#1
|
||||
|
||||
المحكم والمتشابه
المُحْكَم و المُتَشَابِه في القرآن * معنى " المُحْكَم " :ـ اللُّغويون يستعملون مادة الإِحكام ( بكسر الهمز ) في معانٍ متعددة ، لكنها مع تعددها ترجع إلى شيءٍ واحد ، هو : " المنع " ؛ فيقولون : أَحْكَمَ الأمر -----> أي أتقنه ومنعه عن الفساد . ويقولون : أحكم الفرس -----> أي جعل له حَكَمَةَ ، والْحَكَمَة : ما أحاط بحنكي الفرس من لجامه تمنعه من الاضطراب . وقيل : " آتاه الله الحكمة " -----> أي : العدل أو العلم أو الحلم أو النبوة أو القرآن ؛ لما في هذه المذكورات من الحوافظ الأدبية الرادعة عما لا يليق . مناهل العرفان في علوم القرآن / ج : 2 / ص : 289 . ـ إحكام الكلام -----> إتقانه بتمييز الصدق من الكذب في أخباره ، والرشد من الغي في أوامره . مباحث في علوم القرآن / ص : 215 . * معنى " المُتَشَابِه " : المتشابه يَرِد على معنيين لُغَويين : 1 ـ إما من " الشُّبْهَة " ----> وهي الجهالة وعدم التمييز . فيكون المتشابه ضد المحكم . ـ كقوله تعالى : { قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيّـِن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ... } . سورة البقرة / آية : 70 . تشابه علينا ----> أي اختلط علينا ، فلا نميزه ولا نعلم نوعية المطلوب . ومنه قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حديث النعمان بن بشير : " إن الحلال بَيِّن ، وإن الحرام بَيِّن ، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ... " . صحيح مسلم . متون / ( 22 ) ـ كتاب : المساقاة / ( 20 ) ـ باب : أخذ الحلال وترك الشبهات / حديث رقم : 1599 / ص : 408 . 2 ـ وإما من الشَّبَه ----> وهو : التماثل في الأوصاف . كقوله تعالى : { ... وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً ... } . سورة البقرة / آية : 25 . متشابهًا ----> أي يشبه بعضه بعضًا في اللون أو الطعم أو الرائحة أو الكمال والجودة . وكقوله تعالى : { ... تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ... } . سورة البقرة / آية : 118 . تشابهت ----> أي يشبه بعضها بعضًا في الغي والجهالة . مقالة للعثيمين بالتوحيد / ربيع أول 1422 . * المُحْكَم والمُتَشابِه في القرآن : ـ ورد في القرآن ما يدل على أنه محكم ؛ كقوله تعالى : { الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } . سورة هود / آية : 1 . ـ وورد أيضاً ما يدل على أنه متشابه ؛ كقوله تعالى : { اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُـمْ ... } . سورة الزمر / آية : 23 . ـ وورد أيضاً ما يدل على أن بعضه محكم ، وبعضه متشابه ؛ كقوله تعالى : { هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ... }. آل عمران / آية : 7 . والسؤال الذي يطرح نفسه على الأذهان : س : كيف يمكن الجمع بين هذه الآيات ؟ ! وقبل الإجابة على هذا السؤال ، نُوِرد مقدمة هامة لفهم المحكم والمتشابه : إن الله عز وجل خاطبنا بكلام له معنى ، فالقرآن كلام عربي مكون من ألفاظ لها معان يستوعبها صاحب اللسان العربي ، ولا يستوعبها الأعجمي . فإذا قال الله تعالى : { لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ... } . سورة الفتح / آية : 18 . عَلِمَ صاحب اللسان العربي معنى كلمة " شجرة " ، فإن سألتُهُ عن شكلها وكيفيتها ؟ فإن كان مِمَّنْ بايع مع رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ تحتها ، ربما وصفها لك وصفًا دقيقًا لأنه رأها بعينه ، وإن لم يكن ـ منهم ـ قال : أنا ما رأيتها حتى أصفها ، ولكنها شجرة تبدو في كيفيتها كأي شجرة تنبت في الصحراء . والحاصل أنه سيصف كيفية الشجرة من خلال رؤيتها أو رؤية مثيلها . فمعنى لفظ الشجرة عند العربي معلوم واضح محكم ، يميز بينه وبين لفظ البقرة أو غيره من الألفاظ . لكن لو سألنا " الأعجمي " : ما معنى لفظ " شجرة " ، أو حتى " بقرة " ؟ عجز عن الجواب لجهله بمعنى الكلام . وإذا قال تعالى : { أَذَلِكَ خيرٌ نُزُلاً أَم شَجَرَةُ الزَّقُّومِ } . سورة الصافات / آية : 62 . علم العربي معنى كلمة شجرة ، وأن المقصود شجرة معينة تخرج في أصل الجحيم ، أَعَدَّها اللهُ للكافرين . لكن لو سألناه عن شكلها وكيفيتها ؟ ! لقال : الله أعلم ، فأنا ما رأيتها ، وما رأيتُ لها مثيلاً ، فكيف أعرف كيفها ؟ ! . فأصبح لفظ " الشجرة " محكمًا له ، والكيفية التي دل عليها اللفظ مجهولة أو غير معلومة أو متشابهة أو مختلطة . لكن لو سألنا " الأعجمي " عن معنى لفظ " شجرة الزقوم " ، لما تمكن من الجواب ؛ لأن المعنى ليس محكمًا لديه ومشتبه عليه ، لا يعرفه أصلاً ، وكذلك كيفيتها متشابهة عليه من باب أولى . ـ نخلص من هذا أن : التشابه الواقع في القرآن نوعان : أحدهما : حقيقي : وهو ما لا يمكن أن يعلمه البشر ، كحقائق صفات الله عز وجل ، فإننا وإن كنا نعلم معاني هذه الصفات ، لكننا لا ندرك حقائقها ، وكيفيتها لقوله تعالى : { ... وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } . سورة طه / آية : 110 . النوع الثاني : نسبي : وهو ما يكون مشتبهًا على بعض الناس دون بعض . تفسير القرآن الكريم ( الفاتحة ـ البقرة ) / ج : 1 / ص : 49 . وبنظرة أوسع وأشمل فإن القرآن الكريم يتنوع باعتبار الإحكام والتشابه إلى : 1 ـ إحكام عام ، وتشابه عام . 2 ـ إحكام خاص ، وتشابه خاص . وبذا تتضح لنا إجابة السؤال السالف الذكر إجمالاً ، وـيأتي تفصيل ذلك . * * * * * أولاً : " الإحكام العام " و " التشابه العام " Ø الإحكام العام في الكلام : هو إتقانه بتمييز الصدق من الكذب في أخباره ، والرشد من الغي في أوامره . وقد وصف الله سبحانه القـرآن كله بأنه " محكم " على هذا المعنى . قال تعالى : { الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }. سورة هود / آية : 1 . وقال تعالى : { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } . سورة يونس / آية : 1 . وقال تعالى : { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } . سورة الزخرف / آية : 4 . Ø التشابه العام في الكلام : هو تماثله وتناسبه بحيث يصدقُ بعضه بعضًا . وقد وصف الله سبحانه القرآن كله بأنه متشابه على هذا المعنى . قال تعالى " اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ " . سورة الزمر / آية : 23 . فالمتشابه في هذه الآية باعتبار تماثله في الحُسْن ، وفي الآية دليل على أن جميع آيات القرآن لها مانٍ مُحْكَمَة معلومة تُؤثر في المستمعين ؛ لأنه لا يُعْقَل أنْ تَقْشَعِرّ الجلود وتلين القلوب من كلام مشتبه ليس له معنى في نفس السامع . وكل من المحكم والمتشابه بمعناه المطلق ( العام ) المتقدم لا ينافي الآخر ، فالقرآن كله محكم بمعنى الإتقان ، وهو متشابه أي متماثل يشبه بعضه بعضًا من حيث الإتقان . فإن الكلام المتقن تتفق معانيه وإن اختلفت ألفاظه ، فإذا أمر القرآن بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر ، وإنما يأمر به أو بنظيره ، وكذلك الشأن في نواهيه وأخباره فلا تضاد فيه ولا اختلاف . قال تعالى : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً } . سورة النساء / آية : 82 . مباحث في علوم القرآن / ص : 215 / بتصرف من مصادر أخرى . ثانيـًا : " الإحكام الخاص " و " التشابه الخاص " الإحكام الخاص ----> هو الوضوح والظهور في المعنى . التشابه الخاص ----> هو خفاء المعنى أو الكيف . وهذا القسم يتمثل في قوله تعالى : { هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ } . سورة آل عمران / آية : 7 . الإحكام الخاص ويتمثل في قوله تعالى : { ... مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ ... } . والإحكام الذي وصف به سبحانه ـ بعض القرآن هو : * قيل : الوضوح والظهور . بحيث يكون معناه واضحًا بَيِّنا لا يشتبه على أحد . وهذا كثير في الأخبار و الأحكام . ـ مثاله في الأخبار : قوله تعالى " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... " . سورة البقرة / آية : 85 . فكل أحد يعرف شهر رمضان ، وكل أحد يعرف القرآن . ـ ومثاله في الأحكام : قوله تعالى : { ... وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ... } . سورة النساء / آية : 36 . فكل أحد يعرف والديه ، وكل أحد يعرف الإحسان . وقوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْم الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ... } . سورة المائدة / آية : 3 . فكل أحد يعرف معنى : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، ويعلم حرمة ذلك . * وقيل : الإحكام : هو الوضوح والظهور في معنى الآيات دون الكيفية التي دلت عليها ؛ لأن القرآن كله محكم في معناه ، فهو كلام له معنى ، وليس كلامًا أعجميا أو ألغازًا لا سبيل إلى فهمها . ولكن من حيث الكيف فهناك آيات محكمات أي معلومة الكيف ، وأُخر متشابهات . فما عاينه الإنسان من الكيفيات التي تتعلق ببعض الأحكام ، والتي دلت عليها ألفاظ الآيات ، ككيفية أداء الصلاة ، وأفعال الحج ، فهذا محكم المعنى والكيفية . أما الغيبيات وحقائق صفات الله عز وجل ، فإننا وإن كنا نعلم معاني هذه الصفات ، لكننا لا ندرك حقائقها ، وكيفيتها ؛ لقوله تعالى : { ... وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } سورة طه / آية : 110 . وهذا النوع من المتشابه لا يُسأل عن استكشافه لتعذر الوصول إليه . تفسير القرآن الكريم / العثيمين / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 49 . التشابه الخاص ============= التشابه من الشبهة وهي الجهالة وعدم المعرفة والتمييز ..... ويتمثل في قوله تعالى : { ... وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ... } . سورة آل عمران / آية : 7 . والتشابه الذي وصف به الله بعض آيات القرآن نوعان : ـ النوع الأول : " التشابه الحقيقي " : ============ وهو ما لا يمكن أن يعلمه البشر ، كالغيبيات ، وكحقائق صفات الله عز وجل ، فإننا وإن كنا نعلم معاني هذه الصفات ، لكننا لا ندرك حقائقها ، وكيفيتها ؛ لقوله تعالى : { ... وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } . سورة طه / آية : 110 . ككيفية الاستواء في قوله تعالى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } . سورة طه / آية : 5 . أو كيفية سمعه وبصره وتكليمه وكيفية الأشياء التي في عالم الغيب ، فهذا محكم المعنى متشابه في الكيفية تشابه حقيقي ، فلا يدخل في المتشابه معاني الآيات التي وصف الله بها نفسه ، وإلا كانت كلمات جوفاء بلا معنى ، تعالى الله عـن ذلك . وعلى ذلك فجميع آيات الصفات محكمة المعنى متشابهة في الكيفية فقط تشابه حقيقي ، فجميع آيات الصفات لها معنى معلوم عند الراسخين في العلم حسب اجتهادهم في تحصيله . أما الكيف فيفوضون العلم به لعلام الغيوب . وهذا النوع من المتشابه لا يُسأل عن استكشافه لتعذر الوصول إليه . تفسير القرآن الكريم / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 49 / بتصرف. ـ النوع الثاني : " التشابه النسبي " : ============== وهو الاشتباه أي خفاء المعنى بحيث يشتبه على بعض الناس دون غيرهم ، فيعلمه الراسخون في العلم دون غيرهم ، وهذا تشابه نسبي . وهذا النوع يُسأل عن استكشافه وبيانه ؛ لإمكان الوصول إليه . وقد انقسم الناس في ذلك إلى قسمين : القسم الأول : -------- الراسخون في العلم : ويقولـون : " آمنا به كل من عند ربنا " . وإذا كان من عنده ـ سبحانه ـ فلن يكون فيه اشتباه يستلزم ضلالاً أو تناقضًا ، وَيَردُّون المتشابه إلى المحكم فصار مآل المتشابه إلى الإحكام . القسم الثاني : ------------- أهل الضلال والزيغ : وهم يتبعون المتشابه ويجعلوه مثارًا للشك والتشكيك ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا . وقد يؤدي هذا التشابه إلى توهم الواهم : ـ ما لا يليق بالله تعالى . ـ أو ما لا يليق بكتابه . ـ أو ما لا يليق برسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . ويفهم العالم الراسخ في العلم خلاف ذلك من المتشابه . @ فيما يتعلق بالله تعالى : ----------------- # مثال أول : أن يتوهم واهم من قوله تعالى : { ... بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ... } سورة المائدة / آية :64 . أن لله يدين مماثلتين لأيدي المخلوقين . نرد هذا المتشابه إلى المحكم ليكون الجميع مُحْكَمًا كالآتي : الراسخون في العلم يقولون : إن لله تعالى يدين حقيقيتين على ما يليق بجلاله وعظمته ، لا تماثلان أيدي المخلوقين ، كما أن له ـ سبحانه ـ ذاتًا لا تماثل ذوات المخلوقين ؛ لأن الله تعالى يقول : { ... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } . سورة الشورى / آية : 11 . فردّوا المتشابه الذي هو ----> " بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ " الغير واضح الدلالة ، إلى المحكم الواضح الدلالة الذي هو ----> " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " . ليصير الجميع محكمًا واضح الدلالة . # مثال ثان : أن يتوهم واهم من قوله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى ... } . سورة يس / آية : 12 . ومن قوله تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . سورة الحجر / آية : 9 . ونحوهما مما أضاف الله فيه الشيء إلى نفسه بصفة الجمع . ـ فاتبع الضال الذي في قلبه زيغ هذا المتشابه وادَّعَى تَعَدُّد الآلهة ، وترك المحكم الدال على أن الله واحد . ـ وأما الراسخون في العلم فيحملون الجمع المتمثل في لفظة " نحن " ، على التعظيم لتعدد صفات الله وعظمها ، ويردُّون هذا المتشابه إلى المحكم في قوله تعالى : { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ... } . سورة البقرة / آية : 163 . @ فيما يتعلق بكتاب الله : ----------------- # مثال أول : أن يتوهم واهم تناقض القرآن وتكذيب بعضه بعضًا : لقوله تعالى : { مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ... } . سورة النساء / آية : 79 . ولقوله تعالى في موضع آخر : { ... وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ ... } . سورة النساء / آية : 78 . فرد هذا النص المتشابه ، ظاهر التناقض يُرد إلى المحكم الواضح الدلالة ليكون الجميع محكما كالآتي : الراسخون في العلم يقولون : إن الحسنة والسيئة كلتاهما بتقدير الله عز وجل ، لكن الحسنة سببها التفضل من الله تعالى على عباده ، أما السيئة فسببها فِعل العبد ؛ كما قال تعالى : { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } . سورة الشورى / آية : 30 . فإضافة السيئة إلى العبد من إضافة الشيء إلى سببه ، لا من إضافتة إلى مقدِّرِهِ ، أما إضافة الحسنة والسيئة إلى الله تعالى فمن باب إضافة الشيء إلى مُقَدِّرِهِ ، وبهذا يزول ما يُوهِم الاختلاف بين الآيتين لانفكاك الجهة . تفسير سورة البقرة / محمد صالح بن عثيمين / ج : 1 / ص : 48 / بتصرف . مثال آخر : أن يتوهم واهم تناقض القرآن وتكذيب بعضه بعضًا : لقوله تعالى : { إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ... } . سورة القصص / آية : 56 . لقوله تعالى : { ... وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } . سورة الشورى / آية : 52 . ففي الآيتين موهم تعارض ، فيتبعه من في قلبه زيغ ، ويظـن أن بينهما تناقضًا وهو النفي في الأولى ، والإثبات في الثانية . وأما الراسخون في العلم فيقولون : لا تناقض في الآيتين ، فالمراد بالهداية في الآية الأولى ----> هداية التوفيق . وهذه لا يملكها إلا الله وحده ، فلا يملكها الرسول ولا غيره . والمراد بها في الآية الثانية ----> هداية الدَّلالة . وهذه تكون من الله تعالى ؛ ومن غيره . فتكون من الرسل وورثتهم من العلماء الربانيين . @ فيما يتعلق برسول الله ـ صلى الله عليه وعلى وآله وسلم ـ : --------------------------------- قد يتوهم الواهم ما لا يليق برسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . # مثال ذلك : قوله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } . سورة يونس/ آية : 94 . ففي الآية ما يوهم وقوع الشك من النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فيما أُنزِلَ إليه ، فيتبعه من في قلبه مرض ؛ فيدَّعي أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وقع منه ذلك ، فيطعن في رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . ونرد هذا المتشابه إلى المحكم ليكون الجميع محكمًا كالآتي : الراسخون في العلم يقولون : إن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لم يقع منه شَكٌّ فيما أُنزِلَ إليه ، بل هو أعلم الناس بالقـرآن ، وأقواهم يقينا كما قال الله تعالى في نفس السورة : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتمْ فِي شَكٍّ مِّن دِيني فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ ... } . سورة يونس / آية : 104 . أي إن كنتم في شكٍّ ـ [ من ديني ] ـ فأنا على يقين منه ، ولهذا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله ، بل أكفر بهم وأعبد الله . ولا يلزم من قوله تعالى : " فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ... " . سورة يونس / آية : ( 94 ) ، أن يكون الشكُّ جائزًا على الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أو واقعًا منه ألا ترى قوله تعالى : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } . سورة الزخرف / آية : 81 . هل يلزم منه أن يكون الولد جائزًا على الله تعالى أو حاصلاً ؟ ! . كلا ؛ فهذا لم يكن حاصلاً ، ولا جائزًا على اللهِ تعالى ، لقوله تعالى : { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَلأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً } سورة مريم / آية : 92 ، 93 . ولا يلزم من قوله تعالى : { ... فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } . سورة البقرة / آية : 147 ، سورة يونس / آية : 94 . أن يكون الامتراء ـ ( أي الشك ) ـ واقعا من الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لأن النهي عن الشيء قد يوجه إلى من لم يقع منه ، ألا ترى قولَهُ تعالى : { وَلاَ يَصُدُّنّكَ عَنْ آيَاتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }. سورة القصص / آية : 87 . ومن المعلوم أنهم لم يصدُّوا النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عن آيات الله ، وأن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لم يقع منه شرك . والغرض من توجيه النهي إلى مَنْ لا يقع منه : التنديد بِمَنْ وقع منهم ، والتحذير من منهاجهم ، وبهذا يزول الاشتباه ، وظَنّ ما لا يليق بالرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . تفسير القرآن الكريم / العثيمين / سورة البقرة / ج : 1 / ص : 49 / بتصرف . o فائدة : ــــــــ " إن كنتَ في شكٍّ " ؛ كما في لغة العرب : استجازة العرب قول القائل منهم لابنه " إن كنتَ ابني فَبِرِّني " ، وهو لا يشك في أنه ابنه . منشأ التشابه وأقسامه وأمثلته =========== نعلم مما سبق أن منشأ التشابه إجمالاً ، هو خفاء مراد الشارع من كلامه ؛ أما تفصيلاً فنذكر أن منه ما يرجع خفاؤه إلى اللفظ ، ومنه ما يرجع خفاؤه إلى المعنى ، ومنه ما يرجع خفاؤه إلى اللفظ والمعنى معًا . فالقسم الأول : ========== وهو ما كان التشابه فيه راجعًا إلى خفاء في اللفظ وحده : منه " مفرد " و " مركب " . § والمفرد قد يكون الخفاء فيه ناشئًا : من جهة " غرابته " ، أو مِن جهة " اشتراكه " . § والمركب قد يكون الخفاء فيه ناشئًا : من جهة " اختصاره " ، أو من جهة " بسطه " ، أو من جهة " ترتيبه " . * مثال التشابه في " المفرد " بسبب غرابته وندرة استعماله : لفظ " الأبّ " بتشديد الباء في قوله سبحانه : " وفاكهةً وأبا " [ سورة عبس / آية : 31 ] . لفظ مفرد والخفاء فيه ناشئ : من جهة غرابته . والأبّ هو ما تأكله البهائم ؛ بدليل قوله بعد ذلك : " متاعًا لكم ولأنعامكم " [ سورة عبس / آية : 32 ] . * ومثال التشابه في " المفرد " بسبب اشتراكه بين معان عدة : لفظ " اليمين " في قوله سبحانه : " فراغ عليهم ضربًا باليمين " [ سورة الصافات / آية : 93 ] أي فأقبل إبراهيم على أصنام قومه ضاربًا لها باليمين من يديه لا بالشمال ، أو ضاربًا لها ضربًا شديدًا بقوة ؛ لأن اليمين أقوى الجارحتين ؛ أو ضاربا لها بسبب اليمين التي حلفها ونَوَّه بها القرآن إذ قال : " وتا الله لأكيدنَّ أصنامكم بعدَ أن تولوا مدبرين " [ سورة الأنبياء / آية : 57 ] كل ذلك جائز ، ولفظ اليمين مشترك بينها . * ومثال التشابه في " المركب " بسبب اختصاره : قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ... } . سورة النساء / آية : 3 . فإن خفاء المراد فيه ، جاء من ناحية إيجازه ؛ والأصل : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى لو تزوجتموهن ، فانكحوا من غيرهن ما طاب لكم من النساء " 0 ومعناه أنكم إذا تحرجتم من زواج اليتامى مخافة أن تظلموهن ؛ فأمامكم غيرهن فتزوجوا منهن ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورُباع . * ومثال التشابه يقع في " المركب " بسبب بسطه والإطناب فيه : قوله جلْت حكمته : { ... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ... } . [ سورة الشورى / آية 11 ] . فإن حرف الكاف لو حذف وقيل " ليس مثله شيء " كان أظهر للسامع من هذا التركيب الذي ينحل إلى : " ليس مل مثله شيء " وفيه من الدقة ما يعلو على كثير من الأفهام . ـ أقوال العلماء في كاف " كمثله " : [ في قوله تعالى : " ليس كمثله شيء " : كلمة " شيء " هنا نكرة في سياق النفي ، فَتَعُم كل شيء ؛ أي ليس هناك شيء أبدًا مماثلاً لله . وقد وقع في ( الكاف ) جدل كبير بين العلماء ، لأن وجودها مع " مثل " مشكلة ؛ إذ كل منهما يدل على التمثيل ؛ فلو قلتَ : ليس مثل مثله شيئًا ، فمعناه : أنك أثبت المثل ونفيتَ المماثلة عن هذا المثل ، وهذا تناقض ؛ لأنك إذا نفيتَ المماثلة عن المثل لم تثبت وجود المثل ، وهذا يقتضي التناقض ظاهرًا . ولهذا فقد اختلف العلماء في هذه الكاف . * فمنهم من قال : إن الكاف زائدة ، فتقدير الكلام : ليس مثله شيء . * ومنهم من قال : إن " مثل " هي الزائدة ، فتقدير الكلام : ليس كهو شيء . فالزائدة إحدى هاتين الكلمتين ، ولاشك أن القول بزيادة " الكاف " أولى من القول بزيادة " المثل " ؛ لأن زيادة الحروف كثيرة في اللغة العربية لكن زيادة الأسماء قليلة جدًا فضلاً عن كونه موجودًا أصلاً . ـ ثم قال الشيخ العثيمين ـ والذي يظهر لي : أن هذا من باب التوكيد ، كأنه عز وجل كرر الكلمة مرتين لتكرار نفي المماثلة ] . [ شرح القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى / للشيخ محمد بن صالح العثيمين / شرح القاعدة السادسة من قواعد الصفات / ص : 143 / باختصار ] . * ومثال التشابه يقع في " المركب " لترتيبه ونظمه : قوله جل ذكره : " الحمد للهِ الذي أنزل على عبده الكتابَ ولم يجعل له عِوَجًا * قَيِّمًا ... " . [ سورة الكهف / آية : 1 ، 2 ] 0 فإن الخفاء هنا جاء من جهة الترتيب بين لفظ " قَيِّمًا " وما قبله ، ولو قيل : " أنزل على عبده الكتاب قَيِّمًا ولم يجعل له عِوَجًا " لكان أظهر أيضًا . والقسم الثاني : ===== وهو ما كان التشابه فيه راجعا إلى خفاء المعنى وحده : § مثاله : كل ما جاء في القرآن الكريم وصفًا لله تعالى ، أو لأهوال القيامة ، أو لنعيم الجنة وعذاب النار ؛ فإن العقل البشري لا يمكن أن يحيط بحقائق صفات الخالق ، ولا بأهوال القيامة ، ولا بنعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار . القسم الثالث : ====== وهو ما كان التشابه فيه راجعًا إلى اللفظ والمعنى معًا : § مثاله : قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ... } . سورة البقرة / آية : 189 . فإن من لا يعرف عادة العرب في الجاهلية ، لا يستطيع أن يفهم هذا النصَّ الكريم على وجهه . وَرَدَ أن ناسًا من الأنصار كانوا إذا أحرموا لم يدخل أحد منهم حائطًا ولا دارًا ولا فسطاطًا من باب ؛ فإن كان من أهل المَدَرِ ( 1 ) نقب نقبًا في ظهر بيته يدخل ويخرج منه ، وإن كان من أهل الوبر ( 2 ) خرج من خلف الخباء ، فنزل قول الله : " وليس البِرُّ بأن تأتوا البيوتَ من ظهورها ولكنَّ البِرَّ من اتَّقى ، وأُتوا البيوت من أبوابها ، واتوا الله لعلكم تفلحون " . ( 1 ) أهل المدر : سكان البيوت المبنية ، خلاف البدو ، سكان الخيام . ( 2 ) أهل الوبر : أهل البادية ؛ لأنهم يتخذون بيوتهم من الوبر. فهذا الخفاء الذي في الآية ، يرجع إلى اللفظ بسبب اختصاره ؛ ولو بسط لقيل : " وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها إذا كنتم محرمين بحج أو عمرة " . ويرجع الخفاء إلى المعنى أيضًا ؛ لأن هذا النص على فرض بسطه كما رأيت ، لابد معه من معرفة عادة العرب في الجاهلية وإلا لتعذَّر فهمه . مناهل العرفان / ج : 2 / ص : 297 / بتصرف.
__________________
|
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|