لم يقتصر هذا الاهتمام والحرص
على حديث رسول الله الله صلى الله عليه و سلمو اجتهادهم في ألا يفوتهم شيء منهعلى زمن الرسول فحسببل استمرالحال بعد انتقاله صلى الله عليه و سلم إلى الرفيق الأعلىهذا الحرص نابع من تربية إيمانية صحيحة مبنية على
إخلاص العمل وصوابه :أي إخلاصه لله ؛على نهج رسول الله
فحين خَلُصَت نفوس المؤمنين بـ " لا إله إلا الله "من ألوان الشرك المختلفة ، فقد حدث فينفوسهم تحول هائل كأنه ميلاد جديد .لم يكن مجرد التصديق ، ولا مجرد الإقرار
لقد كان كأنه إعادة ترتيب ذرات نفوسهم على وضع جديد ،كما يُعاد ترتيب الذرات في قطعة الحديد ،فتتحول إلى طاقة مغناطيسية كهربائية كان الاهتداء إلى " الحق " هائل الأثر في كل جوانب حياتهمكان في حسهم أن حياتهم كلها عبادة ،وأن الشعائر إنما هي لحظات مركزة ، يتزود الإنسان فيها بالطاقة الروحية التي تعينه على أداء بقية العبادة المطلوبة منه كانوا يقومون بالعبادة وهم يمارسون الحياة في شتَّى مجالاتها ،كانوا يذكرون الله فيسألون أنفسهم :هل هم في الموضع الذي يُرضي الله ،أم فيما يُسخط الله ؟
فإن كانوا في موضع الرضى حمدوا الله ،وإن كانوا على غير ذلك استغفروا الله وتابوا إليه .وكانوا يذكرون الله ، فيسألون أنفسهم :ماذا يريد الله منا في هذه اللحظة ؟ !أي : ما التكليف المفروض علينا في هذه اللحظة ؟ !إذا كان التكليف "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ".سورة النساء / آية : 19 .
كان ذكر الله مؤديًا إلى القيام بهذا الواجب الذي أمر به الله تجاه الزوجات .
وإذا كان التكليف"قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ." .سورة التحريم / آية : 6 .
كان ذكر الله مؤديًا إلى القيام بتربية الأهل والأولاد على النهج الرباني الذي يضبط سلوكهم بالضوابط الشرعية .
وإذا كان التكليف
"فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " .سورة الملك / آية : 15 .
كان مقتضى ذكر الله ، هو المشي في مناكب الأرض وابتغاء رزق الله في حدود الحلال الذي أحلَّهُ الله ، لأنه إليه النشورفيحاسب الناس على ما اجترحوا في الحياة الدنيا .
وهكذا ... فقد فهموا أن الصلاةَ والنُّسُك أى : الشعائر : إنما هي المنطلق الذي ينطلق منه الإنسان ليقوم ببقية العبادة التي تشمل الحياة كلها ، بل الموت كذلك .
فالشعائر مجرد محطات شحن للانطلاق إلى بقية العبادة ،ويشمل ذلك الموت .الموت في حد ذاته لا يمكن أن يكون عبادة بطبيعة الحال ، لأنه لا خيار للإنسان فيه ، ولكن المقصود في قوله تعالى"وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ " . سورة الأنعام / آية : 162 ، 163
هو أن يموت الإنسان غير مشرك بالله ،وذلك هو الحد الأدنى الذي يكون به الإنسان في موته عابدًا لله ،أما الحد الأعلى فهو أن يكون موتُه في سبيل الله.