العودة   ملتقى نسائم العلم > ملتقى المعتقد الصحيح > ملتقى المعتقد الصحيح

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-12-2017, 12:21 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,381
Lightbulb

التوكل على الله والاستعانة به


خلق جليل يضطر إليه العبد في أموره كلِّها دينيِّها ودنيويها، لأنَّه وإن كان الله تعالى قد أعطى العبد قدرة وإرادة تقع بها أفعاله الاختيارية، ولم يجبره على شيء منها، فإنَّه لا حول له ولا قوة إلا بالله، فإذا اعتمد بقلبه اعتماداً كلياً قوياً على ربه في تحصيل وتكميل ما يريد فعله من أمور دينه ودنياه، ووثق به أعانه وقوّى إرادته وقدرته، ويسّر له الأمر الذي قصده، وصرف عنه الموانع أو خففها، وتضاعفت قوة العبد وازدادت قدرته، لأنَّه استمد واستماح - في القاموس المحيط (310): «استمحته: سألته العطاء».- من قوة الله التي لا تنفد ولا تبيد.

والتوكل الحقيقي يطرد عن العبد الكسل، ويوجب له النشاط التام على الأمر الذي توكل على الله به، ولا يتصاعب شاقاً، ولا يستثقل أي عمل، ولا ييأس من النجاح وحصول مطلوبه، عكس ما يظنه بعض المنحرفين الذين لم يفهموا معنى التوكل، أو فهموه لكن إنكار القدر والقضاء صرفهم عن الحق، فحسبوا أنَّ التوكل يضعف الهمة والإرادة، وأساؤوا غاية الإساءة حيث ظنوا بربهم الظن السوء، فإنَّ الله أمر بالتوكل في آيات كثيرة.

وأخبر أنَّه من لوازم الإيمان ووعد المتوكلين: الكفاية وحصول المطلوب، وأخبر أنَّه يحبهم، وأنَّه لا يتم الدين إلا به، ولا تتم الأمور إلا به، فالدين والدنيا مفتقرات إلى التوكل.

قال تعالى"وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ "المائدة: 23 ، "فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ "هود: 123 ، "فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ "التوبة: 129 ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا " الأعراف: 89 ، "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " الطلاق: 3 ، "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ "5".
وللتوكل فوائد عظيمة:
منها: أنَّه لا يتم الإيمان والدين إلا به، وكذلك لا تتم الأقوال والأفعال والإرادات إلا به.
ومنها: أنَّ من توكل على الله كفاه، فإذا وعد الله عبده بالكفاية إذا توكل عليه، عُلِمَ أنَّ ما يحصل من الأمور الدينية والدنيوية، وأحوال الرزق وغيرها بالتوكل أعظم بكثير مما يحصل إن حصل إذا انقطع قلب العبد من التوكل.
ومنها: أنَّ التوكل على الله أكبر سبب لتيسير الأمر الذي تُوكِّل عليه - لعل العبارة: «الذي تُوكِّل عليه فيه».- وتكميلِه وتتميمِه، ودفع الموانع الحائلة بينه وبين تكميله.
ومنها: أنَّ المتوكل على الله قد علم أنَّه اعتمد في توكله، واستند إلى من جميعُ الأمور كلِّها في ملكه، وتحت تصريفه وتدبيره، ومن جملتها: فعل العبد، فكلما فترت همته وضعف نشاطه أَمَدَّه هذا التوكل بقوة إلى قوته، وقد وثق بكفاية ربه، والوثوق والطمع في حصول المطلوب لا شك أنَّه من أعظم الأسباب الباعثة على الأعمال المرغبة فيها، وهذا أمر مشاهد معلوم.
ومنها: أنَّ المتوكل على الله حقيقة قد أبدى الافتقار التام إلى ربه، وتبرأ من حوله وقوته، ولم يعجب بشيء من عمله، ولم يتكل على نفسه لعلمه أنَّها ضعيفة مهينة، سريعة الانحلال، بل لجأ في ذلك إلى ربه، مستعيناً به في حصول مطلوبه.

وهذا هو الغنى الحقيقي، لأنَّه استغنى بربه وكفايته، وهو مع ذلك قد أبدى غاية المجهود، فتبين أنَّ التوكل لا ينافي القيام بالأسباب الدينية والدنيوية، بل تمامه بفعلها بقوة صادقة وهمة عالية، معتمدة على قوة القوي العزيز.


النصـيحـة
أخبر صلى الله عليه وسلم أنَّ الدين النصيحة، كررها ثلاثاً، وفسّرها بأنَّها النصيحة لله، ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم - [- كما في حديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه المخرج في صحيح مسلم (رقم: 55).-.
وأخبر تعالى أنَّ النصيحة طريقة أنبيائه وأصفيائه، وأخبر أنَّ الحرج منفي عمن نصح لله ولرسوله. فالنصيحة لله هي القيام التام بحقوقه علماً وعملاً، ودعوة وتنفيذاً، والنصيحة لكتابه: الاجتهاد في معرفة ألفاظه ومعانيه، والعمل به والدعوة لذلك.
والنصيحة لرسوله: الإيمان به، ومحبته واتباعه، ونصر سنته، وتقديم هديه على هدي كلِّ أحد، والاجتهاد في كلِّ ما يحبه.
والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم: أن يحب لهم الخير، ويكره لهم الشر، ويسعى في ذلك بحسب مقدوره، فيعلّم جاهلهم، ويرشد منحرفهم، ويذكر غافلهم، ويعظ معرضهم ومعارضهم، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ويسلك كلَّ طريق فيه صلاح لإخوانه المسلمين، ويسعى في تأليف ذات بينهم، وفي إرشادهم على اختلاف طبقاتهم لمصالح دينهم ودنياهم، كلُّ أحد على حسب حاله.
وللنصيحة فوائد عظيمة:
منها:أنَّ الدين لا يتم إلا بها، بل هي الدين كما ذكره صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أنَّ الناصح لله ولرسوله ولكتابه وللخلق نفسُ عملِ قلـبه هـذاواستعداده وتهيئته للنصيحة من أكبر الأعمال المقربة إلى رب العالمين، فما تقرّب أحد إلى الله بمثل توطين النفس على النصيحة الشرعية المذكورة، فالناصح في عبادة مستمرة إن قام أو قعد، أو عمل، أو ترك العمل.
ومنها: أنَّ من عجز عن العمل الديني إذا كان ناصحاً لله ولرسوله، ناوياً الخير إذا تيسر له، فإنَّه لا حرج عليه، ويشارك العاملين في عملهم، فإنَّما الأعمال بالنيات.
ومنها: أنَّ الله ييسر للناصح الصادق أموراً لا تخطر له على بال، وأنَّ الساعي في نفع المسلمين إذا كان قصده النصيحة، فإنَّه يفلح وينجح، فإنْ تم ما سعى له فعلاً وهو الغالب وإلا تمَّ أجرُهُ، فمن عجز عن بعض عمل قد شرع فيه تمّم له ذلك العمل. قال تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [النساء: 100] .
ومنها: السلامة من الغش، فإنَّ من غشّ المسلمين في دينهم ودنياهم فليس منهم، والغش من أشنع الخصال القبيحة في حق القريب والبعيد، والمخالف والموافق.
فهذا القرآن العظيم يدعو إلى هذا الخلق الذي هو أفضل الأخلاق، وهو النصيحة التي أسس عليها دين الإسلام، وقام عليها بنيانه، وبان بها فضله على كلِّ شيء، فإنَّ النصح لكلِّ أحد محمود شرعاً وعقلاً وفطرة، وضده قبيح شرعاً وعقلاً وفطرة.
الصدق في الأقوال والأفعال وجميع الأحوال


قد أمر الله بالصدق ومدح الصادقين، وأخبر أنَّ الصدق ينفع أهله في الدنيا والآخرة، وأنَّ لهم المغفرة والأجر العظيم.

قال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "119:التوبة ، "وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ "33:الزمر ، "فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ "محمد: 21 ، "هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ "المائدة: 119 ، والآيات في مدح الصدق كثيرة جدًا.

والصدق يهدي إلى كلِّ برّ وخير، كما أنَّ الكذب يهدي إلى كلِّ شر وفجور. والصادق حبيب إلى الله، حبيب إلى عباد الله، معتبر في شرف دينه ودنياه، بل عنوانُ الشرف والاعتبار وعلوِ المنزلة الصدقُ.

وللصدق فوائد عظيمة: منها هذه الأمور العظيمة التي أشرنا إليها من امتثال أمر الله، وحصول الأجر والثواب العظيم والمغفرة، وأنَّ الصادق ينتفع بصدقه في الدنيا والآخرة، وأنَّه يدعو إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا في أعلى الدرجات وأرفع المقامات.

ومن عُرف تحريه للصدق ارتفع مقامه عند الخلق، كما كان مرتفعًا عند الخالق واطمأن الناس لأقواله وأفعاله، وصار له مرتبة عالية في الشرف، وحسن الاعتبار والثناء الجميل، وأمن الناس من بوائقه ومكره وغدره.

ففي جميع المقامات الدينية والدنيوية لا تجد الصادق إلا في الذروة العليا، إن كان في مقام الإفتاء والتعليم والإرشاد لم يعدل الناس بقوله لقول أحد، واطمأنوا إلى إرشاداته وتعليمه وتفهيمه، لأنَّه مؤسس على الصدق، وإن شهد شهادة عامة أو شهادة خاصة ثبتت الأحكام بشهادته، وإن أخبر بخبر خاص أو عام وثق الناس لخبره وعظّموه واحترموه، حتى لو أخطأ في شيء من ذلك لوجدوا له محملاً صالحاً، وإن عامل الناس معاملة دنيوية ببيع أو شراء وإجارة أو تجارة أو حق من الحقوق الكبيرة والصغيرة، تسابق الناس إلى معاملته واطمأنوا لذلك غير مرتابين.

وحسبك بهذا الخُلُق الذي يخضع لحسنه وكماله ألبّاء الرجال، ويعترف بكماله أهل الفضل والكمال، فهو من جملة البراهين على صدق الرسول، وكمال ما جاء به من هذا الدين القيّم الذي هذا الخلق العظيم من أخلاقه، وكلُّ أخلاقه على هذا النمط، والله أعلم.

الشجـاعـة


هذا الخلق العظيم قد أمر الله به في آيات كثيرة، وهي آيات الجهاد كلِّها. وأثنى على أهله وأخبر أنَّه طريق الرسل وساداتِ الخلق، ونهى عن ضده وهو الجبن والفشل والخوف من الخلق في سبيل جهاد الدعوة، وفي سبيل جهاد السلاح.

وهذا الخلق الجليل قد يكون غريزة مع العبد، ويتقوى بموجبات الإيمان، وقد يحتاج العبد إلى التمرن عليه، وسلوك الطرق المعينة على ذلك. فالشجاعة قوة القلب وثباته، وطمأنينته في المقامات المهمة، والأحوال الحرجة وكلٌّ يحتاج إليه، وخصوصاً الرؤساء الذين تناط بهم المهمات والأمور، فحاجتهم إليه ضرورية.

وقد دعا القرآن إليه ودعا إلى كلِّ وسيلة تعين عليه، فأمر بخوفه وحده، وأن لا يخشى العبد الخلق، فمتى قصر العبد خوفه على الله وحده، وعلم أنَّ الخلق لن يقدروا على نفعه ولا ضره إلا بمشيئة الله قوي قلبه، ثم إذا توكل على الله وقوّى اعتماده عليه ازدادت قوة قلبه، كما قال تعالى عن خيار الخلق "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ "173:آل عمران .

ثم إذا علم ما يترتب على القوة في الدين والشجاعة من الأجر والثواب ازدادت قوته وتضاعفت شجاعته، كما نبه الله على هذه الحالة بقوله"إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ "النساء: 104

وكلما تأمل الخلقَ وعرف أحوالهم وصفاتهم، وأنَّهم ليس عندهم شيء من النفع، ولا من النصرة والدفع، وأنَّ مَدْحَهم لا يغني عن العبد شيئاً، وذمهم لا يضره شيئًا، وأنهم مع ذلك لا يريدون لك الخير إلا لمصالحهم، عرف أنَّ تعليق القلب بهم خوفاً وهيبة، وخشية ورغبًا ورهبًا، ضائع بل ضار، وأنَّه يتعين على العبد أن يعلق خوفه ورجاءه، وطمعه وخشيته بالله وحده، الذي عنده كلُّ شيء، وهو الذي يريد لك الخير من حيث لا تريده لنفسك، ويعلم من مصالحك ما لا تعلم، ويوصل إليك منها ما لا تقدر عليه ولا تريده.

ومن دواعي الشجاعة أن يعرف العبد أنَّ الجبن مرض وضعف في القلب، يترتب عليه التقاعد عن المصالح وتفويت المنافع، ويسلط عليه الضعفاء ويتشبه صاحبه بالخَفِرات من النساء.

ومن فوائد الشجاعة: امتثال أمر الله وأمر رسوله، والاتصاف بأوصاف أهل البصائر من أولي الألباب.

ومن فوائد ذلك: أنَّه بحسب قوة القلب يُنزل الله عليه من المعونة والسكينة ما يكون أكبر وسيلة لإدراك المطالب والنجاة من المصاعب والمتاعب.

ومن فوائده: أنَّه يتمكن صاحبه من إرشاد الخلق ونفعهم على اختلاف طبقاتهم بالحكمة والموعظة الحسنة. وأما الجبان فإنَّه يفوته خير كثير، وتمنعه الهيبة من بركة علمه وإرشاده ونصحه للعباد.

ومنها: أنَّ الشجاعة تنجي العبد من كثير من الشدائد، وتوجب له السكينة إذا مرت النوائب والمصائب، فيقابلها بما يحبه الله من الصبر والثبات واحتساب الأجر. وأمَّا الجبان فإنَّه إذا اعترته هذه الأمور انماع وذهل مصالحه، وتنوعت به الأفكار الضارة، فعملت معه المصائب والشدائد عملها الأليم، وفوّتته الخيرات والثواب الجسيم.

وهذا الخُلُق الحميد من جملة الأخلاق الفاضلة التي تتولَّد من هذا الخُلُق الجامع وهو:
الصـبـر


هو الأساس الأكبر لكلِّ خُلُقٍ جميلٍ، والتنزه من كلِّ خُلُقٍ رذيلٍ، وهو حبس النفس على ما تكره، وعلى خلاف مرادها طلبًا لرضى الله وثوابه، ويدخل فيه الصبر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى أقدار الله المؤلمة. فلا تتم هذه الأمور الثلاثة التي تجمع الدين كلَّه إلا بالصبر.

فالطاعات خصوصًا الطاعات الشاقة، كالجهاد في سبيل الله، والعبادات المستمرة كطلب العلم والمداومة على الأقوال النافعة، والأفعال النافعة [لا تتم] -- ما بين المعكوفتين زيادة يقتضيها السياق.- إلا بالصبر عليها، وتمرين النفس على الاستمرار عليها وملازمتها ومرابطتها، وإذا ضعف الصبر ضعفت هذه الأفعال، وربما انقطعت.

وكذلك كفّ النفس عن المعاصي وخصوصًا المعاصي التي في النفس داعٍ قويٌّ إليها، لا يتم الترك إلا بالصبر والمصابرة على مخالفة الهوى وتحمُّل مرارته.

وكذلك المصائب حين تنزل بالعبد ويريد أن يقابلها بالرضى والشكر والحمدِ لله على ذلك لا يتم ذلك إلا بالصبر واحتساب الأجر، ومتى مرَّن العبد نفسه على الصبر ووطّنها على تحمُّل المشاق والمصاعب وجدّ واجتهد في تكميل ذلك، صار عاقبته الفلاح والنجاح، وقلّ من جدّ في أمر تطلبه واستصحب الصبر إلاّ فاز بالظفر.

وقد أمر الله بالصبر وأثنى على الصابرين، وأخبر أنَّ لهم المنازل العالية والكرامات الغالية في آيات كثيرة من القرآن، وأخبر أنَّهم يوفون أجرهم بغير حساب. وحَسْبُك من خلقٍ يسهِّل على العبد مشقة الطاعات، ويهوِّن عليه ترك ما تهواه النفوس من المخالفات، ويسليه عن المصيبات، ويُمِدُّ الأخلاق الجميلة كلَّها، ويكون لها كالأساس للبنيان.
ومَتَى علم العبد ما في الطاعات من الخيرات العاجلة والآجلة، وما في المعاصي من الأضرار العاجلة والآجلة، وما في الصبر على المصائب من الثواب الجزيل، والأجر الجميل، سهل الصبر على النفس، وربما أتت به منقادة مستحلية لثمراته. وإذا كان أهل الدنيا يهون عليهم الصبر على المشقات العظيمة لتحصيل حطامها، فكيف لا يهون على المؤمن الموفق الصبر على ما يحبه الله لحصول ثمراته، ومتى صبر العبد لله مخلصاً في صبره كان الله معه، فإنَّ الله مع الصابرين بالعون والتوفيق والتأييد والتسديد.







رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-12-2017, 02:36 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,381
Arrow

العلم
قد أمر الله بتعلم جميع العلوم النافعة، لا سيما علم ما أنزل الله على رسوله من الكتاب والحكمة، الذي يجمع كلَّ علم نافع، وأمر بسؤال أهل العلم لمن لم يعلم. وأخبر برفعتهم في الدنيا والآخرة، وأنَّهم سادات الخلق في دنياهم وأخراهم، وأئمتهم الذين بهم يقتدون، وعلى آثارهم يهتدون، وعلى طريقتهم يسلكون.
فالعلم يقصر التعبير عن كنه فضله، وعلو مرتبته، ويكفي في هذا أنَّ جميع الأقوال والأفعال والإرادات متوقفة في صحتها وفسادها، وكمالها ونقصها، وفي جميع صفاتها على العلم. ما حَكَمَ به العلم من ذلك فهو كما قال، وإنَّ العلم نور للصدور وحياة للقلوب، به يعرف الله، وبه يُعبد، وبه يعرف الحلال من الحرام، والطيِّب من الخبيث، وبه يميّز بين الأبرار والفجار، وأهل الجنة وأهل النار.
والعلم يقوِّم ما اعوجّ من الصفات، ويكمِّل ما نقص من الكمالات، ويسد الخلل، ويصلح العمل، وبه صلاح الدين والدنيا، وبضده فساد ذلك ونقصه. العلم ميراث الرسول، والعلماء ورثة الأنبياء، فإنَّ الأنبياء لم يورثوا إلا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر، ولولا العلم لكان الناس كالبهائم، والحاجة إلى العلم أعظم من الحاجة إلى الطعام والشراب.
والعلم النافع هي - كذا في الأصل، ولعلها: «والعلوم النافعة هي...».- العلوم الشرعية، وما أعان عليها من علوم العربية بأنواعها. ومن العلوم الشرعية تعلُّم الفنون المعينة على الدين، وعلى قوة المسلمين، وعلى الاستعداد للأعداء للمقاومة والمدافعة، فإنَّها داخلة في الجهاد في سبيل الله، فكلُّ أمرٍ أمرَ به الشارع، وهو يتوقف على أمور كانت مأمورًا بها، والله أعلم - في الأصل بعد والله أعلم زيادة «والعلوم الضارة كالسحر ونحوها مما هو ضرر محض»، وهي جملة غير تامة.-.

التوسط في كلِّ الأمور والاعتدال والاقتصاد
هذا الخلق الجليل قد دلّ عليه القرآن في آيات كثيرة عامة وخاصة:
فمن العامة: الأمر بالعدل والقسط في عدة آيات، والإخبار بأنَّ هذه الأمة وسَط وذلك في كلِّ أمورها، فهم وسط في الإيمان بالأنبياء، والقيام بحقوقهم بين من غَلوا فيهم حتى جعلوا لهم أو لبعضهم من حقوق الله الخاصة ما جعلوه، من الغلو فيهم والعبادة لهم، وبين من جفوهم، فكفروا ببعضهم أو لم يقوموا بحقهم.
وهذه الأمة ولله الحمد آمنت بكلِّ رسول أرسله الله، واعترفت بجميع ما فضّلهم الله به، وخصهم به من المزايا والخصائص التي جعلتهم أرفع الخلق في كلِّ صفة كمال، ولم يغلوا فيهم.
وهم وسَط بين من حرَّم الطيبات من الرهبان المتعبدة والمشركين. الذين حرموا ما لم يأذن به الله اتباعاً لخطوات الشيطان، وبين من استحل المحرمات والخبائث، بل اتبعوا النبي الأمي الذي يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث.
وقد أمر الله بالتوسط والاعتدال في النفقات في قوله"وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا "الإسراء: 26"وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا" 29 :الإسراء. وأثنى على المتوسطين فقال"وَالَّذِينَ إِذَا
أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا "67 :الفرقان ، وهذا يشمل النفقة على النفس والأهل والعيال والمماليك من الآدميين والبهائم في جميع وجوه الإنفاق. فإنَّ هذه الحال فيها اعتدال خلق الإنسان وكمال حكمته، حيث قام بالواجبات، وبما ينبغي وترك ما لا ينبغي.
ومن فوائد ذلك أيضًا: أنَّ في الاعتدال سرَّ بركة، وما عال من اقتصد، وأنَّه يمنع العبد الندم، فإنَّ المسرف في الإنفاق إذا أملق واحتاج لعبت به الحسرات، وجعل يقول بلسان مقاله، أو لسان حاله: يا ليتني لم أفعل ذلك.
وأما المقتصد فإنَّه لا يندم العاقل على نفقة وضعها في محلها، وأقام بها واجباً من الواجبات، أو سدَّ بها حاجة من الحاجات، فإنَّ المال لا يقصد إلا لمثل هذه الحالة.
وأيضًا فإنَّ المسرف في النفقات، لا بد أن يكون مترفًا معتادًا أمورًا، إذًا عجز عنها شق عليه الأمر مشقة كبيرة، وكبر عليه الصبر، وثقل عليه حمله بخلاف المعتدل، فإنَّه سالم من هذه الحالة.
وأيضًا فإنَّ الاعتدال في النفقة أحد قسمي الرشد. فالرشد الذي هو معرفة تدبير الدنيا أن يعرف الطرق التي يحصلها فيها، فيسلك النافع منها، ثم إذا حصلت عرف كيف يصرفها ويبذلها، وعلم التدبير من العلوم النافعة دينًا ودنيًا، وشرعًا وعقلاً.
الإحسان والعفو
كم في كتاب الله من الحثّ على الإحسان إلى الخَلْق، وأنَّ الله يحب المحسنين ويجزيهم الحُسنى على إحسانهم، ويأمر بالعفو والصفح عن الزلاَّت والإساءات، وأنَّ ذلك من أعظم الحسنات.
فالإحسان هو بذل المعروف القولي والفعلي والمالي إلى الخلق. فأعظم الإحسان تعليم الجاهلين، وإرشاد الضالين، والنصيحة لجميع العالمين.
ومن الإحسان: إعانة المحتاجين، وإغاثة الملهوفين، وإزالة ضرر المضطرين، ومساعدة ذوي الحوائج على حوائجهم، وبذل الجاه والشفاعة للناس في الأمور التي تنفعهم.
ومن الإحسان المالي: جميع الصدقات المالية، سواء كانت على المحتاجين، أو على المشاريع الدينية العام نفعها.
ومن الإحسان: الهدايا والهبات للأغنياء والفقراء، خصوصاً للأقارب والجيران، ومن لهم حق على الإنسان من صاحب ومُعامل وغيرهم.
ومن أعظم أنواع الإحسان: العفو عن المخطئين المسيئين، والإغضاء عن زلاَّتهم، والعفو عن هفواتهم.
وللإحسان بوجوهه كلِّها فوائد لا تحصى.
منها: حصول محبة الله للمحسنين التي هي أعلى ما يناله العبد.
ومنها: حصول الجزاء الكامل. قال تعالى"لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى "يونس: 26 وقال "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ "60:الرحمن . فالجزاء من جنس العمل، فكما أحسنوا إلى عباد الله أحسن الله إليهم وأعطاهم أفضل ما يعطي أولياءه من الجزاء الأوفى الأكمل.
ومنها: أنَّ هذا من أكبر أسباب محبة الخلق له، من وصل إليه إحسانه ومن لم يصل إليه، وثنائهم عليه وكثرة أدعيتهم له، وذلك من الأمور المتنافس فيها.
ومنها: أنَّه يستفيد بذلك سرور القلب وراحته وطمأنينته، لا سيما إحسان العفو، فإنَّه إذا عفى عمن ظلمه وأساء إليه، زال أثر ذلك عن قلبه، وعلم أنَّه اكتسب عن ذلك من ربه أفضل جزاء وأعظم ثواب.
وأيضًا: فمن عفى عن عباد الله عفى الله عنه، ومن سمح عنهم سامحه الله.
ومن أفضل الإحسان الذي يتمكن به الموفق من معاملة الناس على اختلاف طبقاتهم: البشاشة وحسن الخلق معهم، ومعاشرتهم باللطف والكرم، وإبداء كلِّ ما يقدر عليه من إدخال السرور عليهم، وخصوصًا الأقارب والأصحاب ونحوهم ممن يتأكد حقهم على العبد، وأنَّ العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم، ولهذا نقول:
حُسْنُ الخُلُق
هذا هو مادة الأخلاق الجميلة كلِّها، وقد اتفق الشرع والعقل على حسنه، ورفعة قدره، وعلو مرتبته، ومداره على قوله تعالى: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ "199:الأعراف ، أي خذ ما تيسر وعفى وتسهل من أخلاق الناس، ولا تطالبهم بما لا تقتضيه طباعهم، ولا تسمح به أخلاقهم. هذا فيما يأتيك منهم.
وأما ما تأتي إليهم فالأمر بالعرف، وهو نصحهم وأمرهم بكلِّ مستحسن شرعًا، وعقلاً وفطرة، وأعرض عمن جهل عليك بقوله أو فعله، فللَّه ما أحلى هذه الأخلاق وما أجمعها لكلِّ خير. وقال تعالى"ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ "35: فصلت .
ويُمِدّه الصبرَ والحلمَ وسعةَ العقل. وفضل هذا الخلق ومرتبته فوق ما يصفه الواصف.
ومن فوائد هذا المقام الجليل: أنَّ صاحبه مستريح القلب، مطمئن النفس قد وطّن نفسه على ما يصيبه من الناس من الأذى، وقد وطّن نفسه أيضاً على إيصال النفع إليهم بكلِّ مقدوره، وقد تمكّن من إرضاء الكبير والصغير والنظير، وقد تحمَّل مَنْ لا تَحْمِلُهُ مِن ثقله الجبال، وقد خفت عنه الأثقال، وقد انقلب عدوه صديقًا حميمًا، وقد أمن من فلتات الجاهلين ومضرة الأعداء أجمعين، وقد سهل عليه مطلوبه من الناس، وتيسر له نصحهم وإرشادهم والاقتداء بنبيه في قوله تعالى في وصفه"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ "آل عمران: 159: الآية. ويتولد عنه خُلق:
الرحمة
وهي رقة القلب وصفوه ورحمته للخلق وزوال قسوته وغلظته، وهو من أخلاق صفوة الخلق.
قال تعالى"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "128:التوبة .
فرأفته صلى الله عليه وسلم ورحمته لا يقاربه فيها أحد من الخلق، وهذه الرأفة والرحمة ظهرت آثارها في معاملته للخلق، ولا تنافي قوة القلب وصبره. فقد كان صلى الله عليه وسلم أصبر الخلق وأشجعهم وأقواهم قلباً مع كمال رحمته.
فقوة القلب من آثارها: الصبر والحلم والشجاعة القولية والفعلية، والقيام التام بأمر الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
ورحمة القلب من آثارها: الشفقة والحنو والنصيحة، وبذل الإحسان المتنوع، فأيُّ أخلاق تقارب هذه الأخلاق السامية الجليلة. فقوة القلب وشجاعته تنفي الضعف والخور، ورحمته تنفي القسوة والغلظة والشراسة.
وهذه الأخلاق الجميلة وإن كانت من علم الأخلاق والتربية على أحسنها، فإنَّها أيضًا داخلة في علم التوحيد، كما دخل فيه الخوف والرجاء والدعاء وغيرها.
فهي من جهة: التعبد لله تعالى بها والتقرب إليه داخلةٌ في علم التوحيد. ومن جهة: تكميلها للعبد وترقيتها لأخلاقه وتهذيب النفوس وتزكيتها داخلةٌ في علم الأخلاق.
وهذا أعظم البراهين على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى أنَّ ما جاء به من القرآن والدين هو الحق الذي لا رقي ولا علو ولا كمال ولا سعادة إلا به، وأنَّه هو الهدى العلمي الإرشادي، والهدى العملي، والتربية النافعة. والحمد لله رب العالمين.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-12-2017, 02:52 AM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,381
Arrow

النوع الثالث من علوم القرآن الكلية الجامعة

علم الأحكام في العبادات والمعاملات والمواريث

والأنكحة وسائر الحقوق والروابط بين العباد -لما أنهى المصنف رحمه الله كتابة ما كتبه في هذا النوع أعاد نسخه مرة أخرى مع تحرير جديد للصياغة وتغيير في الترتيب والتنظيم وحذف لما يمكن الاستغناء عنه، ولهذا اعتمدت هنا على نسخه الأخير، ولم أر حاجة إلى مقابلته مع النسخ الأول للفروقات الكبيرة بينهما-.

قد جعل الله القرآن تبيانًا لكلِّ شيء، وهو كما تقدم كتابٌ جمع التربية النافعة والتعليم، مزج هذا بهذا، فما كان من العبادات معروفاً بين المسلمين، مفهوماً فيه هدي النبي صلى الله عليه وسلم كالصلاة والزكاة ونحوها اكتفى بذكره على وجه الإجمال أمْراً به، أو نهياً عن ضده، أو ثناء على فاعله، وبياناً لأجره وثوابه العاجل والآجل، ويكون تفصيل ذلك محوّلاً فيه على ما عُلِمَ، وعرف بين المسلمين، وكذلك المعاملات. ومن الأحكام القرآنية ما فصلت فيه الأحكام تفصيلاً كالمواريث ونحوها، فلنبدأ بذكر العبادات الواردة في القرآن فنقول مستعينين بالله:
أحكام الصلاة

ذكر الله الصلاة في كتابه في مواضع كثيرة، يأمر بها وينهى عن تركها، ويثني على أهلها المقيمين لها، ويذكر ما لهم من الثواب، ويذم المتهاونين بها، ويذكر ما عليهم من الذم والعقاب، وهي حين يذكرها يعرفها المسلمون معرفة لا يمترون بها، قد عرفوها من هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم، ثم تناقلتها الأمة فعرفها الصغير والكبير، والعالم والجاهل، فمتى جاءت في القرآن فهموا أنَّها هذه الصلوات الخمس والجمعة، وما يتبعها من الرواتب والسنن المقيدة والمطلقة.

وقد ذكر الله بعض أحكامها: فذكر الوقت في قوله"إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا "النساء: 103 أي: مفروضًا في الأوقات. وقال"فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ "17، 18"الروم ، "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ"هود: 114 ، "أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا "78"الإسراء: أي: أقمها لدخول هذه الأوقات، "لِدُلُوكِ الشَّمْسِ" مبتدأه الزوال ومنتهاه العصر، فيدخل فيه الظهر والعصر. و"غَسَقِ اللَّيْلِ"، أي: ظلمته التي فيها اختلاط بالضياء فيدخل في ذلك صلاة المغرب والعشاء، "وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ " ، أي: صلاة الفجر، وعبّر عنها بالقرآن لاشتراط القراءة وإطالتها فيها، وقد حررت السنة هذه الأوقات تحريرًا معلومًا بين المسلمين.
وقال تعالى"وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ "4:المدثر ، وأولى ما دخل في الآية الكريمة تطهيرها للصلاة، وإذا وجب تطهير الثياب من النجاسات، فتطهير البدن للصلاة من باب أولى وأحرى.
ولهذا قال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ"المائدة: 6. الآية. فهذه الآية تدل على اشتراط النية ووجوب الطهارة للصلاة، وأنَّه يجب فيها على المحدث حدثًا أصغر تطهير هذه الأعضاء الأربعة المذكورة، وأنَّ الوجه واليدين والرجلين تغسل غسلاً، والغسل لا بد فيه من جريان الماء على هذه الأعضاء، وأنَّ الرأس يمسح مسحاً، وأنَّه يمسح كلُّه لأنَّ الله عمّم ذلك، وأنَّه يجب الترتيب بينها لأنَّ الله ذكرها مرتبة، والموالاة لأنَّ ظاهر هذا الصنيع لزوم الموالاة لكونها عبادة واحدة متصلاً بعضها ببعض، وأنَّ المحدث حدثاً أكبر كالجنابة وهي الوطء، أو الإنزال للمني، أو هما، عليه تطهير جميع بدنه، وأنَّه لا يعفى عن شيء منه حتى ما تحت الشعور الكثيفة، وكذلك ذكر الله طهارة الحائض والنفساء في سورة البقرة بقوله"حَتَّى يَطْهُرْنَ " أي ينقطع دمهنَّ، فإذا تطهرن، أي: اغتسلن "فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ "البقرة: 222 . ثم ذكر طهارة التراب والتيمم، وأنَّ لها أحد سببين: عدم الماء في قوله"فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا "المائدة: 6 ، وحصول الضرر بمرض ونحوه في قوله"أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى "النساء: 102 ، وقوله"فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ "المائدة: 6 . صريح أنَّ التيمم عن الحدث الأصغر والأكبر؛ لأنَّه ذكره عقب الحدثين، وأنَّ النجاسة لا يُتيمم لها فتجب إزالتها مع القدرة، وتسقط مع العجز كسائر الواجبات. ويدل أنَّ محل المسح للحدثين الوجه واليدان وهما الكفان فقط، لأنَّه لما أراد إيصال الطهارة إلى المرفقين في طهارة الماء قال"وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ "المائدة: 6 . واكتفى تعالى عن الحدثين بتيمم واحد، ونفى تعالى الحرج في الدين عمومًا، وفي الطهارة خصوصًا فقال"مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ "المائدة: 6 . وأقام الله طهارة التيمم مقام طهارة الماء عند وجود الشرط، وهو الفقد للماء أو التضرر باستعماله، وهذا يقتضي أنَّ حكمها حكمها من كلِّ وجه، فما دام متطهرًا بالتيمم ولم يحصل له ناقض صحيح فهو باق على طهارته، لا يبطل هذه الطهارة دخول وقت ولا خروجه، وإذا نوى به عبادة استباحها ومثلها ودونها وأعلى منها.
وفي الآية الكريمة دليل أنَّ الأحداث المذكورة ناقضة للوضوء، وهي الخارج من السبيلين ولمس النساء لشهوة، لأنَّ اللمس حيث أضيف للنساء كان المراد به الذي لشهوة كقوله"وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ" البقرة: 187 .
وفي قوله"فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا"المائدة: 6 دليل على أنَّ الماء باق على طهوريته، ولو تغير بالطاهرات لأنَّه داخل في اسم الماء الذي لا يجوز العدول عنه إلى التيمم. وقد استدل الإمام أحمد رحمه الله وغيره بقوله تعالى: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ "المائدة: 3. الآية على أنَّ الماء إذا خالطته نجاسةٌ فغيّرت أحد أوصافه، أنَّه نجس لظهور أثر هذه الأشياء فيه، فيتناوله تحريم الميتة والدم إلى آخرها، فيكون نجساً خبيثاً، وإذا لم تغير أحد أوصافه أنَّه باق على طهوريته. وفي عموم قوله تعالى"وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا "الفرقان: 48. دليل على أنَّ الأصل في الماء الطهورية، فلا نعدل عن هذا الأصل إلا بدليل.
وقال تعالى"فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ"البقرة: 144. أي: جهته، فأوجب استقبال الجهة عند تعذر إصابة العين.
وقال تعالى"يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ" الأعراف: 31. أي: البسوا ثيابكم واستروا عوراتكم للصلاة، فإنَّ الزينة ما تدفع الشناعة والقبح في كشف العورة، وتمام أخذ الزينة حصول الجمال، ففيه أمر بالأمرين بستر العورة، وبتكميل اللباس كما هو مبين مفصل في السنة.
وقال تعالى"وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا " الأعراف: 204. وأبلغ ما يدخل في هذا إنصات المأموم لقراءة إمامه في الصلاة الجهرية، وقد أمر الله بالقيام والركوع والسجود والقنوت الذي يدخل فيه السكوت. فقال تعالى"وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ "البقرة: 238. ، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا "الحج: 77 ، وقال"فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ "المزمل: 20 ، ففي هذا فضيلة هذه المذكورات وأنّها أركان للصلاة.
وسمى الله الصلاة إيمانًا في قوله"وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ "البقرة: 143. أي: صلاتكم لبيت المقدس قبل تحويل القبلة، لأنَّ الصلاة ميزان الإيمان.
وقد أمر الله بالمحافظة على الصلوات عموماً، وعلى صلاة العصر خصوصاً في قوله"حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى "البقرة: 238. وأثنى على المحافظين عليها، وذلك يقتضي المحافظة على شروطها وأركانها وجميع ما يلزم لها وعلى مكملاتها، وكذلك الأمر بإقامتها والثناءُ على المقيمين لها يدل على ذلك.
والأمر بالمسابقة إلى الخيرات والمنافسة فيها، يدل على السعي في تكميل الصلاة وغيرها من العبادات.
وقال تعالى"فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ "الماعون:5،4 ، ويدخل في هذا الوعيد تركها بالكلية وتفويت وقتها، والإخلال بشيء مما يجب فيها، وأمَّا السهو فيها فلم يذمه الله، ولهذا وقع من النبي صلى الله عليه وسلم وسجد له سجدتين في آخر الصلاة، وأمر أمته بذلك عند وجود سببه.
وذمّ تعالى المنافقين الذين "وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلا "النساء: 142 ، ففيه وجوب الطمأنينة في الصلاة، وتكميل ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها، لأنَّ العبد لا يسلم من هذا الذم إلا بهذا التكميل والإخلاص لله تعالى.
وَقَدْ مدح تعالى الخشوع في جميع الأحوال وفي الصلاة خصوصاً، وذلك بحضور القلب فيها وتدبر أقوالها وأفعالها، وتمام ذلك أنْ يعبد الله كأنَّه يراه، فإن لم يكن يراه فإنَّه يراه. ومن لوازم ذلك ترك الحركة في الصلاة وعدم الالتفات وإلزام النظر لمحل سجوده.
وقال تعالى"يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4"المزمل ، وقوله"وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ "الإسراء: 79 ، "كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "18:الذاريات . ففي هذا الأمر بقيام الليل وفضله، وأن أهله هم خيار الخلق. وأخبر في آخر المزمل أنَّ الرسول وطائفة معه من المؤمنين قاموا بذلك التقدير، وأنَّ الله يسر على الناس خصوصًا أهل الأعذار من المرض والشغل، فإنَّهم يقرأون ما تيسر منه، أي: يصلون من الليل ما يَهُون عليهم ولا يَشُقْ.
واستدل بقوله"وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ "البقرة: 43. على وجوب الجماعة وركنية الركوع، وفضله، وأنَّه تدرك به الركعة.
واستدل بأمر الله بالجماعة في حال الخوف على وجوب الجماعة في حالة الأمن من باب أولى.
وكذلك استدل بقوله تعالى"وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا "المائدة: 58 ، و"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ "الجمعة: 9. على وجوب النداء للصلوات الخمس والجمعة، وهو المتقرر عند المسلمين صفته، وعلى وجوب الجماعة للصلوات الخمس والجمعة، وعلى وجوبها في المساجد.
وقد ذكر الله السجدات في القرآن وفي بعضها الأمر به، وذم من لم يسجد عند تلاوة الآيات، وإخباره بسجود المخلوقات فهذا يدل على مشروعية سجود التلاوة، استحباباً عند جمهور العلماء وأوجبه بعضهم، وَسَجَد صلى الله عليه وسلم في ص وقال: «سجدها داود توبة فنحن نسجدها شكرًا لله» - أخرجه النسائي (رقم: 957)، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي.- يدل على مشروعية سجود الشكر.
وقال تعالى"وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ "49:الطور ، وفي الأخرى"وَأَدْبَارَ السُّجُودِ "ق: 40. يدل على صلاة الليل وخصوصاً آخره، والذكر عقب الصلوات الخمس.
وقال تعالى"وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا " النساء: 101. فيها مشروعية قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، في كلِّ سفر طويل أو قصير لإطلاق الآية، فإذا اجتمع الخوف والسفر قصر عدد الصلاة الرباعية، وقصرت هيئاتها بحسب ما وردت به صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما دل عليها قوله تعالى: "وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ "النساء: 102. إلى آخرها، فإن كان سفر بلا خوف قصر العدد فقط، وهذا من فائدة التقييد بالخوف وذلك القصر المطلق.
وقوله تعالى"فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ "النساء: 103. فيها فائدتان: إحداهما: مشروعية الذكر عقب الصلوات المكتوبات عموماً، كما تكاثرت بذلك الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم. الثانية: فيه مشروعية الذكر على وجه التأكيد بعد صلاة الخوف، لحصول بعض الخلل فيها لأجل العذر، فَكَأَنَّ في ذكر الله جبراً لما فات العبد من ذكر ربه، لأنَّ الصلاة إنَّما شرعت لإقامة ذكر الله. قال تعالى"وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي "طه: 14. وكذلك جميع العبادات شرعت لهذا الغرض الجليل، فينبغي للعبد إذا فعل العبادة على وجه فيه نقص أن يعوض عن ذلك ويجبره بكثرة ذكره لربه.
وفي قوله تعالى"وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً "يونس: 87 ، أي: صلوا فيها خوفًا من فرعون وملئه دليلٌ على جواز الصلاة في البيوت لعذر من الأعذار، إمَّا خوف أو مرض أو غيرهما، لأنَّ شَرْعَ من قبلنا شَرْعٌ لنا ما لم يرد شرعنا بنسخه، بل في شرعنا من التسهيلات ما ليس في غيره.
وقوله تعالى"وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ "البقرة: 115. استدل بها على جواز الصلاة على الراحلة في السفر قِبَلَ أيِّ جهةٍ توجه المصلي، وعلى صحة الصلاة إذا اجتهد إلى القبلة فأخطأها، وعلى صحة صلاة العاجز عن الاستقبال للضرورة، وعلى نفل الماشي كالراكب في السفر.
وقوله تعالى"فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ "النور: 36. يعم أحكام المساجد كلِّها، فإنَّه أمر فيها بشيئين: برفعها الذي هو تعظيمها وصيانتها عن الأوساخ، والأقذار والأنجاس الحسية والمعنوية، وتعمر العمارة اللائقة بها، ويذكر فيها اسمه بأنواع التعبد من صلاة وقراءة، وتعلم علم نافع، وتعليم، وذكر لله تعالى، فكلُّ ما قاله أهل العلم من أحكام المساجد وفصّلوه فهو داخل في هذين الأمرين، فتبارك من جعل كلامه فيه الهدى والشفاء والنور.
وقوله تعالى"قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي "الأنعام: 162 ، "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ "2:الكوثر ، "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى"15"الأعلى . استدل بعموم ذلك على صلاة العيدين عيد الأضحى وعيد الفطر وعلى صدقة الفطر، ولا ريب بدخول المذكورات في هذا العموم.
وقوله تعالى"وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ "التوبة: 84 ، "ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ "21:عبس ، "فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي "المائدة: 31 . دليل على صلاة الجنازة على المؤمنين، والقيام على قبورهم للدعاء لهم، وعلى تكفين الميت كلِّه، لأنَّه جعل بدنه كلَّه سوأة، وعلى حمله ودفنه على ما وردت به السنّة.

أحكام الزكاة
قد أمر الله بها في مواضع من كتابه وبالنفقة، وأثنى على القائمين بذلك، وذم المانعين لها، وتوعدهم بالوعيد الشديد، وأنَّهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة، وأنَّهم يعذبون بكنوزهم ويحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، وأنَّها من أعظم فروض الدين.
وقال تعالى"خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ "التوبة: 103 ، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" 267:البقرة ، "وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ "الأنعام: 141 ، "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "60:التوبة
استدل بذلك على مسائل كثيرة من أحكام الزكاة، منها وجوب الزكاة في كلِّ ما يتمول، أي ينمى ويعد للربح والتنمية والكسب، وذلك كالنقود والعروض للتجارة، وهو كلُّ ما أرصد للبيع والشراء لأجل الربح، والحبوب والثمار الموسقة، والمواشي التي تنمى لولادتها أو للاتجار بها، وأنَّ زكاة الحبوب والثمار إنَّما تجب عند الحصاد والجذاذ، لأنَّه الوقت الذي يسهل إخراجه على أرباب الثمار والزروع، والوقت الذي تتعلق به أطماع المستحقين. وأما من عداهما فلا بد من حولان الحول، وفيه بعث السعاة لقبض زكاة المال الظاهر، وأنَّ الساعي، وكذلك الآخذ للزكاة ينبغي أن يدعو للمخرج دعاء يناسب الحال لهذه الفائدة التي ذكرها الله أنَّ الدعاء يسكن القلب، وينشّط المخرج وهو شكر له على ذلك، وأنَّه يجب إخراج الوسط فلا يجب على المخرج أن يخرج العالي، ولا يحل له أن يعدل إلى الدون، وفيها مصالح الزكاة، وأنَّها تطهر أهلها من الصفات الذميمة، وتزكيهم بالأخلاق الكريمة، وتطهر المال، وتقيه الآفات، وأنَّها لهؤلاء الأصناف الثمانية. منهم من يأخذ لحاجته كالفقير والمسكين، والفقير أشد حاجة فهو المحتاج المضطر، والغارمين لأنفسهم، وفي الرقاب يدخل فيه إعتاق الرقاب من الرق، وإعانة المكاتبين، وفداء أسرى المسلمين، وابن السبيل وهو الغريب المنقطع به عن بلده. ومنهم من يأخذ للحاجة إليه وقيامه بمصلحة عمومية، وذلك كالعاملين عليها من جاب لها، وحافظ وكاتب وقاسم، والمؤلفة قلوبهم ممن يرجى إسلامهم أو يخشى شرهم، أو يرجى قوة إسلامهم أو إسلام نظيره، والغارمين لإصلاح ذات البين بين الطوائف وأهل البلدان والقبائل والمجاهدين في سبيل الله، ومن الجهاد في سبيل الله العلم والتعلم والتعليم للعلوم الشرعية، ومن جمع من هؤلاء وصفين أو أكثر أعطي بحسب ما فيه من الأوصاف.
وقوله تعالى"إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ "البقرة: 271. فيها حث على إخفاء الصدقات إذا أعطيت الفقراء، فإن بذلت في المصالح العامة فالأولى إظهارها لما في ذلك من المصالح.
ونهى تعالى عن اتباعها بالمنّ على الله، أو على المعطَى، أو الأذية لِلمُعْطَى، وتقدم أنَّه استدل بقوله"قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى" 14:الأعلى. على زكاة الفطر. وأمَّا مقادير الأنصباء والواجبات فمفصل بالسنة.
وقد أمر تعالى بإخلاص النفقات لله من الواجبات والمستحبات، وأخبر عن مضاعفتها وعن حبوط عمل المرائي والعاصي - في النسخة الأولى: «المان».-، وضرب لذلك الأمثال المقربة للمعاني غاية التقريب.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-12-2017, 12:37 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,381
Arrow

أحكام الصيام والاعتكاف وتوابعها
قال الله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ "البقرة: 183. إلى قوله"كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ "البقرة: 187 .
يؤخذ من هذه الآيات الكريمات من أحكام الصيام شيء كثير. منها: أنَّ شهر رمضان مكتوب على هذه الأمة، وأنَّ الصيام من الشرائع العامة التي شرعت على لسان كلِّ نبي أرسله الله، لعموم نفعه، وكثرة مصالحه. ويجمع مصالحه قوله"لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "البقرة: 183 ، أي: شرعنا لكم الصيام لتقوموا بتقوى الله التي بها النجاة والفلاح والسعادة، فإنَّ الصيام من أعظم أركان التقوى، وهو بنفسه يعين على تقوى الله في كلِّ الأحوال، فإنَّه يمرن النفوس على الصبر عما تهواه مما يلائمها ويوافق طبيعتها، فمتى تمرنت النفس على ذلك بالصيام هان عليها ترك المحارم التي لا تتم التقوى إلا بتركها، وأيضًا فنفس الصيام ترك للمفطرات المحرمة لخصوص الصيام، وكذلك يدعو إلى رحمة الفقير، فإنَّ الإخلاص لله والإحسان لعباد الله هو جماع التقوى، وكلاهما موجود معناه في الصيام.
وفيها: أنَّه يجب صيام رمضان برؤية هلاله على كلِّ مقيم صحيح، وبتمام الشهر الذي قبله من باب أولى، وأنَّ المريض مرضًا يُرجَى زواله والمسافر له الفطر، ويقضي عدته من أيام أُخر، وعموم ذلك كلَّ سفر طويل أو قصير، وأنَّه يصح قضاء أيام قصار باردة على أيام طوال حارة، وأنَّ من فاته رمضان قضى عدد أيامه. وأما المريض مرضاً لا يرجى زواله ، والكبير والكبيرة اللذان لا يستطيعان الصيام فيفطرون ويطعمون عن كلِّ يوم مسكينًا. وبهذا فسر ابن عباس وغيره"وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ "البقرة: 184 ، أي: يتكلفونه بمشقة غير محتملة، أولى من القول بنسخها، وعلل ذلك كلَّه تعالى بقوله"يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ "البقرة: 185 .
ومنها: استحباب التكبير ليلة عيد الفطر، والإكثار من ذكر الله وشكره على إتمام العدة.
ومنها: حل الوقاع للزوجات ليالي الصيام، وأنَّ حله وحل الأكل والشرب ينتهي إلى طلوع الفجر، ففيه جواز صيام الجنب، لأنَّ من لازم هذه الإباحة أن يدركه الفجر وهو جنب، ومثله صيام الحائض إذا انقطع دمها.
ومنها: استحباب تأخير السحور لقوله"حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ "البقرة: 187. وأنَّه يجوز الأكل والشرب مع الشك في طلوع الفجر، ومنها استحباب الفطور وتعجيله.
ومنها: أنَّ حد الصيام الشرعي هو الإمساك عن جميع المفطرات، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
ومنها: كراهة الوصال للصائم، لأنَّ الله لم يجعل الليل محلاً للصوم.
ومنها: أنَّ جميع ما يؤكل، وكلَّ ما يشرب، والجماع من أعظم مفطرات الصائم.
ومنها: مشروعية الاعتكاف حيث إنَّ الله أضافه إلى المؤمنين، وأنَّه لا بد أن يكون في المسجد، وأنَّ مباشرة النساء بالوطء ومقدماته ممنوع منها المعتكف.
وفيه إشارة إلى أنَّ الاعتكاف في آخر رمضان أفضل من غيره لتواتر الأحاديث فيه، لأنَّ الله أتبع الاعتكاف لأحكام الصيام وقد أثنى الله على الصائمين في مواضع كثيرة من القرآن، وذكر ما لهم من الفضل والثواب، وهذا يتناول الفرض والنفل وخصوصاً الأيام التي حثّ صلى الله عليه وسلم على صيامها، كصيام ثلاثة أيام من كلِّ شهر، وست من شوال، ويوم عرفة، واليوم التاسع والعاشر من المحرم، والاثنين والخميس، فإنَّها من أفضل ما يدخل في آيات الصيام.
وقال تعالى"إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ "الدخان: 3 ، "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) "القدر. فيها فضيلة ليلة القدر والعمل فيها، وأنَّها في رمضان. وأخبر صلى الله عليه وسلم أنَّها ترجى في عشره الأخيرة خصوصاً أفرادها، لأنَّ الله ذكر أنَّه أنزل القرآن في رمضان وأخبر أنَّه أنزله في ليلة القدر، وذلك صريح أنَّها في رمضان.
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 07-12-2017, 12:39 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,381
Arrow

أحكام المناسك
قال الله تعالى"وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ "آل عمران: 97 . وقال تعالى"وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ "البقرة: 196. إلى قوله"وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ "البقرة: 203 الآية فيها فوائد كثيرة:
منها: أنَّ الحج أحد أركان الإسلام ومبانيه، وأنَّ الله أوجبه على الناس كلِّهم، ثم خص المستطيعين إليه السبيل، وهذا الشرط الأعظم لوجوب الحج، فمن تمت استطاعته في بدنه وماله ولم يَمنع من ذلك خوف، وجب عليه المبادرة إلى الحج، لأنَّ الأمر المطلق يقتضي الفور، ومن عجز في بدنه وقدر في ماله وهو يرجو زوال هذا العجز صبر إلى زواله، فإن كان لا يرجو زواله أو كان كبيرًا لا يقدر الثبوت على المركوب، استناب عنه من يحج عنه. وكذلك من مات بعدما وجب عليه وجب على أوليائه الاستنابة عنه، والاستطاعة هي القدرة على ثمن الراحلة أو أجرتها أو أجرة المراكب البرية والبحرية ذهابًا ورجوعًا. ولهذا أطلق الله استطاعة السبيل ليشمل ما حدث ويحدث إلى يوم القيامة، وهذا من بلاغة القرآن وبراهين صدقه. وقد أمر الله بإتمام الحج والعمرة لله، وهذا شامل للفرض منهما وللنفل، فمن فرض الحج والعمرة بأن أوجبهما على نفسه بدخوله في النسك، وجب عليه الإتمام إلا أن يحصل له حصر عن الوصول إلى البيت بعدو أو غيره، فيذبح هديه ويحلق رأسه ويحل من نسكه، ومن ساق الهدي قرن بين النسكين كما فعل صلى الله عليه وسلم ولم يحل له أن يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله يوم النحر، فيحل من النسكين جميعاً.
وفيها دليل على مشروعية سوق الهدي من الحل، ويؤخذ مشروعية تقليده من قوله"وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ "المائدة: 97. وأنَّ العمرة تندرج في الحج، وتكون أفعالهما جميعاً والحل منهما جميعاً، وأوجب الله على المتمتع ما استيسر من الهدي وهو ما يجزي في الأضحية جذع ضان، أو ثني معز، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة، فمن لم يجد ذلك فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج لا يتجاوز بها أيام التشريق. وقد أباح الشارع صيامها في هذه الحال فقط وسبعة إذا رجع، وإنما يجب الدم أو بدله على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، لأنَّ من الحكمة في وجوب الهدي أو بدله الشكر لله على نعمة حصول النسكين في سفر واحد، ومن كان أهله في مكة أو قربها لم يكن عليه شيء. ومفهوم الآية أنَّ المفرد للحج ليس عليه هدي، وأما القارن فإنَّه داخل في المتمتع، ولا بد أن يقع إحرام النسكين في أشهر الحج وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة. وأرشد الله من فرض فيها، أي: أوجب فيهنَّ الحج أن لا يرفث والرفث الوطء ومقدماته، لأنَّ الوطء مفسدٌ للنسك ومقدماته منقصةٌ له، ولا يفسق ويشمل ذلك جميع المعاصي، وأما الجدال فهو المخاصمة والمنازعة وكثرة الجدال، لأنَّ هذه الأمور تشغل العبد عما هو بصدده من النسك.
ولما نهى عما ينافي النسك وينقصه أمر وحثَّ على كلِّ ما يكمّله من أفعال الخير كلِّها فقال"وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ "البقرة: 197. وحثَّ أيضًا على كثرة الزاد، لأنَّه يكفِ الإنسان ويغنيه عن الخلق ويبسط به نفسه ورفقته، ويتمكن من فعل الإحسان.
وأباح تعالى للحاج والمعتمر الاشتغال بالتجارة والمكاسب، بشرط أن لا تشغله عن تكميل نسكه.
وقوله"فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ "البقرة: 198. في هذا أنَّ الوقوف بعرفة من أعظم شعائر الحج، لأنَّ الله خاطب به جميع الحاج، وأخبر أنَّهم لا بد أن يفيضوا منها، وهذا أحد أركان الحج الأربعة وهي: الإحرام الذي هو نية الدخول في النسك المذكور في قوله: "فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ "البقرة: 197. والوقوف بعرفة والطواف المذكور في قوله"وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ"الحج: 29. خصه بالذكر لشرفه وأنَّه أعظم أركان الحج، ولأنَّه تشترط له الطهارة دون بقية المناسك، ولأنَّه يتطوع به كلَّ وقت، والسعي بين الصفا والمروة لقوله تعالى"إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا "البقرة: 158. مع حثِّ الله على تعظيم شعائر الدين. فهذه أركان الحج والعمرة، إلا أنَّ العمرة المفردة لا وقوف فيها بعرفة وتوابعها.
وفي الآية الأمر بذكر الله عند المشعر الحرام وهو مزدلفة، الواجب منه أن يدرك جزء من آخر الليل، أي: من النصف الثاني من ليلة النحر والأكمل المبيت بها، وبعد صلاة الفجر يقف عند المشعر ويهلل الله ويحمده ويستغفره حتى يقارب طلوع الشمس.
وقوله"ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ "البقرة: 199 يدخل في ذلك الرمي والنحر والحلق وطواف الإفاضة والسعي والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق، كما عرف ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم وقوله: «خذوا عني مناسككم»- أخرجه مسلم (رقم: 1297).-.
كما أنَّ قوله تعالى"ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ "الحج: 29. يشمل جميع ما شرع في الحج من الأركان والواجبات والسنن.

وقد أمر تعالى بكثرة ذكره واستغفاره عند كمال النسك، ختماً لهذا النسك بالتوبة والاستغفار، وشكرًا لنعمةِ الله على تكميله، وأمر بذكره في الأيام المعدودات وهي أيام التشريق، وأباح التعجل في يومين بأن يرمي ثاني أيام التشريق الجمرات الثلاث، ثم ينفر من منى قبل غروب الشمس، فإن غربت وهو في منى تعين عليه المبيت تلك الليلة والرمي للجمرات الثلاث من الغد.
وقوله تعالى"وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى "البقرة: 125. فيه مشروعية ركعتي الطواف وأنَّ الأفضل أن يكونا خلف مقام إبراهيم.

أحكام الذبائح من الهدايا والضحايا

قال تعالى"فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ "2:الكوثر ، "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" 162 :الأنعام ، "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ"الحج: 36 ، "وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ" 107:الصافات، "ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا" النحل: 123 .
ففي هذه الآيات الأمر بالذبح لله وحده على اسمه وأمر بإخلاصها لله وحده، والذبح الذي هو عبادة الهدايا للبيت الحرام الشامل للواجب منها والمستحب، والأضاحي في عيد النحر في جميع الأقطار اقتداء بإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم، وأخبر تعالى أنَّ فيها خيراً للعباد. وهذا شامل للخير الديني وهو التقرب بها إلى الله، وحصول الحسنات ورفعة الدرجات، وتكفير السيئات وتكميل النسك وللخير الدنيوي. ولهذا أمر بالأكل منها والإطعام، فيشترك في الانتفاع بها الأغنياء والفقراء.
وقد بيّنت السنّة أنَّها لا بد أن تكون من الأنعام الثلاثة، وأن تكون كاملةً في أسنانها وسالمة من العيوب، كما هو مفصّل في السنّة.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 07-12-2017, 12:41 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,381
Arrow

أحكام الجهاد وتوابعه
كم في كتاب الله من الآيات المتعلقة بالجهاد أمراً به، وحثاً عليه، وبياناً لفضله، وفضل أهله وكمالهم، وكثرة ثوابهم، وعلو درجاتهم، وذكر ثمراته الجميلة، ونَهْياً عن ضده، وبيان ما على المتقاعدين عنه من النقص العظيم والعقوبات الدنيوية والأخروية، وكم فيه من ذكر مضاعفة النفقة فيه وأنَّها من أعظم الجهاد.
والجهاد نوعان: جهاد الدعوة إلى دين الإسلام، والتحذير من الأديان الباطلة وهذا مفروض منذ ابتدأت الرسالة، وهو فرض في كلِّ وقت بما يناسب الوقت ويليق به.
قال تعالى"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ "النحل: 125 ، وقال تعالى"وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا "الفرقان: 52 ، أي: جاهد أهل الباطل كلَّهم بالقرآن، فهذا فرض عين على كلِّ مسلم أن يقوم بما يقدر عليه ويعلمه، وعلى أهل العلم من ذلك ما ليس على غيرهم، لأنَّ معهم السلاح التام الحقيقي لهذا الجهاد، وهو العلم الذي خلاصته وروحه شرح ما في دين الإسلام من المحاسن والمزايا والفضائل شرحاً يطابق الواقع، فإنَّه إذا شُرح على هذا الوجه وبُيّنت محاسنه وفضائله قبله كلُّ منصف قصده الحق، وكان أيضاً ذلك قامعًا للمبطلين الملحدين الذين "يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" 32التوبة .
ثم الموازنة بين عقائده وأخلاقه وفضائله وأعماله وبين غيره، فعند ذلك يتضح الفرق العظيم.
ثم إبداء براهين رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الكلية والجزئية، وصدقه وصدق ما جاء به من الحق الذي هو الكتاب والسنّة. فهذه الأصول بيانها بحسب الإمكان هو أكبر الجهاد، وهي أعظم الطرق التي دعا عباده بها إلى دينه، وأمر نبيه ومن قام مقامه أن يدعو بها.
النوع الثاني: الجهاد باليد والسلاح، فهذا فرض كفاية قتال الكفار المحاربين، وقد يكون فرض عين إذا حضر الزحف، وإذا حصر بلده عدو وإذا استنفره الإمام أو من قام مقامه، كما نص الله على ذلك نصاً يدل على فرضيته وتعيّنه.
والجهاد باليد والسلاح يتبع المصلحة، كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم هادن ووادع حيث كانت المصلحة، وحارب حيث اقتضت المصلحة. فعلى المسلمين أن يسلكوا هديه ويتشاوروا في أمرهم، ويعملوا في كلِّ وقت ما يناسبه ويصلح له.
وقد أمر الله بالتثبت في الأمور كلِّها، وخصوصاً في أمور الجهاد وتولية الأكمل والأمثل من الرجال في الولاية الكبرى، وفي ولايات الجيوش والسرايا وغيرها، فإنَّها من أعظم ما يدخل في الأمانات التي أمر أن تؤدى إلى أهلها.
وقال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)"الأنفال . فهذه التعاليم العالية من الله لعباده في جهاد الأعداء، متى استرشدوا بها تمت أمورهم. وقال تعالى"وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ "الأنفال: 60 ، وقال تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ "النساء: 71 .
فهذه الآيات دخل فيها فعل جميع الأسباب، واستعمال جميع القوة المقدورة، والأخذ بالحذر من الأعداء. فجميع علم السياسة يرجع إلى هذين الأصلين الاستعداد بالمستطاع من القوة للأعداء، بحسب الزمان والمكان والحال، واستعمال الحذر من مكر الأعداء وخداعهم وطرقهم ومسالكهم والتوقي من شرورهم مع التوكل على الله كما أمر الله بذلك كلِّه.
وقد ندب الله إلى السلم إذا جنح إليه الأعداء، مع التوكل عليه وأخذ الحذر، كما أمر بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وأمر بالأسر عند الإثخان في العدو، ثم الوالي مخيّر بين المنِّ على الأسرى، أو فدائهم بمال، أو أسير مسلم، أو قتلهم، أو رقهم.
وذكر الأموال الشرعية ثلاثة أقسام: أموال الزكاة، وتقدم أنها للأصناف الثمانية، والغنيمة للغانمين تقسم أربعة أخماسها بينهم؛ للفارس على فرس عربي ثلاثة أسهم، وعلى فرس هجين سهمان، وللراجل سهم والخُمُس الآخر يجعل لهؤلاء الذين سماهم الله "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ "الأنفال: 41 .
وأموال الفيء كالجزية والخراج وخمس الخمس، والأموال المجهول أربابها وما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب يكون للمصالح كلِّها، ويبدأ منها بالأهم فالأهم، وأحكام الجهاد ومتعلقاته كثيرة في الكتاب والسنّة والله أعلم.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 07-12-2017, 12:43 PM
الصورة الرمزية أم أبي التراب
أم أبي التراب أم أبي التراب غير متواجد حالياً
غفر الله لها
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 4,381
Arrow

أحكام البيوع والمعاملات
قال الله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ "المائدة: 1 ، "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا "البقرة: 275 ،"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ "النساء: 29 ، "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا "البقرة: 29 ، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً "آل عمران: 130 ، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ "الجمعة: 9، 10 ، "رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ "النور: 37. الآية، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ "المنافقون: 9 ، "إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ "المائدة: 90 ، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى " إلى قوله"عَلِيمٌ "البقرة: 282 ، "أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ "البقرة: 267 . يستفاد من هذه النصوص كثير من أحكام المعاملات.
فمنها: أنَّها دلت على أنَّ الأصل صحة جميع البيوع والمعاملات، إلا ما استثناه الشارع وأباحت جميع أنواع التجارة، تجارة الإدارة، وتجارة التربص والانتظار بالسلع فرصها ومواسمها، وتجارة الإجارات، وتجارة الديون، وكلَّ ما دخل في اسم التجارة.
ومنها: أنَّ جميع العقود تنعقد بما دل عليها من قول وفعل، لأنَّ الله أباحها ولم يحدد لها ألفاظًا مخصوصة، فكلما عده الناس بيعًا وتجارة ومعاملة انعقدت به المعاملات.
ومنها: وجوب الوفاء بجميع العقود والشروط في كلِّ المعاملات، إلا ما استثناه الشارع كالعقود والشروط التي تحل حراماً، أو تحرم حلالاً، أو ما جعل له الشارع خيار مجلس أو عيب ونحوه أو ما اتفق المتعاقدان على استثناء خيار شرط أو غيره، أو ما كان في الأصل غير لازم كعقود الوكالات ونحوها.
ومنها: أنَّ المعاملات مع إباحتها فالمشتغل بها غير مذموم، إذا لم تلهه عن ذكر الله الواجب من صلاة ونحوها، فإن ألهت عن ذلك فهي مذمومة وصاحبها خاسر.
ومنها: اشتراط التراضي من المتعاملين في كلِّ المعاملات، بأن يأتي بذلك اختياراً فإن أكره أحدهما بغير حق لم تكن المعاملة صحيحة، فإن امتنع أحدهما مما وجب عليه وأكره على الواجب كانت المعاملة صحيحة.
ومنها: أنَّه يستفاد من اشتراط التراضي أنَّ من اشترى معيبًا لم يعلمه، أو غبن بنجش، أو تلقي جلب، أو اغترار أو نحو ذلك أنَّ له الخيار، لكونه لم يحصل الرضى المعتبر.
ومنها: أنَّ الربا بجميع أنواعه من أعظم المحرمات، وأنَّه مفسد للعقد وإن تراضى به المتعاقدان، لأنَّه ليس لهما أن يتراضيا على ما لا يرضي الله ورسوله.
وأنواع الربا ثلاثة: ربا الفضل: بأن يبيع مكيلاً بمكيل من جنسه متفاضلاً، أو موزونًا بموزون من جنسه متفاضلاً، فإنَّ الشارع شرط في بيع الشيء بجنسه إذا كان مكيلاً أو موزوناً شرطين التماثل في القدر والقبض قبل التفرق.
وربا النسيئة: أن يبيع المكيل بالمكيل، أو الموزون بالموزون ولو من غير جنسه، ويتفرقا قبل قبض العوضين، وأشد أنواعه ما ذكره الله بقوله"لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً " آل عمران: 130. وذلك أن يحل الدين عليه، ثم يقلبه عليه ببيعة أخرى إلى أجل فيتضاعف ما في الذمة من غير منفعة، ولا مصلحة تعود على المعامل، وذلك ظلم من صاحب الدين، وسواء تعاملا هذه المعاملة صريحًا، أو تحيلا عليها بحيلة من الحيل وصورةِ عقد غير مقصود، فكلُّ حيلة يتوسل بها إلى إسقاط الواجبات، أو استحلال المحرمات فإنَّها باطلة غير نافذة، لأنَّ العبرة في المعاني والمقاصد لا عبرة بالألفاظ التي لا يقصد معناها.
وأمَّا ربا القرض فأن يقرضه شيئًا ويشترط في مقابلة ذلك نفعاً أيَّ نفع يكون، فهذا الشرط هو الذي أخرجه من موضوع القرض والإحسان، وأدخله في موضوع المعاملات فصارت حقيقته دراهم بدراهم إلى أجل ـ مثلاً ـ وذلك النفع المشروط هو الربح
- في النسخة الأولى: «فصار دراهم بدراهم والربح ذلك النفع».-.

وأمَّا الميسر فإنَّه نوعان: مغالبات ومعاملات: فمتى كانت المعاملة فيها خطر وغرر وجهالة فهي من الميسر، وهو أنواع كثيرة مثل: بيع الآبق وبيع المجهولات أعيانها، أو صفاتها، أو مقاديرها، أو بيع المنابذات، أو الملامسات، أو استنثاء المجهول من المعلوم، أو يشرط في المزارعة، أو المساقاة، أو المغارسة، أو المضاربة، أو المشاركات كلِّها مصلحة أحد المعينات، وللآخر الآخر فيكون كلٌّ منهما مخاطرًا، وذلك أنَّ مبنى المشاركات على العدل، واستواء المتعاملين في المغنم والمغرم، فشرط خلاف ذلك ميسر وخطر وفي ذلك مفاسد كثيرة.

ومن عامل معاملة محرمة فعليه أن يتوب إلى الله، ويرجع المعاملة إلى العدل الذي أباحه الله، ويرفض ما فيها من ربا وميسر وتغرير وغش ونحوها من المحاذير الشرعية.
وأما آية الدين فما أجمعها لأحكام المعاملات وأكثر فوائدها، فإنَّ الله أرشد عباده إلى حفظ أموالهم ونظامها في المعاملات، وإلى تحريرها بالكتابة والشهود وضبطها بالوثائق، وذَكَرَ الطرقَ وأرشدَ إلى سلوكها ويسّرها غاية التيسير، ونفى كلَّ ضرر وظلم فيها من الجانبين، وأمر بغاية العدل وهي من البراهين على أنَّ دين الإسلام قد تكفل للبشر بصلاح دينهم ودنياهم، حيث أباح كلَّ معاملة نافعة وحرم كلَّ معاملة ضارة، وبيّن الطرق التي تحفظ بها وتضبط المعاملات والحقوق.
فمن فوائدها: جواز الديون كلِّها سواء كانت دين سَلَمٍ، بأن يسلم الثمن ويكون المثمن مؤجلاً إلى أجل مسمى، أو ديناً مطلقاً كأن يشتري شيئًا حاضرًا بثمن في ذمته إلى أجل مسمى، لأنَّ الله نسبه للمؤمنين وأقرهم عليه وهذا خاصية المباح.
ومنها: اشتراط العلم بالمبيع والثمن والأجل. أمَّا الأجل فمصرّح به في قوله"إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى "البقرة: 282 . وأمَّا علم الثمن والمثمن فمن باب التنبيه، إلى إنَّه إذا شرط العلم بالأجل الذي هو فرعه، فالأصل من باب أولى وأحرى.
ومنها: الأمر بكتابة الديون المؤجلة، والرخصة في ترك الكتابة في المعاملات الحاضرة، والحكمة في ذلك ظاهرة وهو الحاجة والضرورة في المؤجلة، والمشقة في الحاضرة المتكررة.
ومنها: الإرشاد إلى الإشهاد في المعاملات كلِّها حاضرة أو مؤجلة، وهي أعظم الوثائق وأنفعها وأوسعها.
وقد أمر بأعلى ما يكون فيها بإشهاد رجلين أو رجل وامرأتين من الشهود المرضيين بين الناس، وبَيَّن الحكمة في كون المرأة الواحدة لا تقوم مقام الرجل أنَّ ذاكرة الرجل أقوى من المرأة، فلهذا جبر هذا النقص بزيادة العدد، وبَيَّن الحكمة في ذلك بقوله"أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى "البقرة: 282 .
ومنها: أمر الشهود أن ينقادوا للشهادة، وأن لا يأبوا إذا دعوا للتحمل أو للأداء لما في ذلك من القيام بحق المسلم، وفك المنازعات، ولما فيه من الخير والأجر عند الله تعالى.
ولهذا ينبغي للشاهد أن يقصد بتحمله للشهادة وأدائها وجه الله والقيام بالواجب لقوله تعالى"وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ " الطلاق: 2. وزَجَر غاية الزجر عن كتمان الشهادة ومن باب أولى شهادة الزور، فكلاهما من كبائر الذنوب كتمان الشهادة، والشهادة بالباطل، فإنَّه ظلم في حق الله وظلم للمتعاملين كليهما. أمَّا المظلوم فظاهر وأمَّا الظالم فإنَّ شاهد الزور له وكاتمَ الشهادةِ الحق عليه قد أعانه على الظلم والعدوان.
وفيها دليل أنَّ شهادة الرجلين والرجل والمرأتين مقبولة في جميع المعاملات والأموال، وليس في ذلك نفي لقبول غيرها، لأنَّ الله إنَّما ذكر أعلى الحالات التي يحفظ بها الحقوق، وما يحكم به الحاكم أعمُّ من ذلك. فقد ثبت أنَّه صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد الواحد ويمين صاحب الحق- - أخرجه الترمذي (رقم: 1345)، وابن ماجه (2368)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.-.
ومنها: أنَّ الله أقام المرأتين مقام الرجل، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل» - أخرجه البخاري (رقم: 304)، ومسلم (رقم: 79).وأطلق ذلك. ومقتضاه أن يكون في كلِّ الأحوال ولأهل العلم هنا تفصيلات كثيرة، وما دلت عليه النصوص يجب تقديمه على كلِّ قول.
ومنها: أنَّ من نسي شهادته ثم ذكرها، أنَّ شهادته صحيحة لقوله تعالى"أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى" البقرة: 282 .

وقوله"وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ "البقرة: 282. يدل على أنَّه ينبغي أن يكون الكاتب كامل الصفات، عالماً بالعدل، سالكاً لطريق العدل، معتبرًا عند الناس، وأنَّه لا يحل له أن يميل مع أحد المتعاملين لقرابة، أو صحبة أو نحوهما، فإنَّه خلاف العدل.
ومنها: أنَّ معرفة الكتابة من نعمة الله على العبد، وكونه معتبراً عند الناس مرضياً عندهم، وتتوجه له حاجاتهم، ويمنُّ الله عليه بقضائها والقيام بها، فبهذا تتم عليه النعمة وعليه أن يشكر الله على ذلك ولهذا قال"وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ "البقرة: 282 .
وقوله"وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ "البقرة: 282 ، لأنَّه يكتب الحق الذي يُقِرُّ بِهِ، وفي هذا أنَّ الإقرار من أعظم الطرق التي تثبت بها الحقوق، وأنَّه لا عذر لمن أقرّ، وأنّه لو أقرّ ثم أنكر بعد ذلك، أو ادعى غلطًا أو نسيانًا أنَّه لا يقبل منه؛ لأنَّ الحق ثبت باعترافه، فدعواه ارتفاع ذلك دعوى مجردة لا تقبل.
وفي هذا أنَّه لا يكتب ما أملاه من له الحق حتى يعترف به من عليه الحق اعترافًا معتبرًا.
"فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا"البقرة: 282 ، أي: لا يعرف المصلحة ولا يحسن المعاملة "أَوْ ضَعِيفًا "البقرة: 282 ، أي: صغيرًا، ومن باب أولى المجنون، "أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ "البقرة: 282. لخرس أو حياء الأنثى "فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ "البقرة: 282 ، فيها إثبات الولاية على القاصرين وأنَّ وليهم ينوب منابهم في التصرفات والإقرارات، ويترتب عليه أنَّه لو زالت عنهم الموانع وأرادوا إلغاء تصرفات وليهم أو اتهموه بغير بيّنة فليس لهم ذلك لكونه قام مقامهم.
وفيه أنَّه لا عبرة بإقرار الصغير والسفيه والمجنون ولا بتصرفاتهم، لأنَّ الله لم يجعل لهم هنا إقرارًا ولا معاملة ولا إملاء، بل جعل ذلك لوليهم، ففيه إثبات الحجر عليهم، ومنعهم من التصرفات والتبرعات والإقرارات على أموالهم، وذلك عين مصلحتهم وهذا من محاسن الشريعة، حيث لم يمكن القاصرين من أموالهم خوف الضرر عليهم. ويدل عليه أيضاً قوله تعالى"وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا "النساء: 5 .
وإثبات النيابة عن المرأة الخفرة، فيه إثبات الوكالة، وأنَّ الوكيل إذا أقرّ فيما وكّل فيه فإقراره مقبول.
وفيه دليل على أنَّه ينبغي معرفة حسن الإملاء وتعلم ذلك، وكذلك الكتابة خصوصاً تعلم كتابة الوثائق ومعرفة اصطلاح الناس فيها، فإنَّ ذلك نعم العون على هذا المقصود.
ثم حثّ على كتابة الصغير والكبير فقال"وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ "البقرة: 282 . ففي هذا أنَّ التدقيق في المعاملات والمحاسبات أولى من الإهمال وبناءِ الأمور على المساهلة، فالتدقيق وتحرير المعاملة لها محل، وباب المعروف والإحسان له محل آخر، والتمييز بين الأمرين له أهمية كبيرة، بل الغالب أنَّ الإحسان لا يكون له ذلك الموقع حتى تعلم الأمور على سواء بين المتعاملين.
ثم بيّن تعالى الحِكَم والمصالح العظيمة المترتبة على هذه الإرشادات القرآنية فقال"ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ "البقرة: 282 ، أي: أقرب لسلوك العدل وأقوم للشهادة، أي: أثبت لها لانبنائها على الكتابة وتأيدها وتذكرها بها، "وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا "، أي: يزول بذلك الشك في المعاملة، ولا يستريب بعض المتعاملين ببعض. فكلُّ هذه مقاصد جليلة تدعو الضرورة والحاجة إليها.
وفيه دليل على أنَّ الوثائق يؤيد بعضها بعضًا، وأنَّ الله يحب من المتعاملين أن تكون المعاملة صريحة لا امتراء فيها، وبهذا تدوم المعاملة ويزول الريب.
وقال"فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ" البقرة: 282 ، أي: ولا حرج إذا لم يتوثقوا بكتابة ولا شهادة، ولكن على كلِّ واحد ممن أمنه صاحبه ووثق به أن يؤدي أمانته ويشكر أخاه الذي وثق به، فيكون واجبًا عليه من جهتين: من جهة لزوم تقوى الله ووجوبها في كلِّ حال، ومن جهة أنَّ أخاك إذا وثق بك وأمنك فقد فعل معك معروفاً، فعليك أن تقابل الإحسان بالإحسان وفي هذا تنبيه على كلِّ ما في معناه، وأنَّ من عمل معك معروفًا في المعاملة فما جزاؤه إلا الوفاء معه ومقابلته بمثل عمله، كما أنَّ في قوله"أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ" تنبيه على أنَّ من خصّه الله بنعمة يحتاج الناس إليها، أنَّ مِن شُكره الله على هذه النعمة أن يبذلها للناس إذا احتاجوا إليها، وهو لا مضرة عليه فيغنم ولا يغرم.
ومنها: مشروعية وثيقة الرهن وخصوصًا في السفر عند الحاجة إليه لفقد الكاتب أو الشاهد، وأنَّ المقصود من الرهن أن يكون وثيقة بالدين إذا تعذر الوفاء بيع بالدين، وله مقصود آخر وهو أنَّه إذا كان له غرماء غيره قدم صاحب الرهن به عليهم.
وفيه أنَّ أكمل حالات الرهن أن يكون مقبوضًا، وليس في الآية دليل على أنَّه لا يكون رهنًا إلا إذا قبض، لأنَّ الله إنَّما ذكر أعلى الحالات، بل مفهوم قوله"فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ " البقرة: 283. أنَّها قد تكون غير مقبوضة، لكنها أقل توثقة من المقبوضة، كما أنَّ الشيء القليل أو الذي في الذمة أقل توثقة من الكثير أو من العين.
ومنها: النهي عن مضارة الكاتب والشهيد أو يضاران هما للمتعاملين، فعلى كلٍّ منهما سلوك الطريق الذي فيه إرفاق وسهولة.
ومنها: أنَّه تعالى تعاهد من يُخشى منه خيانة تخفى كالمملي للحق الذي عليه، والمؤتَمَن الذي وثق المعامل بأمانته وذمته بالحث على لزوم التقوى وتذكيره برعاية حق أخيه لكون الحق لا بيّنة به.
قوله تعال"وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ " يوسف: 72 . اسْتُدِل بها على صحة الكَفَالة والضَمَان والجَعَالة، وأنَّه يجوز تقدير الجعالة بما يتقارب علمه كحِمْلِ البعير ونحوه.
وقوله"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا " النساء: 58 . استدل به على ثبوت الأمانات ووجوب حفظها في حرز مثلها وأدائها إلى أهلها: الذي ائتمن الإنسان، أو إلى وكيله ومن يحفظ ماله عادة، وأنَّ كلَّ مؤتمن مقبول قوله في التلف وعدم التفريط، وأنَّ الإنسان مقبول قوله على ما تحت يده من الأمانات لأنَّ هذا مقتضى التأمين.
وقوله"إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ "القصص: 26 فيه مشروعية الإجارة وجوازها في كلِّ المنافع المباحة، وأنَّ خير من عاملته بإجارة أو غيرها مَنْ جَمَعَ الوصفين، القوة التي هي الكفاءة للعمل المقصود من الإنسان والأمانة، فإنَّ النقص إما فقد الصفتين أو إحداهما.
قوله تعالى"وَالصُّلْحُ خَيْرٌ "النساء: 128 ، "فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ "الحجرات: 10. وهذا عام في جميع الحقوق المالية وغيرها، وسواء عند الإقرار أو الإنكار. فالصلح جائز ومأمور به بين الناس إلا صلحاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً، وعموم ذلك يقتضي جواز الصلح عن جميع الحقوق حتى حقوق الخيار والشفعة وغيرها، ويقتضي جواز الصلح عن المؤجل ببعضه حالاً، والصلح بين الجيران في الحقوق المتعلقة بالجوار.
وقد أمر تعالى بالإحسان إلى الوالدين والأقربين والجيران والمساكين وغيرهم، فيشمل ذلك الإحسان القولي والفعلي، ويختلف باختلاف الأشخاص والأوقات وجميع الأحوال.
وقوله تعالى"وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" الأنعام: 152. فيها الولاية على اليتيم وإحسان تدبير ماله، وقد أمر باختباره عند بلوغه، فإذا علم رشده وهو حفظ ماله ومعرفته للتصرف والتصريف دفع له ماله.
قوله تعالى"كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ "البقرة: 180.نُسخت الوصية للورثة بآيات الميراث، وبقيت في غيرهم من الأقارب ونحوها من طرق البر والخيرات.
ويُسْتَدَلُّ على الوقوف والهبات والوصايا، وكذلك على القرض والعارية ونحوها من التبرعات في الأعيان أو في المنافع، بعموم أمره تعالى بالإحسان وثنائه على المحسنين، وبيان فضائلهم وثوابهم. فهذه المذكورات كلُّها داخلة في الإحسان، ولكن ينبغي أن يعلم أن الإحسان إنما يكون إحسانًا حقيقيًا إذا لم يتضمن ظلمًا وجورًا، وإلا فترك الإحسان هو الإحسان مثل أن يكون تبرعه يتضمن ترك واجب من دين، أو مضارة وارث، أو إضرار بمن لا تحل مضارته فهذا لا يجوز.
وقوله"مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ "التوبة: 91. يدل على أنَّ المؤتَمن إذا كان بغير جُعْل أنَّ قوله مقبول في رد الأمانة، كما يقبل قول كلِّ مؤتمن في دعوى التلف وعدم التفريط.
وقوله تعالى"فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ "البقرة: 182. فيها إرشاد إلى تنبيه المعتدي في وصيته، ونصيحة من بعده في تعديل وصيته إذا كانت جائرة.
وقوله تعالى"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ"المائدة: 106- إلى آخر الآيات. فيها: أنَّ الوصية مشروعة وأنَّه يكفي فيها شهادة اثنين من المسلمين، فإن لم يحضر المحتضر إلا كفار، قبلت فيها شهادة اثنين منهم للضرورة، فإن خيف منهما خيانة حلفا بعد الصلاة ما خانا وما كتما، وإن اطّلع على خيانة منهما بأن قامت الشواهد على ذلك، حلف اثنان من أولياء الميت على خيانتهما، وأنَّ شهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا ثم يغرمان المال.
رد مع اقتباس
إضافة رد


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة




الساعة الآن 10:38 PM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. تركيب: استضافة صوت مصر