#11
|
||||
|
||||
"أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ "17.
التفسير: ثم انتقل- السياق- من تهديدهم بالخسف إلى تهديدهم بعذاب آخر فقال سبحانه " أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ". أى: بل أأمِنتم- أيها الناس- من في السماء، وهو الله- عز وجل- بسلطانه وقدرته.. أن يرسل عليكم حاصِبًا أى: ريحًا شديدة مصحوبة بالحصى والحجارة التي تهلك، فحينئذ ستعلمون عند معاينتكم للعذاب، كيف كان إنذاري لكم متحققًا وواقعًا وحقًا.. وقُدِّمَ التهديدُ بالخسف على التهديد بإرسال الحاصب، لأن الخسف من أحوال الأرض، التي سبق أن بين لهم أنه خلقها مذللة لهم، وفيها ما فيها من منافعهم، فهذه المنافع ليس عسيرًا على الله- تعالى- أن يحولها إلى عذاب لهم..تفسير الوسيط = هنا = فمِن جُنُود الله تعالى: الرِّيح الشديدةُ، وهي أنواع كثيرة، منها: الحاصب، وهي: ريح قوية تحمل من شدتها التراب والحصباء، فتحصب بها الناس، وتُغطي بها العمران، وقد تشتدُّ شدة تقتلع الحجارة فترمي بها الناس، وقد عُذِّب بها أُمَّتَان من الأممِ الغابرةِ، كانتا من أشد الأمم عذابًا؛ كما قال الله تعالى" فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا "العنكبوت: 40. وهاتان الأُمَّتان هما: عاد وقوم لوط: فأمَّا عاد فقال الله تعالى فيهم" وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ " الحاقَّة:6. "بِرِيحٍ صَرْصَرٍ" أي باردة تحرق ببردها كإحراق النار ; مأخوذ من الصر وهو البرد ; قاله الضحاك . وقيل : إنها الشديدة الصوت . تفسير القرطبي. "عَاتِيَةٍ" أي : شديدة الهبوب . تفسير ابن كثير . وتجاوزت كل حد في قوتها. تفسير الوسيط . وقال سبحانه " فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا "فصِّلت: 16، "نَحِسَاتٍ" أي :مشئومات نكدات عليهم.متتابعات. وكانت ريحًا شديدة ترفعهم وتصرعهم؛ كما قال الله تعالى في وصْف فعلها بهم" تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ "القمر: 20. "مُنْقَعِرٍ" أي مَقْلُوع مِن أَصْله ومُلقًى على الأرض. "كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ "كأنهم جذوع النخل المقلوع من الأرض . وقيل أعجاز نخل " وهي أصولها التي قطعت فروعها؛ لأن الريح كانت تبين رءوسَهُم من أجسادِهم ، فتبقي أجسادَهم بلا رءوس .. لقد ظنَّتْ عاد أنها الريح التي اعتادوها، تحمل السحب، وتسوقها إليهم، فإذا هو حاصب يحمل العذاب الأليم " فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِينَ "الأحقاف: 25، استمرَّ حاصبُهم أيامًا حتى أفناهم الله تعالى به " وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى القَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ "الحاقَّة:6، 7. حُسُومًا : متتابعات مشائيم . وهو من حسم الداء يقال: قَطَعَهُ فحَسَمَهُ، أي: أزال مادته، وبه سُميَ السيف حُسامًا. وحَسْم الداءِ: إزالة أثره بالكي، وقيل للشؤم المزيل لأثر من ناله: حسوم، قال تعالى"وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا" الحاقة/7، قيل: حاسمًا أثرهم، وقيل: حاسمًا خبرهم، وقيل: قاطعًا لعمرهم. وكل ذلك داخل في عمومه. هنا= وأما قوم لوط - عليه السلام - فقال الله تعالى فيهم" إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ " القمر: 34،وبلغ من شدة الحاصب الذي اجتاحهم أنه قلب ديارهم وأصبحت أعلى بيوتهم أسفلها ، وقذفهم بحجارة من سجيل أي :بحجارة من الطِّينُ اليَابِسِ الْمُتَحَجِّرِ المتتابع حتى أهلكتهم؛ " فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ "الحجر: 74. إنَّ النُّذُر تأتينا مِن بين أيدينا ومِن خَلْفنا، ويذكرنا ربنا - جَلَّ جلاله - بآياته الشرعيَّة والكونيَّة؛ لنتذكرَ ونتوب، " وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا "الإسراء: 59.الألوكة - هنا= فالرياح الشديدة والزلازل والبراكين كلها تذكرة وتخويف من عاقبة مخالفة أمره سبحانة. "وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ"الملك:18. "وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ "أي: الذين قبل كفار مكة من كفار الأمم الماضية. كقوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، وأصحاب الأيكة، وأصحاب الرس، وقوم فرعون. "فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ" قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ : النَّكِيرُ عِقَابُ الْمُنْكِرِ .... = هنا = التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب . أي: كيف كان نكيري على تكذيبهم؟ وذلك بإنزال العذاب بهم، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر وإهلاكهم. |
#12
|
||||
|
||||
" أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ "19.
=بعد أن ذكر الله سبحانه أن هذه الأرض سُهلت للسالكين، تَوَعَّدَ الكافرينَ أن يجعلَ من الأرضِ نقمة بعد أن كانت نعمة، بخسفها فَيُغَيَّبُونَ في مجاهلِهَا بعد أن كانوا على ظاهرِهَا يتنعمونَ، واستخدم في ذلك صيغة السؤال ليظهر لهم مدى عجزهم وافتقارهم إليه سبحانه. ثم يسألهم مرة أخرى : فهل أَمِنتم كذلك إن لم نخسف بكم الأرض أن نمطر عليكم السماء، فستعلمون صدق إنذاري لكم إن وقع العذاب بكم -كما وقع على المكذبين من قبلكم- ، ثم يوجههم الله جل جلاله إلى التأمل في مخلوق من مخلوقاته فيقول " أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ " - كما ذلل الأرض للآدمي ذلل الهواء للطيور -لعل ذلك يدفعهم إلى الإيمان بالخالق ، فهلًا نظرتم إلى الطير نظرات تأمل واعتبار= هنا= "صَافَّاتٍ " أَيْ بَاسِطَاتٍ أَجْنِحَتِهِنَّ فِي الْجَوِّ عِنْدَ طَيَرَانِهَا ."وَيَقْبِضْنَ " وَيَضْمُمْنَهَا إِذَا ضَرَبْنَ بِهَا جُنُوبَهُنَّ ،وقتًا بعد وقت للاستظهار به على التحريك "مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ"ما يمسكهن في حال القبض ، والبسط أن يسقطن إلا الرحمن برحمته الواسعة، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَعَ ثِقَلِهَا وَضَخَامَةِ أَجْسَامِهَا لَمْ يَكُنْ بَقَاؤُهَا فِي جَوِّ الْهَوَاءِ إِلَّا بِإِمْسَاكِ اللَّهِ وَحِفْظِهِ .بقدرته، وما دبر لها من بِنْيَة يتأتى منها الجري في الجو. "إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ"، فيعطيه ما يليق به، ويسويه بحسب مشيئته، ويودع فيه ما يريده بمقتضى حكمته، ثم يهديه إليه بتوفيقه ورحمته."الرَّحْمَنُ" اسم عظيم من أسماء الله تعالى الحسنى، وهذا الاسم الكريم خاص بالله تعالى يدل على الكثرة والامتلاء وهو مشتق من الرحمة، ويعني هذا أنه يشتمل على رحمة واسعة= هنا= "الرَّحْمَنُ" برحمته الواسعة سخر لهن الجو، وجعل أجسادَهن وخِلْقَتهن في حالة مستعدة للطيران، فمن نظر في حالة الطير واعتبر فيها، دلته على قدرة الباري، وعنايته الربانية، وأنه الواحد الأحد، الذي لا تنبغي العبادة إلا له. تفسير السعدي=هنا= وتفسير القرآن الكريم - المقدم= هنا= وقال صاحب أضواء البيان: قَالَ أَبُو حَيَّانَ : عَطْفٌ بِالْفِعْلِ وَيَقْبِضْنَ عَلَى الِاسْمِ ، صَافَّاتٍ ، وَلَمْ يَعْطِفْ بِاسْمِ قَابِضَاتٍ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّيَرَانِ هُوَ بَسْطُ الْجَنَاحِ ، وَالْقَبْضُ طَارِئٌ ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو - ص: 242 - حَيَّانَ : جَارٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ الِاسْمَ لِلدَّوَامِ وَالثُّبُوتِ ، وَالْفِعْلَ لِلتَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ ، فَالْحَرَكَةُ الدَّائِمَةُ فِي الطَّيَرَانِ هِيَ صَفُّ الْجَنَاحِ ، وَالْجَدِيدُ عَلَيْهِ هُوَ الْقَبْضُ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ دَلِيلٌ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَآيَةٌ لِخَلْقِهِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " النَّحْلِ: 79 . فَهِيَ آيَةٌ عَلَى الْقُدْرَةِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقُدْرَتِهِ جَلَّ وَعَلَا ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى " إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا "فاطر: 41 . فَهُوَ سُبْحَانُهُ مُمْسِكُهُمَا بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى عَنْ أَنْ تَزُولَا ، وَلَوْ قُدِّرَ فَرْضًا زَوَالُهُمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِمْسَاكِهِمَا إِلَّا هُوَ. تَنْبِيهٌ وَلَعَلَّ مِمَّا يَسْتَدْعِي الِانْتِبَاهَ تَوْجِيهُ النَّظَرِ إِلَى الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ " صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ " ، بَعْدَ التَّخْوِيفِ بِخَسْفِ الْأَرْضِ بِأَنَّ الْأَرْضَ مُعَلَّقَةٌ فِي الْهَوَاءِ كَتَعَلُّقِ الطَّيْرِ الْمُشَاهَدِ إِلَيْكُمْ مَا يُمْسِكُهَا إِلَّا اللَّهُ ، وَإِيقَاعُ الْخَسْفِ بِهَا ، كَإِسْقَاطِ الطَّيْرِ مِنَ الْهَوَاءِ ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَا يُمْسِكُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ، وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى الْخَسْفِ بِهَا ، وَعَلَى إِسْقَاطِ الطَّيْرِ . = هنا= أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن/محمد الأمين بن محمد بن المختار الجنكي الشنقيطي. "إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ"البصير له معنيان: الأول: هو أن لله -تبارك وتعالى- بصرًا يليق بعظمته،الذي أحاط بصرُه بجميع المُبصِرات في أقطار الأرض والسموات، فيرى جميع الكائنات حتى أخفى ما يكون فيها. "قَالَ لَا تَخَافَا إنَّني مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى"طه:46. الثاني: أنه ذو بصيرة بالأشياء، عالم بها، خبير بأمرها، لا تخفى عليه منها خافية. "وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ" آل عمران 163. فالبصير بالشيء يعني: العالِم به، الذي لا يخفى عليه منه قليل، ولا كثير، فاجتمع المعنيان في البصير.الشيخ خالد عثمان السبت = هنا= " إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ " أي بصير بما يصلح كل شيء من مخلوقاته ، فهو المدبر لعباده بما يليق بهم ، وتقتضيه حكمته .تفسير سورة الملك :الشيخ : سليمان بن محمد اللهيميد فإذا كان الله -تبارك وتعالى- يبصر العباد، لا يخفى عليه من أمرهم قليل، ولا كثير، وهو أيضًا -جل جلاله وتقدست أسماؤه- يعلم بواطنهم، وخفاياهم، فإلى أين المفر؟. الفرار إلى الله -تبارك وتعالى- بمراقبته. =وكان الإمام أحمد -رحمه الله- كثيرًا ما يردد: إذا ما خلوتَ الدهر يومًا فلا تقل *** خلوتُ ولكن قل عليّ رقيبُ ولا تحسبنّ الله يغفل ساعةً *** ولا أنّ ما يخفى عليه يغيبُ الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي:ص: 551. *ومن آثار الإيمان بهذا الاسْم العظيم: أوَّلًا: إثبات صفة البَصَر لله؛ لأنَّه وصف نفسه بذلك. " إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ "الشورى:27 . ثانيًا: أن الله - تبارك وتعالى - بصيرٌ بأحوال عباده، خبير بصير بِمَن يستحقُّ الهداية منهم ممَّن لا يستحقُّها، بصير بمن يصلح حاله بالغِنَى والمال وبمن يفسد حاله بذلك؛ قال تعالى" وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ "الشورى: 27. وهو بصير بالعباد، شهيدٌ عليهم، الصَّالح منهم والفاسق؛ قال تعالى" هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"التغابن: 2، بصير خبير بأعمالِهم وذنوبهم؛ قال تعالى" وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا "الإسراء: 17، وسيَجزيهم عليها أتمَّ الجزاء. ثالثًا: إذا علِمْنا أنَّ الله بصيرٌ، حملَنا ذلك على حِفْظ الجوارح وخطرات القلوب عن كلِّ ما لا يُرْضِي الله، وحملَنا أيضًا على خشْيته في السِّرِّ والعلانية، في الغَيب والشهادة؛ لأنَّه يرانا على كلِّ حال، فكيف نَعْصيه مع عِلْمنا باطِّلاعه عليْنا؟! قال تعالى" الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ "الشعراء: 218-219، ومن علم أنَّه يراه أحسن عملَه وعبادته، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هُريرة - رضِي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال عن الإحسان"أن تعبُد الله كأنَّك تراه، فإنْ لَم تكُن تراه فإنَّه يراك". قال النَّووي - رحمه الله - "هذا من جوامع الكلِم الَّتي أُوتيها - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لأنَّا لو قدرنا أنَّ أحدنا قام في عبادة وهو يُعايِن ربَّه - سبحانه وتعالى - لَم يترك شيئًا ممَّا يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحُسْن السَّمت، واجتماعه بظاهره وباطنه، وعلى الاعتِناء بتتْميمها على أحسن وجوهِها إلَّا أتى به"شرح صحيح مسلم"؛ للنووي :1/ 157 - 158. =الألوكة = فهل تفكرتم في ذلك ، وتساءلتم من يمسك هذا الطير أن يقع، إنه الله الذي بكل شيء بصير، فلا يغفل عنه شيء، وكل واقع تحت بصره الذي أحاط بكل شيء.= هنا = |
#13
|
||||
|
||||
يقول تعالى "أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ" الملك : 20.
أي: ليس لكم من دونه من ولي ولا واقٍ، ولا ناصر لكم غيرالرحمن يستطيع أن يدفع عنكم عذاب الله .الاستفهام للإنكار ،والتوبيخ و التحدي والتعجيز، و"أَمْ" منقطعة بمعنى بل - تفيد الانتقال من حدثٍ إلى حدثٍ، أي بعد أن بين سبحانه حال الكفار وعدم تأملهم لهذا المخلوق الضعيف وهو الطير وكيف أنه خرق العادة الطبيعية ومهد له الطيران ، نقلنا إلى مشهد آخر من هذا المعين والناصر إذا حلَّ بكم العذاب، . فلفت أنظارهم مرة أخرى إلى قوة بأسه، ونفاذ إرادته، وعدم وجود من يدفع عنهم إذا ما أنزل بهم عقابه. والمراد بالجُندِ: الجنود الذين يهرعون لنصرة من يحتاج إلى نصرتهم .وجند لكم جاءت بالجملة الاسمية للدلالة على الثبات والدوام -أي دوام نفي الناصر من دون الله-، أي: ليس لكم من دونه من ولي ولا واقٍ، ولا ناصر لكم غيره . =ومع أن السياق والآية تتكلم عن النصر وعن القوة والقهر والجبروت ،إلا أن الله سبحانه وتعالى ذكر اسم الرحمن فقال"مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ". وفي آيات أخرى مثل سورة الكهف قال تعالى " وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا "الكهف 43. وفي قصة قارون قال سبحانه "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ" القصص 81. من يتتبع السياق يعلم الجواب : في سورة الملك كان السياق فيها هو إظهار نعم الله على مخلوقاته السموات وما زينها به ، والطير وما مر بنا من نِعم في الآيات السابقة.... تتناسب مع الرحمة تقتضي الرحمة، أما في قصة قارون ، والحوار الذي حصل بين المؤمن والكافر في سورة الكهف فهي عقوبة وناسب هنا لفظ الجلالة. "إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ" " إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ أي في غرور من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينزل بهم .تفسير البغوي= هنا= الغُرُور : صفة في النفس تجعلها تعرض عن الحق جحودًا وعنادًا وجهلًا. أي ليس الكافرون إلا في غرور عظيم، وفي جهل تام، عن تدبر الحق، لأنهم زين لهم الشيطان سوء أعمالهم، فرأوها حسنة.تفسير الوسيط.هنا = إن الكافرون في غرور وباطل لأنهم اغتروا بقوتهم النسبية المحدودة أمام قوة الخالق المتصرف في الكون كله . لذلك كل من علق قلبه بالنصر أو بالعز أو بالتمكين أو بالرفعة بغير الله سبحانه وتعالى فهو مغرور . لذلك قال تعالى" إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ.." آل عمران 160. وقال تعالى" إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" محمد 7. وقال تعالى"وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ" الحج 40. فالتوكل من أعظم أسباب النصر،لذا قال موسى لقومه" قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " الأعراف 128. لذلك من يتأمل المعارك والغزوات التي خاضها عليه الصلاة والسلام ،في جميع المعارك كان الجيش الإسلامي أقل من جيوش الكفار والمشركين ،إلا في معركة واحدة،معركة حُنين.قال تعالى "لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ "التوبة 25. انهزموا لأنهم أعجبوا بالكثرة وغرتهم كثرتهم ،فكل من طلب النصر من غير الله فإن الله سبحانه وتعالى سيخذله. مجالس في تدبر سورة الملك - (17) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ / للشيخ أيمن شعبان = هنا = "لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ" وهو اسم للمكان الذي كانت فيه الوقعة بين مكة والطائف. "إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا" أي: لم تفدكم شيئا، قليلًا ولا كثيرًا "وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ" بما أصابكم من الهم والغم حين انهزمتم "بِمَا رَحُبَتْ" أي: على رحبها وسعتها "ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ" أي: منهزمين. وذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما فتح مكة، سمع أن هوازن اجتمعوا لحربه، فسار إليهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أصحابه الذين فتحوا مكة، وممن أسلم من الطلقاء أهل مكة، فكانوا اثني عشر ألفا، والمشركون أربعة آلاف، فأعجب بعض المسلمين بكثرتهم، وقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة. فلما التقوا هم وهوازن، حملوا على المسلمين حملة واحدة، فانهزموا لا يلوي أحد على أحد، ولم يبق مع رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا نحو مائة رجل، ثبتوا معه، وجعلوا يقاتلون المشركين، وجعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يركض بغلته نحو المشركين ويقول"أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" ولما رأى من المسلمين ما رأى، أمر العباس بن عبد المطلب أن ينادي في الأنصار وبقية المسلمين، وكان رفيع الصوت، فناداهم: يا أصحاب السمرة، يا أهل سورة البقرة. فلما سمعوا صوته، عطفوا عطفة رجل واحد، فاجتلدوا مع المشركين، فهزم اللّه المشركين، هزيمة شنيعة، واستولوا على معسكرهم ونسائهم وأموالهم..تفسير السعدي = هنا= والغزوة بتمامها في صحيح مسلم = هنا= ____________ "أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ" الملك : 21.يتوجه الخطاب لمن يتوجه لغير الله من أصحاب الملك والجاه أو الآلهة الأخرى ، يتوجهون لهم بطلب النصرة والرزق - التي هي من مظاهر المُلك - أرأيتم إن منع الله عنكم النصر والرزق فمن يأتي بهما؟! . قال ابن القيم -رحمه الله- في قوله تعالى" أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ " الآية "جمع سبحانه بين النصر والرزق، فإن العبد مضطر إلى من يدفع عنه عدوه بنصره، ويجلب له منافعه برزقه، فلابد له من ناصر ورازق، والله وحده هو الذي ينصر ويرزق فهو الرزاق ذو القوة المتين، ومن كمال فطنة العبد ومعرفته أن يعلم أنه إذا مسه الله بسوء لم يرفعه عنه غيره وإذا ناله بنعمة لم يرزقه إياها سواه" إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان:1/34. فقد تكفل الرزاق -سبحانه- برزق كل مخلوق، وذلك يشمل الإنسان والحيوان والجان، فتكفل برزق كل واحد من هؤلاء، وقسم له رزقه، قال سبحانه"وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" هود: 6، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يُصلحه، حتى الذرّ في باطن الأرض، والطير في الهواء، والحيتان في الأعماق، والأجنّة في الأرحام، والحشرات في الصخور، فسبحان الرزاق العليم" = هنا= أنواع الرزق : ما ينتفع به الإنسان وهو نوعان : رزق يقوم به البدن ، ورزق يقوم به الدين , والرزق الذي يقوم به البدن : هو الأكل والشرب واللباس والمسكن والمركوب وما أشبه ذلك , والرزق الذي يقوم به الدين : هو العلم ، والإيمان ، وكلاهما مراد بهذا الحديث . شرح الأربعين النووية ص 101 - 102.= هنا= "أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ" أي: من هذا الذي إذا قطع الله رزقه عنكم يرزقكم بعده؟! أي: لا أحد يعطي ويمنع ويخلق ويرزق، وينصر إلا الله -عز وجل-، وحده لا شريك له، أي: وهم يعلمون ذلك، ومع هذا يعبدون غيره; ولهذا قال تعالى: "بَلْ لَجُّوا" أي: استمروا في طغيانهم وإفكهم وضلالهم "فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ" أي: في معاندة، واستكبار، ونفور على إدبارهم عن الحق، أي لا يسمعون له ولا يتبعونه.= هنا= *الرزق الخفي: *ومن الأرزاق رزق خفي، بأن يرزق الله العبد القناعة، فيقنع العبد في نفسه ويرضى بما أعطاه الله من مال وولد، وهذا ما مدح به النبي -صلى الله عليه وسلم- العبد الموفق، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال" قد أفلحَ من أسلمَ ، ورُزِقَ كفافًا ، وقنَّعَه اللهُ بما آتاهُ" . الراوي : عبدالله بن عمرو - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم: 1054 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر- وفي الحديثِ: الفَوْزُ والفَلاحُ لِمَنْ أَسْلَمَ لله، ورَضِيَ بما قَسَمه الله له. وفيه: أنَّ القَناعَةَ مِن أسبابِ الفَلَاحِ * ومن جميل الرزق أن يُغني الله عبدَه بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه، وهذا ما علّمه النبي -عليه الصلاة والسلام- أمته أن يحرصوا عليه، فعَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- أنَّ مُكاتبًا جاءَهُ فقالَ : إنِّي قد عَجزتُ عَن كتابتي فأعنِّي ، قالَ : ألا أعلِّمُكَ كلِماتٍ علَّمَنيهنَّ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ لو كانَ عَليكَ مثلُ جَبلِ صيرٍ دينًا أدَّاهُ اللَّهُ عَنكَ ، قالَ : قُل : اللَّهمَّ اكفني بِحلالِكَ عن حرامِكَ ، وأغنِني بِفَضلِكَ عَمن سواكَ"الراوي : علي بن أبي طالب - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم: 3563 - خلاصة حكم المحدث : حسن- الدرر- "اللَّهمَّ اكْفِني بحَلالِك عن حَرامِك"، أي: قَنِّعْني بالحَلالِ وسُقْهُ إليَّ منه في كلِّ شيْءٍ؛ حتَّى لا أحتَاجَ معه إلى الحَرامِ، "وأغْنِني بفضْلِك عمَّن سِواكَ"، مِن الخلْقِ؛ حتَّى لا أحتاجَ إليهِم، ولا أُنزِلَ حاجَتي بأحَدٍ منهم. وفي الحَديثِ: الحَثُّ على ردِّ السَّائلِ ردًّا حسَنًا إذا لم يكُنْ لك ما تُعطِيه. وفيه: تنبِيهُ العالِمِ للمُتعَلِّمِ، وتَذكِيرُه بما يَحتاجُ إليه. وفيه: أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى كافٍ عبْدَه المؤمِنَ. الدرر- عباد الله: إذا رزق الله العبد العلم النافع والإيمان الصحيح، والرزق الحلال، والقناعة بما أعطاه الله منه، فقد تمت أموره، واستقامت أحواله الدينية والبدنية، وهذا النوع من الرزق هو الذي مدحته النصوص النبوية، واشتملت عليه الأدعية النافعة، ومن لا يملكه فهو الفقير فعلًا الذي يُرثَى له.= هنا= ومصادر أخرى لتخريج وتحقيق الأحاديث. عباد الله: احذروا المعاصي فإنها تذهب ببركة الأرزاق والأبدان، واعلموا أن الإيمان والتقوى سببان عظيمان للحصول على الأرزاق والبركات، وأن الكفر والفجور سببان عظيمان لنقص الأرزاق ومحق البركات، قال الملك الوهاب -سبحانه-"وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"الأعراف: 96. أَصْلُ البَرَكةِ؛ النَّماءُ والزِّيَادةُ, وكَثرَةُ الخيرِ ودوامُهُ؛ فالبركةُ ما كَانتْ في صَغيرٍ إلا كبَّرَتْهُ، ولا في قَليلٍ إلاَّ كثَّرَتْهُ، ولا في كَثيرٍ إلا نَفَعَتْهُ وأبْقَتْهُ؛ لا غِنَى لأَحَدٍ عن بَركةِ اللهِ. ومن أسباب البركة: *صلة الأرحام: "مَن أحبَّ أن يبسُطَ لَه في رزقِه ، ويُنسَأَ لَه في أثَرِه ، فليَصِلْ رَحِمَهُ"الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 5986 - خلاصة حكم المحدث :صحيح- الدرر- أي: مَن أَحَبَّ أنْ يُوسِّعَ اللهُ عليه رزْقَه ويُؤخَّرَ له في أَجلِه فَلْيصِلْ رَحمَه، ومعنى تأخيرِ الأجَلِ وزيادةِ العُمرِ، هو الزِّيادةُ بِالبركةِ فيه والتَّوفيقِ لِلطَّاعاتِ وعمارةِ أوقاتِه بما يَنفعُه في الآخرةِ، وصيانتِه عَنِ الضَّياعِ في غيرِ ذلك.- الدرر- *شكر النعم: الأرزاق تزيد بالشكر، وتنقص بعدمه، وهو الكفران والمعاصي، قال سبحانه"وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"إبراهيم: 7، وهكذا تذهب الأرزاق والخيرات، وتُنزَع البركات، ويحل المحق والفساد بسبب المعاصي. *الصدقة: ومن أسباب البركات التي توجب على العباد الرحمات والنفقات والصدقات: ما من يومٍ يصبحُ العبادُ فيه، إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدُهما : اللهم أعطِ مُنفقًا خلفًا، ويقول الآخرُ : اللهم أعطِ مُمسكًا تلفًا ".الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- الصفحة أو الرقم: 1442 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر - *التبكير: من أسباب حصول البركة؛ التبكير بالأعمال والتجارات وطلب العلم وغير ذلك وقضاؤها أول النهار، قال -عليه الصلاة والسلام "الَّلهمَّ باركْ لأمَّتي في بُكُورِها" الراوي : عبدالله بن عمر - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه- الصفحة أو الرقم: 1833 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر - *الدعاء بالبركة: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يسأل الله تعالى البركة : "اللَّهمَّ بارِكْ لي في ديني الَّذي هوَ عِصمةُ أَمري ، وفي آخِرَتي الَّتي فيها مَصيري ، وفي دُنْيايَ الَّتي فيها بَلاغي ، واجعَل حياتي زِيادةً لي في كلِّ خَيرٍ ، واجعَلِ الموتَ راحةً لي مِن كلِّ شرٍّ" الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الوادعي - المصدر : الصحيح المسند -الصفحة أو الرقم: 247 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر - العناصر مقتبسة من = هنا = هذا حديثٌ جامِعٌ لأَنواعِ الخَيْرِ كُلِّها يَشتَمِلُ على دُعاءٍ شامِلٍ، لِمُتطلَّبَاتِ الدُّنيا والآخِرَةِ، وهو مِن جَوامعِ الكَلِمِ الَّتي أُوتيَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وفيه بَدَأَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالأَهَمِّ، وهُو الدعاءُ بإصلاحِ الدِّينُ، ووَصَفَ الدِّين بأنَّه عِصمةُ الأَمْرِ؛ فبِه يَعتَصِمُ الإنسانُ مِن كُلِّ شرٍّ، وصَلاحُ الدِّينِ يَكونُ بِالإخلاصِ لِلهِ والمُتابعَةِ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. ثُمَّ سألَ بَعدَ ذلك إصلاحَ الدُّنيا لَه، ثُمَّ ذَكَرَ العُذْرَ في سُؤالِه إِصْلاحَها؛ بأنْ قالَ"الَّتي فيها مَعاشِي" يَعنِي: الَّتي أَعيشُ فِيها لأَعْبُدَك، ومِنَ المعاشِ: الكَسْبُ والسَّعيُ في الأَرْضِ لاستِجْلَابِ الرِّزقِ، ويَكونُ ذلك عِبادةً للهِ عزَّ وجلَّ إذا احتَسَب العبدُ الأجْرَ، واستعانَ به على الطَّاعةِ. ثُمَّ قال" وأَصلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فيها مَعادِي"، فرَتَّبَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الآخِرَةَ بَعدَ الدُّنيا، ثُمَّ قال"واجْعَلِ الحياةَ زِيادةً لي في كُلِّ خيرٍ" اجعْلها سَببَ زِيادةٍ، أزْداد فيها مِن الأَعمالِ الصَّالحةِ، "واجْعَلِ الموتَ راحةً لي مِن كُلِّ شرٍّ"، بأن تَختِمَ لي بالخاتمةِ الحَسنةِ وتَجعَلَ الموتَ خَيرًا مِن الحَياةِ التي لا تَخْلو عَنْ شَرٍّ وبَلاءٍ؛ فأتَخلَّصَ به مِن كلِّ شرِّ الدُّنيا ومَشقَّتِها، ولا يُصيبني شَرُّ عذابِ القبرِ وفِتنته، ولا شَرُّ النارِ، فأستريح في الجَنَّةِ . الدرر= ولنحذر الإملاء ولا نغتر به: قال تعالى " وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ " آل عمران :178. ما يتمتع به الأشرار في الدنيا من متع إنما هو استدراج لهم، وقوله "نُمْلِي لَهُمْ" من الإملاء وهو الإمهال والتخلية بين العامل والعمل ليبلغ مداه. يقال: أملى فلان لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء.. ويطلق الإملاء على طول المدة ورغد العيش. والمعنى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ، بتطويل أعمارهم، وبإعطائهم الكثير من وسائل العيش الرغيد هو، "خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ "كلا. بل هو سبب للمزيد من عذابهم، لأننا "إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا" إِثْمًا بكثرة ارتكابهم للمعاصي "وَلَهُمْ" في الآخرة " عَذابٌ مُهِينٌ" أى عذاب ينالهم بسببه الذل الذي ليس بعده ذل والهوان الذي يتصاغر معه كل هوان. = هنا = نسأل الله العافية لنا ولكم .
__________________
|
#14
|
||||
|
||||
"أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " الملك :22. هذا مثلٌ ضربه الله للضال والمهتدي. أَيْ: أَيُّ الرَّجُلَيْنِ أَهْدَى؟ مَنْ كَانَ تَائِهًا فِي الضَّلَالِ، غَارِقًا فِي الْكُفْرِ قَدِ انْتَكَسَ قَلْبُهُ، فَصَارَ الْحَقُّ عِنْدَهُ بَاطِلًا وَالْبَاطِلُ حَقًّا؟ وَمَنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَقِّ، مُؤْثِرًا لَهُ، عَامِلًا بِهِ، يَمْشِي عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ وَجَمِيعِ أَحْوَالِهِ؟ فَبِمُجَرَّدِ النَّظَرِ إِلَى حَالِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، يَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَالْمُهْتَدِي مِنَ الضَّالِّ مِنْهُمَا، وَالْأَحْوَالُ أَكْبَرُ شَاهِدٍ مِنَ الْأَقْوَالِ. تفسير السعدي = هنا = والمُكِب: هو المتعثِر الذي يَخِرُّ على وجهِهِ؛ لوعورةِ طريقِهِ، واختلاف سطحه ارتفاعًا وانخفاضًا. الذي تمادى في طغيانه وفر من الحق والإيمان، يمشي منسكًا وجهه فلا يرى الحق.التفسير الموضوعي لسورة الملك= هنا = وأما الذي يمشي سويًا فهو القائم المعتدل السالم من التعثر؛ لاستواء طريقه واستقامة سطحه. ذلك الذي انتفع بالحق فهو على صراط مستقيم لا اعوجاج في سيره.التفسير الموضوعي لسورة الملك= هنا = قال قتادة: يحشر الله الكافر مكبًا على وجهه، والمؤمن يمشي سويًا. وقال البيضاوي:.......لم يقل الله تبارك وتعالى: أفمن يمشي مكبًا على وجهه على طريق وعر فيه كذا وكذا من الآفات والحفر والارتفاع والانخفاض والتفاوت؛ لأن ما عليه الكافر من الضلال والانحراف لا يستحق أصلاً أن يوصف بأنه طريق؛ لأنه وَهْم وضلال، فاكتفى عن التعبير عن وعورة الطريق بوصف من يمشي عليه، وهذا مَلْمَح مهم جدًا من إعجاز القرآن الكريم وبلاغته، وهذا من عجائب القرآن الكريم، حيث ذكر المسلك في الثاني دون الأول، قال سبحانه: "أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى" ثم قال"أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا" أي: ليس منكبًا مخرًا على وجهه؟ لا، بل يمشي سويًا معتدلًا يرى الطريق "عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" أي: على طريق واضح، في حين أنه لما وصف حال الكافر لم يثبت له الطريق، فكأن ما عليه الكافر لا يستحق أن يسمى طريقًا أو منهجًا، فأهمله واكتفى بالدلالة على وعورة الطريق بذكر صفة من يمشي عليه ويعاني من حزونته وصعوبته تفسير القرآن الكريم - المقدم = هنا = وقال الشيخ مصطفى العدوي في تفسيرِهِ لهذه الآية: شبه الكافر في مشيه ومسيره في الحياة الدنيا بأنه يمشي مكبًا على وجهه، وهو أيضًا سيمشي مكبًا على وجهه في الآخرة كذلك، كما قال سبحانه"وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا"الإسراء:97. أن رجلًا قال : يا نبيَّ اللهِ ، كيف يُحْشَرُ الكافرُ على وجهِه يومَ القيامةِ ؟! قال : أليسَ الذي أَمْشَاه على الرجلين في الدنيا قادرًا على أن يُمْشِيَه على وجهِه يومَ القيامةِ . قال قتادةُ : بلى وعزةِ ربِّنَا .الراوي : أنس بن مالك - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 4760 - خلاصة حكم المحدث : - صحيح - الدرر- سلسلة التفسير لمصطفى العدوي = هنا = " أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا " أي : منتصب القامة ، "عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ "أي : على طريق واضح بين ، وهو في نفسه مستقيم ، وطريقه مستقيمة . هذا مثلهم في الدنيا ، وكذلك يكونون في الآخرة . فالمؤمن يحشر يمشي سويًا على صراط مستقيم ، مفضى به إلى الجنة الفيحاء ، وأما الكافر فإنه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنم . " احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ *بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ "الصافات 22: 26 *تفسير ابن كثير = هنا =
__________________
|
#15
|
||||
|
||||
"قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ"الملك:23. هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ تَوْجِيهِ اللَّهِ تَعَالَى الْخِطَابَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ لِلتَّبْصِيرِ بِالْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ وَمَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنَ الْوَعِيدِ أَوِ التَّهْدِيدِ إِلَى خِطَابِهِمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقُولَ لَهُمْ مَا سَيُذْكَرُ ؛ تَفَنُّنًا فِي الْبَيَانِ وَتَنْشِيطًا لِلْأَذْهَانِ حَتَّى كَأَنَّ الْكَلَامَ صَدَرَ مِنْ قَائِلَيْنِ وَتَرْفِيعًا لِقَدْرِ نَبِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِعْطَائِهِ حَظًّا مِنَ التَّذْكِيرِ مَعَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ . وَالْانْتِقَالُ هُنَا إِلَى الْاسْتِدْلَالِ بِفُرُوعِ الْمَخْلُوقَاتِ بَعْدَ الْاسْتِدْلَالِ بِأُصُولِهَا- أَنشَأَكُمْ - ، وَمِنَ الْاسْتِدْلَالِ بِفُرُوعِ أَعْرَاضِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ أَصْلِهَا ، فَمِنَ الْاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ ، إِلَى الْاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ الْإِنْسَانِ وَمَدَارِكِهِ ، ....." هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ " . وَالضَّمِيرُ هُوَ - يعود - إِلَى الرَّحْمَنِ مِنْ قَوْلِهِ "مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ" . وَالْإِنْشَاءُ : الْإِيجَادُ . وَإِفْرَادُ السَّمْعِ ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ مصْدَرٌ ، أَيْ جَعَلَ لَكُمْ حَالَةَ السَّمْعِ ، وَأَمَّا الْأَبْصَارُ فَهُوَ جَمْعُ الْبَصَرِ بِمَعْنَى الْعَيْنِ ،.... وَ الْأَفْئِدَةُ: الْقُلُوبُ ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْعُقُولُ ، وَهُوَ إِطْلَاقٌ شَائِعٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ . وَ "قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ" حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ ، أَيْ أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ النِّعَمِ فِي حَالِ إِهْمَالِكُمْ شُكْرَهَا . وَقَدِ اسْتُعْمِلَ قَلِيلًا فِي مَعْنَى النَّفْيِ وَالْعَدَمِ . مقتفاط من كتاب :التحرير والتنوير- سورة الملك = هنا= وبصيغة أخرى: قل لهم -أيها الرسول-: الله هو الذي أوجدكم من العدم، وجعل لكم السمع لتسمعوا به، والأبصار لتبصروا بها، والقلوب لتعقلوا بها - فأعطاكم وسائل الإدراك هذه التي تمكنكم ،إن أنتم استعملتموها بحقها، من الوصول إلى خالقكم الحق، وذلك بتدبر آيات الله في الكون- التي ذُكِرَت في أولِ السورةِ -و التدبر في أسمائه وصفاته وقدرته وآياته.ولكن: " قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " أي: قلما ما تؤدون شكر هذه النعم لربكم الذي أنعم بها عليكم باستعمال هذه القوى التي أنعم الله بها عليكم فيما خُلِقَت له بطاعته، وامتثال أوامره، وترك زواجره. وكذلك شكر الشاكر قليل فقوله تعالى " قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " هذا باعتبار شكر الشاكر ، وقوله "وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ" هذا باعتبار الأفراد الشاكرين *قال أبو السعود " وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ " لتسمعُوا آياتِ الله وتمتثلُوا بما فيهَا من الأوامرِ والنواهِي وتتعظُوا بمواعظِهَا " وَالأَبْصَارَ " لتنظرُوا بها إلى الآياتِ التكوينيةِ الشاهدةِ بشؤون الله عزَّ وجلَ "وَالأَفْئِدَةَ " وهي القلوب ، لتتفكرُوا بهَا فيمَا تسمعونَهُ وتشاهدونَهُ من الآياتِ التنزيليةِ والتكوينيةِ وترتقُوا في معارجِ الإيمانِ والطاعةِ . فذكر الله سبحانه وتعالى طريق الفهم ومكان الفهم ، فطريق الفهم هو : السمع والبصر ، ومحل الفهم والوعي : هو القلب .. سليمان بن محمد اللهيميد، ومصادر أخرى . الشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره؛ فهذه القواعد هي أساس الشكر ومنزلة الشكر… " قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ " "وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ "13: سبأ. فأكثرهم, لم يشكروا اللّه تعالى على ما أولاهم من نعمه, ودفع عنهم من النقم. والشكر: اعتراف القلب بمنة اللّه تعالى, وتلقيها افتقارًا إليها, وصرفها في طاعة اللّه تعالى, وصونها عن صرفها في المعصية.تفسير السعدي = هنا = شكر النعم يزيدها: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ "7 : إبراهيم. «إنَّكَ لن تدَعَ شيئًا اتِّقاءَ اللَّهِ، جَلَّ وعَزَّ، إلَّا أعطاكَ اللَّهُ خيرًا منهُ » الراوي: رجل من أهل البادية-المحدث: الوادعي - المصدر: الصحيح المسند - الصفحة أو الرقم: 1523-خلاصة حكم المحدث: صحيح. ومن تطبيق ذلك : لما عقر سليمان الخيل غضبًا له إذ شغلته عن ذكره ، فأراد ألا تشغله مرة أخرى ، أعاضه عنها متن الريح . قال تعالى "وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ *وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ " "إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ" أي : إذ عُرض على سليمان في حال مملكته وسلطانه الخيل الصافنات .قال مجاهد : وهي التي تقف على ثلاث وطرف حافر الرابعة ، والجياد : السراع . وكذا قال غير واحد من السلف .تفسير ابن كثير . فقال ندمًا على ما مضى منه، وتقربًا إلى اللّه بما ألهاه عن ذكره، وتقديمًا لحب اللّه على حب غيره" إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ " أي: آثرت حب الخير، الذي هو المال عموما، وفي هذا الموضع المراد الخيل " عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ " أي:حتى توارت واختفت عن نظري بسبب حلول الظلام الذي يحجب الرؤية. فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ: قيل:إنما هو تكريمها، وقيل :وقال السدي : ضرب أعناقها وعراقيبها بالسيوف . "وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ" "وَلَقَدْ " اللام للتوكيد، وقد للتوكيد، واللام المؤكدة للقسم. "وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ "اختبرناه، ولم يبين لنا هنا ما هي هذه الفتنة، فنحن نقف عندما أوقفنا الله عليه، ولو كان فيه مصلحنا لنا لبينه، ولكن هناك إسرائيليات كثيرة جاءت في هذا المقام.الشيخ محمد صالح المنجد =هنا= "وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا" هو شق الولد الذي اختبر به سليمان ربنا عز وجل، كما جاء في حديث: "قال سليمانُ بنُ داودَ : لأطوفَنَّ الليلةَ على سبعينَ امرأةً ، تحملُ كلُّ امرأةٍ فارسًا يُجاهدُ في سبيلِ اللهِ ، فقال لهُ صاحبُهُ : إن شاء اللهُ ، فلم يَقُلْ ، ولم تحملْ شيئًا إلا واحدًا ، ساقطًا أَحَدُ شِقَّيْهِ . فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ "لو قالها لجاهدوا في سبيلِ اللهِ" .الراوي : أبو هريرة - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري- الدرر= الشرح: يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ سليمانَ بنَ داودَ عليهما السَّلامُ قال: لأَطُوفَنَّ اللَّيلةَ على مئةِ امرأةٍ أو تسعٍ وتسعينَ، أي: واللهِ لأُجامِعَنَّ مئةً أو تسعًا وتسعينَ، كلُّهنَّ يأتي بفارسٍ يُجاهِدُ في سبيل الله، فقال له صاحبُه- وهو المَلَك-: قلْ: إنْ شاءَ اللهُ، فلم يقلْ عليه السَّلامُ: إنْ شاءَ اللهُ؛ لنِسيانِه، فلم يَحمِلْ منهنَّ إلَّا امرأةٌ واحدةٌ، جاءتْ بشِقِّ رجُلٍ، أي: بنِصف رجُل، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: والذي نفسُ محمَّدٍ بيده، لو قال: إنْ شاء الله، لَجاهَدوا في سبيل الله عزَّ وجلَّ فُرسانًا أجمعونَ. في الحديثِ: طلبُ الولد لنيَّةِ الجهادِ في سَبيلِ اللهِ تعالى. وفيه: أنَّ مَن قال: إنْ شاء الله، وتبرَّأَ من مَشيئتِه، ولم يُعطِ الحظَّ لنفْسه في أعمالِه، فهو حريٌّ أن يَبلُغَ أمَلَه، ويُعطَى أُمنيتَه.الدرر= "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ " واستغفر سليمان، وقال يطلب من ربه أعطني ملكًا لَا يفكر فيه أحد من بعدي، ولا يناله سواي، " إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ "، فاستعمل الاسم المناسب في التوسل إلى الله سبحانه وتعالى وقد أتاه الله ذلك.الشيخ محمد صالح المنجد =هنا= "فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ "ص: 30:36. قال الحسن البصري رحمه الله : لما عقر سليمان الخيل غضبًا لله - عز وجل - عوضه الله ما هو خير منها وأسرع الريح التي غدوها شهر ورواحها شهر ." حَيْثُ أَصَابَ" أي : حيث أراد من البلاد .تفسير ابن كثير= هنا= ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها في مرضاته ، أعاضهم عنها أن ملّكهم الدنيا وفتحها عليهم . ولما احتمل يوسف الصديق ضيق السجن شكر له ذلك بأن مكّن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء . "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ " أي: أعلم ووعد، " لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " من نعمي " وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ " ومن ذلك أن يزيل عنهم النعمة التي أنعم بها عليهم. والشكر: هو اعتراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها وصرفها في مرضاة الله تعالى. وكفر النعمة ضد ذلك.تفسير السعدي = هنا = إن أكبر نعمة أنعم الله علينا أن هدانا للإيمان والإسلام مخلصين لله تعالى متبعين لرسوله صلى الله عليه وسلم. إنَّ شُكرَ اللهِ - تعالى -على نِعَمهِ دليلٌ على صدقِ العبوديةِ لهُ - سبحانه -، قال - تعالى "يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقنَاكُم وَاشكُرُوا لِلّهِ إِن كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ"سورة البقرة: 172. وقال - عز وجل - في سورة النحل"وَاشكُرُوا نِعمَتَ اللّهِ إِن كُنتُم إِيَّاهُ تَعبُدُونَ"سورة النحل: 114. مداد = هنا = والمسلم دائم الطلب من ربِّه تعالى أن يعينه على شكره تعالى ؛ إذ لولا توفيق الله لعبده ، وإعانته : لما حصل الشكر ، ولذا شرع في السنَّة الصحيحة طلب الإعانة من الله على شكره تعالى . عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ " يَا مُعَاذُ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، فَقَالَ : أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ ، وَشُكْرِكَ ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ " .رواه أبو داود : 1522 - والنسائي : 1303 ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". كيف يكون شكر العبد ربَّه على نعمه الجليلة ؟ يكون الشكر بتحقيق أركانه ، وهي شكر القلب ، وشكر اللسان ، وشكر الجوارح . قال ابن القيم - رحمه الله - : الشكر يكون : بالقلب : خضوعًا واستكانةً ، وباللسان : ثناءً واعترافًا ، وبالجوارح : طاعةً وانقيادًا . " مدارج السالكين " 2 / 246 . وتفصيل ذلك : - أما شكر القلب : فمعناه : أن يستشعر القلب قيمة النعم التي أنعمها الله على عبده ، وأن ينعقد على الاعتراف بأن المنعم بهذه النعَم الجليلة هو الله وحده لا شريك له ، قال تعالى " وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ" النحل/ 53 . وليس هذا الاعتراف من باب الاستحباب ، بل هو واجب ، ومن نسب هذه النعم لغيره تعالى : كفر . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : الواجب على الخلق إضافة النعم إلى الله قولًا ، واعترافًا ، وبذلك يتم التوحيد ، فمن أنكر نعَم الله بقلبه ، ولسانه : فذلك كافر ، ليس معه من الدين شيء. ومَن أقر بقلبه أن النعَم كلها من الله وحده ، وهو بلسانه تارة يضيفها إلى الله ، وتارة يضيفها إلى نفسه ، وعمله ، وإلى سعي غيره - كما هو جارٍ على ألسنة كثير من الناس - : فهذا يجب على العبد أن يتوب منه ، وأن لا يضيف النعم إلا إلى موليها ، وأن يجاهد نفسه على ذلك ، ولا يتحقق الإيمان ، والتوحيد إلا بإضافة النعَم إلى الله ، قولًا ، واعترافًا .فإن الشكر الذي هو رأس الإيمان مبني على ثلاثة أركان : اعتراف القلب بنعَم الله كلها عليه ، وعلى غيره ، والتحدث بها ، والثناء على الله بها ، والاستعانة بها على طاعة المنعم ، وعبادته . " القول السديد في مقاصد التوحيد " ص 140 . وأما شكر اللسان : فهو الاعتراف لفظًا – بعد عقد القلب اعتقادًا – بأن المنعم على الحقيقة هو الله تعالى ، واشتغال اللسان بالثناء على الله عز وجل . قال تعالى في سياق بيان نعمه على عبده محمد صلى الله عليه وسلم "وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى " الضحى/ 8 ، ثم أمره في مقابل ذلك بقوله " وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ " الضحى/ 11 . قال ابن كثير – رحمه الله - : أي : وكما كنت عائلًا فقيرًا فأغناك الله : فحدِّث بنعمة الله عليك ." تفسير ابن كثير " 8 / 427 . وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا " .رواه مسلم 2734. وأما شكر الجوارح : فهو أن يسخِّر جوارحه في طاعة الله ، ويجنبها ارتكاب ما نهى الله عنه من المعاصي والآثام . وقد قال الله تعالى " اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا " سبأ/ من الآية 13 . عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَقَالَ "يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا " . رواه البخاري : 4557 ، ومسلم : 2820 . الإسلام سؤال وجواب * فشُكرُ النِّعَم هو باجتماعِ أمورٍ بمحبَّة المُنعِمِ – جل وعلا – على نعمِه، والخُضوعِ لله لما أنعَمَ عليك، مع تيقُّنِ القلبِ أن كل نعمةٍ تفضُّلٌ وإحسانٌ على العبدِ من جميعِ الوجوه، لا يستحِقُّها العبدُ على الله، والثناء على الربِّ باللسان بهذه النِّعَم،والقبولِ لها بتلقِّيها بالفاقَة والفقرِ إلى الله، وتعظيمِ النِّعمة، واستِعمالِ النِّعَم فيما يحبُّ الله – تبارك وتعالى -. فمن استخدَمَ آلاءَ الله فيما يحبُّ الله ويرضَى، وجعلَها عونًا على إقامةِ الدين في نفسِه، وأدَّى بها الواجِبات المفروضَة عليه فيها بالإحسان إلى الخلقِ منها؛ فقد شكَرَها. ومن استخدَمَ نعمَ الله فيما يُبغِضُ الله، أو منَعَ الحقوقَ الواجِبةَ فيها؛ فقد كفَرَ النِّعمةَ. وألا تُبطِرَه النِّعَم، ويُداخِلَه الغرور، ويُوسوِسَ له الشيطانُ بأنه أفضلُ من غيرِه بهذه النِّعَم، وأنه ما خُصَّ بها إلا لمزِيَّةٍ على من سِواه، وليعلَم أن الله يبتلِي بالخير والشرِّ؛ ليعلَمَ الشاكرين والصابِرين. والإيمانُ نِصفُه شُكر، ونِصفُه صبر؛ قال الله تعالى"أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ"لقمان: 31. واعلَموا أن العبدَ مهما أطاعَ ربَّه، وتقرَّبَ إليه بأنواعِ القُرُبات لن يقوم بشُكرِ ربِّه على الكمالِ والتَّمامِ، ولكن حسبُه أن يقومَ بالفرائِض، وينتهِيَ عن النواهِي، ويعلَم أنه لولا رحمةُ الله لكانَ من الخاسِرين، ويُلازِمَ الاستِغفارَ من التقصير، وأن يُكثِرَ الدعاءَ لربِّه بالمعُونَة والتوفيق، وأن يُكثِرَ من ذِكرِ الله تعالى؛ فالذِّكرُ يسبِقُ به إلى أجلِّ المقامات. عن ابنِ عباسٍ – رضي الله عنهما -، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم «كانَ يقولُ في دعائِهِ ربِّ أعنِّي ولا تُعِنْ عليَّ، وانصُرني ولا تنصُرْ عليَّ، وامكُر لي ولا تَمكُر عليَّ، واهدِني ويسِّرِ الهدى لي، وانصُرني على من بغَى عليَّ، ربِّ اجعَلني لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مُطيعًا، إليكَ مُخبتًا، إليكَ أوَّاهًا مُنيبًا، ربِّ تقبَّل تَوبَتي، واغسِل حَوبَتي، وأجِب دعوَتي، واهدِ قلبي، وسدِّد لساني، وثبِّت حجَّتي واسلُلْ سَخيمةَ قلبي"الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح ابن ماجه-الصفحة أو الرقم: 3103- خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر = = هنا =
__________________
|
#16
|
||||
|
||||
"قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" الملك : 24. "قُلْ"إعادة فعل "قُلْ" من قبيل التكرار المُشْعِر بالاهتمام بالغرض المسوقة فيه تلك الأقوال، و فيها تشريف للنبي صلى الله عليه و سلم. ووجه مناسبة الآية لما قبلها هو ارتباط النعمتين ، فبعد أن أمر اللهُ نبيَّهُ في الآية السابقة أن يخبر الناس أن الله تعالى هو الذي أوجدهم من العدم، وخلق لهم السمع والأبصار والأفئدة، ومع ذلك قليل منهم من يشكر الله جل جلاله على نعمه ، وهو بتذكيره لهم بنعمه الجليلة يعرفهم على قبح ما هم فيه من الكفر والإشراك، فلعلهم يرجعوا فيؤمنوا بمن أنعم عليهم بهذه النعم الجليلة،ثم يذكر الله نعمة تكثيرهم في الأرض فيقول "قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ" أي: خلقكم وبثكم ونشركم في أقطار الأرض وأرجائها، مع اختلاف ألسنتكم في لغاتكم وألوانكم، وأشكالكم وصوركم. °و ليس هذا الفعل -ذَرَأَ - مخصوصًا بخلق الأحياء لقوله تعالى "وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ" النحل :13. °قال الشيخ السعدي في تفسرها :أي: فيما ذَرَأَ- أي خَلَقَ- اللهُ ونشر للعباد من كل ما على وجه الأرض، من حيوان وأشجار ونبات، وغير ذلك، مما تختلف ألوانه، وتختلف منافعه، آية على كمال قدرة الله وعميم إحسانه، وسعة بره، وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له " لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ " أي: يستحضرون في ذاكرتهم ما ينفعهم من العلم النافع، ويتأملون ما دعاهم الله إلى التأمل فيه حتى يتذكروا بذلك ما هو دليل عليه.هنا= بزيادة - خَلَقَ- وقال عز وجل "جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ" الشورى 11. أي: يبثكم ويكثركم ويكثر مواشيكم، بسبب أن جعل لكم من أنفسكم أزواجًا ، وجعل لكم من الأنعام أزواجًا. " يَذْرَؤُكُمْ"أي يخلقكم نسلاً بعد نسل وقرنًا بعد قرن، قاله مجاهد والناس، فلفظة ذرأ: تزيد على لفظة: خلق معنى آخر ليس في خلق، وهو توالي الطبقات على مر الزمان.تفسير ابن عطية=هنا= "وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ" أي بعد تكثيركم وانتهاء آجالكم في هذه الدنيا تموتون وإلى الله تُحشرون ، وعلى أعمالكم تحاسبون. فبعد هذا التّفرّق والشّتات، يجمعكم كما فرقكم، ويعيدكم كما بدأكم، وإليه وحده- لا إلى غيره- يكون مرجعكم للحساب والجزاء يوم القيامة. نعمة تلو نعمة وتحذير تلو تحذير ، اللهم اجعلنا ممن يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنَهُ. *يوم الحشر "يُحشرُ الناسُ يومَ القيامةِ حُفاةً عُراةً غُرلًا . قلتُ : يا رسولَ اللهِ ! النساءُ والرجالُ جميعًا ، يَنظرُ بعضُهُمْ إلى بعضٍ ؟ قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : يا عائشةُ ! الأمرُ أشدُّ مِنْ أنْ ينظرَ بعضُهمْ إلى بعضٍ". الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : مسلم- المصدر : صحيح مسلم- الصفحة أو الرقم: 2859 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر السنية= الشرح: يومُ القيامةِ يومٌ عظيمٌ وشديدٌ، يقومُ فيه النَّاسُ بَينَ يَدَي ربِّ العالَمِين للحسابِ، وفي هذا الحديثِ يَصِف النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لنا بعضَ ما في هذا اليومِ، حيث يقولُ "يُحْشَرُ النَّاسُ يومَ القيامةِ"، أيْ: يُجْمَعون بعد البَعثِ من الموت، ويَقُومون للحسابِ، "حُفاةً عُراةً غُرْلًا"، أيْ: وهم حُفاةٌ الأقدامِ بلا أحذيةٍ ولا نِعالٍ، وعُراةُ الأجسادِ بلا ثيابٍ ولا سُتُورٍ، غُرْلًا غير مَخْتونِين، قد ذهَب عنهم كلُّ ما كَانوا فيهِ في الدُّنيا وعَادُوا كما خَلَقَهم اللهُ؛ "كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ"الأنبياء: 104، قالت عائشةُ "يا رسولَ اللهِ، النِّساءُ والرِّجالُ جميعًا يَنظُرُ بعضُهم إلى بعضٍ؟!"، وهذا اسْتِفهامٌ واسْتِغرابٌ من أنْ يُجْمَعَ النُّاسُ عُراةً وعَوْراتهم ظَاهِرة أمام بعضِهم رجالًا ونساءً؛ فهل يَنظُرون إلى بعضِهم البَعضِ؟! فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "يا عائشةُ، الأمرُ أَشَدُّ مِن أنْ يَنظُرَ بعضُهم إلى بعضٍ"، أيْ: إنَّ شأنَ المُوقِفِ والحَشْرِ بَعْدَ البَعْثِ مِن الموتِ فيه من الأهوالِ ما يَأخُذُ اهْتِمامَ النَّاسِ وأَبْصارَهم عن النَّظرِ إلى العَوْراتِ، ومِنْها ما قال اللهُ تعالى"يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ"الحج: 2.الدرر السنية = *قال الإمام مسلم في صحيحه:حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى أَبُو صَالِحٍ ، قال:حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ ، قال:حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ ، قال:حَدَّثَنِي الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ " ، قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ : فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ أَمْ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ ، قَالَ : " فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا " ، قَالَ : وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ" . صحيح مسلم » كِتَاب الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا ..» بَاب فِي صِفَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَعَانَنَا اللَّهُ ... .هنا=الراوي : المقداد بن الأسود - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 2864 - خلاصة حكم المحدث : صحيح = الدرر = الشرح: يومُ القيامةِ يومٌ عظيمٌ، وأهوالُه ومَواقفُه مُتعدِّدةٌ، منَ الحَشرِ، وانتِظارِ الحِسابِ، والمرورِ على الصِّراطِ وغيرِ ذَلك، ومِن أَوائلِ تلكَ المَواقفِ أن يَجمعَ اللهُ الخَلائقَ في ذلكَ المَحشرِ العَظيمِ فيَشتدَّ الكَرْبُ، وتَدنو الشَّمس منَ الرُّؤوسِ فتَشتدُّ الحرارةُ، وتَرشحُ الأَجسامُ بالعَرقِ الغزيرِ. وفي هذا الحَديثِ تَدنِّي الشَّمس يومَ القيامةِ منَ الخَلقِ، حتَّى تكونَ منهم كمِقدارِ مِيلٍ، قال سُليمُ بنُ عامرٍ: فَواللهِ ! ما أدْري ما يَعني بالمِيلِ؟ أَمسافةُ الأرضِ، أي: أَراد المَسافةَ الَّتي هيَ عندَ العَربِ مِقدارُ مَدِّ البصرِ منَ الأرضِ، أمِ الميلُ الَّذي تَكتِحلُ به العينُ. فيَكونُ النَّاس على قَدرِ أَعمالِهم في العَرَقِ، فمِنهم مَن يَكونُ إلى كَعبيْه، ومِنهم مَن يَكونُ إلى رُكبتَيْه، ومِنْهم مَن يَكونُ إلى حَقْوَيْه، وهوَ مَعقدُ الإِزار، أو طَرفا الوَركَيْنِ، ومِنهم مَن يَلجُمُه العرقُ إلجامًا، أي: يصلُ إلى فيهِ وأُذنَيْه فيكونُ له بمَنزلَةِ اللِّجامِ منَ الحَيواناتِ، كَما قالَ الرَّاوي"وأَشارَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بيدِه إلى فيهِ"، فَتَتراكمُ في هذا الموقفِ الأَهوالُ، وتَدنو الشَّمسُ، ويَكونُ زحامُ بعضِهم بعضًا، فيُشدَّد أمرُ العَرقِ على البعضِ ويُخفَّف على البَعض بحَسَبِ أَعمالِهم .= الدرر = *طول يوم النشور نسأل الله السلامة: قال صلى الله عليه وسلم: "يومَ يقومُ الناسُ لربِّ العالمين مقدارَ نصفِ يومٍ من خمسين ألفِ سنةٍ فيهونُ ذلك على المؤمنِ كتدلِّي الشمسِ للغروبِ إلى أن تغربَ"الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الترغيب- الصفحة أو الرقم: 3589 - خلاصة حكم المحدث : صحيح .الدرر السنية = الشرح: أخْبَرَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ببَعْضِ أُمورِ الآخِرَةِ، وما فيها مِن أهْوالٍ، وبيَّن ما يُلاقيهِ المُؤْمِنُ مِن رحْمةِ اللهِ، وما يُلاقيهِ العُصاةُ والكَفَرةُ من الخِزْيِ والهَوانِ، ومِن ذلك ما وَرَدَ في هذا الحديثِ حيثُ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "يوْمَ يَقومُ الناسُ لرَبِّ العالَمين"، أي: يوْمَ القِيامَةِ ويوْمَ حَشْرِ الخَلائِقِ أمامَ رَبِّ العالَمين، وقيامُهم فيه للهِ خاضِعينَ، وفي هذا اليومِ أنَّ النَّاسَ يُحْشرَون مِن قُبورِهم إلى أرْضِ المَحْشَرِ؛ فيُجْمَعون في صَعيدٍ واحدٍ؛ لانتِظارِ مُحاسبتِهم في يوْمٍ عظيمٍ "مِقْدارَ نِصْفِ يوْمٍ من خَمْسينَ ألْفَ سَنَةٍ" وتَحْديدُ الوَقتِ بأنَّه نِصْفُ يومٍ مِنْ أيامِ يومِ القيامةِ، أي: خَمْسُ مِئةِ عامٍ مِنْ أعْوامِ الدُّنيا، وقد قال تعالى"وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ"الحج: 47، فالمُرادُ بذلك: يومُ القيامةِ على الأخَصِّ يُطوِّلُهُ اللهُ؛ فيكونُ كخَمْسينَ ألْفَ سَنَةٍ، وإلَّا فاليوْمُ عِنْدَ اللهِ كأَلْفِ سَنَةٍ، وقيل: المُرادُ في الجَميعِ: يومُ القِيامةِ، والاخْتِلافُ يكونُ بحسَبِ حالِ المؤمنِ والكافِرِ، "فَيَهُونُ ذلك على المُؤْمِنِ"، أي: يُسهِّلُ اللهُ مِقْدارَ هذا الموقِفِ على المُؤْمِنِ ويُخفِّفُه؛ لأنَّ أعْمالَه الصَّالحةَ تُظِلُّه؛ فيكونُ مِقْدارُ اليوْمِ له "كَتَدَلِّي الشَّمْسِ لِلْغُروبِ إلى أَنْ تَغْرُبَ"، أي: مثلَ مِقْدارِ ابْتِداءِ غُروبِ شَمْسِ يوْمٍ في الدُّنيا إلى انْتِهاءِ غُروبِها، وهو وقْتٌ قصيرٌ، وقليلُ الحرارةِ، وَوَرَدَ عندَ أحْمدَ أنَّه يُخفَّفُ على المُؤْمِنِ؛ حتى يكونَ أخَفَّ عليه من صَلاةٍ مكتوبةٍ. وفي الحديثِ: بَيانُ خُطورَةِ الموقِفِ يوْمَ القيامَةِ، وضَرورةُ عَمَلِ المرْءِ له .الدرر السنية = وفي رواية أخرى:قولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" "يومُ القيامَةِ على المؤمنينَ كقدْرِ ما بينَ الظٌّهرِ والعصرِ" الراوي : أبو هريرة - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم: 8193 - خلاصة حكم المحدث : صحيح . الدرر السنية= الشرح: مِن نِعمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ على أهْلِ الإيمانِ يومَ القِيامةِ أنَّهم يُخفَّفُ عنهم كُلُّ شَيءٍ، حتى الانتظارُ في أرضِ المحشَرِ. وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "يومُ القِيامةِ على المؤمنينَ" وهم الذين أحْسَنوا طاعةَ اللهِ عزَّ وجلَّ في الدُّنيا، وآمَنوا به إيمانًا يَقينِيًّا، والمُرادُ: يكونُ طُولُ وزمَنُ يومِ القِيامةِ عليهم "كقَدْرِ ما بيْن الظُّهرِ والعصرِ"، وهذا بَيانٌ لِقِصَرِه عليهم؛ تخفيفًا ورَحمةً بهم، والأصلُ في هذا اليومِ أنَّه شَديدٌ على الكافرينَ وقْتًا وحالًا؛ ففي رِوايةِ ابنِ حِبَّانَ: "يقومُ الناسُ لرَبِّ العالَمينَ مِقدارَ نِصفِ يومٍ مِن خَمسينَ ألْفَ سَنةٍ، يَهُون ذلك على المؤمنينَ كتَدلِّي الشمسِ للغُروبِ إلى أنْ تَغرُبَ". وفي الحديثِ: بَيانُ أهمِّيَّةِ الإيمانِ، وأنَّه يَنفَعُ المؤمنينَ يومَ القيامةِ. الدرر السنية= ______ "وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" الملك 25. التفسير الإجمالي : أي: ويقول هؤلاء الجاحدون للرسول صلى الله عليه وسلم ولأصحابه ،المنكرين للمعاد المستبعدين وقوعه، على سبيل التهكم والاستهزاء:
"وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" أي: متى يقع هذا الذي تخبرنا بكونه من الاجتماع بعد هذا التفرق؟. والوعد: مصدر بمعنى الموعود، والمقصود به ما أخبرهم به صلى الله عليه وسلم من أن هناك بعثًا وحسابًا وجزاءً.. -قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ"- ومن أن العاقبةَ والنصرَ للمؤمنينَ.-أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ" الملك : 20.- التفسير المفصل: "وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ إِنَّمَا الْعَلَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ "لَمَّا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ مُعَارَضَةٌ لِلْحُجَّةِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ إِلَى هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ انْحَصَرَ عِنَادُهُمْ فِي مَضْمُونِ قَوْلِهِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فَإِنَّهُمْ قَدْ جَحَدُوا الْبَعْثَ وَأَعْلَنُواْ بِجَحْدِهِ وَتَعَجَّبُواْ مِنْ إِنْذَارِ الْقُرْآنِ بِهِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ" سبأ :7،8.أي: وقال الذين كفروا بعضهم لبعض، ألا تريدون أن ندلكم ونرشدكم إلى رجل، هذا الرجل يخبركم ويحدثكم، بأنكم إذا متم، وفرقت أجسامكم في الأرض كل تفريق، وصرتم رفاتا وعظاما، وأصبحتم طعامًا في بطون الطيور والوحوش. إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي: إنكم بعد هذا التمزيق والتفريق، تخلقون خلقًا جديدًا، وتعودون إلى الحياة مرة أخرى، للحساب على أعمالكم التي عملتموها في حياتكم. وَكَانُواْ يَقُولُونَ "مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" وَاسْتَمَرُّواْ عَلَى قَوْلِهِ ، فَلِذَلِكَ حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّكْرِيرِ . أي: متى وقت البعث الذي تزعمه على قولك؟ لا إقرارا منهم لأصل البعث، بل ذلك سفه منهم وتعجيز، فليس في تعيين وقته فائدة، وإنما الفائدة والمدار على تقريره والإقرار به وإثباته ، وإلا فكل ما هو آت فإنه قريب. وَالْوَعْدُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ ، أَيْ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ ؟ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَشْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ " وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ " فَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ " هَذَا " ظَاهِرَةٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ وَعْدٌ آخَرَ بِنَصْرِ الْمُسْلِمِينَ ، فَالْإِشَارَةُ إِلَى وَعِيدٍ سَمِعُوهُ . وَالْاسْتِفْهَامُ بِقَوْلِهِمْ "مَتَى هَذَا الْوَعْدُ" مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهَكُّمِ لِأَنَّ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ يَسْتَهْزِئُواْ بِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى "فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا "الإسراء:51.- أي: يهزونها إنكارًا وتعجبًا مما قلتَ- وَأَتَوْا بِلَفْظِ "الْوَعْدِ" اسْتِنْجَازًا لَهُ - أي: طلب قضاءَها ممّن وعده إيّاها-؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْوَعْدِ الْوَفَاءُ . وَضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُمْ يَلْهَجُونَ بِإِنْذَارِهِمْ بِيَوْمِ الْحَشْرِ ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ سَبَإٍ . وَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَنْ يُجِيبَ سُؤَالَهُمْ بِجُمْلَةٍ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِمْ بَلْ عَلَى ظَاهِرِ الْاسْتِفْهَامِ عَنْ وَقْتِ الْوَعْدِ عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ ، بِأَنَّ وَقْتَ هَذَا الْوَعْدِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَوْلُهُ " قُلْ " هُنَا أَمْرٌ بِقَوْلٍ يَخْتَصُّ بِجَوَابِ كَلَامِهِمْ وَفُصِلَ دُونَ عَطْفٍ يُجْرِيَانِ الْمَقُولَ فِي سِيَاقِ الْمُحَاوَرَةِ ، وَلَمْ يُعْطَفْ فِعْلُ " قُلْ "بِالْفَاءِ جَرْيًا عَلَى سُنَنِ أَمْثَالِهِ الْوَاقِعَةِ فِي الْمُجَاوَبَةِ وَالْمُحَاوَرَةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِرِهِ الْكَثِيرَةِ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَلَامُ التَّعْرِيفِ فِي " الْعِلْمُ" لِلْعَهْدِ ، أَيِ الْعِلْمُ بِوَقْتِ هَذَا الْوَعْدِ . وَهَذِهِ هِيَ الْلَّامُ الَّتِي تُسَمَّى عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ . وَهَذَا قَصْرٌ حَقِيقِيٌّ . "وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ "قَصْرٌ إِضَافِيٌّ ، أَيْ مَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ بِوُقُوعِ هَذَا الْوَعْدِ لَا أَتَجَاوَزُ ذَلِكَ إِلَى كَوْنِي عَالِمًا بِوَقْتِهِ . وَالْمُبِينُ : اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَانَ الْمُتَعَدِّي ، أَيْ مُبَيِّنٌ لِمَا أُمِرْتُ بِتَبْلِيغِهِ . التحرير والتنوير لابن عاشور = هنا= "قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ " "وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ" أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَهُمْ أَنَّ عِلْمَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْوَعْدَ الصِّدْقَ هُوَ مِمَّا يَنْفَرِدُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَأَنْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ نَذِيرٌ يَعْلَمُ مَا عُلِّمَ، وَيُخْبرُ بِمَا أُمِرَ أَنْ يُخْبرَ بِهِ.تفسير ابن عطية=هنا= نذير أنذركم عقابه ، وأخوّفكم عذابه الذي أحلَّه بأمم من قبلكم. قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُعِلْمُ وَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ عِنْدَ اللَّهِ فَلَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ . نَظِيرُهُ " قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي" . الْآيَةَ . وهذا من البدهيات والمسلمات، لم يقل: سنة ألفين، ولا سنة ألفين وأربعة، ولا بعد هرمجدون، ولا هذه التخاريف، كما قال الله سبحانه هنا"قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ" . وقال سبحانه "يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ " الأعراف : 187 ،"قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى" طه : 52 . "وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ" هذه مهمتي، وأنا أعرف قدري فلا أتجاوزه، وهذه الآية أصل في أن الشخص يعرف قدره، ويقف عند العلم الذي علمه الله إياه، ولا يتعالم ولا يدخل برأسه في كل شيء، فالرسول سئل عن مسائل لم يعلمه الله إياها فأمسك، فقد سئل عن الروح فقال الله له: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"الإسراء:85 . وسئل عن الساعة فقال"ما المسئول عنها بأعلم من السائل"فكان صلى الله عليه وسلم يقف عند ما لا يعلمه. أما أن تدعي أنك تعرف في كل شيء، فهذا من الجهل والغباء، ولذلك قال عدد كثير من السلف وليس واحدًا أو اثنين: ينبغي للعالم أن يُعَلِّم جلساءَه شيئًا هامًا ألا وهو"الله أعلم" ، يمسكهم بهذا الشعار، كلما سئلوا عن شيء لا يعرفونه فليصدروا الإجابة به" الله أعلم" . وقد قيل للقاسم بن محمد أو لابنه: إنه يعد عيبًا على من هو في مثلك من الفضل أن تسأل عن شيء ولا نجد عندك فيه علمًا! فقال: وأشد منه عارًا أن يقول الشخص عن الله أو عن رسوله بغير علم. فينبغي أن يرفع الشخص شعار"الله أعلم" ، فالرسول هنا سئل"مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ" فليس هذا من علمه، بل هو أمر خارج عن طاقته، وخارج عن حدود معرفته، "قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ" أي: عملي الإنذار والتذكير. سلسلة التفسير الشيخ مصطفى العدوي = هنا = فالإنذار هو الإخبار مع التخويف . أنذركم عقاب الله أن ينزل بكم في الدنيا، وأنذركم عذابه في الآخرة. مبين: يقول: أبين لكم إنذاري ذلك وأظهره، لتنيبوا من شرككم وتحذروا ما أنذركم من ذلك، وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَيْ مُخَوِّفٌ وَمُعَلِّمٌ لَكُمْ. تفسير القرطبي . هنا= |
#17
|
||||
|
||||
"فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ " الملك : 27 . ثم بَيَّنَ - سبحانه- حالهم عندما يرون العذاب الذي استعجلوه فقال: "فَلَمَّا رَأَوْهُ " فَلَمَّا :ظرف بمعنى حين. الهاء تعود إلى العذاب. و"رَأَوْهُ" مستعمل في المستقبل وجيء به بصيغة الماضي لتحقق الوقوع، كما في قوله- تعالى" أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ..."النحل: 1. "زُلْفَةً" أي: قريبًا منهم ، فالزلفى: القربة"مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى"الزمر:3 ، .... الزلفى: القربة.لكي تقربنا إلى الله قربة. وهو اسم أقيم في مقام المصدر ، كأنه قال : إلا ليقربونا إلى الله تقريبًا ويشفعوا لنا عند الله.تفسير البغوي= هنا = و"زُلْفَةً" اسم مصدر لأزلف إزلافًا، بمعنى القُرب. ومنه قوله- تعالى" وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ "... أي: قُرِّبَت للمتقين، وهو حال من مفعول رَأَوْهُ. ويتزلف فلان إلى فلان. أي: يتقرب فلان إلى فلان. "فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً" أي: لما رأوا هذا اليوم والعذاب قريبًا. أي: فلما رأوا قُرب ما وُعِدُوا به من العذابِ وزهوقِ باطلِهِم. "سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا"أي: جاءها ما يسوءها. "وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ" "وَقِيلَ "أي: لهم تبكيتًا. " تَدَّعُونَ"إما من الدعاء أو من الادّعاء. بمعنى: تدْعُون وتسألون، فإنكم كنتم كما تقولون"رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ"ص:16، وكنتم تقولون "اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ"الأنفال:32 ، فمن العلماء من قال: تدّعون بمعنى: تدْعُون، ومنهم من قال: تدّعون: هنا بمعنى: تكذبون، "وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ" أي: تكذبون. سلسلة التفسير الشيخ مصطفى العدوي = هنا = و تفسير القرآن الكريم - للشيخ محمد إسماعيل المقدم = هنا = والمعنى: يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ تَكْذِيبِ الْكَفَّارِ وَغُرُورِهِمْ بِهِ حِينَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْجَزَاءِ، وَرَأَوُا الْعَذَابَ مِنْهُمْ زُلْفَةً أَيْ: قَرِيبًا، سَاءَهُمْ ذَلِكَ وَأَفْظَعَهُمْ، وَأَقْلَقَهُمْ، فَتَغَيَّرَتْ لِذَلِكَ وُجُوهُهُمْ، وَوُبِّخُوا عَلَى تَكْذِيبِهِمْ، وَقِيلَ لَهُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ، فَالْيَوْمَ رَأَيْتُمُوهُ عَيَانًا، وَانْجَلَى لَكُمُ الْأَمْرُ، وَتَقَطَّعَتْ بِكُمُ الْأَسْبَابُ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مُبَاشَرَةُ الْعَذَابِ. .تفسير السعدي = هنا = |
#18
|
||||
|
||||
"قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ"الملك 28. "قُلْ أَرَأَيْتُمْ "والاستفهام في قوله "أَرَأَيْتُمْ" للإنكار والتعجيب من سوء تفكيرهم،والرؤية علمية. والمراد بالهلاك: الموت، وبالرحمة: الحياة والنصر بدليل المقابلة، وقد منح الله- تعالى- نبيَّهُ العمر المبارك النافع، فلم يفارق صلى الله عليه وسلم الدنيا إلا بعد أن بلَّغَ الرسالةَ، وأدى الأمانةَ، ودخل الناسُ في دينِ اللهِ أفواجًا، وكانت كلمتُهُ هي العُليا. فقد أمر- سبحانه- رسوله صلى الله عليه وسلم للمرة الرابعة، أن يرد على ما كانوا يتمنونه بالنسبة له ولأصحابه. لقد كان المشركون يتمنون هلاك النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يرددون ذلك في مجالسهم، وقد حكى القرآن عنهم ذلك في آيات منها قوله- تعالى"أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ" الطور 30. "نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ "أي:ننتظر ونصبر حتى تقع عليه حوادث الدهر وصروفه فيموت ويهلك كما هلك من قَبْله منَ الشعراء ، ويتفرق أصحابُه . إِنَّهُمْ كَانُوا يَدْعُونَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ بِالْهَلَاكِ، وَقِيلَ: بَلْ كَانُوا يَتَآمَرُونَ بَيْنَهُمْ بِأَنْ يُهْلِكُوهُمْ بِالْقِتَالِ وَنَحْوِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: قُلْ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي تُرِيدُونَ بِنَا وَتَمَّ ذَلِكَ فِينَا، أَوْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ رَحِمَنَا اللَّهُ فَنَصَرَنَا وَلَمْ يُهْلِكْنَا -تفسير ابن عطية = هنا - فنحن مؤمنون متربصون لإحدى الحسنيين: إما أن نهلك كما تتمنون، فننقلب إلى الجنة، أو نُرْحَم بالنُّصرةِ عليكم، أما أنتم فماذا تصنعون؟ من يجيركم- وأنتم كافرون- من عذاب أليم لا مفر لكم منه. تفسير الوسيط = ه فأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: أَنْتُمْ وَإِنْ حَصَلَتْ لَكُمْ أُمْنِيَتُكُمْ وَأَهْلَكَنِي اللَّهُ وَمَنْ مَعِي، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَافِعٍ لَكُمْ شَيْئًا، لِأَنَّكُمْ كَفَرْتُمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَاسْتَحْقَقْتُمُ الْعَذَابَ، فَمَنْ يُجِيرُكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ قَدْ تَحَتَّمَ وُقُوعُهُ بِكُمْ؟تفسير السعدي = هنا = مَنْ يُجِيرُكُمْ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي يُوجِبُهُ كُفْرُكُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ؟ تفسير ابن عطية = هنا = _________________ *ثم أمره- سبحانه- للمرة الخامسة، أن يبين لهم أنه هو وأصحابه معتمدون على الله- تعالى- وحده، ومخلصون له العبادة والطاعة، فقال: قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا ... |
#19
|
||||
|
||||
" قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ "الملك : 29 .
*ثم أمره- سبحانه- للمرة الخامسة، أن يبين لهم أنه هو وأصحابه معتمدون على الله- تعالى- وحده، ومخلصون له العبادة والطاعة، فقال: قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا ... وقوله "فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" مسوق مساق التهديد والوعيد أي: فستعلمون في عاجل أمرنا وآجله، أنحن الذين على الحق أم أنتم؟ ونحن الذين على الباطل أم أنتم؟ .. فالمقصود بالآية الكريمة التهديد والإنذار، مع إخراج الكلام مخرج الإنصاف، الذي يحملهم على التدبر والتفكر لو كانوا يعقلون.تفسير الوسيط = هنا = وَذِكْرُ صِفَةِ "الرَّحْمَنِ" هُنَا يُشِيرُ إِلَى رَحْمَتِهِ الواسعةِ بِرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ; فَهُوَ لَنْ يُهْلِكَهُمْ كَمَا يَتَمَنَّى الْكَافِرُونَ أَوْ كَمَا يَدَّعُونَ في الآيةِ السابقةِ برحمته . وَيُوَجِّهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى إِبْرَازِ الصِّلَةِ الَّتِي تَرْبُطُهُمْ بِرَبِّهِمُ الرَّحْمَنِ. صِلَةِ الْإِيمَانِ آمَنَّا بِهِ .. وَصِلَةِ التَّوَكُّلِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا .. عَلَيْهِ وَحْدَهُ..! فَقُلْ لَهُمْ ... وَهَذَا وُدٌّ مِنَ اللَّهِ وَتَكْرِيمٌ.. ثُمَّ ذَلِكَ التَّهْدِيدُ الْمَلْفُوفُ: فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ .. وَهُوَ أُسْلُوبٌ كَذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُخَلْخِلَ الْإِصْرَارَ عَلَى الْجُحُودِ; وَيَدْعُوَهُمُ إِلَى مُرَاجَعَةِ مَوْقِفِهِمْ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونُوا هُمُ الضَّالِّينَ! فَيَتَعَرَّضُوا لِلْعَذَابِ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي الْآيَةِ: فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ؟ وَفِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ لَا يَجْبَهُهُمْ بِأَنَّهُمْ ضَالُّونَ فِعْلًا، حَتَّى لَا تَأْخُذَهُمُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ. وَهُوَ أُسْلُوبٌ من أساليب الدعوة الناجحة. وَأَخِيرًا يَجِيءُ السياق - في آخر آية- الْأَخِيرُ فِي السُّورَةِ يُلْمِحُ لَهُمْ بِعَذَابِ الدُّنْيَا قَبْلَ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ بِحِرْمَانِهِمْ مِنْ سَبَبِ الْحَيَاةِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْمَاءُ: "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ " الملك : 30. |
#20
|
||||
|
||||
"قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ " الملك : 30.
*ثم أمر- سبحانه- نبيه صلى الله عليه وسلم للمرة السادسة، أن يذكرهم بنعمة الماء الذي يشربونه . *ثُمَّ أَخْبَرَ عَنِ انْفِرَادِهِ بِالنِّعَمِ، خُصُوصًا الْمَاءَ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ فَقَالَ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا أَيْ: غَائِرًا/ وَالْمَاءُ الْغَوْرُ: الْغَائِرُ الذَّاهِبُ فِي الْأَرْضِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ/. فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ / وَالْمَعِينُ: النَّابِعُ الْفَائِضُ الْمُتَدَفِّقُ./ تَشْرَبُونَ مِنْهُ، وَتَسْقُونَ أَنْعَامَكُمْ وَأَشْجَارَكُمْ وَزُرُوعَكُمْ؟ وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى النَّفْيِ، أَيْ: لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى. - وحده، فعليكم أن تشكروه على نعمه، لكي يزيدكم منها. وَالْمُلْكُ بِيَدِ اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فَكَيْفَ لَوْ تَوَجَّهَتْ إِرَادَتُهُ إِلَى حِرْمَانِهِمْ مَصْدَرَ الْحَيَاةِ الْقَرِيبَ! ثُمَّ يَدَعُهُمْ يَتَدَبَّرُونَ مَا يَكُونُ لَوْ أَذِنَ اللَّهُ بِوُقُوعِ هَذَا الْمَحْذُورِ! تَمَّ تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمُلْكِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
__________________
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|