العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى الفقه > ملتقى الفقه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 08-17-2025, 04:09 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,382
Post

المصــدر الثانــي : الســنة النبويــة المطهــرة
وهـي كـل مـا صـح عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مـن أقـوال وأفعـال وتقريـرات ، وتُحْمَـل علـى رتبتهـا مـن وجـوب أو نـدب أو إباحـة أو تحريـم أو كراهـة حسـب مـا يقتضيـه القـول أو الفعـل أو التقريـر . وخـرج بذلـك مـا صـدر عنـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم مـن الأمـور الدنيويـة والجِبِلِّيَِّـة التـي لا دخـل لهـا بالأمـور الدينيـة ، ولا صلـة لهـا بالوحـي .التأسيس ... / ص : 129 .
· الســـنة القوليــة :
كقـول النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " إنمـا الأعمـال بالنيـات ... " . صحيح البخاري . متون / حديث رقم : 1 / عن عمر .
· الســنة الفعليــة :
كأفعـال النبـي ـ صلى الله عليبه وعلى آله وسلم ـ التعبديـة فـي صلاتـه وحِجـه .
فـأداؤه الصـلاة ، وأداؤه مناسـك الحـج ، ... سـنة فعليـة .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 170 / بتصرف .
* فعـن عبـد الله بـن مالـك بـن بُحَيْنــة أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، كـان إذا صلـى فَـرَّجَ بيـن يديـه حتـى يبـدو بيـاض إبطَيْـهِ .صحيح البخاري . متون / ( 8 ) ـ كتاب : الصلاة / ( 57 ) ـ باب : يبدي ضبعيه ويجافي في السجود / حديث رقم : 390 / ص : 54 .
* وعـن المغيـرة بن شـعبة قـال : وضـأتُ النبـيَّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فمسـح على خُفيـه وصلـى .
صحيح البخاري . متون / ( 8 ) ـ كتاب : الصلاة / ( 25 ) ـ باب : الصلاة في الخِفاف / حديث رقم : 388 / ص : 54 .
· الســنة التقريريــة :
كـأن يصـدر عن الصحابـة قـولًا أو فعـلًا فيقرهـم عليه صلـى الله عليـه وعلى آله وسلم ولا ينكره عليهـم . ـ سـأل رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ الجاريـة : " أيـن الله " ؟ قالـت : فـي السـماء فأقرهـا صلـى الله عليـه وسـلم
* فعـن معاويـة بـن الحكـم ، قـال : ..... قـال صلـى الله عليـه وعلى آله وسـلم : " ائتنـي بهـا " فأتيتـه بهـا . فقـال لها " أيـن الله ؟ " . قالـت فـي السـماء .قـال : من أنـا ؟ " . قالـت أنـت رســولُ الله .قـال " أعتقهـا فإنهـا مؤمنـة " . رواه مسلم . متون / ( 5 ) ـ كتاب : المساجد ومواضع الصلاة / ( 7 ) ـ باب : تحريم الكلام في ... / حديث رقم : 537 / ص : 130 .
* عـن جابـر قـال " كنـا نعـزل والقـرآن ينـزل " .
زاد إسـحاق : قـال سُـفيان : لـو كـان شـيئًا يُنهَـى عنـه ، لنهانـا عنـه القـرآن .صحيح البخاري . متون / حديث رقم : 4911 . صحيح مسلم . متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 22 ) ـ باب : حكم العزل / حديث رقم : 136 ( 1440 ) / ص : 457 .
شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 457 .
* عـن جابـر قـال : ... كنـا نعـزل علـى عهـد رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فبلـغ ذلـك نبـي الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فلـم ينهنـا .صحيح مسلم . متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 22 ) ـ باب : حكم العزل /حديث رقم : 138 ( 1440 ) / ص : 358 .
علاقــة الســـنة بالقــرآن الكريــم :
أنهـا تأتـي مُفَصِّلَـة ومُفَسِّـرَة لِمَـا جـاء مُجْمَـلاً مـن أحكـام فـي القـرآن الكريـم . فالصـلاة وردت فـي عشـرات الآيـات ، ولكـن لـم تُبَيَّـن لهـا كيفيـة ، وأوقـات ، وأركـان ، وسـنن ، وعـدد ركعـات كـل صـلاة ، ... فجـاءت السـنة بتوضيـح كـل ذلـك .
وكذلـك الزكـاة قـال تعالـى " ... وَآتُـواْ الزَّكَـاةَ ... " .سورة البقرة / آية : 43 .
فـإن مقـدار الزكـاة الواجبـة مجهـول يحتـاج إلـى بيـان .
2 ـ وقـد تأتـي السـنة مُقَيِّـدة لمـا جـاء مطلقًـا فـي القـرآن .
مثـــال :قـال تعالـى " وَالسَّـارِقُ وَالسَّـارِقَةُ فَاقْطَعُـواْ أَيْدِيَهُمَـا ... " . سورة المائدة / آية : 38 .
فكلمـة "أَيْدِيَهُمَـا" الأيـدي فـي الآيـة وردت مطلقـة ، وكـان مقتضـى هـذا الإطـلاق أن تُقْطَـع يـد السـارق كلهـا عمـلًا بالإطـلاق ، ولكـن السـنة قيـدت هـذا الإطـلاق ، إذ وردت بأن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قطـع يـد السـارق مـن الرسـغ فيصـح تقييـد مطلـق الكتـاب بصحيـح السـنة .
الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 280 / بتصرف يسير .
* فعـن رجـاء بـن حيـوة عن عـدي بـن عـدي " أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قطـع رجـلاً مـن المفصـل " .
أخرجه ابن أبي شَيْبَة . قال الألباني إسناده مرسل جيد / إرواء الغليل ... / ج : 8 / باب : القطع في السرقة / ص : 28 .

قـال الشـيخ الألبانـي ـ رحمه الله ـ : وقـد وصلـه بعضهـم ، فأخرجـه البيهقـي ـ موصـولاً ـ . فهـو صحيـح موصـول .انتهى بتصرف .إرواء الغليل ... / ج : 8 / ص : 82 .
3ـ كمـا تأتـي السـنة مُخَصِّصَـة لمـا جـاء عامًّـا فـي القـرآن مـن أحكـام .
مثـــال :
قـال تعالـى " يُوصِيكُـمُ اللهَ فِـي أَوْلاَدِكُـمْ لِلذَّكَـرِ مِثْـلُ حَـظِّ الأُنثَيَيْـنِ ... ".سورة النساء / آية : 11 .
هـذا حكـم عـام ، فخصصـت السـنة هـذا الحكـم العـام ، بـأن قَصَـرَت الميـراث علـى مَـنْ لـم يعتـدِ علـى مُوَرِّثِـهِ بالقتـل ، فقـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " القاتـل لا يـرث " .صحيح سنن ابن ماجه / ج : 2 / ( 21 ) ـ كتاب : الديات / ( 14 ) ـ باب : القاتل لا يرث / حديث رقم : 2211 / ص : 117 .
وكذلـك قَصـرت السـنة الميـراث علـى المسـلم فقـط حتـى ولـو كـان الكافـر ابنـًا مـن صلبـه .
* فعـن أسـامة بـن زيـد ـ رضي الله عنهما ـ أن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال " لا يـرثُ المسـلمُ الكافـر ، ولا الكافـرُ المسـلمَ " . صحيح البخاري . متون / ( 85 ) ـ كتاب : الفرائض / ( 26 ) ـ باب : لا يرث المسلم الكافر ... / حديث رقم : 6764 / ص : 788 .
4 ـ وقـد تأتـي السـنة بحكـم جديـد قياسـًا علـى حكـم ورد فـي القـرآن الكريـم ففـي سـورة النسـاء حـرم تعالـى الجمـع بيـن الأختيـن فـي النكـاح ، قـال تعالـى " حُرِّمَـتْ عَلَيْكُـمْ أُمَّهَاتُكُـمْ ... } . سورة النساء / آية : 23 .
وورد بالسـنة تحريـم الجمـع بيـن العمـة وابنـة أخيهـا ، والخالـة وابنـة أختهـا ، قياسـًا .
* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : سـمعتُ رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول " لا تُنكـحُ العمـةُ علـى بنـت الأخ ، ولا ابنـة الأخـت علـى الخالـة " .صحيح مسلم . متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 4 ) ـ باب : تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح / حديث رقم : 35 ـ ( 1408 ) / ص : 346 .
* وعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ " لا تُنكـح المـرأةُ علـى عمتهـا ولا علـى خالتهـا " .صحيح مسلم . متون / ( 16 ) ـ كتاب : النكاح / ( 4 ) ـ باب : تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أوخالتها في النكاح . تحريم الجمع بين المرأة ... / حديث رقم : 37 ـ ( 1408 ) / ص : 346 .
فالسـنة إذن لا غنـى عنهـا فـي تفسـير وتوضيـح ما جــاء مجمـلاً أو مطلقًـا أو عامًّـا فـي القــرآن الكريـم .
* * * * *
حفــظ الســنة مـن حفــظ القـــرآن قـال تعالـى
" إِنَّـا نَحْـنُ نَزَّلْنَـا الذِّكْـرَ وَإِنَّـا لَـهُ لَحَافِظُـونَ } .سورة الحجر / آية : 9 .
الله عـز وجـل قـد يسَّـرَ لكتابـه مـن الدواعـي الملزمـة بحفظــه ، ومهـد لـه مـن الأسـباب القاضيـة بحراسـته ، مـع إحاطتـه بعنايتـه وإرادتـه مـا عصمـه الله بـه مـن الضيـاع والفقـد ، والزيــادة والنقـص ، والتحريـف والتبديـل .
والحقيقـة التـي تسـتعصي علـى الشـك والجـدل ، أن القـرآن الـذي تتلـوه أمـة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ اليـوم ، هـو بلفظـه ومعنـاه ، بـل وبطريقـة أدائـه ونطقـه وترتيـب آياتـه وسـوره ، هـو القـرآن نفسـه الـذي كـان النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يتلـوه علـى أصحابـه سـواء بسـواءٍ كمـا جـاء بـه جبريـل ـ عليه السلام ـ مـن لـدن حكيـم حميـد .
أمـا السـنة النبويــة المطهـرة فهـي محفوظـة فـي جملتهـا بحفـظ الله عـز وجـل ، لـم يُضِـعْ منهـا شـيء ، ذلـك لأن إرادة الله سـبحانه وتعالـى حفـظ الذكــر تقتضـي أيضًـا حفـظ السـنة ، لأنهـا مبينـة لـه ، ففيهـا شـرح مقاصـده ، وتفصيـل مجملـه ، وتخصيـص عمومـه ، وتقييـد مطلقـه ، والدليـل علـى منسـوخه ، وتلـك حكمـة مـراده ، أن يكـون النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ مبينًـا عـن ربـه ، شـارحًا لكتابـه .
قـال تعالـى { ... وَأَنزَلْنَـا إِلَيْـكَ الذِّكْـرَ لِتُبَيِّـنَ لِلنَّـاسِ مَـا نُـزِّلَ إِلَيْهِـمْ وَلَعَلَّهُـمْ يَتَفَكَّـرُونَ } .سورة النحل / آية : 44 .
فضيـاع السـنة إذن ـ بغيـر شـك ـ ضيـاع لجملـة مـن الديـن .
ولقـد حـاول بعـض المفسـدين لأسـباب مختلفـة ، أن يدسـوا فـي السـنة مـا ليـس منهـا ، فحدَّثـوا كذبًـا علـى رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وتقوَّلـوا عليـه مـا لـم يقـل ، فوضعـوا ألوفًـا مـن الأحاديـث المكذوبـة علـى لسـانه ، ولكـن شـاء الله تبـارك وتعالـى أن يحفـظ لهـذه الأمـة دينهـا ، فقيـض للسـنة رجـالاً أفـذاذًا مـن خيـرة المسـلمين دينًـا وأمانـة وكفـاءة ، فوضعـوا أدق المناهـج العلميـة وأعظـم القواعـد النقديـة التـي يتميـز بهـا الحديـث الصحيـح مـن غيـره ، ثـم عكـف هـؤلاء الأئمـة الأفـذاذ علـى جمـع الحديـث وطلـب أسـانيده ، وقامـوا بتدوينـه ، ونقـد رجالـه ، وتمحيـص متونـه ، وأقامـوا صرحـًا شـاهقًا مـن العلـوم والمؤلفـات الحديثيـة ، فألَّفـوا فـي صحيحـه ، وضعيفـه ، وعللـه ، ورجالـه ، وطبقـات رواتـه ، وسـائر فنونـه التـي تُيَسِّــر للباحـث التمييــز بيـن مـا يصـح نسـبته إلـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ومـا لا يصـح نسـبته إليـه .
والناظـر بعيـن الإنصـاف إلـى هـذه المؤلفـات الكثيـرة القيمـة ـ فـي فنـون الحديـث وعلومـه ـ يـدرك أنـه لـم يتوفـر لشـيء مـن الكتـب علـى وجـه الأرض بعـد كتــاب الله عــز وجـل مـا توفــر للسـنة النبويـة من منهـج دقيـق ، وتطبيـق واع ، وصـدقٍ بالـغ ، وإتقـان كامـل ، وحـرص شـديد على حفظهـا وصيانتهـا . ولا يفوتنـي عندئـذ أن أنبـه علـى ضـرورة أن يتحـرى المسـلمون فـي روايـة الحديـث والاسـتشـهاد بـه ، أو اسـتخدامه فـي الوعـظ والتعليـم ، وغيـر ذلـك ، فـلا يذكـروا علـى لسـان النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إلا مـا يسـتوثقون مـن قبولـه وعـدم رده ، ويتأكـدون مـن توثيـق أهـل العلـم لإسـناده .
مقدمة جامع الأحاديث القدسية / ج : 1 / ص : 10 إعداد عصام الدين الصبابطي .

مدلـــول كلمــة " ســنة "
ـ السـنة فـي اللغـة : تطلـق ويـراد بهـا الطريقـة .
قـال تعالـى : { ... فَهَـلْ يَنظُـرُونَ إِلاَّ سُـنَّتَ الأَوَّلِيـنَ ... } سورة فاطر / آية : 43 .
أي الطريقـة أو العـادة التـي جـرى عليهـا حكـم الله سـبحانه وتعالـى فـي المكذبيـن المخالفيـن للرسـل ،فسـنة الله فيهــم أن يعاقبهـم ويأخذهـم بالعـذاب لمـا خالفـوا الرسـل .
* عـن أبـي سـعيد الخـدري قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " لتتبعُــنَّ سَـننَ الذيـن مـن قبلكـم شـبرًا بشـبر ، ... " الحديـث .صحيح مسلم . متون / ( 47 ) ـ كتاب : العلم / ( 3 ) ـ باب : اتباع سنن اليهود والنصارى / حديث رقم : 2669 / ص : 678 .
" سَـننَ " يعنـي طـرق مـن كـان قبلكـم مـن الأمـم .مكانة السنة في الإسلام / الفوزان / ص : 4 / بتصرف .
ـ السـنة فـي الاصطـلاح :
السـنة فـي اصطـلاح علمـاء الشـرع مـن محدثيـن وأصولييـن وفقهـاء يـراد بهـا هـدي النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وطريقتـه . فهـو عـام يشـمل الواجـب والمسـتحب والمكـروه والمحـرم ويشـمل العقائـد والعبـادات والمعامـلات والسـلوك .
ولهـذا كـان السـلف قديمـًا لا يطلقـون اسـم السـنة إلا علـى مـا يشـمل ذلـك كلـه .وروي معنـى ذلـك عـن الحسـن والأوزاعـي والفُضَيـل بـن عيـاض .تعظيم السنة وموقف السلف ... / ص : 18 ، 19 / بتصرف .
* فعـن أبـي وائـل عـن حذيفـة رأى رجـلاً لا يُتـمُّ ركوعَـهُ ولا سـجوده ، فلمـا قضـى صلاتَـهُ قـال لـه حذيفـة : مـا صليـتَ ، قـال : وأحسـبه قـال : لـو مُـتَّ مُـتَّ علـى غيـر سـنة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .صحيح البخاري . متون / ( 8 ) ـ كتاب : الصلاة / ( 26 ) ـ باب : إذا لم يتم السجود / حديث رقم : 389 / ص : 54 .
* وعـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ قالـت : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " عشـر مـن الفطـرة ، قـص الشـارب ، وإعفـاء اللحيـة ، والسـواك ، واسـتنشـاق المـاء ، وقـص الأظفـار ، وغسـل البراجـم ، ونتـف الإبـط ، وحلـق العانـة ، وانتقـاص المـاء " .
قـال زكريْـاء : قـال مصعـب : ونسـيتُ العاشـرة إلا أن تكـون المضمضـة .زاد قتيبْـة : قـال وكيـع : انتقـاص المـاء يعنـي الاسـتنجاء .صحيح مسلم . متون / ( 2 ) ـ كتاب : الطهارة / ( 16 ) ـ باب : خصال الفطرة / حديث رقم : 261 / ص : 75.
فـائــدة :
* زكريْـاء ، وقتيبـة ---> مـن رجـال السـند السـابق .
ـ والسـنة عنـد المتأخريـن قـد تطلـق علـى : المـرادف للمنـدوب والمسـتحب ، المقابـل للمكـروه .
وكذلـك قـد تطلـق علـى المقابـل للقـرآن . يُقـال : الدليـل مـن الكتـاب كـذا ، ومـن السـنة كـذا .
وقـد تُطلـق فـي مقابلـة البدعـة . كقولهـم فـلان علـى سـنة وفـلان علـى بدعـة .
أمـا إذا وردت فـي حديـث ، سـواء بلفـظ السـنة أو الفطـرة ، فـلا تـدل علـى المعنـى الاصطلاحـي ـ عنـد المتأخريـن ـ ولكـن بمعنـى الطريقـة .التأسيس ... / ص : 130 / بتصرف .
* * * * *

مكانـــة الســنة

اهتمامنـا بالسـنة ليـس اهتمـام دراسـة فحسـب ولكـن اهتمـام اعتقــاد بالدرجــة الأولـى ، اهتمـام منهـج ، كيـف تتجـه .
فالسـنة ليسـت فـرع مـن فـروع العلـم ، ولكنهـا أصـل هـذا الديـن مـع كتـاب الله تبـارك وتعالـى ،فـلا تنفـك السـنة عـن القـرآن ، ولا ينفـك القـرآن عـن السـنة .
وكـل مسـلم لا يصـح إسـلامه إلا أن ينتمـيَ إلـى سـنة الرسـول الكريـم ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فالشـهادتان ! هـل يصـح إسـلام أحـد بشـهادة أن لا إله إلا الله وحدهـا ؟ !
لا ، هنـاك شـهادة قرينــة مـع شـهادة أن لا إله إلا الله ، هـي : " أن محمـدًا رسـولُ الله " ، وهـذا يُلـزم باتبـاع هـذا الرسـول الأمـي ، وأن يُتخـذ قـدوة كما نـص القـرآن الكريـم ، قـال تعالـى " لَقَـدْ كَـانَ لَكُـمْ فِي رَسُـولِ اللهِ أُسْـوَةٌ حَسَـنَةٌ لِّمَـن كَانَ يَرْجُـو اللهَ وَالْيَـوْمَ الآخِـرَ وَذَكَـرَ اللهَ كَثِيـرًا } .سورة الأحزاب / آية : 21 .شرح صحيح مسلم / شريط رقم : ( 1 ) / الوجه الأول .
تحذيـــر :
* عـن المِقْـدام بـن معـدي كَـرِبٍ ، عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أنـه قـال : ألا إنـي أوتيـت الكتـاب ومثلـه معـه ، ألا يوشـكُ رجـلٌ شـبعان علـى أريكتـه يقـول : عليكـم بهـذا القـرآن ، فمـا وجدتـم فيـه مـن حـلال فأحلُّـوه ، ومـا وجدتـم فيـه مـن حـرام فحرمـوه ، ألا لا يحـل لكـم لحـم الحمـار الأهلـي ، ولا كـلُّ ذي نـابٍ مـن السَّـبُع ، ولا لُقَطـةُ مُعاهِـد إلا أن يسـتغنيَ عنها صاحبُهـا ، ومـن نـزل بقـومٍ فعليهـم أن يَقْـروه ، فـإن لـم يَقْـروه فلـه أن يُعْقِبهـم بمثـل قِـراه " .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 34 ) ـ كتاب : السنة / ( 6 ) ـ باب :لزوم السنة / حديث رقم : 4604 / ص : 831 . صحيح .
* قـال أبـو داود : حدثنـا أحمـد بـن حنبـل وعبـد الله بـن محمـد النفيلـي ، قـالا أخبرنـا سـفيان ، عـن أبـي النضـر ، عـن عُبيـد الله بن أبـي رافـع ، عـن أبيـه ، عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال " لا أَلفَيـنَّ أحدكـم متكئًـا على أريكتـه ، يأتيـه الأمـرُ مـن أمـري ، مما أَمـرتُ بـه أو نَهيـتُ عنـه ، فيقـول : لا نـدري ، مـا وجدنـا فـي كتـاب الله اتبعنـاه ! " .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 34 ) ـ أول كتاب السنة /( 6 ) ـ باب : في لزوم السنة / حديث رقم : 4605 / ص : 831 / صحيح .
قـال تعالـى " قُـلْ أَطِيعُـواْ اللهَ وَالرَّسُـولَ ..." . سورة آل عمران / آية : 32 .
* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " تركـتُ فيكـم شـيئين ، لـن تضلـوا بعدهمـا : كتـاب الله ، وسـنتي ، ولـن يتفرقـا حتـى يـردا علـى الحـوض " .أخرجه الحاكم . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته ... /الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 2937 / ص : 566 / صحيح .
فالسـنة كالقـرآن فـي تحليـل الطيبـات ، وتحريـم الخبائـث ، وَرَدّ حـرف صـحَّ عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كَـرَدّ حـرف مـن كـلام الله جـل وعـلا .التأسيس ... / ص : 130 .
ولمـا كـان لهذيـن المصدريـن ـ الكتـاب والسـنة ـ هـذه المكانـة العاليـة والمقـام الرفيـع ، كـان واجبًـا علـى العقـلاء التحاكـم إليهمـا .
قـال تعالـى " فَـلاَ وَرَبِّـكَ لاَ يُؤْمِنُـونَ حَتَّـىَ يُحَكِّمُـوكَ فِيمَـا شَـجَرَ بَيْنَهُـمْ ثُـمَّ لاَ يَجِـدُواْ فِـي أَنفُسِـهِمْ حَرَجـًا مِّمَّـا قَضَيْـتَ وَيُسَـلِّمُواْ تَسْـلِيمًا " . سورة النساء / آية : 65 .
وقـال تعالـى " وَمَـا كَـانَ لِمُؤْمِـنٍ وَلاَ مُؤْمِنَـةٍ إِذَا قَضَـى اللهُ وَرَسُـولُهُ أَمْـراً أَن يَكُـونَ لَهُـمُ الْخِيَـرَةُ مِـنْ أَمْرِهِـمْ وَمَـن يَعْـصِ اللهَ وَرَسُـولَهُ فَقَـدْ ضَـلَّ ضَـلاَلاً مُّبِينـًا " .سورة الأحزاب / آية : 36 .
والعلمـاء قنـوات توصيـل لهـذا النبـع الصافـي ، وفـرق بيـن أن نتخذهـم قنـوات توصلنـا إلـى الكتـاب والسـنة ، وبيـن أن نتخذهـم أربابـًا مـن دون الله .
فـرق بيـن أن نجعـل قـول العالـم كالنـص مـن الكتـاب والسـنة وبيـن أن نقتفـي أثـر الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ونبحـث عـن الحـق مـن خـلال أقـوال العالـم .
شرح صحيح مسلم / شريط رقم : 1 .
وقـد توعـد الله سـبحانه الذيـن يخالفـون سـنة النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فقـال " وَمَـا آتَاكُـمُ الرَّسُـولُ فَخُـذُوهُ وَمَـا نَهَاكُـمْ عَنْـهُ فَانتَهُـوا وَاتَّقُـوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَـدِيدُ الْعِقَـابِ ". سورة الحشر / آية : 7 .
فـدل علـى أن مـن خالـف سـنة الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فيمـا أمـر بـه أو نهـى عنـه ؛ أنـه مُعَـرَّض لعقـاب الله عـز وجـل .
وقال تعالـى " فَـإِن لَّـمْ يَسْـتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَـمْ أَنَّمَـا يَتَّبِعُـونَ أَهْوَاءهُـمْ ... ".سورة القصص / آية : 50 .
* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ أن رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال " كـل أمتـي يدخلـون الجنـة إلا مـن أبـى " . قالـوا : يـا رسـول الله ومـن يأبـى .
قـال " مـن أطاعنـي دخـل الجنـة ومـن عصانـي فقـد أبـى " صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب : الاعتصام بالكتاب والسنة / ( 2 ) ـ باب : الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم / حديث رقم : 7280 / ص : 845 .
فلنحـذر عاقبـة مخالفـة أمـر الله ورسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
قــال الإمـام مسـلم : حدثنــا أبـو بكـر بـن أبـي شَـيْبَةَ ، قـال حدثنــا زيـد بـن الْحُبَــابِ عـن عِكرمـة ابـن عمَّـار ، قــال حدثنـي إيـاسُ بـنُ سـلمة بـن الأكـوع ؛ أن أبــاه حدثـهُ ؛ أن رجـلاً
أكـل عنـد رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بشـماله ، فقـال ـ صلـى الله عليه وعلى آله وسـلم ـ :
" كُـلْ بيمينـك " . قـال : لا أسـتطيع . قـال : " لا اسـتطعت " . مـا منعـه إلا الْكِبْـرُ . قـال : فمـا رفعهـا إلـى فيـه " .
صحيح مسلم . متون / ( 36 ) ـ كتاب : الأشربة / ( 13 ) ـ باب : آداب
الطعام والشراب وأحكامهما / حديث رقم : 2021 / ص : 528 .
فهـذه عقوبـة عاجلـة ـ والعيـاذ بالله ـ فهـذا دليــل علـى أن مـن خالـف سـنة الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ تكبـرًا أنـه مُعَـرَّض للعقوبـة والعيـاذ بالله .
وعلـى النقيـض الحديـث الآتـي :
* عـن عبـد الله بـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ ؛ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ رأى خاتمًـا مـن ذهـب في يـد رجـل . فنزعـه فطرحـه وقـال :
" يعمـد أحدكـم إلـى جمـرة مـن نـار فيجعلُهـا فـي يـده " .
فقيـل للرجـل ، بعـد ما ذهـب رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ خـذ خاتمـك انتفـع بـه . قـال : لا .
والله ! لا آخـذه أبـدًا وقـد طرحـه رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .صحيح مسلم . متون / ( 37 ) ـ كتاب : اللباس والزينة / ( 11 ) ـ باب : تحريم خاتم الذهب على الرجال ، ونسخ ... / حديث رقم : 2090 / ص : 547 .
فانظـر الفـرق بيـن الرجليـن فـي الامتثـال .
فالأول يقـول : لا أسـتطيع تكبـرًا ، والعيـاذ بالله .
وهـذا قــال : والله لا آخــذ هـذا الخاتـم وقـد طرحـه رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فهـذا الإيمـان ، وهـذا الامتثـال العظيـم .مكانة السنة في الإسلام / الفوزان / ص : 17 / بتصرف .

وصيـــة الرســول
صلى الله عليه وعلى آله وسلم

* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " تركـت فيكـم شـيئين ، لـن تضلـوا بعدهمـا : كتـاب الله ، وسـنتي ، ولـن يتفرقـا حتـى يـردا علـيَّ الحـوضَ " .أخرجه الحاكم . وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته ... /الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 2937 / ص : 566 .
* قـال أبـو داود : حدثنـا أحمـد بـن حنبـل ، قـال : حدثنـا الوليـد بـن مسـلم ، قـال : حدثنـا ثَـور بـن يزيـد ، قـال : حدثنـي خالـد بـن مَعـدان ، قـال : حدثنـي عبـد الرحمـن بـن عمـرو السُّـلَمـي وحُجْـر ابـن حُجْـر ، قـالا : أتينـا العِرْبـاض بـن سـارية ، وهـو ممـن نـزل فيـه :" وَلاَ عَلَـى الَّذِيـنَ إِذَا مَـا أَتَـوْكَ لِتَحْمِلَهُـم قُلْـتَ لاَ أَجِـدُ مَـا أَحْمِلُكُـم عَلَيْـهِ "سـورة التوبـة / آيـة : 92 . .
فسـلَّمنا ، وقلنـا : أتينـاك زائريـن وعائديـن ومقتبسـين .
فقـال العِربـاض :صلـى بنـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ذات يـوم ، ثـم أقبـل علينـا ، فوعظنـا موعظـةً بليغـة ذرفـت منهـا العيـون ووجِلـت منهـا القلـوب .
قـال قائـل : يـا رسـول الله كـأن هـذه موعظـة مـودع ، فمـاذا تعهـد إلينـا ؟ .فقـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم :
" أوصيكـم بتقـوى الله والسـمع والطاعـة وإن عبـدًا حبشـيًّا ، فإنـه مـن يعـش منكـم بعـدي فسـيرى اختلافـًا كثيـرًا ، فعليكـم بسـنتي وسـنة الخلفـاء الراشـدين المهدييـن ، تمسـكوا بهـا وعَضـوا عليهـا بالنواجِـذ ، وإياكـم ومحدثـات الأمـور ، فـإن كـل محدثـة بدعـة ، وكـل بدعـة ضلالـة " . سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 34 ) ـ كتاب : السنة /( 6 ) ـ باب : في لزوم السنة / حديث رقم : 4607 / ص : 832 / صحيح .


هديــة الشــيخ الألبانــي
رحمه الله

قـال الشـيخ الألبانـي ـ رحمه الله :... مـن البديهـي بعـد هـذا أن نقـول إن السـنة التـي لهـا هـذه الأهميـة فـي التشـريع ، إنمـا هـي السـنة الثابتـة عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بالطـرق العلميـة والأسـانيد الصحيحـة المعروفـة عنـد أهـل العلـم بالحديـث ورجالـه .
وليسـت هـي التـي فـي بطـون مختلـف الكتـب مـن التفسـير والفقـه والترغيـب والترهيـب والرقائـق والمواعـظ وغيرهـا ، فـإن فيهـا كثيـرًا مـن الأحاديـث الضعيفـة والمنكـرة والموضوعـة وبعضهـا ممـا يتبـرأ منـه الإسـلام ... .
وقبـل أن أنهـي كلمتـي هـذه أرى أنـه لابـد لـي مـن أن ألفـت انتبـاه الإخـوة الحاضريـن إلـى حديـث مشـهور - أي مشهور بالمعنى اللُّغَوِي وليس بالمعنى الاصطلاحي ، والمقصود أنه مشهور على الألسنة- قَلَّمَـا يخلـو منـه كتـاب مـن كتــب أصـول الفقـه أو غيرهـم ، لضعفـه مـن حيـث إسـناده ، ولتعارضـه مـع مـا انتهينـا إليـه فـي هـذه الكلمـة مـن عـدم جـواز التفريـق فـي التشـريع بيـن الكتـاب والسـنة ـ الصحيحـة ـ ، ووجـوب الأخـذ بهمـا معـًا ألا وهـو : حديـث معـاذ .
* عـن أنـاس مـن أهـل حمـص مـن أصحـاب معــاذ بـن جبـل ، أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لمـا أراد أن يبعـث معـاذًا إلى اليمـن قـال " كيـف تقضـي إذا عـرض لـك قضـاء ؟ " . قـال : أقضـي بكتـاب الله .
قــال : " فـإن لـم تجــد فـي كتـاب الله ؟ " .
قـال : فبسـنة رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
قـال : " فـإن لـم تجـد فـي سـنة رســول الله ولا فـي كتـاب الله ؟ " . قـال : أجتهـد برأيـي ولا آلـو ، فضـرب رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ صـدره فقـال : " الحمـد لله الـذي وفـق رسـولَ رسـولِ الله لمـا يُرْضـي رسـولَ اللهِ "ضعيف .
سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 18 ) ـ كتاب : القضاء / ( 11 ) ـ باب :اجتهاد الرأي في القضاء / حديث رقم : 3592 / ص : 644 / وضعفه الألباني .

قـال الشـيخ الألبانـي ـ رحمه الله ـ :
أمـا ضعـف إسـناده : فـلا مجـال لبيانـه الآن .وقـد بينـتُ ذلـك بيانـًا شـافيًا ربمـا لـم أُسـبق إليـه ، فـي : " سـلسـلة الأحاديـث الضعيفـة والموضوعـة وأثرهـا السـيئ علـى الأمـة " .
وحسـبي الآن أن أذكـر أن أميــر المؤمنيـن فـي الحديـث ، الإمـام البخــاري ـ رحمه الله ـ ، قـال فيـه : ( حديـث منكـر ) .
وبعـد هـذا ، يجـوز لـي أن أشـرع فـي بيـان التعـارض الـذي أشـرتُ إليـه فأقـول :
إن حديـث معـاذ هـذا يضـع للحاكـم منهجـًا فـي الحكـم ، علـى ثـلاث مراحـل ، لا يجـوز أن يبحـث عـن الحكـم فـي الـرأي إلا بعـد أن لا يجـده فـي السـنة ، ولا فـي السـنة إلا بعـد أن لا يجـده فـي القـرآن .
وهو بالنسـبة للـرأي (1) منهـج صحيـح لدى كافـة العلمـاء ، وكذلـك قالـوا : إذا ورد الأثر بَطُـل النظـر .
( 1 ) بالنسبة للرأي منهج صحيح : أي لا يجوز الحكم بالرأي إلا بعد أن لا يجد الحكم في الكتاب ولا في السنة . وهذا منهج صحيح لدى كافة العلماء ، وكذلك قالوا : إذا ورد الأثر ( أي الدليل ) بطل النظر .
ولكنـه بالنسـبة للسـنة ليـس صحيحـًا ، لأن السـنة حاكمـة علـى كتـاب الله ومُبَيِّنـة لـه ، فيجـب أن يبحـث عـن الحكـم فـي السـنة ولـو ظـن وجـوده فـي الكتـاب لِمَـا ذكرنـا .
فليسـت السـنة مـع القـرآن ، كالـرأي مـع السـنة ، كـلا ! ثـم كـلا ! . بـل يجـب اعتبـار الكتـاب والسـنة مصـدرًا واحـدًا لا فصـل بينهمـا أبـدًا كمـا أشـار إلـى ذلـك قولـه ـ صلـى الله عليـه وعلى آله وسلـم ـ :
* عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : " تركـت فيكـم شـيئين ، لـن تضلـوا بعدهمـا : كتـاب الله ، وسـنتي ولـن يتفرقـا حتـى يـردا علـيَّ الحـوضَ " .أخرجه الحاكم / صحيح . صحيح الجامع الصغير وزيادته / الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 2937 / ص : 566 .
* وعـن المِقـدام بـن مَعْدِيكَـرِبٍ قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" ألا إنـي أوتيـت الكتـاب ومثلـه معـه ، ..... " .
سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 34 ) ـ أول كتاب السنة / ( 6 ) ـ باب :في لزوم السنة / حديث رقم : 4604 / ص : 831 / صحيح .
رسـالة : منزلـة السـنة في الإسـلام / للشـيخ الألبانـي / بتصرف .


س : هـل يؤخـذ بالحديـث الضعيـف فـي فضائـل الأعمـال ؟
ج : يقـول المحـدِّث الشـيخ محمـد ناصـر الديـن الألبانـي فـي مقدمـة كتابـه : " غايـة المـرام فـي تخريـج أحاديـث الحـلال والحـرام " ص : 3 :
" ولئـن كـان بعـض النـاس يتسـاهلون فيذهبـون إلـى القـول بـأن الحديـث الضعيـف يُعمـل بـه فـي فضائـل الأعمـال ـ وهـو قـول مرجـوح عنـدي ، تبعًـا لكثيـر مـن كبـار أئمتـي ـ فـلا أحـد ـ منهـم ـ والحمـد لله يذهـب إلـى جـواز الاحتجـاج بالحديـث الضعيـف فـي الأحكـام الشـرعية ، بـل أجمعـوا علـى أنـه يجـب أن يكـون ـ الحديـث الـذي يحتـج بـه فـي الأحكـام الشـرعية ـ أن يكـون مـن قسـم المقبـول ، وأدنـاه الحسـن لغيـره ..... " . ا . هـ .
ـ وحتـى الذيـن أجـازوا العمـل بالحديـث الضعيـف فـي فضائـل الأعمـال ، وضعـوا شـروطًا قيـدوا بهـا هـذا ـ الجـواز . الطريق إلى الجنة / ص : 8 .
ـ والحقيقـة أن الـذي ينظـر فـي الأحاديـث الصحيحـة الـواردة فـي فضائـل الأعمـال ، يجـد أنهـا تغنـي عـن تلـك الضعيفـة ، ونسـد بذلـك بابـًا فتـح علينـا لسـنا بحاجـة إليـه ، فضـلاً عـن الوقـت الـذي يُضـاع فـي التمييــز ، هـل الحديـث الضعيـف المـروي فـي فضائـل الأعمـال مطابـق للشـروط أم لا .
الطريق إلى الجنة / ص : 9 .
ـ ثـم أن هـذا القـول ـ الـذي هـو : الأخـذ بالحديـث الضعيـف فـي فضائـل الأعمـال ـ يناقـض بعضَـهُ بعضـًا .
فمـن قـال بهـذا القـول ، ناقـض نفسـه عنـد التطبيـق ، وذلـك لعـدم تحديـد معنـى عبـارة " فضائـل الأعمـال " .
فمعنــى يؤخــذ بـه فـي فضائــل الأعمــال :
أنـه يؤخـذ بـه إن كانـت هـذه الأعمـال ثبتـت فضيلتهـا بحديـث صحيـح ، فـإذا جـاء حديـث ضعيـف ، أثبـت نفـس الفضيلـة التـي أثبتهـا الحديـث الصحيـح ، أُخِـذَ بالحديـث الضعيـف للاسـتشـهاد وإثبـات مـا أثبتـه الحديـث الصحيـح .
أمـا إن كانـت لـم تَثْبـت فضيلـة هـذه الأعمـال بحديـث صحيـح ، أي لـم تثبـت فضيلتهـا إلا بالحديـث الضعيـف ، فهـذا تشـريع ، والتشـريع بالحديـث الضعيـف لا يجـوز ولـو فـي أقـل مراتـب التشـريع التـي هـي مراتـب الاسـتحباب .
وَلْنَعْلَـمْ أن :
" الأصــل فـي الحديــث ســوء الظــن " .
أي الـراوي متهـم حتـى تثبـت براءتـه .
فمـا لـم يثبـت ضبطـه ، ومـا لا نعلـم إن كـان راويـه ثقـة أم غيـر ثقـة ، نتوقـف فيـه ، ولا يُقبـل ،ولا يُحْتَـجُّ بـه حتـى يثبـت ضبطـه .
ولذلـك قـال ابـنُ مهـدي : " خصلتـانِ لا ينبغـي فيهمـا حُسْـنُ الظـن ، ... والحديـث " .
وليـس معنـى سـوء الظـن فـي الحديـث أن نحكـم عليـه بالضعـف ، أو علـى الـراوي أي حكـم دون بحـث وتثبـت ، ولكـن معنـى سـوء الظـن :
التوقـف عـن العمـل والاحتجـاج بهـذا الحديـث ، والتوقـف عـن الحكـم عليـه ، حتـى تثبـت صحتـه .
شرح الموقظة في علم الحديث وجه : ب / شريط رقم : 4 / بتصرف
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 08-17-2025, 04:28 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,382
Post

مقصـــد بعــض المصطلحــات الحديثيــة
* المــراد بالسَّــبْعَة :
أحمـد ، والبخـاري ، ومسـلم ، وأبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه .
* المــراد بالســتة :
أي أصحـاب الكتـب السـتة : وهـم : البخـاري ، ومسـلم ، وأبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه .
* المــراد بالخمســة :
أحمـد ، وأبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه .
* المــراد بالأربعــة :
أصحـاب السـنن الأربعـة وهـم :
أبـو داود ، والترمـذي ، والنسـائي ، وابـن ماجـه .
* المــراد بمتفــق عليــه :
البخـاري ومسـلم .
قاعـــدة :
" لا مُشـاحة فـي الاصطـلاح " .
هـذه المقاصـد المذكـورة ، هـي الأصـل ، ولكـن يُرْجَـع لمقدمـة كـل كتـاب ، لمعرفـة مفتـاح الكتـاب ، أي مقاصـد المصطلحـات المسـتخدمة فـي الكتـاب .
* * * * *
رُتــب كتــب الســـنة
أولاً : رُتـب كتـب السـنة مـن حيـث اشـتراط الصحـة :
صحيـح البخـاري ، ثـم صحيـح مسـلم .
فهمـا أعلـى كتـب السـنة مـن حيـث اشـتراطهما الصحـة .
فهمـا أصـح الكتـب بعـد كتـاب الله عـز وجـل ، وقـد تلقـى العلمـاء كتابيهمـا بالقبـول ، واتفقـوا علـى أنهمـا أصـح الكتـب بعـد القـرآن الكريـم .
* قـال الإمـام النـووي ـ رحمه الله ـ فـي شـرحه لصحيـح مسـلم 1 / 14 " اتفـق العلمـاء رحمهـم الله علـى أن أصـح الكتـب بعـد القـرآن العزيـز : الصحيحـان البخـاري ومسـلم ، وتلقتهمـا الأمـة بالقبـول " . ا . هـ .
إلا أن بعـض العلمـاء انتقـدوا عليهمـا بعـض الأحـرف اليسـيرة كالدارقطنـي ، وأبـي علـي الغسـاني الجيانـي ، وأبـي مسـعود الدمشـقي ، وابـن عمـار الشـهيد .
وتصـدى للجـواب عمـا انتقـد عليهمـا جماعـة مـن العلمـاء ، كالنـووي فـي شـرح صحيـح مسـلم ، والحافـظ ابـن حجـر فـي " هَـدْي السـاري " ، و " فتـح البـاري " .تيسير علوم الحديث للمبتدئين ... / ص : 21 / بتصرف .
ـ قـال أبـو جعفـر محمـود بـن العقيلـي لمـا ألَّـف البخـاري كتـاب الصحيـح ، عرضـه علـى : أحمـد ابـن حنبـل ويحيـى بـن معيـن ، وعلـيّ بـن المدينـي وغيرهـم ، فاسـتحسـنوه وشـهدوا لـه بالصحـة إلا فـي أربعـة أحاديـث ، قـال العقيلـي ، والقـول فيهـا قـول البخـاري وهـي صحيحـة .مقدمة فتح الباري ... / ص : 9 .
ثانيًــا : رُتــب كتـب السـنة مـن حيـث كثـرة الصحيـح وقلـة الضعيـف :
أعلاهـا رتبـة " سـنن النسـائي " ، ثـم " سـنن أبـي داود " ، ثـم " سـنن الترمـذي " ، ثـم " سـنن ابـن ماجـه " .
ثالثًــا : رُتـب كتـب السـنة مـن حيـث الاسـتفادة لطالـب العلـم :
" جامـع الترمـذي " ، هـو أعلاهـا رتبـة ، فهـو كتـاب مفيـد جـدًّا للـدارس لمـا اشـتمل عليـه فهـو لا يقتصـر علـى إيـراد الحديـث ، بـل يحكـم عليـه فـي غالـب الأحيـان وإن كـان متسـاهلاً شـيئًا مـا فـي التصحيـح والتحسـين ، إلا إنـه مِمَّـنْ يُعْتمـد عليـه .وهـو لا يكتفـي بذكـر الأحاديـث والحكـم عليهـا ، بـل يترجـم لهـا تراجـم مفيـدة .فأصحـاب الكتـب السـتة كلهـم يترجمـون للأحاديـث عـدا الإمـام مسـلم .
معنـى يترجمـون (1)
ذلـك التبويـب ، أي يقدمـون للبـاب بعنـوان يُفْصِـحُ عـن مقصودهـم ، أي لمـاذا أوردوا هـذه الأحاديـث فـي هـذا الموضـع .
والترمـذي لا يقتصـر علـى الحكـم علـى الأحاديـث ، والترجمـة لهـا ، بـل يذكـر فوائـد تتعلـق بالرجـال ، ويحكـم علـى السـند ، ويذكـر حالـة مـن فيـه .
وينقـل كذلـك أقـوال المشـهورين مـن أهـل العلـم فـي حكمهـم المسـتفاد مـن الحديـث مـن الناحيـة الفقهيـة فـي أغلـب الأحيـان .
شرح الباعث الحثيث ... / شريط رقم : 16 / بتصرف .
( 1 ) لمزيد من المعلومات عن مقاصد مصطلح " تراجم " ، يُرجع إلى بحث " قبسات من علم مصطلح الحديث " / ج : 1 / ص : 45 .
* * * * *
بعــض التحقيقــات لبعــض دواويــن الســنة
سـنن أبـي داود :
تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي .
سـنن النسـائي :
تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي .
سـنن الترمـذي :
تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي .
سـنن ابـن ماجـه :
تحقيـق الشـيخ : محمـد ناصـر الديـن الألبانـي .
مسـند أحمـد :
المسـند للإمـام أحمـد بـن حنبـل ، تحقيـق الشـيخين : أحمـد محمـد شـاكر ، وحمـزة أحمـد الزيـن .
تحذيـــر :
لابـد مـن تحـري التحقيـق قبـل التعامـل مـع سـنة رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ حتـى لا نقـع تحـت الوعيـد :
* فعـن عامـر بـن الزبيـر ، عـن أبيـه قـال : قلـت للزبيـر ، مـا يمنعـك أن تحـدِّث عـن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ كمـا يحـدث عنـه أصحابُـك ؟ .
قـال : أمـا والله لقـد كـان لـي منـه وجـهٌ ومنزلـة ، ولكنـي سـمعته يقـول " مـن كـذَب علـيَّ متعمـدًا فليتبـوأ مقعـده مـن النـار " .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] . تحقيق الشيخ الألباني / ( 19 ) ـ كتاب : العلم / ( 4 ) ـ باب : في التشدد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم / حديث رقم : 3651 / ص : 657 / صحيح .
* * * * *
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 08-17-2025, 05:05 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,382
Post

المصـــدر الثالـــث : الإجمــاع
الإجمــاع لغــة :
الإجمـاع لغـة هـو العـزم والاتفـاق .
قـال تعالـى { ذَلِـكَ مِـنْ أَنبَـاء الْغَيْـبِ نُوحِيـهِ إِلَيْـكَ وَمَـا كُنـتَ لَدَيْهِـمْ إِذْ أَجْمَعُـواْ أَمْرَهُـمْ وَهُـمْ يَمْكُـرُونَ } سورة يوسف / آية : 102 .
أجمعـوا علـى الأمـر : أي اتفقـوا عليـه .
الإجمــاع اصطلاحًــا :
الإجمــاع اصطلاحًـا : هـو اتفــاق كـل مجتهـدي عصـر واحـد مـن أمــة محمـد ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، بعـد وفاتـه ، علـى حكـمٍ شـرعي .معالم أصول الفقه ... / ص : 162 / بتصرف .
· اختلـف العلمـاء ـ رحمهم الله ـ فـي الإجمـاع هـل يمكـن وجـوده أو لا يمكـن :
اختلـف العلمـاء فـي ذلـك ، فمنهـم مـن يقـول : إن الإجمـاع لا يمكـن حصولـه :
واسـتدلوا بقـول الإمـام أحمـد : " مـن ادَّعـى الإجمـاع فهـو كـاذبٌ ومـا يدريـه لعلهـم اختلفـوا " .
ـ ويُـرَدّ علـى هـذا : بـأن الإمــام أحمـد لا ينفـي الإجمـاع كلـه ، كمـا يَفهـم أو يظـن البعـض ، بالعكـس ؛ هـو يثبتـه ، ولكـن يقـول : إن المدعـي للإجمـاع بمجـرد عـدم علمـه بالمخالـف ، يعتبـر كاذبـًا فـي دعـواه ، ومـا يدريـه لعلهـم اختلفـوا (1) .
( 1 ) ذكره ابن القيم في إعلام الموقعين ( 1 / 30 ) . ورواه ابن حزم في الإحكام ( 4 / 573 ) بسنده عن الإمام أحمد .حاشية : شرح الأصول من علم الأصول . ص : 492 .

* واسـتدلوا أيضـًا بـأن الإحاطـة بقــولِ كـلِّ عالــم مـن المجتهديـن متعــذرة لاسـيما حيـن انتشـرت الأمـة وكثــر الخـلاف وبعـدت المسـافة ، فكيـف يمكـن لعالـم فـي أقصـى المغـرب أن يعلـم بأقــوال العلمـاء فـي أقصـى المشـرق ؟ لاسـيما فيمـا سـبق فإنهـم لـم يكــن عندهـم وسـائل نقـل يتوصلـون بهـا إلـى العلـم بسـرعة .
فهـذا مثـلاً : " ابـن حـزم ـ رحمه الله ـ ، يقـول فـي " أبـي عيسـى محمـد بـن عيسـى الترمـذي " ، لا يُعْـرف ...
فابـن حـزم ـ رحمه الله ـ فـي الأندلـس ، فـي أقصـى المغـارب عنـد المحيـط ، والترمـذي ـ رحمه الله ـ في أقصـى المشـارق ، فـي خُراسـان فمـا بلـغ ابـن حـزم علـم عـن الترمـذي ، فضـلًا عـن كتبـه .
فلهـذا قالـوا : إن الإجمـاع متعـذر .
ـ ويمكـن الـرد علـى ذلـك : بـأن الإجمـاع ليـس بمتعـذر ، فصحيـح أن العلـم بالإجمـاع قـد يكـون صعبـًا لأنـه يحتـاج إلـى اطـلاع واسـع ، ومعرفـة بخلافـات النـاس ، فليـس كـل إنسـان يسـتطيع أن يقـول إن العلمـاء أجمعـوا علـى كـذا ، لأنـه يحتـاج إلـى أن يطلـع وينظـر .
ولا ننفـي الخـلاف فـي ذلـك .
شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 493 / بتصرف .


