العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى المعتقد الصحيح > ملتقى المعتقد الصحيح

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-07-2018, 03:10 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
Post الإحسان وحقيقته وفقهه

الإحسان وحقيقته وفقهه
الإحسان وهو في اللغة : إجادة العمل وإتقانه وإخلاصه .
وفي الشرع يختلف معناه بحسب إطلاقه وله حالتان :
الحالة الأولى : أن يطلق على سبيل الإفراد غير مقترن بذكر الإسلام والإيمان ، فيراد به الدين كله كما- هو- سبق في الإسلام والإيمان .

الحالة الثانية : أن يقترن بهما أو أحدهما فيكون معناه : تحسين الظاهر والباطن وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرًا لا يستطيعه أحد من المخلوقين غيره صلى الله عليه وسلم لمِاَ أعطاه الله من جوامع الكلم فقال صلى الله عليه وسلم " الإحسان : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وهي أعلى مراتب الدين وأعظمها خطرًا وأهلها هم السابقون بالخيرات المقربون في أعلى الدرجات .
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن مرتبة الإحسان على درجتين وأن للمحسنين في الإحسان مقامين متفاوتين :
=المقام الأول وهو أعلاهما : أن تعبد الله كأنك تراه وهذا يسميه بعض العلماء - مقام المشاهدة - وهو أن يعمل العبد كأنه يشاهد الله عز وجل بقلبه فيتنور القلب بالإيمان حتى يصير الغيب كالعيان فمن عبد الله عز وجل على استحضار قربه منه وإقباله عليه وأنه بين يديه كأنه يراه أوجب له ذلك الخشية والخوف والهيبة والتعظيم .

=المقام الثاني : مقام الإخلاص -والمراقبة - وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه واطلاعه عليه وقربه منه، فإذا استحضر العبد هذا في عمله وعمل عليه فهو مخلص لله تعالى لأن استحضاره ذلك في عمله يمنعه من الالتفات إلى غير الله ، وإرادته بالعمل . وهذا المقام إذا حققه العبد سهل عليه الوصول إلى المقام الأول . ولهذا أتى به النبي صلى الله عليه وسلم تعليلا للأول فقال : " فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وفي بعض ألفاظ الحديث : " فإنك إلا تكن تراه فإنه يراك" فإذا تحقق في عبادته بأن الله تعالى يراه ويطلع على سره وعلانيته وباطنه وظاهره ولا يخفى عليه شيء من أمره فحينئذ يسهل عليه الانتقال إلى المقام الثاني وهو دوام استشعار قرب الله تعالى من عبده ومعيته حتى كأنه يراه . نسأل الله من فضله العظيم .
يراجع معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي ( 2 / 20 – 33 ، 326 – 328 ) ( المجموع الثمين 1 / 49 ، 53 ) ( جامع العلوم والحكم 1/ 106 ).
الإسلام سؤال وجواب

أقسام الإحْسَان

الإحْسَان ينقسم إلى قسمين: إحسان في عبادة الله. وإحْسَان إلى عباد الله، وكل قسم منهما ينقسم إلى واجب ومستحب.
فأما الإحسان في عبادة الله فيتضمن الإحْسَان في الإتيان بالواجبات الظَّاهرة والباطنة، وذلك بالإتيان بها على وجه كمال واجباتها، فهذا القَدْر مِن الإحْسَان فيها واجبٌ، وأمَّا الإحْسَان فيها بإكمال مستحبَّاتها فليس بواجب.
والإحْسَان في ترك المحرَّمات: الانتهاء عنها، وترك ظاهرها وباطنها، كما قال تعالى"وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ" الأنعام:120، فهذا القدر مِن الإحْسَان فيها واجبٌ.
وأمَّا الإحْسَان في الصَّبر على المقدورات، فأن يأتي بالصَّبر عليها على وجهه مِن غير تسخُّط ولا جزع) (1) .
وأما الإحسان إلى عباد الله فالواجب منه :هو الإنصاف، والقيام بما يجب عليك للخلق بحسب ما توجَّه عليك مِن الحقوق...بأن تقوم بحقوقهم الواجبة، كالقيام ببرِّ الوالدين، وصلة الأرحام، والإنصاف في جميع المعاملات، بإعطاء جميع ما عليك مِن الحقوق، كما أنَّك تأخذ مالك وافيًا. قال تعالى" وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ "النِّساء: 36- فأمر بالإحْسَان إلى جميع هؤلاء) (2) .
وقال ابن رجب"والإحْسَان الواجب في معاملة الخَلْق ومعاشرتهم: القيام بما أوجب الله مِن حقوق ذلك كلِّه، والإحْسَان الواجب في ولاية الخَلْق وسياستهم، القيام بواجبات الولاية كلِّها" (3) .
وأما المستحب منه فهو "القَدْرُ الزَّائد على الواجب في ذلك كلِّه" (4) . ومثال ذلك :بذل نفع بدنيٍّ، أو ماليٍّ، أو علميٍّ، أو توجيه لخير دينيٍّ، أو مصلحة دنيويَّة، فكلُّ معروف صَدَقة، وكلُّ ما أدخل السُّرور على الخَلْق صَدَقة وإحسان. وكلُّ ما أزال عنهم ما يكرهون، ودفع عنهم ما لا يرتضون مِن قليل أو كثير، فهو صَدَقة وإحسان. (5) .
  1. موسوعة الأخلاق
  2. الأَخلاق المحمودة
  3. الإحْسَان
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-07-2018, 03:11 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
Arrow

صور الإحْسَان

قبل أن نُفَصِّلَ في صور الإحْسَان نذكر هذه الصور على جهة الإجمال، والتي منها الإحسان في العبادات، والإحسان في المعاملات، والإحسان إلى الحيوانات، والإحسان في الأعمال البدنية.
=
فالإحْسَان في باب العبادات أن تؤدِّى العبادة أيًّا كان نوعها؛ مِن صلاة أو صيام أو حجٍّ أو غيرها أداءً صحيحًا، باستكمال شروطها وأركانها، واستيفاء سننها وآدابها، وهذا لا يتمُّ للعبد إلَّا إذا كان شعوره قويًّا بمراقبة الله عزَّ وجلَّ حتى كأنَّه يراه تعالى ويشاهده، أو على الأقلِّ يشعر نفسه بأنَّ الله تعالى مطَّلع عليه، وناظرٌ إليه، فبهذا وحده يمكنه أن يحسن عبادته ويتقنها، فيأتي بها على الوجه المطلوب، وهذا ما أرشد إليه الرَّسول صلى الله عليه وسلم في قوله"الإحْسَان أن تعبد الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك".
=وفي باب المعاملات :
-
فهو للوالدين :ببرِّهما بالمعروف، وطاعتهما في غير معصية الله، وإيصال الخير إليهما، وكفِّ الأذى عنهما، والدُّعاء والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما.
-وهو للأقارب: ببرِّهم ورحمتهم والعطف عليهم، وفعل ما يَجْمُل فعله معهم، وترك ما يسيء إليهم.
-وهو لليتامى: بالمحافظة على أموالهم، وصيانة حقوقهم، وتأديبهم وتربيتهم بالحسنى، والمسح على رؤوسهم.
-وهو للمساكين: بسدِّ جوعهم، وستر عورتهم، وعدم احتقارهم وازدرائهم، وعدم المساس بهم بسوء، وإيصال النَّفع إليهم بما يستطيع.
-
وهو لابن السَّبيل: بقضاء حاجته، وسدِّ خلَّته، ورعاية مالِه، وصيانة كرامته، وبإرشاده إن استرشد، وهدايته إن ضلَّ.
-وهو للخادم :بإتيانه أجره قبل أن يجفَّ عرقُهُ، وبعدم إلزامه ما لا يلزمه، أو تكليفه بما لا يطيق، وبصون كرامته، واحترام شخصيَّته.
-وهو لعموم النَّاس :بالتَّلطُّف في القول لهم، ومجاملتهم في المعاملة، وبإرشاد ضالِّهم، وتعليم جاهلهم، والاعتراف بحقوقهم، وبإيصال النَّفع إليهم، وكفِّ الأذى عنهم.
-وهو للحيوان: بإطعامه إن جاع، ومداواته إن مرض، وبعدم تكليفه ما لا يطيق، وحمله على ما لا يقدر، وبالرِّفق به إن عمل، وإراحته إن تعب.
-وهو في الأعمال البدنيَّة :بإجادة العمل، وإتقان الصَّنعة، وبتخليص سائر الأعمال مِن الغش، وهكذا) (1) .
وإليك تفاصيل هذه الصُّور:
1- الإحْسَان في عبادة الله:
والإحْسَان في عبادة الله له ركن واحد بيَّنه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله"بأن تعبد الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك". فأخبر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ مرتبة الإحْسَان على درجتين، وأنَّ المحسنين في الإحْسَان على درجتين متفاوتتين، الدَّرجة الأولى: وهي "أن تعبد الله كأنَّك تراه". الدَّرجة الثَّانية: أن تعبد الله لأنَّه يراك، والمعنى إذا لم تستطع أن تعبد الله كأنَّك تراه وتشاهده رأي العين، فانزل إلى المرتبة الثَّانية، وهي أن تعبد الله لأنَّه يراك. فالأولى عبادة رغبة وطمع، والثَّانية عبادة خوف ورهب) (2) .
2- الإحْسَان إلى الوالدين:
جاءت نصوص كثيرة تحثُّ على حقوق الوالدين وبرِّهما والإحْسَان إليهما قال تعالى" وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا "الإسراء: 23-24.
قال القرطبي"قال العلماء: فأحقُّ النَّاس بعد الخالق المنَّان بالشُّكر والإحْسَان والتزام البرِّ والطَّاعة له والإذعان ؛مَن قَرَنَ اللهُ الإحْسَان إليه بعبادته وطاعته، وشكره بشكره، وهما الوالدان، فقال تعالى"أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ "لقمان: 14 (3) .
وقوله تعالى"قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا "الأنعام: 151.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال"سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أيُّ العمل أفضل؟ قال: الصَّلاة لوقتها. قال قلت: ثمَّ أي؟ قال: برُّ الوالدين. قال قلت: ثمَّ أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله" (4) .
قال الرَّازي"أجمع أكثر العلماء على أنَّه يجب تعظيم الوالدين والإحْسَان إليهما إحسانًا غير مقيَّد بكونهما مؤمنين؛ لقوله تعالى" وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا "البقرة:83 (5) .
3- الإحْسَان إلى الجار:
عن أبي شُريح الخُزاعي أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت" (6) .
ويكرم جاره بالإحسان إليه وكف الأذى عنه، وتحمل ما يصدر منه، والبِشْر في وجهه، وغير ذلك من وجوه الإكرام (7) .
4- الإحْسَان إلى اليتامى والمساكين:
ومِن الإحْسَان إلى اليتامى والمساكين: المحافظة على حقوقهم والقيام بتربيتهم، والعطف عليهم، ومدُّ يد العون لهم، قال تعالى" وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ"البقرة: 83.
فإنَّ الإحْسَان إليهم والبرَّ بهم وكفالة عيشهم وصيانة مستقبلهم مِن أزكى القُرُبات، بل إنَّ العواطف المنحرفة تعتدل في هذا المسلك وتلزم الجادَّة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال" أنَّ رجلًا شكا إلى رسول الله قسوة قلبه، فقال"امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين" (8) . وفي رواية: أنَّ رجلًا جاءه يشكو قسوة قلبه، فقال له"أتحبُّ أن يلين قلبك وتدرك حاجتك، ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه مِن طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك" (9) . وذلك أنَّ القلب يتبلَّد في المجتمعات التي تضجُّ بالمرح الدَّائم، والتي تصبح وتمسي وهي لا ترى مِن الحياة غير آفاقها الزَّاهرة ونعمها الباهرة، والمترفون إنَّما يتنكَّرون لآلام الجماهير؛ لأنَّ الملذَّات -التي تُيَسَّر لهم- تُغلِّف أفئدتهم وتطمس بصائرهم، فلا تجعلهم يشعرون بحاجة المحتاج وألم المتألِّم وحزن المحزون، والنَّاس إنَّما يُرْزَقون الأفئدة النَّبيلة والمشاعر المرهفة عندما ينقلبون في أحوال الحياة المختلفة، ويُبْلَون مسَّ السَّرَّاء والضَّرَّاء.. عندئذ يحسُّون بالوحشة مع اليتيم وبالفقدان مع الثَّكلى وبالتعب مع البائس الفقير) (10) .
5- الإحسان في المعاملات التجارية (11) :
قد أمر الله تعالى بالعدل والإحْسَان جميعًا، والعدل سبب النَّجاة فقط، وهو يجري من التِّجارة مجرى سلامة رأس المال، والإحْسَان سبب الفوز ونيل السَّعادة، وهو يجري من التِّجارة مجرى الرِّبح، ولا يُعدُّ مِن العقلاء مَن قنع في معاملات الدُّنْيا برأس ماله، فكذا في معاملات الآخرة.
ولا ينبغي للمتديِّن أن يقتصر على العدل واجتناب الظُّلم، ويدع أبواب الإحْسَان وقد قال الله تعالى" وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ "القصص: 77، وقال عزَّ وجلَّ" إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ "النَّحل: 90، وقال سبحانه" إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ "الأعراف: 56، وينال المعامل رتبة الإحْسَان بواحدٍ مِن ستَّة أمور:
الأوَّل: في المغابنة، فينبغي أن لا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة، فأمَّا أصل المغابنة فمأذونٌ فيه، لأنَّ البيع للرِّبح، ولا يمكن ذلك إلَّا بغبن، ولكن يراعى فيه التَّقريب، ومَن قنع بربحٍ قليلٍ كثرت معاملاته، واستفاد مِن تكررها ربحًا كثيرًا، وبه تظهر البركة.
الثَّاني: في احتمال الغبن، والمشتري إن اشترى طعامًا مِن ضعيف أو شيئًا مِن فقير فلا بأس أن يحتمل الغبن ويتساهل، ويكون به محسنًا وداخلًا في قوله عليه السَّلام"رحم الله سهل البيع وسهل الشِّراء" (12) ، وأما احتمال الغبن مِن الغني فليس محمودًا، بل هو تضييع مال مِن غير أجر ولا حمد، وكان كثيرٌ مِن السَّلف يستقصون في الشِّراء، ويهبون مِن ذلك الجزيل مِن المال، فقيل لبعضهم في ذلك فقال: إنَّ الواهب يعطي فضله، وإنَّ المغبون يغبن عقله.
الثَّالث: في استيفاء الثَّمن وسائر الدُّيون والإحْسَان فيه مرَّة بالمسامحة وحطِّ البعض، ومرَّة بالإمهال والتَّأخير، ومرَّة بالمساهلة في طلب جودة النَّقد، وكلُّ ذلك مندوبٌ إليه ومحثوثٌ عليه، وفي الخبر"مَن أقرض دينارًا إلى أجلٍ، فله بكلِّ يوم صدقة إلى أجله، فإذا حلَّ الأجل فأنظره بعده، فله بكلِّ يوم مثل ذلك الدَّين صدقة" (13) ، ونظر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى رجل يلازم رجلًا بدين، فأومأ إلى صاحب الدَّين بيده، أي: ضع الشَّطر، ففعل، فقال للمديون"قم فأعطه" (14) .
الرَّابع: في توفية الدَّين، ومِن الإحْسَان فيه حسن القضاء، وذلك بأن يمشي إلى صاحب الحقِّ، ولا يكلِّفه أن يمشي إليه يتقاضاه، فقد قال صلى الله عليه وسلم"خيركم أحسنكم قضاءً" (15) ، ومهما قدر على قضاء الدَّين فليبادر إليه ولو قبل وقته، وإن عجز فلينوِ قضاءه مهما قدر، ومهما كلَّمه مستحقُّ الحقِّ بكلام خشن، فليتحمَّله وليقابله باللُّطف اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا ردَّد عليه كلامه صاحب الدَّين، فهمَّ به أصحابه، فقال"دعوه؛ فإنَّ لصاحب الحقِّ مقالًا" (16) . ومِن الإحْسَان أن يميل الحكم إلى مَن عليه الدَّين لعسره.
الخامس: أن يُقيل (17) مَن يستقيله؛ فإنَّه لا يستقيل إلَّا متندِّمٌ مُسْتَضِرٌّ بالبيع، ولا ينبغي أن يرضى لنفسه أن يكون سبب استضرار أخيه، وفي الخبر"مَن أقال نادمًا صفقته، أقال الله عثرته يوم القيامة" (18) .
السَّادس: أن يقصد في معاملته جماعة مِن الفقراء بالنَّسيئة، وهو في الحال عازم على أن لا يطالبهم إن لم يظهر لهم مَيْسَرة، وكان مِن السَّلف مَن يقول لفقير: خذ ما تريد، فإن يُسِّر لك فاقض، وإلَّا فأنت في حلٍّ منه وسعة.
6- الإحْسَان إلى المسيء:
ومِن أجلِّ أنواع الإحْسَان: الإحْسَان إلى مَن أساء إليك بقولٍ أو فعلٍ. قال تعالى" وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ"فصِّلت: 34-35.
ومن كانت طريقته الإحْسَان، أحسن الله جزاءه"هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ "الرحمن: 60 (19) .
وذكر الهرويُّ أنَّ مِن منازل إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين (الفتوَّة)، وقال: هي على ثلاث درجات، الدَّرجة الأولى ترك الخصومة، والتَّغافل عن الزلَّة، ونسيان الأذيَّة. والدَّرجة الثَّانية أن تقرِّب مَن يقصيك، وتكرم مَن يؤذيك، وتعتذر إلى مَن يجني عليك، سماحةً لا كظمًا، ومودَّةً لا مصابرةً (20) .
قال ابن القيِّم في ذلك:هذه الدَّرجة أعلى ممَّا قبلها وأصعب؛ فإنَّ الأولى تتضمَّن ترك المقابلة والتَّغافل، وهذه تتضمَّن الإحْسَان إلى مَن أساء إليك، ومعاملته بضِدِّ ما عاملك به، فيكون الإحْسَان والإساءة بينك وبينه خُطَّتين فخُطَّتك: الإحْسَان. وخُطَّته: الإساءة.
وفي مثلها قال القائل:
إذا مرِضْنا أتَيْناكم نَعودُكمُ
وتُذْنبون فنَأْتيكم ونَعتذرُ
ومَن أراد فهم هذه الدَّرجة كما ينبغي فلينظر إلى سيرة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مع النَّاس يجدها بعينها" (21) .
7- الإحْسَان في الكلام:
قال تعالى" وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "الإسراء: 53.
قال ابن كثير"يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين، أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن والكلمة الطَّيبة؛ فإنَّهم إذا لم يفعلوا ذلك، نزغ الشَّيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، ووقع الشَّرُّ والمخاصمة والمقاتلة، فإنَّ الشَّيطان عدوٌّ لآدم وذرِّيته مِن حين امتنع مِن السُّجود لآدم، فعداوته ظاهرة بيِّنة؛ ولهذا نهى أن يشير الرَّجل إلى أخيه المسلم بحديدة، فإنَّ الشَّيطان ينزغ في يده، أي: فربَّما أصابه بها" (22) .
8- الإحْسَان في الجدال:
يقول الله تبارك وتعالى"وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "النَّحل: 125.
قال الشَّوكاني"أي: بالطَّريق التي هي أحسن طرق المجادلة. وإنَّما أمر -سبحانه- بالمجادلة الحسنة لكون الدَّاعي محقًّا وغرضه صحيحًا، وكان خصمه مبطلًا وغرضه فاسدًا" (23) .
9- الإحْسَان إلى الحيوان:
ومِن الإحْسَان إلى الحيوان، إطعامه والاهتمام به، وحدُّ الشَّفرة عند ذبحه، وأن لا يحدَّ الشَّفرة أمامه، وعدم الحمل إليه أكثر مِن طاقته.
قال صلى الله عليه وسلم"إنَّ الله كتب الإحْسَان على كلِّ شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة..."، وكره أبو هريرة أن تُحَدَّ الشَّفرة والشَّاة تنظر إليها، وروى أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا أضجع شاة، فوضع رجله على عنقها، وهو يحدُّ شَفْرته، فقال له صلى الله عليه وسلم: "ويلك، أردت أن تميتها موتات؟ هلا أحددت شَفْرتك قبل أن تضجعها" (24) ، وكان عمر بن الخطَّاب ينهى أن تُذْبَح الشَّاة عند الشَّاة (25) .
قال ابن رجب"والإحْسَان في قتل ما يجوز قتله مِن النَّاس والدَّواب: إزهاق نفسه على أسرع الوجوه، وأسهلها. وهذا النَّوع هو الذي ذكره النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، ولعلَّه ذكره على سبيل المثال، أو لحاجته إلى بيانه في تلك الحال، فقال"إذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة"، والقِتْلة والذِّبْحة -بالكسر- أي: الهيئة، والمعنى: أحسنوا هيئة الذَّبح، وهيئة القَتْل. وهذا يدلُّ على وجوب الإسراع في إزهاق النُّفوس التي يُبَاح إزهاقها على أسهل الوجوه. وقد حكى ابن حزم الإجماع على وجوب الإحْسَان في الذَّبيح" (26) .
وقال صلى الله عليه وسلم"في كلِّ كبد رطبة أجر" (27) .
قال النَّوويُّ"معناه في الإحْسَان إلى كلِّ حيوان حي -بسقيه ونحوه- أجر، وسمَّي الحي ذا كبد رطبة؛ لأنَّ الميِّت يجفُّ جسمه وكبده. ففي الحديث الحثُّ على الإحْسَان إلى الحيوان المحترم، وهو ما لا يُؤمر بقتله. فأمَّا المأمور بقتله فيمتثل أمر الشَّرع في قتله، والمأمور بقتله كالكافر الحربي والمرتد والكلب العقور والفواسق الخمس المذكورات في الحديث وما في معناهن. وأمَّا المحترم فيحصل الثَّواب بسقيه والإحْسَان إليه، أيضًا بإطعامه وغيره سواءً كان مملوكًا أو مباحًا، وسواءً كان مملوكًا له أو لغيره" (28) .
وقال صلى الله عليه وسلم"عُذِّبت امرأة في هرَّة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النَّار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل خَشَاش الأرض" (29) .
موقع الدرر السنية-
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-08-2018, 02:46 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,263
Arrow

في الحث على الإحسان


الشيخ د. : صالح بن فوزانالفوز=


الخطبة الأولى:

الحمد لله ذي الفضل والامتنان، جعل الجزاء من جنس العمل، فقال"هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ"الرحمن: 60.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له"يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ"الرحمن: 29.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،. بعثه إلى جميع الإنس والجان، فبلغ الرسالة وجاهد في الله حقّ جهاده بالمال والنفس والحجة والسنان، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين آمنوا به وهاجروا وجاهدوا، والذين آووا ونصروا، حتى ظهر دين الله على سائر الأديان، وسلّم تسليماً كثيرًا.

أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، فإن ذلك هو طريق النجاة، واعلموا أن الله –سبحانه- أمر بالإحسان في آيات كثيرة، وأخبر أنه: "يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"البقرة: 195

و"لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا"الكهف: 30.

وقال تعالى"هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ"الرحمن: 60.
قال ابن عباس وغيره في معنى الآية: هل جزاء من قال: "لا إله إلا الله"، وعمل بما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا الجنة؟.
وقال تعالى"لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"يونس: 26.

وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم تفسير الزيادة المذكورة في هذه الآية الكريمة بأنها النظر إلى وجه الله الكريم في الجنة.

قال ابن رجب -رحمه الله-: وهذا مناسب لجعله جزاء لأهل الإحسان؛ لأن الإحسان هو أن يعبد المؤمن ربه في الدنيا على وجه المراقبة لله، وحضور القلب، كأنه يراه، وينظر إليه، فكان جزاء ذلك النظر إلى وجه الله عيانا في الآخرة، وعكس هذا ما أخبر الله به عن الكفار في الآخرة بقوله: "كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ"المطففين: 15.

فإن ذلك جزاء لحالهم في الدنيا لما تراكم من الذنوب على قلوبهم، فحجبهم عن معرفة الله ومراقبته في الدنيا، فكان جزاؤهم أن حجبوا عن رؤية الله في الآخرة.

عباد الله: والإحسان ضد الإساءة، قال تعالى"وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى"النجم: 31.
وهو أنواع كثيرة، منهما: ما يكون في عبادة العبد لربه، كما بيّنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما قال له جبريل -عليه السلام-: أخبرني عن الإحسان؟ قال: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
ومعناه: بأن يعبد ربه مستحضرا لقربه منه، واطلاعه عليه، وأنه بين يديه كأنه يراه، وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، ويوجب أيضا إخلاص العبادة لله، وتحسينها وإكمالها، ومن بلغ هذه المرتبة فقد بلغ أعلى مراتب الدين.

ومن أنواع الإحسان: الإحسان في العمل بأن يكون موافقًا لما شرعه الله على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- خالياً من البدع والمخالفات، قال تعالى"بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ"البقرة: 112.

وقال تعالى"وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى"لقمان: 22.

وإسلام الوجه لله، وإلى الله، معناه: إخلاص العمل من الشرك.

والإحسان للعمل معناه: متابعة السنّة فيه، ومجانبة البدعة.

وأي عمل لا يتوفر فيه هذان الشرطان يكون هباءً منثوراً ووبالاً على صاحبه.
ومن أنواع الإحسان: الإحسان إلى الخلق من الآدميين والبهائم، بإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع، والتصدق على المحتاج، وإعانة العاجز، والتيسير على المعسر، والإصلاح بين الناس، قال الله -تعالى-"وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"البقرة: 195.
وقال تعالى"إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ"النحل: 90.
وقال تعالى"وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"النساء: 36.

فقد أمر الله -سبحانه- بالإحسان إلى هذه الأصناف بإيصال الخير إليهم، ودفع الشر عنهم.

وقال تعالى"إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"الأنعام: 15 – 19.
فبين الله -سبحانه- سبب حصولهم على هذه الكرامة العظيمة، وأن ذلك بما أسلفوه من الإحسان في الدنيا من صلاة الليل والاستغفار بالأسحار، والتصدق على المحتاجين، وقال تعالى"إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ"المرسلات: 41 – 44.

والآيات في ذلك كثيرة تبيّن ما للإحسان من عاقبة حميدة، وثواب عظيم.

ومن أنواع الإحسان: الإحسان إلى البهائم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "دنا رجل إلى بئر فنزل فشرب منها، وعلى البئر كلب يلهث فرحمه فنزع أحد خفيه فسقاه، فشكر الله له ذلك فأدخله الجنة" رواه ابن حبان في صحيحه.

وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلا جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أنزع في حوضي حتى إذا ملأته لإبلي ويرد عليّ البعير لغيري فسقيته، فهل في ذلك أجر؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إن في كل ذات كبد أجرًا" رواه أحمد ورواته ثقاة مشهورون.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه الحر، فوجد بئرا فنزل فيه فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان منّي، فنزل البئر فملأ خفّه ماءً، ثم أمسكه بفِيْه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له" قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجراً؟ فقال "في كل كبد رطبة أجر" رواه مالك والبخاري ومسلم.
ففي هذه الأحاديث فضل الإحسان إلى البهائم بما يُبْقي عليها حياتها، ويدفع عنها الضرر، سواء كانت مملوكة أو غير مملوكة، مأكولة أو غير مأكولة.

وفي الحديث الذي رواه مسلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحَةَ، ولْيَحد أحدكم شفرته ولْيُرحْ ذبيحته".

فيه فضيلة الإحسان إلى البهائم المأكولة في حال ذبحها، وهذا شيء يغفل عنه بعض الناس، فيسيؤن إلى البهائم في كيفية ذبحها.

والإحسان قد أمر الله به في مواضع من كتابه، منه ما هو واجب ومنه ما هو مستحب، فهو في كل شيء بحسبه.
فالإحسان في معاملة الخالق بفعل الواجبات، وترك المحرّمات، واجب، وفي فعل المستحبّات وترك المكروهات، متسحب، والإحسان في معاملة الخلق منه ما هو واجب، كالإحسان إلى الوالدين والأقارب بالبرّ والصلة، ومنه ما هو مستحب، كصدقة التطوع، وإعانة المحتاج، والإحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب بإزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها، من غير زيادة في التعذيب.

وهكذا مطلوب من المسلم أن يكون محسنا في كل شيء مما يأتي وما يذر، محسن في عمله، محسن في تعامله مع الله ومع خلقه، ومحسن في نيته وقصده، قال الله -تعالى-"لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"التوبة: 91.
فهؤلاء الذين لا يستطيعون القتال لعجزهم الجسمي والمالي مع سلامة نيَّاتهم، وحسن مقاصدهم، قد عذرهم الله؛ لأنهم محسنون في نياتهم، لم يتركوا الجهاد لعدم رغبتهم فيه، وإنما تركوه لعجزهم عنه، ولو تمكنوا منه لفعلوه، فهم يشاركون المجاهدين في الأجر لنياتهم الصالحة، وحسن قصدهم، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود، وأصله في الصحيحين: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لقد تركتم بعدكم قوما ما سرتم من مسيرٍ، ولا أنفقتم من نفقةٍ، ولا قطعتم واديًا إلا وهم معكم".
وكما يكون الإحسان في الأعمال والنيَّات يكون في الأقوال أيضًا، قال تعالى"وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا"البقرة: 83.
أي: قولوا لهم قولاً حسناً، بأن تخاطبوهم بالكلام الطيب، الذي يجلب المودّة، ويرغِّب في الخير، ويؤلف القلوب.
وهذا يشمل الصدق في الحديث، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير، وقد جاء في الحديث: "والكلمة الطيبة صدقة".
فاتقوا الله -عباد الله- وكونوا من أهل الإحسان لتنالوا من الله الأجر والرضوان.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ"العنكبوت: 69.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم …

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، على فضله وإحسانه، لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرًا.

أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن وجوه الإحسان كثيرة، ينبغي للمسلم أن يسهم فيما يستطيع منها، ولا سيما منْ منّ الله عليهم بوفرة المال، فإن المجالات الخيرية أمامهم واسعة، من بناء المساجد، وتوفير المياه للشرب، وطباعة الكتب الدينية، وتوزيع المصاحف، ومساعدة مشاريع تعليم القرآن الكريم، ومساعدة المراكز الإسلامية في الخارج، وإعانة المجاهدين في سبيل الله، ومواساة المنكوبين والمشردين من المسلمين والمصابين بالمجاعة.

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سبع تجري للعبد بعد موته وهو في قبره، مَن علّم علماً، أو كرى نهرا، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته" [رواه البزار وأبو نعيم في الحلية].
ومعنى: "كرى نهراً" أي: حفره.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: قال أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل، فقال: ما عملٌ إن عملت به دخلت الجنة؟ قال: "أنت ببلد يجلب به الماء؟" قال: نعم، قال: "فاشتر سقاء جديدا، ثم اسق فيها حتى تخرقها، فإنك لن تخرقها حتى تبلغ بها الجنة" [رواه الطبراني في الكبير].
وفي "الصحيحين" عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه إنسانٌ أو طيرٌ أو دابةٌ إلا كان له صدقة".
وفي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أُكل منه له صدقة، وما سُرق منه له صدقة، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، ولا ينقصه أحد إلا كان له صدقة".

وفي رواية له أيضا: "فلا يأكل منه إنسان ولا دابة ولا طائر إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة".
وظاهر هذه الأحاديث يدل على أن هذه الأشياء تكون صدقةً يُثاب عليها الزارع والغارس ونحوهما، إذا نوى واحتسب الأجر عند الله -سبحانه-.
ولكن المؤسف أن كثيرا من الأثرياء يحبسون أموالهم عن الإسهام في الخير، ويحرمون أنفسهم من الثواب، وهم قادرون على ذلك، فكانوا ممّن جمع فأوعى.
فيا حسرة من كان جمّاعا للمال منّاعا للخير، لا يقدم لنفسه ما يجده عند الله خيراً وأعظمَ أجراً، يَتعب في جمع المال وحفظه ويتركه لغيره، ولا يقدم منه لنفسه.
فاتقوا الله -عباد الله- وقدِّموا لأنفسكم"وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ"البقرة: 223.
واعلموا أن خير الحديث كتاب الله …
- هنا -


رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 01:00 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر