عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 11-24-2021, 04:30 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,221
Post

من آية 87 إلى 96

"
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ
"87.
جرت سنة الله في البشر أنه إذا طال عليهم الأمد بعد أن تأتيهم الرسل تقسو منهم القلوب، ويذهب أثر الموعظة من الصدور، ويفسقون عن أمر ربهم، ويحرفون ما جاءهم من الشرائع بضروب من التأويل، وينسون ما أنذروا به من قبل،قال تعالى"أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ غ– وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ"الحديد:16.
من أجل هذا كان سبحانه يرسل الرسل بعضهم إثر بعض حتى لا يطول الإنذار فتقسو القلوب، وقد كان الشعب اليهودي أكثر الشعوب حظا في عدد الرسل الذين أرسلوا إليهم، فليس لهم من العذر ما يسوّغ نسيان الشرائع أو تحريفها وتأويلها، ولكن كانوا يطيعون أهواءهم، ويتبعون شهواتهم، ويعصون رسلهم، فمنهم من كذّبوه، ومنهم من قتلوه.
يمتن تعالى على بني إسرائيل أن أرسل لهم كليمه موسى, وآتاه التوراة, ثم تابع من بعده بالرسل الذين يحكمون بالتوراة, إلى أن ختم أنبياءهم بعيسى ابن مريم عليه السلام، وآتاه من الآيات البينات ما يؤمن على مثله البشر، " وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ " أي: قواه الله بروح القدس.
قال أكثر المفسرين: إنه جبريل عليه السلام, وقيل: إنه الإيمان الذي يؤيد الله به عباده. ثم مع هذه النعم التي لا يقدر قدرها, لما أتوكم " بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ" عن الإيمان بهم، " فَفَرِيقًا "منهم " كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ" أي فبعضا من هؤلاء الرسل تكذبون كعيسى ومحمد عليهما السلام، وبعضا تقتلون كزكريا ويحيى عليهما السلام، فلا عجب بعد هذا إن لم تؤمنوا بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن العناد والجحود من طبعكم، وسجية عُرفت عنكم، ولا غرابة في صدور ما صدر منكم. فقدمتم الهوى على الهدى, وآثرتم الدنيا على الآخرة، وفيها من التوبيخ والتشديد ما لا يخفى.
" وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ"88.
أي: اعتذروا عن الإيمان لما دعوتهم إليه ،وقالوا قلوبنا مغطاة بأغشية خلقية مانعة من تفهم ما جئت به. وهذا كذب منهم، فلهذا قال تعالى" بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ"
ليس الأمر كما يدّعون، بل قلوبهم خلقت مستعدة بحسب الفطرة للنظر الذي يوصل إلى الحق، لكن الله لعنهم بأن أبعدهم من رحمته بسبب كفرهم بالأنبياء السابقين، فهم يؤمنون إيمانا قليلا، وهو إيمانهم ببعض الكتاب وتحريف بعضه الآخر أو ترك العمل به، والذي آمنوا به كان قولا باللسان تكذبه الأعمال إذ لم يكن للإيمان سلطان على قلوبهم، فيكون هو المحرّك لإرادتهم، وإنما يحركها الهوى والشهوة.
"وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ "89. "بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ "90.
وَلَمَّا جاءَهُمْ: أي جاء لليهود . كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: أي القرآن الكريم. مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ: أي مصدق لما جاء في التوراة . فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ: واللعن الطرد من رحمة الله.
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ: بئس ونعم: فعلان ماضيان وضعا للمدح والذم، لا يتصرفان تصرف الأفعال، معناه: بئس الذي اختاروا لأنفسهم حين استبدلوا الباطل بالحق.
وقيل: الاشتراء هاهنا بمعنى البيع والمعنى بئس ما باعوا به حظ أنفسهم أي حين اختاروا الكفر.
أي: ولما جاءهم كتاب من عند الله على يد الرسول الكريم وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، المشتمل على تصديق ما معهم من التوراة، وقد علموا به، وتيقنوه حتى إنهم كانوا إذا وقع بينهم وبين المشركين في الجاهلية حروب، استنصروا بهذا النبي، ويقولون إن كتابه سينصر التوحيد الذي جاء به موسى، ويخذل الوثنية التي تنتحلونها.، وتوعدوهم بخروجه، وأنهم يقاتلون المشركين معه، فلما جاءهم هذا الكتاب والنبي الذي عرفوا، كفروا به.
بغيًا وحسدًا، حسدوا العرب على أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم من بينهم فحملهم ذلك على الكفر به جحودا وعنادا، فكتب الله عليهم الطرد والإبعاد من رحمته، لجحودهم بالحق بعد أن تبين لهم.، فلعنهم الله، واستحقوا غضب الله عليهم غضبًا بعد غضب، قال ابن عباس : فالغضب على الغضب ، فغضبه عليهم فيما كانوا ضيعوا من التوراة وهي معهم ، وغضب بكفرهم بهذا النبي الذي أحدث الله إليهم .فغضب الله عليهم لكثرة كفرهم وتوالي شكهم وشركهم.
وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ: أي ولهم بسبب كفرهم عذاب يصحبه إهانة وإذلال في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فما يصيبهم من الخزي والنكال وسوء الحال، ليكونوا عبرة لمن يخلفهم من بعدهم، وأما في الآخرة فبخلودهم في جهنم وبئس المصير.فبئس الحال حالهم, وبئس ما استعاضوا واستبدلوا من الإيمان بالله وكتبه ورسله.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ "
أي: وإذا أمر اليهود بالإيمان بما أنزل الله على رسوله، وهو القرآن استكبروا وعتوا، وقالوا نحن دائبون على الإيمان بما أنزل على أنبياء بني إسرائيل كالتوراة وغيرها. وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِما مَعَهُمْ : أي يكفرون بما بعده أو بما سواه من الكتب رغم أنه مصدقًا لما معهم من كتب، وهو مؤيد عندهم بالعقل والنقل .والواجب الإيمان بما أنزل الله مطلقًا، سواء أنزل عليهم، أو على غيرهم، وهذا هو الإيمان النافع، الإيمان بما أنزل الله على جميع رسل الله. وأما التفريق بين الرسل والكتب، وزعم الإيمان ببعضها دون بعض، فهذا ليس بإيمان، بل هو الكفر .
" قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " أي قل لهم إلزاما للحجة بعد ما اقترفوا من فحش المخالفة لما أنزل إليهم والفسوق عنه: إن كنتم صادقين حقا في اتباعكم ما أنزل الله على أنبيائكم، فلم قتلتموهم؟ وليس في دينكم الأمر بالقتل، بل فيه شديد العقاب على القتل مطلقًا، فضلا عن قتل الأنبياء، فما هذا منكم إلا تناقض بين الأقوال والأفعال.
وقد نسب القتل إليهم والقاتل أسلافهم لما تقدم غير مرة من أن مثل هذا يقصد به بيان وحدة الأمة وتكافلها، وأنها في الطبائع والأخلاق المشتركة كالشخص الواحد، فما يصيبها من حسنة أو سيئة، فإنما مصدره الأخلاق الغالبة عليها، فما حدث منهم كان عن أخلاق راسخة في الشعب تبع فيها الآخرون الأولين: إما بالعمل بها، وإما بترك الإنكار لها فالحجة تقوم على الحاضرين بأن أسلافهم الغابرين قتلوا الأنبياء فأقروهم على ذلك ولم يعدوه خروجًا من الدين، ولا رفضًا للشريعة، وفاعل الكفر ومجيزه سواء.
" ولَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ".92.
بِالْبَيِّناتِ:أي الآيات والدلائل التي تدل على صدق النبي موسى عليه السلام ، والمعجزات التي تؤيد نبوّته كالعصا واليد، ..... أي ومن عظيم كفرانكم للنعم أن موسى قد جاء بالأدلة القاطعة والبراهين الناصعة على توحيد الله وعظيم قدرته، فخالفتم ذلك وعصيتم أمره وعبدتم عجل السامري من بعد ذلك، فهذا ظلم ووضع للشىء في غير موضعه اللائق به، وأي ظلم أعظم من الإشراك بالله بعبادة من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا؟.
" وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ "93.
أخبر تعالى أنه لما أخذ عليهم الميثاق للعمل بما في التوراة رفع الجبل على رؤوسهم ليُقروا بما عوهدوا عليه ، ويأخذوه بقوة وحزم وهمة وامتثال كما قال تعالى " وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" الأعراف: 171.
قد سبق شرح مثل هذا من قبل سوى أنه قال هناك"خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ" أي وادّارسوه ولا تنسوا تدبر معانيه واعملوا بما فيه من الأحكام فإن العمل هو الذي يجعل العلم راسخا في النفس مستقرا عندها، كما أُثر عن علي أنه قال: يهتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل.
وهنا قال"خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا" أي استجيبوا وأطيعوا. أي: سماع قبول وطاعة واستجابة، ومعنى اسمعوا أطيعوا ، وليس معناه الأمر بإدراك القول فقط ، وإنما المراد اعملوا بما سمعتم والتزموه.
قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا: أي إنهم قبلوا الميثاق وفهموه، لكنهم لم يعملوا به وخالفوه، وليس المراد أنهم نطقوا بقولهم "سَمِعْنا وَعَصَيْنا" بل كانوا بمثابة من قال ذلك- أي قالوا بلسان حالهم.
وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ : أي صار حبّ العجل نافذًا فيهم نفوذ الماء فيما يدخل فيه، وقوله: بكفرهم أي إن سبب هذا الحب الشديد لعبادة العجل ، فرسخ الكفر في قلوبهم بتمادي الأيام وورثه الخلف عن السلف.
" قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" أي قل توبيخًا لليهود الحاضرين، بعد أن علموا أحوال رؤسائهم السالفين الذين يقتدون بهم، ويحتذون حذوهم في كل ما يأتون وما يذرون: إن كنتم مؤمنين بالتوراة حقا، فبئس هذا الإيمان الذي يأمر بهذه الأعمال التي أنتم تفعلونها كعبادة العجل وقتل الأنبياء ونقض الميثاق، فهذه دعوى لا تقبل منكم، بل يجب القطع بعدم وجودها، بدليل ما يصدر عنكم من الأعمال التي يستحيل أن تكون أثرا للإيمان.
وقد سيقت هاتان الآيتان ردّا على اليهود الذين لم يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وزعموا أنهم مؤمنون بشريعة لا يطالبهم الله بالإيمان بغيرها، فهي حجة عليهم تشرح طبيعة الإيمان وأثره في المؤمن.
ثم أمر رسوله أن يتحداهم في ادعائهم صادق الإيمان وكامل اليقين فقال:
" قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ"94.
أي إن صدق قولكم، وَصحَّتْ دعواكم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا، وفي أنكم شعب الله المختار، وأن النار لن تمسكم إلا أيامًا معدودات، فتمنوا الموت الذي يوصلكم إلى ذلك النعيم الخالص الدائم الذي لا ينازعكم فيه أحد، إذ لا يرغب الإنسان عن السعادة ويختار الشقاء.
وقد روى عن كثير من الصحابة رضوان الله عليهم تمنى الموت عند القتال معبّرين بألسنتهم عما يجول في صدورهم من صدق الإيمان بما أعد الله للمؤمنين في الدار الاخرة.
"دَنَا المُشْرِكُونَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ، قالَ: يقولُ عُمَيْرُ بنُ الحُمَامِ الأنْصَارِيُّ: يا رَسولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: بَخٍ بَخٍ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما يَحْمِلُكَ علَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ قالَ: لا وَاللَّهِ يا رَسولَ اللهِ، إلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِن أَهْلِهَا، قالَ: فإنَّكَ مِن أَهْلِهَا، فأخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِن قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ منهنَّ، ثُمَّ قالَ: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حتَّى آكُلَ تَمَرَاتي هذِه إنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قالَ: فَرَمَى بما كانَ معهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حتَّى قُتِلَ."صحيح مسلم.
" وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ "95.
أي ولن يقع منهم هذا التمني بحال، لأنهم يعرفون ما اجترحته أنفسهم من المعاصي والذنوب التي يستحقون بها العقوبة كتحريف التوراة، والكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم مع البشارة به في كتابهم. لأنهم يعلمون أنه طريق لهم إلى المجازاة بأعمالهم الخبيثة، فالموت أكره شيء إليهم, وهم أحرص على الحياة من كل أحد من الناس, حتى من المشركين الذين لا يؤمنون بأحد من الرسل والكتب.
والعرب تسند الفعل إلى الأيدي لأن أكثر الأعمال تزاول بها، ويجعلون المراد بها الشخص.
"وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" أي والله يعلم أنهم ظالمون في حكمهم بأن الدار الآخرة خالصة لهم، وأن غيرهم من الشعوب محروم منها.
ولا يخفى ما في هذا من التهديد والوعيد.
"وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ "96.
اللام لام القسم والنون تأكيد للقسم، تقديره: والله لتجدنهم يا محمد يعني اليهود..أي أحرص الناس على طول العمر ، وأحرص من الذين أشركوا على الحياة وطول العمر، لما يعلمون من مآلهم السيئ وعاقبتهم عند الله الخاسرة ؛ لأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، فهم يودون لو تأخروا عن مقام الآخرة بكل ما أمكنهم . وفي هذا توبيخ وإيلام عظيم لهم، إذ أن المشركين لا يؤمنون ببعث ولا يعرفون إلا هذه الحياة، فحرصهم عليها ليس بالغريب، أما من يؤمن بكتاب ويقرّ بالجزاء فمن حقه ألا يكون شديد الحرص عليها.
" يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ" وذلك أن المشرك لا يرجو بعثا بعد الموت ، فهو يحب طول الحياة ، وأن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزي بما صنع بما عنده من العلم . تحية المجوس فيما بينهم يقولون عش ألف سنة ، يقول الله تعالى: اليهود أحرص على الحياة من المجوس الذين يقولون ذلك.
" وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ" وما يحذرون واقع بهم لا محالة ، حتى وهم أحرص الناس على طول العمر. أي وما بقاؤه في هذه الدنيا بمنجيه ولا بمبعده من العذاب المعدّ له، فإن العمر مهما طال فهو مُنْتَهٍ لا محالة.

رد مع اقتباس