الفــرق بيـن حجيــة الإجمــاع وصحتــه :
هنـاك فـرق بيـن حُجيـة الإجمـاع وبيـن صحـة الإجمـاع فـلا ينعقـد ـ أي لا يصـح ـ إجمـاع يخالفـه مثـل ابـن حـزم ، لا ينعقـد الإجمـاع مـع أن الصـواب فـي الغالـب سـيكون فـي صـف هـذا الإجمـاع المدَّعَـى ، لكـن هنـاك فـرق بيـن الصـواب المجمـع عليـه ، والصـواب غيـر المجمـع عليـه .
فهـذا لا يعتبـر إجماعـًا بـل هـو قـول الجمهـور ، وابـن حـزم مثـلاً ، مخالـف لقـول الجمهـور .
شـــروط الإجمـــاع :
يتبيـن مـن التعريـف السـابق للإجمـاع أن للإجمـاع قيـود أو شـروط وهـي :
الأول : أن يصـدر الاتفـاق عـن كـل العلمـاء المجتهديـن .
الثانــي : أن يتحقـق اتفـاق المجتهديـن فـي لحظـة اجتماعهـم ، أي فـي نفـس العصـر .
الثالــث : يشـترط أن يكـون اتفـاق المجتهديـن علـى أمـر مـن الأمـور الدينيـة ، ويخـرج بذلـك الأمـور الدنيويـة والعقليـة (1) وغيرهـا .
( 1 ) مثلاً أجمع الناس على أن الكل أكبر من الجزء ، فهذا إجماع عقلي ، لكن لا مدخل له هنا ، فنحن نتكلم عن الإجماع الذي هو دليل من أدلة الشرع . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 492 .
الرابــع : العبــرة بالإجمــاع مـا كـان بعـد وفـاة النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وهـذا مـا يذكـره كثيـر مـن الأصولييـن فـي تعاريفهـم .
ـ الخامـس : أن يكـون المجمعـون من المسـلمين ، ولا عبـرة بإجمـاع الأمـم الأخـرى غيـر المسـلمة .
معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة / ص : 162 .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 182 .
مـن هــم أهــل الإجمــاع :
يشـترط فـي أهـل الإجمـاع مـا يأتـي :
الشـرط الأول : أن يكونـوا مـن العلمـاء المجتهديـن .
ويكفـي فـي ذلـك الاجتهـاد الجزئـي (1) ، لأن اشـتراط الاجتهـاد المطلـق فـي أهـل الإجمـاع قـد يـؤدي إلـى تعـذر الإجمـاع ، لكـون الاجتهـاد المطلـق ، نـادر الوجـود .
( 1 ) الاجتهاد الجزئي يعني : أن الإنسان قد يجتهـد في مسألة معينة من مسائل العلم أو في بـاب معين من أبواب العلم . ولكن لا يكـون مجتهدًا في غير ذلك . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 632 .
الشـرط الثانـي : اتفقـوا علـى اشـتراط الإسـلام . فـلا يعتبـر فـي الإجمـاع قـول المجتهـد الكافـر الأصلـي والمرتـد ، بـلا خـلاف .
الشـرط الثالـث : أن يكـون قـول جميـع المجتهديـن . فـإذا خالـف واحـد أو اثنـان مـن المجتهديـن فـإن قـول الباقيـن لا يعتبـر إجماعـًا .
الشـرط الرابـع : أن يكـون جميـع أهـل الإجمـاع أحيـاء .
فالقاعـدة : أن الماضـي لا يعتبـر ، والمسـتقبل لا ينظـر . ويقصـد بالماضـي ؛ أي الأمـوات .
ويقصـد بالمسـتقبل ؛ أي الذيـن لـم يوجـدوا بعـد ، أو وجـدوا ولـم يبلغـوا درجـة الاجتهـاد حـال انعقـاد الإجمـاع .
معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة / ص : 176 / بتصرف .
الإجمــاع لا يُنْشِــئ حكمـًـا :
الإجمـاع عنـد القائليـن بـه لا ينشـئ حكمـًا فـي الشـريعة جديــدًا ، بـل يُعْتَقَــدُ فيـه أنـه مسـتند إلـى نـص أو قيـاس ، عَلِمْنَـاه أم جَهِلْنَـاه .
الواضح في أصول الفقه ... / ص : 129.
لأن الاجتهــاد لا يكـون عـن هــوى ، بـل وِفـق مناهـج مرسـومة وضوابـط شـرعية معينـة تعصــم مـن الهـوى . الوجيز في أصول الفقه / ص : 185
فائـــدة :
قـد ألـف بعـض العلمـاء فـي إثبـات الإجمـاع وبيـان المسـائل المُجمـع عليهـا . ومـن أمثلتهـا :
كتـاب " مراتـب الإجمـاع " لابـن حـزم ذكـر فيـه المسـائل المجمـع عليهـا ، وتعقبـه فـي كثيـر منهـا ابـن تيميـة ، وكتابـه مطبـوع متـداول . وكتـاب " الإفصـاح " لابـن هبيـرة . و " الإجمـاع " لابـن المنـذر .الواضح في أصول الفقه للمبتدئين ... / ص : 129 / بتصرف يسير .
مســتند الإجمــاع :
لابـد للإجمـاع مـن مسـتند شـرعي ـ عنـد الجمهـور ـ ، وهـذا المسـتند إذا كـان مـن الكتـاب أو السـنة ـ الصحيحـة ـ فهـو جائـز باتفـاق ـ عنـد الجمهـور ـ ، وإن كـان مـن قيـاس ونحـوه ، فهـو جائـز أيضـًا عنـد كثيـر مـن العلمـاء .إجماعات ابن عبد البر ... / ج : 1 / ص : 41 .
مثــال الإجمــاع المبنــي علـى الكتــاب :
الإجمـاع علـى حرمـة نكـاح الجـدات وبنـات الأولاد مهمـا نزلـت درجتهـن .
وسـنده قولـه تعالـى { حُرِّمَـتْ عَلَيْكُـمْ أُمَّهَاتُكُـمْ وَبَنَاتُكُـمْ ... } سورة النساء / آية : 23 .
إذ الإجمـاع منعقـد علـى أن المـراد بالأمهـات فـي الآيـة الكريمـة : الأصـول مـن النسـاء ، فتشـمل الجـدات وإن عَلَـوْن .
وأن المـراد مـن البنـات : الفـروع مـن النسـاء ، فتشـمل البنـات الصلبيـات وبنـات الولـد وإن نزلـن .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 190 .
مثــال الإجمــاع المبنــي علـى الســنة :
الإجمـاع علـى عـدم جـواز التوسـل بالميـت .
وسـنده : توسـل " عمـر " بعمـه " العبـاس " بعـد وفـاة الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
* عـن أنـس بـن مالـك ـ رضي الله عنه ـ أن عمـر بـن الخطـاب ـ رضي الله عنه ـ كـان إذا قحطـوا اسـتسـقى بالعبـاس بـن عبـد المطلـب ، فقـال : " اللهـم إنـا كنـا نتوسـل إليـك بنبينـا ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فتسـقينا ، وإنـا نتوسـل إليـك بعـم نبينـا فاسـقنا " . قـال : فيُسـقَون . صحيح البخاري . متون / ( 15 ) ـ كتاب :الاستقساء / ( 3 ) ـ باب : سؤال الناس الإمام الاستقساء إذا قحطوا / حديث رقم : 1010 / ص : 116 .
فهـذا إجمـاع علـى عـدم جـواز التوسـل بالميـت ، وإلا قُـدِّم النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بعـد
وفاتـه إذا كـان هـذا جائـزًا .
مثــال الإجمــاع المبنـي علـى القيـاس :
توريـث الجـدة الصحيحـة السـدس بالإجمـاع قياسـًا علـى ميـراث الأم فـي حالـة عـدم الأم ، ولكـن ليـس مـن كـل الوجـوه .
قـال ابـن المنـذر فـي الإجمـاع / ص : 84 : أجمعـوا علـى أن للجـدة السـدس إذا لـم تكـن للميـت أم .
الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز / ص : 420 .
الإجمـاع علـى تحريـم شـحم الخنزيـر قياسـًا علـى تحريـم لحمـه .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 190 .
اختلـف الأصوليـون فـي جـواز انعقـاد الإجمـاع عـن اجتهـاد أو قيـاس ، فجـوزه الأكثـرون ، ومنعـه غيرهـم .
ومـا ذهـب إليـه الأكثـرون هـو ـ الراجـح ـ ، فقـد انعقـدت إجماعـات فـي زمـن الصحابـة وكـان مسـتندها اجتهـادًا أو قياسـًا .
فقـد أجمعـوا علـى جمـع القـرآن ، وكـان سـندهم " المصلحـة المرسـلة " ، وهـي ضـرب مـن ضـروب الاجتهـاد .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 190 / بتصرف يسير .
أنـــواع الإجمـــاع :
ينقسـم الإجمـاع باعتبـار قوتـه إلـى قسـمين :
أ ـ إجمـاع قطعـي . ب ـ إجمـاع ظنـي .
أ ـ " الإجمــاع القطعــي " :
وهـو مـا يُعلـم وقوعـه مـن الأمـة بالضـرورة ... .
ومعنـى " ..... بالضـرورة " : أي بـدون نظـر وتأمـل وتتبـع واسـتقراء ، يعنـي لا يحتـاج أن ننظـر هـل
أجمعـوا أم لـم يجمعـوا ؛ لأنـه معـروف . كالإجمـاع على وجـوب الصلـوات الخمـس ، وتحريـم الزنـا .
فلـو قـال قائـل : مـا دليلـك علـى وجـوب الصلـوات الخمـس ؟
ج : الدليـل إجمـاع المسـلمين ، فـلا أحـد ينكـر هـذا ، وليـس معنـى ذلـك أنـه ليـس هنـاك دليـل مـن الكتـاب والسـنة ، لكـن مـن الجائـز أن تتعـدد الأدلـة ، والمدلـول واحـد .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 497 / بتصرف .
لكـن قـد ينشـأ مـن المسـلمين مـن الجهلـة مـن الآحـاد والأفـراد مـن يجهـل مثـل هـذا ، وكـون الـذي يجهلـه موجـودًا ـ ولـو علـى سـبيل النـدرة ـ ، لكـن هـذا لا ينفـي أن الإجمـاع هنـا قطعـي وإن وجـد فـي الأمـة مـن يجهلـه ، ولكنـه قطعـي لأن العبـرة ليسـت بالعـوام وبالمقلديـن ، ... ، وإنمـا العبـرة بمجتهـدي هـذه الأمـة .
شرح الأصول من علم الأصول / شريط رقم : 11 / ص : 26 / بتصرف .
والإجمـاع القطعـي ، حُجـة ، ولا يجـوز مخالفتـه ألْبتـة .
ومعنـى حُجَّـة : أي يلـزم مَـنْ بَلَغَـه هـذا الإجمـاع ، أن يقـول بموجبـه ، ولا يجـوز مخالفتـه .
ولابـد للإجمـاع القطعـي مـن مسـتند مـن الكتـاب أو السـنة الصحيحـة .
ولا يُسـأل عـن ثبـوت الإجمـاع القطعـي ، لأنـه قطعـي الثبـوت شرح الأصول من علم الأصول / ص : 497 / بتصرف .التأسيس ... / ص : 181 / بتصرف .
ب ـ " الإجمــاع الظنــي " :
أي مظنـون ، وقـد يكـون الأمـر بخلافـه .
تعريفـه : وهـو مـا لا يُعْلـم إلا بالتتبـع والاسـتقراء ، يعنـي ليـس معلومـًا بالضـرورة ، بـل مُتتبـع ، فيتتبـع مـن الكتـب التـي تنقـل الآثـار عـن المتقدميـن وتتبـع الكتـب التـي ألفهـا المتأخـرون ، وينظـر فـإذا أجمعـت الكتــب والآثـار علـى حكـم مـن الأحكـام قلنـا : هـذا إجمـاع ، لكـن ليـس إجماعـًا قطعيـًا ، لأنـه يجـوز أن يكـون هنـاك خـلاف لـم نعلمـه .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 498 .
الإجمـاع الظنـي حُجـة مـا لـم يُعـارض ، فـإن تعـارض مـع نـص قُـدم الأقـوى دَلالـة .
ويسـمى " الإجمـاع الاسـتقرائي " و " الإقـراري " ، ومنـه " الإجمـاع السـكوتي " . التأسيس ... / ص : 182 / بتصرف .
الإجمــاع الســكوتي : " هـو أن يقـول بعـض أهـل الاجتهـاد بقـول ، وينتشـر ذلـك فـي المجتهديـن
مـن أهـل ذلـك العصـر ، فيسـكتون ، ولا يظهـر منهـم اعتـراف ولا إنكـار " .المرتقى الذلول إلى نفائس علم الأصول / ص : 202 .
وقيـل : هـو أن يقـول أحـد المجتهديـن قـولاً فـي الديـن ، فينتشـر ، ولا يُنْقَـل عـن غيـره مـن المجتهديـن إنكـارٌ لذلـك القـول .الواضح ... / ص : 128 .

حُجيــة الإجمــاع الســكوتي :
اختُلِـفَ فيـه علـى أقـوال :
ـ فقيـل : هـو إجمـاع ، وذلـك تنزيـلاً للسـكوت منزلـة الرضـا والموافقـة .
ويُشـترط فـي ذلـك شـرطان :
أحدهمـا : ألا يُعلـم أن السـاكت سـاخط غيـر راضٍ بذلـك القـول .
والثانــي : أن تمضـي مهلـة تَسَـع النظـر فـي ذلـك القـول بعـد سـماعه .
وهـذا هـو الحـق بالشـرطين المذكوريـن ، وهـو مذهـب الجمهـور ، ويسـمى إجماعـًا سـكوتيًّا ، وهـو ظنـي غيـرقطعـي
وقيـل : إنـه حُجـة لا إجمـاع .
وقيـل : إنـه ليـس بحُجـة ولا إجمـاع .
وقيـل غيـر ذلـك ، والصحيـح هـو الأول كمـا بينـاه .
المرتقى الذلول إلى نفائس علم الأصول / السعدي / ص : 202 .

* * * * *
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 08-18-2025, 02:24 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,382
Post

المصـــدر الرابـــع : القيـــاس

تعريــف القيــاس :
القيـاس لغـة : التقديـر ، ومنـه قسـت الأرض بالمتـر أي قدرتهـا بـه ، والمسـاواة ومنـه تقديـر الشـيء بغيـره وتسـويته بـه
ومثــال ذلـك :
فـلان يُقـاس بفـلان إذا كانـا متسـاويين ، والتسـوية بيـن الشـيئين فـي اللغـة تشـمل الأشـياء الحسـية كمـا سـبق ، والمعنويـة كفـلان يقـاس بفـلان فـي العلـم .التأسيس ... / ص : 201 .
القيــاس اصطلاحـًا :
هـو إلحـاق حكـم الأصـل بالفـرع ، لِعِلَّـةٍ جامعـةٍ بينهمـا .
شــرح التعريــف :
" إلحـاق " : أي إثبـات حكـم الأصـل للفـرع ، والإلحـاق بمعنـى تسـوية حكـم الفـرع بحكـم الأصـل ، وأيضـًا بمعنـى التعديـة أي تعـدي حكـم الأصـل للفـرع .
" حكـم الأصـل " : من وجـوب أو نـدب أو تحريـم أو كراهـة أو إباحـة أو صحـة أو فسـاد وغيـر ذلـك .
" الأصـل " : المقيـس عليـه .
" الفـرع " : المقيـس .
" العلـة " : هـي الوصـف الـذي اعتبـر مظنـة إثبـات حكـم الأصـل .
ومـن خـلال شـرح التعريـف يتبيـن أن القيـاس مظهـر للحكـم وليـس مؤسـسـًا لـه .التأسيس ... / ص : 201 .
مثـــال :
قـال تعالـى " يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ إِنَّمَـا الْخَمْـرُ وَالْمَيْسِـرُ وَالأَنصَـابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْـسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّـيْطَانِ فَاجْتَنِبُـوهُ لَعَلَّكُـمْ تُفْلِحُـونَ " .سورة المائدة / آية : 90 .
معلـوم أنـه صـح عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أنـه قـال " كـل مسـكر خمـر ، وكـل خمـر حـرام " .صحيح مسلم / ( 36 ) ـ كتاب : الأشربة / ( 7 ) ـ باب : بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام / حديث رقم : 2003 /ص : 524 .
هـب أن هـذا الحديـث لـم يصـل إلـى بعـض الفقهـاء ، أو وصـل ولـم يصـح عندهـم .
وعليـه فـإن الآيـة نـص صريـح فـي تحريـم الخمـر ، فمـا حكـم النبيـذ مثـلًا ؟
الأصـــل : الخمـر .
وحكـم الأصــل : أنـه مُسْـكِر .
والفـــرع : النبيـذ .
وقـد وجـد أن النبيـذ فيـه نفـس العلـة ، وهـي الإسـكار (1) فتعـدى حكـم الأصـل لـه .
وعليـه أن حكـم شـرب النبيـذ : التحريـم " بالقيـاس " .
وهـذا قيـاس صحيـح .التأسيس ... / ص : 202 .

( 1 ) الإسكار : هو تغطية العقل على وجه اللذة والطرب ، أما تغطية العقل لغير هذا فليس بإسكار .
" فالبنبح " مثلاً غير مسكر ، لأنه ليس فيه لذة وطرب [ مجموع الفتاوي ( 28 / 340 ) ] . شرح الأصول من علم الأصول / ص : 531 .
يشــترط لصحــة القيــاس الآتــي :

الشـرط الأول :
أن لا يصـادم دليـلاً أقـوى منـه :
فـلا اعتبـار لقيـاس يصـادم النـص أو الإجمـاع ، ويسـمى القيـاس المصـادم لمـا ذُكـر : فاســد الاعتبــار .والاعتبـار هـو القيـاس .
مثالــه :
أن يقـال : يصـح أن تُـزَوِّج المـرأةُ الرشـيدة نفسَـها بغيـر ولـي ، قياسـًا علـى صحـة بيعهـا مـا لهـا بغيـر ولـي ، فهـذا قيـاس فاسـد الاعتبـار لمصادمتـه النـص ، وهـو :
قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم " لا نكـاح إلا بولـي " .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 6 ) ـ كتاب : النكاح /( 20 ) ـ باب : في الولي / حديث رقم : 2085 / ص : 361 / صحيح . ( الأصــول مـن علـم الأصـول ... / ص : 521 ، ... ) . ( التأسـيس ... / ص : 201 )
الشــرط الثانــي :
أن يكـون حكـم الأصـل ثابتـًا بنـص أو إجمـاع :
فـإن كـان ثابتـًا بقيـاس لـم يصـح القيـاس عليـه ، وإنمـا يُقـاس علـى الأصـل الأول ، لأن الرجـوع إليـه أولـى ، ولأن قيـاس الفـرع عليـه الـذي جُعـل أصـلاً قـد يكـون غيـر صحيـح ، ولأن القيـاس علـى الفـرع تطويـل بـلا فائـدة .
مثالــه :
أن يُقـال : يجـري الربـا فـي " الـذرة " قياسـًا علـى " الأرز " ، ويجـري فـي الأرز قياسـًا علـى البُـرِّ .
فالقيـاس هكـذا غيـر صحيـح لأنـه قـاس علـى فـرع ولـم يقـس علـى أصـل .
ولكـن يُقـال : يجـري الربـا فـي " الـذرة " قياسـًا علـى " البُـرِّ " ، وذلـك لِيُقَـاس علـى أصـل ثابـت .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 524 .

الشــرط الثالــث :
أن يكـون لحكـم الأصـل علـة معلومـة :
لابـد أن تكـون علـة الأصـل ـ وهـو المقيـس عليـه ـ معلومـة مـن أجـل أن نجمـع بينـه وبيـن الفـرع فيهـا إذ لـو لـم تتحقـق العلـة فـي الفـرع ، لـم يصـح القيـاس ، فـإن كـان حكـم الأصـل تعبديًّـا (1) محضـًا لـم يصـح القيـاس عليـه .
( 1 ) التعبـدي المحـض : هـو الـذي ليـس فـي العقـل مـا يحـث عليـه أو يغـري بـه .
وذلـك لأن العبـادات نوعـان : نـوع لـه علـة معقولـة ، فهـذه يكـون الإنسـان فاعـلاً لهـا باطمئنـان ، لأن العقـل باعـث إليهـا .
وتـارة لا يكـون للحكـم علـة معلومـة ، فهـذه يفعلهـا الإنسـان علـى سـبيل التعبـد المحـض .
فرمـي الجمـرات مثـلاً ليـس لـه علـة معلومـة ، بـل هـو مجـرد تعبـد .
فـإذا كـان حكـم الأصـل تعبديـًّا محضـًا لـم يصـح القيـاس عليـه ؛ ولهـذا قلنـا : لا قيـاس فـي العبـادات ـ ليـس فـي شـروطها وأركانهـا ـ لكـن فـي أصـل مشـروعيتها .
مثالـــه :
لـو قـال قائـل : إذا احتجبـت عنـا الشـمس بِغَيْـم كثيـف حتـى صـار الجـو كـأن لا شـمس ، فإنـه تشـرع صـلاة " الكسـوف " فـي هـذه الحـال قياسـًا علـى مـا إذا كسـفت الشـمس كسـوفًا عاديًّـا ، لأن الشـمس احتجبـت بسـحاب كثيـف ، فهـي كاحتجـاب نورهـا بالقمـر ، لأن كسـوف الشـمس سـببه أن القمـر يحُـول بينهـا وبيـن الأرض . فـلا فـرق إلا أن القمـر بعيـد وهـذا السـحاب قريـب ! !
نقـول :لا قيـاس فـي ذلـك ؛ لأن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أخبــر أن الله تعالـى يخـوف عبـاده بالكسـوف ، ولـم يَقُـلْ إنـه يخوفهـم بالسـحاب الكثيـف ، وإن كـان النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آلهوسلم ـ إذا رأى السـحاب أقبـل وأدبـر وتغيـر وجهـه حتـى يسـقط المطـر ، فيسـرَّ عنـه .شرح الأصول من علم الأصول / ص : 530 / بتصرف .
مثــال تطبيقـــي :
قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : " القاتـل لا يـرث " .
سنن الترمذي [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 27 ) ـ كتاب : الفرائض / ( 17 ) ـ باب :ماجاء في إبطال ميراث القاتل / حديث رقم : 2109 / ص : 476 / صحيح .
الأصــل : هـو الـوارث .
حكـم الأصـل : حرمانـه مـن الميـراث .
علـة الحكـم : اسـتعجال الشـيء قبـل أوانـه .
الفــرع : هـو الموصَـى لـه .
حكـم الفـرع : حرمانـه مـن الوصيـة .
علـة الحكـم : اسـتعجال الشـيء قبـل أوانـه .
وهـذا المثـال الواضـح ، فـي أن العلـة التـي بُنـي عليهـا حكـم حرمـان الـوارث مـن الميـراث ، هـو أنـه قَتَـل المـورِّث اسـتعجالاً لإرثـه ، فعاقَبَـهُ الشـارع بالحرمـان .
وكذلـك الموصـى لـه اسـتعجل الوصيـة ، فَقَتَـل مـن أوصـى ، فعاقبـه الشـارع أيضًـا بالحرمـان .التأسيس ... / ص : 224 .
مرادفــات العلـــة :
للعلـة مرادفـات كثيـرة منها : الجامـع ، المنـاط ، الأمـارة ، الداعـي ، الباعـث ، المقتضِـي ، الموجـب ، المشـترك .
فتاوي شيخ الإسلام / ج : 19 / ص : 6 .التأسيس ... / ص : 215 .

الشــرط الرابـــع :
أن تكـون العِلَّـة مشـتملة علـى معنـى مناسـب للحُكْـم يُعْلَـم مـن قواعـد الشـرع اعتبـاره :
وذلـك بـأن يكـون تشـريع الحكـم لأجلهـا محصـلاً للمحصلـة أو دارئًـا للمفسـدة فـي تقديـر أصحـاب العقـول السـليمة ، والطبـاع المسـتقيمة . وهـو مـا يُعَبَّـر عنـه بالمناسـبة .
مثــل :
أَكْـرِم اليتيـمَ ليتمـه ، أَطْعِـم المسـكينَ لمسـكنته ، ..... فـإن كـان الوصـف طرديًّـا ، كالسـواد والبيـاض ، والطـول والقصـر ، لـم يجـز التعليـل بـه .الواضح ... / ص : 243 / بتصرف .والوصـف الطـردي هـو الوصـف الـذي لا مناسـبة فيـه للحكـم : فـلا يصـح التعليـل بـه ولا يصـح القيـاس عليـه ، لأن العلـة حينئـذ سـاقطة ، كالسـواد والبيـاض .
فمثـــلاً :
لـو جـاء فـي الحديـث أن رجـلاً كثيـر الشـعر ضخـم البـدن مفتـول العضـلات ، جـاء إلـى النبـي ـ صلىالله عليه وعلى آله وسلم ـ وهـو يقـول : يـا رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، إنـي جامعــت امرأتـي فـي رمضـان ، فمـاذا علـيّ ؟ !
يقـول صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم : عليـك كـذا وكـذا .....
فهـذه الأوصـاف ـ التـي وردت فـي الرجـل السـائل ـ هـل هـي أوصـاف طرديـة ؛ أي لـو اسـتفتانا رجـل نحيـف أصلـع رخـي العضـلات ـ جامـع فـي رمضـان ـ هـل يكـون حكمـه كحكــم الأول أم يختلـف ؟
الجـــواب :
حكمـه كحكـم الأول تمامًـا مـع أن الأول كـان كثيـر الشـعر مفتـول العضـلات ... .
وهـذا الثانـي نحيـف أصلـع ... .
مـع ذلـك كلـه نقـول : أن حُكْمَـهُ كَحُكْمِـهِ ، لأن الأوصـاف المذكـورة أوصـاف طرديـة لا مناسـبة لهـا .
مثــال ذلــك :
حديـث ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ أن بريـرة خُيِّـرَتْ علـى زوجهـا حيـن عُتِقَـتْ . وكـان زوجهـا عبـدًا أسـود ، فقولـه " أسـود " وصـف طـردي لا مناسـبة فيـه للحكـم .
ولذلـك يثبـت الخيـار للأَمـة إذا عُتِقَـتْ تحـت عبـد وإن كـان أبيـض ، ولا يثبـت لهـا ـ الخيـار ـ إذا عتقـت تحـت حـر وإن كـان أسـود وذلـك لأن الوصـف بكونـه عبـدًا معنـوي ، فهـو واضـح ومناسـب للحكـم لأنـه عبـد مملـوك وهـي الآن ملكـت نفسـها ، وأمـا كونـه أسـود فهـو وصـف طـردي لا مناسـبة فيـه للحكـم فهـذا صـار لاغيـًا .
فنحـن نقـول هـذا الحديـث فيـه وصفـان : وصـف طـردي لا أثـر لـه فـي الحكـم وهـو كونـه أسـود ، ووصـف معنـوي لـه تأثيـر فـي الحكـم وهـو كونـه عبـدًا . شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 533 / بتصرف .
فعـن ابـن عبـاس أن زوج بريـرة كـان عبـدًا يُقـال لـه مُغيـثٌ ، كأنـي أنظـرُ إليـه يطـوفُ خلفَهَـا يبكـي ودموعُـهُ تسـيلُ علـى لحيتـه . فقـال النبـيُّ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لعبـاسٍ : يـا عبـاسُ ألا تعجَـبُ مـن حـبِّ مُغيـثٍ بريـرةَ ومـن بُغـضِ بريـرةَ مغيثـًا .فقـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " لو راجَعْتِـهِ " . قالـت : يـا رسـول الله تأمرنـي ؟ قـال: " إنمـا أنـا أشـفعُ" . قالـت : لا حاجـة لـي فيـه" .صحيح البخاري . متون / ( 68 ) ـ كتاب : الطلاق / ( 16 ) ـ باب : شفاعة النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ في زوج بريرة / حديث رقم : 5283 / ص : 638 .
الشــرط الخامــس :
أن تكـون العلـة موجـودة فـي الفـرع كوجودهـا فـي الأصل :
الفـرع هنـا هـو المقيـس ، إذَا فالمـراد أن تكـون العلـة موجـودة فـي الفـرع ـ أي فـي المقيـس ـ كوجودهـا فـي الأصـل ؛ أي فـي المقيـس عليـه .
وذلـك كالإيـذاء فـي ضـرب الوالديـن المقيـس علـى التأفيـف .
قـال تعالـى " ... فَـلاَ تَقُـل لَّهُمَـا أُفٍّ ..." .سورة الإسراء / آية : 23 .
نقـول : العلـة فـي قولـه : " أف " الإيـذاء .
والإيـذاء موجـود فـي الضـرب كوجـوده فـي التأفـف فيكـون حرامـًا قياسـًا عليـه .
وبعـض أهـل العلـم يـرى أن تحريـم الضـرب ليـس مـن بـاب الدلالـة القياسـية ، بـل مـن بـاب الأولويـة . فـإن النـص دل عليـه نطقـًا لا قياسـًا ؛ لأن الشـريعة إذا ذكـرت الأدنـى فهـي تريـد مـا فوقـه ، كمـا قـال النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " خمـسٌ يُقتَلْـنَ في الحِـلِّ والحَـَرم : الحيـةُ ، والغـرابُ الأبْقَـعُ ، والفـأرةُ ، والكلـبُ العقـورُ ، والحُدَيَّـا " .صحيح مسلم . متون/ (15) ـ كتاب : الحج / (9) ـ باب : ما يُنْدب للمحرم وغيره ... / حديث رقم : 67 ـ 1198 / ص : 291 .
فلـو جـاء أسـد ، أو نمـر فهـو يقتـل مـن بـاب أولـى لا مـن بـاب القيـاس ، لأن التنبيـه بالأدنـى تنبيـه علـى الأعلـى .
وبالتالـي فضـرب الأم حـرام لدخولـه فـي النـص لا بالقيـاس .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 538 / بتصرف .
أقســام القيــاس باعتبــار ثبـوت العلــة :

أ ـ قيـاس جَلِـي . ب ـ قيـاس خَفِـيّ التأسيس ... / ص : 216 .
أ ـ القيـــاس الجلــي :
هـو مـا ثبتـت علتـه بنـص أو إجمـاع ، أو كـان مقطوعـًا فيـه بنفـي الفـارق بيـن الأصـل والفـرع .
يتضـح مـن التعريـف مـا يلـي :
ـ ... فـإذا نـص الشـارع علـى العلـة ووجدنـا شـيئًا تثبـت فيـه هـذه العلـة صـار القيـاس جليًّـا .
ـ وكذلـك إذا أجمـع العلمـاء على أن علـة هـذا الحكـم كـذا ، صـارت كالعلــة التـي نـص عليهـا الشـارع ، وحينئـذٍ يكـون القيـاس علـى الحكـم المعلـل بهـا جليًّـا .
ـ مـا يُقطـع فيـه : أي يُعلـم علـم اليقيـن أنـه لا فـرق بيـن الأصـل والفـرع ، وهـذا يعنـي أننـا قطعنـا بنفـي الفـارق .
مثــال ذلــك : لا فـرق بيـن مـن بـال فـي المـاء الراكـد ، ومـن بـال فـي إنـاء ثـم صبـه فـي المـاء الراكـد .شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 540 / بتصرف .
مثــال تطبيقــي علـى القيــاس الجلـي :
عـن عبـد الله قـال : قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم " إذا كنتـم ثلاثـة فـلا يتناجـى اثنـان دون صاحبهمـا فـإن ذلـك يحزنـه " .صحيح مسلم . متون / 39 ـ كتاب السلام / 15 ـ باب تحريم مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه / حديث رقم : 38 ـ 2184 / ص : 568 .
فالعِلَّـة هنـا منصوصـة ، والحكـم هـو النهـي عـن التناجـي .
والعلـة : " فـإن ذلـك يحزنـه " ، فـإذا جلـس رجـلان إلـى ثالـث وهمـا يعرفـان اللغـة الإنجليزيـة ، والثالـث لا يعـرف إلا العربيـة ، وبـدءا يتكلمـان ، فيكلـم أحدهمـا الآخـر بالإنجليزيـة ، وكلمـا تكلمـا كلمـة التفتـا إلـى الرجـل الثالـث ، فـإن ذلـك يحزنـه .
فـإن قـالا :
نحـن لـم نتنـاج ، بـل نحـن نتكلـم بصـوت مسـموع ، والنهـي إنمـا هـو عـن التناجـي !
نقـول : قـد بيـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ العِلَّـة فـي هـذه المسـألة وقـال :
" فـإن ذلـك يُحزنـه " وهـذا بـلا شـك يحزنـه .
وبِنَـاءً علـى ذلـك :
لـو تناجـى اثنـان فـي وجـود ثالـث ولكنـه مـا أهمـه ذلـك بـل هـو منشـغل عنهمـا إمـا بالكتابـة ، أو بمكالمـة هاتفيـة أو غيـر ذلـك ، فهـذا ـ التناجـي ـ حينئـذ جائـز ، لأن العلـة ـ وهـي الإحـزان ـ لـم تتحقـق ، فـإن حصـل إحـزان للمسـلم بالتناجـي فهـو منهـي عنـه .
شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 541 / بتصرف .
ب ـ القيــاس الخفــي :
وهـو مـا ثبتـت علتـه باسـتنباط ، ولـم يُقْطـع فيـه بنفـي الفـارق بيـن الأصـل والفـرع .
يتضـح مـن التعريـف مـا يلـي :
ـ أنـه لـم تثبـت علتـه بنـص أو إجمـاع .
ـ لـم يقطـع فيـه بنفـي الفـارق فخـرج بـه مـا قطعنـا فيـه بنفـي الفـارق ـ بيـن الأصـل والفـرع .
مثالـــه :
كثيـر مـن العلمـاء ـ رحمهم الله ـ اختلفـوا فـي علـة جريـان الربـا فـي الأصنـاف السـتة .
فبعـض العلمـاء قـال : إن العلـة الكيـل ، فأجـرى الربـا فـي كـل مـا كـان مكيـلاً .
وهـذا هـو المشـهور مـن مذهـب الإمـام أحمـد ، لكـن هـذه العلـة لـم تثبـت بالنـص ، ولـم تثبـت بالإجمـاع .
وبعـض العلمـاء يقـول بـأن العلـة : الطَّعـمُ دون الكيـل ، ائتمامًـا بالشـافعي ، ولهـذا فالشـافعية يـرون جريـان الربـا فـي البرتقـال والتفـاح ومـا أشـبههما لأنهـا مطعومـة وكذلـك فهـذه العلـة لا يقطــع فيهـا بنفـي الفـارق ؛ إذ مـن الجائـز أن يقــول قائـل : ليسـت العلـة الكيـل ، بـل العلـة الطعـم ، وحينئـذ نسـمي هـذا القيـاس خفيًّـا ؛ لأن العلـة لم ينـص عليهـا بـل هـي
مسـتنبطة ، ولـم يقطـع فيهـا بنفـي الفـارق .
شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 545 .

* * * *

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 08-18-2025, 03:37 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,382
Post

المصـــدر الخامــس : قــول الصحابـــي

تعريــف الصحابـــي :
الصحابـي هـو مـن أسـلم فـي حيـاة الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ واجتمـع بـه ومـات علـى الإسـلام .
ولا يلـزم مـن الاجتمـاع السـماع بـل مجـرد الرؤيـة كمـا فـي حجـة الـوداع ، ومـات علـى الإسـلام .التأسيس ... / ص : 195 .
أقســـام قـــول الصحابــي :
1 ـ المرفـوع وينقسـم إلـى : مرفـوع حقيقـةً ، ومرفـوع حكمـًا .
2 ـ الموقـوف .
أولاً : المرفــوع :
أ ـ المرفـوع حقيقـة :
وهـو مـا رواه الصحابـي عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فتكـون نهايـة السـند إلـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
مثالـــه :
عـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ ، عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " مـن نسـي وهـو صائـم فأكـل أو شـربَ ، فليتـمَّ صومَـهُ ، فإنمـا أطعمـهُ الله وسـقاهُ " .صحيح مسلم . متون / ( 13 ) ـ كتاب : الصيام / ( 33 ) ـ باب : أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر /
حديث رقم : 1155 / ص : 276 .
ب ـ المرفـوع حكمـًا :
وهـو مـا رواه الصحابـي ـ الـذي لـم يأخــذ عـن الإسـرائيليات ولـم يرفعـه للنبـي ـ صلى الله عليهوعلى آله وسلم ـ ، وليـس للاجتهـاد والـرأي فيـه مجـال .
كالإخبـار عـن الأمـور الماضيـة من بـدء الخلـق وأخبـار الأنبيـاء ، أو الآتيـة كالملاحـم والفتـن وأحــوال يـوم القيامـة ، وكـذا الإخبـار عمـا يحصـل بفعلـه ثـواب مخصـوص أو عقـاب مخصـوص ، وإنما كـان له حكـم المرفـوع لأن إخبـاره بذلـك يقتضـي مخبِــرًا لـه ، ومـا لا مجــال للاجتهـاد فيـه يقتضـي موقفًـا للقائـل بـه ، ولا موقـف للصحابـة إلا النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أو بعـض مـن يخبـر عـن الكتـب المتقدمـة فلهـذا وقـع الاحتـراز عـن القسـم الثانـي .120سؤال وجواب في ... / الحكمي / ص : 144 .
مثــال المرفــوع حكمًـا :
كقـول عمـار : مـن صـام اليـوم الـذي يُشَــكُّ فيـه ، فقـد عصـى أبـا القاسـم " .
فعـن صِلَـة قـال : كنـا عنـد عمـار فـي اليـوم الـذي يُشـكُّ فيـه ، فأُتِـيَ بشـاة ، فتنحـى بعـض القـوم فقـال عمـار ، مـن صـام هـذا اليـومَ فقـد عصـى أبـا القاسـم صلى الله عليه وعلى آله وسلم .سنن أبي داود [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 8 ) ـ أول كتاب الصيام / ( 10 ) ـ باب : كراهية صوم يوم الشك / حديث رقم : 2334 / ص : 410 / صحيح .
فلهـذا حُكـم الرفـع ، لأن الظاهـر أن ذلـك ممـا تلقـاه عـن النبـي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر / ص : 51 .
حُجيـــة المرفــوع حكمًــا :
المرفـوع حكمـًا إذا صـح ، فهـو حُجـة كالمرفـوع للنبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ إذا صـح .تيسير مصطلح الحديث / ص : 133 / بتصرف .
ثانيًـــا : الموقـــوف :
هـو مـا ورد عـن الصحابـة ـ رضوان الله عليهم ـ مـن أقوالهـم وأفعالهـم وتقريراتهـم فيتوقـف عليهـم ولا يتجـاوز إلـى رسـول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وقـد يكـون صحيحًـا أو حسـنًا أو ضعيفًـا .
وموضوعنـــا : الموقـوف ، الصحيـح أو الحسـن . التأسيس ... / ص : 196 .
فائـــدة :
يلاحـظ عنـد التطبيـق العملـي لهـذه الأقسـام أنـه قـد يحـدث خـلاف بيـن العلمـاء .
مثـــال ذلــك :
مـا رُوِيَ عـن ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ فـي مَـنْ تـرك شـيئًا مـن نسـكه أن عليـه دمـًا .
قـال ابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما " مـن تـرك شـيئًا مـن نسـكه أو نسـيه فليهـرق دمًـا "
بعـض العلمـاء قـال : إن هـذا لـه حكـم الرفـع ، فيجـب الـدم بتـرك النسـك .
وبعضهـم قـال : لا ، ليـس لـه حكـم الرفـع ؛ لأن قـول الصحابـي لا يكـون لـه حكـم الرفـع إلا إذا لـم يتطـرق إليـه احتمـال الاجتهـاد ، واحتمـال الاجتهـاد هنـا وارد ؛ لأنـه قـد يقيسـه رضـي الله عنـه علـى الْمُحْصَـر ، فالمحصـر أوجـب الله عليـه مـا اسـتيسـر مـن الهـدي ؛ لأنـه تـرك بعـض النسـك
لكـن بعـذر وهـو الحصـر ، فيقـول إذًا مـن تـرك بعـض نسـكه فعليـه الهـدي كالمحصـر . شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 468 . وورد فـي رسـالة الْمُنَخَّلَـة النونيـة ... / ص : 102 .
إنْ جـاءَ نـصٌّ فـي دمٍ فاعْمَـلْ بـه وسـواهُ فارفُـضْ فهـوَ دونَ كِيـانٍ .
ومعنـى هـذه القاعـدة : هـو الاعتمـاد علـى النـص فـي مشـروعية الـدم ؛ فـأيُّ دم أوجبـه أحـد مـن النـاس بـلا دليـل مـن النصـوص الشـرعية ؛ فهـو باطـل .
وقـول ابـن عبـاس " مـن تـرك نسـكًا ؛ فعليـه دم " .
هـذا كمـا تقـرر لا يعـدو كونـه رأيـًا ، وليـس بشـرع مـن عنـد الله ، ولا يصـح مرفوعـًا إلـى رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، ولذلـك كـان الأرجـح مـا ذهـب إليـه الظاهريـة مـن أنـه لا دم إلا مـا ورد فـي النـص . والله الهـادي إلـى الصـواب . ا . هـ .
لطيفـــة حديثيــة :
* حديـث ابـن عبـاس " مـن تـرك نسـكًا فعليـه دم " .
ضعيــف مرفوعًـا وثبــت موقوفًــا .أخرجه مالك ( 1 / 419 / 240 ) .
* عـن أيـوب بـن أبـي تيميـة السـختياني عـن سـعيد بـن جبيـر عـن عبـد الله بـن عبـاس قـال "مـن نسـي مـن نسـكه شـيئًا ، أو تركـه ، فليهـرق دمًـا " . إرواء الغليل ... / للشيخ الألباني / ج : 4 / حديث رقم : 1100 / ص : 299 .
قـال أيـوب : لا أدري قـال : " تـرك " أو " نسـي " وكذلـك رواه الثـوري عـن أيـوب :
" مـن تـرك أو نسـي شـيئًا مـن نسـكه فليهـرق لـه دمًـا كأنـه قالهمـا جميعًـا .المصدر السابق .
· حُجِّيَّـــة قَــوْل الصحابـــي :
ذهـب بعـض العلمـاء إلى أنـه حُجَّـة شـرعية ، وعلـى المجتهـد أن يأخـذ بقـول الصحابـي إذا لـم يجـد الحكـم فـي الكتـاب ولا فـي السـنة الصحيحـة ولا فـي الإجمـاع .
وذهـب البعـض الآخـر مـن العلمـاء إلـى أنـه ليـس بحُجَّـة شـرعية ، ولا يلـزم المجتهـد أن يأخـذ بقـول الصحابـي ، بـل عليـه أن يأخـذ بمقتضـى الدليـل الشـرعي .
احتـج الأولـون بـأن احتمـال الصـواب فـي اجتهـاد الصحابـي كثيـر جـدًّا ، واحتمـال الخطـأ قليـل جـدًّا . لأن الصحابـي شـاهَدَ التنزيـل ، ووقـف علـى حِكْمَـة التشـريع وأسْـبَاب النـزول ، ولازم النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ملازمـة طويلـة أكسـبته معرفـة بالشـريعة ، وذوقـًا لمعانيهـا ، وكل هذا يجعـل لآرائهـم ـ أي الصحابـة ـ منزلـة أكبـر من آراء غيرهـم ، ويجعـل اجتهادَهـم أقـرب إلى الصـواب من اجتهـادِ غيرِهـم .
واحتـج الآخـرون بأننـا ملزمـون باتبـاع الكتـاب والسـنة ، ومـا أرشـدت إليـه نصوصُهمـا مـن أدلـة ، وليـس قـول الصحابـي واحـدًا منهـا ، والاجتهـاد بالـرأي عُرضَـة للخطـأِ والصـواب ، لا فـرق فـي هـذا بيـن صحابـي وغيـره ، ولأن الصحابـة ـ رضي الله عنهم ـ غيـر معصوميـن مـن الخطـأ تخفـى عليهـم الحجـة ويحصـل منهـم السـهو والنسـيان ، وإن كـان احتمـال الخطـأ بالنسـبة للصحابـي أقـل .
الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 257 .
قـال الشـيخ الألبانـي رحمه الله :
حديـث : إنمـا أصحابـي مثـل النجـوم ، فأيهـم أخذتـم بقولـه ، اهتديتـم .
حديـث موضـوع . سـلسـلة الأحاديـث الضعيفـة ، حديـث رقـم : ( 61 ) .
وحديـث : أصحابـي كالنجـوم بأيهـم اقتديتـم اهتديتـم .
وهـذا حديـث باطـل مكـذوب .
ثـم اسـتشـهد بقـول " ابـن حـزم " وهـو :
" ..... ، فمـن المُحَـال أن يأمـر رسـوله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ باتبـاع كـل قائـل مـن الصحابـة ـ رضي الله عنهم ـ ؛ وفيهـم مـن يحلـل الشـيء ، وغيـره يحرمـه ، ولـو كـان ذلـك لكـان بيـع الخمــر حـلالاً ؛ اقتـداءً بسَـمُرَة بـن جُنْـدَب ، ولكـان أكـل البَـرَد (1) للصائـم حـلالاً ؛ اقتـداء بأبـي طلحـة ، وحرامـًا اقتـداء بغيـره منهـم ... .
فكيـف يجـوز تقليـد قـوم ـ بـلا ضوابـط وهـم ـ يخطئـون ويصيبـون ؟ ! " . ا . هـ .نظم الفرائد ... / ج : 1 / ص : 185 .
( 1 ) وورد بـ نظم الفرائد ... / ج : 1 / ص : 187 :
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال :
" مُطِرْنا بَرَدًا ، وأبو طلحة صائم ، فجعل يأكل منه ، قيل له : أتأكل وأنت صائم ؟ ! فقال : إنما هذا بركة " ! .
صحيح موقوفًا . أي تصح نسبته لقائله ، ولكن ليس معنى هذا صحة الحكم ، فالحكم خطأ . [ سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني تحت رقم : 63 ] . ا . هـ . بتصرف .
مثـــال ذلـــك :
كـان علـي بـن أبـي طالـب وابـن عبـاس ـ رضي الله عنهما ـ يريـان أن المـرأة الحامـل إذا توفـي عنهـا زوجُهـا ، اعتـدت بأطـول الأجليـن ـ الأشْـهُر أو وضـع الحمـل ـ فيقـولان : إن وضَعَـتْ قبـل أربعـة أشـهر وعشـرة أيـام انتظـرت حتـى تتـم أربعـة أشـهر وعشـرة أيـام ، وإن تـم لهـا أربعـة أشـهر وعشـرة أيـام ولـم تضـع انتظـرت حتـى تضـع .
هـذا قولهمـا ! لكـن هـذا يخالـف النـص فـلا عبـرة بـه .
* فعـن المِسْـوَرِ بـنِ مَخْرَمَـةَ أن سُـبَيْعَةَ الأسـلمية نُفِسَـتْ بعـد وفـاة زوجهـا بليـالٍ فجـاءت النبـي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاسـتأذنته أن تَنْكِـحَ ، فـأذن لهـا فَنَكَحَـتْ ."صحيح البخاري . متون / ( 68 ) ـ كتاب : الطلاق / ( 39 ) ـ باب : " وأولات الأحمال أجلهن ... " .سورة الطلاق : آية : 4 / حديث رقم : 5320 / ص : 643 .
وفـي روايـة أخـرى :
قـال البخـاري حدثنـا يحيـى بـن بكيـر عـن الليـث عـن يزيـد أن ابـن شـهاب كتـب إليـه أن عُبيـد الله ابـن عبـد اللهِ أخبـره عـن أبيـه أنـه كتـب إلـى ابـن الأرقــم أن يسـأل سُـبيعة الأسـلمية كيـف أفتاهـا النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، فقالـت : أفتانـي إذا وضعـتُ أن أنْكِـحَ .صحيح البخاري . متون / ( 68 ) ـ كتاب : الطلاق / ( 39 ) ـ باب : " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " / حديث رقم : 5319 / ص : 643 .
والراجـــح :
أن قـول الصحابـي ليـس حُجـة ملزمـة ولكـن يؤخـذ بـه حيـث لا نـص فـي الكتـاب ولا فـي السـنة الصحيحـة ولا فـي الإجمـاع ـ ولا فـي القيـاس ـ فالأخـذ بقـول الصحابـي أولـى .
الوجيز في أصول الفقه ... / د . عبد الكريم زيدان / بتصرف يسير / ص : 258 .
أمـا إذا خالـف قـولُ الصحابـي نصًّـا ، وجـب العمـل بالنـص ، وإذا خالـف قـول الصحابـي قـول صحابـي آخـر قُـدِّم الراجـح ، ولكـن هـذا الترجيـح يكـون إمـا بقربـة مـن الدليـل ، وإمـا باعتبـار حـال الصحابـي ، ولكـن القـرب مـن الدليـل مُقَـدَّم .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 467 .
وإن تسـاويا في القـرب من النـص ، أخـذ بالأرجـح حـالاً كأن يقـدم قـول أبـي بكـر على قـول عمـر .
وقـال الدكتـور / محمـد أديـب صالـح :
ممـا لاشـك فيـه أن قـول الصحابـي فـي المسـائل الاجتهاديـة يلقـي ضـوءًا علـى معانـي النصـوص ويسـاعد الباحـث علـى تبيانهـا ، ويبعـث فـي النفـس مزيـدًا مـن الطمأنينـة ، لأن الصحابـي قـد تهيـأت له مشـاهدة التنزيـل ، ومعرفـة تأويـل النصـوص ، وعايـن الكثيـر من الوقائـع وأسـباب نـزول الآيـات ، أو ورود أحاديـث الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، وعـاش فـي ظـل البيـان النبـوي الكريـم ، فاجتهـاد الصحابـي وإن كـان يحتمـل الخطـأ إلا أنـه مرجـح علـى اجتهـاد غيـره مـن التابعيـن وغيرهـم مـن المجتهديـن ، ولكـن ذلـك كلـه لا يجعـل الحديـث الموقـوف فـي سـوية المصـادر الأصليـة التـي هـي الكتـاب والسـنة والإجمـاع والقيـاس ، وذلـك مـا عليـه الأكثـرون وهـو أمـر لا يتنافـى أبـدًا مـع منزلـة الصحابـة ـ رضوان الله عليهم ـ وكونهـم الجسـر المبـارك الـذي حمـل إلينـا الكتـاب الكريـم ، ونقـل إلينـا بيانـه عـن رسـول الله صلـوات الله وسـلامه عليـه ، وكونهـم أيضًـا بمـا لهـم مـن فضـل الصحبـة وارتفـاع الدرجـة ، وعظمـة الشـأن ـ القـدوة الحسـنة فـي اتبـاع الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ والتـزام الشـريعة علمًـا وعمـلاً . ا . هـ .نظم الدرر في ... / ص : 214 .
ـ يلاحـظ أنـه عنـد التطبيـق علـى المسـائل الفقهيـة ، يرجـع لكتـب الفقـه ، لأن الأمـور قـد تختلـف بحسـب كـل مسـألة وتفصيلهـا .
أقســـام أحــوال الصحابــة :
القســم الأول :
مَـنْ نَـصَّ الشـرعُ علـى أن قولهـم حُجَّـة .
قال صلـى الله عليـه وعلى آله وسلم " اقتـدوا باللَّذَيْـن من بعـدي من أصحابـي أبـي بكـر وعمر ، ... " رواه اللالكائي . وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة / رقم الحديث : 1233 .
وهـذا نـصٌ صريـح فـي أن قولهمـا حُجـة بعـد توفـر شـروط الحجيـة ، لأنهـم مـع هـذا غيـر معصوميـن . شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 463 / بتصرف .
القســم الثانــي :
مَـنْ عُرِفـوا بالإمامـة فـي الديـن والفقـه فـي العلـم ( مثـل ابـن عبـاس ... ) . فهـؤلاء أيضًـا القـول بـأن قولهـم حجـة قـول قـوي جـدًّا ـ بعـد عرضـه علـى الكتـاب والسـنة ـ .
القســم الثالــث :
مَـنْ لـم يتصفـوا بهـذا ، فالقـول بـأن قولهـم حجـة قـول بعيـد .
الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 464 / بتصرف .
أمثلـــة علـى أنــواع الموقــوف :
أ ـ الموقـوف القولـي : قـال علـى بـن أبـي طالـب رضي الله عنه" حدثـوا النـاس بمـا يعرفـون ، أتريـدون أن يُكَـذَّبَ اللهُ ورسـولُهُ " . صحيح البخاري . متون / ( 3 ) ـ كتاب : العلم / ( 49 ) ـ باب : من خص بالعلم قومًا دون قومٍ كراهية أن لا يفهموا / معلق بصيغة الجزم / ص : 26 .
بعـد أن ذكـر البخـاري هـذا الحديـث الموقـوف علـى علـي معلقًـا (1)ذكـره مـرة أخـرى موصـولًا فقـال البخـاري :
حدثنـا عُبيـدُ اللهِ بـن موسـى عـن معـروف بـنِ خرَّبُـوذٍ عـن أبـي الطُّفَيْـل عـن عَلـيٍّ بذلـك .
صحيح البخاري . متون / ( 3 ) ـ كتاب : العلم / ( 49 ) ـ باب : من خَصَّ بالعلم ... / حديث رقم : 127 / ص : 26 .
( 1 ) معلق : الحديث المعلق هو ما حُذِفَ من بداية إسناده واحد أو أكثر ولو إلى آخر الإسناد . نظم الدُّرر ... / ص : 131 / بتصرف .
ولمزيد معلومات عن المعلقات يُرجع لبحث : " قبسات من علم مصطلح الحديث " / ج : 1 / ص : 47 .
ب ـ الموقــوف الفعلــي : قـول الإمـام البخـاري : " وأمَّ ابـنُ عبـاسٍ وهـو متيمـمٌ " .
صحيح البخاري . متون / ( 7 ) ـ كتاب : التيمم / ( 6 ) ـ باب : الصعيد الطيب وضوء / معلق / ص : 48 . قـال ابـنُ حَجَـر في فتـح البـاري بشـرح صحيـح البخـاري / ج : 1 / ( 7 ) ـ كتـاب : التيمـم / ( 6 ) ـ بـاب : الصعيـد الطيـب وَضـوءُ المسـلم يكفيـه مـن المـاء / ص : 532 :
قولـه وأمَّ ابـنُ عبـاس وهـو متيمـم : وَصَلَـهُ ابـن أبـي شـيبة والبيهقـي وغيرهمـا ، وإسـناده صحيـح . ا . هـ .
ج ـ الموقــوف التقريــري : كقـول التابعـي :
" فعلـتُ كـذا بحضـرة الصحابـي ولـم ينكـر علـي " .
التعليقات الأثرية ... / ص :22 .
درجــات أقــوال الصحابــة :
الدرجــة الأولــى :
أن يتفـق الصحابـة علـى مسـألة .فهـذا إجمـاع قولـي ، وهـو حجـة .
الدرجــة الثانيــة :
أن يتفـق الخلفـاء الراشـدون الأربعـة علـى مسـألة .
الدرجــة الثالثــة :
أن يقـول الصحابـي قـولاً يُعْـرَف أنـه قـد انتشـر وذاع بيـن الصحابـة ، ولـم يُعْلَـمْ أن أحـدًا منهـم أنكـره أو رد عليـه ، فهـذا النـوع هـو مـا يسـمى بالإجمـاع السـكوتي .
الدرجــة الرابعــة :
أن يقـول الصحابـي قـولاً لا يُـدْرَك بمجـرد الـرأي ، فهـذا النـوع ـ وإن كـان موقوفًـا فـي الظاهـر لـه حكـم المرفـوع إلـى النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
الدرجــة الخامســة :
أن يقـول الصحابـي قـولاً ممـا يُـدْرَك بالـرأي ، ويخالفـه فيـه غيـره مـن الصحابـة . فهـذا النـوع ذهـب الجمهـور إلـى أنـه ليـس بحجـة .
الدرجــة الســادسـة :
أن يقـول الصحابـي قـولاً ممـا يُـدْرَك بالـرأي ، ولـم يُعْلَـمْ انتشـاره بينهـم ، ولـم يعلـم أن غيـره مـن الصحابـة خالفـه فـي ذلـك ، وليـس مخالفـًا لكتـاب أو سـنة .
وهـذا النـوع مختلـف فيـه .الواضح في أصول الفقه للمبتدئين ... / ص : 135 .
* * * * *
فائـــدة :
بلـغ عـدد الذيـن آمنـوا بالنبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فـي حياتـه عشـرات الألـوف ، والذيـن لهـم روايـة منهـم فـي مسـند الإمـام أحمـد قريـب مـن ( 750 ) نفسًـا ، أمـا الذيـن لهـم آراء اجتهاديـة وفتـاوى فـلا يزيـدون عـن ( 150 ) ، المكثـرون منهـم سـبعة ، والمتوسـطون عشـرون ، والباقـي مقلـون ( انظـر الإحكـام لابـن حـزم ) .
الواضح في أصول الفقه ... / ص : 135 .
س : لـو خالـف قـول الصحابـي العمـومَ فهـل نُقَـدِّم دلالـة العـام أو نقـول قـول الصحابـي أو فعلـه مخصِّـص ؟
الجــواب : نأخـذ بالعمـوم ، لأن اللفـظ العـام عمومـه مقصـود ، وإذا قُصِـدَ عمومـه شـمل جميـع أفـراده .
ومـن ذلـك حديـث " ابـن عمـر " ـ رضي الله عنه ـ أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أمــر بإعفـاء
اللحـى وإرخائهـا ( وذلـك فـي حديـث البخـاري / رقم : 5892 ) ؛ وظاهـر هـذا الحديـث العمـوم وشـمول الحكـم لِمَـا دون القبضـة ومـا زاد علـى القبضــة ، ولكـن كـان " ابـن عمــر " إذا حـج قبـض علـى لحيتـه فمـا زاد علـى القبضـة قَصَّـهُ ؛
فعـن ابـن عمـر عـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قـال :
" خالفـوا المشـركين وَفِّـرُوا الِّحـى وأحفـوا الشـوارب " .
وكـان ابـن عمـر إذا حـج أو اعتمـر قبـض علـى لحيتـه فمـا فَضَـلَ أخـذه .صحيح البخاري . متون / ( 77 ) ـ كتاب : اللباس / ( 64 ) ـ باب : تقليم الأظافر / حديث رقم :5892 / ص : 701 .
وهـذا فعـل يقتضـي التخصيـص ـ عنـد بعـض أهـل العلـم .
فقـد ذهـب إلـى هـذا بعـض أهـل العلـم ، وقـال : إننـا نقـدم قــول الصحابـي أو فعلـه علـى العمـوم ، لأن دَلالـة العمـوم علـى جميـع الأفـراد دلالـة ظنيـة ، وفعـل الصحابـي المخالـف للعمـوم يبعـد أن يكـون واقعًـا إلا عـن نـص ، لأن الصحابـي لا يمكـن أن يخالـف العمـومَ بإخـراج فـردٍ مـن أفـراده عـن حُكمِـهِ إلا وعنـده علـم بذلـك ، فيكـون ابـن عمـر عنـده علـم بذلـك ، ويكـون فعلـه هـذا مُخَصِّصًـا للعمـوم .
ولكـن لاشـك أن الأبـرأ للذمـة والأحـوط ، تقديـم العمـوم علـى قـول الصحابـي أوفعلـه ، لأن قـول الصحابـي يتطـرق إليـه الاحتمـال ، فيحتمـل أنه اجتهـد ، لكـن عمـوم النـص لا يتطـرق إليـه الاحتمـال تطرقًـا قطعيًّـا بـل ظاهـره يقتضـي شـمول جميـع الأفـراد فيؤخـذ بـه .
والإنسـان يـوم القيامـة ليـس مسـئولاً عـن فعـل الصحابـي ، وإنمـا هـو مسـئول عـن قـول الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فقـد قـال تعالـى { وَيَـوْمَ يُنَادِيهِـمْ فَيَقُـولُ مَـاذَا أَجَبْتُـمُ الْمُرْسَـلِينَ } .سورة القصص / آية : 65 .
ولا أعتقـد أن أحـدًا يثبـت لـه قَـدَمٌ يـوم القيامـة فيقـول : يـا ربـي قصصتُهَـا لأن ابـن عمـر راوي الحديـث قَصَّهَـا فهـو أعلـم بمـا روى ! .
فهـذه شـبهة والجـواب عليهـا :
قـول الرسـول صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم عـام فلمـاذا تحتـج بالعمـوم إذا شـئت ، وتمنـع الاحتجـاج بـه إذا شـئتَ ، فهـذا تناقـض !
فالراجـــح أن تخصيـص قـول الصحابـي أو فعلـه للعمـوم لا يؤخـذ بـه إلا بدليـل وإلا فـإن مخالفـة الصحابـي للعمـوم كمخالفتـه للخصـوص .
شرح الأصول من علم الأصول / للعثيمين / ص : 468 .
* * * * *



رد مع اقتباس
  #16  
قديم 08-18-2025, 04:40 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,382
Post

المصـــدر الســـادس : شــرع مَـنْ قبلنــا

أي : الهـدي الـذي أنـزل علـى رُسـل الأمـم السـابقة عليهـم السـلام ، كالتـوراة والزبـور والإنجيـل .التأسيس ... / ص : 421 .


أقســـام شــرع مَـنْ قبلنـا :
ينقسـم شـرع مَـنْ قبلنـا باعتبـار وصولـه إلينـا إلـى قسـمين :
أ ـ شـرع مـن قبلنـا ولـم يُصَـرِّح بـه شَـرْعُنَا .
ب ـ شـرع مـن قبلنـا وصُـرِّحَ بـه فـي شَـرْعِنَا .
أولًا : شـرع مـن قبلنـا ولـم يصـرِّح بـه شـرعنا :
لا حُجَّـة فـي هـذا القسـم بالإجمـاع .وأغلبـه إسـرائيليات ، ولكـن يجـب عـدم تصديقهـم أو تكذيبهـم فيمـا يقولـون .
فعـن أبـي هريـرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : كـان أهـلُ الكتـاب يقـرءون التـوراة بالعِبْرانيـة ويفسـرونها بالعربيـة لأهـل الإسـلام فقـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ :
" لا تصدقـوا أهـلَ الكتـابِ ، ولا تكذبوهـم ، وقولــوا "ءَامَنَّـا بالله وَمَـا أُنـزِلَ إِلَيْنَـا ... " الآيـة (1)" . صحيح البخاري . متون / ( 97 ) ـ كتاب : التوحيد / ( 51 ) ـ باب : ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها ... / حديث رقم : 7542 / ص : 876 .
( 1 ) سورة البقرة / آية : 136 ، وتمام الآية { قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } .
ثانيــًا : شـرع مَـنْ قبلنـا وصـرح بـه فـي شـرعنا :
وهـذا القسـم ينقسـم إلـى ثلاثـة أنـواع :
النــوع الأول : صُـرِّح بـه فـي شـرعنا بالنسـخ :
وهـذا النـوع لا حُجـة فيـه بالإجمـاع ، لأن المنسـوخ لا يجـوز العمـل بـه بحـال .
مثـــال :
صناعـة التماثيـل فـي شـريعة سـليمان كانـت جائـزة .أمـا شـريعتنا فقـد حرمـت ذلـك .

النــوع الثانــي : صَـرَّحَ بـه شـرعنا بالتقريـر :
وهـذا النـوع حُجـة بالإجمـاع .
ومثالــه :
قولـه تعالـى { يَـا أَيُّهَـا الَّذِيـنَ آمَنُـواْ كُتِـبَ عَلَيْكُـمُ الصِّيَـامُ كَمَـا كُتِـبَ عَلَـى الَّذِيـنَ مِن قَبْلِكُـمْ لَعَلَّكُـمْ تَتَّقُـونَ }سورة البقرة / آية : 183 .
فأصل الصيـام كـان مشـروعًا في الأمـم السـابقة ، وقـرر شرعنا ذلـك كأصـل مـع اختـلاف التفاصيـل .التأسيس ... / ص : 424 .

وهـذا النـوع مـن الأحكـام لا خـلاف فـي أنـه شـرع لنـا ، ومصـدر شـرعيته وحجيتـه بالنسـبة إلينـا هـو نفـسنصـوص شـريعتنا .الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 260 .


النــوع الثالــث : سـكت عنـه شـرعنا :
فهـذا النـوع أيضًـا صـرح بـه شـرعنا ، ولـم ينسـخه ولـم يقـره بـل سـكت عنـه .
وهـذا النـوع هـو محـل النـزاع (1)بيـن العلمـاء هـل هـو حُجـة أم لا .
( 1 ) من أراد التفصيل في هذا الخلاف فليرجع إلى كتاب الواضح في أصول الفقه للمبتدئين ... / ص : 140 .
ومثالـــه :
قولـه تعالـى : { وَكَتَبْنَـا عَلَيْهِـمْ فِيهَـا أَنَّ النَّفْـسَ بِالنَّفْـسِ وَالْعَيْـنَ بِالْعَيْـنِ وَالأَنـفَ بِالأَنـفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّـنَّ بِالسِّـنِّ وَالْجُـرُوحَ قِصَـاصٌ ... } .سورة المائدة / آية : 45 .
وهـذا فـي شـريعة مَـنْ قبلنـا ، ولـم يُنسـخ ولـم يقـرر بشـرعنا
والحـق أن هـذا الخـلاف غيـر مهـم ، لأنـه لا يترتـب عليـه اختـلاف فـي العمـل ، فمـا مـن حكـم مـن أحكـام الشـرائع السـابقة ، قَصَّـهُ الله علينـا ، أو بينـه الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ لنـا ، إلا وفـي شـريعتنا مـا يـدل علـى نسـخه أو بقائـه فـي حقنـا ، سـواء جـاء دليـل الإبقـاء أو النسـخ فـي سـياق النـص الـذي حكـى لنـا حكـم الشـرائع السـابقة ، أو جـاء ذلـك الدليـل فـي مكـان آخـر مـن نصـوص الكتـاب والسـنة .
ونذكــر هنـا تأييـدًا لقولنـا ، ثبــوت أحكـام الآيـة السـابقة فـي حقنـا " وَكَتَبْنَـا عَلَيْهِـمْ فِيهَـاأَنَّ النَّفْـسَ بِالنَّفْـسِ ... " بدلائـل مـن شـريعتنا ، لأن بعـض النـاس يدعـي أن القصـاص فـي الجـروح والأعضـاء ، ليـس شـرعًا لنـا ، وإنمـا هـو شـرع مَـن قبلنـا فـلا يلزمنـا .
وهـذا وهـم محـض لا يقـوم علـى حجـة أو برهـان .
فـلا خــلاف بيـن العلمـاء أن أحكـام هـذه الآيـة ثابتـة فـي حقنـا ، وأنهـا جــزء مـن شـريعتنا ،ومـن يطلـع علـى كتـب الفقهـاء مـن مختلـف المـدارس الفقهيـة يجـد بابًـا خاصًـا للقصـاص فـي النفـس وفيمـا دون النفـس ، فهـو حكـم ثابـت فـي حقنـا بـلا خـلاف .
وحكـى ابـن كثيـر فـي تفسـيره الإجمـاع علـى العمـل بموجـب الآيـة .
فأحكـام هـذه الآيـة معمـول بهـا فـي حقنـا علـى رأي كـلا الفريقيـن القائليـن بشـرع مَـنْ قبلنـا ، والمخالفيـن لهـم فـي ذلـك .
الأولـون يحتجُّـون بهـا وِفقًـا لمذهبهـم .
والآخـرون يحتجـون بهـا ، لأن الدلائـل مـن شـريعتنا قامـت علـى شـريعتها بالنسـبة إلينـا .الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 262 .

* فعـن أنـس ـ رضي الله عنه ـ أن ابنـة النضـر لطمـت جاريـة فكسـرت ثنيتهـا ، فأتَـوا النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فأمـر بالقصـاص ."صحيح البخاري . متون / ( 87 ) ـ كتاب : الديات / ( 19 ) ـ باب : " السن بالسن " المائدة آية : 45 / حديث رقم : 6894 / ص : 801 .
وعـن أنـس أن الرُّبيـعَ عمتَـهُ كسـرت ثنيـةَ جاريـةٍ فطلبـوا إليهـا العفـوَ ، فأبَـوْا ، فعرضـوا الأرشَ (1) ، فأبَـوْا ، فأتَـوْا رسـولَ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وأبَـوْا إلا القِصـاصَ فأمـر رسـولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ بالقصـاص . فقـال أنـسُ بـنُ النضـرِ : يـا رسـولَ اللهِ أَتُكْسَـرُ ثنيـةُ الرُّبَيْـعِ ؟ لا والـذي
بعثـك بالحــق لا تُكسَــرُ ثنيتُهَـا . فقـال رســول اللهِ ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " يا أنـسُ كتـابُ اللهِ القِصَـاصُ " .
فرضـيَ القـومُ فعفَــوْا ، فقـال رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " إن مـن عبـادِ اللهِ مَـنْ لـو
أقسـمَ علـى اللهِ لأبـره " .
صحيح البخاري . متون / ( 65 ) ـ كتاب : تفسير القرآن / ( 23 ) ـ باب : " ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص ... " / حديث رقم : 4500 / ص : 527 .
( 1 ) فطلبـوا إليهـم العفـو فأبَـوْا ، فعرضـوا الأرش فأبـوا :
أي طالـب أهـلُ الرُّبَيْـع إلـى أهـل التـي كُسـرت ثنيتهـا أن يعفـوا عـن الكسـر المذكـور مجانًـا ، أو علـى مـال ، فامتنعـوا .
ـ إشــكال وحلـــه :
قـد اسـتشـكل إنكـار أنـس بـن النضـر كسـر سـن الرَّبيـع مـع سـماعه مـن النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ الأمـر بالقصـاص ثـم قـال : أتكسـر سـن الرُّبيــع ؟ ثـم أقسـم أنهـا لا تكســر ، بقولـه : لا والـذي بعثـك بالحـق لا تُكسـر ثنيتُهَـا :
وأجيـب : إنـه لـم يقلـه ردًّا للحكـم بـل نفـى وقوعـه لمـا كـان لـه عنـد الله مـن اللطـف بـه فـي أمـوره ، والثقـة بفضلـه أن لا يخيبـه فيما حلـف بـه ولا يخيـب ظنـه فيمـا أراده بـأن يلهمهـم العفـو ، وقـد وقـع الأمـر علـى مـا أراد . وبهـذا جـزم الطيبـى ، لـذا عجـب النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ
أن أنـس بـن النضـر أقسـم علـى نفـي فعـل غيـره مع إصـرار ذلـك الغيـر علـى إيقـاع ذلـك الفعـل فكـان قضيـة ذلـك في العــادة أن يحنـث فـي يمينـه ، فألهـم الله الغيــر العفـو فبـر قسـم أنـس .
وأشـار بقولـه :
" إن مـن عبــاد الله " إلـى أن هـذا الاتفـاق إنمـا وقــع إكرامًـا مـن الله لأنـس ليبـر يمينـه ، وأنـه مـن جملـة عبـاد الله الذيـن يجيـب دعاءهـم ويعطيهـم أربهـم . ا . هـ .بتصرف في ترتيب المعلومة .
فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 12 / ( 87 ) ـ كتاب : الديات / ( 19 ) ـ باب : السن بالسن / ص : 234 .
وورد بكتـاب : الواضـح فـي أصـول الفقـه للمبتدئيـن ... / ص : 142 :
والـذي نـراه أن بعـض الأمـور التـي شُـرِعَتْ لمـن قبلنـا شُـرِعَت لهـم خاصـة ، وهـي أشـياء مـن العبـادات الخاصـة وكيفياتهـا ، ونحـو مواسـم قرابينهـم وأعيادهـم مـن حيـث الزمـان والمكـان ،
بدليـل قولـه تعالـى " وَلِكُـلِّ أُمَّـةٍ جَعَلْنَــا مَنسَـكاً لِيَذْكُــرُوا اسْـمَ اللهِ عَلَـى مَـا رَزَقَهُــم مِّـن بَهِيمَـةِ الأَنْعَـامِ ... ". سورة الحج / آية : 34 .
وأمـا أصـول الإيمـان فهـي مشـتركة . ومـن هنـا ورد الحديـث :
" الأنبيـاء أولاد عَـلات أمهاتهـم شـتى ودينهـم واحـد " .البخاري .
فعـن أبـي هريـرة قـال : قـال رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم " أنـا أولـى النـاس بعيسـى بـن مريـم فـي الدنيـا والآخـرة ، والأنبيـاءُ إخـوة لِعَـلاَّتٍ أمهاتُهُـم شـتى ودينهـم واحـد"
فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 6 / ( 60 ) ـ كتاب : أحاديث الأنبياء / ( 48 ) ـ باب : قول الله" واذكر في كتاب مريم ... " / حديث رقم : 3443 / ص : 550 .
العَـلات بفتـح المهملـة : الضرائـر .
وأصلـه أن مـن تـزوج امـرأة ثـم تـزوج أخـرى كأنـه عـل منهـا .
وأولاد العَـلات : الإخـوة مـن الأب وأمهاتهـم شـتى .
ومعنـى الحديـث : أن أصـل دينهـم واحـد وهـو التوحيـد وإن اختلفـت فـروع الشـرائع .
فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 6 / ( 60 ) ـ كتاب : أحاديث الأنبياء /( 48 ) ـ باب : قول الله واذكر في الكتاب مريم / ص : 564 .
الخلاصـــة :
* شـرع مـن قبلنـا هـو الهـدي الـذي أُنـزل علـى رسـل الأمـم السـابقة عليهـم السـلام ، كالتـوراة ،والزبـور ، والإنجيـل .
* شـرع مَـنْ قبلنـا الـذي لـم يصـرَّح بـه شـرعنا ، لا حُجـة فيـه بالإجمـاع .
* شـرع مَـنْ قبلنـا والمصـرح بـه فـي شـرعنا بالنسـخ ، لا حُجـة فيـه بالإجمـاع .
* شـرع مـن قبلنـا والمصـرح بـه فـي شـرعنا بالتقريـر ، هـو حجـة بالإجمـاع .
* شـرع مـن قبلنـا والمصـرح بـه فـي شـرعنا بالسـكوت ، فيـه خـلاف أهـو حجـة أم لا .التأسيس ... / ص : 425 / بتصرف يسير .


* * * *

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 08-19-2025, 05:20 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,382
Post

المصـــدر الســابع : الاســتصحاب

وهـو اسـتدامة نفـي مـا كـان منفيًّـا حتـى يثبتـه دليـل صحيـح ، واسـتدامة إثبـات مـا كـان ثابتًـا حتـى ينتفـي بدليـل صحيـح .
والاسـتصحاب دليـلٌ عقلـي يعمـل بـه فـي الشـرعيات وغيرهـا . وهـو لا يُثْبِـتْ حقًّـا جديـدًا أو حكمًـا جديـدًا ، وإنمـا يصلـح حجـة لعـدم التغييـر ، ولبقـاء الأمـر علـى مـا كـان عليـه .
الواضح ... / ص : 167 .
لا نصيـر إلـى الاسـتصحاب إلا بعـد فقـد الدليـل مـن الكتـاب أو السـنة ، أو الإجمـاع ، أو القيـاس ، أوقـول الصحابـي . ويكفـي لاسـتصحاب الأصـل ، أن يبـذل المجتهـد كـل طاقـة فـي طلـب الدليـل ، ويسـتفرغ وسـعه فـي طلبـه فـإن لـم يجـده اسـتصحب الأصـل الثابـت بالدليـل .
التاسيس ... / ص : 427 / بتصرف .
مرادفــات الاسـتصحاب :
يطلـق علـى الاسـتصحاب : العـدم الأصلـي ، أو البـراءة الأصليـة ، أو الإباحـة العقليـة .التأسيس ... / ص : 428 .


أنـــواع الاسـتصحاب :
قسـم أهـل العلـم مـن الأصولييـن الاسـتصحاب إلـى أربعـة أنـواع :
1ـ اسـتصحاب البـراءة الأصليـة .
2ـ اسـتصحاب العمـوم إلـى أن يَـرِد تخصيـص ، والنـص إلـى أن يـرد النسـخ .
3ـ اسـتصحاب الوصـف المثبـت للحكـم الشـرعي ، حتـى يثبـت خلافـه .
4ـ اسـتصحاب حكـم الإجمـاع فـي محـل النـزاع .
التأسيس ... / ص : 430 .
أولًا : اسـتصحاب البـراءة الأصليـة :
إذا فُقِـدَ الدليـل مـن الكتــاب أو السـنة أو الإجمــاع أو قــول الصحابـي علـى مسـألة بعينهـا ، أو فُقِـدَ القيـاس علـى جنـس المسـألة ، حينئـذ شُـرِع للمجتهـد أن يسـتصحب البـراءة الأصليـة .
ومعنـى البــراءة : أن المكلَّـف خـالٍ مـن التكليـف والحقـوق ، حتـى يأتـي دليـل بإشـغاله ، وليـس معنـى أن المكلَّـف خـالٍ مـن التكليــف أن مـا لـم يــردْ فيـه دليـل بالعيـن أو الجنـس أنـه مبـاح
إتيانـه ولكـن مبـاح لـه إتيـان الأصـل سـواء كـان بالإباحـة أو المنـع .
فمثـــلاً :
الأصـل فـي الأشـياء النافعـة أنهـا مباحـة مـا لـم يـدل دليـل علـى خـلاف ذلـك .
ومعنـى " نافعـة " : أي مـا كـان نفعهـا محضًـا أو كثيـرًا أو غالبًـا .لقولـه تعالـى "هُـوَ الّـَذِي خَلَـقَ لَكُـم مَّـا فِـي الأَرْضِ جَمِيعـًا ... " . سورة البقرة / آية : 29 .
ووجــه الاسـتدلال : أن هـذا الخلــق يختـص بالإنسـان لقولـه تعالـى : " لكـم " ، وأن كـل مـا فـي الأرض نفـع ، عَلِـمَ ذلـك مَـنْ عَلِـمَ وجَهِــلَ ذلـك مـن جَهِـل ، ودليـل ذلـك : " مـا " ـ فهـي تـدل
علـى العمـوم ـ ، وأن هـذه الأشـياء موجـودة فـي الأرض وليسـت فـي كوكـب آخـر لقولـه تعالـى :
" مَّـا فِـي الأَرْضِ جَمِيعـًا" .
الأصـل فـي الأشـياء الضـارة التحريـم سـواء كـان الضـرر الناتـج عنهـا ضـررًا محضًـا أو غالبًـا .
ودليـل ذلـك : عـن عبـادة بـن الصامـت ـ رضي الله عنه ـ أن رســول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قضـى أن " لا ضـرر ولا ضِـرار (1)" .سنن ابن ماجه [ المجلد الواحد ] / تحقيق الشيخ الألباني / ( 13 ) ـ كتاب : الأحكام / ( 17 ) ـ باب : من بنى في حقه ما يضر بجاره / حديث رقم : 2340 / ص : 400 / صحيح .
وأمـا إذا تسـاوى النفــع والضـرر فـي شــيء ، فهـو أيضًـا حــرام ، لأن درء المفاسـد مقـدم علـى جلـب المصالـح .
التأسيس ... / ص : 431 / بتصرف .
( 1 ) من أراد المزيد من التوضيح فليرجع إلى بحث : القواعد الفقهية ، وكذلك التأسيس ... / ص : 432 .
متــى يُحتــج بالبــراءة الأصليــة :
حينمـا يُحتـج بالبـراءة الأصليـة علـى إطلاقهـا ، يلـزم ألا يوجـد مُعَـارِض ـ ولـو فـي قـول بعـض الفقهـاء ـ لهـذا الأصـل .
ولكـن عنـد وجـود المُعَـارِض ، يحتـاج مـن يحتـجّ بالبـراءة الأصليـة ، إلـى بعـض الأدلـة الثابتـة للاسـتئناس فـي تدعيـم مـا يذهـب إليـه ، ولإثبـات عـدم حُجِّيـة هـذا المُعَـارِض ، وعـدم صلاحيتـه لنقـض البـراءة الأصليـة ...


مثـــال :
إذا قـال بعـض الفقهـاء بطهــارة المشـرك اسـتنادًا إلـى البـراءة الأصليـة ، عـورض هـذا القــول بقـول فريـق آخـر مـن الفقهـاء يذهـب إلـى نجاسـة المشـرك ، ودليلهـم فـي ذلـك الآيـة :"... إِنَّمَـا الْمُشْـرِكُونَ نَجَـسٌ ... ". سورة التوبة / آية : 28 .
فهنـا نجـد أنفسـنا أمـام قوليـن للفقهـاء :
ـ قـول يوجـه لفظـة : " نجـس " علـى أنهـا نجاسـة معنويـة .
ـ وقـول آخـر يوجـه لفظـة : " نجـس " علـى أنهـا نجاسـة ماديـة .
فحينـذاك يحتـاج مـن يحتـج بالبـراءة الأصليـة لطهـارة المشـرك إلـى دليـل آخـر ثابـت للاسـتئناس فـي تدعيـم مـا يذهـب إليـه ، ولإثبـات عـدم حجيـة المُعَـارِض ، وعـدم صلاحيتـه لنقـض البـراءة الأصليـة .
والمُعَـارِض فـي هـذا المثــال هــو : قــول بعـض الفقهـاء فـي الآيـة { ... إِنَّمَـا الْمُشْـرِكُونَ نَجَـسٌ ... } أن المقصـود بلفظـة " نجـس " أنهـا نجاسـة ماديـة .ومعهـا فـإن المشـرك عنـد أصحـاب هـذا الـرأي نجـس نجاسـة حسـية . وهـذا ينقـض قـول مـن
يحتـج بالبـراءة الأصليـة لطهـارة المشـرك .
فيحتـاج أصحـاب هـذا القــول ـ والحالـة هـذه إلـى أن يـردوا هـذا الفهــم وهـذا التوجيـه بدليـل يبيـن أن الإنسـان طاهـر مسـلمًا كـان أو كافـرًا .
وهـذا الدليـل هـو : بقـاء ثُمامـة فـي المسـجد وهـو كافـر ، فـدل علـى طهـارة الإنسـان مسـلمًا كـان أو كافـرًا .
* فعـن أبـي هريــرة ـ رضي الله عنه ـ قـال : بعـث النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ خيـلاً قِبَـل نَجْـد فجـاءت برجُــلٍ مـن بنـي حنيفـة يُقَـالُ لـه ثُمامـةُ بـنُ أُثـال فربطـوه بسـاريةٍ مـن سـواري المسـجد ، فخــرج إليـه النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فقـال : مـا عنـدك يـا ثمامـة ؟ فقــال :عنـدي خيــر يـا محمـد إن تقتلنـي تقتـل ذا دم وإن تُنعـم تنعـم على شـاكر ، وإن كنـت تريـد المـال فسـل منـه مـا شـئت .
فَتُـرِكَ حتـى كـان الغـد ثـم قـال لـه : مـا عنـدك يـا ثمامـة ؟
قـال : مـا قلـتُ لـك إن تُنعـم تنعـم علـى شـاكر .
فتركـه حتـى كـان بعـد الغـد ، فقـال : مـا عنـدك يـا ثمامـة ؟ فقـال : عنـدي مـا قلـتُ لـك . فقـال : أطلقـوا ثمامـة ، فانطلـق إلـى نخـلٍ قريـبٍ مـن المسـجد فاغتسـل ثـم دخـل المسـجد فقـال :أشـهد أن لا إله إلا الله وأشـهد أن محمـدًا رسـول الله .
يـا محمـد والله مـا كـان علـى الأرض وجــهٌ أبغـضَ إلـيَّ مـن وجهِــك ، فقـد أصبـح وجهُـك أحـبَّ الوجـوهِ إلـيّ ، والله مـا كـان مـن ديـنٍ أبغـضَ إلـيَّ مـن دينِـك فأصبـح دينُـك أحـبَّ الديـنِ إلـيَّ ، واللهِ مـا كـان مـن بلـد أبغـَُض إلـيّ مـن بلـدك فأصبـح بلـدُكَ أحـبَّ البـلاد إلـيّ وإن خيلَـك أخذتنـي وأنـا أريـدُ العمـرةَ فمـاذا تــرى ؟ فبشـرَه رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وأمــره أن يعتمـر .
فلمـا قـدم مكـة قـال لـه قائـل : صبَـوتَ ؟ قـال : لا ولكـن أسـلمتُ مـع محمـد رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ ، ولا والله لا يأتيكـم مـن اليمامـة حبـةُ حِنطـةٍ حتـى يـأذن فيهـا النبــي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
فتح الباري بشرح صحيح البخاري / ج : 8 / ( 64 ) ـ كتاب : المغازي / ( 70 ) ـ باب : وفد بني حنيفة ... / حديث رقم : 4372 / ص : 98 .
مثـــال آخــر :
إذا قـال بعـض الفقهـاء بطهـارة الـدم علـى الإطـلاق ـ مـا عـدا دم الحيـض والنفـاس ـ اسـتنادًا إلـى البــراءة الأصليـة ، واعتمـادًا علـى أنـه لـم يَــرِدْ دليـل ينقـض هـذه البــراءة إلا فيمـا يخـص دم
الحيـض والنفـاس ، وأمـا الآيـة التـي ذُكـر فيهـا الـدم :
{ قُـل لاَّ أَجِـدُ فِـي مَـا أُوْحِـيَ إِلَـيَّ مُحَرَّمـًا عَلَـى طَاعِـمٍ يَطْعَمُـهُ إِلاَّ أَن يَكُـونَ مَيْتَـةً أَوْ دَمًا مَّسْـفُوحًا أَوْ لَحْـمَ خِنزِيـرٍ فَإِنَّـهُ رِجْـسٌ ... } .سورة الأنعام / آية : 145 .
فـإن هـذه الآيـة دليـل علـى نجاسـة الخنزيـر فقـط ، لأن الهـاء فـي لفظـة : " فإنـه " تعـود علـى آخـر مذكـور وهـو " الخنزيـر " .
فأصحـاب هـذا القـول ـ طهـارة الدمـاء ـ اسـتدلالاً بالبـراءة الأصليـة ، سـيُعارَضون بقـول جمـع آخـر مـن الفقهــاء الذيـن يوجِّهـون هـذا الضميــر ـ فـي لفظــة : " إنـه " ـ علـى أنـه يعــود علـى المذكـورات جميعًـا وليـس علـى " الخنزيـر " فحسـب ، مِـن ثَـمَّ فإنهـم يفهمـون ويوجهـون هـذه الآيـة علـى أنهـا ـ عندهـم ـ دليـل علـى نجاسـة الـدم علـى الإطـلاق ، فـلا حجيـة للبـراءة الأصليـة عنـد هـذا الجمـع الآخـر .
وحينئـذ ، يحتــاج أصحــاب القــول بطهـارة الدمـاء ، إلـى أدلــة ثابتـة مـن الكتــاب أو السـنة الصحيحـة ، لتدحـض هـذا الفهــم وهـذا التوجيـه للآيـة ، وبالتالـي تدحـض دليـل الفريــق
المعـارض القائــل بنجاسـة الـدم .
فيـورد أصحـاب القــول الأول ـ اسـتئناسًـا ـ بعـض الأدلـة الثابتـة الصحيحـة ، والتـي تدعـم مـا يذهبـون إليـه فـي فهــم وتوجيـه الضميـر فـي الآيـة المذكـورة ، والتـي تُعَـارِض القـول بنجاسـة الـدم علـى إطلاقــه ، بـل إن حكــم الـدم مـا زال علـى البــراءة الأصليـة طاهــرًا ، إلا مـا ورد بشـأنه نـصٌّ يخصـه بالنجاسـة ويخرجـه مـن الأصـل المذكـور ... ومـن هـذه الأدلـة علـى سـبيل المثـال :
1 ـ دليـل طهـارة دم الحيـوان : " حديـث " ابـن مسـعود .
" فقـد صـح عـن ابـن مسـعود أنـه نحـر جـزورًا فتلطـخ بدمهـا وفرْثهـا ثـم أقيمـت الصــلاة فصلـى ولـم يتوضـأ " .
أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " ( 1 / 125 ) ، وابن أبي شَيْبَة ( 1 / 392 ) ، والطبراني في " المعجم الكبير " ( 9 / 284 ) بسندٍ صحيح عنه .تمام المنة في ... / ص : 52 .


2ـ دليـل طهـارة دم الإنسـان " حديـث الأنصـاري الـذي قـام يصلـي فـي الليـل فرمـاه المشـرك بسـهم فوضعـه فيـه ، فنزعـه ، حتـى رمــاه بثلاثـة أسـهم ، ثـم ركــع وسـجد ومضـى فـي صلاتـه وهـو يمـوج دمًـا" .تمام المنة ... / للشيخ الألباني / ص : 51 .

* فعـن جابـر قـال :خرجنـا مـع رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يعنـي فـي غـزوة ذات الرقـاع ..... فنـزل النبـي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ منـزلاً ، فقـال " مَنْ رجـلٍ يكْلأُنـا (1) ؟ " . فانتُـدِبَ رجـل من المهاجريـن ،ورجـل مـن الأنصـار . فقـال " كونـا بفَـمِ الشِّـعْبِ " .
قـال : فلمـا خـرج الرجـلان ، إلـى فـم الشـعب اضطجـع المهاجـري ، وقــام الأنصـاري يصلـي ،وأتـى الرجــل فلمـا رأى شـخصه عـرف أنـه ربيئـة (2) للقـوم ، فرمــاه بسـهم فوضعـه فيـه ،فنزعـه حتـى رمـاه بثلاثـة أسـهم ، ثـم ركـع وسـجد ، ثـم انتبـه صاحبـه ، فلمـا عـرف أنهـم قـد نـذِروا (3) بـه هـرب ، ولمـا رأى المهاجـري مـا بالأنصـاري مـن الدمـاء قـال : سـبحان الله ! ألا أنبهتنـي أول مـا رمـى ، قـال : كنـت فـي سـورة أقرأهـا فلـم أحـب أن أقطعهـا .
صحيح سنن أبي داود / ج : 1 / كتاب : الطهارة / ( 79 ) ـ باب : الوضوء من الدم /حديث رقم : 182 ـ 198 / ص : 40 / حسن.
( 1 ) يكلأنـا ---> يحفظنـا ويحرسـنا .
( 2 ) ربيئـة ---> طليعـة .
( 3 ) نـذروا بـه ---> عرفـوا بـه .
* * * * *
ثانيـًـا : اسـتصحاب العمـوم إلـى أن يـرد تخصيـص ، والنـص إلـى أن يـرد نسـخ :

ـ معنـى هـذا النــوع أنـه يجـب العمــل بعمـوم اللفـظ وتطبيـق الحكــم علـى كـل أفـراده ولايسـتثنى مـن ذلـك شـيء إلا بدليـل ، فَيُعْمَــل بمـا يقتضيـه عمـوم اللفــظ حتـى يـرد مُخَصِّـص
فـإن وُجِـد ، اسـتُخْرِج مـن العمـوم مـا تناولـه اللفـظ الخـاص ، وظـل اللفـظ عامًّـا فـي بقيـة الأفـراد .
وكذلـك يجـب العمـل بالنـص حتـى يـرد أو يوجـد الناسـخ .
فمثـــلاً :
قـال تعالـى "هُـوَ الَّـذِي خَلَـقَ لَكُـم مَّـا فِـي الأَرْضِ جَمِيعـًا ... " .سورة البقرة / آية : 29 .
الآيـة عامـة ، فمـن حكـم بعمـوم الآيـة علـى أن كـل مـا فـي الأرض حِـلّ إلا مـا قـام الدليـل عليـه ، فإنـه مسـتصحب لعمـوم الآيـة ، وفـي نفـس الوقـت مسـتصحب للبـراءة الأصليـة .
التأسيس ... / ص : 434 / بتصرف يسير .
* * * * *
ثالثـًـا : اسـتصحاب الوصـف المثبـت للحكـم الشـرعي ، حتـى يثبـت خلافـه :

ومثالـــه :
إذا ثبتـت ملكيـة عقـارٍ لأحـدٍ ، فـإن هـذه الملكيـة تظـل ثابتـة فـي حقـه مـا لـم يقـم دليـل علـى زوالهـا ، كعقـد بيـع أو هبـة أو وقـف .
وكذلـك فـإن الوضـوء يثبِـت لصاحبــه صفـة حكميـة وهـي الطهـارة ، فـإذا كـان ذلـك لصـلاة المغـرب ، هـل تسـتصحب هـذه الطهـارة لصـلاة العشـاء ، أم لابـد مـن وضـوء آخـر ؟
هـذه الصفـة وهـي صفـة الطهـارة ثابتـة للمتوضـئ حتـى يأتـي بناقـض للوضـوء ينفـي عنـه صفـة الطهـارة .
التأسيس ... / ص : 434 / بتصرف .
* * * * *
رابعـًـا : اسـتصحاب حكـم الإجمـاع فـي محـل النـزاع :

إذا أجمعـت الأمـة علـى شـيء ، وهـذا الشـيء أثبـتَ حُكْمًـا معينًـا ، فهـل هـذا الحكـم يـزول بـزوال ذلـك الإجمـاع ؟ أم يسـتمر مـع انعدامـه ؟
اختلـف اهـل العلـم فـي ذلـك علـى قوليـن ، أحدهمـا : لا يسـتمر الحكـم مـع انعـدام الإجمـاع ، والثانـي : يسـتمر مـع انعـدام الإجمـاع .
مثالـــه :
إذا فُقِـدَ المـاء ، أجمعـت الأمـة علـى مشـروعيـة التيمـم ، فـإذا قـام المتيمـم ليصلـي فـرأى المـاء وهـو فـي الصـلاة ، فهـل يسـتمر فـي صلاتـه ، مـع رؤيـة المـاء مـع انعـدام الإجمـاع ؟ أم يخـرج مـن الصـلاة ويتوضـأ ثـم يعـود ليصلـي مـن جديـد ؟
والراجـح فـي ذلـك : أنـه يسـتمر فـي صلاتـه ولا يخـرج منهـا إن رأى المـاء .وتفصيــل ذلــك :
أن الأمـة أجمعـت علـى مشـروعية التيمـم عنـد فقـد المـاء .
وأن التيمـم المجمـع علـى مشـروعيته عنـد فقـد المـاء ، أثبـت للمتيمـم صفـة حكميـة وهـي الطهـارة التـي لا تصـح الصـلاة إلا بهـا .
فـإن رأى المصلـي المتيمـم المـاء ، انعـدم الإجمـاع علـى مشـروعية التيمـم ، ولكـن الصفـة الحكميـة مـا زالـت قائمـة بصاحبهـا لأنهـا صفـة مكتسـبة لا تـزول إلا بناقـض ، فالصفـة الحكميـة الثابتـة بالتيمـم مـن جنـس اسـتصحاب الوصـف المثبـت للحكـم الشـرعي ، حتـى يثبـت خلافـه .
قـال ابـنُ القيـم " ..... النـزاع ـ أي الخــلاف وعـدم الإجمــاع لا يرفـع مـا ثبـت مـن الحكـم ..... " .التأسيس ... / ص : 436 .

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 08-19-2025, 10:12 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,382
Post

المصـــدر الثامـــن : المصالــح المرْسَــلَة
تعريفهـــا :
هـي المسـألة النافعـة للنـاس ، الضروريـة لهـم ، والتـي لـم يـرد عـن الشـارع اعتبـار لهـا أو إلغـاء بعينهـا ، ولكـن شَـهدتْ لهـا أصـول الديـن العامـة .التأسيس ... / ص : 442 .
· الشـروط التـي يجـب أن تتوفـر فـي المسـألة والتـي يُحْكَـم فيها بالمصالـح المرسَـلَة :
1 ـ أن تكـون المسـألة نافعـة إمـا بجلـب نفـع أو دفـع ضُـر .
2 ـ أن تكـون المسـألة مـن الضروريـات سـواء كانـت فـي الديـن أو فـي الدنيـا .
3 ـ أن لا يَـرِد فـي الشـرع اعتبـار لهـا أو إلغـاء عينًـا أو جنسًـا
4 ـ أن يكـون مسـتندها أصـول الديـن العامـة .
5 ـ أن تكـون المسـألة عامـة وليسـت خاصـة بفـرد أو مجموعـة ـ مـن النـاس ـ دون أخـرى .
6 ـ ألاَّ تُصَـادِم نصًّـا مـن كتـاب أو سـنة أو إجمـاع أو قيـاس .
وفـي هـذه الجزئيـة يقـول شـيخ الإسـلام ـ ابـن تيميـة فـي الفتـاوى : ج : 11 / ص : 343 :
" لا يمكـن أن توجـد مصلحـة حقيقيـة تصـادم نصًّـا أوإجماعًـا أو قياسًـا " . ا . هـ .التأسيس ... / ص : 444 .
مرادفــات المصالــح المرســلة :
أطلـق بعـض أهـل العلـم عليهـا الاسـتصلاح أو المرسـل .
التأسيس ... / ص : 445 .
سـبب تسـميتها بالمصالـح المرسـلة :
سـميت بالمصالـح : لأن المصلحـة المنفعـة ، سـواء كانـت عائـدة بالنفـع الحقيقـي ، أو بالنفـع حكمًـا أي بدفـع الضـرر
وسـميت مرسـلَة : لأنـه غيــر منصـوص عليهـا بعينهـا ، بـل مسـتندها أصــول الديـن العامـة كمـا سـبق ، فهـي مرسـلة فيهـا . التأسيس ... / ص : 445 .
حكــم المصالـــح المرســلة :
هـي حُجـة بالشـروط السـابقة ، سـواء قيـل إنهـا أصـل مسـتقل أو غيـر مسـتقل .
وفـي ذلـك يقـول الشـنقيطي ـ رحمه الله ـ المذكـرة / ص : 170 :
" والحـق أن أهـل المذاهـب كلهـم يعملـون بالمصلحـة المرسـلة وإن قـرروا فـي أصولهـم أنهـا غيـر حجـة " . ا . هـ .
التأسيس ... / ص : 445 .
نمـــاذج مـن المصالــح المرســلة :
ـ جَمَـعَ أبـوبكـر ـ رضي الله عنه ـ صحـف القـرآن المتفرقـة .
ـ اسـتخلاف عمـر ـ رضي الله عنه ـ مـن قِبَـل أبـي بكـر ـ رضي الله عنه ـ ، مـع أن الرسـول ـ صلى الله عليهوعلى آله وسلم ـ لـم يسـتخلف أبـا بكـر ـ رضي الله عنه.
جمـع عثمـان ـ رضي الله عنه ـ المسـلمين علـى مصحـف واحـد .
ـ أفتـى الشـافعية بجـواز إتـلاف الحيوانـات التـي يقاتـل عليهـا الأعـداء ، وإتـلاف شـجرهم ، إذا كانـت حاجـة القتـال والظفـر بالأعـداء والغلبـة عليهـم ـ لإعْـلاء كلمـة الله ـ يسـتدعي ذلـك .
ـ أفتـى الإمـام أحمـد بـن حنبـل : بنفـي أهـل الفسـاد إلـى بلـدٍ يُؤْمَـن فيـه مـن شـرهم .التأسيس ... / ص : 446 .

الخلاصـــة :
المصالـح المرسـلة هـي المسـألة النافعـة للنـاس ، والضروريـة لهـم ، والتـي لـم يـرد عـن الشـارع اعتبـار لهـا أو إلغـاء بعينهـا ، ولكـن شـهدت لهـا أصـول الديـن العامـة .
الضروريـات تكـون فـي الدنيـا كمـا تكـون فـي الديـن .
الضروريـات فـي الديـن هـي : حفـظ الديـن ، والنفـس ، والعقـل ، والنسـب ، والمـال ، والعِـرْض .
الضروريــات فـي الدنيـا : كالمعامــلات والأعمـال التـي فيهـا مصلحـة للخلـق مـن غيـر خطـر شـرعي .التأسيس ... / ص : 448 .

المصـــدر التاســــع : العُــرْف

أصلـــه :
لقـد جـاء الإسـلام حامـلًا رايـة التخفيـف ورافعًـا الحـرج عـن الأمـة المسـلمة ، لينقلهـا مـن الظلمـات إلـى النـور .
ولتحقيـق التخفيـف ورفــع الحــرج ، قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم فيمـا رواه " مسـلم " 6277 ، و " أحمـد " بسـنديهما : عـن أنـس ـ رضي الله عنه ـ قـال : قـال صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم " إذا كـان شـيءٌ مـن أمـر دنياكـم ، فأنتـم أعلـمُ بـه ؛ وإذا كـان شـيءٌ مـن أمـر دينكـم فإلـيَّ " .رواه الإمام أحمد . صحيح الجامع ... / الهجائي / ج : 1 / حديث رقم : 767 / ص : 194 / صحيح .
فهـذا الحديـث أصـلٌ عظيـم ، حيـث قَسَّـم الأشـياء إلـى نوعيـن :
مـا كـان مـن أمـر الدنيـا ؛ فهـو راجـع إلـى النـاس .
راجـعٌ إلـى مـا تعارفـوا عليـه ، مـن أجـل ذلـك لا يجـوز الحظـر علـى شـيء مـن أمـور الدنيـا إلا إذا خالفَـتْ نصًّـا شـرعيًّا ، أو أفضـت إلـى مفسـدة راجحـة .
ومـا كـان مـن أمـر الديـن ؛ فهـو راجـع إلـى الشـرع .
وليـس معنـى ذلـك أن الشـارع قـد ـ حـدد ـ كـل لفـظ مـن الجهـة الشـرعية ، بـل كثيـر مـن الألفـاظ تركهـا الشـارع إلـى أعـراف النـاس بعـد مـا علـق عليهـا الأحكـام غيـر نـاسٍ ، وهـذا عيـن التخفيـف ورفـع الحـرج عـن الأمـة المسـلمة . التأسيس ... / ص : 470 .
مثـل قولـه تعالـى" ... وَلَهُـنَّ مِثْـلُ الَّـذِي عَلَيْهِـنَّ بِالْمَعْـرُوفِ ... " . سورة البقرة / آية : 228 .
وقولـه تعالـى " ... مِـنْ أَوْسَـطِ مَـا تُطْعِمُـونَ أَهْلِيكُـمْ ..." . سورة المائدة / آية : 89 .
" إن ذلـك مقـدّر بالعـرف ، لا بالشـرع ، فيطعـم أهـل كـل بلـد مـن أوسـط مـا يطعمـون أهليهـم قـدرًا ونوعًـا ، فمـا لـم يقـدره الشـارع فإنـه يُرْجَـع فيـه إلـى العـرف ، وهـذا لـم يقـدّره الشـارع فيرجـع فيـه إلـى العـرف " .
القواعد الفقهية ... / لابن القيم ... / ص : 370 ، ... .
تعريفـــه :
العـرف هـو العـادة الجاريـة بيـن النـاس . أمـا عـادات الإنسـان الخاصـة بـه فـلا تسـمى عُرفًـا .الواضح ... / ص : 153 .

أنـــواع العـــرف :
والعـرف قـد يكـون قوليًّــا أو عمليًّـا ، والعـرف بنوعيـة القولـي والعملـي قـد يكـون عامًّـا أو خاصًّـا ، وهـو بجميـع هـذه الأنـواع قـد يكـون صحيحًـا أو فاسـدًا .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 250 / بتصرف .

تقســـيم عـــام :
أ ـ العـرف القولـي :
هـو مـا تعـارف عليـه النـاس فـي بعـض ألفاظهـم ، بـأن يريـدوا بهـا معنـى معينًـا غيـر المعنـى الموضـوع لهـا .
ـ كتعارفهـم : إطـلاق لفـظ " الولـد "(1)علـى الذكـر دون الأنثـى .

( 1 ) لفظ " ولد " : وهو في الأصل اللُّغَوِي صادق على البنين والبنات كما في قوله تعالى :
* " ... ولأبويه لكل واحدٍ منهما السدسُ مما ترك إن كان له ولد ... " . سورة النساء / آية : 11 .
* " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ... " سورة النساء / آية : 11 .
الواضح في أصول الفقه ... / ص : 154 / بتصرف .
ـ وإطـلاق لفـظ " اللحـم " علـى غيـر السـمك وعليـه مـن حلـف ألا يأكـل لحمًـا فأكـل سـمكًا لا يحنـث بنـاء علـى العـرف السـائد فـي مجتمعـه .
ـ وإطـلاق لفـظ " الحـوت " علـى هـذا الحيـوان البحـري الضخـم الـذي يلـد ولا يبيـض .
وهـذا هـو المعنـى بالمصطلـح العلمـي .
أمـا فـي لغـة العـرب المقصـود بالحـوت " السـمك " الكبيــر منـه والصغيـر ، الـذي يلـد والـذي يبيـض .
وورد بالقـرآن الحـوت بهـذا المعنـى العـام .
ففـي قصـة غـلام موسـى بسـورة الكهـف ، قـال تعالـى :
" فَلَمَّـا جَـاوَزَا قَـالَ لِفَتَـاهُ آتِنَـا غَدَاءنَـا لَقَـدْ لَقِينَـا مِـن سَـفَرِنَا هَـذَا نَصَبـاً * قَـالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَـا إِلَـى الصَّخْـرَةِ فَإِنِّـي نَسِـيتُ الْحُـوتَ وَمَـا أَنسَـانِيهُ إِلاَّ الشَّـيْطَانُ أَنْ أَذْكُـرَهُ وَاتَّخَـذَ سَـبِيلَهُ فِـي الْبَحْـرِ عَجَبـًا " . سورة الكهف / آية : 62 ، 63 .
ولكـن الحـوت الـذي التقـم نبـي الله يونـس هـو ذلـك الحيـوان المائـي الضخـم .
قـال تعالـى "فَالْتَقَمَـهُ الْحُـوتُ وَهُـوَ مُلِيـمٌ " .سورة الصافات / آية : 142 .
وفـي شـبه الجزيـرة العربيـة كلمـة " الحـوت " مسـتعملة بهـذا العمـوم أي تشـمل جميـع أنـواع دواب البحـر .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 250 / بتصرف .
ب ـ العـرف العملـي :
هـو مـا اعتـاده النـاس مـن أعمـال .
ومـن أمثلتــه :
التعـارف علـى أن الخاطـب إذا قـدم لخطيبتـه شـيئًا مـن الحُلِـيّ والثيـاب ... ، فهـو هديـة لا مـن المهـر .
تقسـيم المهـر إلـى معجـل ومؤجـل .التأسيس ... / ص : 471 ، 472 .
ـ وكتعارفهـم علـى أن المهـر المؤجـل لا يُسـتحق ولا يُطالـبُ بـه إلا بعـد الفرقـة أو المـوت .المرتقى الذلول ... / ص : 265 .

فائـــدة :
عنـد تسـمية المهـر ، وتقديـم بعضـه ، وتأخيـر البعـض الآخـر لأجـل غيـر مسـمى ، فـإن هـذا الأجـل يرجـع إلـى العـرف والعـادة عنـد المتعاقديـن ، فجـرت العـادة مجـرى الشـرط . إلا إذا سـمى المتعاقـدان أجـل أو وقـت تمكيـن المـرأة مـن هـذا المؤجـل ، فهنـا يقـدم مـا صرحـا بـه علـى مـا جـرى عليـه العـرف ، لأن العـرف ضمنـي والاتفـاق صريـح ، والصريـح مقـدم علـى الضمنـي .

· تقســيم فرعــي :
أولاً : الأعـراف العامـة والخاصـة :
العـرف بنوعيـه القولـي والفعلـي ، قـد يكـون :
أ ـ عامًّــا : وذلـك إذا شـاع وفشـا فـي جميــع البـلاد الإسـلامية وسـار عليـه جميـع النـاس فـي
هـذه البـلاد .
مثالــه :
ـ إطـلاق لفـظ الدابـة علـى ذوات الأربـع ، ولا يطلقونهـا على الإنسـان فهـذا " عـرف لفظـي عـام " .
ـ اعتبـار تقديـم الطعـام للضيـف إذنًـا لـه بالتنـاول ولـو لـم يصـرح المضيـف بذلـك .
فهـذا " عـرف عملـي أو فعلـي عـام " .
ب ـ خاصًّـا : وذلـك إذا شـاع فـي قطـر دون قطـر ، أو بيـن أربـاب حرفـة معينـة أو صنعـة معينـة ، أو ... .
مثالـــه :
ـ الألفـاظ التـي اصطلـح عليهـا أهـل العلـوم وأصحـاب الحـرف والصناعـات التـي يريـدون بهـا عنـد إطلاقهـا المعانـي الاصطلاحيـة ، دون معانيهـا اللغويـة .
فهـذا " عـرف لفظـي أو قولـي خـاص " .
ـ إعطـاء عـلاوة علـى المبيــع إلـى المشـتري عنـد شـرائه البرتقـال فـي بعـض مناطـق محافظـة دبالـي . هـذا " عـرف عملـي أو فعلـي خـاص " .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 251 / بتصرف .
والمرتقى الذلول إلى ... / ص : 264 / بتصرف .
ثانيــًا : العـرف الصحيـح والعـرف الفاسـد :
أ ـ العـرف الصحيـح :
ـ هـو مـا لا يخالـف نصًّـا مـن نصـوص الشـريعة .
ـ ولا يفـوت مصلحـة معتبـرة .
ـ ولا يجلـب مفسـدة راجحـة .
ومـن أمثلتــه :
تعـارف النـاس علـى أن مـا يقدمـه الخاطـب إلـى مخطوبتـه مـن ثيـاب ونحوهـا يعتبـر هديـة ولا يدخـل فـي المهـر .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 251 .

ب ـ العـرف الفاسـد :
ـ هـو مـا كـان مخالفًـا لنـص مـن نصـوص الشـريعة .
ـ أو يجلـب ضـررًا .
ـ أو يدفـع مصلحـة .
ومـن أمثلتــه :
ـ تعـارف النـاس اسـتعمال العقـود الباطلـة كالاسـتقراض بالربـا
ـ تعـارف النـاس بعـض العــادات المسـتنكَرة فـي المآتـم ( مثـل السـرادقات ـ الخميـس ـ الأربعيـن ..... ) ، والموالـد ، والأفـراح غيـر الشـرعية .
المرتقى الذلول ... / ص : 265 .

حُجيــة العــرف :
اعتبـر العلمـاء العـرف أصـلاً من أصـول الاسـتنباط ، ولهـذا كـان مـن قواعدهـم : " العـادة مُحَكَّمَـة " ، وهـذه القاعـدة هـي إحـدى القواعـد الخمـس الكبـار التـي ذكـروا أن الفقـه كلـه ينبنـي عليهـا(1) وممـا يتفـرع عنهـا ، قاعـدة : " المعـروف عرفًـا كالمشـروط شـرطًا " ، وهـذا يبيـن مـدى اعتدادهـم بالعـرف الـذي عليـه النـاس .المرتقى الذلول ... / ص : 265 .
( 1 ) انظر " الأشباه والنظائر " للسيوطي / ص : 8 .
حاشية المرتقى الذلول ... / ص : 265 .
ـ ويعتبـر العـرف أيضًـا مرجعًـا لتطبيـق الأحكـام علـى الحـوادث والوقائـع الجزئيـة .الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 255 .
فهنـاك أحكـام عُلقـت علـى اللفـظ ولـم تحـد شـرعًا ولا لغـة :
علَّـق الشـارعُ كثيـرًا مـن الأحكـام علـى ألفـاظٍ ، ولـم يحـد تلـك الألفـاظ بضوابـط كـي تُطَبَّـق الأحكـام فـي محيطهـا ولا تتعداهـا ، ولـم يُعْـرَف لهـا ضابـط لُغَـوي ، بـل تركهـا لعـرف النـاس رحمـة بهـم غيـر نسـيان .
فمثـــلاً :
نجـد أن الألفـاظ إمـا لهـا :
ـ حـد شـرعي : كالصـلاة ، والزكـاة ، والصيـام ، والحـج ، والإيمـان ، والكفـر ، والنفـاق .
ـ أو حـد لُغَـوِي : كالشـمس ، والقمـر ، والسـماء ، والأرض ، والبَـرّ ، والبحـر .
ـ أو حـد عرفـي : كالدرهـم ، والدينـار ، والإطعـام ، ... .
فهـذه أشـياء لـم يحدهـا الشـارع بحـد ، ولا لهـا حـد واحـد يشـترك فيـه جميـع أهـل اللغـة ، بـل يختلـف قـدره وصفتـه باختـلاف عـادات النـاس .
أمثلــة علـى الأحكـام التـي عُلقـت علـى اللفـظ ولـم تحـدّ شـرعًا ولا لغـة .
مـن كتـاب الله :
".. فَكَفَّارَتُـهُ إِطْعَـامُ عَشَـرَةِ مَسَـاكِينَ مِـنْ أَوْسَـطِ مَـا تُطْعِمُـونَ أَهْلِيكُـمْ ..." .ورة المائدة / آية : 89 .
فـإن الحكـم هنـا عُلِّـق علـى لفـظ " الإطعـام " ، ولـم يبيـن لنـا المقـدار ، ولا النـوع .
فأمـا المقـدار فـإن مـا يكفـي الإنسـان يختلـف باختـلاف الزمـان والمكـان ، وكذلـك النـوع جعلـه الشـرع مـن أوسـط مـا تطعمـون الأهـل ، وهـذا الوَسَـط يختلـف باختـلاف السَّعَـة ، فمـن كـان عنـده سـعة فـإن وسـط طعامـه غيـر وسـط الفقيـر قطعًـا .
".. وَعلَـى الْمَوْلُـودِ لَـهُ رِزْقُهُـنَّ وَكِسْـوَتُهُنَّ بِالْمَعْـرُوفِ ... " . سورة البقرة / آية : 233 .
" فالـرزق والكسـوة " : لا ضابـط لغـوي ولا شـرعي لهمـا ، فتعيـن اعتبـار العـرف فـي مكـان المسـألة وزمانهـا .
التأسيس ... / ص : 475 .
مــن الســـنة :
ـ عـن ابـن عمـر ـ رضي الله عنهما ـ قـال :
" فـرض رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ زكـاة الفطـر صاعًـا مـن تمـرٍ أو صاعـًا مـن شـعير علـى العبـد والحـر والذكـر والأنثـى والصغيـر والكبيـر مـن المسـلمين وأمـر بهـا أن تـؤدّى قبـل خـروج النـاس إلـى الصـلاة " .
صحيح البخاري . متون / 24 ـ كتاب الزكاة / 70 ـ باب فرض صدقة الفطر / حديث رقم : 1503 / ص : 172 .
فتلـك الأنـواع المذكـورة ، هـي التـي كانـت فـي المدينـة وقتئـذ ، أمـا فـي غيـر المدينـة ، فـإن هـذه الأطعمـة قـد لا تتوفـر فتكـون الصدقـة مـن طعـام أهـل البلـد .
ـ قولـه صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم لـ " هنـد " امـرأة أبـي سـفيان لمـا شـكت إليـه إمسـاك أبـي سـفيان وشُـحّه ـ قـال لهـا صلـى الله عليـه وعلـى آله وسـلم ـ :
" خـذي مـا يكفيـك وولـدك بالمعـروف " .
* فعـن عائشـة ـ رضي الله عنها ـ أن هنـدًا قالـت للنبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ : إن أبـا سُفيانَ رجـلٌ شـحيحٌ فأحتـاج أن آخـذ مـن مالـه . قـال :
" خـذي مـا يكفيـك وولـدَكِ بالمعـروف " .صحيح البخاري . متون / 93 ـ كتاب : الأحكام / 28 ـ باب : القضاء على الغائب / حديث رقم : 7180 / ص : 835 .
أي : خـذي مـن المـال مـا يكفيـك وولـدك ، بمـا يوافـق مـا تعـارف النـاس عليـه مـن الكفايـة .التأسيس ... / ص : 477 / بتصرف .

شــروط اعتبــار العــرف لبنــاء الأحكــام عليـه :
يشـترط فـي العـرف لاعتبـاره ، وبنـاء الأحكـام عليـه مـا يأتـي
1 ـ ألا يكـون العـرف مخالفًـا للنـص ، بـأن يكـون عرفًـا صحيحًـا غيـر فاسـد .
2 ـ أن يكـون العـرف مُطَّـرِدًا مسـتفيضًا بيـن أهلـه ، معروفًـا عندهـم ، ومعمـولاً بـه بينهـم ، أو يكـون العـرف غالبًـا بحيـث لا يتخلـف إلا قليـلاً .
3 ـ أن يكـون العـرف الـذي يُفَسَّـر بـه الحكـم موجـودًا وقـت إنشـاء التصـرف المحكـوم عليـه ، بـأن يكـون حـدوث العـرف سـابقًا علـى وقـت التصـرف ، ثـم يسـتمر إلـى زمـان التصـرف فيقارنـه ، أي : يكـون سـابقًا ومقارنًـا .
وعلـى هـذا الشـرط فـإن الوصايـا ، وحجـج الأوقـاف ووثائـق الـزواج تفسـر بالعـرف الـذي كان موجـودًا فـي زمـان كتابتهـا دون الأزمنـة اللاحقـة .
فمثـــلاً :
لـو وقـف شـخص عقـاره علـى العلمـاء فـي بعـض العصـور السـابقة ، فـإن العـرف المقـارِن يفسِّـر " العلمـاء " " بعلمـاء الديـن خاصـة " .
فـلا يصـح أن يُفسَّـر إلا بذلـك العـرف ، ولا يجـوز أن يفسـر بعـرف أهـل زماننـا الذيـن جـرت عادتهـم بإطـلاق اسـم " العالِـم " علـى عالِـم الديـن وغيـره مـن أهـل الطـب والفلـك والكيميـاء وغيرهـم ، لأن هـذا عـرف متأخـر عـن زمـان صاحـب الوقـف .
[ لـذا يجـب علـى المجتهـد معرفـة أعـراف النـاس قبـل الفُتيـا لهـم ، وذلـك لأنهـم يسـتخدمون فـي أسـئلتهم مـا تعارفـوا عليـه مـن الألفـاظ ] (1).( 1 ) [ ... ] ما بين المعكوفتين مصدره : التأسيس ... / ص : 472 .
4ـ ألا يوجـد قـول أو عمـل يفيـد عكـس مضمـون العـرف ، لأن ذلـك يكـون اسـتثناءً ممـا تعـارف عليـه النـاس .
ومثالـــه :
أن يكـون عُـرف السـوق أن مصاريـف النقـل علـى المشـتري ، فيتفـق المتبايعـان علـى أن مصاريـف النقـل علـى البائـع .
فهنـا يُقَـدَّم مـا صرَّحـا بـه علـى مـا جـرى عليـه العـرف ، لأن العـرف ضمنـي والاتفـاق صريـح ، والصريـح مقـدم علـى الضمنـي .المرتقى الذلول ... / ص : 266 .
· الفــرق بيــن " العــرف " والعــادة :
العـادة : هـي الشـيء المألـوف سـواء كـان فـي فـرد أو جماعـة
العـرف : هـو الشـيء المألـوف فـي جماعـة .
وعليـه فـإن العـادة أعـم مـن العـرف ، فكـل عـرف عـادة ، وليـس كـل عـادة عرفًـا .التأسيس ... / ص : 478 .

معنــى العــرف والعــادة عنــد الفقهــاء :
الفقهـاء لا يفرقـون فـي المعنـى بيـن العـرف والعـادة .
فيقولـون مثـلاً : العـرف والعـادة كـذا فـي المسـألة .
ويُحْمَـل كلامهـم علـى المألـوف فـي المجتمـع ، والعطـف المشـهور عندهـم لا يعنـي التأسـيس (1) بـل هـو للتأكيـد .
( 1 ) لا يعني التأسيس : أي لا يعني معنى مستقل غير كلمة عرف ولكنه تأكيد لكلمة عرف . فمعناها عندهم واحد . أي العرف والعادة عندهم مترادفان .
التأسيس ... / ص : 478 .
· الفــرق بيــن العــرف والإجمــاع :
ـ الإجمـاع : يخـص طائفـة معينـة مـن النـاس وهـم المجتهـدون .
العـرف : يخـص المجتمـع .
ـ الإجمـاع : لا يُنْقَـض بتغيـر الزمـان والمكـان .
العـرف : يتغيـر ـ بتغيـر ـ الزمـان والمكـان .
ـ الإجمـاع مصـدر مهـم مـن مصـادر الفقـه الإسـلامي ، ودليـل مـن أدلـة الأحكـام مشـهود لـه بالصحـة والاعتبـار .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 193 ./التأسيس ... / ص : 478 .
العـرف ليـس دليـلاً مسـتقلاً يُشْـرَع الحكـم فـي الواقعـة بنـاءً عليـه ، وإنمـا هـو دليـل يُتوصَّـل بـه إلـى فهـم المـراد مـن عبـارات النصـوص ومـن ألفـاظ المتعامليـن وأفعالهـم حتـى يمكـن تنزيـل النصـوص علـى وقائـع المكلفيـن دون إخـلال بقصـد الشـارع أو مصالـح المكلفيـن المبنيـة علـى مـا ألِفُـوه وتعارفـوه فيمـا بينهـم . المرتقى الذلول ... / ص : 267 .
رد مع اقتباس
  #19  
قديم يوم أمس, 01:39 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,382
Post

المصـــدر العاشـــر : ســد الذرائــع

ـ الذريعـة فـي اللغـة : بعيـر أو ناقـة كـان الصيـاد يطلقـه بيـن الوحـش فـي الصحـراء ، حتـى إذا اطمأنـت الوحـش إليـه سـار الصيـاد بجانبـه (1)متخفيًـا حتـى يبلـغ مـن الصيـد حاجتـه .
لسان العرب .الواضح في أصول الفقه ... / ص : 159 .
ـ اصطلاحًــا :
الذريعــة : هـي الأمـر المبـاح ظاهـرًا مـن حيـث الأصـل ، لكـن يُتوصـل بـه إلـىحصـول أمـر محـرم .
وسـد الذرائـع : هـو منـع الأمـر المبـاح الـذي يُتوصـل بـه إلـى المحـرم ، سـواء قصـد بـه فاعلـه الوصـول إلـى المحـرم ( كالْحِيَـل (2)علـى المحرمـات ) ، أو لـم يقصـد ذلـك ، فيُمنـع لئـلا يتوصـل بـه إلـى المحـرَّم غيـره مـن النـاسِ .
ومـن هنـا جـاء التعبيـر بـ ( سـد ) الذرائـع ، لأنـه بمعنـى سـد البـاب بالكليـة لئـلا يتوصـل منـه إلـى المفسـد .
الواضح في أصول الفقه ... / ص : 159 .
( 1 ) بجانبه : أي بجانب الذريعة .
( 2 ) الحيلة : هي الوسيلة المباحة في ذاتها ، التي تفضي إلى غير ظاهرها قصدًا .
ومثالها : من نوى بعقد النكاح التحليل كان محللا ودخل في الوعيد على ذلك باللعن ، ولا يخلصه من ذلك صورة النكاح .فتح الباري ... / ج : 12 / ( 90 ) ـ كتاب : الحِِيَل / 1 ـ باب ... / ص : 344 / بتصرف .

ثـم اسـتعملت " الذريعـة " بعـد ذلـك فـي كـل أمـر ظاهـر السـلامة يُتَوصـل بـه إلـى المقصـود .
ومـن كـلام العـرب : تذرَّعْـتُ بكـذا إلـى كـذا ، أي اتخذتُـهُ وسـيلة إليـه .
سـد الذرائـع : الذرائـع هـي الوسـائل ؛ والذريعـة : هـي الوسـيلة والطريـق إلـى الشـيء ، سـواء أكـان هـذا الشـيء مفسـدة أو مصلحـة ، قـولاً أو فعـلاً . ولكـن غلـب إطـلاق اسـم " الذرائـع " علـى الوسـائل المفضيـة إلـى المفاسـد .
فـإذا قيـل : هـذا مـن بـاب سـد الذرائـع ، فمعنـى ذلـك : أنـه مـن بـاب منـع الوسـائل المؤديـة إلـى المفاسـد . أي سـد البـاب بالكليـة لئـلا يتوصـل منـه إلـى المفسـد .
الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 244 / بتصرف .
· أقســـام الأفعــال المؤديــة إلـى مفاســد :


أ ـ أفعـال فاسـدة محرمـة بذاتهـا مفضيـة إلـى الشـر :
فهـذه بطبيعتهـا تـؤدي إلـى الشـر والضـرر والفسـاد ، كشـرب المسـكر المفسـد للعقـول ، والقـذف الملـوث للأعـراض ، والزنـا المفضـي إلـى اختـلاط الأنسـاب .
ولا خـلاف بيـن العلمـاء فـي منـع هـذه الأفعــال ، وهـي فـي الحقيقـة لا تدخــل فـي دائـرة سـد الذرائـع التـي نتكلـم عنهـا ، لأنهـا محرمـة لذاتهـا .

ب ـ أفعـال مباحـة جائـزة مُفْضيـة إلـى مفاسـد :
الأفعـال المباحـة الجائـزة ولكنهـا مفضيـة إلـى مفاسـد أنـواع ، وهـي :
النـوع الأول :
مـا كـان إفضـاؤه إلـى المفسـدة نـادرًا وقليـلاً ، فتكـون مصلحتـه هـي الراجحـة ، ومفسـدته هـي المرجوحـة . كالنظـر إلى المخطوبـة (1)؛ والمشـهود عليهـا ـ أمـام القضـاء ـ ، وزراعـة العنـب (2) .
فـلا تمنـع هـذه الأفعـال بحجـة مـا قـد يترتـب عليهـا مـن مفاسـد ، لأن مفسـدتها مغمـورة فـي مصلحتهـا الراجحـة .
( 1 ) قال الشيخ الألباني :
لا يجوز إعادة وتكرار النظر إلى المرأة ، إلا في النظر إلى المخطوبة .فتاوى الإمارات / للشيخ الألباني .
( 2 ) قد تؤدي زراعة العنب إلى استخدامه لصناعة الخمر .

النـوع الثانـي :
مـا كـان إفضـاؤه إلـى المفسـدة كثيـرًا ، فمفسـدته أرجـح مـن مصلحتـه .كبيـع السـلاح فـي أوقـات الفتـن ـ لئـلا يفضـي ذلـك إلـى كثـرة القتـل ـ .
وبيـع العنـب ، فبيـع العنـب حـلال ـ فـي حـد ذاتـه ـ أمـا بيعـه لمـن عُـرف عنـه الاحتـراف بعصـره خمـرًا ، فحـرام .
وكذلـك سـب آلهـة المشـركين ، فهـذا أمـر مسـتحب ، ولكـن سـبهم فـي وجـود المشـركين قـد يـؤدي إلـى سـب رب العـزة تبـارك وتعالـى ، فمنعـت لهـذا التعلـق .
فتلـك وسـائل مباحـة ، لكنهـا تعلقـت بأمـور خارجيـة وبسـببها تفضـي إلـى مفاسـد فمنعـت .
الوجيز في أصول الفقه / ص : 245 / بتصرف .
عــدم التوســع فـي ســد الذرائــع :


الذيـن قالـوا بسـد الذرائــع لـم يجيـزوا التوسـع فـي سـدها ، لأن ذلـك يـؤدي إلـى حــرج علـى النـاس عظيـم ، فـلا يفتَـى بسـد الذرائـع إن كـان الإفضـاء إليهـا (1)نـادرًا أو قليـلاً ، كمـن يفتـي بتحريـم زراعـة العنـب بالكليـة لئـلا تُعْصَـر منـه الخمـر ، وكمـن يفتـي بتحريـم أكـل طعـام الكفـار خشـية أن يكـون فـي طعامهـم لحـم الخنزيـر .
فـلا يجـوز الإفتـاء بسـد ذريعـة إلا فيمـا كـان إفضـاؤه إلـى المفسـدة غالبًـا ، بحيـث يغلـب علـى الظـن إفضـاؤه إليهـا أو يكـون إفضـاؤه إليهـا كثيـرًا .
ثـم لا يكـون سـد الذريعـة شـاملاً عامـًا لكـل صـور المحكـوم فيـه وكـل أحوالـه ، بـل بالقـدر الـذي تنـدرئ بـه المفسـدة ، وإذا زالـت الخشـية زال الحظـر ، والله أعلـم .
الواضح في أصول الفقه ... / ص : 162 .
( 1 ) إليها ---> الضمير يعود على المفسدة ، أي إذا كان الإفضاء إلى المفسدة نادرًا .
حُجِّيــة القــول بســد الذرائــع :
ـ قـال تعالـى "وَلاَ تَسُـبُّواْ الَّذِيـنَ يَدْعُـونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُـبُّواْ اللهَ عَـدْوًا بِغَيْـرِ عِلْـمٍ ...".سورة الأنعام / آية : 108 .
ووجـه الاسـتدلال ، أن سـب الآلهـة عبـادة ، ولكـن مُنِعَـتْ فـي المواطـن التـي يُـرَدّ علـى هـذا السـب بِسـبِّ رب العـزة سـبحانه وتعالـى ، لأن تـرك السـب فـي تلـك المواطـن مصلحـة راجحـة .
ـ قـال تعالـى " ... لاَ تَقُولُـواْ رَاعِنَـا وَقُولُـواْ انظُرْنَـا ... ".سورة البقرة / آية : 104 .
نهـى الله عـز وجـل المؤمنيـن أن يقولـوا " راعنـا " مـع قصدِهُـمُ الحَسَـن ، منعًـا لذريعـة التشـبه باليهـود الذيـن كانـوا يريـدون بهـا شـتم النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ .
التأسيس ... / ص : 458 .
ونهـى الرسـول ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ أن يقضـي حَكَـم بيـن اثنيـن وهـو غضبـان لأن الحُكْـم وهـو غضبـان ذريعـة إلـى مفسـدة الجَـوْر فـي الحُكـم مـن حيـث لـم يقصـد .
قـال البخـاري فـي صحيحـه :
حدثنـا آدم ، قـال : حدثنـا شـعبة ، قـال : حدثنـا عبـد الملـك بـنُ عُميـرٍ ، قـال : سـمعتُ عبـد الرحمـن ابـن أبـي بَكْـرَةَ ، قـال : كتـبَ أبـو بكـرة إلـى ابنـه وكـان بسـجسـتان بـأن لا تقضِـيَ بيـن اثنيـن وأنـت غضبـان فإنـي سـمعتُ النبـي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول :
" لا يقضيـن حَكَـم بيـن اثنيـن وهـو غضبـان " .
صحيح البخاري . متون / ( 93 ) ـ كتاب : الأحكام / ( 13 ) ـ باب : هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان ؟ / حديث رقم : 7158 / ص : 832 . دار ابن الهيثم .
الواضح في أصول الفقه ... / ص : 160 / بتصرف .

فتــح الذرائــع :
سـد الذرائـع كمـا تقـدم هـو منـع المبـاح متـى كـان يـؤدي إلـى مفسـدة .
وعكسـه : فتـح الذرائـع ، أي : إباحـة ارتكـاب المحـرم إن كـان تركـه - أي ترك ارتكاب المحرَّم-يـؤدي إلـى ضـرر أعظـم .
وقـد قـال بفتـح الذرائـع القائلـون بسـدها ، لأن الأمريـن مـن بـاب واحـد .
ومِـنْ فَتْـح الذرائـعَ :
إجـازة دخـول منـزل الغيـر بغيـر إذنـه لإطفـاء حريـقٍ أو منـع جريمـة .الواضح في أصول الفقه ... / ص : 163 .


* القصـاص شُـرع لمصلحـة حفـظ النفـوس ؛ [ رغـم أن القتـل محـرم ، لكنـه أبيـح هنـا لمصلحـة حفـظ النفـوس الأخـرى ] ، قـال تعالـى " وَلَكُـمْ فِـي الْقِصَـاصِ حَيَـاةٌ يَـاْ أُولِـيْ الأَلْبَـابِ ... " .سورة البقرة / آية : 179 .


* * * * *

المصـــدر الحـــادي عشــر : الاجتهـــاد

تعريفـــه :
ـ الاجتهـاد لغـة : بـذل الجهـد لإدراك أمـر شـاق .
الاجتهـاد اصطلاحًـا : بـذل الجهـد لإدراك حكـم شـرعي .
والمجتهـد : مـن بـذل جهـده لذلـك .
فالاجتهـاد فـي الشـرع :
أن يبـذل الإنسـان طاقتـه ووسـعه لإدراك حكـم شـرعي ، وعليـه ، فمـن أخـذ كتابًـا ونظـر فيـه وحكـم بمـا يقتضيـه هـذا الكتـاب فليـس بمجتهـد ، بـل هـذا مُقَلِّـد لأنـه قَلَّـد صاحـب الكتـاب .
ومـن راجـع الكتـب وبحـث مـع العلمـاء فـي حكـم المسـألة حتـى أوصلـه ذلـك البحـث مـع العلماء ومراجعـة الكتـب إلـى إدراك الحكـم ، فهـذا يسـمى مجتهـدًا ؛ لأنـه بـذل جهـدًا لإدراك هـذا الأمـر والمجتهـد فـي الحقيقـة هـو العالـم .
شرح الأصول من علم الأصول ... / ص : 626 .
شــروط الاجتهــاد :
1 ـ أن يعلـم مـن الأدلـة الشـرعية مـا يحتـاج إليـه فـي اجتهـاده ، كآيـات الأحكـام وأحاديثهـا .
2 ـ أن يعـرف مـا يتعلـق بصحـة الحديـث وضعفـه ، كمعرفـة الإسـناد ورجالـه وغيـر ذلـك .
3 ـ أن يعـرف الناسـخ والمنسـوخ ، ومواقـع الإجمـاع ، حتـى لا يحكـم بمنسـوخ أو مخالـف للإجمـاع .
أن يعـرف مـن الأدلـة مـا يختلـف بـه الحكـم مـن تخصيـص أو تقييـد أو نحـوه ؛ حتـى لا يحكـم بمـا يخالـف ذلـك .
5 ـ أن يعـرف مـن اللغـة وأصـول الفقـه مـا يتعلـق بـدَلالات الألفـاظ كالعـام والخـاص والمطلـق والْمُقَيَّـد ، والمُجْمَـل والمبيَّـن ، ونحـو ذلـك ، ليحكـم بمـا تقتضيـه تلـك الـدلالات
6 ـ أن يكـون عنـده قـدرة يتمكـن بهـا مـن اسـتنباط الأحكـام مـن أدلتهـا .
وهـذا الشـرط هـو الثمـرة ، فقـد يكـون الإنسـان عنـده كـل مـا سـبق مـن الشـروط ، لكـن لا يسـتطيع أن يسـتنبط ، بـل هـو مقلـد ، يقـول مـا قالـه غيـره .
والنـاس فـي هـذه المسـألة يتباينـون تباينًـا عظيمًــا ، فتجـد بعـض النـاس يسـتنبط مـن الحديـث
الواحـد عـدة مسـائل ، وآخــر لا يسـتنبط منـه إلا مسـائل قليلـة ، أو لا يسـتنبط منـه إلا المسـألة
التـي هـي ظاهـر الكـلام فقـط .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 627 : 632 .
حكـــم الاجتهــاد :
الاجتهـاد واجـب علـى مـن كـان أهـلاً لـه بـأن قامـت فيـه مَلَكَـةُ الاجتهـادِ وتهيـأت لـه أسـبابه ووسـائله .
وعلـى المجتهـد أن يصـل إلـى الحكـم الشـرعي بطريـق النظـر والبحـث فـي الأدلـة ، ومـا يـؤدي إليـه اجتهـاده هـو الحكـم الشـرعي فـي حقـه ، الواجـب اتباعـه ، فـلا يجـوز لـه تركـه تقليـدًا لغيـره . وهـو إن أصـاب فـي اجتهـاده فلـه أجـران ، وإن أخطـأ فلـه أجـر واحـد .
الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 405 .
* فعـن عمـرو بـن العـاص أنـه سـمع رسـول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يقـول " إذا حكـم الحاكـم فاجتهـد ثـم أصـاب ، فلـه أجـران ، وإذا حكـم فاجتهـد ثـم أخطـأ فلـه أجـر " .صحيح البخاري . متون / ( 96 ) ـ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة / ( 21 ) ـ باب : أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ / حديث رقم : 7352 / ص : 853 .

فائـــدة :
وإذا اجتهـد المجتهـد ونظـر فـي الأدلـة وفـي أقـوال العلمـاء ، ولكـن لـم يتبيـن لـه الحكـم ، وجـب عليـه أن يتوقـف ولا يحكـم باجتهـاده ، وفي هـذه الحـال يجـوز أن يقلـد للضـرورة ؛ لقولـه تعالـى "... فَمَـنِ اضْطُـرَّ فِـي مَخْمَصَـةٍ غَيْـرَ مُتَجَانِـفٍ لإِِّثْـمٍ فَـإِنَّ اللهَ غَفُـورٌ رَّحِيـمٌ " .سورة المائدة / آية : 3 .
ولقولـه تعالـى " ... فَاسْـأَلُواْ أَهْـلَ الذِّكْـرِ إِن كُنتُـمْ لاَ تَعْلَمُـونَ " . سورة الأنبياء / آية : 7 .
شرح الأصول من علم الأصول / ص : 634 .
تغيــر الاجتهـــاد ونقضــه :
الاجتهـاد مبنـاه النظــر واسـتفراغ الوسـع والطاقــة للوصـول إلـى الحكـم الشـرعي ، فـإذا بحـث المجتهـد فـي مسـألة ، وأمعـن النظـر فيهـا ، وبـذل غايـة جهــده حتـى توصـل إلـى حكـم فـي هـذه المسـألة ، كـان هـذا الحكـم هـو الواجـب فـي حقـه ، وهـو الـذي يفتـي بـه ، ولكـن إذا تغيـر اجتهـاده فـي هـذه المسـألة ذاتهـا ، فعليـه أن يعمـل بمقتضـى اجتهـاده الجديـد ، ويفتـي بـه ويتـرك قولـه الأول .
وإذا كـان المجتهـد حاكمًـا ، وقضـى فـي مسـألة بحكـم معيـن حسـب اجتهـاده ، فـلا يجـوز لحاكـم آخـر نقـض هـذا الاجتهـاد ، لأن القاعـدة : أن الاجتهـاد لا ينقـض بمثلـه .
ولكـن لـو عرضـت مسـألة أخـرى مثـل الأولـى علـى الحاكـم نفسـه ، وبـدا لـه رأي جديـد فـي هـذه المسـألة ، فـإن عليـه أن يحكـم باجتهـاده الجديـد ، أمـا مـا حكـم بـه أولاً ، فـلا ينتقـض بـل يمضـي وهـذا يعنـي أن السـوابق القضائيـة لا تفيـد القاضـي المسـلم ، وعلـى هـذا دَلَّ عمـل القضـاة فـي الإسـلام .
مـن ذلـك " أن عمـر بـن الخطـاب ـ رضي الله عنه ـ قضـى فـي المسـألة الحجريـة فـي الميـراث بعـدم توريـث أولاد الأبويـن ، ثـم عرضـت لـه نفـس المسـألة مـن بعـد فقضـى بتوريـث أولاد الأبويـن مـع الأولاد لأم ، فاعتـرض عليـه أصحـاب القضيـة الأولـى ، فقـال : ذلـك مـا قضينـا وهـذا علـى مـا نقضـي " (1) .
أمـا إذا كـان الاجتهـاد مخالفًـا للنـص القطعـي ، فإنـه ينقـض ولا عبـرة بـه ، إذ ليـس هـو فـي الحقيقـة اجتهـادًا .
الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 406 .


( 1 ) ننبه على عدم ثبوت هذا الأثر ، ولكن ذُكِر فقط لتقريب المعنى وللتنبيه على ضعفه لشهرته على الألسنة .
فالأثر ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل ... / ج : 6 / حديث رقم : 1693 / ص : 133 .

ومع ضعف الأثر ، لكن الحكم صحيح عند أهل العلم . فيرث الإخوة والأخوات الأشقاء بالاشتراك مع الإخوة لأم على الفرض المقدر لهم
شرعًا ، وذلك إذا لم يبق شيء من التركة للأشقاء ليرثونه بطريق التعصيب .
ومن أراد تفصيل المسألة ، فليرجع إلى بحث : " موسوعة علم الفرائض / ج : 1 / الطبعة الثانية / ص : 118
( المسألة المشتركة ) .
تَجَــزُّء الاجتهــاد :
ـ معنـى تجـزء الاجتهـاد :
هـو كـون العالـم مجتهـدًا فـي مسـألة دون غيرهـا ، أي أن يكـون قـادرًا علـى الاجتهـاد فـي بعـض المسـائل دون البعـض نظـرًا لتوفـر وسـائل الاجتهـاد لـه فـي هـذه المسـائل ، كمـن أحـاط بجميـع أدلـة علـم الميـراث ونصوصـه ومـا ورد فيـه مـن السـنة ومـن أقـوال العلمـاء ، فـإن لـه أن يجتهـد فـي هـذه المسـائل ، وإن كـان غيـر قـادر علـى الاجتهـاد فـي غيرهـا ، لعـدم توفـر وسـائل الاجتهـاد عنـده فيهـا .
وذهـب بعـض العلمـاء إلـى منـع تجـزء الاجتهـاد ، والقـول الأول هـو الراجـح ، وتـدل عليـه سـير المجتهديـن القُدامـى ، فقـد كـان أحدهـم يُسْـأل عـن مسـائل كثيـرة فـلا يجيـب إلا عـن بعضهـا ، ويتوقـف عـن الباقـي ، ويقـول : لا أدري .
الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 406 .
قـال الشـيخ العثيميـن ـ رحمه الله ـ فـي شـرح الأصـول مـن علـم الأصـول / ص : 632 :
والصحيـح أن الاجتهـاد يتجـزأ فيكـون فـي بـاب واحـد مـن أبـواب العلـم مثـل علـم الفرائـض ، أو فـي مسـألة مـن بـاب مـن أبـواب العلـم مثـل مسـألة المسـح علـى الخفيـن .
ولكنـه لا يكـون مجتهـدًا فـي غيـر ذلـك . ا . هـ / بتصرف .
فائـــدة :
إذا أفتـى الحاكـم النـاس بـدون اجتهـاد ، فهـو آثـم وإن أصـاب الحـق .
قـال شـيخ الإسـلام ـ ابـن تيميـة ـ فـي : القواعـد النورانيـة / ص : 206 : ..... لـو حكـم الحاكـم بغيـر اجتهـادٍ فإنـه آثـم وإن كـان صـادف الحـق ا . هـ .التأسيس ... / ص : 490 .

* * * * *
رد مع اقتباس
  #20  
قديم يوم أمس, 03:16 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,382
Post

المبحـــث الرابـــع
الأحكــام الشــرعية

معرفـة الحكـم الشـرعي ، هـو الغايـة والثمـرة التـي ينتهـي إليهـا دارس علـم الفقـه وأصولـه ، ولكـن علـم الأصـول ينظـر إليـه مـن جهـة وضـع القواعـد والمناهـج الموصلـة إليـه .
وعلـم الفقـه ينظـر إليـه باعتبــار اسـتنباطه فعـلاً ، بتطبيـق مـا وضعـه علـم الأصـول للتعـرف عليـه .الوجيز في أصول ... / ص : 23 / بتصرف .
* والحُكْـم لغـة : هـو القضـاء . ومنـه سـمينا الحاكـم بيـن النـاس : " قاضيًـا " .
* الحكـم اصطلاحًـا : مـا اقتضـاه خطـاب الشـرع المتعلـق بأفعـال المكلفيـن مـن طلـب أو تخييـر أو وضـع .
شرح الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 38 .
* شـرح التعريـف الاصطلاحـي :
ـ المـراد بقولنـا : " خطـاب الشـرع " : " الكتـاب " والسـنة الصحيحـة " .
ـ والمـراد بقولنـا : " المتعلـق بأفعـال المكلفيـن " : مـا يتعلـق بأعمالهـم ، سـواء كانـت قـولاً ، أم فعـلاً ؛ إيجـادًا أم تركًـا .
فخـرج بـه مـا تعلـق بالاعتقـاد فـلا يسـمى حكمًـا بـذا الاصطـلاح .
ـ والمـراد بقولنـا : " المكلفيـن " : مـا مـن شـأنهم التكليـف ، فـلا يشـمل الصغيـر والمجنـون .
ـ والمـراد بقولنـا : " مـن طلـب " : الأمـر والنهـي ، سـواء علـى سـبيل الإلـزام أو الأفضليـة .
ـ والمـراد بقولنـا : " أو تخييـر " : المبـاح .
ـ والمـراد بقولنـا : " أو وضـع " : أي شـيئًا موضوعًـا للدلالـة علـى شـيء ، كالأسـباب والشـروط والموانـع .
فهـذا خطـاب الشـرع لـو تأملتـه لوجدتـه لا يخـرج عـن هـذه الثلاثـة : إمـا طلـب أو تخييـر أو وضـع .
فمـا اقتضـاه خطـاب الشـرع مـن أحـد هـذه الثلاثـة يسـمى " حكمًـا " .شرح الأصول من علم الأصول / ص : 39 ـ 42 / بتصرف .
* * * * *
أقســـام الأحكـــام الشــرعية

تنقسـم الأحكـام الشـرعية إلـى قسـمين :
أحكـام شـرعية تكليفيـة ، وأحكـام شـرعية وضعيـة .
المرتقى الذلول ... / ص : 37 / بتصرف .

أولاً : الأحكــام الشــرعية التكليفيــة
الأحكـام الشـرعية التكليفيـة هـي الأحكـام التـي تتعلـق بالمكلـف ، سـواء بالفعـل أو التـرك .
ويقسـم معظـم الأصولييـن الحكـم التكليفـي إلـى خمسـة أقسـام هـي :
الواجـب ـ المحـرم ـ المنـدوب ـ المكـروه ـ المبـاح .
الوجيز في أصول الفقه ... / ص : 29 .
أولاً : الواجــب :
وهـو مـا أمـر الشـارع بفعلـه علـى وجـه الإلـزام .
كالصلـوات الخمـس ، والصيـام ، ... .
ويسـمى : فرضًـا ، وفريضـة ، وحتمًـا ، ولازمًـا .فالواجـب هـو الفـرض عنـد الجمهـور .والواجـب يثـاب فاعلـه امتثـالاً ، ويأثـم تاركـه ويسـتحق العقـاب .الأصول من علم الأصول / ص : 46 .
ثانيًــا : المحــرم :
وهـو مـا أمـر الشـارع بالكـف عنـه علـى وجـه الإلـزام بالتـرك
كعقـوق الوالديـن ، ..... .
ويسـمى : محظـورًا ، وممنوعًـا ، ومحرمًـا .
والمحـرم يثـاب تاركـه ـ لحرمتـه ـ امتثـالاً ، ويأثـم فاعلـه ويسـتحق العقـاب .الأصول من علم الأصول / ص : 55 / بتصرف .
ثالثًــا : المنــدوب :
وهـو مـا أمـر الشـارع بفعلِـهِ مـن غيـر إلـزام .
كالرواتـب - أي الصلاة الراتبة مثل سنة الظهر و ... -، ..... .
ويسـمى : سـنة ، ومسـنونًا ، ومسـتحبًّا ونفـلاً .
والمنـدوب يثـاب فاعلـه امتثـالاً لأمـر الله بفعلـه ، ولا يأثـم تاركـه ولا يعاقـب .
فيجـوز تركـه ، لكـن لا يجـوز تـرك اعتقـاد اسـتحبابه . ( مجموع الفتاوى 4 / 436 ) .معالم أصول الفقه ... / ص : 312 .
رابعًــا : المكـــروه :
وهـو مـا نهـى عنـه الشـارع أو أمـر بالكـف عنـه ، مـن غيـر إلـزام بالتـرك .فيكـون تركـه أولـى مـن فعلـه .كالأخـذ بالشـمال ، والإعطـاء بهـا .
والمكـروه : يثـاب تاركـه امتثـالاً لأمـر الله بالكـف عنـه ، ولا يأثـم فاعلـه .

خامسًــا : المبــــاح :
وهـو مـا خَيَّـرَ الشـارعُ المكلـفَ بيـن فعلـه وتركـه ، ولا مـدح ، ولا ذم علـى الفعـل والتَّـرك .
ويقـال لـه الحـلال ، والجائـز . كالأكـل فـي رمضـان ليـلاً .
فالمبـاح اصطلاحًـا : مـا لا يتعلـق بـه أمـر ولا نهـي لذاتـه ، أي بصـرف النظـر عـن أمـر آخـر يتعلـق بـه ، لأنه قـد يتعلـق به أمـر ـ آخـر ـ فيكـون ـ المبـاح فـي هـذه الحالـة ـ مأمـورًا بـه .
مثـــل :
شـراء المـاء ، الأصـل فيـه أنـه مبـاح ، لكـن إذا كـان يتوقـف عليـه الوضـوء للصـلاة ـ مـع قدرتـه علـى الشـراء ـ صـار شـراؤه واجبًـا ، لأنـه مـا لا يتـم الواجـب إلا بـه فهـو واجـب

قاعـــدة :
المبـاح : إذا كـان وسـيلة لمحـرم فهـو محـرم .وإذا كـان وسـيلة لمكـروه فهـو مكـروه .الأصول من علم الأصول / العثيمين / ص : 67
وإذا كـان وسـيلة لواجـب فهـو واجـب .
وإذا كـان وسـيلة لمسـتحب فهـو مسـتحب .

فـائـــدة :
الفعـل الواحـد ـ قـد ـ تتنـوع فيـه أقسـام الحكـم التكليفـي .
ومثـــال هـذا : الـزواج :فإنـه تتداولـه الأحكـام التكليفيـة الخمسـة ، علـى النحـو التالـي :
ـ إذا قـدر الرجـل علـى المهـر والنفقــة وسـائر واجبـات الزوجيـة ، وتيقـن أنـه إذا لـم يتـزوج زنـى ، كـان الـزواج فـي هـذه الحالـة واجبًـا .
ـ وإذا كـان قـادرًا علـى واجبـات الزوجيـة ، وكـان لا يخشـى علـى نفسـه الزنـا ، ولكنـه يجـد قـوة دينـه وزيـادة عفتـه فـي الـزواج ، فـإن الـزواج يكـون فـي حقـه مسـتحبًا .
ـ وإن علـم أنـه إن تـزوج فسـيظلم زوجتـه وينتقصهـا حقوقهـا ، فهـذا يكـون الـزواج فـي حقـه محرمًـا .
ـ وإن يظـن فقـط أنـه ربمـا يظلـم زوجتـه ، فهـذا يكـون زواجـه مكروهًـا .المرتقى الذلول إلى ... / ص : 70 .

ثانيًـــا : الأحكـــام الوضعيـــة

الأحكــام الوضعيــة :
هـي التـي وضعهـا الشـارع ، بحيـث تكـون أمـارات علـى وجـود الحكـم الشـرعي .
ـ فـإن المكلـف يعـرف بهـا متـى وأيـن يقـع الحكـم التكليفـي .
فـإن كـل حكـم تكليفـي مـن واجـب ومسـتحب وغيـر ذلـك ، لا يتحقـق إلا بحصـول أسـبابه ووجـود شـروطه ، وانتفـاء موانعـه .
وهـذه الثلاثـة هـي أهـم مـا يدخـل فـي الحكـم الوضعـي ، أعنـي بالثلاثـة :الأسـباب والشـروط والموانـع . وهنـاك أحكـام وضعيـة أخـرى ، لكننـا نـرى أن نقتصـر علـى هـذه لأنهـا الأهـم ، ولحاجـة المقـام إلـى الإيجـاز .المرتقى الذلول ... / ص : 73 .
1 ـ الســــبب :
هـو مـا جعلـه الشـارع مُعرِّفًًـا لحكـم شـرعي ، بحيـث يوجـد هـذا الحكـم عنـد وجـوده ، وينعـدم عنـد عدمـه .
ومـن أمثلـة السـبب :
دخـول الوقـت لوجـوب الصـلاة ، والاضطـرار سـبب لإباحـة الميتـة . والسـفر سـبب لإباحـة الفِطـر وسـبب لقصـر الصـلاة أيضًـا . والقتـل سـبب للقصـاص . وبلـوغ النصـاب سـبب لوجـوب الزكـاة وغيـر ذلـك .
ويلاحـظ فـي هـذه الأمثلـة كلهـا ، أن هـذه الأحكـام المذكـورة توجـد بوجـود أسـبابها ، وتنعـدم إذا انعدمـت أسـبابها .المرتقى الذلول ... / ص : 73 .
2 ـ الشـــرط :
والشـرط فـي اللغـة : هـو العلامـة اللازمـة .
وفـي الاصطـلاح :
هـو الأمـر الـذي يتوقـف عليـه وجـود الحكـم ـ وهـو خارجـه ـ ، بحيـث إذا فُقِـدَ الشـرط فُقـد الحكـم ، مـع أنه لا يلـزم مـن وجـود الشـرط وجـود الحكـم ، فقـد يوجـد الشـرط ولا يوجـد الحكـم .
مثالــــه :
" الوضـوء " شـرط لأداء الصـلاة : وهـو خارجهـا وليـس جـزءًا منهـا ولا يلـزم مـن الوضـوء الصـلاة ـ فقـد يتوضـأ المسـلم قبـل النـوم ، أو لقـراءة القـرآن أو ..... فـلا يلزمـه عنـد الوضـوء فـي هـذه الحـالات أن يصلـي .
فالوضـوء شـرط لصحـة الصـلاة ، وليـس جــزءًا منهـا ، وبهـذا يفـرق بيـن الشـرط والركـن ، فـإن الركـن مـع مشـاركته للشـرط فـي أن الحكـم يتوقـف عليـه ، إلا أن الشـرط خـارج عـن حقيقـة الشـيء كمـا بينـاه ، والركـن داخـل فـي حقيقتـه ، وذلـك كتكبيـرة الإحـرام التـي هـي جـزء مـن الصـلاة ويتوقـف عليهـا صحـة الصـلاة .
ومثـــال الشـــرط :
أن العمـد العـدوان شـرط للقتــل الـذي هـو سـبب إيجـاب القصـاص ، وأن مـرور الحــول شـرط للنصـاب الـذي هـو سـبب وجـوب الزكـاة ، وأن الوضـوء شـرط لصحـة الصـلاة ، ومـوت المـورِّث شـرط الإرث .
المرتقى الذلول ... / ص : 74 / بتصرف .
3 ـ المانـــع :
المانـع هـو مـا يترتـب علـى وجـوده عـدم الحكـم أو عـدم السـبب .
ومثـــال المانــع :
الرضـاع مانـع للنكـاح ، والحيـض والنفـاس مانعـان مـن وجـوب الصـلاة ، القتـل مانـع مـن الإرث .المرتقى الذلول ... / ص : 75 .
فوائـــد :
الأولــى :
يَحْسُـن التفريـق بيـن السـبب والشـرط ، فقـد يقـع الخلـط بينهمـا ، فـإنَّ كـلاً منهمـا يترتـب علـى عدمـه الحكـم ، فـإن دخـول الوقـت سـبب الصـلاة ، والوضـوء شـرطها ، فـإذا عـدم أحدهمـا لـم تصـح الصـلاة .
وأمـا الفـرق بينهمـا فهـو : أن " الشـرط " قـد يوجـد ولا يوجـد الحكـم ، فقـد يوجـد الوضـوء ، ولا تجـب الصـلاة .
وأمـا " الســبب " إذا وجـد فقـد لـزم الحكـم مـا لـم يقـع مانـع ، وذلـك كدخـول وقـت الصـلاة ، فإنـه يلـزم عنـه وجوبهـا .
ولهـذا كـان ترتيـب النظـر أن يُبتـدأ بالسـبب ، فـإن وجـد نُظِـرَ فـي الشـرط فـإن تحقـق نُظـر هـل هنـاك مانـع ؟ 0 فـإن انتفـى المانـع ، فقـد تحقـق الحكـم الشـرعي .
وممـا يؤكـد أن رتبـة الشـرط بعـد رتبـة السـبب ، أن مـن الشـروط مـا هـو شـرط فـي السـبب .
فـإن القتـل سـبب " القصـاص " ، ثـم هـذا السـبب وهـو القتـل شـرطه أن يكـون عمـدًا عدوانًـا ، والنصـاب سـبب وجـوب الزكـاة ، وشـرط النصـاب أن يحـول عليـه الحـول .
الثانيــة :
وهـي في بيـان طائفـة مـن الأحكـام وأسـبابها وشـروطها وموانعهـا فـي صـورة جـدول إيضاحـي :






الحكم : الصلاة / السبب: دخول الوقت / الشرط: الوضوء أو التيمم / المانع : الحيض أو النفاس.
الحكم :القصاص / السبب: القتل / الشرط:العمد العدوان / المانع:الأبوة.
الحكم:الإرث/ السبب:القرابة أو النسب/الشرط:موت المورث / المانع : قتل الوارث لمورثه.

الثالثـــة :
قـد يكـون الشـيء الواحـد سـببًا لشـيء ، وشـرطًا لشـيء ، ومانعًـا مـن شـيء .
مثــال ذلــك :
الإيمـان (1)، فهـو سـبب فـي الثـواب ، وشـرط فـي التكليـف ، ومانـع للقصـاص مـن المسـلم للكافـر عنـد مـن يـرى ذلـك ـ مـن الفقهـاء .المرتقى الذلول ... / ص : 75 .
الرابعـــة :
إذا عُلـم أن " الأحكـام التكليفيـة " هـي :
الواجـب والحـرام والمسـتحب والمكـروه والمبـاح ، وأن " الأحكـام الوضعيـة " هـي : السـبب والشـرط والمانـع ، فـإن الفـرق بيـن النوعيـن أن الحكـم الوضعـي : إما ألا يكـون فـي قـدرة المكلـف أصـلًا ، كدخـول الوقـت ، والنقـاء مـن الحيـض ، أو يكـون في قدرتـه ولا يؤمـر بتحصيلـه ، كالنصـاب للزكـاة ، والاسـتطاعة للحـج ، وعـدم السـفر للصـوم .
وأمـا الحكـم التكليفـي فعلامتـه أمـران : أن يكـون فـي قــدرة المكلـف ، وأن يؤمـر بـه فعـلاً كسـائر
المأمـورات والمنهيـات . المرتقى الذلول ... / ص : 76 .

* * * * *


( 1 ) الإيمان : إذا أطلق هكذا ، فهو يشمل الدين كله أي الإيمان والإسلام .
وإذا اقترن الإيمان والإسلام ، فالإيمان يقصد به أركانه الستة المعروفة والإسلام يقصد به الأركان الخمسة المعروفة
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 05:01 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر