|
#1
|
||||
|
||||
![]() 2 كنْ على جَادَّةِ السلَفِ الصالحِ قالَ الذهبيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى : وَصَحَّ عن الدَّارَقُطْنِيِّ أنه قالَ : ما شيءٌ أَبْغَضَ إليَّ من عِلْمِ الكلامِ . قلتُ: لم يَدْخُل الرجُلُ أبدًا في علْمِ الكلامِ ولا الْجِدالِ ولا خَاضَ في ذلك، بل كان سَلَفِيًّا ) اهـ. وهؤلاءِ هم ( أهلُ السنَّةِ والجماعةِ ) الْمُتَّبِعون آثارَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم كما قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى : " وأهلُ السنَّةِ : نَقاوةُ المسلمينَ، وهم خيرُ الناسِ للناسِ "اهـ . فالْزَم السبيلَ" وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ" *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : مفرغ القارئ: الأمر الثاني من آداب الطالب في نفسه: كنْ سَلَفِيًّا على الْجَادَّةِ ، طريقِ السلَفِ الصالحِ من الصحابةِ رَضِي اللهُ عَنْهُم ، فمَن بَعْدَهم مِمَّنْ قَفَا أَثَرَهم في جميعِ أبوابِ الدينِ ، من التوحيدِ والعِباداتِ ونحوِها مُتَمَيِّزًا بالتزامِ آثارِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتوظيفِ السُّنَنِ على نفسِك وتَرْكِ الْجِدالِ والْمِراءِ والْخَوْضِ في عِلْمِ الكلامِ وما يَجْلُبُ الآثامَ ويَصُدُّ عن الشرْعِ . الشيخ: هذه من أهم الأمور، أن الإنسان يكون على طريق السلف الصالح في جميع أبواب الدين من التوحيد والعبادات والمعاملات وغيرها. كذلك أيضا يترك الجدال والمراء لأن الجدال والمراء هو الباب الذي يقفل طريق الصواب؛ فإن الجدال والمراء يحمل المرء على أن يتكلم لينتصر لنفسه فقط، حتى لو بان له الحق تجده إما أن ينكره، وإما أن يؤوله على وجه مستكره انتصارًا لنفسه وإرغامًا لخصمه على الأخذ بقوله؛ فإذا رأيت من أخيك جدالا ومراءً بحيث يكون الحق واضحا (ففر منه فرراك من الأسد) يعني بحيث يكون الحق واضحا ولكنه لم يتبعه ففر منه فرارك من الأسد، وقل ليس عندي إلا هذا واتركه. وكذلك الخوض في علم الكلام، الخوض في علم الكلام أيضًا مضيعة للوقت لأنهم يتكلمون في أشياء من أوضح الأشياء، مر علي اليوم في دراسة بعض الطلبة يقول لك ما هو العقل؟ حدد العقل؟ عرف العقل لغة واصطلاحا شرعًا وعرفًا.هذا لا يحتاج تعريف،يحتاج العقل للتوضيح؟ ما يحتاج لكن أهل علم الكلام دخلوا علينا من هذه الأشياء ، ما هو العقل هذا؟ سبحان الله الظاهر إنه وهو يفكر في تعريف العقل صار مجنون نعم لأن هذا أمر واضح ما يحتاج إلى تعريف لكن هؤلاء أهل الكلام صدوا الناس عن الحق وعن المنهج السلفي البسيط بما يوردونه من الشبهات والتعريفات والحدود وغيرها وانظر كلام شيخ الإسلام رحمه الله في الرد على المنطقيين يتبين لك الأمر أو في نقض المنطق وهو مختصر وأوضح لطالب العلم يتبين لك ما هم عليه من الضلال . ما الذي حمل علماء جهابذة على أن يسلكوا باب التأويل في باب الصفات إلا علم الكلام لو كان كذا لكان كذا، لو كان مستو على العرش حقيقة لزم أن يكون محدودًا لماذا؟ لأن العرش محدود، لو كان يرى لزم أن يكون في جهة وإذا كان في جهة لزم أن يكون جسما وهلم جرا يعطونك من هذا الكلام الذي يضيعك وهم يظنون أنهم يهدونك سواء السبيل فإذن من المهم لطالب العلم أن يترك الجدال والمراء وأن يسلك ما يرد على ذهنه من الإيرادات إذا قلنا كذا فكيف يكون كذا اترك هذه الأشياء لا تتنطع اجعل علمك سهلا ميسرا يعني الأعرابي يجي ببعيره يسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن مسائل الدين وينصرف بدون مناقشة لأنه ليس عنده إلا التسليم أما المناقشات والمراء والجدال فهذا يضر الإنسان فالشيخ أبو بكر جزاه الله خير يعني ألمح إلى هذا الأمر وما يجلب الآثام ويصد عن الشرع . القارئ: قالَ الذهبيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى : "وَصَحَّ عن الدَّارَقُطْنِيِّ أنه قالَ : ما شيءٌ أَبْغَضَ إليَّ من عِلْمِ الكلامِ . قلتُ: لم يَدْخُل الرجُلُ أبدًا في علْمِ الكلامِ ولا الْجِدالِ ولا خَاضَ في ذلك، بل كان سَلَفِيًّا " اهـ. الشيخ: يعني بذلك الدارقطني يعني يبغضه مع أنه ما دخل فيه لكن لما له من نتائج سيئة وتطويل بلا فائدة وتشكيك فيما هو متيقن وإرباك للأفكار وهجر للآثار ولهذا ليس شيء فيما أرى أضر على المسلمين في عقائدهم من علم الكلام والمنطق وكثير من علماء الكلام الكبار أقروا في آخر حياتهم أنهم على دين العجائز ورجعوا إلى الفطرة الأولى لما علموا من علم الكلام قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتوى الحموية : وأكثر من يخاف عليه الضلال هم المتوسطون من علماء الكلام لأن من لم يدخل فيه فهو في عافية منه ومن دخل فيه وبلغ غايته فقد عرف فساده وبطلانه ورجع وصدق رحمه الله وهذا هو الذي يخاف عليه في كل علم يخاف من الأنصاف الذين في عرض الطريق لأنهم لم يروا أنفسهم أنهم لم يدخلوا في العلم فيتركوه لغيرهم ولم يبلغوا غاية العلم والرسوخ فيه فيضلون ويضلون لكن علم الكلام خطير لأنه يتعلق بذات الرب عز وجل وصفاته ولأنه يبطل النصوص تماما ويحكم العقل ولهذا كان من قواعدهم أن ما جاء في النصوص من صفات الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أقره العقل فهذا نقره بدلالة العقل لا بدلالة السمع (انظر أعوذ بالله. القسم الثاني: نفاه العقل فيجب علينا نفيه دون تردد لأن العقل نفاه ولكن عقل من؟ قال الإمام مالك رحمه الله: ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة؟ أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل؛ أخذنا قوله وتركنا من أجله الكتاب والسنة؟! هذا لا يمكن. القسم الثالث: ما لم يرد العقل بنفيه ولا إثباته فمن قال إن شرط الإثبات دلاله العقل قال يُرَد لأن العقل لم يثبته ومن قال: إن من شرط قبوله ألا يرده العقل قال أنه يقبل وأكثرهم يقول إنه يرد ولا يقبل لأن من شرط إثابته أن يدل عليه العقل وبعضهم توقف قال : إذا لم يثبته العقل ولم ينفه فالواجب علينا أن نتوقف وكل هذه قواعد ما أنزل الله بها من سلطان ضلوا بها وأضلوا والعياذ بالله وارتبكوا وشكوا وتحيروا ولهذا أكثر الناس شكا عند الموت هم أهل الكلام عند الموت والعياذ بالله يترددون هل الله جوهر أم عرض؟ هل هو قائم بنفسه أو بغيره؟ هل يفعل أو لا يفعل؟ هكذا عند الموت فيموت وهو شاك نسأل الله السلامة والعافية لكن إذا كانت طريقته طريقة السلف الصالح سهل عليه الأمر ولم يرد على قلبه شك ولا تشكيك ولا تردد نعم . القارئ: وهؤلاءِ هم ( أهلُ السنَّةِ والجماعةِ ) الْمُتَّبِعون آثارَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم كما قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى" وأهلُ السنَّةِ : نَقاوةُ المسلمينَ، وهم خيرُ الناسِ للناسِ "اهـ . الشيخ: لكن يا إخوان اعلموا أن من المتأخرين من قال: إن أهل السنة ينقسمون إلى قسمين: مفوضة ومؤولة، وجعلوا الأشاعرة والماتردية وأشباههم جعلوهم من أهل السنة وجعلوا المفوضة هم السلف فأخطأوا في فهم السلف وفي منهجهم لأن السلف لا يفوضون المعنى إطلاقا بل قال شيخ الإسلام رحمه الله : إن القول بالتفويض من شر أقوال أهل البدع والإلحاد واستدل لذلك بأننا إذا كنا لا ندري معاني ما أخبر الله به عن نفسه من أسماء وصفات جاءنا الفلاسفة وقالوا أنتم جهال نحن الذين عندنا العلم ثم تكلموا بما يريدون وقالوا المراد من النص كذا وكذا ومعلوم أن معنى للنص خير من توقف فيه وأنه ليس له معنى فانتبهوا لهذا أن بعض الناس يرى أن أهل السنة والجماعة يدخل فيهم المتكلمون من الأشاعرة والماتريدية وغيرهم ويقسم أهل السنة إلى قسمين مفوضة ومؤولة ثم يقول من العجب العجاب: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم. سبحان الله كيف تكون طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم وهل يمكن أن تكون طريق أعلم وأحكم وليست أسلم؟! بل يلزم من كون طريقة الخلف أعلم وأحكم أن تكون أسلم بلا شك لأن شخصا يقول هذا النص له معناه وأنا أؤمن به أعلم بلا شك وأحكم من شخص يقول: والله ما أدري هو عندي بمنزلة ألف باء تاء ... ما أدري فلا سلامة إلا بالعلم والحكمة العلم بالحق واتباع الحق الحكمة اتباع الحق والعلم (...) فهذا تناقض عظيم ولهذا كان القول الصحيح في هذه العبارة أن طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم جعلنا الله وإياكم على هذه الطريقة .نعم. القارئ: فالْزَم السبيلَ"وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ" الشيخ: يلزم من كوننا نحث الطلبة على منهج السلف تحريضهم على معرفة منهج السلف أليس كذلك؟! فنطالع الكتب المؤلفة في هذا كسير أعلام النبلاء وغيرها حتى نعرف طريقهم ونسلك هذا المنهج القويم أما أن نقول نتبع السلف ولا أدري ماذا يفعلون فهذا ناقص بلا شك . هنا إضافة من خارج الكتاب : قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " أهل السنة نقاوة المسلمين , وهم خير الناس للناس " . رواه الدارمي في " سننه " 1/68-69 , بسند صحيح . رواه البيهقي في " السنن الكبرى " 2/466 , والدارمي :1/116 , وهو صحيح الإسناد . منهج السنة النبوية " 5/158 . أخشى عليك الفتنة ! : عن سفيان بن عيينة – رحمه الله – قال : سمعت مالك بن أنس وأتاه رجل فقال : " يا أبا عبد الله , من أين أُحرم ؟ " قال : " من ذي الحليفة , من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم " . فقال : " إني أريد أن أحرم من المسجد عند القبر " , قال " لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة " , فقال : " وأي فتنة في هذا ؟! إنما هي أميال أريدها " قال " وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! إني سمعت الله يقول" فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"النور63 . قال الإمام ابن بطة – رحمه الله - : " اعلموا – إخواني – أني فكرت في السبب الذي أخرج أقوامًا من السنة والجماعة , واضطرهم إلى البدعة والشناعة , وفتح باب البلية على أفئدتهم , وحجب نور الحق عن بصيرتهم , فوجدت ذلك من وجهين : أحدهما : البحث والتنقير , وكثرة السؤال عما لا يعني , ولا يضر المسلم جهله , ولا ينفع المؤمن فهمه . والآخر : مجالسة من لا تؤمن فتنته , وتُفْسِدُ القلوبَ صُحبَتُهُ " " الإبانة " لابن بطة :1/390 . عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : " خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً , ثم قال " هذا سبيل الله " ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله , ثم قال : " وهذا سبل , وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه", ثم قرأ"وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ"الأنعام: 153 . قال ابن القيم – رحمه الله - " وهذا لأن الطريق الموصل إلى الله واحد , وهو ما بعث به رسله , وأنزل كتبه ولا يصل إليه أحد إلا من هذه الطريق , ولو أتى الناس من كل طريق واستفتحوا من كل باب فالطريق عليهم مسدودة , والأبواب مغلقة , إلا من الطريق الواحد , فإنه متصل بالله , موصل إلى الله " . رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح " التفسير القيم " ص14-15 . لا تجالسوهم ! : قال أبو قلابة – رحمه الله - : " لا تجالسوهم – أي : أصحاب البدع – ولا تخالطوهم ؛ فإنه لا آمن أن يفسدوكم ويلبسوا عليكم كثيرا مما تعرفون " . قال ابن قدامة – رحمه الله - : " كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع , والنظر في كتبهم , والاستماع إلى كلامهم " . " الاعتقاد " ص118. بتحقيق الحلبي , و " السنة " لعبد الله بن أحمد بن حنبل :ص18. " الآداب الشرعية " لابن مفلح :1/263. قال سفيان الثوري – رحمه الله - : " من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه , لا يُلقها في قلوبهم " . أوردها الذهبي وعلق عليها بقوله : " أكثر أئمة السلف على هذا التحذير يرون أن القلوب ضعيفة والشبه خطافة " . " السير " 19/447 . " السير " 7/261. = هنا= *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري :مفرغ القارئ: كن على جادة السلف الصالح كن سلفيًا على الجادة، طريق السلف الصالح من الصحابة رضى الله عنهم، فمن بعدهم ممن قفا أثرهم في جميع أبواب الدين، من التوحيد، والعبادات، ونحوها، متميزاً بالتزام آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوظيف السنن على نفسك، وترك الجدال، والمراء، والخوض في علم الكلام، وما يجلب الآثام، ويصد عن الشرع. قال الذهبي رحمه الله تعالى: "وصح عن الدارقطني أنه قال: ما شيء أبغض إلي من علم الكلام. قلت: لم يدخل الرجل أبداُ في علم الكلام ولا الجدال، ولا خاض في ذلك، بل كان سلفياً" ا هـ. وهؤلاء هم (أهل السنة والجماعة) المتبعون آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وأهل السنة: نقاوة المسلمين، وهم خير الناس للناس" اهـ. فالزم السبيل" وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ" الشيخ: قال المؤلف في الحلية الثانية : كن على جادة السلف الصالح،أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ خير أمته هم القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، فهؤلاء هم خير الأمة ، وإذا أردنا أن نكون ممن اتّصف بالخيرية فلنكن ممن يسير على طريقتهم ، قال الله جل وعلا"وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"، والله- جل وعلا- قد أمر باتّباع طريقة الصالحين كما قال جل وعلا"اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ"، وأمربالاقتداء بأهل الفضل ، ولذلك لما ذكر قول إبراهيم وممن معه أمر بالاقتداء بهم"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌحَسَنَةٌ"، ولما ذكر الله - جل وعلا- السابقين من المهاجرين والأنصار أمر باتباعهم وأثنى على من اتبعهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم"اقتدُوا بالذَّين من بعدي أبوبكرٍ وعمر"، وقال"فعليكم بسنتي وسنةِ الخُلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسَّكوا بها وعُضُّوا عليها بالنواجِذ"، والنصوص في هذا كثيرة. ولذلك تجد في السلف الصالح عندهم من الفوائد والبركة الشيء الكثير ، عندهم كلام قليل فيه معانٍ كثيرة ، فما أعظم منة الله علينا بأن جعل سلفنا أولئك القوم الصالحين ، فإنَّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثنت عليهم النصوص"مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ"الآية ، والنصوص في هذا كثيرة. قال المؤلف"كن سلفيًا" ، بعض الناس يقول السلف مرحلة زمنية ، فنقول اتّباع السلف ليس مرحلةً وإنما هو فعل ، وبالتالي نحن نقصد اتباع السلف الذي جاءت النصوص به ، فمن طالبنا بغير ذلك لم نسمع منه ، ثم قال"اتبع طريق السلف الصلح ومن قفا أثرهم في جميع أبواب الدين"؛ لأنَّ بعض الناس يقتدي بالسلف في باب دون باب ، فحينئذٍ يضل في الباب الذي ترك فيه الاقتداء بسلف الأمة ، أَضْرِبُ لهذا مثالا : يأتيك إنسان يتقن أبواب الصفات ويكون على طريقة السلف الصالح ولكنه في أبواب الإيمان لا يكون كذلك ، حينئذٍ ضيَّع جزءًا من طريقة السلف ، عندما يأتي في أبواب الإيمان وأبواب الصفات على طريقة السلف لكنه يُخالِف طريقة السلف فيما يتعلق بمعاملة الولاة حينئذٍ لا يكون سلفيًا ، وإن كان سلفيا في باب لكن لا يقال له بإنه سلفيٌّ بإطلاق ، ذكر المؤلف من ذلك توحيد العبادات ونحوها . قال المؤلف"وترك الجدال"، الجدال قد يراد به توضيح الحق والاستدلال له فيكون محمودًا مرغوبا به ، وقد يكون المراد به المناقشة العقيمة والمجادلة بما لا يصل إلى ثمرة ، بحيث يكون مقصود كل من المتكلِّمَين الانتصارَ للنفس ، فحينئذٍ يكون مذموما ، أما الدليل على المحمود فقول الله تعالى"وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ"، هذه الآية اشتملت على النوعين ؛ الجدال المذموم والجدال المحمود ، قال تعالى في الجدال المحمود"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، فإذا كان الجدال ليس بالتي هي أحسن فإنه يكون مذمومًا ، وإن كان بالتي هي أحسن يكون محمودًا ،ما صفته؟ أن يكون المقصود والمراد هو إعلاء الحق وبيانه وإرشاد الناس إليه لا الانتصار للنفس ، إذا كان المجادل ملتزمًا بالآداب والأخلاق الشرعية ، إذا كان المجادل لا يتكلم بلسانه بما يخالف الحق ، أو بما يكون منافيًا للأدب ، قال"والمراء"المراد بالمراء : الحديث والمجادلة التي لا تصل إلى ثمرةٍ ونتيجة ، بحيث يُردِّد كل منهما مقالتَه وينتصر لها ، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"أنا ضَمينٌ ببيتٍ في أَوسَطِ الجنة لمن ترك المِراء ولو كان مُحِقًّا"، فإذن المرء يأتي بالحق ويوضحه ويبينه ويقيم الدليل عليه وحينئذ يكتفي به. قال المؤلف"والخوض في علم الكلام"، علم الكلام الذي ذمه السلف الصالح يراد به :الحديث في المباحث العقدية على مقتضى الطرائق اليونانية ،أي طرائق غير المسلمين ، فإن الكلام في التوحيد على مقتضى ما ورد في الكتاب والسنة هذا محمود مرغَّبٌ فيه ، سواءً كان بالدلالة الشرعية المجردة أو بالدلالة العقلية ؛ لأن القرآن قد اشتمل على أعلى الأدلة العقلية الواردة في المباحث العقدية ، انظر في آخر سورة يس حجج عقلية ترشدك إلى الإيمان بالبعث ، يذعن لها كل عاقلٍ منصِف. قال المؤلف"صح عن الدارقطني أنه قال ماشيء أبغض إلي من علم الكلام. قلت: لم يدخل الرجل أبدًا"، يعني : الذهبي يثني على الدارقطني ، يقول لم يدخل الدارقطني في علم الكلام ولا الجدال بل كان سلفيًّا ، ثم ذكر كلمة شيخ الإسلام"أهل السنة نقاوة المسلمين"، يعني صفوَتهم ،"وهم خير الناس للناس" لأنهم يرشدونهم إلى الحق ويحسنون إليهم ويكفون عن الكلام في معايِبهم ، وبالتالي هم خير الناس للناس ، بينما بقية الطوائف يكون عندهم من الشر والأذى ما يُقابلون به إحسانَ أهل السنة إليهم ، ولذلك من رحمة الله أن جعل أهل السنة أهل الصفات الحسنة الذين يُحسنون إلى الخلق ، وكلما ابتعد الإنسان عن السنة كلما تقرَّب إلى الله بإيذاء الناس . نعم هنا |
#2
|
||||
|
||||
![]() 3 مُلازَمَةُ خَشيةِ اللهِ تعالى فالْزَمْ خَشيةَ اللهِ في السرِّ والعَلَنِ فإنَّ خيرَ الْبَرِيَّةِ مَن يَخْشَى اللهَ تعالى،وما يَخشاهُ إلا عالِمٌ، إِذَنْ فخيرُ البَرِيَّةِ هو العالِمُ ولا يَغِبْ عن بَالِكَ أنَّ العالِمَ لا يُعَدُّ عالِمًا إلا إذا كان عامِلًا ولا يَعْمَلُ العالِمُ بعِلْمِه إلا إذا لَزِمَتْه خَشيةُ اللهِ . وأَسْنَدَ الْخَطيبُ البَغداديُّ رَحِمَه اللهُ تعالى بسَنَدٍ فيه لَطيفةٌ إسناديَّةٌ برِوايةِ آباءٍ تِسعةٍ فقالَ : أَخبَرَنا أبو الفَرَجِ عبدُ الوَهَّابِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ الحارثِ بنِ أَسَدِ بنِ الليثِ بنِ سُليمانَ بنِ الأَسْوَدِ بنِ سُفيانَ بنِ زَيدِ بنِ أُكَينةَبنِ عبدِ اللهِ التميميُّ من حِفْظِه ، قالَ : سَمِعْتُ أبي يقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سمعتُ أبي يَقولُ : سَمِعتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ يقولُ " هَتَفَ العلْمُ بالعَمَلِ ، فإنْ أَجابَه وإلا ارْتَحَلَ " اهـ . وهذا اللفظُ بنَحوِه مَرْوِيٌّ عن سُفيانَ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى . *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ القارئ: مُلازَمَةُ خَشيةِ اللهِ تعالى التَّحَلِّي بعِمارةِ الظاهِرِ والباطِنِ بخشْيَةِ اللهِ تعالى: مُحافِظًا على شعائرِ الإسلامِ وإظهارِ السُّنَّةِ ونَشرِها بالعَمَلِ بها والدعوةِ إليها دَالًّا على اللهِ بعِلْمِكَ وسَمْتِكَ وعَمَلِكَ مُتَحَلِّيًا بالرجولةِ والمساهَلَةِ والسمْتِ الصالحِ .ومِلاكُ ذلك خَشيةُ اللهِ تعالى ، ولهذا قالَ الإمامُ أحمدُ رَحِمَه اللهُ تعالى"أَصْلُ الْعِلْمِ خَشْيَةُ اللهِ تَعَالَى" الشيخ: وهذا الذي قاله الإمام أحمد صحيح أصل العلم خشية الله وخشية الله هي الخوف المبني على العلم والتعظيم ولهذا قال الله تعالى"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"فالإنسان إذا علم الله عز وجل حق العلم وعرفه حق المعرفة فلا بد أن يقوم في قلبه خشية الله لأنه إذا علم ذلك علم عن رب عظيم عن رب قوي عن رب قاهر عن رب عالم بما يسر ويخفي الإنسان فتجده يقوم بطاعة الله عز وجل أتم قيام"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"قال العلماء : والفرق بين الخشية والخوف أن الخشية تكون من عظم المخشي ،والخوف من ضعف الخائف الخوف يكون من ضعف الخائف وإن لم يكن المخوف عظيمًا ولهذا يخاف الصبي من فتى أكبر منه قليلا لكن الأكبر من هذا الفتى يخاف من هذا الفتى أم لا؟ يا جماعة الصبي الصغير له سنتان يخاف من صبي له ست سنوات صحيح؟ طيب ، لعظم المخوف وأم لقصر الخائف؟ لقصر الخائف (طيب) هذا الذي له ست سنوات يخاف ممن له عشر سنوات إذن ليس عظيما فالفرق بين الخشية والخوف أن الخشية تكون من عظم المخشي والخوف من نقص الخائف ولهذا بعض الناس يخاف من لا شيء لأنه رعديد تعرفون الرعديد؟ جبان يخاف من كل شيء ولهذا يضرب المثل بالرجل يقال هو يخاف من ظلاله يمشي مثلا في القمر فيرى الظلال فيقول هذا واحد يلاحقني ثم يهرب وهذا الظلال معه رجليه وهو يقول أنا نجوت من هذا الرجل لأنه جبان فالحاصل أن الخشية أعظم من الخوف ولكن قد يقال خَفِ الله"فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"وهذا في مقابلة فعل هؤلاء الذين يخافون من الناس . القارئ: فالْزَمْ خَشيةَ اللهِ في السرِّ والعَلَنِ فإنَّ خيرَ الْبَرِيَّةِ مَن يَخْشَى اللهَ تعالى،وما يَخشاهُ إلا عالِمٌ، إِذَنْ فخيرُ البَرِيَّةِ هو العالِمُ ولا يَغِبْ عن بَالِكَ أنَّ العالِمَ لا يُعَدُّ عالِمًا إلا إذا كان عامِلًا ولا يَعْمَلُ العالِمُ بعِلْمِه إلا إذا لَزِمَتْه خَشيةُ اللهِ . الشيخ: قوله وفقه الله : لا يعد عالما يعني: عالمًا ربانيًا وأما كونه عالما ضد الجاهل فهذا يقال، يقال إن الذي ألف المنجد رجل نصراني وفيه من معرفة اللغة العربية شيء كثير وإن كان غلطات كثيرة وأشياء تؤخذ عليه من الناحية الدينية لكن العالم الذي يعمل بعلمه هو الذي يصدق عليه أنه عالم رباني لأنه يربي نفسه أولا ثم يربي غيره ثانيا . القارئ: وأَسْنَدَ الْخَطيبُ البَغداديُّ رَحِمَه اللهُ تعالى بسَنَدٍ فيه لَطيفةٌ إسناديَّةٌ برِوايةِ آباءٍ تِسعةٍ فقالَ : أَخبَرَنا أبو الفَرَجِ عبدُ الوَهَّابِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ الحارثِ بنِ أَسَدِ بنِ الليثِ بنِ سُليمانَ بنِ الأَسْوَدِ بنِ سُفيانَ بنِ زَيدِ بنِ أُكَينةَبنِ عبدِ اللهِ التميميُّ من حِفْظِه ، قالَ : سَمِعْتُ أبي يقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سمعتُ أبي يَقولُ : سَمِعتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ أبي يَقولُ : سَمِعْتُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ يقولُ " هَتَفَ العلْمُ بالعَمَلِ ، فإنْ أَجابَه وإلا ارْتَحَلَ " اهـ . وهذا اللفظُ بنَحوِه مَرْوِيٌّ عن سُفيانَ الثوريِّ رَحِمَه اللهُ تعالى . الشيخ: إذن لا بد من العمل بما علم لأنه إذا لم يعمل بعلمه صار من أول تسعر بهم النار يوم القيامة وعالم بعلمه لم يعملن = معذب من قبل عباد الوثن هذه واحدة إذا لم يعمل بعلمه أُرث الفشل في العلم وعدم البركة ونسيان العلم لقول الله تعالى"فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ"بعدها "وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ"وهذا النسيان يشمل النسيان الذهني والعملي قد يكون بمعنى ينسونه دينيا أوينسونه يتركونه لأن النسيان في اللغة العربية يطلق بمعنى الترك أما إذا عمل الإنسان بعلمه فإن الله تعالى يزيده هدى قال الله تعالى"وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى"ويزيده تقوى ولهذا قال"وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ "إذا عمل بعلمه ورثه الله تعالى علم ما لم يعلم ولهذا روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل. وتروى هذه اللفظة العلم يهتف بالعمل (يعني يدعوه) فإن أجابه وإلا ارتحل. ما الذي يرتحل ؟ العلم وهذا واضح لأنك إذا عملت بالعلم تذكرته كلما عملت وأضرب لكم مثلا برجل عرف صفة الصلاة من السنة وصار يعمل بها كلما صلى هل ينسى ما علم ؟ لا ينسى لأنه تكرر عليه لكن لو ترك العمل به نسي وهذا دليل محسوس على أن العمل بالعلم يوجب ثبات العلم ولا ينساه . نعم . هنا آفاق التيسير **شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري :مفرغ القارئ: ملازمة خشية الله تعالى التحلي بعمارة الظاهر والباطن بخشية الله تعالى؛ محافظًا على شعائر الإسلام، وإظهار السنة ونشرها بالعمل بها والدعوة إليها؛ دالاً على الله بعلمك وسمتك وعلمك، متحليًا بالرجولة، والمساهلة، والسمت الصالح. وملاك ذلك خشية الله تعالى ، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "أصل العلم خشية الله تعالى". فالزم خشية الله في السر والعلن، فإن خير البرية من يخشى الله تعالى، وما يخشاه إلا عالم، إذن فخير البرية هو العالم، ولا يغب عن بالك أن العالم لا يعد عالماً إلا إذا كان عاملاً، ولا يعمل العالم بعلمه إلا إذا لزمته خشية الله. وأسند الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى بسند فيه لطيفة إسنادية برواية آباء تسعة، فقال(1): أخبرنا أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن زيد بن أكينة ابن عبد الله التميمي من حفظه؛ قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبى يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب يقول"هتف العلم بالعمل، فإن أجابه، وإلا ارتحل" ا هـ. وهذا اللفظ بنحوه مروي عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى. الشيخ : الأدب الثالث من حلية طالب العلم :ملازمة خشية الله تعالى ، بحيث يمتلئ قلبك من مخافة الله التي تدفعك إلى طاعته وتبعدك عن معصيته ،والفرق بين الخوف والخشية أنَّ الخوف يُلاحِظ فيه الخائفُ ضعفَ نفسِه ، والخشية يُلاحِظ فيه الخاشي قوةَ المَخْشِي ، فعندما يلاحظ المرء قدرة الله – جل وعلا- تبدأ عنده درجة الخشية ، وكلاهما مطلوب ؛ الخشية والخوف ، قال تعالى"إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"، والخشية أيضا مطلوبة قال تعالى"أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ"، فإذن الخشية من الدرجات المطلوبة ، والخشية تدفع الإنسان إلى المحافظة على شعائر الإسلام في باطنه وظاهره. الخشية تنشأ من أمور؛أولها :العلم بالله تعالى وبقدرته وبصفاته ومن ذلك أن يَعلم العبد أن الله مُطَّلعٌ عليه في كل أحواله ،الثاني :مما تنشأ عنه الخشية ، معرفة العبد بأن ربَّه قادر عليه ، قادرٌ على إنزال العقوبة به ، ويُطالع سُنن الله في الكون في الأمم السابقة كم أنزل بهم من العقوبات. الخشية تنشأ من ملاحظة الدار الآخرة وأنَّ المرء عما قريب منتقل إليها ومحاسبٌ على أعماله في الدنيا ، فإذا استحضر الإنسان ذلك زادت عنده صفة الخشية من الله تعالى. هذه الخشية ليست خاصةً بالقلب بل لها مظاهرُ في ظاهر البدن ؛منها المحافظة على شعائر الإسلام ،ومنها إظهار السنة ،ومنها حرص الإنسان على نشر السنة والدعوة إليها ،ومنها أن يكون المرء متخلقًا بالأخلاق الفاضلة ، سَهْلا مع عباد الله ، وهذا معنى قول المؤلف"والمساهَلة"يعني : أن يكون هيِّنًا رفيقًا مع الخلق ، وأما"السمت الصالح"فالسَّمت المراد به الصفة الظاهرة ، السمت هو الصفة الظاهرة ، قال الله تعالى"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"، ثم أورد المؤلف حديث أو أثر"هتف العلم بالعمل ، فإن أجابه ، وإلا ارتحل"، يعني : أنَّ صاحب العلم إذا عمل به بقيَ علمُه ، وأما إذا لم يعمل به فإن العلم يزول ، ولكن هذا الحديث أو هذا الأثر الذي ذكره المؤلف ضعيف الإسناد ، فيه عبد العزيز التميمي وهو مُتكلَّمٌ فيه ، ولذلك لا يصح هذا الحديث فهو ضعيفٌ جدًا ،لا يصح هذا الأثر فهو ضعيفٌ جدا .نعم هنا آفاق التيسير ***إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل السؤال الأول :ماالفائدة من تكرار اللفظ (سمعت أبي يقول) ؟ الجواب : تكرار لفظ (سمعت أبي يقول) في الإسناد المذكور هو لاختلاف القائلين ؛ فعبد الوهاب قال سمعت أبي ، يقصد عبد العزيز ، وعبد العزيز قال: سمعت أبي، يقصد الحارث، والحارث قال: سمعت أبي ، يقصد أسدًا، وهكذا... السؤال الثاني : هل كل من ينسى العلم علما بأنه يطبق ويجتهد في نشره لكن عند نصح شخص أو تذكيره بحديث ينساه ولايتذكره،كالأربعين النووية مثلاً،فهل هذا دليل أنه غضب من الله أوبسبب الذُنوب أو عدم البركة،أم إهمال منه وقت حفظ العلم وثباته الجواب :إن كان النسيان بسبب تفريط وإهمال فصاحبه مذموم، ونسيانه عقوبة له على بعض ذنوبه فإن الذنب يورث الذنب، كما أن الحسنة تورث الحسنة بعدها. وأما إن كان نسيانه من غير تفريط ولا إهمال وإنما بسبب آفة عرضت له من مرض عضوي أو نفسي أو غلبة همّ ابتلي به أو ابتلاء عارض أذهله عن المراجعة حتى نسي بعض ما كان يحفظ فلا يلام على ذلك ، بل يرجى له أن يجري له أجر ما كان يعتاده من المراجعة لأن هذه الآفات هي من جنس الأمراض وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال"إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا"رواه البخاري من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. هنا آفاق التيسير |
#3
|
||||
|
||||
![]() 4دوامُ الْمُراقَبَةِ فأَقْبِلْ على اللهِ بكُلِّيَّتِكَ ولْيَمْتَلِئْ قلْبُك بِمَحبَّتِه ولسانُك بذِكْرِه والاستبشارِ والفرْحِ والسرورِ بأحكامِه وحُكْمِه سبحانَه *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : مفرغ القارئ: الأمر الرابع دوامُ الْمُراقَبَةِ . التحَلِّي بدوامِ المراقَبَةِ للهِ تعالى في السرِّ والعَلَنِ سائرًا إلى ربِّك بينَ الخوفِ والرجاءِ فإنهما للمسلِمِ كالْجَناحَيْنِ للطائرِ. فأَقْبِلْ على اللهِ بكُلِّيَّتِكَ ولْيَمْتَلِئْ قلْبُك بِمَحبَّتِه ولسانُك بذِكْرِه والاستبشارِ والفرْحِ والسرورِ بأحكامِه وحُكْمِه سبحانَه . الشيخ: نعم . فمن المهم دوام المراقبة لله وهذا من ثمرات الخشية أن الإنسان يكون مع الله دائما يعبد الله كأنه يراه يقوم للصلاة فيتوضأ وكأنه ينفذ قول الله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ"يقوم يتوضأ وكأنه ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يتوضأ ويقول من توضأ نحو وضوئي هذا كمال المراقبة وهذا أمر مهم وقوله:" يكون سائرًا بين الخوف والرجاء فإنهما للمسلم كالجناحين للطائر". هذا أحد الأقوال في هذه المسألة وهي هل الأولى للإنسان أن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء أو يغلب جانب الخوف أو يغلب جانب الرجاء ؟ - الإمام أحمد رحمه الله يقول : ينبغي أن يكون خوفه ورجائه واحدا فأيهما غلب هلك صاحبه - ومن العلماء من يفصل ويقول : إذا هممت بطاعة فغلب جانب الرجاء إنك إذا فعلتها قبل الله منك ورفعك بها درجات من أجل أن تقوى وإذا هممت بمعصية فغلب جانب الخوف حتى لا تقع فيها فعلى هذا يكون التغليب لأحدهما بحسب حال الإنسان - ومنهم من قال إنه بحسب الحال على وجه آخر فقال : أما في المرض فيغلب جانب الرجاء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه "ولأنه إذا غلَّب في حال المرض جانب الخوف فربما يدفعه ذلك إلى القنوط من رحمة الله في حال الصحة يغلب جانب الخوف لأن الصحة مدعاة للفساد كما قال الشاعر الحكيم: إن الشباب والفراغ والجدة = مفسدة للمرء أي مفسدة يعني مفسدة عظيمة والذي أرى أن الإنسان يجب أن يعامل حاله بما تقتضيه الحال وأن أقرب الأقوال في ذلك أنه إذا عمل خيرا فليغلب جانب الرجاء وإذا هم بسيء فليغلب جانب الخوف هذا أحسن ما أراه في هذه المسألة الخطيرة العظيمة (طيب) إذا قال قائل تغليب جانب الرجاء هل يجب أن يكون مبنيًا على سبب صالح للرجاء أو يكون رجاء المفلسين ؟ الأول يعني إنسان مثلا يعصي الله دائما وأبدا ويقول رحمه الله واسعة هذا غلط لأن إحسان الظن بالله ورجاء الله لا بد أن يكون هناك سبب ينبني عليه الرجاء وإحسان الظن وإلا كان مجرد أمنية والتمني كما يقول عامة أهل نجد يعني العوام من أهل نجد يقولون : التمني رأس مال المفاليس، تعرفون المفاليس ؟ من هم؟ الذين ليس عندهم شيء (...) وعندي أموال وأشياء عظيمة (...) هكذا حكيت لنا والله أعلم هل تصح أم لا، لكن يعني حال الأولين وبلاهتهم يعني يمكن أن تكون هكذا والله أعلم . نعم . هنا *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري:مفرغ القارئ: دوام المراقبة: التحلي بدوام المراقبة لله تعالى في السر والعلن، سائراً إلى ربك بين الخوف والرجاء، فإنهما للمسلم كالجناحين للطائر. فأقبل على الله بكليتك، وليمتلئ قلبك بمحبته، ولسانك بذكره، والاستبشار والفرح والسرور بأحكامه وحكمه سبحانه. الشيخ: هذه الصفة الرابعة من صفات طالب العلم، حلية طالب العلم تقتضي أنَّ طالب العلم يستشعر أنَّ الله تعالى يراقبه ، فهو يراقب عملَه الظاهر ، وهو يراقب نيته ومقصده ؛ لأنَّ الله تعالى كما وصف نفسه بقوله"إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ"، وكما قال-سبحانه- في وصف نفسه"يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى"، من استشعر هذه الصفة وكانت صفةً ملازمةً له ، وصل إلى أعلى مراتب الدين وهي صفة الإحسان ، فإنَّ صفة الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، والمؤمن يتصف بهذه الصفة حال وجوده بين أيدي الناس وحال خَلوته ؛ لأنه يعلم أن الله- جل وعلا- مُطلع عليه في جميع أحوله"إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ"كذلك هذه الصفة تجعل المؤمن يستشعر الخوف ويستشعر الرجاء ، فهو يخاف على نفسه أن يعاقبه الله بسبب ذنوبه ، وهو في نفس الوقت يرجو من الله أن يسبغ عليه نعمه ، وأن يرحمه بسبب أنَّ الله كريم عفو رحيم مُتفضِّل ، فهو يخاف بسبب فِعل نفسِه ويرجو بسبب رحمة ربه ، "فإنهما- يعني الخوف والرجاء- للمسلم كالجناحين للطائر"، وهذا يدلك على خطأ من يقول : العبادة تكون بالمحبة ، بل لابد في العبادة من خوف ورجاء ومحبة. قال"فأقبِل على الله بكُلِّيَّتِك"يعني : بجميعك ، من أقبل على الله فإنَّ الله سيكون له معينًا ، ومؤيدًا وناصرا ، من كان مع الله كان الله معه ،" إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ"،"وليمتلئقلبُك بمحبة الله"؛ لأنَّ هذا من القربات قال تعالى"وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ"،"وليمتلئ لسانك بذكر الله"، فإنَّ ذكر الله سبب من أسباب طمأنينة القلب التي يتمكن القلب بها من تحصيل العلم ، وذكر الله سبب من أسباب طرد الشياطين التي تلقي الوساوس في قلوب العباد ، وذكر الله سبب من أسباب إعانة الله للعبد كما قال سبحانه"فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ"، و قال"وأَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا ذَكَرَنِي ، فإن ذكرني فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ"، وهذا الوصف مما يُؤكَّد عليه خصوصا في زماننا هذا ، فإنَّ الإكثار من ذكر الله من أعظم أسباب تحصيل العلم ، وكلما كان الإنسان مُكْثرا لذكر الله كلما فتح الله ذهنه للفهم الصحيح ، وجعل قلبه يحوي العلم الكثير ، وبارك الله في شأنه كله ، وكلما أقل الإنسان من ذكر الله ، كلما ابتعدت عنه البركة ، ولذلك ليكن لطالب العلم أورادًا يومية ، وكلما خلا بنفسه اشتغل لسانُه بذكر الله وترك هذه الوساوس التي تُشغِل قلبَه في أوقات خلوته. وإذا تأمل الإنسان الأمر بذكر الله ، وجد أنَّ الله جل وعلا لا يأمر بالذكر إلا ويصفه بصفة الكثرة ، كما قال سبحانه"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا"، بينما وصف المنافقين بأنهم كانوا"لَايَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا"، حينئذٍ إذا أراد الإنسان أن يُبارك له في وقته ، في شأنه ، فليُكْثِر من ذكر الله ،ومن أعظم أنواع الذكر:قراءة القرآن. قال المؤلف أيضا من الأمور التي يتصف بها طالب العلم"الاستبشار والفرح والسرور بأحكام الله وحِكَمه سبحانه وتعالى"، فافرح بما أنعم الله عليك ، وافرح بإنزال هذا الكتاب ، وافرح ببعثة هذا النبي الكريم ، وافرح بأن تعلمت شيئًا من أحكام هذه الشريعة ، قال تعالى"قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" هذا شيء من الصفات التي ذكرها المؤلف في حلية طالب العلم بما يتعلق بصفة طالب العلم في نفسه ، ولعلنا إن شاء الله - جل وعلا- أن نكمل بقية هذه الصفات في لقائنا القادم... أسأل الله – جل وعلا- أن يرزقنا وإياكم الأخلاق الفاضلة ، اللهم اجعلنا ممن تأدب بآداب العلم ، اللهم ارزقنا علما نافعا وعملا صالحا ، اللهم إنا نسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين ، اللهم وفقنا لما تحب وترضى ، واجعل أعمالنا على البر والتقوى ، اللهم اجعلنا ممن عمل بعلمه فأكسبته علما آخر ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق ولاة أمورنا لكل خير ، واجعلهم من أسباب الهدى والتقى والصلاح والسعادة ، هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. °سؤال :أحسن الله إليكم شيخنا .... الشيخ :إمام يصلي من أجل أن يؤثِّر على المأمومين . فنقول لماذا يؤثر؟ ، هل ليكون له مكانة؟ ، هل ليكون له منزلة؟ ، هل ليُثني عليه الناس ويقولوا ما أجمل صوته؟ ، حينئذٍ هذا رياءٌ وسمعة ، ومن سمَّعَّ سمَّعَّ الله به ، فيقال له يوم القيامة إنما قرأت ليقال قارئ فقد قيل ، وأما إن كان يريد أن يكون ذلك مؤثِّرا في قلوب المستمعين ليتوبوا إلى الله ويرجعوا إليه ويتركوا طاعة الشيطان ، ويتصفوا بصفة الإنابة إلى الله – جل وعلا- لا لحَظِّ نفسه وإنما يريد مصلحتهم هم ، فحينئذ هذا جائز بل يؤجر العبد عليه ، فإن الله – جل وعلا- قد أمر بالتذكير فقال"فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى". سؤال :أحسن الله إليكم هذا سائل يقول ....كيف يكون التخلص من الرياء؟ الشيخ :التخلص من الرياء بأن يقصد الإنسان بعمله وجه الله والدار الآخرة. نسأل الله - جل وعلا- أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح ، هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هنا °إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل السؤال الأول :لم أفهم هذه الفقرةـ بارك الله فيكمـمن موضوع دوام المراقبة اقتباس:
الجواب :المقصود أن الرجاء الذي ينفع صاحبه هو الذي يصاحبه العمل وبذل الأسباب، وأما الرجاء مع القعود عن بذل الأسباب فهو عجز مذموم، كما روي في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه وغيرها من حديث أبي بكر بن أبي مريم الغساني عن ضمرة بن حبيب عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم"الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله" وابن أبي مريم ضعيف، والمعنى صحيح، فإن العجز هو ترك بذل الأسباب مع إمكانها. فالذي يتمنى حصول الخير ولا يبذل أسبابه إنما هو عاجز متمنّي إذا منَّتك نفسك نيل خير = ولم تبذل له سبباً مؤتَّى فما تبني وإن أجهدتَ فكراً = سوى حلم يزول إذا صحوتَا وهذه الأماني هي رؤوس أموال المفاليس، والمفلس هو الذي لا مال له، والإفلاس الذي لا حيلة للإنسان فيه ليس عيباً، وإنما المعيب أن يسترسل في الأماني الباطلة التي تجهد فكره، وتضيع وقته، وتصدّه عن العمل النافع، كما قال أحدهم فيما حكاه الجاحظ في كتاب الحيوان: إذا تمنَّيت مالاً بتّ مغتبطًا = إن المنى رأس أموال المفاليس لولا المنى متُّ من همّ ومن حَزَنٍ = إذا تذكَّرت ما في داخل الكيس وقد جعل الله للمؤمن من حسن الظن به والتوكل عليه والالتجاء إليه ما يغنيه عن الأماني الباطلة إذا أعيته الحيل وتقطعت به الأسباب المادية، فإن سبب الله لا ينقطع. السؤال الثاني : إن الشباب والفراغ والجدة=مفسدة للمرء اي مفسدة مامعنى كلمة الجدة؟ الجواب :الجِدَة : الغنى وكثرة المال. هنا |
#4
|
||||
|
||||
![]() 5خَفْضُ الْجَناحِ ونَبذُ الْخُيلاءِ والكِبرياءِ وعليه : فاحْذَرْ نَواقِضَ هذه الآدابِ فإنَّها مع الإثْمِ تُقيمُ على نَفْسِكَ شاهدًا على أنَّ في العَقْلِ عِلَّةً . وعلى حِرمانٍ من العلْمِ والعملِ به ، فإيَّاكَ والْخُيلاءَ فإنه نِفاقٌ وكِبرياءُ وقد بَلَغَ من شِدَّةِ التَّوَقِّي منه عندَ السلَفِ مَبْلَغًا : ومن دقيقِه ما أَسنَدَه الذهبيُّ في تَرجمةِ عمرِو بنِ الأسودِ العَنْسِيِّ الْمُتَوَفَّى في خِلافةِ عبدِ الْمَلِكِ بنِ مَرْوانَ رَحِمَه اللهُ تعالى : أنه كان إذا خَرَجَ من المسجدِ قَبَضَ بيمينِه على شِمالِه فُسِئَل عن ذلك ؟ فقال : مَخافةَ أن تُنافِقَ يَدِي . قلتُ :يُمْسِكُها خَوفًا من أن يَخْطُرَ بيدِه في مِشيتِه ، فإنَّه من الْخُيلاءِ. اهـ . وهذا العارِضُ عَرَضَ للعَنْسِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى . واحْذَرْ داءَ الْجَبابِرَةِ " الْكِبْرَ "؛ فإنَّ الكِبْرَ والحرْصَ والحسَدَ أوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ به ، فتَطَاوُلُكَ على مُعَلِّمِكَ كِبرياءُ، واستنكافُكَ عَمَّن يُفيدُك مِمَّنْ هو دونَك كِبرياءُ، وتَقصيرُك عن العمَلِ بالعِلْمِ حَمْأَةُ كِبْرٍ وعُنوانُ حِرمانٍ . العلْمُ حربٌ للفَتَى الْمُتَعَالِي كالسيْلِ حرْبٌ للمكانِ الْعَالِي فالْزَمْ – رَحِمَك اللهُ – اللُّصُوقَ إلى الأرضِ والإزراءَ على نفسِك وهَضْمَها ومُراغَمَتَها عندَ الاستشرافِ لكِبرياءَ أو غَطرسةٍ أو حُبِّ ظُهورٍ أو عُجْبٍ ... ونحوِ ذلك من آفاتِ العِلْمِ القاتلةِ له الْمُذهِبَةِ لِهَيْبَتِه الْمُطْفَئِةِ لنورِه وكُلَّمَا ازْدَدْتَ عِلْمًا أو رِفعةً في وِلايةٍ فالزَمْ ذلك ، تُحْرِزْ سعادةً عُظْمَى ، ومَقامًا يَغْبِطُكَ عليه الناسُ . وعن عبدِ اللهِ بنِ الإمامِ الحُجَّةِ الراويةِ في الكتُبِ الستَّةِ بكرِ بنِ عبدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهما اللهُ تعالى قالَ : "سَمِعْتُ إنسانًا يُحَدِّثُ عن أبي ، أنه كان واقفًا بعَرَفَةَ فَرَقَّ ، فقالَ : لولا أَنِّي فيهم ، لقُلْتُ قد غُفِرَ لهم . " خَرَّجَه الذهبيُّ ثم قالَ " قلتُ : كذلك يَنبغِي للعبْدِ أن يُزْرِيَ على نفسِه ويَهْضِمَها " اهـ . *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : مفرغ القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وبعد قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه حلية طالب العلم . الأمر الخامس من آداب الطالب في نفسه خَفْضُ الْجَناحِ ونَبذُ الْخُيلاءِ والكِبرياءِ : تَحَلَّ بآدابِ النفْسِ من العَفافِ والحِلْمِ والصبرِ والتواضُعِ للحَقِّ وسكونِ الطائرِ من الوَقارِ والرزانةِ وخَفْضِ الْجَناحِ مُتَحَمِّلًا ذُلَّ التعلُّمِ لعِزَّةِ العِلْمِ ذَليلًا للحَقِّ . الشيخ: قوله"تحل بآداب النفس من العفاف والحلم والصبر والتواضع للحق" لأن المقام يقتضي هكذا أن يكون عند طالب العلم عفة عما في أيدي الناس وعفة عما يتعلق بالنظر المحرم وحلم لا يعاجل بالعقوبة إذا أساء إليه أحد وصبر على ما يحصل من الأذى مما يسمعه إما من عامة الناس وإما من أقرانه وإما من معلمه فليصبر وليحتسب، والتواضع للحق وكذلك للخلق، يتواضع للحق بمعنى أنه متى بان له الحق خضع له، ولم يبغ بدله، نعم، ولم يبغ لسواه بديلا وكذلك للخلق فكم من طالب فتح على معلمه أبوابا ليست على بال منه ولا تحقرن شيئًا وقوله: سكون الطائر من الوقار والرزانة وخفض الجناح هذه أيضا ينبغي لطالب العلم أن يبتعد عن الخفة سواء كان في مشيته أو في تعامله مع الناس وألا يكثر من القهقهة التي تميت القلب وتذهب الوقار بل يكون خافضًا للجناح متأدبًا بالآداب التي تليق بطالب العلم وقوله : متحملا ذل التعلم لعزة العلم . هذا جيد يعني : أنك لو أذللت نفسك للتعلم فإنما تطلب عزها بالعلم فيكون تذليلها بالتعلم لأنه ينتج ثمرة طيبة . القارئ: وعليه : فاحْذَرْ نَواقِضَ هذه الآدابِ فإنَّها مع الإثْمِ تُقيمُ على نَفْسِكَ شاهدًا على أنَّ في العَقْلِ عِلَّةً . وعلى حِرمانٍ من العلْمِ والعملِ به ، فإيَّاكَ والْخُيلاءَ فإنه نِفاقٌ وكِبرياءُ وقد بَلَغَ من شِدَّةِ التَّوَقِّي منه عندَ السلَفِ مَبْلَغًا. الشيخ: صحيح الخيلاء هذه تحدث للإنسان طالب العلم وللإنسان كثير المال وللإنسان سديد الرأي وكذلك في كل نعمة أنعم الله بها على العبد ربما يحصل عنده خيلاء والخيلاء هي الإعجاب بالنفس مع ظهور ذلك على هيئة البدن كما جاء في الحديث " من جر ثوابه خيلاء " فالإعجاب يكون بالقلب فقط فإن ظهرت آثاره فهو خيلاء وقوله "فإنه نفاق وكبرياء" أما كونه كبرياء فواضح وأما كونه نفاقًا فلأن الإنسان يظهر بمظهر أكبر من حجمه الحقيقي وهكذا المنافق يظهر بمظهر المخلص الناصح وهو ليس كذلك. القارئ: ومن دقيقِه ما أَسنَدَه الذهبيُّ في تَرجمةِ عمرِو بنِ الأسودِ العَنْسِيِّ الْمُتَوَفَّى في خِلافةِ عبدِ الْمَلِكِ بنِ مَرْوانَ رَحِمَه اللهُ تعالى : أنه كان إذا خَرَجَ من المسجدِ قَبَضَ بيمينِه على شِمالِه فُسِئَل عن ذلك ؟ فقال : مَخافةَ أن تُنافِقَ يَدِي قلتُ : يُمْسِكُها خَوفًا من أن يَخْطُرَ بيدِه في مِشيتِه ، فإنَّ ذلك من الْخُيلاءِ. اهـ . الشيخ: صحيح يخطر بيده يعني يحركها تحريكًا معينًا يدل على أنه عنده كبرياء وعنده خيلاء فيقبض بيمنه على شماله لئلا تتحرك . القارئ: وهذا العارِضُ عَرَضَ للعَنْسِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى . واحْذَرْ داءَ الْجَبابِرَةِ "الْكِبْرَ"؛ فإنَّ الكِبْرَ والحرْصَ والحسَدَ أوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ به ، فتَطَاوُلُكَ على مُعَلِّمِكَ كِبرياءُ، واستنكافُكَ عَمَّن يُفيدُك مِمَّنْ هو دونَك كِبرياءُ، وتَقصيرُك عن العمَلِ بالعِلْمِ حَمْأَةُ كِبْرٍ وعُنوانُ حِرمانٍ . العلْمُ حربٌ للفَتَى الْمُتَعَالِي = كالسيْلِ حرْبٌ للمكانِ الْعَالِي الشيخ: احذر داء الجبابرة وهو الكبر وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بأجمع التفسير وأبينه وأوضحه فقال: "الكبر بطر الحق وغمط الناس" . وبطر الحق: هو ردُّ الحق، وغمط الناس: يعني احتقارهم وازدرائهم. وقوله"إن الكبر والحرص والحسد أول ذنب عُصي الله به" يريد فيما نعلم لأننا نعلم أن أول من عصى الله عز وجل هو الشيطان حين أمره الله تعالى أن يسجد لآدم لكن منعه الكبرياء، "أبى واستكبر" وقال: " ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا"،وقال"هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ"وقال لما أمره ربه أن يسجد- قال"أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ"،فقوله"إنه أول ذنب عُصي الله به" يعني باعتبار ما نعلم، وإلا فإن الله تعالى قال للملائكة"إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ" ،قال أهل العلم: إنما قال الملائكة ذلك لأنه كان على الأرض أمة من قبل آدم وبنيه، كانوا يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. ثم ذكر أمثلة، قال"تطاولك على معلمك كبرياء" التطاول يكون باللسان ويكون أيضًا بالانفعال، قد يمشي مع معلمه وهو يتبختر، ويقول فعلت وفعلت، وكذلك أيضًا استنكافك عمن يفيدك من علومه كبرياء، وهذا أيضًا يقع لبعض الطلبة إذا أخبره أحد بشيء وهو دونه في العلم يستنكف ولا يقبل. "تقصيرك عن العمل بالعلم حمأة كبر، وعنوان حرمان" نسأل الله العافية، يعني هذا نوع من الكبر، ألاّ تعمل بالعلم. وقوله: "العلم حرب للفتى المتعالي" يعني أن الفتى المتعالي لا يمكن أن يُدرك العلم، لأن العلم حرب له، "كالسيل حرب للمكان العالي"، صحيح؟ نعم، المكان العالي ينفض عنه السيل يمينًا وشمالاً ولا يستقر عليه. القارئ : فَالزَمْ – رَحِمَكَ الله- اللُّصوقَ إِلى الأَرْضِ، وَالإِزْراءَ عَلى نَفْسِكَ، وَهَضْمِها، وَمُراغَمَتِها عِنْدَ الاسْتِشْرافِ لِكِبْرياءٍ أَوْ غَطْرَسَةٍ، أَوْ حُبِّ ظُهورٍ، أَوْ عُجُبٍ.. وَنَحْوِ ذلكَ مِنْ آفاتِ الْعِلْمِ الْقاتِلَةِ لَهُ، الْمُذْهِبَةِ لِهَيْبَتِهِ، الْمُطْفِئَةِ لنِورِهِ، وَكُلَّما ازْدَدَتْ عِلْمًا أَوْ رِفْعَةً في وِلايَةٍ، فَالزَمْ ذلكِ؛ تَحْرُزْ سَعادَةً عُظْمى، وَمَقامًا يُغْبِطُكَ عَلَيْهِ النّاسُ، وَعَنْ عَبْدِ الله بن الإِمام الْحُجَّة الرّاوِيَةِ في الْكُتُبِ السِّتَةِ بَكْرٍ بن عَبْدِ الله الْمُزْنّي- رَحِمَهُما الله تَعالى- قال: سَمِعْتُ إنْسانًا يُحدِّث عَنْ أَبي، أَنَّهُ كانَ واقِفًا بِعَرَفَةَ، فَرَقَّ، فَقال"لَوْلا أَنّي فيهمْ؛ لَقُلْتُ: قَدْ غُفِرَ لَهُمْ"، خَرَّجَهُ الذَّهْبِيِّ، ثُمَّ قال: "قُلْتُ: كَذلِكَ يَنْبَغي لِلْعَبْدِ أَنْ يُزْري عَلى نَفْسِهِ وَيَهْضُمُها" اهـ. الشيخ: وهذه العبارات التي تطلق عن السلف، من مثل هذا يريدون به التواضع، وليسوا يريدون أنهم يُغَلِّبون جانب سوء الظن بالله عزوجل أبدًا، لكنهم إذا رأوا ما هم عليه خافوا وحذروا وجرت منهم هذه الكلمات، وإلا فإن الأولى بالإنسان أن يُحسن الظن بالله ولا سيما في هذا المقام، في مقام عرفة الذي هو مقام دعاء وتضرع إلى الله عزوجل، ويقول مثلاً: إن الله لم ييسر لي الوصول إلى هذا المكان إلا من أجل أن يغفر لي لأني أسأله المغفرة، والله تعالى يقول"وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"،لكن تظهر مثل هذه العبارات من السلف من باب التواضع وسوء الظن بالنفس لا بالله عزَّ وجل. هنا *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري :مفرغ الشيخ: نحمده سبحانه ونثني عليه وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى عليه وعلى آله و أصحابه و أتباعه وسلم تسليما كثيرًا أما بعد : نواصل ما كنا ابتدأنا به من قراءة كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله تعالى القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ، قال المؤلف رحمه الله تعالى: خفض الجناح ونبذ الخيلاء والكبرياء تحل بآداب النفس، من العفاف، والحلم، والصبر، والتواضع للحق، وسكون الطائر، من الوقار والرزانة، وخفض الجناح، متحملاً ذل التعلم لعزة العلم، ذليلا للحق. وعليه، فاحذر نواقض هذه الآداب، فإنها مع الإثم تقيم على نفسك شاهداً على أن في العقل علة، وعلى حرمان من العلم والعمل به، فإياك والخيلاء، فإنه نفاق وكبرياء، وقد بلغ من شدة التوقي منه عند السلف مبلغاً.ومن دقيقه ما أسنده الذهبي في ترجمة عمرو بن الأسود العنسي المُتوفى في خلافة عبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى: أنه كان إذا خرج من المسجد قبض بيمينه على شماله، فسئل عن ذلك؟ فقال: مخافة أن تنافق يدي.قلت: يمسكها خوفاً من أن يخطر بيده في مشيته، فإن ذلك من الخيلاء اهـ. وهذا العارض عرض للعنسي رحمه الله تعالى. واحذر داء الجبابرة: (الكبر) ، فإن الكبر والحرص والحسد أول ذنب عصى لله به ، فتطاولك على معلمك كبرياء، واستنكافك عمن يفيدك ممن هو دونك كبرياء، وتقصيرك عن العمل بالعلم حمأة كبر، وعنوان حرمان. العلم حرب للفتى المعالي... ...كالسيل حرب للمكان العالي فالزم - رحمك الله - اللصوق إلى الأرض، والإزراء على نفسك، وهضمها، ومراغمتها عند الاستشراف لكبرياء أو غطرسة أو حب ظهور أو عجب.. ونحو ذلك من آفات العلم القاتلة له، المذهبة لهيبته، المطفئة لنوره، وكلما ازددت علمًا أو رفعة في ولاية، فالزم ذلك، تحرز سعادة عظمى، ومقاماً يغبطك عليه الناس. وعن عبد الله ابن الإمام الحجة الراوية في الكتب السنة بكر بن عبد الله المزني رحمهما الله تعالى، قال: "سمعت إنسانًا يحدث عن أبي، أنه كان واقفًا بعرفة، فرق، فقال: لولا أني فيهم، لقلت: قد غفر لهم" خرجه الذهبي ، ثم قال: "قلت: كذلك ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها"اهـ.وانظر كلامًا نفيسًا لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (14/160 .. الشيخ : ذكر المؤلف رحمه الله تعالى أدبًا خامسًا من آداب طالب العلم، وهو خَفض الجناح ونبذ الخيلاء والكبرياء ، والمراد بهذا التواضع ،فخفض الجناح، بأن يكون المرء حَسُن التعامل ، ذليلا في تعامله مع غيره ، بحيث لا يرى لنفسه فضلا ولا مكانة ولا يرى أنه أعلى من غيره ، هذا هو خفض الجناح ، بحيث يكون بمثابة من يرى أنه والناس بمرتبةٍ واحدة ، ولا يرى له فضلا على أحد من الناس ، ولا يرى أنه أرفع أو أعلى من أي أحد من الخلق مهما كانت منزلة من يقابله. وأما الخيلاء والكبرياءفالمُراد بها رؤية المرء للنفس حتى يُخيل للإنسان أنه أعلى من غيره وأرفع درجة منهم ،وأما الكبرياء فقد فسَّرها النبي - صلى الله وسلم- بأنها جَحْد الحق واحتقار الخلق ، إذا تقرر هذا فإنَّ الكِبْرَ والبَطْرَ من الأمور المحرمة في الشريعة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم"إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ"، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم- "لا يدخلُ الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ،قالوا يا رسول الله : إنَّ الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم"الكبرُ بطَرُ الحق ، وغَمْط الناس".بطر الحق:يعني جحده ،وغمط الناس يعني احتقارهم. والنصوص الواردة في النهي عن الخيلاء والكبرياء كثيرة ، جاء في حديث آخر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال"مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"،" قال المؤلف: تحلى بآداب النفس من العفاف"،المراد بالعفاف ترَفُّع النفس عما لا يليق بها ، فعفتها عن الأمور والفواحش وترفُّعِها عنها يُعد عفافًا. وأما"الحلم"فهو السكينة والأناة ، بحيث يصبر الإنسان على أذى الآخرين ، ويكون حسَن التعامل معهم ، وأما"الصبر"فيراد به الصبر على أذية الآخرين ، والصبر في طاعة الله ، والصبر عن معاصي الله ، قال "والتواضع للحق"بحيث إذا جاءك الحق من أي أحد قبلته وعملت به مهما كان قائله. قال : "وسكون الطائر من الوقار"بحيث لا يكون الإنسان خفيفًا ولا سريعًا ، وإنما عليه السكينة ، قال "والرزانة"بحيث لا يتصرف الإنسان تصرفات فيها تسرع ، أو فيها دلالة على طيش، قال: "وخفض الجناح"يعني : التواضع مع الآخرين متحملا ذل التعلم من أجل أن تنال عزة العلم ذليلا للحق. قال المؤلف "واحذر نواقض هذه الآداب"فإنَّ المرء يكسب بهذه الآداب الأجر والثواب متى نوى التقرب بها لله ، ويكسب أيضا محبة الناس له لكن إذا اتصف الإنسان بضد هذه الآداب ، فإنه أولاً: يأثم ،وثانيًا :يمْقُتُه الله ،وثالثًا يحتقره الناس ويعلمون أنَّ في عقله مرضًا وعلة ، ومن ثَمَّ يجتنبونه ،ورابعًا :يكون سببًا لحرمان العلم والعمل به. قال المؤلف "وقد بلغ من شدة التوقِّي منه"، يعني : بلغ من شدة السلف للحذر من ذلك مبالغ عالية ، من ذلك أنَّ عمرو بن الأسود يخشى إذا أطلق يديه ، وبدأ يرسلهما وهو يمشي ، أن تتحرك يمينا وشمالا وأن تتقدم ، ثم بعد ذلك يصبح مظهرًا من مظاهر الخيلاء ، ولذلك كان يمسك شماله بيمينه. وعلى كلٍّ ، هذا تطبيق للنصوص السابقة ، والنصوص السابقة دلَّت على التحذير من الكِبر والخيلاء ورغَّبت في ضدهما من خفض الجناح والوَقار والسكينة. وقد جاء في الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا مَشيتم إلى الصلاة فامشوا وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"، وأما تطبيقات هذا فإنه يختلف ما بين زمان وآخر ، قد نرى في زمن من الأزمان أنَّ هذا التصرف فيه خيلاء وكبرياء لكنه يكون في زمان آخر تصرفا معتادا لا يكون من الخيلاء في شيء ، وهكذا أيضًا فيما يتعلق بأنواع الألبسة ، فقد نلبَس لباسًا في عصرنا الحاضر لكنَّ هذا اللباس ليس معتادًا في زمان آخر ، عندك مثلا : كان أهل الزمان الأول يسيرون بهذه البشوت ، يلبسها الصغير والكبير ، ويلبسها العامِي ، ولا يتركها أحد ، ففي ذلك الزمان لا يعد لبسها من الخيلاء في شيء ، لكن في زماننا هذا اقتصر لبسها على المناسبات العامة ، أو على العلماء ليعرفهم الناس ، فحينئذ يكون لبسها من غيرهم نوع خيلاء. قال المؤلف "واحذر داء الجبابِرة وهو الكِبر ، فإنَّ الكبرَ والحرصَ"، الحرص الإسراع بالنفس من أجل طمع ،"والحسد" والمراد بالحسد تمني زوال النعم التي أنعمها الله على الغير ، هذه الأمور أول ذنب عُصي الله به ، هكذا يقرره طائفة من العلماء. لأنَّ آدم حسده إبليس ، وتكبّر إبليس ، كيف أسجد لمن خلقت طينا ، من كان مخلوقا من النار كيف يسجد لمخلوق من الطين ، قال المؤلف : "فتطاولك" من أمثلة الكبرياء المذمومة شرعًا التطاول على المعلم ،المراد بالتطاول الترفع عليه ومضادة كلامه ورفع الصوت عليه ونحو ذلك ، هذا يعد من الكبرياء قال ومن أمثلته"استنكافُك عمن يفيدك ممن هو دونك" ،استنكافُك يعني: ترفُّعك عمن يأتيك بفائدة ، إذا كان هذا ممن هو دونك فإنه من الكبرياء ، فينبغي للإنسان أن يقبل الفائدة ولو كانت من أصغر صغير ، ولا يستنكف عن ذلك . صورة ثالثة من صور التكبر،"التقصير عن العمل بالعلم" فإنه من مظاهر التكبر، عندما يجد مجتمعًا من المجتمعات يجعل الإنسان لا يؤدي سنةً كان يعتادها ، هذا كبر. قال ثم ذكر المؤلف هذا البيت"الْعِلْمُ حَرْبٌ لِلْفَتى المُتَعالي = كَالسَّيْلِ حَرْبٌ للمَكانِ العالي" المتعالي يعني: المتكبر ،كالسيل حرب للمكان العالي ، المكان العالي لا يصله السيل إنما السيل يجري في مكان منخفض ، وهكذا العلم ، العلم لا يناله كما ورد عن بعض السلف ، العلم لا يناله مُستح ولا متكبِّر. قال"فالزم اللُّصوق إلى الأرض والإزراء على نفسك" ، يعني : التنقص منها. وإذا جاءتك نفسك وخيلت إليك أنك على منزلةٍ عالية ، وأنك قد استفدت علمًا كثيرًا فكذِّبها ، وقل يا نفس هذا ليس من صفاتِك ، لم تستفيدي من العلم إلا الشيء القليل ، وانظر إلى قصة موسى عليه السلام مع الخضر ، لما سُئل موسى من أعلم من في الأرض ، قال موسى : أنا ، فابتلاه الله وقال: بل عبدنا الخضر أعلم منك فسأل الرحلة إليه ، لماذا؟ لأنه أدرى بالنفس بعد ذلك ، وطلب أن يذهب إلى من هو أعلم منه وتَعرفون من قصتهم في سورة الكهف ما تَعرفون. قال"ومراقبة النفس عند الاستشراف بالكبرياء"، إذا تطلعت نفسك إلى التكبر على الخلق ، قم بإمساك لجامها ، وقِدْها ، ولا تجعلها تستشرف الكبرياء ، "أو الغطرسة أو حب الظهور أو الإعجاب بالنفس" ، فكل هذا من آفات النفس التي يجب علينا أن نُروِّض النفس من أجل مضادتها. قال المؤلف في بيان الأدب الخامس من آداب طالب العلم خفض الجناح ونبذ الكبرياء والخُيلاء ، قال"من آفات النفس الكبرياء ، والغطرسة ، وحب الظهور ، والإعجاب بالنفس"، فإنَّ هذه الآفات تقتل النفس ، ولا تُمكنها من طلب العلم ، وكلما ازددت علمًا أو رفعةً في ولاية فاحذر من التكبر ، والزم التواضع ،"تُحرز بذلك السعادة العظمى"، فإنَّ المتكبر كالبعيد يراه الناس صغيرًا ويرونه صغيرًا ، المتكبر كالبعيد يراه الناس صغيرًا و يراهم صغارًا. قال : ثم ذكر رواية"عن بكر بن عبد الله المزني قال كان أبي واقفا بعرفه فرقّ"أي : رقَّت نفسُه وبدأت العبرة تخرج من عينه ثم بعد ذلك أزرى بنفسه وتَنقَّصها فقال: أخشى أن لا يُغفر لهم بسببي. بكر بن عبد الله المزني إمام ، عالم ، حجة ، قد بثَّ من العلم ما بثَّ ومع ذلك يخشى أن لا يُقبل من الحجيج ولا يُغفر لهم بسببه هو. "قال الإمام الذهبي كذلك ينبغي للعبد أن يُزري على نفسه"، يعني : أن ينتقص منها"وأن يهضمها"يأخذ بعض ما يكون لها ، من أجل أن يكون ذلك سببًا لقبول الله له ، كلما تواضع العبد لله كان ذلك سببًا لرفعة العبد عند الله - جل وعلا- ، وكلما ترك الإنسان الكبرياء والعجب بالنفس كلما كان أدعى لقبول الأعمال ، وأدعى إلى معية الله ، وأدعى لأن تكون معية الله مع العبد.نعم هنا *إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل السؤال الأول : قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "العلم حرب للفتى المتعالي ،يعني أن الفتى المتعالي لا يمكن أن يدرك العلم ،لأن العلم حرب له" كيف يكون العلم حرب؟!!! وما المعنى؟! الجواب : لعلك تشير إلى قول الشاعر: العلم حرب للفتى المتعالي كالسيل حرب للمكان العالي ومراده والله أعلم ، أن الفتى المتعالي لا ينتفع بالعلم لأن تعاليه يصرفه عن الانتفاع بالعلم كما أن المكان العالي لا يصيبه السيل لتعاليه وارتفاعه . فلو شبه العلم بالسيل لكانت الأرض المتواضعة لها النصيب من الانتفاع به ، وحرممن الانتفاع به الأراضي المترفعة عنه لأن السيل يجري وينحدر ولا يرتفع . وهذه التشبيهات التي يذكرها الشعراء إنما هي لتشبيه حالة بحالة فيمثلون الصورة المعنوية بصورة حسية حتى تتضح في الأذهان . وأما كونه حربًا للمكان العالي فليس المقصودمنه الحرب الذي هو ضد السلم كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان، وإنما المراد منه شدة العداوة والمنافرة يقال فلان حرب لفلان إذا كان بينهما عداوة ومباغضة شديدة. قال في لسان العرب"يقال فلان حَرْبٌ لفلان إِذا كان بينهما تَباعُدٌ" السؤال الثاني : ماذ يقصد الشيخ من قوله: "والتواضع للحق وكذلك للخلق يتواضع للحق بمعنى أنه متى بانله الحق خضع له ولم يبغي بدله نعم ولم يبغي لسواه بديلا وكذلك للخلق فكم من طالب فتح على معلمه أبوابًا ليست على بال منه ولا تحقرن شيئًا" الجواب : التواضع للحق :هو قبوله والانقياد لحكم الله تعالى ، فإذا علم العبد أن الله حرم أمرًا وجب عليه اجتنابه ، وإذا علم أن الله أوجب شيئًا وجب عليه امتثاله ما استطاع . وهذا هو الانقياد للحق والتواضع له ، فمن فعله فقد برئ من نصف الكِبر. وأما من تكبر عن امتثال الأمر واجتناب النهي ورآى أنه لا يليق به أن يمتثل ما يعلم أن الله أمر به فهذا من الكبر والعياذ بالله ، وصاحبه على شفير هلكة نسأل الله العافية. والتواضع للخلق: هو عدم غمطهم وازدرائهم وهضمهم حقوقَهم ظلمًا وعلوًا ، فيلين مع المسلمين كما أمر الله تعالى ، ويحبهم ويواليهم ولا يكون في قلبه غِلاًّ لإخوانه المسلمين ، ويعامل الكفار بما أمر الله تعالى من العدل والإحسان في مواضع الإحسان ، والغلظة في مواضع الغلظة ليس ترفعًا وازدراء وتكبرًا عليهم وإنما امتثالاً لأمر الله تعالى وبيانًا للعزة الإيمانية. فمن تواضع للحق وتواضع للخلق فقد برئ من الكبر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرَّف الكبر بقوله"الكبر بطر الحق وغمط الناس" وأما قوله"فكم من طالب فَتَحَ على معلمه أبوابًا ليست على بال منه ولا تحقرن شيئًا" فيعني به أن الطالب قد يذكر لمعلمه أمورًا لا يعرفها ولم تكن تخطر على باله، فإن العالم مهما بلغ علمه فإنه لا يحيط علمه بجميع المسائل ، بل ربما كان ما يحهله من المسائل كثيرًا جدًا، وربما تحير العالم في جواب بعض المسائل لعارض من العوارض وتفطن للجواب بعض طلابه المبتدئين . كما حصل ذلك للقاضي الماوردي رحمه الله فقد ذكر أنه ألف كتاباًكبيراً في أحكام البيوع استقصى فيه المسائل والأدلة والأقوال واجتهد فيه اجتهادًا بالغًا قال فلما فرغت من الكتاب خرجت إلى المسجد فأتاني رجلان يختصمان في مسألة من مسائل البيوع فلم أحر فيها جوابًا! فذهبا إلى طالب من الطلاب فأجابهم . فاستفدنا من هذه القصة فوائد: الأولى: أن العالم قد يستغلق عليه جواب بعض المسائل وهذا من طبيعة النقص البشري. الثانية: أن بعض الطلاب قد يفتح لهم في العلم والفهم ما لا يفتح لشيوخهم كما قال تعالى"ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكمًا وعلمًا" الثالثة: ورع القاضي الماوردي رحمه الله ونصحه ، فأما ورعه فلإمساكه عن الفتوى فيما لم يتبين له جوابه. وأما نصحه فلذكره لهذه القصة التي ربما يظنها بعض الناس نقيصة في حقه ، وهي لم تزده إلارفعة. السؤال الثالث : أفهم من كلامك أن الانقياد للحق والتواضع له براءة من نصف الكبر، وأن التواضع للخلق واللين معهم براءة من النصف الآخر. فنصف الكبر التعالي على الحق ونصفه الآخرالتعالي على الخلق. ألا يكون يا شيخنا قول الشيخ " وكذلك للخلق " من باب عطفه على قوله "والتواضع للحق" أي هو داخل فيه، فمن تواضع للخلق فقد تواضع للحق، فالله يأمر بالتواضع للخلق، واتباع الأمر تواضع للحق. ومن يتعالى على الخلق فقد تعالى على الحق. فيصبح الكبر كله تعال على الحق. وله أنواع. الجواب : أنا قصدت ما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم"الكبر بطر الحق وغمط الناس" فبطر الحق يعالج بالتواضع للحق ، وهذا هو النصف الأول وغمط الناس يعالج بالتواضع للخلق، وهذا هو النصف الثاني والتعبير بكونه نصف الكبر ونحوه إنما المراد منه تقريب الصورة والتبيين والتوضيح ، ولا يلزم منه أن يكون النصف الأول مساو لمقدار النصف الثاني. وهذا المنهج التعليمي ورد في الهدي النبوي وله أكثر من مثال ، كما في صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"الطهور شطر الإيمان"، وقد أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث رجل من بني سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم"الطهور نصف الإيمان". وللعلماء كلام كثير في معنى كون الطهور شطر الإيمان،وأقربه ما ذكره الخطابي ورجحه ابن رجب وغيره من أن التقسيم إلى نصفين في مثل هذا المقام إنما هو باعتبار اقتضته المناسبة،كما في قول الشاعر: إذا مِتُّ كان الناسُ نصفينِ : شامتٌ بموتي ومُثْنٍ بالذي كنتُ أفعلُ أي أنهم فريقان: - فريق مبغض له شامت بموته - وفريق محب له مادح له ومثن عليه بأمجاده ولا يلزم تساوي عدد الفريقين ،وتماثل النصفين قيل لشريح القاضي: كيف أصبحت؟ فقال"أصبحت ونصفُ الناس عليَّ غضبان" قال ابن رجب"يريد أنَّ الناسَ بين محكومٍ له ومحكومٍ عليه ،فالمحكومُ عليه غضبان ، والمحكوم له راضٍ عنه ، فهما حزبان مختلفان" والمقصود أنه لما كان لا بد للبراءة من الكبر من أمرين: الأول: التواضع للحق والثاني: التواضع للخلق صح اعتبارهما قسمين كما دل عليه الحديث،ولا يلزم من ذلك تماثل القسمين، بل بينهما من التلازم ما هو ظاهر بين ، كحال سائر الطاعات فإن بعضها يدل على بعض ويعين عليه ويكمله . السؤال الرابع :ذكر الشيخ العثيمين عن أهل العلم أن هناك أمة قبل آدم وبنيه كيف نوفق بين هذا وأن آدم أول بشر خلقه الله الجواب :التوفيق بأن الأمم السابقة من غير البشر. هنا |
#5
|
||||
|
||||
![]() 6 القناعةُ والزَّهادةُ التَّحَلِّي بالقَناعةِ والزَّهادةِ ، وحقيقةُ الزهْدِالزهْدُ بالحرامِ والابتعادُ عن حِمَاهُ ، بالكَفِّ عن الْمُشتَبِهَاتِ وعن التَّطَلُّعِ إلى ما في أيدي الناسِ . ويُؤْثَرُ عن الإمامِ الشافعيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى " لو أَوْصَى إنسانٌ لأَعْقَلِ الناسِ صُرِفَ إلى الزهَّادِ " وعن مُحَمَّدِ بنِ الحسَنِ الشيبانيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى لَمَّا قِيلَ له : أَلَا تُصَنِّفُ كتابًا في الزهْدِ ؟ قال " قد صَنَّفْتُ كِتابًا في البُيوعِ . يعني" الزاهدُ مَن يَتَحَرَّزُ عن الشُّبُهاتِ والمكروهاتِ في التجاراتِ وكذلك في سائرِ الْمُعاملاتِ والْحِرَفِ " اهـ . وعليه فليكنْ مُعْتَدِلًا في مَعاشِه بما لا يُشِينُه بحيثُ يَصونُ نفسَه ومَن يَعولُ ولا يَرِدُ مَواطِنَ الذلَّةِ والْهُونِ . وقد كان شيخُنا مُحَمَّدٌ الأمينُ الشِّنقيطيُّ الْمُتَوَفَّى في 17/12/1393 هـ رَحِمَه اللهُ تعالى متَقَلِّلًا من الدنيا وقد شاهَدْتُه لا يَعرِفُ فِئاتِ العُملةِ الوَرَقِيَّةِ وقد شافَهَنِي بقولِه : لقد جِئْتُ من البلادِ – شِنقيطَ – ومعي كَنْزٌ قلَّ أن يُوجدَ عندَ أحدٍ وهو ( القَناعةُ )، ولوأرَدْتُ المناصِبَ لعَرَفْتُ الطريقَ إليها ولكني لا أُؤْثِرُ الدنيا على الآخِرةِ ولا أَبْذُلُ العلْمَ لنَيْلِ المآرِبِ الدُّنيويَّةِ . فرَحِمَه اللهُ تَعَالَى رَحمةً واسعةً آمِينَ .هنا *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : مفرغ القارئ : الأمر السادس: القناعة والزهادة التَّحَلِّي بالقَناعةِ والزَّهادةِ ، وحقيقةُ الزهْدِ : الزهْدُ بالحرامِ والابتعادُ عن حِمَاهُ ، بالكَفِّ عن الْمُشتَبِهَاتِ وعن التَّطَلُّعِ إلى ما في أيدي الناسِ الشيخ : التحلي بالقناعة من أهم خصال طالب العلم يعني أن يقتنع بما أتاه الله عزوجل ولايطلب أن يكون في مصاف الأغنياء والمترفين لأن بعض طلبة العلم وغيرهم تجده يريد أن يكون في مصاف الأغنياء والمترفين فيتكلف النفقات في المأكل والمشرب والملبس والمفرش ثم يثقل كاهله بالديون وهذا خطأ بل عليك بالقناعة فإنها خير زاد للمسلم . وأما الزهادة فيقول حقيقة الزهد : الزهد بالحرام والابتعاد عن حماه بالكف عن المشتبهات وكأنه أراد بالزهد هنا الورع لأن هناك ورعًا وزهدًا، والزهد أعلى مقامًا من الورع لأن الورع ترك ما يضر في الآخرة والزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، وبينهما فرق الفرق الذي بينهما المرتبة التي ليس فيها ضرر وليس فيها نفع فالورِع لا يتحاشاها والزاهد يتحاشاها ويتركها لأنه لا يريد إلا ما ينفعه في الآخرة. القارئ : ويُؤْثَرُ عن الإمامِ الشافعيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى : لو أَوْصَى إنسانٌ لأَعْقَلِ الناسِ صُرِفَ إلى الزهَّادِ. الشيخ : الله أكبر يعني في الوصية لو قال: أوصيت لأعقل الناس، يصرف إلى من؟ إلى الزهاد لأن الزهاد هم أعقل الناس حيث تجنبوا ما لا ينفعهم في الآخرة, وهذا الذي قاله رحمه الله ليس على إطلاق لأن الوصايا والأوقاف والهبات والرهون وغيرها ترجع إلى معناها في العرف فإذا كان أعقل الناس في عرفنا هم الزهاد صرف لهم وإذا كان أعقل الناس هم ذوو المروءة والوقار والكرم بالمال والنفس صرف إليهم . القارئ : وعن مُحَمَّدِ بنِ الحسَنِ الشيبانيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى لَمَّا قِيلَ له : أَلَا تُصَنِّفُ كتابًا في الزهْدِ ؟ قال : قد صَنَّفْتُ كِتابًا في البُيوعِ . يعني: الزاهدُ مَن يَتَحَرَّزُ عن الشُّبُهاتِ والمكروهاتِ في التجاراتِ وكذلك في سائرِ الْمُعاملاتِ والْحِرَفِ. اهـ . الشيخ : لما طُلب منه أن يصنف في الزهد قال: قد صنفت كتاباً في البيوع لأن من عرف البيوع وأحكامها وتحرز من الحرام واستحل الحلال فإن هذا هو الزاهد . القارئ : وعليه فليكنْ مُعْتَدِلًا في مَعاشِه بما لا يُشِينُه بحيثُ يَصونُ نفسَه ومَن يَعولُ ولا يَرِدُ مَواطِنَ الذلَّةِ والْهُونِ . وقد كان شيخُنا مُحَمَّدٌ الأمينُ الشِّنقيطيُّ الْمُتَوَفَّى في السابع عشر من شهر ذي الحجة عام 1393هـ رَحِمَه اللهُ تعالى متَقَلِّلًا من الدنيا وقد شاهَدْتُه لا يَعرِفُ فِئاتِ العُملةِ الوَرَقِيَّةِ وقد شافَهَنِي بقولِه : لقد جِئْتُ من البلادِ – شِنقيطَ – ومعي كَنْزٌ قلَّ أن يُوجدَ عندَ أحدٍ وهو ( القَناعةُ )، ولو أرَدْتُ المناصِبَ لعَرَفْتُ الطريقَ إليها ولكني لا أُوثِرُ الدنيا على الآخِرةِ ولا أَبْذُلُ العلْمَ لنَيْلِ المآرِبِ الدُّنيويَّةِ . فرَحِمَه اللهُ تَعَالَى رَحمةً واسعةً آمِينَ . الشيخ : آمين . هذا الكلام من الشيخ الشنقيطي وأشباهه من أهل العلم لا يريدون بذلك تزكية النفس إنما يريدون بذلك نفع الخلق وأن يقتدي الناس بهم وأن يكونوا على هذا الطريق لأننا نعلم هذا من أحوالهم يعني أحوال العلماء أنهم لا يريدون تزكية النفس وهم أبعد الناس عن ذلك وهو رحمه الله كما ذكره الشيخ بكر من الزهاد إذا رأيته لا تقول إلا أنه رجل من أهل البادية حتى العباءة تجد أن عليه عباءة عادية وكذلك الثياب ولا تجده يهتم بهندمة نفسه وثيابه . هنا *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري :مفرغ القارئ: القناعة والزهادة: التحلي بالقناعة والزهادة، وحقيقة الزهد : "الزهد بالحرام، والابتعاد عن حماه، بالكف عن المشتهات وعن التطلع إلى ما في أيدي الناس". ويؤثر عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : "لو أوصى إنسان لأعقل الناس، صرف إلى الزهاد". وعن محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله تعالى لما قيل له: ألا تصنف كتابًا في الزهد؟ قال : "قد صنفت كتابًا في البيوع" . يعنى: "الزاهد من يتحرز عن الشبهات، والمكروهات، في التجارات، وكذلك في سائر المعاملات والحرف" اهـ. وعليه، فليكن معتدلاً في معاشه بما لا يشينه، بحيث يصون نفسه ومن يعول، ولا يرد مواطن الذلة والهون. وقد كان شيخنا محمد الأمين الشنقيطى المتوفى في 17/12/1393هـ رحمه الله تعالى متقللاً من الدنيا، وقد شاهدته لا يعرف فئات العملة الورقية، وقد شافهني بقوله : "لقد جئت من البلاد - شنقيط - ومعي كنز قل أن يوجد عند أحد، وهو (القناعة) ، ولو أردت المناصب، لعرفت الطريق إليها، ولكني لا أوثر الدنيا على الآخرة، ولا أبذل العلم لنيل المآرب الدنيوية". فرحمه الله تعالى رحمه واسعة آمين. الشيخ : هنا الأدب السادس من آداب طالب العلم، وهو القناعة والزهادة،أما القناعة فالمراد بها عدم استشراف النفس بما لم يُعطه اللهُ للعبد ، القناعة عدم استشراف النفس بما لم يُعطه اللهُ للعبد ، بحيث يكون راضيًا بما رزقه الله - جل وعلا - هذه هي القناعة ،أما الزهد فالمراد بالزهد ترك مالا ينفع في الآخرة ترك مالا ينفع في الآخرة ، وقال المؤلف : الزهد بالحرام والابتعاد عن حماه بالكف عن المُشْتبهات، الزهد في الحرام هذا يقول له الفقهاء الورع ،فالمراد بالورع هو ترك الحرام ، والمراد بالزهد ترك مالا ينفع. قال : لو أوصى إنسانٌ لأعقل الناس ، قال الإمام الشافعي: فإنه يُصرف إلى الزهاد، لماذا؟ لأنهم انتفعوا بما لديهم ولم يُقدِموا على مالا ينفعهم ، ليس المراد بالزهد ترك الدنيا ، وإنما المراد بالزهد الاقتصار على ما ينفع ، ولذلك نجد مثلاَ سليمان بن داوود ونجد أباه قد آتاهم الله من الدنيا ما آتاهم ، لا يعد هذا مناقضًا للزهد ، وإنما من جاءته الدنيا واستعملها فيما ينفعه في الآخرة فإنه يُعد زاهدا ، قال تعالى" وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ"، فدل هذا على أنَّ الأموال التي يعطيها الله جل وعلا للعبد إذا استعملها في طاعة الله جل وعلا فإنه حينئذ يكون من الزهاد ، ولو كان عنده من الأموال الشيء الكثير ، وأنَّ الله- جل وعلا - إذا لم يجعل العبد يصرف ما أعطاه الله له في مراضيه فإنه ليس بزاهدٍ ولو لم يكن عنده من الدنيا إلا الشيء القليل. قال المؤلف: وعن محمد بن الحسن الشيباني لما قيل له ألا تصنف كتاباً في الزهد؟ قال: قد صنفت كتاباً في البيوع؛ لأنَّ من كان يترك من البيوع مالا ينفعه فإنه حينئذ سيكون زاهدا ، قال : الزاهد من يتحرز عن الشبهات.والشبهات تشمل صورًا : الصورة الأولى :إذا كان هناك مسائل يختلف أهل العلم فيها وللخلاف محله ، فحينئذ هذه المسائل من الشبهات. الصورة الثانية :مسائل فيها أدلة متعارِضة ، ولم يعرف كيفية الجمع بينها ، فهذه من المسائل المُشتبهات. الصورة الثالثة :أن يكون هناك مسائل لا ندري هل تدخل في تطبيق الحرام أو في تطبيق الحلال ، فحينئذ هذه المسائل من المشتبهات ، والمشتبهات لها عشر صور ، هذه أبرز صور المشتبهات. قال : وعليه فليكن معتدلاً في معاشه بما لا يشينه، يعني : يكون سببًا لورود مالا يُحمد عليه ، وبحيث لا يثنى عليه بسوء ، قال : بحيث يصون نفسه ومن يعول، فهو يقتات ويعمل ولكن لا يكون ذلك العمل من المشتبهات أو مما يُخالف المروءات ،ولا يرد مواطن الذلة والهَون، يعني : المَحال التي تكون سببًا من أسباب اعتقاد الناس أنَّ هذا يخالف المروءة ، فالصنائع ، الأعمال التي تخالف المروءات عند الناس يجتبها طالب العلم. ثم ذكر المؤلف عن شيخه الشيخ الأمين الشنقيطي وهو من علماء الأمة فضلا وعلمًا ، ومن سمِع أحاديثه أو أشرطته ودروسه ، عَلم ما آتاه الله جل وعلا من العلم ، وتفسيره أضواء البيان من الكتب النادرة العظيمة المشتملة على علم كثير مع كونه لا يتجاوز تفسير الآيات التي يرد عليها. والشيخ الشنقيطي نموذج ، فالزهد ليس في حال من أعرضت عنه الدنيا ، ولكن الزهد فيمن أقبلت عليه الدنيا ، إذا تقرر هذا فإنَّ من آتاه الله المال الكثير فاستعمله في طاعة الله فهذا زاهد.. نعم. هنا *إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل السؤال الأول :لم أفهم ما هو الورع وما الفرق بينه وبين الزهد الجواب :من أحسن من عرفهما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذ قال: الزهد المشروع هو ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة، وهو فضول المباح التي لا يستعان بها على طاعة الله . والورَع المشروع: هو ترك ما قد يضر في الدار الآخرة، وهو ترك المحرمات والشبهات. وبه تعلم أن الزهد والورع يجتمعان في أمور ويفترقان . فالزهد والورع يجمعهما جامع الترك فكل منهما يترك صاحبه أمرًا، لكن الدافع في التركين مختلف. فالترك الذي يحمل على الزهد هو لأجل أنه لا ينفع في الآخرة، فكل ما لا ينفع في الآخرة فتركه من الزهد. والترك الذي يحمل عليه الورَع هو خشية العذاب بعدم الترك، وأكثر ما يطلق الورع على ما ترك المشتبهات ، فيتركها الورِعُ احتياطًا لدينه وخشية من أن يكون فيها ما يأثم بسببه فيعذب عليه. وأما ترك فضول المباحات التي لا يستعان بها على طاعة الله عز وجل فهو من الزهد لأنها لا تنفع في الآخرة، وليس من الورع لأنه ليس فيها ما يخشى من ضرره في الآخره. والله تعالى أعلم. السؤال الثاني :لهل يمكن القول بأن الزهد صفاته فى العمل والورع صفاته فى النفس ؟ الجواب : الزهد والورع كلاهما من أعمال القلوب ، وكلاهما فيهما ترك. وإنما يتبين الفرق بينهما بمعرفة السبب الحامل على الترك. فإن كان التارك قد تركه رغبة عنه لالتفات قلبه إلى ثواب أعظم فهذا زهد فيما تركه. وإن كان تركه خشية من العقاب على فعله فهو وَرَع. ولذلك قيل: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يُخشى ضرره. وأكثر ما يطلق الورع على ترك المشتبهات. وأكثر ما يطلق الزهد على ترك فضول المباحات. هنا |
#6
|
||||
|
||||
![]() 7 التَّحَلِّي برَوْنَقِ العِلْمِ وعن ابنِ سيرينَ رَحِمَه اللهُ تعالى قالَ"كَانُوا يَتَعَلَّمُون الْهَدْيَ كما يَتَعَلَّمُون العِلْمَ " وعن رجاءِ بنِ حَيْوَةَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ لرَجُلٍ"حَدِّثْنَا ، ولا تُحَدِّثْنا عن مُتَمَاوِتٍ ولا طَعَّانٍ " رواهما الخطيبُ في ( الجامِعِ ) وقالَ"يَجِبُ على طالبِ الحديثِ أن يَتَجَنَّبَ : اللعِبَ ، والعَبَثَ ، والتبَذُّلَ في المجالِسِ بالسُّخْفِ والضحِكِ والقَهْقَهَةِ وكثرةِ التنادُرِ وإدمانِ الْمِزاحِ والإكثارِ منه ، فإنما يُستجازُ من الْمِزاحِ بيَسيرِه ونادِرِه وطَريفِه والذي لا يَخْرُجُ عن حدِّ الأَدَبِ وطَريقةِ العلمِ ، فأمَّا متَّصِلُه وفاحِشُه وسخيفُه وما أَوْغَرَ منه الصدورَ وجَلَبَ الشرَّ فإنه مَذمومٌ وكثرةُ الْمِزاحِ والضحِكِ يَضَعُ من القدْرِ ويُزيلُ الْمُروءةَ " اهـ . وقد قيلَ " مَنْ أَكْثَرَ مِن شيءٍ عُرِفَ به " فتَجَنَّبْ هاتِيكَ السقَطَاتِ في مُجالَسَتِكَ ومُحادَثَتِك .وبعضُ مَن يَجْهَلُ يَظُنُّ أنَّ التبَسُّطَ في هذا أَرْيَحِيَّةٌ . وعن الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ قالَ"جَنِّبُوا مَجالِسَنَا ذِكْرَ النساءِ والطعامِ ، إني أَبْغَضُ الرجلَ يكونُ وَصَّافًا لفَرْجِه وبَطْنِه"وفي كتابِ المحدَّثِ الملْهَمِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ في القَضاءِ"وَمَن تَزَيَّنَ بما ليس فيه ، شانَه اللهُ" .وانْظُرْ شَرْحَه لابنِ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى . هنا *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :مفرغ القارئ : الأمر السابع التَّحَلِّي برَوْنَقِ العِلْمِ: التَّحَلِّي بـ ( رَوْنَقِ العِلْمِ ) حُسْنِ السمْتِ ، والْهَدْيِ الصالحِ ، من دَوامِ السكينةِ والوَقارِ والخشوعِ والتواضُعِ ولزومِ الْمَحَجَّةِ بعِمارةِ الظاهِرِ والباطنِ والتَّخَلِّي عن نواقِضِها . الشيخ : هذا قد يكون فرعا مما سبق؛ فإن حسن السمت، والهدي الصالح، من دوام السكينة، والوقار، والخشوع، والتواضع، قد سبق الإشارة إليه وأنه ينبغي لطالب العلم أن يكون أسوة صالحة في هذه الأمور . القارئ : وعن ابنِ سيرينَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ"كَانُوا يَتَعَلَّمُون الْهَدْيَ كما يَتَعَلَّمُون العِلْمَ " وعن رجاءِ بنِ حَيْوَةَ رَحِمَه اللهُ تعالى أنه قالَ لرَجُلٍ"حَدِّثْنَا ، ولا تُحَدِّثْنا عن مُتَمَاوِتٍ ولا طَعَّانٍ " رواهما الخطيبُ في ( الجامِعِ ) وقالَ"يَجِبُ على طالبِ الحديثِ أن يَتَجَنَّبَ : اللعِبَ ، والعَبَثَ ، والتبَذُّلَ في المجالِسِ بالسُّخْفِ والضحِكِ والقَهْقَهَةِ وكثرةِ التنادُرِ وإدمانِ الْمِزاحِ والإكثارِ منه ، فإنما يُستجازُ من الْمِزاحِ بيَسيرِه ونادِرِه وطَريفِه والذي لا يَخْرُجُ عن حدِّ الأَدَبِ وطَريقةِ العلمِ ، فأمَّا متَّصِلُه وفاحِشُه وسخيفُه وما أَوْغَرَ منه الصدورَ وجَلَبَ الشرَّ فإنه مَذمومٌ وكثرةُ الْمِزاحِ والضحِكِ يَضَعُ من القدْرِ ويُزيلُ الْمُروءةَ " اهـ . الشيخ : هذا من أحسن ما قيل في آداب طالب العلم , أن يتجنب اللعب والعبث , إلا ما جاءت به الشريعة , كاللعب برمحه وسيفه وفرسه , لأن ذلك يعينه على الجهاد في سبيل الله, وكذلك في الوقت الحاضر اللعب بالبنادق الصغيرة, هذا لا بأس به كذلك ، العبث هو أن يفعل فعلا لا داعي له , أو يقول قولا لا داعي له . كذلك التبذل في المجالس , بالسخف، والضحك، والقهقهة، وكثرة التنادر، وإدمان المزاح والإكثار منه، لا سيما عند عامة الناس , أما عند أصحابك وأقرانك فالأمر أهون , لكن عند عامة الناس إياك أن تفتح باب الامتهان فإن ذلك يذهب الهيبة من قلوب الناس , فلا يهابونك ولا يهابون العلم الذي تأتي بهالقارئ : وقد قيلَ " مَنْ أَكْثَرَ مِن شيءٍ عُرِفَ به " فتَجَنَّبْ هاتِيكَ السقَطَاتِ في مُجالَسَتِكَ ومُحادَثَتِك . وبعضُ مَن يَجْهَلُ يَظُنُّ أنَّ التبَسُّطَ في هذا أَرْيَحِيَّةٌ . وعن الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ قالَ"جَنِّبُوا مَجالِسَنَا ذِكْرَ النساءِ والطعامِ ، إني أَبْغَضُ الرجلَ يكونُ وَصَّافًا لفَرْجِه وبَطْنِه" الشيخ : الله المستعان , صحيح , لأن هذا يشغل عن طلب العلم , مثل أن يقول أكلت البارحة أكلا حتى ملأت البطن , وما أشبه ذلك , من الأشياء التي لا داعي لها , أو يتكلم بما يتعلق بالنساء . أما أن يكون الرجل مع أهله ثم يصبح يحدث الناس بما فعل , فإن هذا من أشر الناس منزلة عند الله عز وجل . القارئ : وفي كتابِ المحدَّثِ الملْهَمِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْهُ في القَضاءِ"وَمَن تَزَيَّنَ بما ليس فيه ، شانَه اللهُ" . وانْظُرْ شَرْحَه لابنِ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى . الشيخ : يقول رحمه الله : وفي كتاب المحدث الملهم . المحدَّث : يعني به عمر بن الخطاب رضي الله عنه , لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال "إن يكن فيكم محدثون فعمر" والمراد الملهم : الذي يلهمه الله عز وجل . وكأنه يُحدَّث بالوحي . وقد أشكل هذا على بعض العلماء , حيث قالوا أن هذا يقتضي أن عمر أفضل الصحابة, لأنه قال "إن يكن فيكم محدثون فعمر" لكن أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : بأن عمر إنما يتلقى الإصابة بواسطة , أما أبو بكر فيتلقاها بلا واسطة. وعلى هذا فيكون أفضل من عمر , ومن رأى تصرف أبو بكر رضي الله عنه في مواقع الشدة , علم أنه أقرب إلى الصواب من عمر . ففي كتاب الصلح , الذي وقع بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقريش , وراجع عمر فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم , وأجابه , ثم راجع أبا بكر , فأجابه بما أجابه به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم حرفا بحرف . وفي قتال أهل الردة , وكذلك في تنفيذ جيش أسامة بن زيد , وكذلك في تثبيت الناس يوم وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم , كل هذا يدل على أن أبا بكر أصوب رأيا من عمر . لكن الذي أظهر عمر رضي الله عنه , هو طول خلافته , وتفرغه لأمور المسلمين العامة والخاصة , فكان مشتهرا بذلك رضي الله عنه . ولهذا نحن نقول , أيما أكثر رواية للحديث أبو هريرة أو أبو بكر ؟ أبو هريرة , هل يعني ذلك أن أبا هريرة أكثر تلقيا للحديث من الرسول عليه الصلاة والسلام من أبي بكر ؟ لا , لكن أبو بكر لم يحدث بما روى عن الرسول , وإلا فأبو بكر صاحب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم , صيفا وشتاء , ليلا ونهارا , سفرا وإقامة . فهو أكثر الناس تلقيا عنه , وأعلم الناس بأحواله , لكن لم يتفرغ ليجلس إلى الناس ليحدثهم بما رواه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . الحاصل : أن بهذا يتبين الجواب عن الحديث " إن يكن فيكم محدثون فعمر". يقول في الكتاب الذي كتبه إلى أبي موسى في القضاء : من تزين بما ليس فيه شانه الله . هذا حقيقة , إذا تزين الإنسان بأنه طالب علم , وقام يضرب الجبلين بعضهما ببعض , وكلما أتته مسألة من مسائل العلم شمر عن أكمامه , وقال أنا صاحبها , هذا حلال وهذا حرام وهذا واجب وهذا فرض كفاية وهذا فرض عين وهذا يشترط فيه كذا وكذا وهذا ليس له شروط وقام يفصل ويجمل , ولكن يأتيه طالب علم صغير , ويقول أخبرني عن كذا , فإذا بالله يفضحه ويبين أنه ليس بعالم . وكذلك من تزين بعبادة وأظهر للناس أنه عابد , فلا بد أن يكشفه الله عز وجل لا بد أن ينكشف , أعاذنا الله وإياكم من الرياء . ومهما تكن عند امرئ من خليقة = وإن خالها تخفى على الناس تعلم . ومهما يكتم الناس فالله يعلمه , وسيفضح من لا يعمل لأجله . فهذه العبارة من عمر زن بها جميع أعمالك , " من تزين بما ليس فيه شانه الله " قال الشيخ بكر أبو زيد : وانظر شرحه لابن القيم رحمه الله . شرحه ابن القيم في كتاب : (إعلام الموقعين) . شرحا طويل طويلا, حتى تكاد أن تقول: إن جميع الكتاب الذي هو ثلاث مجلدات كبار كان شرحا لهذا الحديث . وإن لم يكن شرحا لألفاظه , لكنه شرح لألفاظه بوجه , وشرح لمعانيه وحكمه . فلهذا أشار بكر أبو زيد إلى أن ننظر إلى هذا الشرح . هنا *شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري :مفرغ. القارئ: قال رحمه الله:التحلي برونق العلم: التحلي بـ (رونق العلم) حسن السمت، والهدى الصالح، من دوام السكينة، والوقار، والخشوع، والتواضع، ولزوم المحجة، بعمارة الظاهر والباطن، والتخلي عن نواقضها.وعن ابن سيرين رحمه الله تعالى قال:"كانوا يتعلمون الهدى كما يتعلمون العلم". وعن رجاء بن حيوة رحمه الله تعالى أنه قال لرجل:"حدثنا، ولا تحدثنا عن متماوت ولا طعان". رواهما الخطيب في "الجامع"، وقال : "يجب على طالب الحديث أن يتجنب: اللعب، والعبث، والتبذل في المجالس، بالسخف، والضحك، والقهقهة، وكثرة التنادر، وإدمان المزاح والإكثار منه، فإنما يستجاز من المزاح بيسيره ونادره وطريفة، والذي لا يخرج عن حد الأدب وطريقة العلم، فأما متصله وفاحشه وسخيفه وما أوغر منه الصدور وجلب الشر، فإنه مذموم، وكثرة المزاح والضحك يضع من القدر، ويزيل المروءة" اهـ. وقد قيل: "من أكثر من شيء، عرف به". فتجنب هاتيك السقطات في مجالستك ومحادثتك. وبعض من يجهل يظن أنَّ التبسط في هذا أريحية. وعن الأحنف بن قيس قال: "جنبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام، إني أبغض الرجل يكون وصَّافاً لفرجه وبطنه". وفي كتاب المحدث الملهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه في القضاء : "ومن تزين بما ليس فيه، شانه الله". وانظر شرحه لابن القيم رحمه الله تعالى. الشيخ: هذا هو الأدب السابع من آداب طالب العلم، بحيث أن يكون ظاهر طالب العلم موافقًا للعلم الذي يطلبه بحيث يكون"حَسُنَ السمت"، وحُسن السمت قلنا أنَّ السمت فيما سبق هو الصورة الظاهرة ، بحيث تكون أخلاقه الظاهرة وكلامه وملبسه ، دالاً على كونه من طلبة العلم ، فيكون هديه الظاهر موافقًا لهدي أهل الصلاح ، ومن ثَمَّ يلازم"السكينة"وهو طمأنينة النفس"والوقار"، بحيث يكون ظاهره غيرَ مُنبِئٍ عن خلاف هذه ، وكذلك يتصف"بالخشوع"، فليس متسرعًا ولا متبادراً لما لا ينبغي ، وليس متكلمًا بما لا يناسب حاله ، وكذلك يتصف بصفة"التواضع"، وهو ينافي التكبر ، ويكون"ملازمًاللمَحجَّة"،المراد بالمحجة :وسط الطريق الموصل إلى المُراد بحيث لا يكون ممن يميل جهة اليمين ولا جهة الشمال ، ويَعمُر ظاهره وباطنه بعبادة الله تعالى وذكره والتخلِّي عن نواقض ذلك . "قال ابن سيرين كانوا يتعلمون الهَدي - وهو الصفة الظاهرة - كما يتعلمون العلم"، بحيث تكون ظواهرهم موافقة لبواطنهم ، ظواهرهم متحلية بالأوصاف الشرعية والأخلاق المَرعية. "قال رجاء بن حيوة لرجلٍ : حدِّثنا ولا تحدِّثنا عن مُتماوِتٍ ولا طعَّان"،والمتماوت:هو من كان متصفا بصفة موت القلب ، بحيث لا يكون باطنه معمورا لله جل وعلا ،ولا طعان :وهو الذي يبذل لسانه في القدح في الآخرين والسب منهم. "قال الخطيب: يجب على طالب الحديث أن يَتجنب اللعب"،ما المراد باللعب؟العمل الذي ليس له ثمرة ، هذا هو اللعب ، من أمثلته: هذه الألعاب التي في زماننا وعصرنا سواء في الانترنت أو في السوني أو في غيرها. كذلك يتجنب"العبث"، مثل أن يحرك يديه حركات لا فائدة منها ، كذلك يتجنب"التبذُل في المجالس"، التبذل في المجالس الحديث في كل ما يقصد الناس الحديث فيه ، بحيث لا يوجد له ضوابط في حديثه ، ومن ثم تجده يتكلم"بالسُّخف"، والمراد بالسخف الأمور التوافه ، التي لا قيمة لها ولا منزلة ، أو يتكلم بأمورٍ مضحِكة التي ينتج عنها القهقهة ،"وكثرة التَنَدُّر"، والتنكيت على الآخرين ، وكذلك على طالب الحديث أن يتجنب"إدمان المزاح والإكثار منه"، لو مزح مرةً جاز ولم يُنافي ذلك آداب طالب العلم ، لكن أن يكون ذلك دأَبَه في كل حديثه وفي كل أموره ، فهذا ليس من شأن طالب العلم ،"إنما يُستجاز من المزاح الشيء اليسير النادر القليل والطريف ، الذي لا يخرج عن حد الأدب وطريقة العلم"، أما أنيكون كل حديثه وكل مجالسه على المزاح ، ويتكلم بالأمور الفاحشة في المزاح التي تكون كبيرة ، وتكون عظيمة أن تصدر من إنسان ، أو يتكلم في الأمور السخيفة التافهة التي لا قيمة لها ، أو يتكلم من المزاح بما يوغر الصدور ، بحيث يُعلِّق على هذا ، ويُنكِّت على هذا ، فهذا يورد القطيعة ، ويورد غِل القلوب ويجلب الشر ، هذا كله مذموم. وأصل كثرة المزاح حتى ولو لم تكن بهذه الأمور؛ بالفاحش والسخيف والمورد للعداوة ، كثرة المزاح تضع من قدر الإنسان وتُزيل صفة المروءة منه ،ما هي صفة المروءة؟المروءة المراد بها اجتناب الإنسان مالا يُثنى عليه من الأوصاف عند الناس ، وبعضهم يقول المروءة اجتناب الإنسان الصفات غير المرغوب فيها ، مثال هذا: مما يُرغب فيه أن يكون الإنسان في مجتمعاتنا لابسًا للثياب ، فإذا لبس البنطلونات لم يُعدَّ حينئذ ممن اتصف بصفات المروءة ؛ لأنَّ الناس لا يُثنون على من ترك هذه الثياب المعتادة. وقد"قيل من أكثر من شيء"من مزاح أو ضحك ،"عُرف به"، بحيث يكون موصوفًا به ، فلان المزاح ،"فتجنب هاتيك السقطات في مُجالستك ومٌحادثتك ، وبعض من يجهل يظن أنَّ التبسط في هذا أرِيحية"، الأريحية يعني ما يكون مُنتجا لراحة النفس ، بعض الناس يعد الضحك والتبذل وكثرة المزاح من الأريحية التي ترتاح لها النفوس ، وهذا ليس من ذلك في شيء بل إنَّ الناس إذا وجدوا شخصا يُكثر من المزاح والتعليق على الآخرين ، فإنه حينئذ تنفر منه نفوسهم ، ولذلك"قال الأحنف بن قيس : جنِّبوا مجالسنا ذكرَ النساء والطعام"، وذلك لأنَّ هذه الأمور ليست من الأمور التي تَقصدها نفوس العقلاء ، وترتفع نفوسهم بها ، وإنما ينبغي أن تكون مجالسنا فيها ذكر الآداب ، فيها ذكر الأحكام الشرعية. كذلك من الأمور التي تتعلق بهذا أن لا يظهر الإنسان صفة ليس متصفًا بها حقيقة ، كأن يُظهر للآخرين أنه يقوم الليل وليس كذلك ، أو يُظهر للآخرين أنه يقرأ القرآن أو يحفظ كتاب الله ، وليس فيه تلك الصفة ،"قال عمر رضي الله عنه : من تزين بما ليس فيه شانه الله"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ"المُتَشبِّع بما لم يعط: الذي يقول أنا مُتصفٌ بالصفة الفلانية ، ومتصف بالصفة الفلانية ومتصف بالصفة الفلانية ، هذا كلابس ثوبي زور ،الزور:هو الكذب وتمويه الحقائق ، وجَعَلَها كالثوبين لأنها أولاً :قد كذب عن نفسه بحيث يُظهر أنه مُتصف بهذه الصفة وليس كذلك ،وكذلك قد زوَّر صورته في نفوس الآخرين ، ولذلك جعله كلابس ثوبي زورٍ.نعم هنا * إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل السؤال الأول: ما معنى كلمة ( السمت ) ..؟ هل هي بـمعنى السمات والصفات ؟ الجواب: السمت في اللغة له معانٍ ، والمراد هنا هيئة أهل الخير وطريقتهم ، يقال: ما أحسن سمته ! إذا كانت هيئته حسنة على هيئة أهل الخير والصلاح وطريقتهم . السؤال الثاني : ما المقصود بقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : بأن عمر إنما يتلقى الإصابة بواسطة ، أما أبو بكر فيتلقاها بلا واسطة ؟ الجواب : نص كلام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله كما في الرد على المنطقيين"فأما درجة السابقين الأولين كأبي بكر وعمر فتلك لا يبلغها أحد، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قد كان في الامم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر". وفي حديث آخر : "إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه" وقال علي"كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر". وفي الترمذي وغيره:"لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر ، ولو كان بعدي نبي ينتظر لكان عمر". ومع هذا فالصديق أكمل منه فإن الصديق كمل في تصديقه للنبي فلا يتلقى إلا عن النبي، والنبي معصوم، والمحدَّث كعمر يأخذ أحيانا عن قلبه ما يلهمه ويحدَّث به، لكن قلبه ليس معصوما؛ فعليه أن يعرض ما أُلقي عليه على ما جاء به الرسول فإن وافقه قبله، وإن خالفه رده، ولهذا قد رجع عمر عن أشياء، وكان الصحابة يناظرونه ويحتجون عليه فإذا بينت له الحجة من الكتاب والسنة رجع إليها وترك ما رآه، والصديق إنما يتلقى عن الرسول لا عن قلبه، فهو أكمل من المحدث، وليس بعد أبي بكر صديق أفضل منه، ولا بعد عمر محدَّث أفضل منه). ا.هـ ومراده أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أكمل فهمًا وعلمًا ويقينًا من عمر بن الخطاب؛ فقوة يقينه وفهمه للكتاب والسنة بلغت منزلة أعلى من منزلة المحدَّث الملهم الذي يستدل على الحق بواسطة ما يلقى في روعه. وقلوب المحدَّثين غير معصومة فقد يلقى فيها الحق وهو الغالب، وقد يكون معه ما يلقيه الشيطان ابتلاء وامتحانًا، فوجب أن يعرضوا ما ألقي في قلوبهم على نصوص الكتاب والسنة فما خالف النصوص رجعوا عنه، وما وافقها قبلوه. ولذلك لما ارتد من ارتد من العرب وعزم أبو بكر على قتالهم قال له عمر : يا أبا بكر كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ودمه ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله". فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم على منعه. قال عمر: فو الله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق". أخرجه البخاري ومسلم. فكان أبو بكر أكثر علمًا وأحسن فهماً من عمر حتى رجع عمر إلى قوله، وهما من علماء الصحابة، بل نقل شيخ الإسلام إتفاق أهل العلم على أن أعلم هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر. السؤال الثالث : قول ابن سيرين رحمه الله"كانوا يتعلمون الهدي كما كانو يتعلمون العلم"في وقتنا الحاضر كيف نتعلم الهدي في ظل الغياب الكبير للقدوات خصوصا ان جل دراساتنا الشرعية ان لم يكن كلها هي دراسة عن بعد اي اننا لانكاد تلتقي بقدوات في هذا المجال ولايخفى على فضيلتكم ان لسان الحال ليس كلسان المقال أي أننا مهما قرأنا في الكتب عن سير الأعلام فان هذا ليس كرؤية أحوالهم ومعاشرتها؟ فكيف السبيل إلى ذلك . الجواب : لا يخلو زمان من صالحين متمسكين بالهدي الصحيح، وإن ندروا وكانوا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، ومَن كان صاحب تأسٍّ بأهل الخير والصلاح كفاه أن يحثه على ذلك ما يراه من جوانب الخير والصلاح لديهم، فرُبَّ عمل يراه المرء من أحدهم فينتفع به زمنًا طويلاً، ولا يشترط في القدوة أن يكون كاملاً في جميع الجوانب، بل النقص من طبيعة البشر، حتى الصالحين يقع منهم تقصير وقصور في جوانب وإجادة وإحسان في جوانب أخرى. فمن فتح له في العلم والتعليم ونشر العلم قد يقع منه قصور وتقصير في جوانب أخرى. ومن فتح له في التعبد والتهجد وكثرة الصلاة والصيام والتلاوة وكثرة الذكر قد يقع منه قصور وتقصير في جوانب أخرى. ومن فتح له في أعمال البر والإحسان ونفع الناس قد يقع منه تقصير في غير ذلك من الأمور. ومن فتح له في الجهاد والنصيحة والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورعاية حدود الله وحرماته فكذلك. وأما من كان ذا حظ في هذه الأعمال كلها فهو إمام من الأئمة الأبدال. ذكر ابن عبد البر في التمهيد والاستذكار أن عبد الله بن عبد العزيز العُمَري العابد كتب إلى الإمام مالك بن أنس يحضُّه على الانفراد والعمل وترك مجالسة الناس في العلم وغيره فكتب إليه مالك: "إن الله تعالى قسم بين عباده الأعمالَ كما قسمَ الأرزاقَ؛ فرُبَّ رجل فُتِحَ له في الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح الله له في الجهاد، ولم يفتح له في الصلاة، وآخر فتح له في الصدقة، ولم يفتح له في الصيام. وقد علمتُ أنَّ نشر العلم وتعليمَه من أفضل الأعمال، وقد رضيتُ بما فَتَحَ الله لي فيه، وقسم لي منه، وما أظنُّ ما أنا فيه بدون ما أنت فيه من العبادة، وكلانا على خير إن شاء الله" ومن فتح الله له بابًا من أبواب الخير فليعتنِ بالاتساء بأئمة ذلك الباب من الصالحين، وينتفع من هديهم ودلّهم وسمتهم في غير مخالفة لهدي الكتاب والسنة. وبهذا يُعلم أن الاقتداء يتجزأ ويتنوَّع ، فما يُرى عند بعض الصالحين من تقصير وقصور في جوانب لا يمنع من الاقتداء بهم فيما أحسنوا فيه. ومن تطَلَّب قدوة تامًّا في جميع هذه الأبواب أعياه ذلك. ومن تأمل أحوال من حوله وجد من بعضهم إجادة وبراعة في بعض أمور الخير، فليكن ذلك حافزًا له على الاتساء بهم بما يتيسر له. والآثار عن السلف في الاتساء ببعض أحوال الناس وأقوالهم كثيرة مبثوثة في سيرهم. قال أصبغ المالكي لعون بن عبد الله" سمعت من أبيك كلامًا نفعني الله تعالى به وهو: لأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة" وقال زبيد بن الحارث اليامي"سمعت كلمة فنفعني الله عزَّ وجلَّ بها ثلاثين سنة" بل إن بعضهم يرى موقفًا أمامه فيعتبر به مدة طويلة من الزمن. وهذا هو مقصود الاقتداء أن ينتفع المقتدي بما يسمع ويرى. ومن الدعاء الذي أرشد الله إليه عباده المؤمنين أن يقولوا"وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا(74)" الفرقان. وهو يشمل الإمامة على اختلاف درجاتها، فقد يفتح لعبد من عباد الله في عمل من الأعمال فيكون فيه إمامًا يقتدى به فيه ، ولو كان لديه ضعف في أبواب أخرى من أبواب الخير. واللبيب الذي يحاسب نفسه ويزن عمله بالكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة يعرف من نفسه ما هو مقصّر فيه في من أبواب الخير، ويعرف ما فتح له فيه مما يحسنه؛ فيعتني أولاً بالقدر الواجب من كل ذلك، وهو أمر متيسّر لا حرج فيه على المرء؛ لأن الواجبات الشرعية هي من تكاليف الدين، وما جعل لله علينا في الدين من حرج. ثم يعتني بالاجتهاد فيما فتح له فيه، وليعلم أن قيمة كل امرئ ما يحسنه كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ومما يعينه على الإحسان في ذلك الأمر النظر إلى سير المحسنين فيه فيعتني بآثارهم ومآثرهم سواء أكانوا من الأموات أم الأحياء فمن مات يعتني بسيرهم ويتعرف على طرائقهم وأسباب تفوقهم وتمكنهم وانتفاع الناس بهم. والأحياء منهم يحرص على الاستفادة منهم بما يتيسر له، فقد ينتفع من مجالستهم ومراسلتهم والعرض عليهم ما لا يستفيده من القراءة والدراسة مدة طويلة. وقد قال النووي في شرح صحيح مسلم: ومذاكرة حاذق في الفن ساعة أنفع من المطالعة والحفظ ساعات بل أيامًا. فإذا كان هذا نفع مذاكرة ساعة؛ فما الظن بملازمتهم والعرض عليهم والتخرج على أيديهم. هنا |
#7
|
||||
|
||||
![]() 8- تَحَلَّ بِالْمُرُوءَةِ التَّحَلِّي بـ ( الْمُروءةِ ) وما يَحْمِلُ إليها ، من مَكارِمِ الأخلاقِ وطَلاقةِ الوَجْهِ ، وإفشاءِ السلامِ وتُحَمُّلِ الناسِ والأَنَفَةِ من غيرِ كِبرياءَ والعِزَّةِ في غيرِ جَبَرُوتٍ والشهامةِ في غيرِ عَصَبِيَّةٍ والْحَمِيَّةِ في غيرِ جَاهليَّةٍ .
وعليه فتَنَكُّبُ ( خَوارِمِ الْمُروءةِ ) في طَبْعٍ أو قولٍ أو عَمَلٍ من حِرفةٍ مَهِينَةٍ أو خَلَّةٍ رَديئةٍ كالعُجْبِ والرياءِ والبَطَرِ والْخُيلاءِ واحتقارِ الآخرينَ وغِشْيَانِ مَواطِنِ الرِّيَبِ . هنا *شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ( مفرغ ) هنا القارئ : الأمر الثامن - تَحَلَّ بِالْمُرُوءَةِ : التَّحَلِّي بـ ( الْمُروءةِ ) وما يَحْمِلُ إليها ، من مَكارِمِ الأخلاقِ وطَلاقةِ الوَجْهِ ، وإفشاءِ السلامِ وتُحَمُّلِ الناسِ والأَنَفَةِ من غيرِ كِبرياءَ والعِزَّةِ في غيرِ جَبَرُوتٍ والشهامةِ في غيرِ عَصَبِيَّةٍ والْحَمِيَّةِ في غيرِ جَاهليَّةٍ . الشيخ : نعم . يقول التحلي بالمروءة , فما هي المروءة ؟ حدها الفقهاء رحمهم الله , في كتاب الشهادات , قالوا : هي فعل ما يجمله ويزينه , واجتناب ما يدنسه ويشينه . وهذه عبارة عامة، كل شي يجملك عند الناس ويزينك ويكون سببا للثناء عليك , فهو مروءة , وإن لم يكن من العبادات , وكل شيء بالعكس فهو خلاف المروءة . ثم ضرب لهذا مثلا , فقال من مكارم الأخلاق , فما هو كرم الخُلُق ؟ أن يكون الإنسان دائما متسامحًا , أو أن يتسامح في موضع التسامح , ويأخذ بالعزم في موضع العزيمة . ولهذا جاء الدين الإسلامي وسطًا بين التسامح الذي تضيع به الحقوق , وبين العزيمة التي ربما تحمل على الجور , فنضرب مثلا بالقصاص : وهو قتل النفس بالنفس , يذكر أن بني اسرائيل انقسمت شرائعهم في القصاص إلى قسمين : قسم أوجب القتل , ولا خيار لأولياء المقتول فيه , وهي شريعة التوراة . لأن شريعة التوراة تميل إلى الغلظة والشدة . وقسم آخر أوجب العفو , وقال: إنه إذا قتل الإنسان عمدا فالواجب على أولياؤه التسامح . هكذا نقرأ في الكتب المنقولة , لأننا لم نقف على نص في الإنجيل وإلا فإن الأصل أن شريعة الإنجيل هي شريعة التوراة , وقد قال الله تعالى " وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ "المائدة 45 . لكن فيما ينقل عن بني إسرائيل نسمع هذا . فجاء دين الاسلام وسطا وجعل الخيار لأولياء المقتول , إن شاءوا قتلوا قصاصا ولهم الحق , وإن شاءوا عفوا مجانا , وإن شاءوا أخذوا الدية .فصار الأمر في ذلك واسعا . ومعلوم أن كل عاقل يخير في مثل هذه الأمور , سيختار ما فيه المصلحة العامة , يقدمها على كل شيء . فمثلا إذا كان هذا الرجل شريرا -يعني القاتل- وأولياء المقتول يحبون المال وقالوا نريد أن نعفو إلى الدية , لأننا محتاجون ليس عندنا مال نقول: هذا ليس من الحكمة , انظر الى المصلحة العامة , وأنتم إذا تركتم شيئا لله عوضكم الله خيرا منه . اقتلوا هذا القاتل . ولهذا أوجب شيخ الإسلام ابن تيمية تبعا للإمام مالك رحمه الله , أوجب قتل القاتل غيلة , حتى لو عفا أولياءه, حتى لو كان له صغار يحتاجون إلى المال , فإنه يجب أن يقتل , لأن القتل غيلة لا يمكن التخلص منه . إذ أن الإنسان اغتيل في حال لا يمكن أن يدافع عن نفسه , والمغتال مفسد في الأرض ,"إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ 33"المائدة. إذن , مكارم الأخلاق ما هي ؟ هي أن يتخلق الإنسان بالأخلاق الفاضلة الجامعة بين العدل والإحسان , فيأخذ بالحزم في موضع الحزم , وباللين واليسر في موضع اللين واليسر. طلاقة الوجه، أيضا طلاقة الوجه هذه من مكارم الأخلاق , وهل مثلا أطلق وجهي لكل إنسان حتى لو كان من أجرم المجرمين أو على حسب الحال؟ على حسب الحال , أطلق الوجه في ستة من تسعة : ما معناها؟ يعني في الثلثين والثلث دعه لما تقتضيه الحاجة. ليكن سيمتك طلاقة الوجه , هذا أحسن شيء , تجذب الناس إلى نفسك , ويحبك الناس, ويستطيعون أن يفضوا إليك ما يخفونه من أسرارهم . لكن إذا كنت عبوسا , تعض على شفتك السفلى , فإن الناس يهابوك , ولا يستطيعون أن يتكلموا معك . لكن إذا اقتضت الحال أن لا تطلق الوجه , فافعل . ولهذا لا يلام الإنسان على العبوسة لومًا مطلقا , ولا يمدح على تركها مدحا مطلقا . إفشاء السلام : يعني نشره وإظهاره على كل أحد؟ لا ليس على كل أحد، على من يستحق أن يسلم عليه , على المسلم وإن كان عاصيا , وإن كان زانيا وإن كان سارقا وإن كان مرابيا وإن كان يشرب الخمر , لإنه مسلم ألقي إليه السلام. لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه المؤمن -أو قال أخاه- فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" . فإن فعل المؤمن منكرا , ولاسيما إذا كان منكرا عظيما يخشى منه أن يتفتت المجتمع الإسلامي , فحينئذ يكون هجره واجبا هجره إن نفع الهجر, وإنما أقول ذلك لئلا يرد علينا قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن غزوة تبوك , فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بهجره , أمر أن يهجره الناس فهجروه وصاروا لا يتكلمون معه , حتى إنه ذات يوم تسور حديقة أبي قتادة رضي الله عنه , وهو ابن عمه وأحب الناس إليه , فسلم على أبي قتادة فلم يرد عليه السلام , سلم ثانيا فلم يرد عليه السلام, سلم ثالثا فلم يرد عليه السلام, فقال : أنشدك الله , هل تعلم أني أحب الله ورسوله , " يعني أنت كيف تهجرني وأنا أحب الله ورسوله " وهل تعلم؟ يعني ألم تعلم ؟ ولم يرد عليه . ما قال نعم ولا لا قال : الله ورسوله أعلم . ما أجاب، لماذا ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم, ولو أمرهم أن يفعلوا أكبر من ذلك لفعلوا . المهم أن الصحابة هجروه لأنه تخلف عن غزوة تبوك وكان هجره بأمر من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تصوروا يا إخوان يأتي ويسلم على الرسول عليه الصلاة والسلام يقول : فلا أدري أحرك شفتيه برد السلام أم لا . يعني هو لا يسمع الرد قطعا لكن لا يدري هل حرك شفتيه بالسلام أم لا. ولكن الرسول يحبه , لأنه إذا قام يصلي -كعب- جعل النبي صلى الله عليه وسلم يسارقه النظر ينظر إليه . فهل هذا الهجر الذي وقع من الصحابة لكعب بن مالك هل أثر أو لم يؤثر ؟ أثر، أثر رجوعا عظيما إلى الله عز وجل ,"وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 118"التوبة. , ظنوا بمعنى أيقنوا , لجؤوا إلى الله , ففرج الله عنهم . فهذا أثر تأثيرا عظيما , وحصل به مصلحة عظيمة , تُتلى قصتهم في كتاب الله عز وجل , يقرؤها المسلمون كلهم في صلواتهم وفي خلواتهم . يذكرونهم كلما مروا بذكرهم هذه فائدة عظيمة ثم فيها محنة عظيمة أيضا لكعب , جاءه كتاب من ملك غسان , فقال له في الكتاب : إنه بلغنا أن صاحبك قلاك -يعني أبغضك وهجرك وتركك- , فالحق بنا نواسك , " يعني ائت إلينا نجعلك مثلنا " "كأنه يشير أن يجعله ملكا على غسان " فماذا فعل ؟ رأى أن هذه فتنة عظيمة , ذهب بالورقة فسجَّر بها التنور , يعني أحرقها , إحراقا تاما كراهة لها ولما تضمنته , ولئلا تغلبه نفسه في المستقبل حتى يجيب لهذا الطلب . وهكذا يكون الإيمان وهذه لا شك أنها محنة عظيمة , حصلت من أجل هذه القصة . فالحاصل أن إفشاء السلام الأصل فيه أنه عام , لكل أحد من المسلمين , إلا من جاهر بمعصية , وكان من المصلحة أن يُهجر فليُهجر . أما غير المسلمين فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم"لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ". فيحرم علينا أن نبدأ اليهود والنصارى ومن سواهم أخبث منهم فلا نبدأه بالسلام ، إن سلموا نرد عليهم , لقول الله تعالى : "وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها " . فإذا قالوا : السلام عليكم , نقول : عليكم السلام صراحة لأن الآية ناطقة بذلك "حيوا بأحسن منها أو ردوها" . ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما أمر أن نقول : وعليكم , لأنهم يقولون السام عليكم , كما جاء ذلك مصرحا به في حديث عبد الله بن عمر قال إن اليهود أو قال أهل الكتاب يقولون السام عليكم فإذا سلموا فقولوا وعليكم . القارئ : وعليه فتَنَكُّبُ "خَوارِمِ الْمُروءةِ " في طَبْعٍ أو قولٍ أو عَمَلٍ من حِرفةٍ مَهِينَةٍ أو خَلَّةٍ رَديئةٍ كالعُجْبِ والرياءِ والبَطَرِ والْخُيلاءِ واحتقارِ الآخرينَ وغِشْيَانِ مَواطِنِ الرِّيَبِ . الشيخ : لما ذكر المروءة أنه ينبغي لطالب العلم أن يتحلى بها , قال تنكَّب يعني أبعد عن خورام المروءة , في طبع أو قول أو عمل : يعني في طباعك حاول أن تكون طباعك ملائمة للمروءة , ومن المعلوم أنه ليس التكحل في العينين كالكحل, وليس التطبع كالطبع , لكن الإنسان مع ممارسة الشيء ربما يكون الكسب غريزة , والتطبع طبيعة , وإلا فإن الإنسان لو حاول ما يحاول من الأخلاق وطبعه ليس كذلك سيجد صعوبة , لكنه مع التمرن تحسن الحال . وهذا مُجرب , فقد سمعنا عن بعض الناس الذي كان بعيدا عن العلم وعن طلب العلم له أخلاق سيئة , ثم لما منَّ الله عليه بالعلم بالهداية وطلب صارت أخلاقه طيبة , لأنه مرن نفسه على هذه الأخلاق حتى صارت كأنها من طباعه وغرائزه . من حرفة مهينة , أو خلة رديئة : الخلة يعني الخصلة , والحرفة المهينة هي كل ما يحترفه الإنسان من عمل . ثم ضرب لذلك أمثلة بقوله كالعُجب , أن يعجب الإنسان بنفسه , فإذا استنبط فائدة قال : هذه الفائدة ما شاء الله أنا استنبطتها هذه ما يستنبطها أكبر عالم , ثم أٌعجب بنفسه , ورأى نفسه كبيرا وانتفخ . الرياء أن يرائي الناس بأن يتكلم في العلوم أمامهم حتى يروا أنه عالم فيقال : هذا عالم . البطر: رد الحق , وهذه تحصل في المجادلات والتعصب لرأي من الآراء , أو لمذهب من المذاهب , تجده يغمط الآخرين يرد الحق لأنه خلاف ما يرى . الخيلاء نتيجة العجب , يعني يُظهر نفسه بمظهر العالم الواسع العلم , ومن ذلك أن يكون للعلماء في بلد ما زيُّ خاص في اللباس, فيأتي هذا الإنسان البادئ بالعلم فيلبس لباس كبار العلماء ليظن الظان أنه من كبار العلماء , فهذا من الخيلاء. كذلك أيضا احتقار الآخرين , فالبطر هو احتقار الآخرين هو الكبر كما قال النبي عليه الصلاة والسلام "الكبر بطر الحق وغمط الناس" . أي احتقارهم , وغِشْيَان مواطن الريب . يعني المواطن التي تكون محل الشك فيه وفي مروءته وأخلاقه يتجنبها. "رحم الله امرءًا كف الغيبة عن نفسه" , وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أطهر الخلق , قال للرجلين الأنصاريين وهو مع زوجه صفية رضي الله عنها , قال : إنها صفية . فكيف بغيره . فالحاصل أنك لا تثق بنفسك وتقول إن الناس لن يظنوا بي شيئا , فأنت وإن كنت عند الناس بهذه المثابة , لكن الشيطان يلقي في قلوبهم الشر, حتى يتهموك بما أنت منه برئ , فتجنب مواطن الريب حتى تسلم من الريبة . الأنفة من غير كبرياء : يعني أن يأنف الانسان من الأشياء المهينة التي توجب ضعته عند الناس لكن بدون كبرياء. العزة في غير الجبروت : أن يكون عزيز النفس , قويا لكن من غير جبروت , بمعنى أن لا يذل أمام خصمه , عند المناظرة أو غير المناظرة , بل يتصور أنه غالب , لكن بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى الجبروت , فإنه إذا أدى إلى الجبروت صار خلقا ذميما . عكس ذلك من يكون ذليلا حتى وإن كان عنده علم لا يستطيع أن يناظر ولا أن يجادل , ولا أن يتكلم مع الغير فتجده يُهزم حتى في مواطن الحق التي أصاب فيها . الشهامة في غير عصبية : واضحة أن يكون الإنسان شهما معتزا بنفسه لكن من غير عصبية , لا يقول أنا من القبيلة الفلانية ولي شهامة , أنا من تميم ، أنا من قريش ، أنا من كذا، أنا من كذا . والحمية في غير جاهلية : أن يكون عند الإنسان حمية وغيرة , لكن في الحق لا في الجاهلية . * شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري (مفرغ) القارئ: تحل بالمروءة : التحلي بـ "المروءة" ، وما يحمل إليها، من مكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه، وإفشاء السلام، وتحمل الناس، والأنفة من غير كبرياء، والعزة في غير جبروت، والشهامة في غير عصبية، والحمية في غير جاهلية. وعليه فتنكب "خوارم المروءة" ، في طبع، أو قول، أو عمل، من حرفة مهينة، أو خلة رديئة، كالعجب، والرياء، والبطر، والخيلاء، واحتقار الآخرين، وغشيان مواطن الريب. الشيخ: إذن هذا هو الأدب الثامن من آداب طالب العلم : "التحلي بالمروءة". تقدم معنا أنَّ المروءة : التزام الصفات المحمودة عند الخلق ، واجتناب الصفات غير المرغوب فيها عند الخلق ، التحلي بالمروءة من "مكارم الأخلاق" ، ومن أمثلة المروءات التي يحسن لطالب العلم أن يلتزم بها ، أن يكون ملازما للأخلاق الفاضلة ، يحسن التعامل مع الآخرين ومن ذلك "طلاقة الوجه" بحيث لا يكون مُعبِّسا أو يكون مُعرضا بوجهه عن طلابه أو عن زملائه ، ومن المروءة "إفشاء السلام" ومن المروءة "تحمل الناس" ، المراد بتحمل الناس الصبر على أذيتهم ، ومن المروءة "الأنفة من غير كبرياء" ، والمراد بالأنفة ترفُّع النفس عن ما لا يليق بها ، بحيث لا يفعل الإنسان فعلا لا يكون مناسبا لحاله ، وكذلك "العزة بغير جبروت" فلا يُقدم على فعل لا يليق به ، فيرفع نفسه ، "والشَّهامة في غير عصبية" يعني : يكون مُقدِّما للخير للآخرين ، شهما ، كريما ، لكن لا يكون دافعه لذلك العصبية ونفع قرابته فقط وإنما يكون دافعه لذلك التقرب لله - جل وعلا- ، وكذلك مما تقتضيه المروءة "الحمية في غير جاهلية" والمراد بالحمية أن يحميَ المؤمنون بعضهم بعضا عما لا يليق بهم ، ولا يكون الدافع لذلك صفة من صفات أهل الجاهلية. وعليه "فتنكُّب خوارم المروءة" ، ليس من شأن أهل الإسلام خوارم المروءة تَقدَّم لنا أمثلتها ، سواءً كانت هذه الخوارم في "طبع" كأن يكون مِخْراقا كأن يكون عجلا ، أو في " قول" بأن يتكلم بالكلام غير اللائق ، كأن يسب ويقدح الآخرين ، أو في "عمل" كأن يبتذل نفسه في الذهاب إلى أماكن لا تليق به ، وكذلك يجتنب "الحرف المهينة" التي يحتقرها الناس ؛ لأنَّ طالب العلم ينبغي أن يوجد له مكانة في الناس من أجل أن يقبلوا ما ينشره من العلم ، وعندما يمتهن حرفة مهينة فإنه حينئذ يكون مناقِضا ويكون مما لا تقبله نفوس الناس ، وبالتالي لا يسمعون له ولا يأخذون ما لديه من علم. وهكذا يجتنب الأوصاف الرديئة (الخلة) يعني : الوصف ، الرديء يعني : السيء غير المقبول؛ ومن ذلك (العجب) بأن يرى الإنسان لنفسه فضلا ، (والرياء) بأن يكون مقصوده بما يؤديه من العمل اطلاع الناس عليه ، (والبَطَر) وهو نوع من أنواع الكبرياء ويكون فيه جحد للحق ، (والخيلاء) بترفع النفس عما يكون مناسبا لها ، ومظنَّة أن للنفس فضلا على الغير ، (واحتقار الآخرين) ، وكذلك ترك (مَواطن الريب) يعني : المَواطن التي يُظن فيها الإنسان بظن السوء ، من أمثلة ذلك : عندما يذهب الإنسان إلى الأمكنة التي فيها معازف هذا موطن من مواطن الريب ، ولو لم يكن مقصده مكان العزف وكان يقصد محلا مجاورا له هذا من خوارم المروءة ؛ لأنَّ هذا من مواطن الريب ولذلك يجتنبه الإنسان ، وهكذا أيضا المحال التي فيها معاصي يجتنبها طالب العلم ؛ لأنَّ هذه من مواطن الريب ، وإذا خشي أن يُظن به ظن السوء احتاط لذلك ، وبذل من الأسباب ما يدفع مثل هذا الظن السيء ، ولذلك جاء في الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جاءته زوجته صفية فلبِثت معه في المسجد وهو معتكف ، فلما أرادت أن تنصرف انقلب معها وكانوا في ليل فشاهده بعض الأنصار رجلان من الأنصار فأسرعا ، فناداهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنها زوجتي صفية ، إنها زوجتي صفية ، دفعا للريبة فقالوا : أَوَفيك يا رسول الله ، قال صلى الله عليه وسلم : إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم ، وإني خشيت أن يلقي في قلوبكما شيئا ، وفي لفظ شرا كما ورد ذلك في الصحيح.نعم هنا * إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل السؤال : ما معنى [قتل الغيلة] الجواب : قتل الغيلة هو قتل الغدر الذي يكون فيه المغدور آمناً جانب الغادر كقتل المرأة لزوجها والأخ لأخيه وصاحب الدار لضيفه السؤال الثاني : ما معنى: فتَنَكُّبُ خَوارِمِ الْمُروءةِ ؟ ما معنى هذا الكلام ؟ اقتباس: الأنفة من غير كبرياء : يعني أن يأنف الانسان من الأشياء المهينة التي توجب ضعته عند الناس لكن بدون كبرياء. الجواب : التنكّب هو الإعراض والعدول عن الشيء كأنه مأخوذ من توليته المنكبية، كما ان الإدبار مأخوذ من توليته الدبر. قال الله تعالى"وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ" المؤمنون 74. أي معرضون عن الصراط المستقيم منحرفون مائلون غير مستقيمين على ما يحبه الله. والصراط المستقيم هو الطريق الوحيد الموصل إلى رضوان الله تعالى وجنته، فمن تنكَّب عن هذا الصراط لم يصل إلا إلى سخط الله وعقابه. والعرب تقول: ريح نَكْبَاءَ إذا خالفت المهب المعتاد. وقوله في الأنفة من غير كبرياء ( يعني أن يأنف الانسان من الأشياء المهينة التي توجب ضعته عند الناس لكن بدون كبرياء) بعض المِهَن الوضيعة - ولو كانت جائزة لا إثم فيها - فلا ينبغي لطالب العلم أن يعمل فيها ولا يجوز له أن يتكبر على أصحابها ، فأنفَته من هذه المهن الوضيعة هو لحفظ قدر العلم وأهله، وقد جرت عادة الناس على احتقار أصحاب هذه المهن ولا ينبغي لطالب العلم أن يضع نفسه في موضع يحتقره الناس فيه. وقد تكون بعض تلك المهن جائزة ويقبل بها من كان محتاجاً مضطراَ إليها ، ولا حرج عليه شرعاً فيها ، وهو كسب حلال ويرجى له فيه أجره إذا قصد به إعفاف نفسه وعياله، لكنه إذا أمكنه الانتقال إلى مهن لا يحتقرن الناس فهو خير له وأصلح. والمهن الوضيعة على قسمين: - مِهَن وضيعة حسًّا وهي التي تباشر فيها النجاسات غالباً كالزبالة واستخراج النجاسات من مجاري المياه ونحو ذلك، وهذه مهن جائزة ولا سيما عند الحاجة وإن كانت مكروهة لأهل العلم والفضل لكن لا يأثم صاحبها، وامتهانها خير من سؤال الناس واستجدائهم. - ومهن وضيعة معنى وهي التي يكون فيها ابتذال لكرامة الإنسان واعتياده على مساوي الأخلاق من الكذب والفحش والتفحش والإسفاف في القول والعمل ، وهذه مهن محرَّمة. هنا |
![]() |
|
|