العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى البحوث > ملتقى البحوث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-20-2017, 04:31 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,356
Arrow

تعريف القاعدة الفقهية

ـ القواعد في اللغة :
جمع قاعدة ، ومعنى القاعدة : أصل الشيء ، وقواعد البيت أساسه ، ومنه قوله تعالى"وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا " . سورة البقرة / آية : 127 .
وقوله تعالى " فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهم مّنَ الْقَوَاعدِ ".سورة النحل آية : 26 .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : حسين بن عبد العزيز آل الشيخ .

ـ القواعد في اصطلاح الفقهاء :
اختلف الفقهاء في تعريف " القاعدة الفقهية " بِناء على اختلافهم في مفهومها ، هل هي قضية كُلية أو قضية أغلبية ؟
ونختار لكل مدرسة تعريفًا من تعريفاتها :
ـ فمن تعريفات المدرسة الأولى :
" الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة ، تُفهم أحكامها منه " .
ـ ومن تعريفات المدرسة الثانية :
" حكم أكثري لا كُلِّي ، ينطبق على أكثر جزئياته ، لِتُعْرَف أحكامها منه " .
والظاهر أن الباعث لمن يُعَرِّفها بأنها حكم أكثري هو : أن كثيرًا من قواعد الفقه لها صور مستثناة منها ، ولا ينطبق عليها حكمها ، ويلحظ هذا الأمر من يُطالع كتب "قواعد الفقه " .
ولكن هذا الاستثناء وعدم الاطراد ، لا ينقض كُلية تلك القواعد ، ولا يقدح في عمومها ، لأن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار القطعي ، كما أن الكليات الاستقرائية صحيحة وإن تخلَّف عن مقتضاها بعض الجزيئات .
القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / للسعدي / تعليق : العثيمين / ص : 4 .

أقسام القواعد الفقهية
تُقَسَّم القواعد الفقهية من حيثيتين :
* الحيثية الأولى : مصدرها واستمدادها :

يمكن تقسيم القواعد الفقهية من حيث مصادرها أو استمدادها إلى قسمين :
أ ـ قواعد جاء بها نص شرعي :
* وقد تكون القاعدة بلفظ النص .
مثل قاعدة : " لا ضرر ولا ضِرار " .
حيث أن مصدرها حديث نبوي صحيح .
فعن عبادة بن الصامتِ ؛ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قضى أن : " لا ضرر ولا ضِرار " .
سنن ابن ماجه / تحقيق الشيخ الألباني / ( 13 ) ـ كتاب : الأحكام / ( 17 ) ـباب : من بنى في حقه مايضر بجاره / حديث رقم : 2340 / ص : 400 / صحيح .
* وقد تكون القاعدة أُنشِأ لفظها من ظاهر النص دون حاجة إلى استنباط .
مثل قاعدة : وليس واجبٌ بلا اقتدار ولا محرمٌ مع اضطرار
وكل محظور مع الضرورة بقدر ما تحتاجه الضرورة .
فهذه القاعدة مستفادة من ظاهر نص حديث صحيح دون الحاجة إلى استنباط .
* فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال :
" دعوني ما تركتكم ، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمرٍ فَأْتُوا منه ما استطعتم " .
صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب : الاعتصام / ( 2 ) ـ باب : الاقتداء بسنن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ / حديث رقم : 7288 / ص : 846 .
ولقوله تعالى "لاَ يُكَلفُ اللهُ نَفسًا إِلاَّ وُسْعَهَا " سورة البقرة / آية : 286 .
ولقوله تعالى "فاتَّقوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ". سورة التغابن / آية : 16 .
ويُستفاد من هذه القاعدة وما يتفرع عنها أن : القدرة مناط التكليف .
ب ـ قواعد خرَّجها العلماء من استقراء -أي التتبع- الأحكام الجزئية :
وهي التي تتبعها العلماء في أبواب الفقه المختلفة ،وصاغوها في عبارات موجزة مسلسلة .
مثل قاعدة : وكلُّ مشغولٍ فلا يُشَغلُ مثالُه المرهونُ والمُسَبَّلُ
القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 6 / بتصرف .ومجموعة الفوائد البهية ... / ص : 21 / بتصرف .
بالاستقراء جمع العلماء أحكام جزئية نتج عنها هذه القاعدة
س : ما هو الاستقراء ؟
ـ الاستقراء لغةٌ : مصدر استقرى فلان الأثر يستقريه ، إذا تتبعه .
مثل : استقريت ـ أي تتبعتُ ـ وجوه القوم لأعرف أخي
ويخطئ من يقول : ( استقرأتُ ، أستقرئ ) . وهو خطأ لأن هذا من القراءة . فمعنى : استقرأت : طلبت القراءة
و ( استقريت ) من ( القَرْي ) أو ( القَرْوِ ) وهو التتبع .
ـ الاستقراء في اصطلاح الأصوليين : تتبع العام في جزئياته المعلومة أحكامها ، فإذا استقراها المجتهد فوجدها كلها على حكم واحد ، فيغلب على الظن أن الصورة التي لم يعلم حكمها ، موافقة في الحكم لسائر الصور .
ومثاله : صلاة الوتر : اختُلِفَ في أنها واجبة أو مستحبة ، فنظرنا فوجدنا جميع الصلوات المفروضة لا تؤدَّى على الراحلة ، ووجدنا الوتر يؤدَّى على الراحلة ، فيغلب على الظن أنه نافلة وليس فريضة ، ليكون الباب كله جاريًا على وتيرة واحدة .
الواضح في أصول الفقه للمبتدئين ... / ص : 164 / بتصرف .

· وهذه أحكام جزئية على سبيل المثال وليس الحصر ـ على أساسها صاغ العلماء قاعدة " وكل مشغول فلا يُشغل " ـ :
ـ زوجة الغير ومعتدته محرمة على جميع الرجال عدا زوجها ، لأنها مشغولة به بمقتضى عقد الزواج . فلا تُشغَّل بغيره حتى تفرغ من هذا المشغول به لقوله تعالى "وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ". سورة النساء / آية : 24 .
أي حرمت عليكم المحصنات من النساء ، أي المتزوجات منهن ، إلا المسبيات ، فإن المسبية تحل لسابيها بعد الاستبراء (1) وإن كانت متزوجة .
الوجيز في فقه السنة ... / ص : 295 / بتصرف .
(1) الاستبراء ---> أي استبراء الرحم وخلوه من أي حَمْل .
ـ لا يحل لمسلم أن يخطب على خطبة أخيه . ولا أن يبيع على بيعة أخيه .
قال ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : " نهى النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أن يبيع بعضكم على بيع بعض ، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبه أو يأذن له الخاطب " .
صحيح البخاري . متون / ( 67 ) ـ كتاب : النكاح / ( 45 ) ـ باب : لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكِح أو يدعَ / حديث رقم : 5142 / ص : 623 .
ـ ومثله : المرهون :لا يُباع ولا يوهب ولا يرهن حتى ينفك الرهن أو يأذن الراهن .
والدار المؤجرة لا تؤجر حتى تفرغ .
فكل مشغول بحق لا يُشْغَل بآخر حتى يفرغ الحق منه .
رسالة القواعد الفقهية / السعدي / ص : 46 / بتصرف .
الحيثية الثانية : اتفاق الفقهاء عليها وعدمه :
إذ من القواعد ما اتفقت المذاهب الفقهية عليها ، وتسمى بالقواعد الكلية . ومنها ما حصل الاختلاف فيها ـ أعني القواعد الفقهية ـ مثال للقواعد الكلية :

وترجعُ الأحكامُ لليقينِ فلا يُزيلُ الشكُّ لليقينِ .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 22 / بتصرف .
ـ قال العلامة جلال الدين السيوطي ـ رحمه الله ـ في : " الأشباه والنظائر " / ص : 56 :
" اعلم أن هذه القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه ، والمسائل المخرجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر " .
القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين لابن القيم (1) / إعداد عبد الرحمن ... / ص : 272 .
( 1 ) واسمه : أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكرِ بنِ أيوبَ بنِ سعدِ بنِ حَرِيزِ بن مكي زين الدين الزُّرعي الأصل ثم الدمشقيُّ الحنبليُّ الشهيرُ بابن قيم الجوزية .
والزرعي : نسبة إلى زُرع : قرية من حَوْران ، وهي ناحية واسعة كثيرة الخير بنواحي دمشق ، منها كانت تحصل غلاتها وقيم الجوزية ، هو والد الإمام ، إذ كان قيمًا ـ مثل كلمة ناظر ـ على المدرسة الجوزية بدمشق .
من أجل ذلك قيل للإمام : ابن قيم الجوزية ، ثم أطلق القول على الإضافة فقيل : ابن القيم .
القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب إعلام الموقعين / ص : 36 .

واختلف العلماء في عدد القواعد الكلية ، منهم من قال : 45 قاعدة ، ومنهم من قال : 66 قاعدة ، إلا أن القواعد الكلية الكبرى قصرها الأكثر على خمس قواعد ، وهي :
( الأمور بمقاصدها ) ، و ( اليقين لا يزول بالشك ) ، و ( المشقة تجلب التيسير ) ، و ( لا ضرر ولا ضِرار ) ، و ( العادة مُحَكَّمَة ) .
مجموعة الفوائد البهية ... / ص : 22 / بتصرف .
مثال للقواعد المختلَف فيها :
سيأتي خلال الشرح إن شاء الله .
س : هل يجوز أن نجعل القاعدة الفقهية دليلاً شرعيًّا يُستنبط منه حكم شرعي ؟ !
هناك خلاف في وجهات النظر بين العلماء :
ـ ورد بكتاب : منظومة القواعد الفقهية للسعدي : شرح / د . خالد إبراهيم الصقعبي :
هناك أقوال لأهل العلم وهي بمجموعها تفيد أنه لا يسوغ اعتبار القواعد الفقهية أدلة شرعية لاستنباط الأحكام لسببين :

الأول : أن هذه القواعد ثمرة للفروع المختلفة ، وجامع ورابط لها وليس من المعقول أن يُجعل ما هو ثمرة وجامع دليلاً لاستنباط أحكام الفروع .
الثاني : أن معظم هذه القواعد لا تخلو من المستثنيات ، فقد تكون المسألة المبحوث عن حكمها من المسائل والفروع المستثناة .
ولذلك لا يجوز بناء الحكم على أساس هذه القواعد ، ولكنها تعتبر شواهد مُصاحبة للأدلة يستأنس بها في تخريج الأحكام للوقائع الجديدة قياسًا على المسائل الفقهية المدونة
ولكن هذا لا يؤخذ على إطلاقه ، وقد مر معنا أن من القواعد الفقهية ما كان أصله ومصدره من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، أو يكون مبنيًّا على أدلة واضحة من الكتاب والسنة المطهرة أو مبنيًّا على دليل شرعي من الأدلة المعتبرة عند العلماء ، أو تكون القاعدة مبنية على الاستدلال القياسي وتعليل الأحكام فهذه أدلة شرعية وقواعد فقهية يمكن الاستناد إليها في استنباط الأحكام وإصدار الفتاوى وإلزام القضاء بها .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : خالد إبراهيم الصقعبي / ص : 10 .
ـ وقال الشيخ : حسين بن عبد العزيز آل الشيخ في شرح هذه المنظومة :
والأولى الاستدلال بالدليل المستندة إليه القاعدة وليس بالقاعدة . ا . هـ .
ـ وورد بكتاب : القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / تأليف الشيخ : عبد الرحمن بن ناصر السعدي . تعليق الشيخ : محمد بن صاالح العثيمين / ص : 11 :
ذهب فريق من الباحثين إلى أنه لا يجوز جعل القواعد الفقهية أدلة للأحكام الفرعية .
واستدلوا بنصوص قليلة عن بعض المتقدمين ، هي في الواقع ظنية لا قطعية ، فلا يكاد يصفو لهم ذلك كدليل من نصوص الأئمة إلا قليلاً من هذا القليل !
وعللوا ذلك بأسباب :
1ـ أن القواعد ثمرة للفروع وجامع لها ؛ وليس من المعقول أن يجعل ما هو ثمرة وجامع دليلاً لاستنباط أحكام الفروع .
2ـ معظم القواعد لا تخلو من المستثنيات .
3 ـ كثير من القواعد الفقهية استقرائية ، وقد يكون استقراءً ناقصًا .
الرد على عللهم وأسبابهم :
ـ الاعتراض الأول : فالإجابة عنه ، أن كل قواعد العلوم بُنيت على فروعها ، وأيضًا فإن الفروع التي نريد تطبيق القاعدة عليها ليست هي الفروع التي بُنيت عليها القاعدة ، فلا دَوْرَ إذن .
ـ الاعتراض الثاني : فالإجابة أنه لا يستدل بها إلا العالم بها ، فقد يكون الحكم المستثنى منصوصًا على استثنائه في كتب الفروع أو في كتب الأشباه والنظائر ثم يدرجه بعضهم في القاعدة ! فإن كان الفرع جديدًا فلا بأس للماهر بالقواعد الاستدلال بها كأي استدلال بدليل ظني الثبوت أو الدلالة أو بعام ، والعام قد يكون له مُخَصِّص .
ـ الاعتراض الثالث : فالإجابة أن هناك من القواعد ما ليس استقرائيًا ، بل هي نصوص شرعية كما قدمنا ، وأما القواعد الاستقرائية فالواقع يبين أنها وليدة عصور علمية متتالية ، فتمر القاعدة بمن يؤكدها ، وبمن يشرحها ، وبمن يستثني منا ، وبمن يعترض عليها ، مما يؤدي إلى إيضاح تام لمن يريد الإفتاء بها . ا . هـ .


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-20-2017, 08:46 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,356
Arrow

الفرق بين " القواعد الفقهية " و " الضوابط الفقهية "
لالتباس القاعدة الفقهية بالضابط ، لزم بيان الفرق بينهما ، إذ بينهما عموم وخصوص مطلق .
فالقاعدة ـ الفقهية ـ أعمُّ مطلقًا ، والضابط ـ الفقهي ـ أخصُّ مطلقًا .
وإيضاح ذلك : أن القاعدة ـ الفقهية ـ تضم تحتها مسائل فقهية من أبواب شتى ، خلافًا للضابط ـ الفقهي ـ فهو يضم مسائل فقهية من باب واحد .
* فمثال القاعدة ـ الفقهية ـ : " اليقين لا يزول بالشك " أو " الشك يُدْرَأ باليقين " ، حيث تدخل هذه القاعدة في كل مسألة فقهية اجتمع فيها شك ويقين ، فتدخل في أبواب شتى ، كالطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، ... .
* ومثال الضابط ـ الفقهي ـ : " كل ما يُعتبر في سجود الصلاة ؛ يعتبر في سجود التلاوة " .فهذا الضابط يضم مسائل تخص ذينك السجودَين ـ فقط ـ ، وكلاهما خاص بباب الصلاة ، لا يتعداها إلى أبواب أخرى فاعلم أن التفريق السابق بين " القاعدة " و " الضابط " ، هو المقرر عند الفقهاء ، ولكن قد يتسامحون في هذا التفريق ، فيطلقون على الضابط قاعدة والعكس .
مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 20 .

الفروق بين " القواعد الفقهية " و " القواعد الأصولية "
هناك ارتباط وثيق بين أصول الفقه ، والقواعد الفقهية ، وهذا لا يعني أنهما علم واحد ، بل أن كُلاًّ منهما علم مستقل بحد ذاته ، ولكلٍّ منهما قواعده ، ونظرًا إلى أنه قد تختلط " القواعد الأصولية " " بالقواعد الفقهية " عند بعض طلاب العلم ـ حيث إن لكل منهما قواعد تندرج تحتها جزئيات ـ نذكر أهم الفروق بينهما ، وهي :
*الفرق الأول :
أن " القواعد الأصولية " : عبارة عن المسائل التي تشملها أنواع من الأدلة التفصيلية يمكن استنباط التشريع منها . كالأصل في الأمر الوجوب .
أما القواعد الفقهية : فهي عبارة عن المسائل التي تندرج تحتها أحكام الفقه ، ليصل المجتهد إليها بناء على تلك القضايا الْمُبَيَّنَة في أصول الفقه ، ويلجأ الفَقيه إلى تلك القواعد الفقهية تيسيرًا له في عرض الأحكام ، فهو ـ مثلاً ـ إذا قال : " الأصل في الأشياء الطهارة " أغناه عن أن يقول في كل جزئية أنها طاهرة .
*الفرق الثاني :
أن القواعد الأصولية كلية تنطبق على جميع جزئياتها وموضوعاتها ـ [ ولا يخرج منها شيء إلا بدليل ] ـ ، فكل نهي مطلق ـ مثلاً ـ للتحريم ، وكل أمر مطلق للوجوب .
أما القواعد الفقهية فإنها أغلبية ، يكون الحكم فيها على أغلب الجزئيات .
*الفرق الثالث :
أن " القواعد الأصولية " وسيلة لاستنباط الأحكام الشرعية العملية .
أما " القواعد الفقهية " فهي مجموعة من الأحكام المتشابهة التي ترجع إلى عِلَّة واحدة تجمعها ، أو ضابط فقهي يحيط بها ، والغرض من ذلك هو : تسهيل المسائل الفقهية وتقريبها .
*الفرق الرابع :
أن " القواعد الأصولية " قد وُجِدَت قبل الفروع (1) ، حيث إنها القيود التي أخذ الفقيه نفسه بها عند الاستنباط .
أما القواعد الفقهية ، فإنها قد وجدت بعد وجود الفروع .
القواعد والأصول الجامعة والفروق ... / ص : 9 / بتصرف .
( 1 ) فالقاعدة الأصولية توجد أولاً ، ثم يُستخرج على أساسها الحكم الفقهي . ثم بعد ذلك تُجمع الأحكام الفقهية المتشابهة ، فيؤلَّف منها قاعدة فقهية .
*الفرق الخامس :
أن " القاعدة الأصولية " لا يمكن أن يؤخذ منها الحكم الفقهي مباشرة ، بل لابد أن يكون معها دليل تفصيلي . مثال ذلك : قاعدة " الأمر للوجوب " ـ عند الإطلاق ـ هل يؤخذ منها وجوب أي فعل من الأفعال ؟ ! لا . لا يمكن ذلك حتى يُضاف إليها دليل تفصيلي مثل قوله تعالى :
" أَقِيمُواْ الصَّلاةَ " . سورة الأنعام / آية : 72 .
بينما " القاعدة الفقهية " يمكن أن يؤخذ منها حكم مباشرة ـ بالضوابط السابقة ـ .
مثال ذلك : قاعدة " الأمور بمقاصدها " يؤخذ منها أن النية واجبة للصلاة وللوضوء و ... ، فهذه قاعدة فقهية أُخذ منها الحكم مباشرة .
وبصيغة أخرى :
القواعد الفقهية تختلف عن القواعد الأصولية شيئًا ما ، فإن القواعد الأصولية باختصار تتعلق بالتأصيل لفهم الأدلة والنصوص .
أما القواعد الفقهية فإنها تتعلق بالأحكام التي تستفاد من النصوص ، فإن وجد بين هذه الأحكام تعلقٌ ما ، يمكن أن يُجعل قاعدةً ، فهذه هي التي تسمى القاعدة الفقهية .
فمثلاً لوحظ أن الطهارة والنجاسة حكمان ، استُفيدَ من النصوص أن هناك أعيانًا طاهرة ، وهناك أعيانًا نجسة ، فلوحظ أن الأشياء والأعيان الطاهرة هي الأكثر والأغلب وعليه استفيدت قاعدة فقهية : وهي " أن الأصل في الأشياء الطهارة " .
فهذه قاعدة فقهية وليست قاعدة أصولية ، لأنها ليست على أساسها تُفهم النصوص ، وإنما هي نفسُها اُستُفِيدَت من النصوص .
فإن قلنا : الأصل حمل العام على عمومه ما لم يُخَصَّص ، فهذه قاعدة أصولية ، لأنه بها يُستعان على فهم النصوص ، فلا تتعلق بنصٍ معين ، ولا تتعلق بحكمٍ معين .
أما إذا قلنا : " الأصل في الأشياء الطهارة " ، فالطهارة حكم ، والحكم ما استُفِيدَ إلا من النص ، فهذه قاعدة فقهية .شرح القواعد الفقهية للسعدي.
o فائدة :
الفرق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية والنحوية :
يقولون القواعد النحوية مثل القواعد الأصولية ، شاملة لا يشذ عنها شيء ، فإذا جاء ـ في القواعد الأصولية ـ أمر أو نهي فإن الأمر للوجوب والنهي للتحريم ، ولا يصرف الأمر عن الوجوب والنهي عن التحريم إلا صارف صحيح من الشارع . وكذلك : القواعد النحوية شاملة . ومن أمثلة ذلك : " الفاعل " هو الاسم المرفوع الذي يأتي بعد الفعل للدِلالة على من فعل الفعل أو أقام به الفعل ، فلا يمكن لفاعل " في فن النحو أن يخرج عن هذه القاعدة أبدًا . أما القواعد الفقهية يُشذ عنها أحيانًا .
القواعد الفقهية ... / عبيد الجابري / ص : 12 / بتصرف .
o لطيفة :
قيل من لم يتقن الأصول حُرمَ الوصول . وقيل بعبارة أخرى " من فاته الأصول حُرِمَ الوصول " . لأن الأصول هي العلم ، والمسائل فروع ، تأصل الشجرة وأغصانها ، إذا لم تكن الأغصان على أصل جيد فإنها تذبل وتهلك .
والمقصود بالأصول : القواعد والضوابط المبنية على الكتاب والسنة الصحيحة .
حلية طالب العلم . شرح : الشيخ العثيمين / ص : 67 .
الفروق الفقهية

تعريفها :
هو الفن الذي يُذكر فيه الفرق بين النظائر المتحدة تصويرًا ومعنى ، المختلفة حكمًا وعلة . إذن هو علم يبحث في المسائل أو القواعد التي تشابهت إلى حد كبير ، حيث تظهر في بادئ النظر وكأنها من النظائر فيكون حكمها واحدًا ، ولكن عند تدقيق الفقيه في نظره للمسئل يتضح له فارق بينهما ، فيفرق بينهما في الحكم .
وقد يظهر الفرق ويخفى ويتوسط فيحتاج إلى نظر بحسبه في ذلك .
القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة / للسعدي / تعليق العثيمين / ص : 12 / بتصرف .
الفرق بين الأشباه والنظائر ، والفروق الفقهية :
المسائل الفقهية إذا تشابهت أو تناظرت ، اندرجت تحت حكم واحد ، لاشتراكهما في " العِلَّة " ، أو في " وصف جامع لها " .
كقياس جميع المسكرات على الخمر .
لكن أحيانًا يكون بين هذه المسائل المتشابهة فروق دقيقة ، وعِلل خفية تجعل بعضها منفصلاً عن بعض ، فلا تأخذ المسألة حكم الأخرى لضعف التشابه بينهما . وعلى هذا نستطيع أن نعرِّف " الفروق الفقهية " بأنها :
" المسائل الشرعية المتشابهة في صورها مع اختلاف أحكامها لعلة أوجبت ذلك " .
فكل فرق بين مسألتين مؤثر ما لم يغلب على الظن أن الجامع أظهر . ولا يُكْتَفَى بالخيالات في الفروق ، بل إن كان اجتماع مسألتين أظهر في الظن من افتراقهما ، وجب القضاء باجتماعهما وإن انقدح فرق على بُعْد .
والبحث عن الفروق الدقيقة والعلل الخفية فن بديع ، لا يقدر على ممارسته إلا من أوتي موهبة فذة في الفكر ، وعلمًا غزيرًا في اللغة ، وفقهًا واسعًا في الدين ، ومَلَكة خاصة في إدراك تلك الفروق على خفائها ودقتها .
ووظيفة هذا الفن : إظهار المسائل بوضوح ، وكشف النقاب عن الاختلاف في الحكم والمناط ـ أي : العِلَّة ـ في المسائل المتشابهة من حيث الصورة ، أو المسائل المتقارب بعضها من بعض حيث يتضح بذلك للفقيه طرق الأحكام ، ويكون قياسه للفروع على الأصول متسق النظام .
القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه / ص : 17 .
* كيفية إدراك الفروق :
ـ الأوصاف تنقسم في ذواتها إلى مناسب للحكم ، وإلى طردي وهو ما ليس بمناسب للحكم .
معنى وصف مناسب للحكم : أن يكون ربطُ الحكم ـ بهذا الوصف ـ ودورانه معه وجودًا وعدمًا مَظنَّةَ تحقيق الحكمة التي شُرع لأجلها الحكم وهي جلب مصلحة أو درء مفسدة .
كالإسكار في الخمر ؛ إذ ربط التحريم به ـ أي بهذه الصفة وهي الإسكار ـ مظنة حفظ العقل .
معنى وصف طردي : هو الوصف الذي لم تظهر فيه المناسبة ولم يُعهد من الشارع الالتفات إليه في شيء من الأحكام .
ككون الخمر سائلاً أو أصفر اللون .
ـ والأوصاف كذلك تنقسم في أوضاعها من صور الأحكام إلى جامع وفارق.
فالصورتان مثلاً تشتركان في أوصاف تجمعها ، وتتميز بأوصاف يفارق فيها بعضها بعضًا ، فتتخرج من ذلك حالات :
أ ـ قد يكون ـ الجامع والفارق ـ أحدهما مناسب للحكم والآخر طردي :
ينظر في الوصف الجامع والفارق ، فَيُعْتبر المناسِبُ ويُلْغَى الطردي عن طريق تنقيح المناط .
وتنقيح المناط : هو أن ينص الشارع على حكم ويضيفه إلى وصف فيقترن به أوصاف أخرى لا مدخل لها في الإضافة ولا أثر لها في الحكم ، فيقوم المجتهد بحذف ما لا يصح عِلة ليتسع الحكم .
[ فمثلاً لو جاء في الحديث أن رجلاً كثير الشعر ضخم البدن مفتول العضلات جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وهو يقول : يا رسول الله ، إني جامعت امرأتي في رمضان ، فماذا علَيَّ ؟ يقول عليك : كذا وكذا . فهذه الأوصاف كلها طردية لا مناسبة لها للحكم ، أي لو استفتانا رجل نحيف أصلع رَخي العضلات وجامع في نهار رمضان ، يكون حكمه كحكم الأول تمامًا مع أن الأول كان كثير الشعر ضخم البدن ... والثاني ليس فيه هذه الصفات لأن الأوصاف المذكورة طردية لا مناسبة لها للحكم (1) ] .

( 1 ) ما بين المعكوفتين [ ... ] مصدره : شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 533 .
فهذه الصفات الطردية لا تصح علة للحكم ، والوصف المشترك هنا والمناسب للحكم فيصح عِلة للحكم هو : الجماع في نهار رمضان .
ب ـ قد يكونان ـ أي الجامع والفارق ـ مناسبين فيغَلَّب أنسبهما :
فيكون التغليب إما للمعنى الفارق وإما للمعنى الجامع .
مثال التغليب بالمعنى الفارق :
قاتل ابنه ، وقاتل أجنبي عنه .
فالجامع بين الأب القاتل لابنه ، والقاتل لأجنبي عنه ، أنهما قاتلان . فلماذا يُقتل قال الأجنبي قِصاصًا ، ولا يُقْتَل الأب قاتل ابنه ؟ .
لِوصْف الأبوة وهذا هو الوصف الفارق .
فوصف الأبوة أشد مناسبة لإسقاط القَوَد لإثباته من جهة أن شفقة الأب تمنع عادة من تعمد قتل الوالد لولده ، بخلاف قاتل الأجنبي عنه .
فيكون الحكم هنا بتغليب المعنى الفارق ، فيختلف حكم قاتل ابنه عن حكم قاتل أجنبي عنه .
مثال التغليب بالمعنى الجامع :
لا فرق عند الحنابلة بين قتل الأب ولده وبين أن يضربه بسيف أو يذبحه . فإنه لا يُقتل به تغليبًا للمعنى الجامع بين القتل والذبح ، وهو الإشفاق الوازع ، وإلغاء للمعنى الفارق وهو خصوصية الذبح ؛ إذ هو بالنسبة إلى الجامع المذكور طردي .
فيكون الحكم هنا بتغليب المعنى الجامع ، فيكـون حكم الأب قاتل ابنه ، وذابح ابنه هو نفس الحكم . ( نسأل الله العافية ) .
ج ـ قد يتجاذبان ـ أي الجامع والفارق ـ المناسبة فيتجه الخلاف :
مثاله : إيجاب الزكاة في مال الصبي : فمن قال بوجوبه ، فلأن بين الصبي والبالغ جامعًا وهو مِلك النصاب الزكوي ملكًا تامًّا ، وهو مناسب لاشتراكهما في تعلق الزكاة بمالهما
أما من رأى فارقًا وهو كون البالغ مكلفًا بالعبادات ، والزكاة عبادة فلزمته ، بخلاف الصبي غير مكلف بالعبادات ، فلا تزمه زكاة حتى يبلغ .
القواعد والأصول الجامعة والفروق ... / ص : 14 / بتصرف .

أهمية علم الفروق الفقهية :

علم " الأشباه والنظائر " وعلم " الفروق الفقهية " ، جناحان للفقيه ، يحلق بهما ي مسائل الشريعة وقواعدها ، فلا يهبط إلا وقد حدد مواطن التشابه ومواطن التفرق ، فأقط أحكامه فجاءت مصيبة مواقعها ، وإلا كان كمن طار بطائرة فلم يميز بين جند المسلمين وغيرهم فألقى بحمولته من القذائف فيكون ممن قال فيهم سبحانه :
" خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سيِّئًا " . سورة التوبة / آية :102 .
فبالفروق يتضح للفقيه طرق الأحكام ، ويكون قياسه للفروع على الأصول متسق النظام ، ولا يلتبس عليه طرق القياس فينبني حكمه على غير أساس .
فالفقه معرفة الجمع والفرق .
القواعد والأصول الجامعة والفروق ... / ص :12 .
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-20-2017, 10:46 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,356
Arrow

المنظومة المختارة
لما كان لهذا العلم ـ القواعد الفقهية ـ أهمية عظمى ، وفائدة جُلَّى ، أخذ العلماء في التأليف فيه والتصنيف ، فمنهم من أطنب وأسهب ، ومنهم من اختصر وهذَّب ، ومنهم من كان تأليفه نظمًا .
المنظومات في القواعد الفقهية :
لقد نظم بعض العلماء ، جملة من القواعد الفقهية ، وصاغوها في قالبٍ شِعريٍّ ، رغبةً في تسهيل حفظِها وتيسير دراستها ، وذلك لأن الأسلوب الشعري أسرعُ عُلوقًا بالذهن ، وأطولُ بقاءً في الذاكرة ، وذلك بسبب الوزن والقافية ، والإيجاز الذي تتصف به هذه المنظومات .
ومن آثار الالتزام بالوزن والقافية : أن قواعد العلوم لا تُذكر في المنظومات غالبًا بصيغها المعهودة ، والمتداولة بين أهلِ الاختصاص ، وهي صيغ دقيقة ، وعبارات مُحْكمة في الغالب . "ومن آثار هذا أيضًا عدم الالتزام أحيانًا بقواعد اللغة العربية ، وذلك لضبط الوزن ، وهذا متعارف عليه بين الناظمين ومعفو عنه ، ولكن ينبه عليه " . " تصرف "
القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
وتتابعت المصنفات جيلاً بعد جيل ، ورعيلاً بعد رعيل .
وكان آخر ما أُلِّف في ذلك : " منظومة القواعد الفقهية " للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله ـ . ضمَّنها طائفة من مختاراته في القواعد والضوابط . وقد احتوت على أمهات قواعد الدين ، وهي وإن كانت قليلة الألفاظ ، فهي كثيرة المعاني لمن تأملها ، ومن ثَمَّ كانت عناية المتأخرين بهذا النظم دراسة وحفظًا وتفهُّما وضبطًا .
مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 9 / بتصرف .
التعريف بالنَّظْمِ المختار :
هي منظومة موجزة تتكون من 47 بيتًا على بحر الرَّجَزِ ، ولم يقصد الناظم فيها التوسع والتفصيل ، وإنما أراد الإيجاز والتسهيل لتكون مقدمة لهذا العلم ، وسلمًا يرتقي به الطالبُ إلى ما فوقه من المتون المتوسطة والمطولة ، ومِفتاحًا يفتح به بعض خزائن هذا العلم .
والمنظومة تمثلُ جملةً من اختبارات الناظم ، ومعلوماته ، التي لا ترتبط بكتات معينٍ ، فهو لم يحاول نظم متن مخصوصٍ .
وقد ذكر فيها جملة من القواعد الفقهية ـ وهي غالب المنظومة ـ وبعض الضوابط الفقهية ، كقولهم " يجب الضمان مع الإتلاف " ، وبعض القواعد الأصولية مثل
" الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا " ، وبعض المسائل الفقهية وهي قليلة سنشير إليها في موضعها .
وقد أطال رحمه الله في المقدمة قليلاً ، فإنها مكونةٌ من عشرة أبيات في فضل العلم النافع وضابطه وأهمية القواعد وثمراتها ، وهذه العشرة تُعدُّ طويلةً إذا نظرنا إلى عدد أبيات المنظومة ، وإذا أخرجنا الخاتمة ـ وهي بيتان ـ فالباقي 35 بيتًا في القواعد . وضيق المجال في الشعر أوقعه في بعض التساهلات اللغوية .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
لما سبق سنعرض النظم المختار ، ثم التعريف بالناظم .
ثم نشرع في شرح وتوضيح قواعد النظم
.
منظومة القواعد الفقهية

للشيخ عبد الرحمن بن نَاصِر السعدي
1 ـ الحمدُ للهِ العليّ الأَرفقِِ*****وجامعِ الأشياءِ والمفرِّقِِ

2 ـ ذي النِّعَمِ الواسعةِ الغزيرةْ ***** والحِكَمِ الباهرةِ الكثيرةْ
3 ـ ثم الصلاةُ مَعْ سلامٍ دائمِ ***** على الرسولِ القُرَشِيِّ الخَاتِمِ

4 ـ وآلهِ وصحبهِ الأبرارِ ***** الحَائِزِي مراتبَ الفَخارِ

5 ـ اعلَم ـ هُدِيتَ ـ أَنَّ أفضلَ المِنَنْ ****عِلمٌ يُزيلُ الشَّكَ عَنْكَ والدَّرنْ

6 ـ وَيكْشِفُ الحقَّ لذي القلوبِ ***** وَيُوصِلُ العَبْدَ إلى المَطْلوبِ

7 ـ فَاحْرِصْ عَلى فَهمكَ للقواعِدِ *****جَامِعةِ المسائلِ الشوارِدِ

8 ـ فَتَرْتَقي في العِلْمِ خَيرَ مُرْتَقَى ***** وَتَقْتَفِي سُبْلَ الذي قَدْ وُفِّقا

9 ـ هَذِهِ قَوَاعدٌ نَظَمْتُها ***** مِن كُتْبِ أهلِ العِلْمِ قدْ حصَّلتُها

10 ـ جَزاهُم المَوْلى عَظِيمَ الأَجْرِ *****والعَفوَ مَعْ غُفْرانِه والبِرِّ

11 ـ النيةُ شَرْطٌ لِسَائرِ العَمَلْ *****بِها الصَلاَحُ والفَسادُ للِعَمَلْ

12 ـ الدِّينُ مَبْنيٌّ على المَصَالحِ ***** في جَلْبِهَا والدَّرْءِ للقَبَائِحِ

13 ـ فَإِنْ تَزَاحمْ عَدَدُ المَصَالِحِ ***** يُقدَّمُ الأَعلى مِنَ المَصَالِحِ

14 ـ وَضِدُّهُ تَزَاحُمُ المَفَاسِدِ ***** يُرتَكَبُ الأَدْنَى مِنَ المَفَاسِدِ

15 ـ وَمِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ التَّيْسِيرُ *****في كُلِّ أَمرٍ نَابَهُ تَعْسِيرُ

16 ـ وَلَيْسَ وَاجِبٌ بِلاَ اقْتِدَارِ ***** وَلاَ مُحَرَّمٌ مَعَ اضْطِرارِ

17ـ وَكُلُّ مَحْظُورٍ مَعَ الضَّرُورَةْ *****بِقَدْرِ ما تَحْتَاجُهُ الضَّرُورَةْ

18ـ وَتَرْجِعُ الأَحْكَامُ لليَقِينِ *****فَلاَ يُزِيلُ الشَّكُّ لليَقِيِنِ

19 ـ والأَصْلُ فِي مِيَاهِنَا الطَّهَارَةُ *****والأَرْضِ والثِّيَابِ والحجارةِ

20ـ والأَصْلُ فِي الأَبْضَاعِ واللحومِ ***** والنَّفْسِ والأموالِ للمَعْصُومِ

21 ـ تَحْريمُها حَتى يَجيءَ الحِلُّ *****فَافْهَمْ هَدَاكَ اللهُ ما يُمَلُّ

22ـ والأَصْلُ في عَادَاتِنَا الإِباحَةْ *****حَتى يَجِيءَ صَارِفُ الإِباحَةْ

23ـ وَلَيْسَ مَشْرُوعًا مِنَ الأُمورْ ***** غَيرُ الذي فِي شَـرْعِنَا مَذْكُورْ

24 ـ وَسَائِلُ الأُمورِ كَالمَقَاصِدِ *****وَاحْكُم بِهذا الحُكْمِ للزَّوَائِدِ

25 ـ والخَطَأ والإِكْرَاهُ والنِّسيانُ ***** أَسقَطَهُ مَعْبُودُنا الرَّحمنُ

26ـ لَكِنْ مَعَ الإِتْلاَفِ يَثْبُتُ البدَلْ *****وَيَنْتَفِي التَأثِيمُ عَنْهُ وَالزَّلَل

27 ـ وَمِنْ مَسَائِلِ الأَحْكَامِ في التَّبَعْ ***** يَثْبتُ لاَ إِذَا اسْتَقَلَّ فَوَقعْ
28 ـ والعُرْفُ مَعْمُولٌ بِهِ إِذَا وَرَدْ *****حُكْمٌ مِنَ الشَّرعِ الشَّريِِفِ لَمْ يُحَدْ

29 ـ مُعَاجِلُ الْمَحْظُورِ قُبلَ آنِهِ *****قَدْ بَاءَ بِالخُسْرَانِ مَعْ حِرْمَانِهِ

30 ـ وَإِنْ أَتى التَّحْرِيمُ فِي نَفْسِ العَمَلْ ***** أَو شرطِهِ ، فَذُو فَسَادٍ وخَلَلْ

31 ـ وَمُتْلفُ مُؤْذِيهِ لَيْسَ يَضْمَنُ ***** بَعْدَ الدِّفاعِ بِالتي هِيَ أَحْسَنُ

32 ـ " وأَل " تًُفِيدُ الكُلَّ فِي العُمُومِ *****فِي الجَّمْعِ والإِفْرَادِ كَالعَلِيمِ

33 ـ والنَّكِراتُ فِي سِيَاقِ النَّفْي ***** تُعْطِي العُمُومَ أَوْ سِياقِِ النَّهْي

34 ـ كَذَاكَ " مَنْ " و " مَا " تُفِيدَانِ مَعَا *****كُلَّ العُمُومِ يَا أُخَيَّ فاسْمَعَا

35 ـ وَمِثْلُهُ المُفْرَدُ إِذْ يُضافُ *****فَافهم هُدِِيتَ الرُّشدَ مَا يُضَافُ
36 ـ ولاَ يَتِمُّ الحُكْمُ حَتَّى تَجْتَمِعْ *****كُلُّ الشُّرُوطِ والمَوَانِعْ تَرْتَفِعْ

37 ـ ومَنْ أَتى بِما عَلَيْهِ مِنْ عَمَلْ ***** قَدِ استَحَقَ مَالَهُ عَلى العَمَلْ
38 ـ وَكُلُّ حُكْمٍ دَائِرٌ معْ عِلَّتِهْ *****وَهِيَ التي قَدْ أَوْجَبَتْ لِشِرْعَتِهْ

39 ـ وَكُلُّ شَرْطٍ لاَزمٌ لِلعَاقِدِ *****في البَيْعِ وَالنِّكاحِ والمَقَاصِدِ

40 ـ إِلاَّ شُرُوطًا حَلَّلَت مُحرَّما *****أو عَكْسَهُ فَبَاطِلاَتٌ فَاْعلَمَا

41 ـ تُسْتَعْمَلُ القُرْعَةُ عِنْدَ المُبهَمِ ***** مِنَ الحُقُوقِ أَو لَدَى التَّزاحُمِ

42 ـ وإِنْ تَسَاوى العَمَلانِ اجْتَمَعَا *****وَفُعلَ أَحَدُهمَا فَاسْتَمِعَا
43 ـ وَكُلُّ مَشْغُولٍ فَلاَ يُشَغَّلُ *****مِثَالُهُ المَرْهُونُ والمُسَبّلُ

44 ـ وَمَنْ يُؤَدِّ عَنْ أَخِيهِ وَاجِبا ***** لَهُ الرُّجُوعُ إِنْ نَوَى يُطالِبَا
45 ـ والوَازِعُ الطَّبْعِي عَنِ العِصْيَانِ *****كَالوَازِعِ الشَّرْعِي بِلاَ نُكْرَانِ

46 ـ وَالحَمّدُ للهِ عَلَى التَّمامِ ***** فِي البِدْءِ وَالخِتامِ والدَّوامِ

47 ـ ثُمَّ الصَّلاةُ مَعْ سَلاَمٍ شَائِعِ *****عَلَى النَّبىِّ وَصَحْبِهِ وَالَّتابِعِ
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-20-2017, 10:54 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,356
Arrow

التعريف بالناظم
هو الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي ؛ المكنى بأبي عبد الله .
ولد في بلدة عُنَيزة في القصيم بالمملكة العربية السعودية ، في الثاني عشر من المحرم سنة سبع وثلاثمائة وألف - 1307 - من الهجرة النبوية . وقد توفيت أمه وله أربع سنوات ، وتوفي أبوه وله سبع سنين ، فعاش يتيم الأبوين ، ولكنه نشأ نشأة حسنة ، وكان قد استرعى الأنظار منذ حداثة سِنه بذكائه ورغبته الشديدة في العلوم .
عني " أبوه " بتربيته تربية صالحة ، ولما عاجلته المنية في سن مبكر من حياة الابن ، كفلته " زوجة أبيه " وآثرته بالعناية والرعاية والمحبة أكثر من أبنائها . ولما شب صار في بيت أخيه الأكبر " حمد بن ناصر " الذي أوصاه أبوه به .
وكان " حمد " رجلاً صالحًا ومن حملة القرآن ، فنشأ " عبد الرحمن " نشأة صالحة كريمة .
وقد قرأ القرآن بعد وفاة والده ثم حفظه عن ظهر قلب ، وأتقنه وعمره أحد عشر سنة .
وقد أخذ العلم عن شيوخ كثيرين من أجلاء علماء نجد ، أكثرهم من " عُنيزة " و " بُريدة " ،فاجتهد وجَدَّ حتى نال الحظ الأوفر من كل فن من فنون العلم ، ولما بلغ من العمر ثلاثا وعشرين سنة جلس للتدريس فكان يتعلم ويعلِّم ، ويقضي جميع أوقاته في ذلك ، حتى أنه في عام ألف وثلاثمائة وخمسين صار التدريس ببلده راجعًا إليه ومعمول جمع الطلبة في التعليم عليه .
ومن مشايخه الشيخ محمد الشنقيطي ... .
وكان أعظم اشتغاله وانتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم .
كما خلف ـ رحمه الله ـ تلاميذ نجباء ، أشهرهم العلامة " محمد بن صالح العثيمين " ـ رحمه الله ـ .
وفضيلة الشيخ العلامة " عبد الله بن عبد الرحمن آل بسام " ـ حفظه الله ـ .
* عقيدة الشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ هي عقيدة السلف الصالح .
* فقهه ـ رحمه الله ـ : فقد كان في بداية الطلب متمسكًا بمذهب الإمام أحمد تبعا لمشايخه ،

ثم مال إلى الترجيح (1) وترك التقليد .
اللآلئ والدرر السَّعديَّة / ص : 9 / بتصرف .
( 1 ) إلى الترجيح : أي إلى دراسة الأدلة والترجيح بينها .
o لطيفة :
ـ وضع الشيخ السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ على نظمه شرحًا لطيفا ، فرغ منه ي الثامن عشر من ذي القَعْدة سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة وألف 1331 ، وعمره حينئذ لم يتجاوز الرابعة والعشرين .
مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية / ص : 27 .
* سمته : عُرف ـ رحمه الله ـ بحسن الخلق ، وطِيب الكلام ، وبذل النصيحة ، والتواضع الجم ، والسعي في مصالح الخلق ، مع حسن الديانة ، والزهد والتعفف ، والشفقة على المساكين ، لذا اجتمعت النفوس على محبته .
مقدمة المرتقى الذلول إلى نفائس علم الأصول / السعدي / ص : 9 .
وكان ذا بسمة دائمة ، كثير البكاء والصلاة والصيام .
القواعد والأصول الجامعة ... / ص : 17 .
* مرضه ووفاته :
قبل وفاته بخمس سنوات أصيب ـ رحمه الله ـ بضغط الدم وتصلب الشرايين ، وكان يعاوده مرة بعد أخرى وهو صابر عليه ولم يمنعه ذلك من مواصلة نشاطه في التعليم والإمامة والخطابة والتأليف ، وقد اهتم أولو الأمر بالمملكة بعلاجه ، وأذنوا بسفره إلى خارج البلاد للعلاج ، وفي آخر أيامه ـ رحمه الله ـ أصيب بنزيف في المخ فأرسَلَ الملك فيصل ـ حيث كان وليّا للعهد ـ طائرة خاصة فيها أطباء مَهَرَة ، فسبقها الأجل المحتوم حيث تلقى طاقم الطائرة نبأ وفاته وهم في الجو ، وذلك في فجر يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الآخرة عام ستة وسبعين وثلاثمائة وألف عن تسع وستين سنة .
أجزل الله له المثوبة ، ورحمه الله رحمة واسعة ، وقد رثاه غير واحد من الفضلاء بقصائد مبكية . وبموته فقد العالم الإسلامي عالمًا كبيرًا ومربيًا فاضلاً .
اللآلئ والدرر السَّعديَّة / ص : 9 / بتصرف .
* * * * *
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-20-2017, 11:05 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,356
Arrow

شرح منظومة القواعد الفقهية

الحمدُ للهِ العليّ الأَرفقِ وجامعِ الأشياءِ والمفرِّقِ
الحمدُ : هو الثناء .
وقد بدأ النظم بالحمدلة :
اتباعًا للقرآن ، فقد بدأ الله تعالى كتابه بسورة الحمد ـ الفاتحة ـ .
وعملاً بالسنة ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يفتتح مواعظه وخطبه بالحمدلة كما يؤخذ من مجموع الروايات ـ ( خطبة الحاجة ) ـ .
ويقوم مقام الحمدلة كل ما فيه ثناء لله تعالى ، كالبسملة
( 1 ) ونحوها .

( 1 ) بسم الله الرحمن الرحيم : " بسم الله " ؛ أي أبتدئ بكل اسم لله تعالى ، لأن لفظ " اسم " مفرد مضاف ، فيعم جميع الأسماء الحسنى .
" الله " : هو المألوه المعبود ، المستحق لإفراده بالعبادة ، لما اتصف به من صفات الألوهية ، وهي صفات الكمال . " الرحمن الرحيم " : اسمان دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء ...
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان / للسعدي / ص : 21 . تفسير الفاتحة .
فالبسملة إذا أُطلقت فهي تحوي الحمد .
[ فقد كان النبي ـ
صلى الله عليه وسلم ـ يبدأ رسائله وكتبه بالبسملة بدون حمد ، فيقول : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى ... ؛ إلى قيصر عظيم الروم ونحوه .

فإذا كان هناك مؤلف وكتاب ، فإن كثيرًا من أهل العلم رأوا أنه يبدأ به ـ أي بالكتاب ـ بالأمرين معًا : البسملة وحمد الله تعالى ، وأخذوا هذا من أنه يجمع الأمرين معًا ، كونه رسالة مكتوبة ، وكونه خطبة ، لأنه سيقرأ بعد ذلك قالوا : وفيه اقتداء بكتاب الله ـ عز وجل ـ فإنه بدأ بالبسملة ، ثم حمده سبحانه ] .
القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
القواعد الفقهية ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري / بتصرف .
ويُراد بالحمد :

* وصف المحمود بالوصف الجميل مع محبته وتعظيمه .
[ فهو الثناء على الله بصفات الكمال ، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل ، فله الحمد الكامل بجميع الوجوه ] . تفسير السعدي .
* وهو سبحانه يُحمد حمدًا مطلقًا ، أي حمد استحقاق ، لأنه يستحق الحمد لذاته .
الأف واللام في " الحمد " : للاستغراق ، أي استغراق جميع أنواع المحامد .
الله : هو المألوه ، المعبود المستحق لإفراده بالعبادة ، ِلمَا اتصف به من صفات الألوهية ، وهي صفات الكمال .
ولفظ الجلالة أعرف من أن يُعرَّف ، وهو أصل لجميع الأسماء الحسنى واللام في " الله " : للجنس المفيدة للاستغراق ، فالمستحق للحمد المطق هو الله عز وجل ، والمختص به هو الله تعالى .
ولهذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أصابته السراء قال" الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات " ، وإن أصابته ضراء قال " الحمد لله على كل حال " .
القواعد الفقهية ... / شرح : د.خالد الصقعبي / بتصرف .
* فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا رأى ما يحبُّ قال : " الحمد لله الذي بنعمته تتمُ الصالحاتُ " ، وإذا رأى ما يكره قال : " الحمد لله على كل حال " .
سنن ابن ماجه / ( المجلد الواحد ) / تحقيق الشيخ الألباني / ( 33 ) ـ كتاب : الأدب / ( 55 ) ـ باب :فضل الحامدين / حديث رقم : 3803 / ص : 627 / حديث حسن .
ـ الفرق بين الحمد والشكر :
الحمد متعلق بالنعمة والمصيبة ، أما الشكر فعلى النعمة فقط
لذا كان صلى الله عليه وسلم يحمد الله على كل حال .
* فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : كان رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إذا رأى ما يُحب قال : " الحمد لله الذي بنعمته تتُم الصالحات " ، وإذا رأى ما يكره قال : " الحمد لله على كل حال " .
سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 34 ) ـ كتاب : الدعاء /( 55 ) ـ باب : فضل الحامدين / حديث رقم : 3803 / ص : 627 / حسن .

ـ الفرق بين الحمد والمدح :
الحمد والمدح كلاهما فيه ذِكر للمحمود في صفة الكمال ، أما الفرق فهو أن الإخبار عن محاسن الغير إما أن يكون إخبارًا مجردًا من حب وإرادة فهذا مدح ، وإن كان مقرونًا بهما فهو حمد .
العليّ : الذي له العلوّ التام المطلق من جميع الوجوه ، فيشمل علوّ الذات : بمعنى أنه مستوٍ على عرشه عالٍ على خلقه ، ويشمل علوّ القهر : بمعنى أن كل شيء تحت سلطانه وقدرته ، فهو الذي قهر الأشياء بجلاله وعظمته .
وقد جمع بينهما-أي بين العلو والقهر- في قوله تعالى " وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ" .سورة الأنعام / آية : 18 .
ويشمل : علو القدر والمكانة والشأن : قال تعالى " وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ".سورة الأنعام / آية : 91 .
والعلي من أسماء الله الحسنى ، كما قال تعالى :
" وَهُوَ الْعَليُّ الْعَظِيمُ " .سورة البقرة / آية : 255 .
الأَرفقِ : على وزن أفعل ، وهو أفعل تفضيل ، ولكن ليس على بابه هنا ؛ لأن أفعل التفضيل دليل على أن شيئين أو أشياء اشتركت في صفة وزاد أحدهما على الآخر ، وإذا قلنا شيئين أحدهما وليس أفعل ها هنا وفي هذا الباب قاطبة ـ مثل الله الأكرم ، الله الأعلم ـ ليس مرادًا به تفاضل أحد الشريكين على الآخر في هذه الصفة ؛ لأن الله لا يشبهه شيء فضلاً على أن يزيد عليه شيء ، فهنا أرفق بمعنى الرفيق كقوله تعالى " هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ " .سورة النجم / آية : 32 . أي عليم بكم ، وكقوله "هوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ " . سورة الروم / آية : 27 .
أي هَيِّن ، لأن الله ليس عنده شيء أهون من شيء ، كل الأشياء عنده واحدة سبحانه وتعالى ، فيستوي في جانب عظيم قدرته الخردلة والسماء .
معنى الرفق : اللين مع حسن السياسة ، ولا نصف الله باللين والسياسة لكن هذا من الناحية اللغوية .
القواعد الفقهية ... / شرح : عبيد الجابري / بتصرف .
الأَرفقِ : أي الرفيق في أفعاله ، فأفعاله كلها رفق ، على غاية المصالح والحكمة ، والرفق صفة ثابتة لله عز وجل .
القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
* فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال :
" يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، وما لا يعطي على ما سواه " .
صحيح مسلم . متون / ( 45 ) ـ كتاب البر والصلة والآداب / ( 23 ) ـ باب : فضل الرفق /حديث رقم : 77 ـ ( 2593 ) / ص : 661 .
وقد أظهر سبحانه لعباده من آثار رفقه ما يستدلون به على كماله وكمال حكمته ورفقه ،
كما في خلقه السموات والأرض وما بينهما في ستة أيّامٍ ، مع أنه قادر على أن يخلقها في لحظة ، وكذلك خلقه الإنسان والحيوانات والنبات ، على اختلاف أنواعه ، يخلقها شيئًا فشيئًا ، حتى تنتهي وتكمل ، مع قدرته على تكميلها في لحظة ، ولكنه رفيق حكيم ، فمن رفقه وحكمته تطويرها في هذه الأطوار ، فلا تَنافي بين قدرته وحكمته ، كما أنه يقدرعلى هداية الضالين ، ولكن حكمته اقتضت إبقاءَهم على ضلالهم عدلاً منه تعالى ، ليس ظلمًا ، لأن إعطاء الإيمان والهدى محض فضله ، فإذا منعه أحدًا لم يُعَد ظلمًا ، لا سيّما إذا كان المحلّ غير قابلٍ للنعم ، فكل صفة من صفاته تعالى لها أثر في الخلق والأمر ، ولا ينافي بعضها بعضًا ، ومَن فَهِم هذا الأصل العظيم انحلت عنه إشكالات كثيرة في معرفة أسماءِ الله وصفاته ، ونَزَّل كل اسم من أسماءِ الله في محله اللائق به .
" جامع الأشياء والمفرق " : يعني أنه سبحانه يجمع بين الأشياء في بعض المعاني والصفات ، ويفرق بينها في البعض الآخر ، فجمع الأشياء في شيء ، وفرّقها في شيء آخر ، كما جَمَعَ بين خلقه في كونه خلقهم ، وَرَزَقهم ، وفرّق بينهم في الأشكال والصور ، والطول والقِصر ، والسواد والبياض ، وغير ذلك من الصفات .
والناس يشتركون في أصل الرزق ، فكل مخلوق مرزوق ، قال تعالى " وَما مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا "} . سورة هود / آية : 6 .
ولكنهم يتفاوتون في مقدار الرزق ونوعه على حسب الحكمة الإلهية ، كما قال سبحانه " وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ
بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ " .سورة الشورى / آية : 27 .
وكل هذا صادر عن كمال قدرته وحكمته ، ووضعه الأشياءَ مواضعها اللائقة بها .

رسالة القواعد الفقهية / السعدي / ص : 5 / بتصرف .
وإطلاق هذا اللفظ أعني " وجامع الأشياء والمفرق "ـ على الله تعالى من باب الإخبار ، وليس من باب التسمية ، فيصح الإخبار عن الله تعالى بكل ما صح من حيث المعنى ، ولكن لا يُسمى إلا بما سمى به نفسه .
القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
o لطيفة نحوية :

" وجامعِ" هكذا بالجر عطفًا على ( الأرفقِ ) 0. ويجوز الرفع ( ... وجامعُ ) على الرفع خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره هو ، ( وهو جامع الأشياء والمفرق ) .
منظومة القواعد ... / شرح : عبيد الجابري .
س : ما علاقة هذه المقدمة بموضوع المنظومة ؟
ج : كأنه رحمه الله يقول : إذا كان ربُّك عليًّا ورفيقًا ، فمعناه أنك لن تنال الفهم في دينه ، إلا بأن تستعين به سبحانه لأنه هو العلي ، وأن تكون رفيقًا ، كما يحبه لنفسه ، وكما يحبه لعباده . فهذا الدين متين ، ويحتاج إلى أن يوغِلَ الإنسانُ فيه برفق ، مع التنبيه علي ضعف الحديث الوارد " إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق " .
فالحديث ضعيف ، ولكن المعنى صحيح (1) وموافق لقواعد الشريعة فمما صح بهذا المعنى :
* عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" إن هذا الدينَ يُسرٌ ، ولن يُشاد الدينَ أحدٌ إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا ، وأبشروا ويسروا ، واستعينوا بالغدوةِ والرَّوْحَةِ ؛ وشيءٍ من الدَّلْجَةِ " .
سنن النسائي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 47 ) ـ كتاب : الإيمان وشرائعه /
( 28 ) ـ باب : الدين يسر / حديث رقم : 5034 / ص : 764 / صحيح .

( 1 ) ليس معنى صحة المعنى أنه يصلح للاستشهاد به ، بل لابد من توافر صحة المعنى وصحة النسبة للرسول صلى الله عليه وسلم .
* عن عائشة ، زوج النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ عـن النبي ـ لى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال : " إن الرفقَ لا يكونُ في شيء إلاَّ زانه ، ولا ينزع من شيء إلا شانه " .
صحيح مسلم . متون / ( 45 ) ـ كتاب البر والصلة والآداب / ( 23 ) ـ باب : فضل الرفق /حديث رقم : 78 ـ ( 2594 ) / ص : 661 .
وتعبير الناظم بقوله : ( وجامع الأشياء والمفرق ) ، فيه براعة استهلال كما يسميه البلاغيون ، والمراد بها : دلالة مطلع الكلام على مضمونه ، فهذا التعبير يدل على أن هذا النظم في القواعد التي من شأنها الجمع لكثر من الفروع ، والتفريق بين بعضها .

رسالة القواعد الفقهية / السعدي / ص : 5 / بتصرف .
وشرحها للدكتور / مصطفى كرامة مخدوم .
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-21-2017, 02:10 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,356
Arrow

2 ـ ذي النِّعَمِ الواسعةِ الغزيرةْ* والحِكَمِ الباهرةِ الكثيرةْ


النِّعَمِ : جمع نِعمة ـ بكسر النون ـ وهي : المنفعةُ المفعولةُ على جهة الإحسان إلى الغير
وأما النَّعمة ـ بفتح النون ـ فهي التَّنَعُّمُ .
الواسعةِ : من السَّعة ، وهي ضد الضيق .
الغزيرةْ: من الغزارة ، وهي الكثرة ضد القِلة .
ونِعَم اللهِ تعالى موصوفةٌ بهاتين الصفتين.قال تعالى " وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ " . سورة النحل / آية : 18 . لاَ تُحْصُوهَا ـ : لسعتها وكثرتها .
فهذا بيان لسعة وكثرة فضله وعطاياه الشاملة لجميع خلقه ، فلا يخلو مخلوق من نعمِهِ طرفة عين ، ولا سيّما الآدمي ، فإنَّ الله فضَّله وشرّفه ، وسخر له ما في السموات وما في الأرض ، وأسبغ عليه نعمَه الظاهرة والباطنة ، ولا يمكن تعداد نعمه لسعتها وكثرتها .
ولكنه تعالى رضِيَ مَنْ شَكَر نعمه ، بالاعتراف بها ، والتحدث بها ، وصرفها في طاعة الله ، وأن لا يستعان بشيءٍ من نعمه على معاصيه .

والحِكَمِ : جمع حِكْمة ، وهي : اسم جامع لكل ما يمنع من الوقوع في الخطأ ، وذلك بوضع كل شيء في مكانه المناسب من جميع الوجوه ، وهذا في حق من له الكمال المطلق سبحانه وتعالى .
الباهرةِ : أي المدهشة للعقول لعظمتها ودقتها .
والحِكَمِ الباهرةِ الكثيرةْ: يعني أن حكمه تعالى كثيرة تبهر العقول ، وتتعجب منها غاية العجب ، فإن جميع مخلوقاته ومأموراته مشتملة على غاية الحكمة .
ومَنْ نظر في هذا الكون وعجائبه وسمائِه وأرضه ، وشمسه وقمره ، وكواكبه وفصوله وحَيَوانِهِ ، وأشجاره ونباته ، وجباله وبحاره ، وجميع ما يحتوي عليه ، رأى فيه العجائب العظيمة ، ويكفي الإنسان نفسه ، فإنه إذا نظر إلى كل عضو من أعضائِه علِمَ أنه لا يصلح في غير مَحَلِّهِ .

فإذا أردت أن تكون حكيمًا ، فيجب أن تفهم هذا ، وتضع الأمور في أماكنها ، كما يحب الله ويرضى ، وهذا فضل من الله ، قال تعالى "يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا " . سورة البقرة / آية : 269 .

رسالة القواعد الفقهية / السعدي / ص : 6 / بتصرف . وشرحها للدكتور / مصطفى كرامة مخدوم .

o تعقيب :

من حِكَم الله ما لا يدركه العباد ، ولكن المتقرر عند أهل الإيمان قولاً وعملاً واعتقادًا أن أحكام الله لها حِكم ومصالح ، وأن على العبد الانقياد والتسليم ـ للأحكام الشرعية ـ سواء ظهرت له الحكمة أو لم تظهر له .
منظومة القواعد الفقهية ... / شرح : عُبيد الجابري .

===============
3 ـ ثُمَّ الصلاةُ مَعْ سلامٍ دائمِ* على الرسولِ القُرَشِىِّ الخَاتِمِ

4 ـ وآلهِ وصحبهِ الأبرارِ * الحَائِزِي مراتبَ الفَخارِ
ثُمَّ: حرف عطف ، هذا عطف جملة على جملة ، وليس عطف مفرد على مفرد .القواعد الفقهية ... / شرح : عُبيد الجابري . الصلاةُ مَعْ سلامٍ : الثناء والذكر الجميل ، وكذلك الدعاء
إذا تأمل الإنسان كلام العرب ، وراعاه كله ، وجد أن المراد بالصلاة : الثناء والذكر الجميل ، وأنه لا يُراد بلفظ الصلاة في جميع المواطن الدعاء . يدل على هذا أن بعض النصوص الواردة في الصلاة لا يمكن أن تُفسر بالدعاء ، مثل : نسبة الصلاة لله ـ عز وجل ـ " هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ " سورة الأحزاب / آية : 43 ، لا يمكن أن يُقال هو الذي يدعو .
ثم أيضًا إن الدعاء يتعدى باللام ـ دعا فلان لفلان ـ ، بينما الصلاة تتعدى بلفظ على .
لذلك فإن الأظهر ـ هنا ـ أن يُراد بلفظ الصلاة الثناء والذكر الجميل .
مَعْ سلامٍ: بمعنى التحية ، كما يأتي أيضًا بمعنى السلامة من النقص .
وقول البعض : إن المراد بالصلاة من الله الرحمة ، هذا قول مرجوح ، فإن النصوص الشرعية جاءت بالتفريق بين الصلاة والرحمة ، والله سبحانه جمع بينهما في قوله تعالى :
" أُولَئكَ عَليْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمةٌ " سورة البقرة / آية : 157 .
والأصل في العطف إفادة المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه . وهذا الأصح ، وقد رواه البخاري تعليقًا :
قال البخاري في صحيحه معلَّقًا : قال أبو العالية : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء .
صحيح البخاري . متون / ( 65 ) ـ كتاب : تفسير القرآن / ( 10 ) ـ باب : قوله" إن الله وملائكته يصلون ... " سورة الأحزاب ( آية : 56 ) / ص : 577 .
فالصلاة من الله : هي ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى ففيها حصول الخير ، وصلاتنا وسلامنا على الرسول : فهي دعاء الله بأن يذكر رسولنا بالثناء الجميل والمحامد في الملأ الأعلى وأن يسلمه ويدفع عنه الشر والآفات والنقائص .
والأولى عند ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الجمع بين الصلاة والسلام ، لظاهر قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" .سورة الأحزاب / آية : 56 .
حيث أمرنا بالفعلين الصلاة والسلام عليه .
على الرسولِ : الرسول هو من أُوحِيَ إليه بشرع وأُمر بتبليغه .
أما النبي : من بُعِثَ لتقرير شرع مَنْ قَبْله ، وهو بالطبع مأمور بتبليغه ، إذ من المعلوم أن العلماء مأمورون بذلك والأنبياء بذلك أولى كما لا يخفى .
شرح العقيدة الطحاوية ـ تحقيق الألباني / ص : 38 / بتصرف .
القُرَشِىِّ : أي المنسوب إلى قريش ، وهم بنو النضر بن كنانة ، فكل من كان من ولده فهو قرشي ، وهذا هو الراجح من أقوال أهل النسب لقوله صلى الله عليه وسلم :" نحن بنو النضر بن كنانة ، لا نَقْفوا أُمَّنَا (1) ، ولا ننتفي مِن أبينا " .
سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 20 ) ـ كتاب : الحدود / ( 37 ) ـ باب :من نفى رجلاً من قبيلته / حديث رقم : 2612 / ص : 444 / حديث حسن .
( 1 ) لا نَقْفوا أُمَّنَا : أي لا نتبع أُمَّنا في النسب ، لأن الولد ينسب لأبيه دون أمه .
القواعد الفقهية ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
الخَاتِمِ: الذي ختم الله به أنبياءَه ورسله ، فلا نبي بعده .
قال تعالى" مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبيِينَ " . سورة الأحزاب / آية : 40 .
* عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أنا خاتم الأنبياء ... " .
رواه البزار ، وقال الشيخ الألباني : صحيح لغيره في : صحيح الترغيب والترهيب / ج : 2 / ( 11 ) ـ كتاب : الحج /( 14 ) ـ باب : التغيب في الصلاة في المسجد الحرام / حديث رقم : 1175 / ص : 45 .
الخاتم ، هذا وصف للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والخاتِم بكسر التاء اسم فاعل ، فكأنه قد جاء آخر الرسل ، والخاتَم بفتح التاء اسم آله ، كأنه قد خُتمت به الرسالة فإن قال قائل : إن عيسى ـ عليه السلام ـ سيأتي في آخر الزمان ، فكيف يوصف محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه خاتم الرسل ؟! والجواب على ذلك :
أن عيسى ـ عليه السلام ـ قد تقدم زمانه ، ثم إن عيسى ـ عليه السلام ـ لا يأتي بصفة كونه نبيًّا ، وإنما يأتي بصفة كونه عبدًا متبِعًا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا يأتي بشرع جديد ، وإنما يكون متبِعًا لهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
القواعد الفقهية ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
وآلهِ : صلى المؤلف أيضًا على آل النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ويكون بذلك متبِعًا لهدي النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ؛ فإن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كان قد أمر أصحابه في التشهد بالصلاة عليه وعلى آله ، ولذلك نقول : اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد .
و " الآل " في لغة العرب يراد بها عدد من المعاني ، منها القرابة . فآل فلان قرابته ، ويراد به الأتباع ، فيُقال آل فلان بمعنى أتباعه ، ولذلك فُسر قوله ـ عز وجل ـ " ... أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ".سورة غافر / آية : 46 ، فإن المراد بآل فرعون هنا أتباعه لأن مِنْ قرابة فرعون من هداه الله عز وجل ودخل في دين الإسلام .
القواعد الفقهية ... / شرح : سعد بن ناصر الشثري .
آله : وآل النبيّ على الراجح هم : أتباعه على دينه إلى يوم القيامة ، فيدخل فيهم الصحابة ، فيكون عطفهم عليهم من باب عطف الخاص على العام ، لمزيتهم وشرفهم بالعلم النافع والعمل الصالح والتقَى الذي أوجب لهم مفاخر الدنيا والآخرة رضي الله عنهم .
رسالة القواعد الفقهية / السعدي / ص : 7 / بتصرف .
والغالب في: الآل : أنه لا يضاف إلا إلى ما فيه شرفٌ ، فلا يُقال : آل الزَّبال ، ... .
منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
وصحبهِ : الصحب اسم جمع لصاحب . كركب جمع راكب ، وهو في اللغة المُعَاشِر الملازِم .
والمراد : الصحابي ، والصحابي هو من لقي النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مؤمنًا به ولو لم تطل صحبته ، ومات على ذلك ، ولو تخللت ذلك رِدة بعدها إسلام ، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ـ أما غيره من الناس فإنه لا يكون صاحبًا إلا من لازمه مدة يستحق بها أن يقال صاحب ـ ، أما لو مات على ردته فهو كافر ولا يسمى صحابيًّا ، فمن مات على الكفر فهو صاحب إبليس وليس صاحب محمد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
وهنا على القول بأن آل النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أتباعه عى دينه ، فعطف الصحابة من عطف الخاص على العام ، وفي الجمع بين الصحب والآل مخالفة للمبتدعة لأنهم يوالون الآل دون الصحب وقد جاءت النصوص في فضل الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وبيان مكانتهم ، ومنزلتهم .
قال تعالى " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعوهُم بِإِحْسانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنهُ .". سورة التوبة / آية : 100 .
وقال تعالى" مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا " . سورة الفتح / آية : 29 . إلى غير ذلك من النصوص .
الأبرارِ : الأبرار جمع " بارّ " وهو كل مؤمن جَمع بين الإخلاص والصدق في الأقوال والأعمال ، فهم اتصفوا بذلك ، إيمان مع صدق وإخلاص ـ رضوان الله عليهم ـ .
منظومة ... / شرح : عبيد الجابري .
الحَائِزِي مراتبَ الفَخارِ : " الحائزي " : حاز الشيء جمعه . " المراتب " : جمع مرتبة وهي المنزِلة . " الفخار " : جمع مفخرة وهي المأثرة والمنقبة وقيل الشرف .
وشرف الصحبة لا يعدلُه شرف ، فأصحاب محمد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ اجتمع لهم من الشرف والمآثر والمناقب ما لا يجتمع لغيرهم ألْبتة . ومن تلكم المناقب :
1ـ السبق بالإسلام . 2 ـ تمام الاتباع .
3 ـ أنهم هم صفوة الأمة .
4ـ العدالة ، فالصحابة كلهم عدول ، ولهذا نص علماء المصطلح على أن جهالة الصحابي لا تضر ، فإذا قال الثقة : حدثني من صحب النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أو رجل من صحب النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فلا نبحث . أما مَنْ دون الصحابة من الناس يبحث في حاله من حيث الثقة والضعف والكذب . وأما الصحابة فلا يُبحث عن أحوالهم ، فهم عدول ، ورضي الله عنهم ليوم القيامة ويُقال في من دون الصحابة من الأسانيد : هذا على شرط الشيخين أو على شرط ...
منظومة القواعد ... / شرح : عبيد الجابري / بتصرف .

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 09-21-2017, 05:30 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,356
Arrow

5 ـ اعلَم ـ هُدِيتَ ـ أَنَّ أفضلَ المِنَنْ * عِلمٌ يُزيلُ الشَّكَ عَنْكَ والدَّرنْ

6 ـ وَيكْشِفُ الحقَّ لذي القلوبِ * وَيُوصِلُ العَبْدَ إلى المَطْلوبِ
إن الله عز وجل امتن على عباده بنعم كثيرة ، ومن أفضل وأعظم ما مَنَّ الله تعالى به على عبده هو العلم النافع . لذا قال الناظم :
اعلَم هُدِيتَ :هذه الجملة مشتملةعلى: " التحريض " وهو قوله " اعلَم " ، ومشتملة أيضًا على " الدعاء " وهو قوله " هُديتَ " ، أي اعلم هداك الله .
هُدِيتَ : دعاء له بالهداية ، وهي التوفيق .
فإذا اجتمع هذان الأمران في خطاب ، فهو مبالغة في الحث والتحريض .
والدعاء لطالب العلم بالتوفيق والخير فيه تأليفٌ لقلوب الطُّلاب على مشقة العلم والصبر على تحصيله ، وهو من أخلاق العلماء ، ودعاء العالم الصالح من مظان الإجابة . والأصل فيه قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابن عباس ـ رضي الله عنهما " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل".
* ..... عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنه سكب للنبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وَضوءًا عند خالته ميمونة فلما خرج قال " من وضع لي وَضوئي ؟ "

قالت : ابن أختي يا رسول الله ، قال " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " .
أخرجه الطبراني ، وصححه الشيخ الألباني في : سلسلة الأحاديث الصحيحة / ج : 6 / حديث رقم : 2589 / ص : 173 .
أفضلَ المِنَنْ : أي : أحسن النعم التي وهبها الله للعبد بعد نعمة الإيمان .و " المنن " مِنَّة وهي النعمة ، مَنَّ اللهُ عليَّ بكذا ، أي أنعم عليَّ بكذا .
قال تعالى" لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ " .سورة آل عمران / آية : 164 .
أي : أنْعَم . وإذا قلتَ " منَّ " عني بكذا معناه : قطع .
عِلمٌ يُزيلُ الشَّكَ عَنْكَ والدَّرنْ :قام الناظم هنا ببيان منزلة العلم ، وأن العلم نعمة من النعم التي ينعم الله بها على عباده ، وقد جاءت النصوص متواترة في بيان فضل العلم ، ومكانته ، ومنزلته ، منها قوله سبحانه :
" هلْ يَستَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ " .سورة الزمر / آية : 9 .منظومة القواعد ... / شرح : عبيد الجابري / بتصرف .
وضابط العلم النافع هو : إنه يزيل عن القلب شيئين :
الشك والدرن .
العلم هو : إدراك الشيء على ما هو عليه في الواقع .
الشك هو : التردد ، وضده اليقين ، والمراد به مرض الشبهات .
والدرن هو : القّذَرُ وزنًا ومعنى ، والمراد به هنا مرض الشهوات .
والمرض قسمان : حسي ، ومعنوي .
أما الحسي : فهو اعتلال البدن بالأمراض .
والمعنوي نوعان :
مرض الشبهات: وهي الأباطيل التي تُشبه الحق ، سُميت بذلك لشبهها بالحق ، ومنه قوله تعالى " هُوَ الّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنا وَما يذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ " .سورة آل عمران / آية : 7 .
2 ـ مرض الشهوات (1) : وهي الغرائز المحرمة كالزنا .
( 1 ) الشهوة : المقصود بها هنا : حب المعاصي .

ومنه قوله تعالى " فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ " .سورة الأحزاب / آية : 32 .
وقد يجتمعان في العبد ، وقد ينفرد أحدهما .
فضابط العلم النافع هو ما أزال عن القلب : الشبهة ، والشهوة . لأن الشبهات تورث الشك ،وأما الشهوات فتورث درن القلب وقسوة القلب ، وتثبيط البدن عن الطاعات .
فإذا أزال العلم النافع الشبهة والشهوة حل محل الأول اليقين الذي هو ضد الشك ، وحل محل الثاني الإيمان التام الذي يوصل العبد إلى المطلوب من رضا الله ـ عز وجل ـ ، وكلما ازداد الإنسان علمًا حصل له كمال اليقين وكمال الإرادة وكمال الخشية ، قال تعالى "إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَماءُ ".سورة فاطر / آية : 28 .
وإذا كان العلم بهذه المنزلة وبهذه المثابة فإنه ينبغي للإنسان أن يحرص على طلبه وأن يستزيد من طلب العلم ،وكذلك لم يسأل النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ المزيد من شيء إلا من العلم كما أمره ربه سبحانه، قال تعالى "وَقل رَّبِّ زِدْني عِلْمًا"سورة طه / آية : 114 .
القواعد الفقهية ... / خالد الصقعبي / بتصرف .
فما العلاج ؟ !
مرض الشبهات : يعالج باليقين (1) .
( 1 ) باليقين : أي بالعلم ليتضح الحق الذي يؤدي إلى اليقين.
ومرض الشهوات : يعالج بالصبر (2) .
( 2 ) بالصبر : أي بالصبر عن المعصية ، والصبر على الطاعة
وبهما تُنالُ الإمامةُ في الدين ؛ قال تعالى"وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ " .سورة السجدة / آية : 24 . وجمع الله بينهما في قوله تعالى" إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ". سورة العصر / آية : 3 .
فالحق يدفع الشبهات ، والصبر يكف عن الشهوات . فضابط العلم النافع : هو العم الذي يزيل عن صاحبه الشبهات والشهوات .
ودرجات اليقين ثلاثة : كل واحدة أعلى من الأخرى : علم اليقين ، وعين اليقين ، وق اليقين .
فعلم اليقين : كعلمنا الآن الجنة والنار .
وعين اليقين : إذا ورد الناس القيامة . قال تعالى "وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ* وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ " .سورة الشعراء / آية : 90 ، 91 . فرأَوهما قبل الدخول .
وحق اليقين : إذا دخلوهما. الدرة المرضية شرح منظومة / ص : 32 .
وثمرة العلم النافع : أن يكشف الحق لذي القلوب ويوصل العبد إلى المطلوب ، من رضا الله .

لذا قال الناظم :
6 ـ وَيكْشِفُ الحقَّ لذي القلوبِ* وَيُوصِلُ العَبْدَ إلى المَطْلوبِ
يكْشِفُ : أي يظهر ويُبرِز .
الحقَّ : هو الثابت واللازم من العلم النافع ـ وضده الباطل وهو الزائل .
لذِي القلوبِ : الأصل أن يقالَ : لذوي القلوب بالجمع ، لكن مراعاة الوزنِ يوقعُ في هذه المضايق .
لذِي القلوبِ : أي لأصحاب القلوب الواعية ، لأن القلوب قسمان : قلوب واعية وهي المستعدة لقبول الحق ، وقلوب منكوسة وهذه لا يصل إليها من الحق شيئًا ، أعمتها الأهواء والفتن حتى أصبحت لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا إلا ما أُشربت من الهوى .
القواعد الفقهية شرح : عبيد الجابري .منظومة القواعد ... / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم .
والمراد بذوي القلوب : أصحاب العقول ، والقلب يطلقُ على العقل ، كقوله تعالى" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَن كانَ لَهُ قَلْبٌ ... " .سورة ق / آية : 37 .
أي : عقل ؛ لأن القلب محل الفهم والإدراك ، كما قال تعالى "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا " . سورة الأعراف / آية : 179 .
فأُضيف كل عمل إلى آلته وأداته .
وَيُوصِلُ العَبْدَ : أي يُبْلِغُه . والعبد يطلق على ثلاثة معانٍ ؛ كما ذكره الراغب الأصفهاني :

1 ـ عبدٌ بحكم الشرع : وهو الإنسان الذي يصحُّ بيعه ، ويُقابله الحُرُّ ، ومنه قولُه تعالى "وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ" . سورة البقرة / آية : 178 .
2 ـ عبدٌ بالإيجاد : وهو كل من أوجده اللهُ تعالى ، فيشمل المخلوقات جميعًا ، كما قال تعالى "إن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ".سورة مريم / آية : 93 .
3 ـ عبدٌ بالطاعة والعبادة ، وهو نوعان :
أ ـ عبدٌ لله تعالى : وهذه عبودية شرف ، ومنه قوله تعالى " وَعِبادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا" . سورة الفرقان / آية : 63 .
ب ـ عبدٌ لغير الله : وهذه عبوديةُ ذِلَّةٍ ومَهانةٍ ، ومنه الحديث : تَعسَ عبد الدينار .
* فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال " تعس عبدُ الدينار والدرهم والقطيفة والخميصةِ إن أُعطِىَ رضيَ ... ، وإن لم يُعْطَ لم يرض " .
صحيح البخاري . متون / ( 56 ) ـ كتاب : الجهاد والسير / ( 70 ) ـ باب :الحراسة في الغزو في سبيل الله / حديث رقم : 2886 / ص : 340 .
والعبد في البيت المذكور ؛ من الإطلاق الثاني ، وهو العبدُ بالإيجاد الشامل للمعاني الأخرى .

وأصل مادة " عبد " يدل على التذليل ، كما تقول العرب : طريق مُعبَّد أي : مُذَلَّل .
وتقول : عَبَّدْتُ فلانًا ، أي : ذللتُه واتخذتُه عبدًا ، ومنه قوله تعالى "أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ".سورة الشعراء / آية : 22 .
المَطْلوبِ : أي المقصود .
ففي هذا إشارة إلى أن العلم ليس مقصودًا لذاته ، وإنما يُطلبُ للوصول به إلى العمل ورضا الله تعالى ورِضوانه ، كما قيل : هتف العلمُ بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل .
منظومة القواعد الفقهية / للسعدي / شرح : د . مصطفى كرامة مخدوم / بتصرف .
o مستخلص ووقفة :
المعنى الإجمالي للبيتين : اعلم وفقك الله أن منن الله على العباد كثيرة ، وأفضل ما منَّ الله على عبده ـ بعد نعمة الإيمان ـ العلم النافع ، وهذا هو الخير الذي أشار إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
* ..... قال : سمعتُ معاوية بن أبي سُفيان ، وهو يخطبُ يقول : إني سمعتُ رسولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول " من يرد الله به خيرًا يفقهْهُ في الدين ، وإنما أنا قاسم ويعطي اللهُ " .
صحيح مسلم . متون / ( 12 ) ـ كتاب الزكاة / ( 33 ) ـ باب : النهي عن المسألة /حديث رقم : 100 ـ ( 1037 ) / ص : 245.
وكل مسلم يفقه في الدين ، فمن مات على التوحيد له نصيب من هذا الحديث ، فهو يفقه شيئًا في الدين ، وليس معنى ذلك أنه يفقه كل شيء ، ويتفاوت الناس ي ذك زيادة ونقصًا .
فهذا الحديث يجعلك تجتهد في تحصيل الفهم في دينك ، والفهم مِنَّة من الله سبحانه وتعالى .
لذا كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسأل الله العلم النافع ، ويتعوذ من العلم الذي لا ينفع .
الدرة المرضية في شرح منظومة القواعد الفقهية / ص : 31 .
* عن أم سلمة ، أن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كان يقول إذا صلى الصبح حين يُسلِّمُ :
" اللهم ! إني أسألُك علمًا نافعًا ، ورزقًا طيبًا ، وعملاً مُتَقبَّلاً " .سنن ابن ماجه المجلد الواحد / تحقيق الشيخ الألباني / ( 5 ) ـ كتاب : إقامة الصلوات والسنة فيها / ( 32 ) ـ باب : ما يُقال بعد التسليم / حديث رقم : 925 / ص : 170 / صحيح .
* عن كثير بن قيس ؛ قال : كنت جالسًا عند أبي الدرداء في مسجد دمشق ، فأتاه رجل ، فقال : يا أبا الدرداءِ ! أتيتُك من المدينة ـ مدينة رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ . لحديث بلغني أنك تُحدث به عن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال : فما جاء بك تجارةٌ ؟ . قال : لا . قال : ولا جاء به غيرُهُ ؟ قال : لا .
قال : فإني سمعتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول " من سلك طريقًا يلتمسُ فيه علمًا سَهَّل الله له طريقًا إلى الجنة ، وإن الملائكةَ لتضعُ أجنحتها رضًا لطالب العلم ، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضلِ القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء هم ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا ، وإنما ورَّثوا العلم ،
فمن أخذه أخذ بحظ وافر (1)" .
سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 17 ) ـ باب : فضل العلماء والحث على طلب العلم / حديث رقم : 223 / ص : 56 / صحيح .
( 1 ) الحظ الوافر : النصيب الوافر . حاشية سنن ابن ماجه / ص : 56 .
ما هو العلم المقصود ؟
هو العلم النافع الذي يزكي النفس ويوَلِّد فيها خشية الله تعالى فتسري منها إلى سائر الجوارح ، ويثمر العمل الصالح الذي ينال به رحمة الله تعالى والجنة .
حاشية اللآليء والدرر السعدية / ص : 47 .
* عن زيد بن أرقم ، قال لا أقولُ لكم إلا كما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول : كان يقول " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ، والجبن والبخل ، والهَرَمِ ، وعذاب القبر . اللهم آتِ نفسي تقواها ، وزكِّهَا أنت خيرُ من زكاها ، أنت وليُّهَا ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفسٍ لا تشبع ، ومن دعوة لا يُستجاب لها " .
صحيح مسلم . متون / ( 48 ) ـ كتاب : الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار / ( 18 ) ـ باب :التعوذ من شر ما عمل ، ومن شر ما لم يعمل / حديث رقم : 73 ( 2722 ) / ص : 689 .
تعوذ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من علم لا ينفع ، لتعدد أنواع العلوم فمنها :
أ ـ علوم ضارة ضررًا محضًا ، أو شرها أعظم من خيرها .
كعلوم السحر ، وتعلم الباطل بغير بصيرة بالحق .
ب ـ ومنها علوم مباحة وهي التي تُشغل العبد عن العلوم النافعة في دينه .
ج ـ ومنها العلم الشرعي الذي لا يعمل به صاحبه ، يعرف الخير فيتركه ويعرف الشر فيقتحمه .
د ـ أما العلوم النافعة فهي علوم الدين ، وما أعان عليها من علوم الآلة . بشرط أن تثمر هذه العلوم خشية الله ، وتثمر الخشية العمل الصالح الذي ينال به رضا الله .
اللآليء والدرر السعدية / للسعدي / ص : 48 / بتصرف .
س : من هو القلب الخاشع ؟
القلب الخاشع هو الذي يخاف ويضطرب عند ذكر الله سبحانه وتعالى ، ثم يلين ويطمئن ويركن إلى حمى مولاه ، فمن كان كذلك ، كان قلبه محلاً لنور الله الذي يجعله الله في قلب عبده فرقانًا بين الحق والباطل .
[ ونور القلب الخاشع هو العلم النافع ] .
حاشية : اللآليء والدُّرر السعدية / للسعدي / ص : 47 / بتصرف .
فندعو بما علمنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
* فعن أبي هريرة قال : كان رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقول " اللهم ! انفعني بما علمتني ، وعلمني ما ينفعني ، وزدني علمًا " .
سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 23 ) ـ باب :
الانتفاع بالعلم والعمل به / حديث رقم : 251 / ص : 61 / صحيح .
* وصية الرسول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بطلبة العلم :
عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال " سيأتيكم أقوامٌ يطلبون العلمَ ، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم : مرحبًا مرحبًا بوصية رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، واقنوهم " . قلتُ للحَكَم (1) : ما " اقنوهم " ؟ . قال : علموهم .
سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 22 ) ـ باب :
الوصاة بطلبة العلم / حديث رقم : 247 / حسن .
( 1 ) الحَكَم : من رجال هذا السند [ ... قال حدثنا الحَكَمُ بن عبدَةَ ، عن أبي هارون العبديّ ، عن أبي سعيد الخدري ] .
ـ وحاصل ذلك أن العلم : شجرة تثمر كل قول حسن وعمل صالح ، والجهل شجرة تثمر كل قول وعمل خبيث
وإذا كان العلم بهذه المثابة فينبغي للإنسان أن يحرص كل الحرص ، ويجتهد كل الاجتهاد في تحصيله ، وأن يديم الاستعانة بالله في تحصيله ، ويبدأ بالأهم فالأهم.
ومن أهمه معرفة أصوله وقواعده التي ترجع مسائله إليها .
رسالة القواعد الفقهية / للسعدي / ص : 8 / بتصرف .
لذا قال الناظم ـ رحمه الله ـ :
فاحرص على فهمك للقواعد ... .

رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 11:34 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر