العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى القرآن والتفسير > ملتقى القرآن والتفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-07-2017, 04:42 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
Arrow

مجلس رقم 25
"قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا *"الكهف 26.

وقوله: " أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ " تعجب من كل سمعه وبصره, وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات, بعدما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات.
ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة, فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون, الولي لعباده المؤمنين, يخرجهم من الظلمات إلى النور وييسرهم لليسرى, ويجنبهم العسرى, ولهذا قال: " مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ " .
أي: هو الذي تولى أصحاب الكهف, بلطفه وكرمه, ولم يكلهم إلى أحد من الخلق.
" وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا " وهذا يشمل الحكم الكوني القدري, والحكم الشرعي الديني, فإنه الحاكم في خلقه, قضاء وقدرا, وخلقا وتدبيرا والحاكم فيهم, بأمره ونهيه, وثوابه وعقابه.
تفسير السعدي
قوله تعالى"قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا" أي قل يا محمد"اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا" ، وهذه الجملة تمسك بها من يقول: إنَّ قوله: "وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ"الكهف: 25. هي من قول الذين يتحدثون عن مكث أهل الكهف بالكهف وهم اليهود الذين يَدَّعون أن التوراة تدل على هذا، وعلى هذا القول يكون قوله"وَلَبِثُو" مفعولاً لقول محذوف والتقدير: «وقالوا: لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً»، ثم قال: "قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا" ولكن هذا القول وإن قال به بعض المفسرين
فالصواب خلافه وأن قوله"وَلَبِثُوا" من قول الله، ويكون قوله"اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا" من باب التوكيد أي: توكيد الجملة أنهم لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً، والمعنى"قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا"وقد أعلَمَنا أنهم لبثوا "ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا" وما دام الله أعلم بما لبثوا فلا قول لأحد بعده.

قال الله عزّ وجل"قُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا *" أي له ما غاب في السموات والأرض، أو له علم غيب السموات والأرض، وكلا المعنيين حق، والسموات جمع سماء وهي سبع كما هو معروف، والأرض هي أيضاً سبع أرَضين-15، فلا يعلم الغيب ـ علم غيب السموات والأرض ـ إلاَّ الله، فلهذا من ادعى علم الغيب فهو كافر، والمراد بالغيب المستقبل، أما الموجود أو الماضي فمن ادعى علمهما فليس بكافر؛ لأن هذا الشيء قد حصل وعلمه من علمه من الناس، لكن غيب المستقبل لا يكون إلاَّ لله وحده، ولهذا من أتى كاهناً يخبره عن المستقبل وصدَّقه فهو كافر بالله عزّ وجل؛ لأنه مكذب لقوله تعالى" قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ"النمل: 65 ، أما ما كان واقعًا؛ فإنه من المعلوم أنه غيب بالنسبة لقوم وشهادة بالنسبة لآخرين.
"أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ" هذا يسميه النحويون فعل تعَجُّب.
"أَبْصِرْ بِهِ" بمعنى ما أبصره.
"وَأَسْمِعْ" بمعنى ما أسمعه، وهو أعلى ما يكون من الوصف، والله تبارك وتعالى يبصر كل شيء، يبصر دبيب النملة السوداء على الصخرة السوداء في ظلمة الليل، ويبصر ما لا تدركه أعين الناس مما هو أخفى وأدق، وكذلك في السمع، يسمع كل شيء، يعلم السر وأخفى من السر ويعلم الجهر "وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى *" طه: 7 . تقول عائشة رضي الله عنها في قصة المجادلة التي ظاهر منها زوجها، وجاءت تشتكي إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم وكانت عائشة في الحجرة، والحجرة صغيرة كما هو معروف، وكان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يحاور المرأة وعائشة يخفى عليها بعض الحديث، والله عزّ وجل يقول"قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ"المجادلة: 1 . تقول عائشة رضي الله عنها «الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، إني لفي الحجرة وإنه ليخفى عليَّ بعض حديثها»،
"الحمدُ للَّهِ الَّذي وسِعَ سمعُهُ الأصواتَ ، لقد جاءَت خَولةُ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، تشكو زوجَها ، فَكانَ يَخفَى عليَّ كلامُها فأنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا الآيةَ" الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3460-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

والله عزّ وجل فوق كل شيء، ومع ذلك سمع قولها ومحاورتها للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وفيه الإيمان بأن الله تعالى ذو بصر نافذ لا يغيب عنه شيء وذو سمع ثاقب لا يخفى عليه شيء ، والإيمان بذلك يقتضي للإنسان ألا يُري ربَّه ما يكرهه ولا يُسمعه ما يكرهه؛ لأنك إن عملت أي عمل رآه وإن قلت أي قول سمعه، وهذا يوجب أن تخشى الله عزّ وجل وألا تفعل فعلاً يكرهه ولا تقول قولاً يكرهه الله عزّ وجل، لكن الإيمان ضعيف، فتجد الإنسان عندما يريد أن يقول أو أن يفعل؛ لا يخطر بباله أن الله يسمعه أو يراه إلاَّ إذا نُبِّه، والغفلة كثيرة، فيجب علينا جميعاً أن ننتبه لهذه القضية العظيمة.
"مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ" قوله"مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ" هل الضمير يعود على أصحاب الكهف أو على من هم في السموات والأرض؟
الجواب: الثاني هو المتعين، يعني ليس لأحد ولي من دون الله، حتى الكفار وليهم الله عزّ وجل وحتى المؤمنون وليهم الله عزّ وجل قال الله تعالى" وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ "الأنعام: 61 ـ 62 . والله ولي كُلِّ أحد، وهذه هي الولاية العامة ، أليس الله تعالى يرزق الكافرين وينمي أجسامهم وييسر لهم ما في السموات والأرض، وسخر الشمس والقمر والنجوم والأمطار؟! هذه ولاية، ويتولى المؤمنين أيضاً بذلك؛ لكن هذه ولاية عامة.
أما الولاية الخاصة، فهي للمؤمنين. قال تعالى"اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النَّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ"البقرة: 257 ، والولاية الخاصة تستلزم عناية خاصة، أن الله يسدد العبد فيفتح له أبواب العلم النافع والعمل الصالح، ولهذا قال"يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ". يخرجهم بالعلم، فيعلمهم أولاً ويخرجهم ثانياً بالتوفيق.
إعراب الجملة هذه"مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ" نافية، و "مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ" خبر مقدم، و "مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ" مبتدأ مؤخر دخل على هذه الكلمة حرف الجر الزائد لأنك لو حذفت "مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ" وقلت: «ما لهم من دونه وليٌّ» لاستقام الكلام، لكن جاءت "مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ" من أجل التوكيد والتنصيص على العموم، يعني: لا يمكن أن يوجد لأهل السموات والأرض ولي سوى الله.
قوله"وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا" هذه كقوله تعالى"إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ"الأنعام: 57 ، وقال"وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ"الشورى: 10 ، والحكم كوني وشرعي، فالخلق والتدبير حكم كوني، والحكم بين الناس بالأوامر والنواهي حكم شرعي، وقوله"وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا" يشمل النوعين. فلا أحد يشرك الله في حكمه لا الكوني ولا الشرعي، وفيه دليل على وجوب الرجوع إلى حكم الله الشرعي، وأنه ليس لنا أن نُشَرِّع في دين الله ما ليس منه، لا في العبادات ولا في المعاملات، وأما من قال: إن لنا أن نُشَرِّع في المعاملات ما يناسب الوقت، فهذا قول باطل: لأنه على قولهم لنا أن نجوز الربا ولنا أن نجوز الميسر وأن نجوز كل ما فيه الكسب ولو كان باطلا، فالشرع صالح في كل زمان ومكان ولن يُصلحَ آخر هذه الأمة إلاَّ ما أصلح أولها -17، الحكم الكوني لا أحد يُشرك الله فيه ولا أحد يدعي هذا، هل يستطيع أحد أن يُنَزِّل الغيث؟! وهل يستطيع أحد أن يُمسك السموات والأرض أن تزولا؟! ولكن الحكم الشرعي هو محل اختلاف البشر ودعوى بعضهم أن لهم أن يشرعوا للناس ما يرون أنه مناسب.
تفسير العثيمين
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-07-2017, 04:44 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
Arrow

"مَنْ أَتَى كاهِنًا فصدَّقَهُ بما يَقولُ فقدْ كفرَ بما أُنزِلَ علَى محمَّدٍ"
الراوي: أبو هريرة - المحدث: الألباني - المصدر: النصيحة - الصفحة أو الرقم: 164-خلاصة حكم المحدث:
صحيح
الدرر السنية
"من أخذ من الأرضِ شيئًا بغيرِ حقِّه ، خُسِفَ به يومَ القيامةِ إلى سبعِ أرضين"
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2454-خلاصة حكم المحدث: صحيح.
الدرر السنية
حديثٌ إِنَّ زينبَ بنتَ جحشٍ كانتْ تفخرُ على أزواجِ النبيِّ تقولُ : زوَّجَكُنَّ أهاليكُنَّ ، وزوَّجَنِي اللهُ من فوقِ سبعِ سماواتٍ . وفي لفظٍ : كانتْ تقولُ : إِنَّ اللهَ أنكَحَني في السماءِ
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: مختصر العلو - الصفحة أو الرقم: 6-خلاصة حكم المحدث: صحيح

"نزلَت هذهِ الآيةُ في زينبَ بنتِ جحشٍ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا قالَ فَكانت تفخَرُ علَى أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ تقولُ زوجُكُنَّ أهْلوكُنَّ وزوَّجَنيَ اللَّهُ من فوقِ سبعِ سماواتٍ"
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3213-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية

الحمدُ للَّهِ الَّذي وسِعَ سمعُهُ الأصواتَ ، لقد جاءتِ المُجادِلةُ إلَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، وأَنا في ناحيةِ البَيتِ ، تَشكُو زوجَها ، وما أسمَعُ ما تَقولُ ، فأُنزِلَ اللَّهُ : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا
الراوي:عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 156 -خلاصة حكم المحدث: صحيح

الحمدُ للَّهِ الَّذي وسِعَ سمعُهُ الأصواتَ ، لقد جاءَت خَولةُ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، تشكو زوجَها ، فَكانَ يَخفَى عليَّ كلامُها فأنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ : قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا الآيةَ
الراوي: - عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3460-خلاصة حكم المحدث: صحيح
الدرر السنية
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-07-2017, 04:48 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
Arrow

الولي
.أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) (الشورى)
"وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ج وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) (الشورى)
وَهُوَ الْوَلِيّ الْحَمِيد " أَيْ هُوَ الْمُتَصَرِّف لِخَلْقِهِ بِمَا يَنْفَعهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ وَهُوَ الْمَحْمُود الْعَاقِبَة فِي جَمِيع مَا يُقَدِّرهُ وَيَفْعَلهُ.تفسير ابن كثير
*"ألا أُحدِّثُكم إلا ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ حدَّثنا به ويأمُرنا أن نقولَ اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من العجزِ والكسلِ والجبنِ والبخلِ والهَرَمِ وعذابِ القبرِ اللَّهمَّ آتِ نفسي تقواها وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها أنت وَلِيُّها ومولاها ، اللَّهمَّ إني أعوذُ بك من نفسٍ لا تشبعُ ، ومن قلبٍ لا يخشعُ ، ومن علمٍ لا ينفعُ ، ودعوةٍ لا تُستجابُ" الراوي: زيد بن أرقم المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 5553-خلاصة حكم المحدث: صحيحالدرر السنية

"لَقِينا المشركين يومئذٍ ، وأجلَسَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم جيشًا مِن الرماةِ ، وأمَّرَ عليهم عبدُ الله ، وقال : لا تَبرَحوا ، إن رأيتمونا ظهرَنا عليهم فلا تَبرَحوا ، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تُعينونا . فلما لَقِيناهم هربوا حتى رأيتُ النساءَ يَشتَدِدْنَ في الجبلِ ، رفعْنَ عن سُوقِهنَّ ، قد بدَتْ خلاخلُهنَّ ، فأخذوا يقولون : الغنيمةَ الغنيمةَ .فقال عبدُ اللهِ : عَهِدَ إلىَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم -أن لا تَبرَحوا . فأبوا ، فلما أبَوْا صُرِفَتْ وجوهُم ، فأُصِيبَ سبعون قتيلًا ، وأَشَرَفَ أبو سفيانَ، فقال : أفي القومِ محمدٌ ؟ فقال : لا تجيبوه . فقال : أفي القومِ ابنُ أبي قُحافَةَ ؟ قال : لا تجيبوه . فقال : أفي القوم ابنُ الخطابِ ؟ فقال إن هؤلاء قتلوا ، فلو كانوا أحياءَ لأجابوا ، فلم يَملِكْ عمرُ نفسَه ، فقال : كذبتُ يا عدوَّ اللهِ ، أبقى اللهُ عليك ما يُخْزِيك . قال أبو سفيإن : اعْلُ هُبَلُ ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : أجيبوه . قالوا : ما نقولُ ؟ قال : قولوا : اللهُ أعلى وأجلُّ . قال أبو سفيانَ: لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم . قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أجيبوه . قالوا : ما نقولُ ؟ قال : قولوا : اللهُ مولانا ولا مولى لكم . قال أبو سفيان : يومٌ بيومِ بدرٍ ، والحربُ سِجَالٌ ، وتجدون مُثْلَةً ، لم آمرْ بها ولم تَسؤْني ". الراوي: البراء بن عازب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4043خلاصة حكم المحدث: صحيح.
والمولى سبحانه هو من يركن إليه الموحدون ويعتمد عليه المؤمنون في الشدة والرخاء والسراء والضراء ولذلك خص الولاية هنا بالمؤمنين، قال تعالى" ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ "محمد:11، وقال تعالى: " وَإِنْ تَوَلوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ"الأنفال:40، وقال" قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ الله لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " التوبة:51، والله جعل ولايته للموحدين مشروطة بالاستجابة لأمره، والعمل في طاعته وقربه، والسعي إلى مرضاته وحبه، فمن حديث أَبِي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ التِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ التِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ.
اسم الله المولى يدل على ذات الله وعلى صفة الولاية الخاصة بدلالة المطابقة، وعلى أحدهما بالتضمن، فالولاية التي دل عليها اسمه المولى تكون لبعض خلقه دون بعض كما قال تعالى" الله وَلِيُّ الذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "البقرة:257.واسم الله المولى يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والقدرة والعدل والحكمة والعزة والرحمة والسيادة والأحدية والغنى والصمدية، وغير ذلك من أوصاف الكمال،
هنا
فالولي في اللغة ضد العدو، ومعناه في أَسماء الله تعالى: الناصِرُ، وقيل: المُتَوَلِّي لأُمور العالم والخلائق القائمُ بها، الذي ينصر أولياءه ويليهم بإحسانه وفضله، جاء في شرح أسماء الله الحسنى: وولاية الله لعباده تعني قربه منهم، فهو أقرب إليهم من حبل الوريد، وهي الولاية العامة التي تقتضي العناية والتدبير وتصريف الأمور والمقادير.. أما الولاية الخاصة: فهي ولايته للمؤمنين وقربه منهم، وهي ولاية حفظ ومحبة ونصرة.. قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ "سورة يونس، الآية: 63. وقد ورد اسم الولي ـ مطلقا غير معرف ب أل ـ في كثير من نصوص الوحي من القرآن والسنة، وورد بالتعريف ـ ب أل ـ في القرآن الكريم مرتين فقط في سورة الشورى، وهما قول لله تعالى: فالله هو الولي "وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير" سورة الشورى الآية:9. وقوله تعالى: وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته "وهو الولي الحميد" "سورة الشورى الآية: 28.

هنا
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-07-2017, 04:54 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
Arrow

"وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا" 27 الكهف.

ولما أخبر أنه تعالى, له غيب السماوات والأرض, فليس لمخلوق إليها طريق, إلا عن الطريق التي يخبِـر بها عباده, ولماكان هذا القرآن, قد اشتمل على كثير من الغيوب, أمر تعالى بالإقبال عليه فقال: " واتل " إلى قوله " ملتحد " .
التلاوة, هي الاتباع أي: اتبع ما أوحى الله إليك بمعرفة معانيه وفهمها, وتصديق أخباره, وامتثال أوامره ونواهيه, فإنه الكتاب الجليل, الذي لا مبدل لكلماته, أي: لا تغير ولا تبدل لصدقها وعدلها, وبلوغها من الحسن, فوق كل غاية "
وَتَمَّت، كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقًا وَعَدلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ " .سورة الأنعام رقم الآية 115
فلكمالها, استحال عليها التغيير والتبديل.
فلو كانت ناقصة, لعرض لها ذلك, أو شيء منه.
وفي هذا, تعظيم للقرآن, في ضمنه, الترغيب على الإقبال عليه.
" وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا " أي: لن تجد من دون ربك, ملجأ تلجأ إليه, ولا معاذا تعوذ به.
فإذا تعين أنه وحده, الملجأ في كل الأمور, تعين أن يكون هو المألوه المرغوب إليه, في السراء والضراء, المفتقر إليه في جميع الأحوال, المسئول في جميع المطالب.
تفسير السعدي
قوله تعالى"وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ" هذا كالنتيجة لقوله"وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا" يعني إذا كان لا يشرك في حكمه أحداً فاتْلُ"وَاتْلُ".

فقوله"وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ" يشمل التلاوة اللفظية والتلاوة العملية، أمّا التلاوة اللفظية فظاهر، تقول: «فلان تلا علي سورة الفاتحة»، والتلاوة الحكمية العملية أن تعمل بالقرآن، فإذا عملت به فقد تلوتَه أي تَبعتَه، ولهذا نقول في قوله تعالى"إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ"فاطر: 29 ، يشمل التلاوة اللفظية والحكمية، والخطاب في قوله"وَاتْلُ" للرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولكن اعلم أن الخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما دلَّ الدليل على أنه خاص به، فهو خاص به.
الثاني: ما دلَّ الدليل أنه للعموم، فهو للعموم.
الثالث: ما يحتمل الأمرين، فقيل: إنه عام، وقيل: إنه خاص، وتتبعه الأمة لا بمقتضى هذا الخطاب، ولكن بمقتضى أنه أسوتها وقدوتها.
فمثال الأول الذي دلَّ الدليل على أنه خاص به، قوله تبارك وتعالى"أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ *"الشرح: 1. فهذا لا شك أنه خاص به، وكذلك قوله تعالى" أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى "الضحى: 6 ، فهو خاص به صلّى الله عليه وسلّم.
ومثال الثاني الذي دلَّ الدليل على أنه عام، قوله تعالى: "يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصَوا الْعِدَّةَ"الطلاق: 1 ، فقوله"طَلَّقْتُمُ" للجماعة؛ وهم الأمة، لكن الله سبحانه وتعالى نادى زعيمها ورسولها لأنهم تابعون له فقال"يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ"، إذاً الخطاب يشمل النبي صلّى الله عليه وسلّم وجميع الأمة، ومثال ما يحتمل الأمرين هذه الآية"وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ"، لكن قد يقول قائل: إن هذه الآية فيها قرينة قد تدل على أنه خاص به كما سنذكره إن شاء الله، ولكن الأمثلة على هذا كثيرة، والصواب أن الخطاب للأمة ولكن وُجِّه لزعيمها وأسوتها؛ لأن الخطابات إنما توجه للرؤساء والمتبوعين.
وقوله"مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ" هو القرآن، وفي إضافة الرب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام دليل على أن ما أوحاه الله إلى رسوله من تمام عنايته به.
وقوله"وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا" يعني لا أحد يستطيع أن يبدل كلماته، لا الكونية ولا الشرعية، أما الكونية فواضح، لا أحد يستطيع أن يُبَدِّلها، فإذا قال الله تعالى"كُنْ" في أمر كوني فلا يستطيع أحد أن يبدله، أما الشرعية فلا أحد يستطيع شرعاً أن يبدلها. والنفي هنا ليس نفياً للوجود، ولكن النفي هنا للإمكان الشرعي، فلا أحد يستطيع شرعًا أن يبدل كلمات الله الشرعية، فالواجب على الجميع أن يستسلموا لله، فلو قال قائل: وجدنا من يبدل كلام الله! فإن الله أشار إلى هذا في قوله في الأعراب، قال تعالى"يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ"الفتح: 15 . قلنا: هذا تبديل شرعي، والتبديل الشرعي قد يقع من البشر فيحرفون الكلام عن مواضعه، ويفسرون كلام الله بما لا يريده الله، ومن ذلك جميع المعطِّلة لصفات الله عزّ وجل، أو لبعضها ممن بدلوا كلام الله.
"وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا" يعني لن تجد أيها النبي من دون الله عزّ وجل ملتحداً، أي أحداً تميل إليه أو تلجأ إليه لأن الالتحاد من اللحد وهو الميل، يعني لو أرادك أحد بسوء ما وجدت أحداً يمنعك دون الله عزّ وجل، إذاً عندما يصيب الإنسان شيء يتضرر به أو يخاف منه، يلتجئ إلى من؟ إلى الله، ونظير هذه الآية قوله تعالى" قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا "الجن: 21، 22 .
تفسير العثيمين

التلاوة: هي الاتباع، أي: اتبع ما أوحى الله إليك بمعرفة معانيه وفهمها، وتصديق أخباره، وامتثال أوامره ونواهيه، فإنه الكتاب الجليل، الذي لا مبدل لكلماته، أي: لا تغير ولا تبدل لصدقها وعدلها، وبلوغها من الحسن فوق كل غاية {
وَتَمَّت، كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدقًا وَعَدلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ " .سورة الأنعام رقم الآية 115 . فلتمامها، استحال عليها التغيير والتبديل، فلو كانت ناقصة، لعرض لها ذلك أو شيء منه، وفي هذا تعظيم للقرآن، في ضمنه الترغيب على الإقبال عليه.
" وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا " أي: لن تجد من دون ربك، ملجأ تلجأ إليه، ولا معاذا تعوذ به، فإذا تعين أنه وحده الملجأ في كل الأمور، تعين أن يكون هو المألوه المرغوب إليه، في السراء والضراء، المفتقر إليه في جميع الأحوال، المسئول في جميع المطالب
هنا
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-07-2017, 05:00 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
Arrow

"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا *".28 الكهف
يأمر تعالى نبيه محمدا, صلى الله عليه وسلم, وغيره أسوته, في الأوامر والنواهي أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين " الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ " أي: أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله.
فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها.
ففيها الأمر, بصحبة الأخيار, ومجاهدة النفس على صحبتهم, ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد, ما لا يحصى.
" وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ " أي: لا تجاوزهم بصرك, وترفع عنهم نظرك.
" تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " فإن هذا ضار غير نافع, وقاطع عن المصالح الدينية.
فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا, فتصير الأفكار والهواجس فيها وتزول من القلب, الرغبة في الآخرة, فإن زينة الدنيا, تروق للناظر, وتسحر القلب, فيغفل القلب عن ذكر الله, ويقبل على اللذات والشهوات فيضيع وقته, وينفرط أمره, فيخسر الخسارة الأبدية, والندامة السرمدية ولهذا قال: " وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا " غفل عن الله, فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.
" وَاتَّبَعَ هَوَاهُ " أي: صار تبعا لهواه, حيث ما اشتهت نفسه فعله, وسعى في إدراكه, ولو كان فيه هلاكه وخسرانه, فهو قد اتخذ إلهه هواه كما قال تعالى: " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم " الآية.
" وَكَانَ أَمْرُهُ " أي: مصالح دينه ودنياه " فُرُطًا " أي: ضائعة معطلة.
فهذا قد نهى الله عن طاعته, لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به, ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به.
ودلت الآية, على أن الذي ينبغي أن يطاع, ويكون إماما للناس, من امتلأ قلبه بمحبة الله, وفاض ذلك على لسانه, فلهج بذكر الله, واتبع مراضي ربه, فقدمها على هواه, فحفظ بذلك ما حظ من وقته, وصلحت أحواله, واستقامت أفعاله, ودعا الناس إلى ما من الله به عليه.
فحقيق بذلك, أن يتبع ويجعل إمامًا.
والصبر, المذكور في هذه الآية, هو الصبر على طاعة الله, الذي هو أعلى أنواع الصبر, وبتمامه يتم باقي الأقسام.
وفي الآية, استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار, لأن الله مدحهم بفعله.
وكل فعل مدح الله فاعله, دل ذلك على أن الله يحبه, وإذا كان يحبه فإنه يأمر به, ويرغب فيه.
تفسير السعدي

قوله تعالى" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ " أي احبسها مع هؤلاء الذين يدعون الله دعاء مسألة ودعاء عبادة، اجلس إليهم وقوِّ عزائمهم.
وقوله" بِالْغَدَاةِ " أي أول النهار.
وقوله"وَالْعَشِيِّ" آخر النهار.
قوله"يُرِيدُونَ وَجْهَهُ" مخلصين لله عزّ وجل يريدون وجهه ولا يريدون شيئاً من الدنيا، يعني أنهم يفعلون ذلك لله وحده لا لأحدٍ سواه.
وفي الآية إثبات الوجه لله تعالى ، وقد أجمع علماء أهل السنة على ثبوت الوجه لله تعالى بدلالة الكتاب والسنة على ذلك، قال الله تعالى"وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ *"الرحمن: 27 . وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أعوذ بوجهك» [*]، وأجمع سلف الأمة وأئمتُها على ثبوت الوجه لله عزّ وجل.
* لما نزلت هذه الآيةُ "قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ" . قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم " أعوذُ بوجهِكَ " . فقال"أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ " . فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم" أعوذُ بوجهِكَ " . قال " أو يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا " . فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : هذا أيْسَرُ .
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7406- خلاصة حكم المحدث: صحيح.
الدرر السنية
"قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ"


الأنعام 65


ولكن هل يكون هذا الوجه مماثلاً لأوجه المخلوقين؟
الجواب: لا يمكن أن يكون وجه الله مماثلاً لأوجه المخلوقين لقوله تعالى"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" الشورى: 11 . وقوله تعالى"رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا " مريم: 65 ، أي شبيهًا ونظيرًا، وقال الله تبارك وتعالى "فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ"البقرة: 22 .
وهكذا كل ما وصف الله به نَفْسَهُ فالواجب علينا أن نجريه على ظاهره، ولكن بدون تمثيل، فإن قال قائل: إذا أثبتّ لله وجهًا لزم من ذلك التمثيل، ونحمل قوله"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"الشورى: 11 ، يعني إلاَّ في ما أثبته كالوجه واليدين؟
فالجواب: أن هذا مكابرة؛ لأننا نعلم حساً وعقلاً أن كل مضاف إلى شيء فإنه يناسب ذلك الشيء، أليس للإنسان وجه، وللجَمَلِ وجه، وللحصان وجه وللفيل وجه؟ بلى، وهل هذه الأوجه متماثلة؟ لا؛ أبداً! بل تناسب ما أضيفت إليه، بل إن الوقت والزمن له وجه، كما في قوله تعالى: "آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ"آل عمران: 72 ، فأثبت أن للزمن وجهاً، فهل يمكن لأحد أن يقول: إن وجه النهار مثل وجه الإنسان؟.
الجواب: لا يمكن، إذاً ما أضافه الله لنفسه من الوجه لا يمكن أن يكون مماثلاً لأوجه المخلوقين؛ لأن كل صفة تناسب الموصوف . فإن قال قائل: إنه قد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنَّ الله تعالى خلق آدم على صورته» 19، فما الجواب؟
فالجواب: من أحد وجهين:
الوجه الأول: إما أن يقال: لا يلزم من كونه على صورته أن يكون مماثلاً له، والدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبر بأن أوَّل زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر 20، ونحن نعلم أنه ليس هناك مماثلة بين هؤلاء والقمر، لكن على صورة القمر من حيث العموم إضاءةً وابتهاجاً ونورًا. الوجه الثاني: أن يقال: «على صورته» أي على الصورة التي اختارها الله عزّ وجل، فإضافة صورة الآدمي إلى الله على سبيل التشريف والتعظيم كما في قوله تعالى"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ"البقرة: 114 ، ومن المعلوم أن الله ليس يصلي في المساجد، لكن أضيفت إلى الله على سبيل التشريف والتعظيم وعلى أنها إنما بنيت لطاعة الله، وكقول صالح عليه السلام لقومه"نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا"الشمس: 13] ، ومن المعلوم أن هذه الناقة ليست لله كما تكون للآدمي يركبها؛ لكن أضيفت إلى الله على سبيل التشريف والتعظيم، فيكون «خلق آدم على صورته» أو «على صورة الرحمن»21 ، يعني على الصورة التي اختارها من بين سائر المخلوقات، قال الله تعالى في سورة الانفطار: " يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ "الانفطار: 6، 7 ، أي الذي جعلك جعلا كهذا وهذا يشمل اعتدال القامة واعتدال الخلقة، ففهمنا الآن والحمد لله أن الله تعالى له وجه حقيقي وأنه لا يشبه أوجه المخلوقين . وقوله"يُرِيدُونَ وَجْهَهُ" إشارة للإخلاص، فعليك أخي المسلم بالإخلاص حتى تنتفع بالعمل.
وقوله"وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" يعني لا تتجاوز عيناك عن هؤلاء السادة الكرام تريد زينة الحياة الدنيا، بل اجعل نظرك إليهم دائماً وصحبتك لهم دائماً، وفي قوله"تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" إشارة إلى أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم لو فارقهم لمصلحة دينية لم يدخل هذا في النهي.
قال تعالى"وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا" يعني عن ذكره إيَّانا أو عن الذكر الذي أنزلناه، فعلى الأول يكون المراد الإنسان الذي يذكر الله بلسانه دون قلبه، وعلى الثاني يكون المراد الرجل الذي أغفل الله قلبه عن القرآن، فلم يرفع به رأسًا ولم ير في مخالفته بأسًا.
قوله تعالى"وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" أي ما تهواه نفسه.
"وَكَانَ أَمْرُهُ" أي شأنه "فُرُطًا" أي منفرطًا عليه، ضائعًا، تمضي الأيام والليالي ولا ينتفع بشيء، وفي هذه الآية إشارة إلى أهمية حضور القلب عند ذكر الله، وأن الإنسان الذي يذكر الله بلسانه لا بقلبه تنْزَع البركة من أعماله وأوقاته حتى يكون أمره فُرطا عليه ، تجده يبقى الساعات الطويلة ولم يحصل شيئًا، ولكن لو كان أمره مع الله لحصلت له البركة في جميع أعماله.
تفسير العثيمين
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06-07-2017, 12:29 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
root


قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ الزخرف:67.
"المرءُ على دينِ خليلِهِ فلينظر أحدُكم من يخالِلْ"
الراوي: - المحدث: الألباني - المصدر: الإيمان لابن تيمية - الصفحة أو الرقم: 60-خلاصة حكم المحدث: حسنالدرر السنية

على دين خليله:أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته
فلينظر :فليتأمّل وليتدبّر
من يخالل:من المخالة وهي المصادقة والإخاء فمَن رضي دينه وخُلُقه صادقه ومَن لا ،تجنّبه


"سبعةٌ يظلُّهم اللهُ يومَ القيامةِ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه : إمامٌ عادلٌ ، وشابٌ نشأَ في عبادةِ اللهِ ، ورجلٌ ذكر اللهَ في خلاءٍ ففاضت عيناه ، ورجلٌ قلبُه معلقٌ في المسجدِ ، ورجلان تحابا في اللهِ ، ورجلٌ دعته امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ إلى نفسِها فقال : إني أخافُ اللهَ ، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما صنعتْ يمينُه
" الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6806-خلاصة حكم المحدث: صحيح.الدرر السنية

"ما مِنْ مسلِمَينِ يلتقيانِ فيُسَلِّمُ أحدُهما على صاحِبِهِ ، ويأخُذُ بيدِهِ ، لا يأخذُ بيدِهِ إلَّا للهِ ، فلا يفْتَرِقانِ حتى يُغْفَرَ لهما" الراوي: البراء بن عازب المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5778-خلاصة حكم المحدث: حسن.الدرر السنية

لماذا نركز على هذا المفهوم؟ لأن الالتقاءات التي تحدث اليوم بين الناس -أيها الإخوة- ليست لله، ولا في الله، وإنما هي من أجل عرضٍ من الدنيا زائل.
الآن الناس يتلاقون فيسلم الواحد على الثاني، ويأخذ بيده ويصافحه، لكن إذا نظرت في الحقيقة لماذا يصاحبه؟ ولماذا يسلم عليه؟ ولماذا يأخذ بيده؟ تجد الغرض من وراء هذا كله مصلحة دنيوية، الآن الناس يلتقون لكن اللقاءات على الماديات الفانية:
"وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ"الرحمن 27
"ما تحابا الرجلان إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه" الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 423-خلاصة حكم المحدث: صحيحالدرر السنية

معناه المحب في ازدياد، وكلما أحببت أخاك أكثر كلما ازددت فضلًا عند الله، فمعنى ذلك: أن الأفراد في المجتمع المسلم متلاصقون في غاية التلاصق، ويحب بعضهم بعضًا حبًا جمًّا، هكذا يريد الله من المسلمين، ولذلك المجتمع الإسلامي مجتمع متماسك لا يمكن أن تتخلله الشائعات ولا الأشياء المغرضة ولا وشايات الأعداء ومخططاتهم؛ لأنه إذا كان الأفراد في تلاحم، فمن أين ينفذ الشر؟ وكيف ينفذ؟.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم موضحًا الأجر العظيم للمحبة في الله والأخوة في الله وبعض بنودها، يقول عليه الصلاة والسلام عن الله عز وجل في حديث قدسي

"المتحابُّونَ في اللهِ في ظلِّ العرشِ يومَ لا ظلَّ إلا ظِلُّهُ ، يغبِطُهُمْ بمكانِهم النبيونَ والشهداءُ . ثم قال : فخرجتُ فأتيتُ عبادةَ بنَ الصامتِ فحدَّثتُه بحديثِ معاذٍ ، فقال عبادةُ بنُ الصامتِ : سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقول ، عن ربِّهِ تبارك وتعالى " حقَّتْ محبَّتي على المتزاورينَ فيَّ ، وحقَّتْ محبَّتي على المتحابِّين فيَّ ، وحقَّتْ محبَّتِي على المتناصحينَ فيَّ ، وحقَّتْ محبَّتي على المتباذِلينَ فيَّ ، و هم على منابرَ من نورٍ ؛ يغبِطُهم النبيونَ والصديقونَ بمكانهم". الراوي: معاذ بن جبل المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الموارد - الصفحة أو الرقم: 2129-خلاصة حكم المحدث: صحيحالدرر السنية



عن سعد بن أبي وقَّاصٍ قال: كُنَّا مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ستَّةَ نَفَرٍ، فقال المشركون: اطردْ هؤلاء؛ لا يجترؤون علينا، قال: وكنتُ أنا وابن مسعود، ورجلٌ من هذيل، وبلال، ورَجُلان نسيتُ اسْمَيْهما، فوقع في نَفْس رسول الله ما شاء الله أن يقع، فحدَّث نَفْسَهُ فأنزل الله - عزَّ وجلَّ "وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ"الأنعام: 521.
يأمر الله تعالى نبيَّهُ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلم - والأمر عامٌّ له ولأمَّته بلزوم الصالحين، ومصابرة النفس على مصاحبتهم، والبقاء معهم، خصوصًا الفقراء منهم والضعفاء؛ فالآية نزلت فيهم، والمكث معهم أبعد عن مظاهر الدنيا وفتنتها، ثمَّ ذَكَرَ أهمَّ صفاتهم، وهي شغل أوقاتهم بالعبادة بحسب الأحوال، لا يريدون بذلك رياءً ولا سمعةً، ولا ليقال: فلانٌ قارئٌ أو عابدٌ، أو عَرَضًا من الدنيا زائلٌ، إنما يريدون بذلك وجهَ الله - تعالى - وطلبَ مرضاته، ثم نهاه - تعالى - عن مصاحبة أهل الدنيا؛ فقال: "وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"؛ أي: لا تَتَطلَّعْ إلى مصاحبة غيرهم من أهل الشَّرف والغِنى؛ لما يَحْصُل بذلك من اشتغال القلب بزينة الدنيا عن أمر الآخِرة.
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي - رحمه الله -: "فإن ذلك يوجِب تعلُّق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخِرة، فإنَّ زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر القلب، فيغفل عن ذِكْر الله، ويُقبِل على اللذَّات والشَّهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبديَّة، والندامة السَّرْمَدِيَّة". اهـ2.
ثم نهاه نهيًا آخر؛ فقال"وَلا تُطِع مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا"، فنهاه عن طاعة الغافلين عن ذِكْر الله، المتَّبعين أهواءهم، الذين أضاعوا دِينَهم، فطاعة مَنْ هذه صفته هي الخسارة الحقيقية في الدنيا والآخرة.
وفي هذه الآية الكريمة فوائد كثيرة:
الأولى: الحثُّ على الصبر:
والمراد بالصبر: هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وقد ذكر الله الصبرَ في أكثر من تسعين موضعًا من كتابه؛ لأهميته ومكانته العظيمة؛ بل إنه في الآية الواحدة يتكَرَّرُ الأمر بالصبر؛ كما في قوله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"آل عمران: 200.
والثانية: استحباب ذِكْر الله، والدعاء طَرَفَي النهار:
قال الشيخ ابن سعدي - رحمه الله "لأن الله مَدَحَهم بفِعْلِه، وكلُّ فعلٍ مَدَحَ الله فاعِلَهُ دَلَّ على أنَّ الله يحبُّه، وإذا كان يحبُّه؛ فإنه يأمر به ويُرَغِّبُ فيه"3. اهـ.

قال تعالى"وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ"ق: 39، وعن أنسٍ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال"لأَنْ أَقْعُدَ مع قومٍ يذكرون الله من صلاة الغَدَاة حتى تطلع الشمس - أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربعةً من وَلَد إسماعيل، ولأن أجلس مع قومٍ يذكرون الله من صلاة العصر حتى تغرب الشمس - أحبُّ إليَّ من أن أعتق أربعةً"4.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال"لأَنْ أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر - أحبُّ إليَّ ممَّا طَلَعَت عليه الشمس"5.

الثالثة:الحثُّ على مجالَسة الصالحين الأخيار:
حتى لو كانوا فقراء أو ضعفاء؛ فإن في مجالستهم خيرًا كثيرًا؛ فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال"لا تصاحِب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامكَ إلا تقيٌّ"6.
قال أبو سليمان الخطَّابي: "وإنَّما حذَّر من صُحبة مَنْ ليس بتقيٍّ، وزَجَر عن مخالَطته ومؤاكلته؛ لأنَّ المُطاعَمَة تُوقِعُ الأُلْفَةَ والمودَّة في القلوب". اهـ7.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال"الرجل على دين خليله؛ فلينظر أحدُكم مَنْ يُخَالِل"8.
قال الشاعر:
عَنِ المَرْءِ لا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فَكُلُّ قَرِينٍ بالمُقَارِنِ يَقْتَدِي
الرابعة: الزُّهد في الدنيا، والرَّغبة في الآخِرة:
كما قال تعالى"وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى"طه: 131، وكما قال تعالى"وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ* وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ"الزخرف: 33 - 35.
الخامسة: الحثُّ على الإخلاص لله تعالى:
فقد ذكر الله في الآية الأخرى عن عباده الصالحين أنهم يريدون بهذا العمل وجه الله، لا رياءً ولا سمعة؛ كما قال تعالى"إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا"الإنسان:9.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
-------
1 صحيح مسلم 4/1878- برقم 2413.
2 تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص425.
3 تفسير ابن سعدي ص425.
4 سنن أبي داود 3/324- برقم 3667.
5 صحيح مسلم 4/2072- برقم 2695.
6 سنن أبي داود 4/259- برقم 4833.
7 شرح السنة للبغوي 13/69.
8 سنن أبي داود 4/259، برقم 4832.
الألوكة
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-07-2017, 12:34 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,240
Arrow


" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " الكهف:28

وفيه درس عظيم : أن الإنسان بحاجة إلى التذكير وإن كان قوياً فالمصباح مع المصباح أكثر إنارة للطريق والمصباح الواحد قد تضعف إنارته في أي لحظة ولو كان قوياً .والحذر الحذر فقد يغتر الإنسان ويشعر بأنه لا حاجة إلى التذكير أو يغفل عن ذلك فيحتاج إلى التنبيه مهما بلغ .فذلك من الزاد والتزود في السير إلى الله والدار الآخرة .وفيه تربية للنفس على الافتقار والضعف والتواضع .
*

"يُرِيدُونَ وَجْهَهُ "أي مخلصين له في أقوالهم وأفعالهم .
أهل الفضل والعقول الراجحة والقلوب النيرة بنور الله وهديه ، وهذه صفات قوة وتكون سبباً في القوة .والإخلاص من أعظم أسباب القوة وبه تكون الفتوحات والبركات .


والذكر يعطي الإنسان قوة في إيمانه وبدنه وتحمله المتاعب والمصائب ويعينه على طاعة الله ويحفظه من المعاصي والشرور وقد ذكر ابن القيم رحمه الله مائة فائدة للذكر في وابله الصيب .

وفي الآية درس عظيم وهو الوصية بملازمة أهل الإخلاص وحسن السريرة والطوية ، فبملازمتهم يكون الفلاح والنجاح والتربية والتزكية والسير على خطاهم والاقتفاء بآثارهم...ونيل بركة صلاحهم والتأثر بهم .ولذا كان لزامًا على الإنسان أن يبحث في هذه الدنيا على من يعينه على أمر دينه من صديق صالح وزوجة صالحة والفتاة كذلك تبحث عن زوج صالح يعينها على أمر دينها.

وهذا فيه درس عملي وتطبيقي بالمباشرة في الملازمة لأهل الذكر والإخلاص لأن ذلك أبلغ في التأثير من الدروس النظرية . فالحذر كل الحذر من التعالي واحتقار الآخرين فقد يستفيد الإنسان ممن هو دونه منصبًا وجاهًا وعلمًا ونسباً وشرفًا ، فالمسألة أعظم من كل ذلك وهي تحقيق الإخلاص والعبودية لله والافتقار إليه وملازمة ذكره ..

وفيه درس آخر وهو : تحذير من العزلة ولاسيما من يخشى عليه من العزلة والانفراد فلم يأمر الله نبيه بترك أهل الدنيا والانعزال عموماً بل أمر بمجالسة و مخالطة أهل الصلاح والذكر .
وفيه درس : وهو أن الإنسان قد يتأثر سلبًا فتدخله الشهوة والشبهة بمجالسة من هو دونه علمًا وإيمانًا وسلوكًا وتربية وسنًا وولاية وهذا أمر مشاهد وواقع بين الأخ وأخيه والصديق وصديقه والزوجة وزوجها .فالحذر الحذر .
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 08:01 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر