|
#1
|
||||
|
||||
![]() " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " الكهف:28 وفيه درس عظيم : أن الإنسان بحاجة إلى التذكير وإن كان قوياً فالمصباح مع المصباح أكثر إنارة للطريق والمصباح الواحد قد تضعف إنارته في أي لحظة ولو كان قوياً .والحذر الحذر فقد يغتر الإنسان ويشعر بأنه لا حاجة إلى التذكير أو يغفل عن ذلك فيحتاج إلى التنبيه مهما بلغ .فذلك من الزاد والتزود في السير إلى الله والدار الآخرة .وفيه تربية للنفس على الافتقار والضعف والتواضع . * "يُرِيدُونَ وَجْهَهُ "أي مخلصين له في أقوالهم وأفعالهم . أهل الفضل والعقول الراجحة والقلوب النيرة بنور الله وهديه ، وهذه صفات قوة وتكون سبباً في القوة .والإخلاص من أعظم أسباب القوة وبه تكون الفتوحات والبركات . والذكر يعطي الإنسان قوة في إيمانه وبدنه وتحمله المتاعب والمصائب ويعينه على طاعة الله ويحفظه من المعاصي والشرور وقد ذكر ابن القيم رحمه الله مائة فائدة للذكر في وابله الصيب . وفي الآية درس عظيم وهو الوصية بملازمة أهل الإخلاص وحسن السريرة والطوية ، فبملازمتهم يكون الفلاح والنجاح والتربية والتزكية والسير على خطاهم والاقتفاء بآثارهم...ونيل بركة صلاحهم والتأثر بهم .ولذا كان لزامًا على الإنسان أن يبحث في هذه الدنيا على من يعينه على أمر دينه من صديق صالح وزوجة صالحة والفتاة كذلك تبحث عن زوج صالح يعينها على أمر دينها. وهذا فيه درس عملي وتطبيقي بالمباشرة في الملازمة لأهل الذكر والإخلاص لأن ذلك أبلغ في التأثير من الدروس النظرية . فالحذر كل الحذر من التعالي واحتقار الآخرين فقد يستفيد الإنسان ممن هو دونه منصبًا وجاهًا وعلمًا ونسباً وشرفًا ، فالمسألة أعظم من كل ذلك وهي تحقيق الإخلاص والعبودية لله والافتقار إليه وملازمة ذكره .. وفيه درس آخر وهو : تحذير من العزلة ولاسيما من يخشى عليه من العزلة والانفراد فلم يأمر الله نبيه بترك أهل الدنيا والانعزال عموماً بل أمر بمجالسة و مخالطة أهل الصلاح والذكر . وفيه درس : وهو أن الإنسان قد يتأثر سلبًا فتدخله الشهوة والشبهة بمجالسة من هو دونه علمًا وإيمانًا وسلوكًا وتربية وسنًا وولاية وهذا أمر مشاهد وواقع بين الأخ وأخيه والصديق وصديقه والزوجة وزوجها .فالحذر الحذر .
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
إن كثيرًا من الناس حينما يأتي الحديث عن التحذير من مجالسة أصدقاء السوء والهوى يظن أن ذلك الحديث هو موجه للمراهقين وحدثاء السن والعقول والصغار من بنين وبنات وهو مفهوم خاطئ ...ولذا اغتر كثير من الناس بنفسه فتأثر وانزلق في كثير من المخاطر وتأثر وتلوث بالشهوات والشبهات التي تقذف في القلوب بسبب مجالسة أهل الأهواء والشبه خطافة والقلوب ضعيفة .
"وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"الأنعام 103 قال ابن سعدي "الخوض هو التكلم بما يخالف الحق، من تحسين المقالات الباطلة، والدعوة إليها، ومدح أهلها، والإعراض عن الحق، والقدح فيه وفي أهله " ولاشك أن الشريعة لها مغزى عظيم في النهي عن المجالسة من تشرب الباطل وتلبيس الحق والتشكيك فيه وقذف الشبه والشبه تخطف بالقلوب ومناصرة أهل الباطل وظنهم أنهم على الحق بمجالستهم .. من جاور الشر لايأمن عواقبه --- كيف الحياة مع الحيات في سفط ياساميًا : إياك إياك أن تمنح قلبك وعقلك ليضرب ويقتل بمعاول الهدم . ثم يأتي التحذير"وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ " لا تنصرف وتتجاوزهم -أي أهل الذكر- لأهل الدنيا والبهرجة والصور وأشرافها وأغنيائها "تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" لأجل زينة الدنيا . أخي المتدبر : اعلم علم يقين لاشك فيه ولا ارتياب بل حق يقين وعين يقين أن العبرة بما عليه أهل الذكر لا أهل الدنيا ..والنفس حينما تقبل على أهل الدنيا تضعف وتتعلق بالدنيا وتشرئب النفوس لها وترتفع الأعناق وتمتد الأيدي إليها ويعلق التفكير بها ثم يضعف في سيره .والتحذير كل التحذير ممن تغره نفسه فيظن أن لن يفتن بالدنيا وأهل الدنيا .. وكم من مفتون وقع في الفتنة وهو لا يشعر فاغتر وضعف وفتن فأصيبت مقاتله عياذاً بالله . وتجد قومًا ...ما إن يفكروا في الطريق إلى الثراء أو انتظار مرتبة عالية أو رئاسية أو الحصول على وظيفة مرموقة فيبدأ التفكير الشيطاني أو شياطين الإنس يأزونه أزًا ويقنعونه بأن ذلك لن تصل إليه إلا إذا بدأت تتنازل عن كثير من أمور دينك وأن في ذلك مصلحة عظمى للدين والبلد ..فيبدأ يغير من سلوكياته التي تصنفه للرآئي بأنه مستقيم ومن أهل الصلاح حتى يكون له قبول لدى أهل الدنيا وفي مجالسهم وحينئذ يبدأ مسلسل التنازلات والانهزامية وإذا بدأ فكيف يقف ؟؟ ولا تعجب حينئذ حين المناقشة والمجادلة في إيجاد التبريرات وقوتها وإلباسها بلباس المصالح والمفاسد وغير ذلك . فهل يوجد عند الإنسان أعظم وأغلى وأعز من دينه ؟ لكي يبيعه في أقرب سوق لبيع المبادئ وعند أدنى هزة لأجل لعاعة ومتاع دنيا عياذًا بالله .بل المصيبة أن يوجد مزاد وتصويت لبيع المبادئ .في زمن المنهزمين والضعفاء والجبناء تراه يشفق من تضييع درهمه وليس يشفق من دين يضيعه هنا أسئلة للتدبر لماذا قال تعالى : واصبر ولم يقل وصبر بالشدة على الباء ؟ولماذا قابل الصبر مع الذين يدعون ربهم بمعصية من أغفلنا قلبه.. فقال ولا تطع من أغفلنا قلبه ؟ وهل يدل ذلك على أنك تحتاج في صبرك إلى غيرك حتى قال تعالى : اصبر نفسك مع... ؟ وهل يدل على أن تمام الطاعة لله تعالى صبرك مع الذين يدعون ربهم ؟ ووضوح المعصية في طاعة من أغفلنا... ؟ ثم لماذا لما وصف الذين يدعون ربهم لم يستعمل واو العطف فقال : يدعون... يريدون... ولم يقل : يدعون... ويريدون... ؟ فلما تكلم عن من أغفلنا قلبه.. قال.. أغفلنا... واتبع... وكان ؟ ولماذا قال تعالى : أغفلنا قلبه ولم يقل : غفل قلبه... ؟ ولماذا قال تعالى : واتبع هواه، ولم يقل : وأتبعناه هواه كما قال أغفلنا قلبه ؟ ولماذا قال تعالى واصبر نفسك.. ولم يقل اصبر قلبك ؟ ثم لماذا ذكر العينين فقال ولا تعد عيناك عنهم ؟ يغفر الله لي ولكم ملتقى أهل التفسير هنا الأخوة في الله .. حقوق وواجبات
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]()
الأخوة في الله .. حقوق وواجبات
• أولاً: مفهوم الأخوة الإيمانية 1- الأخوة الإيمانية امتداد لمحبة الله وتوحيده: ثبتت رابطة الاخوة بين المؤمنين بقوله تعالى ذكره {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: 10)، فمفهوم الأخوة الإسلامية هي امتداد لمحبة الله تعالى وتوحيده، فالمحبة والموالاة للمؤمنين هي لازم لمحبة الله وموالاته، فمن أحب الله وولاه لابدّ أن يحب من يحبه الله سبحانه وتعالى ومن يقرب من الرسل والصديقين والمؤمنين. يقول الله سبحانه وتعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} (التوبة: 71).2- الأخوة الإيمانية أخوة في طريق تعمير الأرض وتحرير الإنسان: مما يميز الأخوة الإيمانية كذلك أنها لقاء بين الموحدين على مهام عظيمة، وأعمال كبيرة، تسمو بالمسلم إلى المهمة الأصيلة في تعمير الأرض بالخير، ونشر العدل في الأرض. وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصحابة الكرام من مهاجرين وأنصار في رباط أخوة إيمانية، أبدعت نواة لدولة حضارية عمّرت الأرض بمنهج الله تعالى. 3- الأخوة الإيمانية أخوة فوق كل العصبيات الأرضية كمثل الجسد الواحد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم ، مَثلُ الجسدِ . إذا اشتكَى منه عضوٌ ، تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى» الراوي: النعمان بن بشير المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2586 خلاصة حكم المحدث:صحيح الدرر السنية فهي فوق أخوة النسب، وهي فوق أخوة القبيلة، وهي فوق أخوة الوطن…فوق كل الأخوات الأرضية… تسمو عليها وترتقي لتلتقي على نفحة الوحي السماوية. • ثانياً: فضل التآخي بالله والتحابب فيه: 1- الأخوة في الله نعمة الله وفضله: يقول الله سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (آل عمران: 103). فجعل المولى عز وجل الأخوة منحة إلهية، ونفحة ربانية يهبها الله للمخلصين الصادقين، يمحى بها الأحقاد الجاهلية ويزيل بها العداوة والبغضاء فتتوحد القلوب، وتتآلف النفوس على المنهج الواحد، والعقيدة والواحدة. 2- الأخوة في الله طريق لمحبة الله تعالى: تحصيل محبة الله تعالى غاية قلوب الموحدين، وقد بينت النصوص أن محبة الله تعالى تتحصل بمحبة الإخوان وحسن عشرتهم ومواساتهم وموالاتهم والتزاور بينهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم 1 -« أنَّ رجلًا زارَ أخًا لَهُ في قريةٍ أخرى ، فأرصدَ اللَّهُ لَهُ ، على مَدرجَتِهِ ، ملَكًا فلمَّا أتى عليهِ ، قالَ : أينَ تريدُ ؟ قالَ : أريدُ أخًا لي في هذِهِ القريةِ ، قالَ : هل لَكَ عليهِ من نعمةٍ تربُّها ؟ قالَ : لا ، غيرَ أنِّي أحببتُهُ في اللَّهِ عزَّ وجلَّ ، قالَ : فإنِّي رسولُ اللَّهِ إليكَ ، بأنَّ اللَّهَ قد أحبَّكَ كما أحببتَهُ فيهِ» الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2567-خلاصة حكم المحدث: صحيح الدرر السنية 3- المتآخون في الله في ظل الله تعالى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - « إنَّ اللَّهَ يقولُ يومَ القيامةِ : أينَ المُتحابُّونَ بجلالي ، اليومَ أظلُّهم في ظلِّي . يومَ لا ظلَّ إلَّا ظلِّي» الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2566-خلاصة حكم المحدث:صحيح الدرر السنية 4- منازل المتآخين في الله غبطة الأنبياء والشهداء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ قَالَ هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (رواه أبو داود). الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 3527 خلاصة حكم المحدث: صحيح الدرر السنية 5- الأخوة في الله طريق لحلاوة الإيمان واستكمال عراه: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ وَأَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَنْكَحَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ» (رواه الترمذي). ويقول صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» (متفق عليه). ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (متفق عليه). • ثالثاً: حقوق وواجبات الأخوة الإيمانية الأخوة الإيمانية واجب ديني فعلى كل موحد صادق أن يراجع نفسه ويرى علاقته بأخوته ومدى تطابقها مع تعليمات الشريعة السمحة. 1- محبته في الله وموالاته، والمداومة على ذلك ما دام الأخ على عقد الإيمان: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا» (رواه مسلم). وقد أرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم المؤمنين أن يخبروا بعضهم بهذه المحبة، روى أنس بن مالك رضي الله عنه وغيره قال: «مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ جَالِسٌ فَقَالَ الرَّجُلُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا فِي اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرْتَهُ بِذَلِكَ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَأَخْبِرْهُ تَثْبُتْ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ أَوْ قَالَ أُحِبُّكَ لِلَّهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي فِيهِ» (رواه أبو داود). 2- المواساة وحسن الصحبة والعشرة: أ – وجوب العَود بالفضل فينزل المسلم أخاه المسلم منزلة الصاحب لديه، فيقوم بحاجته من فضل ماله إذا احتاج، ولا ينتظر سؤاله فإن ألجأه إلى السؤال فهو دليل على تقصيره في حق أخيه، وإذا انحط المسلم عن هذه المرتبة فهو مقصر مذنب يحتاج إلى فحص نفسه، وتهذيبها والتوبة إلى الله تعالى. ب – طيب الكلام والمبسم والبشاشة في وجه الأخوة ورد السلام والفرح باللقاء: طيب الكلام وحسنه بين الأخوة، مدعاة لجلب المحبة ودوامها أن يدعو أخاه بأحسن أسمائه، وأحبها على قلبه يـقـــول المـصـطــفى صلى الله عليه وسلم: «ثلاث يصفــين لك ود أخــيك تسلم عليه إذا لقيته وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه» (رواه الحاكم). فال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» (رواه مسلم). قال صلى الله عليه وسلم: «أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» (رواه مسلم). ج – خفض الجناح ولين الجانب والتواضع وحسن الخلق و إقالة العثرات والتزاور في الله والتهنئة وتفقد الحال: قال صلى الله عليه وسلم: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» (رواه مسلم). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» (رواه الترمذي). د- السعي بالشفاعة الحسنة: قال الله تعالى {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا} (النساء: 85). 4- التعاون والتآزر فيما بين الأخوان على البر والعمل الصالح: فالمؤمنون بنيان واحد، يشد بعضه بعضاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» (رواه البخاري). 5- نصرة الأخوان المظلومين وصيانة الدماء والأعراض والأموال وإغاثة الملهوف وفكّ العاني: قال الله تعالى: { وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ } (الأنفال: 72). 6- واجبات اجتماعية: أوجب الإسلام واجبات عديدة لإدامة صلة الأخوة الإيمانية، بين الموحدين، ولزيادة المحبة فيما بينهم وهذه جملة من الواجبات المستحبات أشير إليها بشكل موجز: أ- قبول الهدية واستحباب الإثابة عليها ب- إجابة الدعوى ج- ستر المسلم لأخيه المسلم د- تشميت العطاس هـ- إحسان الظن وسلامة الصدر 7- الدعاء للإخوان بكل خير في حياتهم و شهود الجنازة والدعاء بالمغفرة والرضوان بعد مماتهم: فقد ورد في الحديث الصحيح «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ» (رواه مسلم). قال صلى الله عليه وسلم «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ». • رابعاً: محاذير في طريق الأخوة 1- الغيبة: وهي أن يذكر الإنسان أخاه في غيبته بما يكره، روى مسلم عن أبي هريرة ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ». 2- النميمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» (رواه مسلم). 3- التجسس: قال تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} (الحجرات: 12). قال الطبري: وَقَوْله: {وَلا تَجَسَّسُوا} يَقُول: وَلَا يَتَتَبَّع بَعْضكُمْ عَوْرَة بَعْض, وَلَا يَبْحَث عَنْ سَرَائِره, لَا عَلَى مَا لَا تَعْلَمُونَهُ مِنْ سَرَائِره. قال ابن كثير في تفسير الآية: {وَلا تَجَسَّسُوا} أَيْ عَلَى بَعْضكُمْ بَعْضًا وَالتَّجَسُّس غَالِبًا يُطْلَق فِي الشَّرّ، وَمِنْهُ الْجَاسُوس. 4- السخرية: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» (رواه الترمذي). 5- اللمز الغمز: قال ابن كثير في قوله تعالى { وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ }: أي لا تلمزوا الناس، والهماز واللماز من الرجال مذموم ملعون كما قال الله { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } (الهمزة:1)، فالهمز بالفعل، واللمز بالقول. 6- الغضب والحسد يحرقان الأخوة: الغضب شعلة محرقة من النار، تحرق الأخوة الإيمانية، وتنزع بالإنسان لسلوك الشيطان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم موصياً الرجل الذي طلب الوصية: «لا تغضب، فرددها مرارا، قال: لا تغضب» (رواه البخاري). والحسد من شر معاصي القلوب، ومعاصي القلوب أشد إثماً من كثير من معاصي الجوارح، نظراً إلى آثارها الخطيرة على السلوك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ» (رواه مسلم). 7- العداوة والحقد: لقد نهى الشرع الحنيف عن البغضاء، والحقد، في نصوص كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» (رواه البخاري). 8- الكبر الغرور: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» (رواه مسلم). 9- آفات أخرى مع التقصير في تأدية واجبات الأخوة: وهناك آفات كثيرة تؤثر في الأخوة الإسلامية وتضعفها، مثل: الهجر، والجفاء والغلظة، والفضول، والغيرة، والغدر، والطمع، وسوء الظن، والشك والريبة، والشماتة، والبيع على البيع، والخطبة على الخطبة،…وغيرها كثير من الأمور التي نبه عليها الشرع في نصوص عديدة وليس هنا مكان بسطها، وأردت التنويه لبعض الأمور التي تسيء للأخوة في الله، وكذلك فإن التقصير في تأدية واجبات الأخوة الإيمانية التي سبق ذكر طرف منها، له أثر كبير في تمزيق الأخوة الإيمانية وأضعافها. نسأل الله أن يجنب الأخوة هذه الآفات، ويحققهم بتحقيق أوامر الله تعالى وواجبات الشرع الحنيف تجاه الأخوة في الله.. وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين. سلسلة العلامتين ابن باز والألباني
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]()
"وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا *إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً "29:الكهف.
هذه الآية على سبيل التهديد ، وليست على سبيل الاختيار . قال ابن جرير في تفسير هاتين الآيتين : يقول تعالى ذِكْرُه لِنَبِيِّه محمد صلى الله عليه وسلم : وقل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا ، واتبعوا أهواءهم : الحقّ أيها الناس مِن عند ربكم ، وإليه التوفيق والحذلان ، وبِيَدِه الهدى والضلال ، يهدي من يشاء منكم للرشاد ، فيؤمن ، ويُضِلّ من يشاء عن الهدى ، فيكفر . ليس إلي من ذلك شيء ، ولست بِطَارِد - لِهَواكم - مَن كان للحقّ مُتَّبِعًا، وبالله وبما أنزل علي مؤمنا، فإن شئتم فآمنوا، وإن شئتم فاكفروا ، فإنكم إن كفرتم فقد أعدّ لكم ربكم على كفركم به نارا أحاط بكم سرادقها، وإن آمنتم به وعَمِلتم بطاعته، فإن لكم ما وَصف الله لأهل طاعته . وقال البغوي "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" هذا على طريق التهديد والوعيد . وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) : هذا من باب التهديد والوعيد الشديد ؛ ولهذا قال "إِنَّا أَعْتَدْنَا" أي : أرْصَدْنا "لِلظَّالِمِينَ" وهم الكافرون بالله ورسوله وكتابه "نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا" أي : سُورها هنا أي: قل للناس يا محمد: هو الحق من ربكم. أي: قد تبين الهدى من الضلال, والرشد من الغي, وصفات أهل السعادة, وصفات أهل الشقاوة, وذلك بما بينه الله على لسان رسوله. فإذا بان واتضح, ولم يبق فيه شبهة. " فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ " أي: لم يبق إلا سلوك أحد الطريقين, بحسب توفيق العبد, وعدم توفيقه. وقد أعطاه الله مشيئة, بها يقدر على الإيمان والكفر, والخير والشر فمن آمن, فقد وفق للصواب, ومن كفر, فقد قامت عليه الحُجة, وليس بمكرَه على الإيمان كما قال تعالى " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" . البقرة 256 ثم ذكر تعالى مآل الفريقين فقال: " إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ " بالكفر والفسوق والعصيان " نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا " أي: سورها المحيط بها. فليس لهم منفذ, ولا طريق, ولا مخلص منها, تصلاهم النار الحامية. " وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا " أن يطلبوا الشراب, ليطفئ ما نزل بهم من العطش الشديد. " يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ " أي: كالرصاص المذاب, أو كعكر الزيت, من شدة حرارته. " يَشْوِي الْوُجُوهَ " أي: فكيف بالأمعاء والبطون, كما قال تعالى " يصهر به ما في بطونهم والجلود "يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ"الحج 20-21 " بِئْسَ الشَّرَابُ " الذي يراد ليطفئ العطش, ويدفع بعض العذاب, فيكون زيادة في عذابهم, وشدة عقابهم. " وَسَاءَتْ " النار " مُرْتَفَقًا " وهذا ذم لحالة النار, أنها ساءت المحل, الذي يرتفق به. فإنها ليست فيها ارتفاق, وإنما فيها العذاب العظيم الشاق الذي لا يفتر عنهم ساعة, وهم فيه مبلسون قد أيسوا من كل خير, ونسيهم الرحيم في العذاب, كما نسوه. تفسير السعدي "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا *إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً *". قوله تعالى"وَقُلِ" الخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم. أي قلها معلنا "الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ" لا من غيره، فلا تطلبوا الحق من طريق غير طريق الله عزّ وجل، لأن الحق من عند الله. "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" والأمر في قوله" فَلْيَكْفُرْ" للتهديد وليس للإباحة بل هو للتهديد كما يهدد الإنسان غيره فيقول"إن كنت صادقًا فافعل كذا"، ويدل عليه قوله تعالى بعده"إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا"، يعني من كفر فله النار قد أعدت، وقوله"الظَّالِمِينَ" المراد به الكافرون، والدليل على هذا قوله"فَلْيَكْفُرْ"، فإن قال قائل"هل الكفر يسمى ظلمًا؟". فالجواب: نعم، كما قال الله تعالى"وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ"البقرة: 254 ، ولا أحد أظلم ممن كفر بالله أو جعل معه شريكًا، وهو الذي خلقه وأمده وأعده. قوله"أَحَاطَ بِهِمْ" أي بأهل النار"سُرَادِقُهَا" أي ما حولها، يعني أن النار قد أحاطت بهم فلا يمكن أن يفروا عنها يميناً ولا شمالًا. وقوله"وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا" يعني أن أهل النار إذا عَطشوا عَطشاً شديداً وذلك بأكل الزَّقوم أو بغير ذلك أغيثوا بهذا الماء "بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ" يكون كعَكَر الزيت يعني تَفَلَهُ الخاثر في أسفله أو ما أشبه ذلك مما هو منظر كريه، ولا تقبله النفوس كما قال تعالى" مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ"إبراهيم: 16، 17 ، أي كالصديد يتجرعه ولا يكاد يُسيغه. "وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا"، إذا قَرُبَ منها شَواها وتساقطت والعياذ بالله من شدة فيح هذا الماء، وإذا وصل إلى أمعائهم قطعها كما قال جلَّ وعلا"وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ"محمد: 15 ، وما أعظم الوجع والألم فيمن تقطع أمعاؤه من الداخل، لكن مع ذلك تقطع وتعاد كالجلود "كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ"النساء: 56 ، الله أكبر، سبحان القادر على كل شيء، وبلحظة يكون هذا الشيء متتابعاً، كلما نَضَجت بُدِّلوا، وكلما تقطَّعت الأمعاء فإنها توصل بسرعة. قوله"بِئْسَ الشَّرَابُ" هذا قدح وذم لهذا الشراب، و"بِئْسَ " فعل ماضٍ لإنشاء الذم. قوله"وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا" أي وقبح مرتفقها والارتفاق بها. والمرتفق ما يرتفق به الإنسان، قد يكون حسنًا وقد يكون سيئاً، ففي الجنة "وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا"الكهف: 31 ، وفي النار "وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا"الكهف: 29 . تفسير العثيمين
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]()
"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً *".الكهف 30
هذا من أسلوب القرآن، فإن الله عزّ وجل إذا ذكر أهل النار ذكر أهل الجنة، وهذا من معنى قوله"مَثَانِيَ"الزمر: 23. أي تثنى فيه المعاني والأحوال والأوصاف ليكون الإنسان جامعاً بين الخوف والرجاء في سيره إلى ربه. قوله تعالى"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ" قد سبق الكلام في معنى هذه الآية، قال تعالى"إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً" ولم يقل «إنَّا لا نضيع أجرهم»، ولكن قال تعالى"أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا"وذلك لبيان العلة في ثواب هؤلاء وهو أنهم أحسنوا العمل، و"هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ *"الرحمن: 60 ، هذا من الوجه المعنوي، ومن الوجه اللفظي أن تكون رؤوس الآية متوافقة ومتطابقة، لأنه لو قال «إنَّا لا نضيع أجرهم» لاختلفت رؤوس الآيات. وبماذا يكون الإحسان في العمل؟ يكون بأمرين: 1 ـ الإخلاص لله عزّ وجل 2 ـ المتابعة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا يخفى ما في الآية الكريمة من الحث على إحسان العمل. * * * تفسير العثيمين
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() "أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا *" الكهف 31 "جَنَّاتُ عَدْنٍ " أي : جنات إقامة واستقرار، جنن أصل الجن: ستر الشيء عن الحاسة يقال: جنة الليل وأجنة وجن عليه، فجنه: ستره، وأجنه جعل له ما يجنه، كقولك: قبرته وأقبرته، وسقيته وأسقيته، وجن عليه كذا: ستر عليه، قال عز وجل "فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا" الأنعام/76، والجنان: القلب**، لكونه مستورا عن الحاسة، والمجن والمجنة: الترس الذي يجن صاحبه. قال عز وجل "اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً " المجادلة/16، وفي الحديث" الصوم جُنَّة" الحديث يروى" الصيام جنة" وهو صحيح متفق عليه. وأخرجه مالك في الموطأ، باب جامع الصيام، انظر: تنوير الحوالك 1/287؛ وفتح الباري 4/87؛ ومسلم رقم 1151؛ وانظر: شرح السنة للبغوى 6/225. فمسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة؛ كما أجمع عليه أئمتهم وعلماؤهم، هو: تصديق بالْجَنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية هنا سُندس: رقيق الدّيباج :الحرير. إستبرق: غليظ الدّيباج الأرائك: السرر، واحدها أريكة، وهي كلّ ما يتكأ عليه و قيل هو السرير المنجد المزين الفاخر، و الفراش وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا: وحَسُنتِ الجنة منزلًا ومكانًا لهم مُرْتَفَقًا: مجلسًا، أو متكأ، أو مقرًا ،و أصل الارتفاق: الجلوس و الاتكاء على المرفق. أي: أولئك الموصوفون بالإيمان والعمل الصالح, لهم الجنات العاليات التي قد كثرت أشجارها, فأجنت من فيها, وكثرت أنهارها, فصارت تجري من تحت تلك الأشجار الأنيقة, والمنازل الرفيعة. وحليتهم فيها, الذهب, ولباسهم فيها الحرير الأخضر من السندس, وهو الغليظ من الديباج, والإستبرق, وهو: ما رق منه. متكئين فيها على الأرائك وهي: السرر المزينة, المجمَّلة بالثياب الفاخرة فإنها لا تسمى أريكة, حتى تكون كذلك. وفي اتكائهم على الأرائك, ما يدل على كمال الراحة, وزوال النصب والتعب, وكون الخدم يسعون عليهم بما يشتهون, وتمام ذلك, الخلود الدائم والإقامة الأبدية. فهذه الدار الجليلة " نِعْمَ الثَّوَابُ " للعاملين " وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا " يرتفقون بها, ويتمتعون بما فيها, مما تشتهيه الأنفس, وتلذ الأعين, من الحبرة والسرور, والفرح الدائم, واللذات المتواترة, والنعم المتوافرة. وأي مرتفق, أحسن من دار, أدنى أهلها, يسير في ملكه ونعيمه, وقصوره وبساتينه, ألفى سنة ولا يرى فوق ما هو فيه من النعيم. قد أعطى جميع أمانيه ومطالبه, وزيد من المطالب, ما قصرت عنه الأماني. ومع ذلك, فنعيهم على الدوام, متزايد في أوصافه وحسنه. فنسأل الله الكريم, أن لا يحرمنا خير ما عنده, من الإحسان, بشر ما عندنا من التقصير والعصيان. ودلت الآية الكريمة وما أشبهها, على أن الحلية, عامة للذكور والإناث, كما ورد في الأخبار الصحيحة لأنه أطلقها في قوله " يُحَلَّوْنَ " وكذلك الحرير ونحوه. تفسير السعدي تفسير الشيخ العثيمين قوله تعالى"أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ" المشار إليه الذين آمنوا وعملوا الصالحات. "جَنَّاتُ" جمع جنة وهي الدار التي أعدها الله لأوليائه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. "عَدْنٍ" بمعنى الإقامة، أي جنات إقامة لا يبغون عنها حِوَلا أي تحولا عنها، ومن تمام النعيم أن كل واحد منهم لا يرى أن أحدًا أنعم منه، ومن تمام الشقاء لأهل النار أن كل واحد منهم لا يرى أحداً أشد منه عذابًا، ولكن هؤلاء، أهل الجنة، لا يرون أن أحدًا أنعم منهم لأنهم لو رأوْا ذلك لتنغص نعيمهم حيث يتصورون أنهم أقل. "تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ". الأنهار جمع نهر وهي أربعة أنواع ذكرها الله تعالى في سورة محمد، قال الله تعالى: "مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصْفّىً"محمد: 15 ، وهنا قال: "مِنْ تَحْتِهِمُ"، وفي آية أخرى قال «تحتهم» وفي ثالثة "مِنْ تَحْتِهَا"، وفي رابعة "تَحْتِهَا" والمعنى واحد، لأنهم إذا كانت الأنهار تجري تحت أشجارها وقصورها فهي تجري تحت سكانها. قوله تعالى"يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ" "يُحَلَّوْنَ فِيهَا"أي الجنات. "مِنْ أَسَاوِرَ"، قال بعضهم: إن"مِنْ" هنا زائدة لقول الله تعالى"وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ"الإنسان: 21 ، فـ "مِنْ" زائدة. ولكن هذا القول ضعيف، لأن "مِنْ" لا تزاد في الإثبات كما قال ابن مالك رحمه الله في الألفية: وزيد في نفي وشبهِهِ فَجَرّ***نكرة كما لباغٍ من مفر قوله تعالى"وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ"، السندس: ما رَقَّ من الديباج والإستبرق ما غلظ منه. وقوله"خُضْرًا" خصَّها باللون الأخضر لأنه أشد ما يكون راحة للعين ففيه جمال وفيه راحة للعين. قال تعالى"مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ". قوله"مُتَّكِئِينَ" حال من قوله تبارك وتعالى"أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ" أي حال كونهم متكئين فيها، والاتكاء يدل على راحة النفس وعلى الطمأنينة. قوله"عَلَى الأَرَائِكِ" جمع أريكة، والأريكة نوع من المرتفق الذي يرتفق فيه، وقيل: إن الأريكة سرير في الخيمة الصغيرة المغطاة بالثياب الجميلة تشبه ما يسمونه بالكوخ. قال الله تعالى"وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا" هذا مدح لهذه الجنة وما فيها من نعيم، ففيها الثناء على هذه الجنة بأمرين: بأنها "نِعْمَ الثَّوَابُ" وأنها "وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا". قال الله تعالى"أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا "الفرقان: 24. * * * تفسير العثيمين
|
#7
|
||||
|
||||
![]()
"وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا" الكهف 32
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا 32كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا33 وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا 34وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا 35وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا36 قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا37 لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا 38وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا 39فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا40 أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا 41وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا42 وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا 43 هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌعُقْبًا44 جنّتين بُستانين 32 أحطناهما وأطفناهما بنخل 33 أخرجت ثمرها كاملاً، الذي يُؤكل 33 لم تنقص من أُكُلها 33 شقـَقـْنا وأجْرَينا وسَطهما(نهرًا) 34 أموالٌ كثيرة مُثمّرة من الذهب والفضة، وقيل جمع ثمار 34 أقوى أعوانا أو عشيرة 35 تهلك وتفنى وتخرب 36 مرْجعا وعاقِبةً 38 لكنْ أنا أقول: هو الله ربّي 40 عذابا كالصّواعق والآفات 40 رمْلا هائلا أو أرضا جُرُزا لا نبات فيها يُزلق عليها لِملاسَتِها 41 غائرا ذاهبا في الأرض 42 أُهلكت أمواله مع جنّــتـيْه 42 كِماية عن النّدم والتّحسّر 42 ساقطة على سُقوفها التي سَقطت 44 النّصرة له تعالى وحده 44 عاقبة لأوليائه تفسير السعدي: يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: اضرب للناس مثل هذين الرجلين الشاكر لنعمة الله, والكافر لها, وما صدر من كل منهما, من الأقوال والأفعال, وما حصل بسبب ذلك, من العقاب العاجل, والآجل, والثواب ليعتبروا بحالهما, ويتعظوا بما حصل عليهما, وليس معرفة أعيان الرجلين, وفي أي زمان أو مكان هما, فيه فائدة أو نتيجة. فالنتيجة تحصل من قصتهما فقط, والتعرض لما سوى ذلك, من التكلف. فأحد هذين الرجلين الكافر لنعمة الله الجليلة, جعل الله له جنتين أي: بستانين حسنين, من أعناب. " وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ " أي: في هاتين الجنتين من كل الثمرات, وخصوصا أشرف الأشجار, العنب, والنخل. فالعنب, وسطها, والنخل, قد حف بذلك, ودار به, فحصل فيه من حسن المنظر وبهائه, وبروز الشجر والنخل للشمس والرياح, التي تكمل لها الثمار, وتنضج وتتجوهر. ومع ذلك, جعل بين تلك الأشجار زرعا. فلم يبق عليهما إلا أن يقال: كيف ثمار هاتين الجنتين؟ وهل لهما ماء يكفيهما؟ فأخبر تعالى أن كلا من الجنتين آتت أكلها أي: ثمرها وزرعها ضعفين أي: متضاعفا وأنها لم " تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا " أي: لم تنقص من أكلها أدنى شيء. ومع ذلك, فالأنهار في جوانبها سارحة, كثيرة غزيرة. " وَكَانَ لَهُ " أي لذلك الرجل " ثَمَرٌ " أي عظيم كما يفيده التنكير أي: قد استكملت جنتاه ثمارهما, وارجحنت أشجارهما, ولم تعرض لهما آفة أو نقص. فهذا غاية منتهى زينة الدنيا في الحرث, ولهذا اغتر هذا الرجل, وتبجح وافتخر, ونسي آخرته. هنا تفسير العثيمين : {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا *}}. قوله تعالى: { {وَاضْرِبْ} } يعني اجعل وصيِّر. { {لَهُمْ} } أي للكفار: قريش وغيرهم. { {مَثَلاً} } مفعول اضرب، وبَيَّن المثل بقوله: { {رَجُلَيْنِ} } وعلى هذا يكون «رجلين» عطف بيان وتفصيل للمثل. قوله: { {جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} } أغلب ما في الجنتين العنب، وأطراف الجنتين النخيل وما بينهما زرع، ففيهما الفاكهة والغذاء من الحب وثمر النخل. * * * قال الله تعالى: {{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَرًا *}}. {} قوله تعالى: { {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} } ولم يقل آتتا أُكُلَهَا؟ لأنه يجوز مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى في كلتا، وقد اجتمع ذلك في قول الشاعر: كلاهما حين جدَّ الجري بينهما***قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي قوله: { {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} } أي ولم تنقص. قوله تعالى: { {وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَرًا} } كان خلال الجنتين نهر من الماء يجري بقوة، فكان في الجنتين كلُّ مقومات الحياة: أعناب، ونخيل، وزرع، ثم بينهما هذا النهر المطَّرِد. * * * قال الله تعالى: {{وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا *}}. قوله تعالى: { {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} } أي أن أحد الرجلين كان له ثمر، كأن له ثمر زائد على الجنتين أو ثمر كثير من الجنتين. وقوله: { {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} } وهما يتجاذبان الكلام. قوله: { {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا} } افتخر عليه بشيئين: 1 ـ بكثرة المال 2 ـ العشيرة والقبيلة. فافتخر عليه بالغنى والحسب، يقول ذلك افتخاراً وليس تحدثاً بنعمة الله بدليل العقوبة التي حصلت عليه. * * * { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا }. قوله تعالى: { {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} } ذكرت بلفظ الإفراد مع أنه قال: { {جَعَلْنَا لأَِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} } فإما أن يقال: إن المراد بالمفرد الجنس، وإما أن يراد إحدى الجنتين، وتكون العظمى هي التي دخلها. { {وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} } هذه جملة حالية يعني الحال أنه ظالم لنفسه، وبماذا ظلم نفسه؟ ظلم نفسه بالكفر كما سيتبين. قال: { {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} } يعني ما أظن أن تفنى وتزول أبداً، أعجب بها وبما فيها من قوة وحسنِ المنظر، وغير ذلك حتى نسي أن الدنيا لا تبقى لأحد، ثم أضاف إلى ذلك قوله: { {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} } فأنكر البعث، لأنه إذا كانت جنَّتُه لا تبيد فهو يقول: لا بعث وإنما هو متاع الحياة الدنيا. { {وَلَئِنْ رُدِدْتُّ إِلَى رَبِّي} } يعني على فرض أن تقوم الساعة وأرد إلى الله. { {لأََجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} } أي مرجعاً، فكأنه يقول بما أن الله أنعم علي بالدنيا، فلا بد أن ينعم علي بالآخرة، وهذا قياس فاسد؛ لأنه لا يلزم من التنعيم في الدنيا أن ينعم الإنسان في الآخرة، ولا من كون الإنسان لا يُنَعَّم في الدنيا ألا يُنَعَّم في الآخرة، لا تلازم بين هذا وهذا، بل إن الكفار يُنعمون في الدنيا وتُعجل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، ولكنهم في الآخرة يُعذَّبون. وهذا كقوله تبارك وتعالى في سورة فُصِّلت: { } [فصلت: 49، 50] هذا مثلُ هذا.
{{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً *}}. قوله تعالى: { {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} } أي يناقشه في الكلام. { {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} } ذكره بأصله. والهمزة في قوله: { {أَكَفَرْتَ} } للإنكار. أما قوله: { {خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} } فلأن آدم عليه السلام أبا البشر خُلق من تراب. وأما { {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} } فلأن بني آدم خُلِقوا من نطفة، والمعنى: أنَّ الذي { {خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} } قادر على البعث الذي أنت تُنكره. وقوله: { {خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} } أي عدَّلك وصيَّرك رجلاً، وهذا الاستفهام للإنكار بلا شك، ثم هل يمكن أن نجعله للتعجب أيضاً؟ الجواب: يمكن أن يكون للإنكار وللتعجب أيضاً يعني: كيف تكفر { {بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً} }! ويستفاد من هذا أن منكر البعث كافر ولا شك في هذا كما قال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [التغابن: 7] * * * {{لَكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا *}}. قوله تعالى: { {لَكِنَّ} } أصلها «لكن أنا» وحذفت الهمزة تخفيفاً وأدغمت النون الساكنة الأولى بالنون الثانية المفتوحة فصارت لكنَّا، وتكتب بالألف خطّاً وأما التلاوة ففيها قراءتان إحداهما بالألف وصلاً ووقفاً، والثانية بالالف وقفاً وبحذفها وصلاً. { {لَكِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا *} } أي هو الله ربي مثل قوله تعالى: {{هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}} [الإخلاص: 1] وعلى هذا فتكون { {هُوَ} } ضمير الشأن، يعني الشأن أن الله تعالى ربي. و{ {وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} } وهذا كقول ابن آدم لأخيه قابيل: {{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}} [المائدة: 27] ، يعني أنت كفرت ولكني أنا أعتز بإيماني وأؤمن بالله. * * * {{وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا *}}. قوله تعالى: { {وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا *} } يعني هلاَّ { {إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} } أي حين دخولك إيَّاها { {قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ} } حتى تجعل الأمر مفوضاً إلى الله عزّ وجل. وقوله: { {مَا شَاءَ اللَّهُ} } فيها وجهان: 1 ـ أنَّ { {مَا} } اسم موصول خبر لمبتدأ محذوف تقديره «هذا ما شاء الله». 2 ـ أنَّ { {مَا} } شرطية و{ {شَاءَ اللَّهُ} } فعل الشرط وجوابه محذوف والتقدير «ما شاء الله كان». وقوله: { {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ} } أي لا قوة لأحد على شيء إلاَّ بالله وهذا يعني تفويض القوة لله عزّ وجل، يعني فهو الذي له القوة مطلقاً، القوة جميعاً، فهذه الجنة ما صارت بقوتك أنت ولا بمشيئتك أنت ولكن بمشيئة الله وقوته، وينبغي للإنسان إذا أعجبه شيء من ماله أن يقول: «ما شاء الله لا قوة إلاَّ بالله» حتى يفوض الأمر إلى الله عزّ وجل لا إلى حوله وقوته، وقد جاء في الأثر أن من قال ذلك في شيء يعجبه من ماله فإنه لن يرى فيه مكروهاً[(23)]. قوله تعالى: { {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا} }. { {إِنْ} } شرطية وفعل الشرط ترى والنون للوقاية والياء محذوفة للتخفيف والأصل «ترني». { {أَنَا} } ضمير فصل لا محلَّ له من الإعراب. { {أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَدًا} } أي إن احتقرتني لكوني أقل منك مالا وأقل منك ولدا ولست مثلك في عزَّة النفر. * * * {{فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا *}}. قوله تعالى: { {فَعَسَى رَبِّي} } هذه الجملة هي جواب الشرط. وهل هي للترجي أم للتوقع؟ الجواب: فيها احتمالان: الأول: أنها للترجي وأن هذا دعا أن يؤتيه الله خيراً من جنته وأن ينْزل عليها حسباناً من السماء؛ لأنه احتقره واستذله فدعا عليه بمثل ما فعل به من الظلم، ولا حرج على الإنسان أن يَدعوَ على ظالمه بمثل ما ظلمه، ويحتمل أنه دعا عليه من أجل أن يعرف هذا المفتخر ربه ويدعَ الإعجاب بالمال وهذا من مصلحته. فكأنه دعا أن يؤتيه الله ما يستأثر به عليه، وأن يتلف هذه الجنة حتى يعرف هذا الذي افتخر بجنته وعزة نفره أن الأمر أمر الله عزّ وجل، فكأنه دعا عليه بما يضره لمصلحة هي أعظم. فكون الإنسان يعرف نفسه ويرجع إلى ربه خير له من أن يفخر بماله ويعتز به، هذا إذا جعلنا عسى للترجي. الثاني: أن تكون عسى للتوقع، والمعنى أنك إن كنت ترى هذا فإنه يُتَوقع أن الله تعالى يُزيل عني ما عبتني به ويزيل عنك ما تفتخر به، وأياً كان فالأمر وقع إما استجابة لدعائه وإما تحقيقاً لتوقعه. { {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} }. والمراد بالحسبان هنا ما يدمرها من صواعق أو غيرها. وقوله: { {يُؤْتِيَنِ خَيْرًا} } خصَّ السماء لأن ما جاء من الأرض قد يدافع، يعني لو نفرض أنه جاءت أمطار وسيول جارفة أو نيران محرقة تسعى وتحرق ما أمامها، يمكن أن تُدافع، لكن ما نزل من السماء يصعب دفعه أو يتعذر. { {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا} } أي تصبح لا نبات فيها. { {زَلَقًا} } يعني قد غمرتها المياه. * * * {{أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا *}}. قوله تعالى: { {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} } فلا يوجد فيها ماء. و{ {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا} } بمعنى غائر فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، فدعا دعوة يكون فيها زوال هذه الجنة إمَّا بماء يغرقها حتى تصبح { {صَعِيدًا زَلَقًا} }، وإما بغور لا سُقيا معه لقوله: { {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا *} } وكلا الأمرين تدمير وخراب. فالفيضانات تدمر المحصول، وغور الماء حتى لا يستطيع أن يطلبه لبعده في قاع الأرض أيضاً يدمر المحصول، فماذا كان بعد هذا الدعاء أو هذا التوقع؟ * * * {{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا *}}. قوله تعالى: { {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} } أي بثمر صاحب الجنتين فهلكت الجنتان. { {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} } من الندم، وذلك أن الإنسان إذا ندم يقلب كفيه على ما قد حصل. { {عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} } وهذا يدل على أنه أنفق فيها شيئاً كثيراً. { {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} } أي هامدة على عروشها. و{{عُرُوشِهَا}} جمع عرش أو عريش وهو ما يوضع لتمدد عليه أغصان الأعناب وغيرها. { {وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} } ولكن الندم بعد فوات الأوان لا ينفع، إنما ينتفع من سمع القصة، أما من وقعت عليه فلا ينفعه الندم لأنه قد فات الأوان. * * * {{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا *}} فالذي كان يفتخر به ويقول: { {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا} } لم تمنعه فِئَتُهُ من عقوبة الله ولم ينتصر هو بنفسه لأنه والعياذ بالله كفر وحاور المؤمن فعوقب بهذه العقوبة. * * * {{هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا *}}. قوله تعالى: { {هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ} } فيها قراءتان: 1 ـ الوِلاية 2 ـ الوَلايَة. فالوَلاية: بمعنى النُّصرة، كما قال تعالى: {{مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}} [الأنفال: 72] . والوِلاية: بمعنى الملك والسلطة، فيوم القيامة لا نصرة ولا ملك إلاَّ { {لِلَّهِ الْحَقِّ} }، وإذا كان ليس هناك انتصار ولا سلطان إلا لله فإن جميع من دونه لا يفيد صاحبه شيئاً. { {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} }، { {هُوَ} } الضمير يعود على الله، { {خَيْرٌ ثَوَابًا} } من غيره، إذا أثاب عن العمل فهو { {خَيْرٌ ثَوَابًا} } لأن غير الله إن أثاب فإنه يثيب على العمل بمثله، وإن زاد فإنه يزيد شيئاً يسيراً أما الله فإنه يثيب العمل بعشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. كذلك هو { {وَخَيْرٌ عُقْبًا} } جلَّ وعلا، لأن من كان عاقبته نصر الله عزّ وجل وتَوَلِّيَهُ فلا شك أن هذا خير من كل ما سواه. جميع العواقب التي تكون للإنسان على يد البشر تزول لكن العاقبة التي عند الله عزّ وجل لا تزول. إنَّ هذا المثل الذي ضربه الله في هذه الآيات هل هو مثل حقيقي أو تقديري؟ يعني هل هذا الشيء واقع أو أنه شيء مُقدَّر؟ الجواب: من العلماء من قال إنه مثل تقديري كقوله تبارك وتعالى: {{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *}} [النحل: 76] ، وكقوله: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ } [الزمر: 29] ، وما شابه ذلك، فيكون هذا مثلاً تقديرياً وليس واقعياً. ولكن السياق وما فيه من المحاورة والأخذ والرد يدل على أنه مثل حقيقي واقع، فهما رجلان أحدهما أنعم الله عليه والثاني لم يكن مثله. ثم ضرب الله تعالى مثلاً آخر فقال: {{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا *}}. قوله تعالى: { {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} } وهو المطر { {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ} } يعني أن الرِّياض صارت مختلطة بأنواع النبات المتنوع بأزهاره وأوراقه وأشجاره كما يشاهد في وقت الربيع كيف تكون الأرض، سبحان الله، كأنه وَشْيٌ من أحسن الوشْيات، إذا اختلط من كل نوع ومن كل جنس. { {فَأَصْبَحَ} } يعني هذا النبات المختلف المتنوع. { {هَشِيمًا} } هامداً. { {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا *} } أي تحمله، فهذا هو { {مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} }. الآن الدنيا تزدهر للإنسان وتزهو له وإذا بها تخمد بموته أو فَقدها، لا بد من هذا، إما أن يموت الإنسان أو أن يفقد الدنيا . هذا مثل موافق تماماً، وقد ضرب الله تعالى هذا النوع من الأمثال في عدة سور من القرآن الكريم حتى لا نغتر بالدنيا ولا نتمسك بها، والعجب أننا مغترون بها ومتمسكون بها مع أن أكدارها وهمومها وغمومها أكثر بكثير من صفوها وراحتها . والشاعر الذي قال: فيوم علينا ويوم لنا***ويوم نُساءُ ويومٌ نُسَرْ لا طِيبَ للعيش ما دامت مُنغَّصَةً***لذَّاتُه بادِّكار الموت والهرمِ {{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً *}}.
__________________
|
![]() |
|
|