم ثلاث سنوات . والمسنة من الإبل : ما أتم خمس سنوات عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة . وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/70) : " وتقدير هذه الأسنان بما قلنا لمنع النقصان لا لمنع الزيادة ; هنا |
|
|